لتطورات التي انتهت إليها أوضاع الربيع العربي في ليبيا وفي سوريا وفي اليمن جعلت الجزائريين يمقتون فكرة التغيير بالعنف عبر الشارع ويفضلون العيش تحت "شتاء" الفساد على أن يدخلوا في ربيع عربي زهوره حمراء كشقائق النعمان! ودموعه بيضاء كطل الياسمين!
ولكن ما انتهت إليه الثورات الربيعية العربية الناجحة في تونس ومصر في أول تحرك ديمقراطي جعل الجزائريين يتوجسون خيفة من القادم عبر الإصلاح وعبر صناديق الاقتراع!
في تونس وضعت أول لبنة في الديمقراطية.. ولكنها اتضحت بأنها معوجة ويريد العديد من التوانسة إعادة هدمها من جديد قبل أن يجف إسمنتها.. فالديمقراطية التونسية في خطوتها الأولى شابتها شائبة الفساد السياسي المالي, فصعد المجاهيل السياسيون وغير السياسيين بالمال الحرام والحلال.. وصادرت حقهم في الفوز لجنة الإشراف على الانتخابات.. ولم يتغير أي شيء في الممارسات في علاقة الانتخابات بالفساد وعلاقة الانتخابات بالتعسف.. رغم الكم الهائل الذي ضخته النهضة من التطمينات على أن الشارع التونسي الذي اختار النهضة اختارها وهو خائف من القفز في المجهول!
وفي مصر بدأت الأمور تتضح بأن لا مفر من عسكرة الحياة السياسية من جديد تجنبا لمخاطر محتملة بعضها موضوعي وبعضها الآخر مصنطع! خاصة بعد أن أصبح المصريون قاب قوسين أو أدنى من الاختيار بين "الإخوان" والفساد ولا يوجد طريق ثالث إلا طريق العسكر من جديد!
هل من الصدفة أن يتحرك مصريون عاديون أو هكذا يقولون.. لجمع ملايين التوقيعات لمناشدة المشير طنطاوي بأن يترشح للرئاسة! وهل إذا ترشح المشير يترشح لكي يكون أرنبا لأسود الإخوان أو بقايا الفساد؟!
لا يمكن لأي عاقل أن يتصور المشير مرشحا دون أن يكون هو الرئيس!
الطرائق التي ترتب بها الأمور في تونس.. والتي ترتب بها الأمور السلطوية في مصر تدل على أن الربيع العربي الناجح في مصر وتونس هو ناجح لأن هناك شبه تحالف بين الثلاثي السياسي الجديد الفاعل.. وهو المال والعسكر والإسلام! وحالة الجزائر الآن يحكمها هذا الثلاثي الرهيب والغريب.. المال والسلاح والإسلام الانتهازي! لهذا فإن مشروع الربيع العربي الناجح على الطريقة التونسية أو المصرية لا يمكن أن يحمل لنا الجديد في الجزائر!
الإصلاح الذي نبحث عنه في الجزائر الآن هو الإصلاح الذي يزيل هيمنة هذا الثلاثي على مقاليد الأمور في البلاد.. ومقترح المال الآن بفرض الشعب سلطته على المؤسسات والمسؤولين في هذه المؤسسات.. تعيينا ورقابة وإنهاء مهام! ولا أظن أن الجزائر الآن جاهزة سياسيا لمثل هكذا قرارات إصلاحية.. ومن هنا علينا أن نقبل بترقيعات لأحوال الرداءة والفساد لتصبح أكثر إنسانية في انتظار الوقت المناسب للتغيير والإصلاح الحقيقي وليس إصلاح الفساد ليصبح أكثر استبدادا!
بقلم: سعد بوعقبة