هناك صفات سلبية أيضاً تَسِمُ الحياةالاجتماعية عند العرب. ومن هذه الصفات السلبية:
شيوع الخَمر بينهم، وشيوع القِمار والمَيسر، والأخذ بالثأر. والأخذ بالثأر أيضاً كان عادة عربية قديمة متأصّلة في نفوسهم. كانت الخَمر عادة عند بعض الناس والبعض لا يأنَف منها، حتى إنهم كانوا إذا شرب إنسان الخَمر وأدمن وأصبح سِكيراً، كانوا يحكمون عليه بالنفي مِن القَبيلة.
أمّا الذي كان شائعاً عندهم هو الربا، والقِمار والميسر، والأخذ بالثأر، وهذا كان يُعَدّ سِمَة من السمات النفسية العربية الجاهلية، وكانوا يحرّمون على أنفسهم أشياء كثيرة حتى يُؤخَذ بثأر القَتِيل؛ ولهم في ذلك صوَر كثيرة وأشياء كثيرة.
إضافة إلى ما ذُكِر نَجد سؤالاً يطرأ: مامكانة المرأة في المجتمع الجاهلي، وكيف صوّرها الشُّعَراء؟ المرأة في المجتمعالجاهلي كانت تَنقسم إلى إمّا حُرة، أو أمَة، أو جارية.
المرأة الحُرة كانت لها مكانة عظيمة عند العرب حتى قبل الإسلام، وكانت من النساء من تختار زوجها حتى قبل الإسلام. ومنهن من كانت تتدخل في أن تُجِير إنساناً مطْروداً أو مظلوماً أو ما إلى ذلك... وإلى جِوار ذلك هناك مجتمع الجَواري أو مجتمع الإماء، ومنهن من كانت لها سلوك سَيّئ أو ما إلى ذلك، وكان ذلك معْروفاً.
نجد الشِّعْر الجاهلي صوَّر المرأة بصوَر مخْتلفة، وهذه الصوَر منها صوَر مقْبولة، ومنها صوَر مَرفوضة. الصور المقْبولة في العَصْر الجاهلي: عندما كانوا يُشيدون بها، وبأخلاقها، أو بجمالها، إشادة معْنَوية أحياناً، وأدلَّ على ذلك أنَّ كعْب بن زهير في قصيدته أمام المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، بدأها بشكوى مِن محبوبته سُعَاد، ووصفها أوصافاً منها أوصاف حِسية جمالية، ومنها أوصاف معْنَوية، ولكنها أوصاف تكْشِف عن أوصاف سَلبية: عَدَم الوفاء بالعَهد والغَدر، أو ما إلى ذلك... ورغم هذا كله نجد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقْبل تَوبة كعب بن زهير، ورغم أنه وصف سعاد في خمسة عشر بيتاً في بداية قصيدته، ولكنه لم يَلُمه على ذلك، لأن هذا كان تقليداً عند العرب في بَدء قصائدهم، أن يبدؤوا القصائد بالغَزل، أو بالأطلال، أو ما إلى ذلك.
ولكن أيضاً هناك بعض الشُّعَراء أشاد بخصال المرأة الطَّيبة، وهذا كما يقول الشَّنفرى في زوجته أميمة:
لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعها
إذا ما مشت ولا بذات التَّلفَّتِ
هي صِفات كَريمة.
تبيت بُعَيد النوم تُهْدي غَبوقَها
لجاراتها إذا الهَدية قَلَّتِ
وهذا طبعاً إشادة بالكرم.
تحُل بمنجاة من اللوم بيتَها
إذا ما بيوت بالمَذمّة حلّتِ
كأن لها في الأرض مِسياًتَقصُّه
على أمّها وإن تُكَلِمك تَبْلت
ومعنى "تَبْلَت" أي: أوجَزت يعني ليست ثرثارة، وليست مثل بقية النساء.
أمَيمة لا يُخْزى ثناهاحَليلها
إذا ذُكر النسوان عَفَّت وجَلّتِ
إذا هو أمسى آب قُرة عَينه
مآب السعيد لم يَسل أين ظَلَّت
هذه النظرة للمرأة نظرة كَريمة برغم أنهم وأدوا البنات في العصر الجاهلي. لكلّ صفة إيجابية صفة سلبية، وهذا شأن الإنسان في كل زمان ومكان.
أيضاً، موقف المُجتمع الجاهلي من المَرأة، هو موقف اتَّسَم بالتناقض أحيانا: فمِنْهم مَن كرَّم المرأة، وخاصة الحَرائر، ومنهم من جَعل من المرأة مُتْعة. إذا نظرنا إلى طبقات النساء في العصر الجاهلي، نرى أن الحَرائر كُنَّ مَصونات وعَفيفات، وروايات كثيرة تدور في ذلك؛ ومنها وصية المرأة العربية في العصر الجاهلي لابنتها التي زفت إلى زوجها، وهي وصايا تدلُّ على حضارة وتدلُّ على إكرام.
وأيضاً هناك طبقة الجَواري وطَبقة الإماء، وهُنَّ كُنَّ مِلْكاً لهؤلاء الناس، وليس تصرفاتهم وسلوكهم عليها رقيب وما إلى ذلك، ولكن نجد القضية التي كنا نتكلّم عنها هي، قضية الوأد: ووأد البنات وهذه القضية وسلوك جاهلي كان في العصر الجاهلي، ويدلُّ على ضِيق الأفق وقِلة التفكير، {وَإِذَابُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ}. وأيضاً هذا الوأد عَادة نهى عنها الإسلام، عَادة تُفَرِّق بين عُنصر الرِّجال وعُنصر النساء.
ولكن أيضاً إلى جِوار ذلك، نرى أن المرأة لم تكن مهْمَلة بل كان لها قدْرها عندهم، كما كان لها كثير من الحُرية. فكانت تمتلك المَال وتتصرف فيه كما تشاء، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- ضرب لنا المَثل بعد ذلك -طبعاً هذا ألغي ما كان في الجاهلية- فكان يتَّجِر في أموال السيدة خَديجة أم المؤمنين. وقد دَعَم الإسلام هذه الحُرِّية فحَرَّم أن تُعْضَل المرأة وأن تُمنع من الزواج بعد وَفاة زوجها. كما حرَّم "زواج المَقْت"، وهذا كان شائعاً في الجاهلية، وهو: أن يتزوج الرجل زوجة أبيه. وحرّم "الشِّغَار" وهو: أن يتزوج شخص أخت صديق له على أن يزوِّجه أخته -وهذا مفصّل في الفقه-، أو أن يتزوّج عِدّة رجال امرأة واحدة، إلى غير ذلك ممّا كان يُباح في بعض المُجتمعات، وبعض التجمعات في العصر الجاهلي. وتلك كانت عادات عِندهم وهي تُلازم الأمم في عصور بذَاوتها. ولكن ينبغي أن لا نَفهَم منها، أو من هذه الأشياء أو الظواهر، أن المَرأة كانت مُهْدَرة الحُقوق في الجاهلية. وقد سجل القرآن عليهم "وأد البنات"، فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَأَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَالْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُفِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.