ميدل ايست أونلاين
استعمار يرحل ..استعمار يتربص
بغداد - أنهى الجيش الاميركي رسميا الحرب في العراق الخميس وأنزل علمه في مراسم حضرها ليون بانيتا وزير الدفاع الاميركي بعد نحو تسع سنوات من الغزو.
وستنسحب آخر دفعة من القوات الامريكية وقوامها 4000 جندي من العراق بحلول نهاية العام تاركة البلاد في مواجهة تمرد مستمر وتوترات طائفية وتشوش سياسي.
وقال بانيتا خلال مراسم انزال العلم "بعد إراقة دماء الكثير من العراقيين والأميركيين أصبحت مهمة إقامة عراق قادر على حكم وتأمين نفسه بنفسه أمرا واقعا".
وقال بانيتا "قدمنا تضحيات كبيرة للوصول الى هذه المرحلة"، مضيفا "لن ننسى التضحيات الاميركية في العراق".
واعتبر ان "القوات الامنية العراقية قادرة على مواجهة اي تهديد ارهابي"، مشيرا الى انه "في الفترة المقبلة سيكون العراق مسؤولا عن امنه ومستقبله".
وحذر المسؤول الاميركي في الوقت ذاته من ان العراق "سيواجه اختبارا في الايام المقبلة، من قبل الارهابيين والاشخاص الذين يعلمون على تقسيمه (...) والولايات المتحدة ستبقى الى جانبه".
من جهته قال اوستن ان الحفل "هو حدث تاريخي"، موضحا ان الولايات المتحدة "زرعت بذور الديموقراطية فيما كان العراق يكتب دستوره ويجد العراقيون اصداء لاصواتهم".
وفقد الجيش الاميركي نحو 4500 جندي وعشرات الآلاف من العراقيين أرواحهم في حرب بدأت بحملة "الصدمة والرعب" من قصف بغداد بالصواريخ والقنابل وتحولت لاحقا إلى صراع طائفي دموي بين الأغلبية الشيعية والسنة.
وفي الفلوجة المعقل السابق للتمرد الذي كان يقوده تنظيم القاعدة والتي شهدت بعضا من أسوأ معارك الحرب احتفل عدة آلاف من العراقيين بالانسحاب الأربعاء وأحرق بعضهم الأعلام الأمريكية ورفعوا صور أقاربهم القتلى.
وترقب الدول المجاورة للعراق عن كثب كيف ستواجه بغداد مشكلاتها بدون وجود عسكري أميركي كان يقوم بدور المنطقة العازلة في الوقت الذي تهدد فيه الأزمة في سوريا المجاورة بإحداث هزة في التوازن الطائفي والعرقي بالمنطقة.
وأبلغ الرئيس الأميركي بارك أوباما -الذي وعد في حملته الانتخابية بإعادة القوات الأميركية لوطنها- رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن واشنطن ستظل شريكا مخلصا بعد انسحاب آخر جندي أمريكي.
وترى القيادة الشيعية في العراق الانسحاب كبداية جديدة لسيادة البلاد لكن الكثير من العراقيين يتساءلون عن الاتجاه الذي ستأخذه البلاد بمجرد مغادرة القوات الأميركية.
ويخشى البعض اندلاع المزيد من الصراع الطائفي أو عودة تنظيم القاعدة إلى المدن. كما ان خلافا بين الأكراد في منطقة كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد حول أراض متنازاع عليها والنفط يمثل نقطة توتر أخرى.
وانحسر العنف مقارنة بالأيام التي بلغ فيها الصراع الطائفي ذروته وتسببت خلاله تفجيرات انتحارية وفرق إعدام في قتل مئات الضحايا يوميا في وقت انزلقت فيه البلاد إلى موجة من حوادث القتل الثأرية بين السنة والشيعة.
وينظر لقوات الأمن العراقية بصفة عامة باعتبارها قادرة على احتواء ما تبقى من تمرد لجماعات إسلامية من السنة وميليشيات شيعية يقول مسؤولون أميركيون إنها مدعومة من إيران.
وما زالت الأوضاع الأمنية مبعث قلق رئيسيا. وتستهدف الهجمات الآن مكاتب الحكومات المحلية وقوات الأمن في محاولة لإظهار ان السلطات ليست قادرة على السيطرة.
وفتحت الحرب الطريق لتولي الشيعة الذين يمثلون الأغلبية مناصب حيوية..
ويخشى سنة العراق من التهميش أو حتى الخضوع لحكم شمولي بقيادة الشيعة في ظل المالكي. وأذكت تلك المخاوف حملة لقمع أعضاء سابقين في حزب البعث نظمت في الآونة الأخيرة.
وتجعل الانقسامات الطائفية العراق عرضة لتدخل دول مجاورة لاكتساب المزيد من النفوذ.
وتخشى القيادة الشيعية في العراق من ان تؤدي الأزمة في سوريا المجاورة في نهاية الأمر إلى مجيء قيادة سنية متشددة في دمشق مما يزيد من تدهور التوترات الطائفية العراقية.
وكان من المفترض أن تبقى القوات الاميركية في إطار اتفاق لتدريب القوات المسلحة العراقية. وطلبت واشنطن من العراق بقاء ثلاثة آلاف جندي على الأقل. لكن محادثات تهدف إلى منح الحصانة للقوات الأميركية من المحاكمة انهارت.
وما زالت ذكريات الانتهاكات الأمريكية والاعتقالات والقتل عالقة بذاكرة الكثير من العراقيين وتمثل مسألة الحماية القانونية من المحاكمة حساسية بالغة للقيادة السياسية العراقية لدرجة تحول دون طرحها في برلمان يعاني من الانقسام.
وسيبقى نحو 150 جنديا أمريكيا فقط في العراق بعد 31 ديسمبر كانون الأول ملحقين بالسفارة الأمريكية الواقعة قرب نهر دجلة. وسيتولى متعاقدون مدنيون مهمة تدريب القوات العراقية على المعدات العسكرية الأمريكية.