* زواج الإمّعة!
وما هو زواج الإمّعة؟
إنه الزواج العسير الناجم عن إتباع أعمى لعادات الناس و المجتمع ولو أنها كانت بعيدة عن روح الإسلام وتعاليم النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم .
فقد يكون أهل الزوجة أو الزوج مقتنعين بما نطرحه من أفكار حول تيسير الزواج إلا أن ضغط المجتمع يجعلهم يجارون تيار العامة.
لكن، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا إمعة !! [1]
فلا تكونوا يا أيها الآباء و يا أيتها الأمهات إمّعةٌ في إتباع عادات المجتمع في الزواج، فالمجتمع الحالي يرهق العريس و العروس بتكاليف لا تطاق، منفرّة ومعسّرة للزواج. كحفلات العرس المكلفة، والمهر المرتفع، وملابس العروس أو ما يدعى جهاز العروس والذي يكلف مئات الآلاف .. الخ.
* لماذا هكذا نفهم الزواج؟.. مفاهيم خاطئة عن الزواج
المال يحمي المرأة من عوامل الزمن و كيد الزوج السيء!
وقد يكون الأهل على قناعة مما نرشد إليه من تيسير الزواج، ولكن يعمدون للمال والتغالي في المهور لحماية مستقبل ابنتهم.
لكن كل الوقائع والتجارب تثبت خلاف ذلك وهذا في معظم الحالات. فقد تصل المرأة مع الزوج المسيء إلى أن تعطيه مالاً كي يطلقها ولا يرضَ، والذي لا يقتنع بهذا فليذهب إلى المحاكم الشرعية لتخبره عن صدق كلامنا!.
ابنتي جوهرة تستحق أكثر!
وقد يتذرع الأهل أن هذه كريمتهم وقرّة أعينهم، أفلا تستحق منك أيها الزوج ذلك الإكرام مهما بلغ من المال مهرها؟!
أقول لهم: ابنتكم الكريمة جوهرة ولكنها لا تقدر بثمن ولا بمال الدنيا كلها!، ولا تستحق مني إلا أن أضعها في عيناي و أغمضهما، وأن نسعى معاً نحو فردوس الخالق!.
لن أتزوج الآن فأنا أدرس!
قد تجلب بعض الفتيات لنفسها العنوسة!، وذلك أنها تمتنع عن الخطاب بحجة مواصلة الدراسة أو البحث عن عمل! أو ترسم في مخيلتها صورة مبالغا فيها لفارس الأحلام وزوج المستقبل!، وتشترط فيه شروطا قد لا تجتمع في آحاد الرجال ومن رامت زوجا كاملا فقد رامت مستحيلا! فالكمال عزيز والمهم أن يكون مرضي الدين والخلق وقديما قيل: (ظل رجل والا ظل حيطة)!. وأحيانا يكون ذلك من قبل موليها فيرد عنها الخطاب بحجج واهية وأمور ما أنزل الله بها من سلطان!. وقد حذر النبي من ذلك وبين خطره وأنه سبب للفتنة والفساد سنن الترمذي(1084)،وابن ماجه (1967)عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
* إنّ مفهوم الزواج الحالي يعيق عن الحياة الإبداعية
ثم إن الزواج محطة على الطريق و ليس نهاية الحياة الإبداعية للإنسان. لأن الشاب في أيامنا هذه إذا نوى الزواج فقد الحالة الإبداعية Creative State، لأنك تجده إذا درس، درس لأجل الزواج، وإذا عمل، عمل لأجل الزواج، وإذا .. إلخ
تصبح حياته وعمله و محياه لتلبية رغبات الزوجة وأهلها ولإرضاء المجتمع والناس!
أي أن الزوج يتحول إلى ما أسميه أنا جامع أموال!، بدلاً من أي يكون جامع أعمالٍ وعلوم.
وما تطلبه العروس من العريس من حاجات يبدأ من أصغر قطعة ثياب وينتهي بالحلي والمجوهرات! وكأن العروس لا تلبس شيئاً في بيت أهلها، وعليك أنت أيها الزوج أن تكسوها!
وتشعر أنك حينما تخطب بنت مسلمة، بأنك تخطب بنت النبي صلى الله عليه وسلم !!!
أو أنك ستحظى بملكة الجميلات!
وذلك لكثرة الشروط وكثرة الطلبات وارتفاع مهرها وحفلة زفافها .. الخ
مع أن فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وسلم سيد البشر تزوجت علي بن أبي طالب y بتكلفة تعادل في عصرنا خمسة آلاف ليرة سورية أو مائة دولار[2]!!
فالمغالاة في الصداق خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم إن هنالك فكرة تخفى على الكثيرين وهي أن المغالاة في المهر وتعسير زواج الشاب ممن يريد، يخلق في نفسه نوعاً من العدوانية تجاه الأهل قد يحوله فيما بعد للزوجة. عند أحمد في المسند(285) بسند صحيح قال عمر رضي الله عنه:وان الرجل ليغلى بصدقة امرأته حتى تكون لها عداوة في نفسه.
فالأمر الذي يصعب عليك منــاله ثم تمتلكه، فإنك ستتعامل معه بأسلوب غير سوي، كالعدوانية أو سلوك حب التملك والاستحواذ أو الرضوخ الكامل لهذا الشيء. فنجد مثلاً الزوج العدواني والذي لسان حاله يقول لزوجته (كما أرهقني أبوك فسوف أرهقك)، أو نجد الزوج الآمر الناهي ( الإمبراطور) المتحكم بأنفاس زوجته!، أو نجد الزوج المنسحق أمام حلمه الذي تحقق وهو وجود الزوجة. وهذا الأمر ملاحظ لكل ذي نظر في الحالات الزوجية في مجتمعنا الحالي.
* نعم .. الزواج أبسط من هذا!
زَوّجتُك بنتي ! زَوّجتُك أختي ! ما أجمل هذه العبارة! وما أغربها عن قاموس مجتمعنا!
يقول الدكتور محمد راتب النابلسي في أحد محاضراته: (( لماذا يهتم الأب الذي لديه أبناء من الذكور والإناث بتزويج أولاده الذكور فقط؟
فتجد الأب يسعى لتأمين بيت لأولاده الذكور وعمل، وتجد كل ثروته مسخرة لهم. أما البنات ينتظرن ذاك الخاطب الكفء، ومتى يأتي ذلك؟! لا يهم الأب..
أيها الأب الفاضل:
لمَ لم تفكر بأن تؤسس لهذه البنت الوديعة ، المخلصة ، الوفية التي تتولى أمرها بيتًا، كما أسست بيتًا لأخيها ؟! وتختار لها شابًا مؤمنًا صالحًا يكون مُعينًا على زواجها،كما تبحث لأخيها عن عروساً ؟؟
هذا ابنك، وهذه ابنتك،
ابنك أسست له بيتًا وعملاً ، فلو أسست لها بيتًا وتزفُّها لأحسن خاطب لكان هذا هو العدل.
ابحث أيها الأب الفاضل عما يصلح لابنتك في آخرتها، ولا تعبأ بالدنيا ، فإنها تأتي وهي راغمة.
إنما يستحق دخول الجنة إنسانٌ زوَّج ابنته من رجل يحفظ لها دينها..
كل إنسان واعٍ عنده بنت عليه أن يقتدي بهذا التابعي الجليل، فإمّا أن يدخلها إلى الجنة، وإمّا أن يفتنَها - لا أقول إلى النار- بل يفتنها.
واللهِ قال لي شخص كلمة دمعت لها عيناي:
وقفت بنتٌ على سرير أبيها وهو في لحظات النزاع
- أنا لا أقرها على قولها ، ولا أوافق على عملها ، ولكن هذا ما حدث –
قالت لأبيها : حرَمك اللهُ الجنة كما حرمتَني نعمة الأولاد
كلما جاء خاطب رفضَه ، ووسمَه بصفات لا تليق ، هذا فقير، وهذا ليس وسيما ، فبقيت بلا زواج قالت له : حرمك الله الجنة كما حرمتني نعمة الأولاد!!!.
أيها الأب الكريم:
إذا كانت لديك بنتاً وأحسنت تربيتها ودينها، وزوَّجتها من رجلٍ مؤمنٍ، فكأنما أعتقت نفسك من النار. لأن الزوج أحياناً لا يتابع رسالة الوالد، فقد يربي الأب ابنته تلك التربية الفاضلة، فيأتي الزوج ويصرفها إلى اتجاهٍ آخر لا يرضاه الأب. والأب الذي لم يحسن اختيار الزوج، يساهم في فتنة ابنته)). انتهى كلام الدكتور راتب النابلسي.
* ثم أني أتوجه إليك أيها الشاب ..
فالرسول صلى الله عليه وسلم يرشدك إلى ذات الدين
أيها الشاب المسلم الحبيب: حينما تبحث عن شريكة حياة يجب أن تضع في بالك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: (( تنكح المرأة لأربع لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين، تربت يداك )) متفق عليه.
ولكن: كيف نفهم الظفر بذات الدين؟!
ذات الدين تلك، هل هي ذات الحجاب أم ذات الصلاة أم ذات حفظٍ للقرآن؟!
أنا أفهمها أنها صاحبة مفهوم ديني عن الحياة. بمعنى أنها تفهم الحياة وعلاقاتها مع الرب وعلاقتها مع ذاتها وعلاقاتها مع الناس كما علمها الشارع الحنيف و رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم . لديها ميزان إسلامي من كلام رب الناس وكلام خير الأنام وعقلاًً واعياً تمحّص فيه أمور حياتها. لأنك يا أخي أنت لن تتزوج قطعة قماش أو سجادة صلاة، حينما تسأل فقط عن حجابها وصلاتها! على عظم هاتين الخصلتين الإسلاميتين. ولكنك ستتزوج إنسانة ذات مفهومٍ خاصٍ عن الحياة، وهو الذي أراه هدفاً للبحث و التمحيص عند تلك الفتاة، وهو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال:
( فاظفر بذات الدين تربت يداك)
لكن المسلمون فهموا هذا الحديث فهماً سطحياً، وهو إسلام الهوية مع قطعة قماشٍ على الرأس و بضع ركعيات!
متناسين الأنا أو الشخصية لهذه الزوجة ومفهومها عن الحياة.
لذلك تجد المفاجآت تأتي بعد الزواج، لأن قطعة القماش (الحجاب) تُنزع، و الركعيات لا تشغل سوى بضع الدقائق من حياتنا الزوجية, والباقي سوف تعيشه أيها الزوج مع (شخص) زوجتك، وهي مصدر سعادتك أو نارك!.
فتجسيد قصة الزواج السعيد لسعيدٍ بن المسيب واقعاً، يتطلّب الإعداد الجيد له من خلال التربية للبنات على مبادئ الإسلام، فهذه ابنة سعيد إنما رضيت بهذا الزواج لما تربَّت تربية حسنة فكانت - كما وصفها زوجها - أحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعرفهم بحق الزوج.
إنها تعليقات صغيرة لمفاهيم كبيرة أعرضها عليكم معاشر الآباء و الأمهات بعد هذه القصة العظيمة، التي أتمنى أيها القارئ الكريم أن تحفظها وتتبع طريقة سعيدٍ في الزواج، لأنها هي الزواج السعيد في الدنيا والآخرة، وأتمنى أن ترويها في منتدياتك وتهديها لأصحابك...
وأنت مخير ما بين زواج ميسّرٍ سعيدٍ وما بين زواج الإمّعة !!
ولكن تذكر:
قوله تعالى (( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) [3]
وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : (( من ترك التزويج مخافة العيلة ( أي الفقر) فليس منا)). [4]
هلمَّ بنا أيها الأب الفاضل وأيتها الأم الفاضلة إلى المنبع الصافي والمنهج القويم لنعد إلى سيرة المصطفى وجيله الفريد من الصحابة و التابعين، لننهل من ذلك المعين لنتجاوز في طريقنا عادات المجتمع السيئة وأفكاره التي أثقلت كواهل الشباب والشابات..لا أقول نتركها.. ولكن نأخذ ما وافق المنهج النبوي ونترك ما شذ عن السبيل المبين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
والحمد لله رب العالمين ..
إعداد وتأليف: الدكتور ملهم زهير الحراكي
دراسات عليا في الأمراض النفسية واضطراباتها العصبية – جامعة دمشق.