![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() وتبسمك في وجه أخيك صدقة * * * هذا الحديث العجيب لا يملك الإنسان أن يمر به دون أن يقف عنده لحظات يتدبر بعض معانيه. وإن له لإيحاءات شتى، يدق بعضها ويلطف، حتى يصل إلى أعماق النفس، إلى قرار الوجدان، فيهزها هزاً، ويوقع على أوتار القلب لحناً صافياً مشرقاً جميلاً يأخذ بالألباب. وسنختار هنا من المعاني الكثيرة التي يوحي بها الحديث معنيين رئيسيين: أولهما تفجير منابع الخير في النفس البشرية، وثانيهما: ربط المجتمع برباط الحب والمودة والإخاء. وقد نلم ببعض المعاني الأخرى في أثناء الحديث. * * * الصدقة في مفهومها التقليدي نقود وأشياء محسوسة يساعد بها الغني الفقير، ويمنحها القوي للضعيف. وهي بهذا المعنى ضيقة المفهوم جداً، وأثرها في حياة المجتمع محدود. ولو أنها ظلت قروناً طويلة مظهراً من مظاهر التكافل الاجتماعي، ورباطاً من روابط المجتمع، وأداة لتطهير الأغنياء من الشح، وإعانة الفقراء على الحياة.. وبصرف النظر عن هدف الإسلام الأصيل في أن يكتفي الناس بعملهم الخاص فلا يحتاجون للصدقات - ذلك الهدف الذي تحقق في عهد عمر بن عبد العزيز إذ يقول يحيى بن سعيد: " بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية، فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم، فلم نجد بها فقيراً، ولم نجد من يأخذها منا، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس.. " بصرف النظر عن هذا الهدف النهائي، فقد كانت الصدقات وسيلة احتياطية في المجتمع، طالما أن الفقر موجود، وإلى أن تتمكن الدولة - كما تمكنت في عهد عمر بن عبد العزيز - من إغناء الناس عن غير هذا الطريق. ولكن الحديث النبوي يخرج بالصدقة من معناها التقليدي الضيق. من معناها الحسي، إلى معناها النفسي. وهنا تنفتح على عالم رحيب ليست له حدود. كل خير صدقة.. وعلى كل امرئ صدقة.. هكذا في شمول واسع لا يترك شيئاً ولا يضيق عن شيء! كل خير صدقة. أو ليس ذلك حقاً؟! ومن أين تنبع الصدقة التقليدية بمعناها الحسي الضيق الحدود؟ أو ليست تنبع من معين الخير في النفس البشرية؟ بلى! إن هذا هو معينها الوحيد. وإلا فهي رياء كاذب، وهي دنس لا يصدر عن نفس نظيفة. وليس ذلك بطبيعة الحال هو المقصود. فإذا كانت الصدقة تنبع من معين الخير، فإن حديث الرسول الكريم لا يزيد على أن يرجع مباشرة إلى هذا المعين، يستجيشه ويستدره، ليتفتح ويفيض، ويتدفق في كل اتجاه. الخير هو معين الصدقة. فليكن كل خير صدقة! كل ما ينبجس من هذا المعين. كل ما يخرج من هذا النبع الطاهر النظيف، هادفاً إلى الخير محققاً له في واقع الحياة. والصدقة ما هي؟ أليست " إعطاء "؟ بلى، إنها كذلك فليكن إذن كل إعطاء صدقة! حتى تبسمك في وجه أخيك.. صدقة! إنه ذات المنبع ؛ وهي عملية نفسية واحدة في جميع الأحوال! إن " الحركة " النفسية التي تحدث في داخل النفس وأنت تهم بإعطاء القرش للرجل المحتاج، أو تعين عاجزاً على اجتياز الطريق، أو تساعد إنساناً على رفع حمل.. إنها هي ذاتها التي تحدث في نفسك وأنت ترفع حجراً من الطريق حتى لا يعثر فيه الناس، وهي ذاتها التي تدفع الابتسامة إلى وجهك حين ترى وجه أخيك.. إنك لو جسّمت مشاعر النفوس، فتخيلتها جسوماً متحركة.. لرأيت صورة واحدة في كل مرة: صورة " النفس " وهي تحرك يدها من الداخل حركة الإعطاء! خذ! خذ هذا القرش. أو خذ هذه المعونة.. أو خذ هذا الشعور! منبع واحد. وحركة واحدة في جميع الأحوال. ودافع واحد.. فالذي يدفعك إلى إعطاء الصدقة للمحتاج هو شعور " إنساني ". وقد يكون من الصعب أن تحدد معنى لهذا اللفظ الدقيق. فهو في بساطته وشموله معجز كالإنسانية! قد يكون شعورك واضحاً: هذا أخوك في الإنسانية. تحس بينك وبينه هذه الآصرة التي تربط أفراد الجنس الواحد، وتقرب بينهم، وتدعوهم إلى التعاون الوثيق. وقد يكون شعورك مبهماً. وجدان غامض. خيوط خفية تنبع من قلبك حتى تصل إلى قلبه، فتربط بينهما برباط دقيق. أو هزات كالهزات المغناطيسية أو الكهربائية التي تنتشر في الجو، حتى " يلتقطها " المستقبل من بعيد. هذا الشعور الإنساني - الواضح أو المبهم - الذي يدفعك إلى إعطاء الصدقة للمحتاج، أليس هو ذاته الذي يحنيك على الحجر فتلتقطه بعيداً عن أقدام المارة؟ أو ليس هو كذلك الذي يشيع البسمة في وجهك حين تلقى الناس؟! هي عملية واحدة في داخل النفس.. ولكننا لا ندركها دائماً على حقيقتها. والرسول الكريم يلفتنا في حديثه إليها. يلفتنا إلى هذه الحقيقة النفسية الواحدة التي تكمن وراء كل عمل من أعمال الخير. لنعرف أنه الخير في منبعه وإن تعددت صوره وزواياه.
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() ولكن الرسول - r لا يريدنا أن " نعرف " فحسب! * * * والرسول المربي لا يريد أن يعرفنا بمنابع الخير فحسب، ولا أن يعودنا على الخير فحسب. ولكني ألمح من وراء تعديد الصدقات، وتبسيطها حتى تصبح في متناول الجميع، معنى آخر.. الإعطاء حركة إيجابية. ولذلك قيمة كبرى في تربية النفوس. فالنفس التي تتعود الشعور بالإيجابية نفس حية متحركة فاعلة. بعكس النفس التي تتعود السلبية فهي نفس منكمشة منحسرة ضئيلة. والرسول r يريد للمسلم أن يكون قوة إيجابية فاعلة، ويكره له أن يكون قوة سلبية حسيرة. والشعور والسلوك صنوان في عالم النفس، كلاهما يكمل الآخر ويزيد في قوته. ومن هنا حرص الرسول r على أن يصف حتى الأعمال الصغيرة والهينة بأنها صدقة. بأنها إعطاء. مرة أخرى كالأب مع أبنائه.. فأنت حين توحي لطفلك أن الدور الذي قام به في العمل دور هام ومثمر، وقد أدى إلى نتيجة، فإنك تشجعه على مزيد من العمل ومزيد من الإنتاج. أما إذا رحت تصغر من شأنه، وتشعره أن أعماله تافهة بالقياس إلى المطلوب منه، فإنك تشجعه على الانحسار داخل نفسه، والانصراف عن كل عمل يحتاج إلى مجهود. والرسول يشجع الناس على الإحساس بإيجابيتهم، حتى في الأعمال التي قد تبدو صغيرة في ظاهرها، ليحسوا أن كيانهم يتحقق في عالم الواقع، في عالم السلوك. فيزيدهم ذلك إقبالاً على العمل في ميدان الخير، ويشجعهم على الصعود باستمرار. وفي تسمية هذه الأعمال " بالصدقات " أمر آخر من وراء التعبير. فالصدقات بمعناها الحسي الضيق، تقسم الناس آخذين في جانب ومعطين في جانب. وقد توحي إلى الآخذين الشعور بالضآلة والضعف، وتغري المعطين بالخيلاء والغرور. وذلك تقسيم للمجتمع سيئ غاية السوء. ولكن توسيع نطاق الصدقات حتى تشمل كل شيء وكل عمل متجه إلى الخير، يلغي التقسيم الأول، ويتيح لكل إنسان - بصرف النظر عن فقره وغناه - أن يكون معطياً واهباً للآخرين. ومن ثم يجعل الناس كلهم - بحركة واحدة - آخذين ومعطين على قدم المساواة، وشركاء في ميدان واسع فسيح! وذلك ولا شك منهج بارع في تربية النفوس، فوق أنه يقرر مفهوماً آخر من مفاهيم الإسلام الأصيلة: أن القيم التي تحكم الحياة ليست هي القيم المادية وحدها. أو الاقتصادية وحدها. وإنما القيم الشعورية والوجدانية كذلك. بل هذه الأخيرة هي الأصل الذي تقوم عليه علاقات البشرية! * * * وقد افتتن الناس دائماً بالقيم المادية وحسبوها قوام الحياة. القدماء في ذلك والمحدثون سواء. وحين تنطمس بصائر الناس عن منابع الخير الحقيقية، وتنحسر نفوسهم عن حقيقة الكون الواسعة، فإنهم لا يرون إلا القيم المادية، ولا يدركون إلا ما تدركه الحواس. ولكن الإسلام حرص على توسيع الحياة وتجليتها في صورتها الحقيقية. لم يهمل عالم المادة، ولم يهمل ضرورات الحياة. بل أعطاهما عنايته الكاملة كما يتضح في التفصيلات الدقيقة التي يشملها الشرع، والإضافات الدائمة التي أضافها الفقه الإسلامي على مدى القرون ولكنه لم يقف عند هذه الأمور وحدها، لأن الحياة في واقعها لا تقف هناك. وإنما تتعداها إلى آفاق أوسع وأرحب، وإلى مستويات أكبر وأعلى. والإسلام دين الحياة الكامل، ومن ثم يشمل الحياة كلها في جميع الآفاق وجميع المستويات، على نظافة في الأداء ونظافة في السلوك. إنه كصاحب الأرض الخصبة لا يزرع منها جانباً ويهمل الجانب الآخر، أو يدعه تنبت فيه حشائش السموم. إنه يحس بالقيمة الكبرى لتلك الأرض الثمينة، ويحس بالخسارة التي تنشأ من تعطيلها أو إهمال بعضها، ومن أجل ذلك ينقب في كل مكان في النفس حتى يمكن أن تنبت فيه نبتة الخير، فيزرعها ويجني من زرعها الثمار. وحين يحرص الإسلام على أن يظل ينبوع الخير في النفس الإنسانية ثرًّا يفيض بالخير ولا ينضب، فإنه يضمن أن تقوم بين البشر روابط أمتن بكثير وأوثق من تلك التي يمكن أن يقيمها الاقتصاد أو تقيمها العلاقات المادية. بل يضمن أن تكون رابطة حية وخيرة، لا يأكلها الحقد، ولا تسري إلى القلوب مع " تنظيماتها " الصلادة والجفاف. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() وأي رابطة يمكن أن تربط القلوب أقوى من المودة والحب؟ |
|||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc