هذا مقال قد يساعدك
تشهد الجزائر حركية واسعة في ميدان التطوير العقاري خلال السنوات الأخيرة، عكستها تنظيم عدة ملتقيات دولية لمستثمرين عرب سمحت بالتعريف بالفرص الاستثمارية المتعددة التي تتيحها السوق الجزائرية، وتعززت هذه الحركية بدخول العديد من كبريات الشركات الخليجية المختصة في ميدان العقار وإبداء نيتها في القيام بمشاريع هامة بهذا البلد المغاربي على غرار شركة إعمار الإماراتية التي تنوي استثمار 20 مليار دولار في هذا الميدان، وقد سبقتها شركة الدار العربية “سيدار” السعودية التي استثمرت مبكرا في قطاع العقار بالجزائر وحققت نجاحا مثمرا شجعها لتوسيع استثماراتها لتصل إلى عدة مليارات من الدولارات في نحو سبع مشاريع كبرى.
ويكتسي الاستثمار في قطاع العقار أهمية خاصة بالنسبة للحكومة الجزائرية والرئيس عبد العزيز بوتفليقة بشكل خاص الذي التزم بإنجاز مليون سكن خلال عهدته الرئاسية الثانية الممتدة من 2004 إلى غاية 2009، وحسب وزير السكن والعمران الجزائري نور الدين موسى فإن سنة 2007 عرفت تسليم 429 ألف مسكن، كما سيتم الانتهاء من إنجاز وتسليم 540 ألف سكن مع نهاية 2009، وأشار الوزير إلى أن نسبة 64 بالمئة من إجمالي الغلاف المالي المخصص لهذا البرنامج قد تم استهلاكها خلال سنة 2007.
وخصصت الحكومة الجزائرية إمكانيات مالية هامة لقطاع السكن ضمن برنامج دعم النمو الاقتصادي الذي يبلغ حجمه 150 مليار دولار إلى غاية 2009، ولإنجاح هذا المشروع استعانت الحكومة الجزائرية بشركات عربية وأجنبية لإنجاز 6 بالمئة من مشروع المليون سكن في آجاله المحددة، أو ما يعادل 58 ألف وحدة سكنية.
عجز بنحو 2.3 مليون سكن، والطلب يفوق العرض بـ13 مرة
أدى العجز الكبير الذي تعانيه الجزائر في قطاع العقار والطلب المتزايد عليه في ظل ضعف العرض إلى استقطاب العديد من الشركات الخليجية والعربية المتخصصة في ميدان الترقية العقارية، وفي هذا الشأن أوضح جعفر شلي المدير التنفيذي للشركة المختلطة السعودية الجزائرية السورية “سكن أنفست” بأن الدراسات الأولية التي أجرتها الشركة على سوق العقار في الجزائر كشفت عن وجود عجز كبير يقدر بـ 2.3 مليون شقة، وأن حضيرة السكنات بالجزائر لا تتجاوز 6 ملايين سكن بالنسبة لـ35 مليون نسمة، وهو ما جعل الشركة تتشجع للاستثمار في الجزائر خاصة وأن الربح مضمون، وقامت شركة “سكن أنفست” بعدة مشاريع في هذا الشأن وتسعى لتوسيعها خاصة في الميدان السياحي.
من جانبه قال كريم سعيد مسؤول التسويق والاتصال في بنك البركة الجزائري إن البنك أجرى دراسة ميدانية حول مستوى الطلب على العقار في الجزائر فوجد أن الطلب يفوق العرض بشكل كبير يصل إلى 13 ضعف مما دفع البنك الإسلامي الوحيد في الجزائر إلى تقديم عرض لتمويل العقار للفئات المتوسطة والثرية من الجزائريين، معتبرا أن سوق العقار في الجزائر ما زالت عذراء وتعد بالكثير.
“سيدار” نموذج النجاح العربي في الاستثمار العقاري بالجزائر
كانت شركة الدار العربية سيدار التي يوجد مقرها في السعودية من أوائل الشركات العربية في الميدان العقاري التي استثمرت في الجزائر بداية من 1998، وحسب مديرها العام الدكتور المهندس محمود زايد فقد بدأت الشركة بمشاريع صغيرة في العاصمة الجزائرية وحققت أرباحا شجعتها على استثمار أموال هامة في عدة مشاريع تصل إلى اثنين أو ثلاث مليارات دولار للمشروع الواحد على غرار مشروع القرية السياحية الصغيرات بولاية بومرداس (نحو 40 كيلومتر شرق العاصمة)، ومشروع القرية السياحية بعنابة (450 كيلومتر شرق العاصمة)، وانتهت الشركة حاليا من إنجاز مركز القدس التجاري بالعاصمة الذي يعد أكبر مركز في الجزائر حيث يضم 430 محل تجاري و110 استوديو لرجال أعمال، ودخلت سيدار في شراكة مع عدة شركات خليجية وجزائرية للقيام بمشاريعها الكبيرة على غرار المركز التجاري بالمحمدية الذي ستنجزه بالشراكة مع شركة المغاربية الخليجية التي يوجد مقرها في الكويت، ومركز تجاري آخر بمدينة وهران (450 كيلومتر غرب العاصمة) بالتعاون مع شركة وهران للبناء ومواد البناء التابعة لمجموعة خوجة الجزائرية.
شركة إعمار الإماراتية تنجح في التوقيع على عقود لمشاريع بـ20 مليار دولار
من جانبها نجحت شركة “إعمار” العقارية التي يوجد مقرها بدبي في التوقيع على مذكرة تفاهم مع الدولة الجزائرية في 19 مارس الجاري لإنجاز مشاريع يصل حجمها إلى 20 مليار دولار وقد ترتفع في مرحلة أخرى لتصل إلى 30 مليار دولار بعد توسيعها إلى مدن كبرى في شرق وغرب الجزائر، وتم الاتفاق مبدئيا على إنشاء مدينة طبية بمنطقة سطاوالي بالعاصمة، تتربع على 20 هكتارا، إلى جانب مشروع آخر يتعلق بتطوير سياحي فندقي و خدماتي و هياكل قاعدية ذات استعمال عام بمنطقة سيدي عبد الله بالجزائر العاصمة أيضا تتربع على مساحة قدرها نحو 400 هكتار، ومشروع ثالث يخص إنجاز مشروع فندقي سياحي مندمج بشاطئ العقيد عباس بدواودة ولاية تيبازة يتربع على مساحة تقدر بحوالي 109 هكتار تقع بمنطقة التوسع السياحي، أما مشروع الواجهة البحرية للجزائر والذي يمتد على طول الساحل الغربي للعاصمة والذي يضم أبراجا وفنادق ومراكز تجارية وشقق فخمة فيتم التحضير لإنجاز الدراسات التقنية قبل التوقيع على الاتفاق النهائي.
وتشارك الدولة الجزائرية بـالأرض بـ15 بالمئة في مشاريع شركة “إعمار” التي تملك نسبة 85 المتبقية وتوقع مسؤولون في الشركة انطلاق الأشغال في الثلاثي الأخير من هذا العام بعد استكمال كافة الدراسات التقنية والميدانية.
أسعار العقار مرتفعة بالعاصمة بشكل كبير
تشهد أسعار العقار في الجزائر العاصمة ارتفاعا كبيرا أثر حتى على المستثمرين العرب والأجانب حيث ذكر المستثمر الجزائر جعفر شلي المدير التنفيذي للشركة المختلطة سكن أنفست أن أسعار المتر المربع تتراوح ما بين ألف إلى خمسة آلاف دولار في العاصمة الجزائر، وهو رقم كبير لا يوجد ما يماثله حتى في طوكيو، وذكر شريكه السعودي سعيد بن محفوظ أن الأسعار جد مرتفعة بل مرتفعة بشكل خيالي وقارنها بأسعار العقار في كورنيش جدة على الساحل والذي يعد سعر العقار عاليا جدا بحكم قربه من الأراضي المقدسة في مكة والمدينة وإطلاله على البحر ومع ذلك فسعر المتر المربع فيه يقدر بـ1200 دولار.
وقال جعفر شلي أن ارتفاع أسعار العقار لا يضر الشركات العقارية سواء كانت جزائرية أو أجنبية لأن أرباحها مضمونة ولكن المتضرر الأول هو الزبون الذي سيضطر لشراء الشقق المنجزة بأسعار جد مرتفعة، واقترح شلي أن يتم تشجيع الاستثمار خارج المدن الكبرى والتي ينخفض فيها سعر العقار بشكل قياسي أيضا فإذا ابتعدنا عن العاصمة بنحو 50 كيلومترا فقط فإن الأسعار تنخفض إلى نحو 800 دولار للمتر المربع، كما أن من إيجابيات هذا الإجراء توسيع النسيج العمراني وتخفيض سعر الوحدة السكنية خاصة وأن أغلب السكان يتركزون في المنطقة الشمالية للبلاد وبالأخص في المدن الكبرى، مشترطا أن تقوم الدولة بالتكفل بمهمة تهيئة الإقليم قبل الشروع في الاستثمار.
وذكر المدير التنفيذي لشركة سكن أنفست أنه “لحد الآن لم ير مستثمرا عربيا أو خليجيا دخل سوق الاستثمار بالجزائر وخرج ولم يربح خاصة إذا كان يتحلى بالصبر” معتبرا أن مردودية الاستثمار في الجزائر جد عالية بالرغم من الصعوبات التي قد تواجه المستثمر في البداية.
ويبرر المستشار العقاري حميد بوعليلي أسباب ارتفاع العقار في الجزائر في السنوات الأخيرة إلى توفر سيولة مالية لدى فئة من المواطنين خاصة في الفترة ما بين 2000 و2006، وبدل ادخار هذه الأموال في البنوك ادخروها في شراء العقارات، فانتعشت أسواق العقار بشكل سريع ولم يكن هناك معايير لتحديد أسعار العقار سواء لدى البائع أو المشتري الذي يدفع المال دون أن يناقش سعره ولا يبالي بالغلاء لأنه يعلم بأنه سيبيعه بسعر أعلى بعد شهور أو سنوات، غير أنه في السنتين الأخيرتين قل الطلب على شراء العقار ومع ذلك بقيت الأسعار مرتفعة بشكل غير مبرر إذ أن بائعي العقار ظلوا يعتقدون أن الأسعار لازالت مرتفعة خاصة مع قدوم مستثمرين خليجيين وشركات مهتمة بالعقار إلى السوق الجزائرية، كما أن قرار الدولة الجزائرية بوقف بيع العقار العمومي أدى إلى ارتفاع الأسعار أكثر فأكثر حتى أصبح شراء قطعة أرض يوازي سعر الفيلا التي تبنى عليها.
ويرى أحد بائعي العقارات ويدعى عمي أحمد بأن أسعار العقار ارتفعت بفعل التضخم الذي وصل إلى 3.5 بالمئة في 2007 وارتفاع أسعار مواد البناء وأجور العمال، ويشير عمي أحمد إلى أن أسعار العقار في مدينة بابا أحسن التي لا تبعد عن العاصمة سوى بنحو 20 كيلومتر كانت في عام 1983 رمزية حيث لم يتجاوز سعر المتر المربع الواحد دولار واحد فقط ليقفز بشكل جنوني إلى 700 دولار للمتر المربع حاليا.
22 منطقة للتوسع السياحي وتأهيل 70 منطقة صناعية
ولحل مشكل العقار قامت الدولة الجزائرية بتحديد 22 منطقة للتوسع السياحي في مختلف ولايات الوطن وإعادة تأهيل 70 منطقة صناعية لتسهيل عملية الاستثمار وتشجيعه، وأوضح رئيس الحكومة الجزائري عبد العزيز بلخادم خلال رده على أسئلة بعض المستثمرين العرب خلال ملتقى الجزائر الاقتصادي الذي عقد في الجزائر في يناير 2008 أن الدولة تملك وكالة عقارية تحصي كافة الوعاء العقاري المخصص للاستثمار الصناعي المملوك للدولة وعندما يجتمع المجلس الوطني للاستثمار تحت رئاسته ويدرس مختلف المشاريع المعروضة عليه وبعد الموافقة عليها ينظر إذا كان طلب المستثمر موجودا ضمن الوعاء العقاري لدى الوكالة أما إذا كان ضمن العقار الفلاحي فتعرض القضية على وزير الفلاحة لينظر إن كان فيه إمكانية لتحويله للاستغلال الصناعي ثم يرفع القضية لرئيس الحكومة للبت فيها.
وتتكفل السلطات الجزائرية حسب مسؤولين في وزارة السياحة بتهيئة هذه المناطق سواء من حيث تعبيد الطرق وإيصال شبكات المياه والتطهير والإنارة، خاصة في المناطق المتواجدة بالهضاب العليا والصحراء، وتوقع المستثمر الجزائري شلي جعفر أن تصبح الجزائر بعد عشر سنوات دبي الثانية بفضل الاستثمارات الخليجية في قطاع العقار والسياحة.