![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
مختصر سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قمت باختيار هذا الكتاب القيّـم الذي يحتوي على سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مولده إلى وفاته ومابين ذلك منذ كلف بالرسالة ودعوته وجهاده وغزواته ومن بعده الخلفاء الراشدين الأربعة أبي بكر الصديق وعمربن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب رضوان الله عليهم جميعا وكذلك أعمالهم ومدة خلافتهم مختصرة والحوادث التي وقعت أيام خلافتهم ومابعد ذلك إلى بدء الخلافة العباسية بدء تأليف الكتب هذا الكتاب للشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري قام بتجديده وأضاف إليه الكاتب / محمد حامد الفقي سنة 1375 في 15 شوال 0 أرجو تثبيت الكتاب إن أمكن لأهميته وشموله على نواحي متعددة من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام - والقرار يرجع للإداره في ذلك بعد الإطلاع عليه بســـــــــــــــــــــــــــــم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الأول ( 1 ) نسب النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنافة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نذار بن معد بن عدنان. إلى هنا معلوم الصحة. وما فوق عدنان مختلف فيه ولا خلاف أن عدنان: من ولد إسماعيل. وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب. والقول بأنه إسحاق باطل. ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل. وكانت وقعة الفيل تقدمة قدما الله لنبيه وبيته، وإلا فأهل الفيل نصارى أهل كتاب، دينهم خير من دين أهل مكة. لأنهم عباد أوثان فنصرهم الله نصراً لا صنع للبشر فيه، تقدمة للنبي الذي أخرجته قريش من مكة، وتعظيماً للبلد الحرام. قصة الفيل: وكان سبب قصة أصحاب الفيل ـ على ما ذكر محمد بن إسحاق ـ أن أبرهة بن الصباح كان عاملاً للنجاشي ملك الحبشة على اليمن فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة ـ شرفها الله ـ فبنى كنيسة بصنعاء. وكتب إلى النجاشي " إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها، ولست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب، فسمع به رجل من بني كنافة فدخلها ليلاً. فلطخ قبلتها بالعذرة. فقال أبرهة: من الذي أجترأ على هذا؟ قيل: رجل من أهل ذلك البيت، سمع بالذي قلت. فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمه وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك، فسأله أن يبعث إليه بفيله وكان له فيل يقال له: محمود، لم ير مثله عظماً وجسماً وقوة، فبعث به إليه، فخرج أبرهة سائراً إلى مكة. فسمعت العرب بذلك فأعظموه، ورأوا جهاده حقاً عليهم. فخرج ملك من ملوك اليمن، يقال له: ذو نفر. فقاتله. فهزمه أبرهة وأخذ أسيراً، فقال: أيها الملك استبقني خيراً لك، فاستحياه وأوثقه. وكان أبرهة رجلاً حليماً. فسار حتى إذا دنا من بلاد خثم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب. فقاتلوهم فهزمهم أبرهة. فأخذ نفيلا. فقال له: أيها الملك، إنني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة. فاستبقني خيراً لك فاستبقاه وخرج معه يدله على الطريق. فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف. فقال له: أيها الملك. نحن عبيدك. ونحن نبعث معك من يدلك. فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم. فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال، وهو الذي يرجم قبره. وبعث أبرهة رجلاً من الحبشة ـ يقال له: الأسود بن مفصود ـ على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس. فجمع الأسود إليه أموال الحرم. وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير. ثم بعض رجلاً من حمير إلى أهل مكة، فقال: أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال، بل جئت لأهدم البيت. فانطلق، فقال لعبد المطلب ذلك. فقال عبد المطلب: ما لنا به يدان. سنخلي بينه وبين ما جاء له. فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم. فإن يمنعه فهو بيته وحرمه. وإن يخلى بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة. قال: فانطلق معي إلى الملك ـ وكان ذو نفر صديقاً لعبد المطلب ـ فأتاه، فقال يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل بنا؟ فقال: ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشياً، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل، فإنه لي صديق، فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك. فأرسل إليه، فقال لأبرهة: إن هذا سيد قريش يستأذن عليك. وقد جاء غير ناصب لك، ولا مخالف لأمرك، وأنا أحب أن تأذن له. وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً وسيماً. فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه. وكره أن يجلس معه على سريره، وأن يجلس تحته. فهبط إلى البساط، فدعاه فأجلسه معه. فطلب منه أن برد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله. فقال أبرهة لترجمانه، قل له: إنك كنت أعجبتني حين رأيتك. ولقد زهدت فيك. قال: لم؟ قال: جئت إلى بيت ـ هو دينك ودين آبائك، وشرفكم وعصمتكم ـ لأهدمه. فلم تكلمي فيه، وتكلمني في مائتي بعير؟ قال: أنا رب الإبل. والبيت له رب يمنعه منك. فقال: ما كان ليمنعه مني. قال: فأنت وذاك. فأمر بإبله فردت عليه. ثم خرج وأخبر قريشاً الخبر. وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب؛ ويتحرزوا في رؤوس الجبال؛ خوفاً عليهم من معرة الجيش. ففعلوا. وأتى عبد المطلب البيت. فأخذ بحلقة الباب؛ وجعل يقول: يا رب؛ لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهمو حماكا إن عدو البيت من عاداكا فامنعهمو أن يخربوا قراكا وقال أيضاً: لا هم إن المرء يمنع رحله وحلاله. فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدواً محالك جروا جموعهم وبلادهم والفيل؛ كي يسبوا عيالك إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدالك ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه. وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول وعبأ جيشه. وهيأ فيه. فأقبل نفيل إلى الفيل. فأخذ بأذنه؛ فقال: أبرك محمود. فإنك في بلد الله الحرام. فبرك الفيل. فبعثوه فأبى. فوجهوه إلى اليمن؛ فقام يهرول. ووجهوه إلى الشام فعل مثل ذلك. ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك. فصرفوه إلى الحرام فبرك. وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل. فأرسل الله طيراً من قبل البحر، مع كل طائر ثلاثة أحجار. حجرين في رجليه وحجراً في منقاره. فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم. فلم تصب تلك الحجارة أحد إلا هلك، وليس كل القوم أصابت. فخرج البقية هاربين يسألون عن نفيل، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فماج بعضهم في بعض، يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل، وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فجعلت تساقط أنامله، حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك. *** رجعنا إلى سيرته صلى الله عليه وسلم. وفاة عبد الله والد رسول الله: قد اختلف في وفاة أبيه: هل توفي بعد ولادته أو قبلها؟ الأكثر: على أنه توفي وهو حمل، ولا خلاف أن أمة ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء، منصرفها من المدينة من زيارة أخواله، ولم يستكمل إذ ذاك ست سنين. فكفله جده عبد المطلب، ورق عليه رقة لم يرقها على أولاده، فكان لا يفارقه، وما كان أحد من ولده يجلس على فراشه ـ إجلالاً له ـ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد مكة قوم من بني مُدْلج من القافة، فلما نظروا إليه قالوا لجده: احتفظ به. فلم نجد قدماً أشبه بالقدم الذي في المقام من قدمه، فقال لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، واحتفظ به. وتوفي جده في السنة الثامنة من مولده، وأوصى به إلى أبي طالب، وقيل إنه قال له: أوصيك يا عبد مناف بعدي بمفرد بعد أبيه فرد وكنت كالأم له في الوجد تُدْنيه من أحشائها والكبد فأنت من أرجى بني عندي لرفع ضيم ولشد عضد عبد المطلب جد رسول الله: قال ابن إسحاق: وكان عبد المطلب من سادات قريش، محافظاً على العهود. متخلقاً بمكارم الأخلاق، يحب المساكين، ويقوم في خدمة الحجيج، ويطعم في الأزمات، ويقمع الظالمين، وكان يطعم الوحوش والطير في رؤوس الجبال، وكان له أولاد أكبرهم الحارث، توفي في حياة أبيه، وأسلم من أولاد الحارث عبيدة، قتل ببدر، وربيعة، وأبو سفيان، وعبد الله. ومنهم: الزبير بن عبد المطلب شقيق عبد الله، وكان رئيس بني هاشم وبني المطلب في حرب الفجار، شريفاً شاعراً، ولم يدرك الإسلام، وأسلم من أولاده: عبد الله، واستشهد بأجنادين، وضُباعة، ومجل، وصفية، وعاتكة. وأسلم منهم حمزة بن عبد المطلب، والعباس. ومنهم: أبو لهب مات عقيب بدر، وله من الولد: عتيبة الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقله السبع، وله عتبة، ومعتب، أسلما يوم الفتح، ومن بناته: أروى، تزوجها كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، فولدت له عامراً وأروى، فتزوج أروى عفان بن أبي العاص بن أمية، فولدت له عثمان، ثم خلف عليها عقبة ابن أبي مُعَيْط، فولدت له الوليد بن عقبة، وعاشت إلى خلافة ابنها عثمان. ومنهن: برة بنت عبد المطلب، أم أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي. ومنهن: عاتكة أم عبد الله بن أبي أمية، وهي صاحبة المنام قبل يوم بدر، اختلف في إسلامها. ومنهن: صفية أم الزبير بن العوام، أسلمت وهاجرت. وأروى أم آل جحش ـ عبد الله، وأبي أحمد، وعبيد الله، وحَمنة. وأم عبد المطلب: هي سلمى بنت زيد من بني النجار، تزوجها أبوه هاشم بن عبد مناف فخرج إلى الشام ـ وهي عند أهلها، قد حملت بعبد المطلب ـ فمات بغزة. فرجع أبورُهْم بن عبد العزى وأصحابه إلى المدينة بتركته، وولدت امرأته سلمى: عبد المطلب، وسمته شيبة الحمد، فأقام في أخواله مكرماً، فبينما هو يناضل الصبيان، فيقول: أنا ابن هاشم، سمعه وجل من قريش، فقال لعمه المطلب: إني مررت بدور بني قيلة، فرأيت غلاماً يعتزى إلى أخيك، وما ينبغي ترك مثله في الغربة، فرحل إلى المدينة في طلبه، فلما رآه فاضت عيناه، وضمه إليه، وأنشد شعراً: عرفت شيبة والنجار قد جعلت أبناءها حوله بالنبل تنتضل عرفت أجلاده فينا وشيمته ففاض مني عليه وابل هطل فأردفه على راحلته، فقال: يا عم، ذلك إلى الوالدة، فجاء إلى أمه، فسألها أن ترسل به معه، فامتنعت، فقال لها: إنما يمضي إلى ملك أبيه، وإلى حرم الله، فأذفت له فقدم به مكة، فقال الناس: هذا عبد المطلب، فقال: ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم. فأقام عنده حتى ترعرع، فسلم إليه ملك هاشم: عن أمر البيت، والرفادة، والسقاية، وأمر الحجيج، وغير ذلك. وكان المطلب شريفاً جواداً، وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه، وهو الذي عقد الحلف بين قريش وبين النجاشي، وله من الولد: الحارث، ومخرمة، وعباد، وأنيس، وأبو عمر، وأبو رهم، وغيرهم. ولما مات وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح(1) شيبة فغصبه إياها، فسأل رجال من قريش النصرة على عمه، فقالوا: لا ندخل بينك وبين عمك، فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتاً، منها: يا طول ليلي لأحزاني وإشغالي هل من رسول إلى النجار أخوالي؟ بني عدي ودينار ومازنها ومالك عصمة الحيران عن حالي قد كنت فيهم وما أخشى ظلامة ذي ظلم، عزيزاً منيعا ناعم البال حتى ارتحلت إلى قومي، وأزعجني لذاك مُطلب عمي بترحالي فغاب مطلب في قعر مظلمة ثم انبرى نوفل يعدو على مالي لما رأى رجلا غابت عمومته وغاب أخواله عنه بلا والي فاستنفروا وامنعواضيم ابن أختكم لا تخذلوه، فما أنتم بخذالي فلما وقف خاله أبو سعد بن عدوي بن النجار على كتابه بكى، وسار من المدينة في ثمانين راكباً، حتى قدم مكة، فنزل بالأبطح، فتلقاه عبد المطلب، وقال: المنزل يا خال، فقال: لا والله حتى ألقي نوفلا: تركته بالحجر جالسا في مشايخ قومه، فأقبل أبو سعد حتى وقف عليهم، فقام نوفل قائماً، فقال: يا أبا سعد، أنعم صباحاً، فقال: لا أنعم الله لك صباحاً، وسل سيفه وقال: ورب هذا البيت لئن لم ترد على ابن أختي أركاحه لأمكنن منك هذا السيف، فقال: رددتها عليه، فاشهد عليه مشايخ قريش، ثم نزل على شيبة، فأقام عنده ثلاثاً. ثم اعتمر ورجع إلى المدينة، فقال عبد المطلب. ويأبى مازن وأبو عدي ودينار بن تيم الله ضيمي بهم رد الإله عليّ ركحي وكانوا في انتساب دون قومي فلما جرى ذلك: حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم، وحالفت بنوها هاشم: خزاعة على بني عبد شمس نوفل، فكان ذلك سبباً لفتح مكة، كما سيأتي. فلما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب، قالوا: نحن ولدناه كما ولدتموه، فنحن أحق بنصره، وذلك أن أم عبد مناف منهم، فدخلوا دار الندوة وتحالفوا وكتبوا بينهم كتاباً. عبد الله والد رسول الله: وأما عبد الله، والد النبي صلى الله عليه وسلم: فهو الذبيح. وسبب ذلك: أن عبد المطلب أمر في المنام بحفر زمزم، ووصف له موضعها، وكانت جُرْهم قد غلبت آل إسماعيل على مكة، وملكوها زمناً طويلاً، ثم أفسدوا في حرم الله فوقع بينهم وبين خزاعة حرب، وخزاعة من قبائل اليمن، من أهل سبأ، ولم يدخل بينهم بنو إسماعيل، فغلبتهم خزاعة، ونفت جرهما من مكة، وكانت جرهم قد دفنت الحجر الأسود، والمقام وبئر زمزم، وظهر ذلك قصي بن كلاب على مكة، ورجع إليه ميراث قريش، فأنزل بعضهم داخل مكة ـ وهم قريش الأباطح ـ وبعضهم خارجها ـ وهم قريش الظواهر ـ فبقيت زمزم مدفونة إلى عصر عبد المطلب، فرأى في المنام موضعها، فقام يحفر، فوجد فيها سيوفاً مدفونة وحلياً، وغزالاً من ذهب مُشَنَّفاً بالدر، فعلقه عبد المطلب على الكعبة، وليس مع عبد المطلب إلا ولده الحارث، فنازعته قريش، وقالوا له: أشركنا، فقال: ما أنا بفاعل. هذا أمر خصصت به، فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه. فنذر حينئذ عبد المطلب: لئن آتاه الله عشرة أولاد، وبلغوا أن يمنعوه: لينحرن أحدهم عن الكعبة، فلما تموا عشرة، وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه، كتب كل منهم اسمه في قدح، وأعطوا القداح قَيِّم هُبَل ـ وكان الذي يُجيل القداح ـ فخرج القدح على عبد الله، وأخذ عبد المطلب المدية ليذبحه، فقامت إليه قريش من ناديها فمنعوه، فقال: كيف أصنع بنذري؟ فأشاروا عليه: أن ينحر عشراً من الإبل؟ فأقرع بين عبد الله وبينها، فوقعت القرعة عليه؟ فاغتم عبد المطلب، ثم لم يزل يزيد عشراً عشراً، ولا تقع القرعة إلا عليه، إلى أن بلغ مائة فوقعت القرعة على الإبل؛ فنحرت عنه. فجرت سنة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أنا ابن الذبيحين" يعني إسماعيل عليه السلام وأباه عبد الله. ثم ترك عبدُ المطلب الإبل لا يرد عنها إنساناً ولا سبعاً، فجرت الدية في قريش والعرب مائة من الإبل، وأقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام. وقالت صفية بنت عبد المطلب. نحن حفرنا للحجيج زمزم سُقيا الخليل وابنه المكرم جبريل الذي لم يذمم شفاء سُقْم وطعام مطعم أبو طالب عم رسول الله: وأما أبو طالب: فهو الذي تولى تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد جده كما تقدم، ورق عليه رقة شديدة، وكان يقدمه على أولاده. قال الواقدي: قام أبو طالب ـ من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة من النبوة ثلاث وأربعين ـ يحوطه ويقوم بأمره، ويذب عنه، ويلطف به. وقال أبو محمد بن قدامة: كان يقر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وله في ذلك أشعار منها: ألا أبلغاً عني على ذاتِ بيننا لؤياً وخصاً من لؤي بني كعب بأنا وجدنا في الكتاب محمداً نبيا كموسى، خُطّ في أول الكتب وأن عليه في العباد محبة ولا خير ممن خصه الله بالحب ومنها: تعلم خيار الناس أن محمداً وزيراً لموسى والمسيح ابن مريم فلا تجعلوا لله ندا. وأسلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم ولكنه أبى أن يدين بذلك خشية العار، ولما حضرته الوفاة: دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية ـ فقال " يا عم عبد المطلب؟ فلم يزل صلى الله عليه وسلم يرددها عليه وهما يرددان عليه حتى كان آخر كلمة قالها " هو على ملة عبد المطلب " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنك" فأنزل الله تعالى ( 9: 113 ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين، ولو كانوا أول قُرْبَى من بعد ما تبين لهم: أنهم أصحاب الجحيم) ونزل قوله تعالى ( 28 : 56 إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ـ الآية). قال ابن إسحاق: وقد رثاه ولده عليّ بأبيات، منها: أرقت لطير آخر الليل غردا يذكرني شجواً عظيماً مجددا أبا طالب، مأوى الصعاليك، ذا الندى جواداً إذا ما أصدر الأمر أوردا فأمست قريش يفرحون بموته ولست أرى حيا يكون مخلدا أرادوا أموراً زيفتها حلومهم ستوردهم يوماً من ألغى موردا يرجون تكذيب النبي وقتله وأن يفترى قدما عليه ويجحدا كذبتم وبيت الله، حتى نذيقكم صدور العوالي والحسام المهندا خلّف أبو طالب أربعة ذكور وابنتين. فالذكور: طالب، وعقيل، وجعفر وعلي، وبين كل واحد عشر سنين. فطالب أسنهم، ثم عقيل، ثم جعفر، ثم علي. فأما طالب: فأخرجه المشركون يوم بدر كرها، فلما انهزم الكفار طلب، فلم يوجد في القتلى، ولا في الأسرى، ولا رجع إلى مكة، وليس له عقب. وأما عقيل: فأسر ذلك اليوم، ولم يكن له مال، ففداه عمه العباس، ثم رجع إلى مكة، فأقام بها إلى السنة الثامنة. ثم هاجر إلى المدينة، فشهد مؤتة مع أخيه جعفر. وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم " وهل ترك لنا عقيل من منزل؟". واستمرت كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما ذكرنا ـ فلما بلغ اثنتي عشرة سنة ـ وقيل: تسعاً ـ خرج به أبو طالب إلى الشام في تجارة فرآه بحيري الراهب، وأمر عمه أن لا يقدم به الشام خوفاً عليه من اليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة. ووقع في الترمذي " أنه بعث معه بلالاً" وه غلط واضح فإن بلالاً إذ ذاك لعله لم يكن موجوداً. خروجه إلى الشام وزواجه خديجة: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة، خرج إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها، ومعه ميسرة غلامها، وفوصل بصرى. ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد، وهي أول امرأة تزوجها وأول امرأة ماتت من نسائه، ولم ينكح عليها غيرها، وأمره جبريل " أن يقرأ عليها السلام من ربها ويبشرها ببيت في الجنة من قصب". منقول بطلب من صاحبة الموضوع
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() تحنثه في غار حراء: |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() أنواع الوحي: |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() حصار بني هاشم في الشعب: |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() نقض الصحيفة:
ثم بعد ذلك مشى هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي، وكان يصل بني هاشم في الشعب خفية بالليل بالطعام ـ مشى إلى زهير بن أبي أمية المخزومي ـ وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب ـ وقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب، وأخوالك بحيث تعلم؟ فقال: ويحك، فما أصنع وأنا رجل واحد؟ أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها، قال: أنا. قال. ابغنا ثالثاً. قال. أبو البختري ابن هشام، قال: ابغتا رابعاً، قال: زمعة بن الأسود، قال: ابغتا خامساً، قال: المطعم ابن عدي، قال: فاجتمعوا عند الحجون، وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة. فقال زهير: أنا أبدأ بها، فجاءوا إلى الكعبة ـ وقريش محدقة بها ـ فنادى زهير ـ يا أهل مكة، إنا نأكل الطعام، ونشرب الشراب، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل: كذبت، والله لا تشق، فقال زمعة: أنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حين كتبت. وقال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقار عليه. فقال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها. وقال هشام بن عمرو: نحو ذلك. فقال أبو جهل: هذا أمر قد قضى بليل، تشوور فه بغير هذا المكان. وبعث الله على صحيفتهم الأرضة، فلم تترك اسماً إلا لحسته، وبقي ما فيها من شرك وظلم وقطيعة، وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم، فذكر ذلك لعمه، فقال: لا والثواقب ما كذبتني. فانطلق يمشي بعصاه من بني عبد المطلب، حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فلما رأوهم ظنوا أنهم خرجوا من شدة الحصار، وأتوا ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم أبو طالب، فقال: قد حدث أمر، لعله أن يكون بيننا وبينكم صلحاً، فأتوا بصحيفتكم ـ وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها، فلا يأتوا بها، فأتوا بها معجبين، لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوع إليهم، قالوا: قد آن لكم أن تفيئوا وترجعوا خطراً لهلكة قومكم، فقال أبو طالب: لأعطيتكم أمراً فيه نصف، إن ابني أخبرني ـ ولم يكذبني ـ أن الله عز وجل برئ من هذه الصحيفة التي في أيديكم، وأنه محا كلاسم له فيها، وترك فيها غدركم، وقطيعتكم، فإن كان ما قال حقاً، فو الله لا نسلمه إليكم حتى نموت عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلاً، دفعناه إليكم فقتلتموه، أو استحييتموه. قالوا: قد رضينا، ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر، فقالوا: هذا سحر من صاحبكم، فارتكسوا وعادوا إلى شر ما هم عليه. فتكلم عند ذلك النفر الذين تعاقدوا ـ كما تقدم ـ وفال أبو طالب شعراً يمدح النفر الذين تعاقدوا على نقض الصحيفة، ويمدح النجاشي، منه: جزى الله رهطاً بالحجون تتابعوا على ملأ، يهدي بحزم ويرشد أعان عليها كل صقر كأنه إذا ما مشى في رفرف الدرع أجرد قعوداً لدى جنب الحجون كأنهم مقاولة، بل هم أعز وأمجد وأسلم هشام بن عمرو يوم الفتح. وخرج بنو هاشم من شعبهم وخالطوا الناس وكان خروجهم في سنة عشرة من النبوة ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر. موت خديجة وأبو طالب: وماتت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بأيام، فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه بعد موت خديجة وعمه، وتجرأوا عليه، وكاشفوه بالأذى، وأرادوا قتله، فمنعهم الله من ذلك. قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما " حضرتم، وقد اجتمع أشرافهم في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل صبرنا عليه، سَفَّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وفرق جماعتنا، فبينما هم في ذلك، إذ أقبل، فاستلم الركن فلما مر بهم غمزوه". وفي حديث: أنه قال لهم في الثانية " لقد جئتكم بالذبح" وأنهم قالوا له: يا أبا القاسم: ما كنت جهولاً، فانصرف راشداً. فلما كان من الغد اجتمعوا فقالوا: ذكرتم ما بلغ منكم، حتى إذا أتاكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم كذلك، إذ طلع عليهم، فقالوا: قوموا إليه وئبة رجل واحد، فلقد رأيت عقبة بن أبي معيط آخذاً بمجامع ردائه، وقام أبو بكر دونه وهو يبكي، يقول: اتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟. وفي حديث أسماء " فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقالوا: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا وله غدائر أربع، فخرج وهو يقول: ويلكم اتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ فلهوا عنه، وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا لا يمس شيئاً من غدائر إلا رجع معه" ومرة كان يصلي عند البيت، ورهط من أشرافهم يرونه، فأتى أحدهم بسلا جزور، فرماه على ظهره. وكانوا يعلمون صدقه وأمانته، وأن ما جاء به هو الحق، لكنهم كما قال الله تعالى (33:6 فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون). وذكر الزهري: أن أبا جهل، وجماعة معه، وفيهم الأخنس بن شريق، استمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل، فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم: ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: اطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطو فأعطينا، حتى إذا تجائينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك هذا؟ والله لا نسمع له أبداً، ولا نصدقه أبداً". وفي رواية " إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن بني قصي قالوا: فينا الندوة فقلنا: نعم، قالوا: وفينا الحجابة، فقلنا: نعم، قالوا: فينا السقاية، فقلنا: نعم، وذكره نحوه. سؤالهم عن الروح وأهل الكهف: وكانوا يرسلون إلى أهل الكتاب يسألونهم عن أمره؟ قال ابن إسحق عن ابن عباس: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهما: سلاهم عن محمد، وصفا لهم صفته، فإنهم أهل الكتاب، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألاهم عنه؟ ووصفا لهم أمره، فقالت لهما أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإلا فهو رجل متقول. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول: ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان حديث عجيب وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، فما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فأقبلا حتى قدما مكة، فقالوا: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أخبرنا أحبار يهود: أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فجاءوا رسول الله، فسألوه عما أخبرهم أحبار يهود، فجاءه جبريل بسورة الكهف فيها خبر ما سألوه عنه، من أمر الفتية، والرجل والطواف، وجاءه بقوله ( 85:17 وسألونك عن الروح ـ الآية). قال ابن إسحاق: فافتتح السورة بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروا عليه من ذلك، فقال (1:18 الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) يعني أنك رسول مني، أي تحقيق ما سألوا عنه من نبوتك ( ولم يجعل له عوجاً) أي أنزله معتدلاً لا خلاف فيه ـ وذكر تفسير السورة ـ إلى أن قال ( 9:18 أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً) أي: ما رأوا من قدرتي في أمر الخلائق، وفيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك وأعجب. وعن ابن عباس: الذي آتيتك من الكتاب والسنة أعظم من شأن أصحاب الكهف، قال ابن عباس: والأمر على ما ذكروا، فإن مكثهم فياماً ثلاثمائة سنة: آية دالة على قدرة الله ومشيئته، وهي آية على معاد الأبدان، كما قال تعالى ( 21:18 وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق، وأن الساعة لا ريب فيها) وكان الناس قد تنازعوا في زمانهم، هل تعاد الأرواح وحدها؟ أم الأرواح والأبدان؟ فجعلهم الله آية ولله على معاد الأبدان، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصتهم، من غير أن يعلمه بشر، آية دالة على نبوته، فكانت قصتهم آية دالة على الأصول الثلاثة: الإيمان بالله ورسوله، واليوم الآخر، ومع هذا: فمن آيات الله ما هو أعجب من ذلك. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى سؤالهم عن هذه الآيات التي سألوه عنها ليعلموا: هل هو نبي صادق، أو كاذب؟ فقال (83:18 ـ 100 ويسألونك عن ذي القرنين قل: سأتلو عليكم منه ذكراً) وقوله ( 7:12 ـ 02 لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ـ إلى قوله ـ إذ اجمعوا أمرهم وهم يمكرون). والقرآن مملوء من إخباره بالغيب الماضي، الذي لا يعلمه أحد من البشر، إلا من جهة الأنبياء، لا من جهة الأولياء، ولا من جهة غيرهم، وقد عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم لا يتعلم هذا من بشر، ففيه آية وبرهان قاطع على صدقه ونبوته. قول الوليد بن المغيرة في القرآن: سحر: وعن ابن عباس قال: " إن الوليد بن المغيرة، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ علي، فقرأ عليه (90:16 إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ـ الآية) فقال: أعد، فأعاد، فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، وما يقول هذا بشر". وفي رواية " وبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا ما لك مالاً، قال: ولم؟ قال: أتيت محمداً لتعوض مما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك: أنك منكر له، قال: ماذا أقول؟ فوالله ما فيكم أعلم بالأشعار مني... الخ". وفي رواية أن الوليد بن المغيرة قال لهم ـ وقد حضر الموسم ـ " ستقدم عليكم وفود العرب من كل جانب، وقد سمعوا بأمر صاحبكم، فاجمعوا فيه رأياً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، فقالوا: فأنت فقل، فقال: بل قولوا وأنا أسمع، قالوا: نقول: كاهن، قال: ما هو بزمرة الكهان، ولا سجعهم، قالوا نقول: مجنون، قال: ما هو بمجنون لقدر أينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخالجه قالوا: نقول: شاعر، قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر: رجزه، وهزجه وقريضه، ومقبوضه، وميسوطه، قالوا: نقول ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة وسحرهم، فما بعقدهم ولا نفثهم، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال ما نقول من شيء من هذا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول، أن تقولوا: ساحر، يفرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون للناس، لا يمر بهم إلا حذروه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله في الوليد بن المغيرة ( 11:74 ـ 26 ذرني ومن خلقت وحيداً ـ إلى قوله ـ سأصليه سقر). ونزل في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله، وفيما جاء به من عند الله (91:15 الذين جعلوا القرآن عضين) أي أصنافا. وكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات، فمنها ما يأتيهم الله به، لحكمه أرادها الله سبحانه. انشقاق القمر: فمن ذلك أنهم سألوه: أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر، وأنزل قوله ( 1:54 ـ 3 اقتربت الساعة وانشق القمرـ الآيات ـ إلى قوله: وكل أمر مستقر) فقالوا: سحركم، انظروا إلى السفّار، فإن كانوا رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق، فقدموا من كل وجه، فقالوا: رأينا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما طلب من الآيات ـ التي يقترحون ـ رغبة منه في إيمانهم، فيجاب بأنها: لا تستلزم الهدى، بل توجب عذاب الاستئصال لمن كذب بها. سؤالهم بالآيات: والله سبحانه قد يظهر الآيات الكثيرة، مع طبعه على قلب الكافر، كفرعون قال تعالى: (109:6 ـ111 وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ـ إلى قوله ـ ولكن أكثرهم يجهلون) وقال تعالى ( 59:17 وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ـ الآية). بين سبحانه وتعالى: أنه إنما منعه أن يرسل بها إلا أن كذب بها الأولون، فإذا كذب هؤلاء كذلك: استحقوا عذاب الاستئصال. وروى أهل التفسير، وأهل الحديث عن ابن عباس، قال " سأله أهل مكة أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن يُنَحّى عنهم الجبال حتى يزرعوا، فقيل له: إن شئت نستأني بهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا هلكوا، كما هلك من قبلهم، فقال: بل استأني بهم، فأنزل الله ( ومت منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الألون ـ الآية). وروى ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: رحمة لكم أيها الأمة، إنا لو أرسلنا بالآيات، فكذبتم بها: أصابكم ما أصاب من قبلكم، وكانت الآيات تأتيهم آية بعد آية، فلا يؤمنون بها، قال تعالى ( 4:6 ـ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ـ الآيات). أخبر سبحانه بأن الآيات تأتيهم فيعرضون عنها، وأنهم سيرون صدق ما جاءت به الرسل، كما أهلك الله من كان قبلهم بالذنوب التي هي تكذيب الرسل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول (59:38 وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ـ الآية) وأخبر بشدة كفرهم بأنهم لو أنزل عليه كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم، لكذبوا به، وبين سبحانه أنه لو جعل الرسول ملكاً لجعله على صورة رجل، إذ كانوا لا يستطيعون أن يروا الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها، وحينئذ يقع اللبس عليهم، لظنهم الرسول بشراً لا ملكاً، وقال تعالى ( 90:17ـ96 وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ـ الآيات). وهذه الآيات لو أجيبوا إليها، ثم لم يؤمنوا: لأتاهم عذاب الاستئصال، وهي لا توجب الإيمان، بل إقامة للحجة، والحجة قائمة بغيرها، وهي أيضاً مما لا يصح فإن قولهم "حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً " يقتضي تفجيرها بمكة، فيصير وادياً ذا ذرع والله سبحانه وتعالى قضى بسابق حكمته: أن جعل بيته بواد غير ذي ذرع، لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا، فيكون حجهم للدنيا. وإذا كان له جنة من نخيل وعنب كان في هذا من التوسع في الدنيا ما يقتضي نقص درجته. وكذلك إذا كان له قصر من زخرف، وهو الذهب. أما إسقاط السماء كسفاً، فهذا لا يكون إلا يوم القيامة. وأما الإتيان بالله والملائكة قبيلا: فهذا لما سأل قوم موسى ما هو دونه: أخذتهم الصاعقة، وقال تعالى: ( 153:4 ـ161 يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء ـ الآيات). بين سبحانه: أن المشركين وأهل الكتاب سألوه إنزال كتاب من السماء، وبين أن الطائفتين لا يؤمنون إذا جاءهم ذلك، وأنهم إنما سألوه تعنتاً، فقال عن المشركين (7:6 ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس ـ الآية). وقال عن أهل الكتاب ( 153:4 فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ـ إلى قوله ـ ميثاقاً غليظاً) فهم ـ مع هذا ـ نقضوا الميثاق، وكفروا بآيات الله، وقتلوا النبيين، فكان فيه من الاعتبار: أن الذين لا يهتدون إذا جاءتهم الآيات المقترحة لم يكن في مجيئها منفعة لهم، بل فيها وجوب عقوبة عذاب الاستئصال إذا لم يؤمنوا، وتغليظ الأمر عليهم كما قال تعالى: (160:4 فبظلم من الذين هادوا ـ الآية). فكان في إنزال مثل هذه: أعظم رحمة وحكمة. ولما طلب الحواريون من المسيح المائدة، كانت من الآيات الموجبة لمن كفر بها عذاباً، لم يعذب الله به أحداً من العالمين، وكان قبل نزول التوراة يهلك الله المكذبين بالرسل بعذاب الاستئصال عاجلاً، وأظهر آيات كثيرة لما أرسل موسى ليبقى ذكرها في الأرض، إذ كن بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال، كما قال تعالى (43:28 ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) بل كان بنو إسرائيل لما كانوا يفعلون ما يفعلون ـ من الكفر والمعاصي ـ يعذب الله بعضهم ويبقى بعضهم، إذ كانوا لا يتفقون على الكفر، ولم يزل في الأرض منهم أمة باقية على الصلاح قال تعالى: (167:7 وقطعانهم في الأرض أمماً منهم الصالحون، ومنهم دون ذلك ـ الآية) وقال (114،113:3 من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل. وهم يسجدون ـ الآيتين). وكان من حكمته تعالى ورحمته ـ لما أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين ـ أن لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال، بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كالمستهزئين الذين قال الله فيهم ( 96،95:15 إنا كفيناك المستهزئين ـ الآيات). والذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليه كلباً من كلابه فافترسه الأسد، كما قال تعالى ( 52:9 قل: هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين؟ ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده؟ ـ الآية). فأخبر سبحانه أن يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود، وتارة بغير ذلك. فكان ذلك مما يوجب إيمان أكثرهم، كما جرى لقريش وغيرهم، فإنه لو أهلكهم لبادوا وانقطعت المنفعة بهم، ولم يبق لهم ذرية تؤمن، بخلاف ما عليهم به من الإذلال والقهر، فإن في ذلك ما يوجب عجزهم، والنفوس إذا كانت قادرة على كمال أغراضها فلا تكاد تنصرف عنها بخلاف عجزها عنها، فإنه يدعوها إلى التوبة، كما قيل: من العصمة أن لا تقدر، ولهذا آمن عامتهم. وقد ذكر الله في التوراة لموسى " إني أُقسَّى قلب فرعون، فلا يؤمن بك لتظهر أياتي وعجائبي". بين أن في ذلك من الحكمة: انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الأرض إذ كان موسى أخبر بتكليم الله له، وبكتابة التوراة له فأظهر له من الآيات ما يبقى ذكره في الأرض، وكان في ضمن ذلك: من تقسية قلب فرعون ما أوجب هلاكه وهلاك قومه. وفرعون كان جاحداً للصانع. فلذلك أوتي مصر من الآيات ما يناسب حاله. |
|||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc