المقصودون بمحاضرة (حروف تجر الحتوف)
أيها المسلم! فاعمل عملاً ترجو حصاده، دون تحريف وتبديلٍ ولغوٍ أو زيادة، لهذا كله -معشر الإخوة- كانت هذه الحروف المُعْنَوْنَ لها بـ(حروف تجر الحتوف)..
وكم من حروفٍ تجر الحتوف ومن ناطقٍ ود أن لو أن سكت
أوجهها حجةً إلى من غلبت عليهم شقوتهم، وضلوا عن علم، وهلكوا عن بينة، فوقعوا في خيار أهل الملة ممن كان لهم شرف الصحبة لمن قال: {لا تسبوا أصحابي }^.
فلا رحم الرحمن من لا يحبهم وأخزى معاديهم بدنيا وآخرة
فوالله الذي لا إله إلا هو لا أرى مثلاً لهؤلاء الموتورين الذين يتطاولون على القمم الشماء؛ إلا كذبابةٍ حقيرةٍ سقطت على نخلة عملاقة، فلما همت بالانصراف قالت باستعلاء: أيتها النخلة تماسكي فإني راحلة عنك، فقالت النخلة العملاقة: انصرفي أيتها الذبابة؛ فهل شعرت بك حينما سقطت عليَّ لأستعد لك وأنت راحلة عني؟
ألم تر أن الليث ليس يضيره إذا نبحت يوماً عليه كلاب
لا يضير السماء العواء ولا أن تمتد لها يد شلاء:
وإطفاء ضوء الشمس أدنى لراغبٍ وأيسر من إطفاء نور الشريعة
وكم من حروف تجر الحتوف..!
أرسلها لمن نشأ وتربى في حجر الأفاعي -أعني عدوه- فهو آلةٌ صماء في يد عدوه يديره كيفما يشاء، ويريده على ما شاء فيجده أطوع من بنانه، يحركه للفتنة فيتحرك، عقربٌ لا تلدغ إلا من يتحرك ولا غرابة:
من كان في جحر الأفاعي ناشئاً غلبت عليه طبيعة الثعبان
وكم من حروفٍ تجر الحتوف!
أهديها بلا ود؛ لمن يبنون الفروع على غير أصولها، فيبوءون بضياع الأصل والفرع معاً.
بل إلى من جعلوا الفرع سلماً للأصول، بل للوصول؛ على طريقة أبي دلامة حين حكمه الخليفة في جائزته، فاقترح كلب صيد، ثم طلب خادماً له، ثم جارية تطبخ الصيد، ثم داراً تؤوي الجميع، أكلاً للعنقود حبة فحبة مع لحافٍ وجبة:
فإنهم كقطيعٍ لا عقول لهم يكفي لإسكاتهم ماء وأعلاف
وكم من حروف تجر الحتوف!
اعرضها على من يريد بقلمه ولسانه أن يداوي علة الأمة بعلل، ويقتل جرثومةً فيها بزرع جراثيم، كطبيبٍ يجرب معلوماته في المرضى ليزيدهم مرضاً، ثم يعيش على أمراضهم التي مكَّن لها فيهم، فهو حاميها وحراميها، سرطانه دواء سلها
هو طالحٌ لا صالحٌ لكنهم غلطوا فلم يضعوا العصا في رأسه
وكم من حروفٍ تجر الحتوف!
أشير بها إلى حملة الأقلام المسمومة، والأفكار الكاسدة، مورثة الضغائن، موقظة الفتن، لقطاء الكتابة، لابسي جلود الضأن على قلوب الذئاب.
والذئب أخبث ما يكون إذا بدا متلبساً بين النعاج إهابا

الأدعياء الذين اقتحموا عريناً ظنوا أن قد نامت آساده لكأن القائل عناهم يوم قال:
لقيط في الكتابة يدعيها كدعوى الجعل في بغض السماد
فدع عنك الكتابة لست منها ولو لطخت وجهك بالمداد
وكم من حروف تجر الحتوف!
لا أعني بها أولئك الرعاع الذين اتخذوا دين الله هزواً ولعباً، وعلوم الشريعة هراءً ولغباً، ليس لهم في العلم إنعام، إن هم إلا كالأنعام!
لست أعني هؤلاء مباشرة وإن أشرت وأهديت ووجهت، ففيهم من انفصمت عنه الرابطة، فنحن منه برآء، ومنهم من لا يرعوون ولا يفهمون، فخطابهم لغوٌ وهراءٌ وبلاء:
ومن البلية نصح من لا يرعوي عن غيه وخطاب من لا يفهم
الله حسيبهم على ما اقترفوا ويقترفون؛ في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
إن المعني بهذه الحروف أولاً وآخراً هم شيوخ الأمة العقلاء، وشبابها المستقيمون الفضلاء، الدم الجديد في حياتها.. أنا وأنت وأنتِ وهو وهي، وكل مسلمٍ على قدرٍ من دينٍ وخلقٍ وحياء، دفعني إليها الرغبة في صون هذا الدم عن أخلاط الفساد، ليتمثل فيه الطهر والعفة والرشاد، فينشأ على قول الحق رافع الهام والحسام، لا على البذاء وعورات الكلام، متفاهمين على الغاية المنشودة، متجهين إلى البناء لا الهدم، إلى الإنصاف لا الحيف، يقيم بعضهم بعضاً إذا كبا، ويستره إذا عري حساً أو معنى، مدركين أنه إذا تصالح ندامى الحان، وتشاكس إخوان المسجد، انكسرت المئذنة، واستولى السكارى على المحراب..
وحضني عليها رغبتي في إبراء الذمة بنصح النفس والأمة، فمن أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه، وما تصدق رجلٌ بصدقةٍ أفضل من موعظةٍ يعظ بها قوماً فيتفرقون وقد نفعهم الله بها، فاللهم انفع وارفع.
محاضرة قيمة أنصح إخواني في منتديات الجلفة بسماعها وهي لفضيلة الشيخ علي ابن عبد الخالق القرني .
حمل المحاضرة واستمع بل أنصت لها وانتفع :
https://www.islamway.com/?iw_s=Lesson...esson_id=16419