إذا عرفنا مذهب السلف وفهمهم وأنّه هو المذهب الحق الذي لا مرية فيه، علمنا علم اليقين بأنّ المقولة أو العبارة التي فيها " إنّ طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم " بعيدة عن الصواب بُعْدَ الحقّ عن الباطل .
قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى بعد أن ذكر ثلاثة طوائف في تأويل الصفات:<ثمّ أخذت كل طائفة من هذه الطوائف الثلاث تجادل وتناضل وتحقق وتدقق في زعمها وتجول على الأخرى وتصول بما ظفرت مما يوافق على ما ذهبت إليه { كلّ حزب بما لديهم فرحون } وعند الله تلتقي الخصوم ومع هذا فهم متفقون فيما بينهم على أنّ طريقة السلف أسلم، ولكن زعموا أنّ طريق الخلف أعلم، فكان غاية ما ظفروا به من هذه الأعلمية لطريق الخلف، أن تمنّى محقِّقوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز وقالوا هنيئا للعامّة >التحف في مذاهب السلف ص 3
وقال العلامة محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله < ولهذا جاءت العبارة الكاذبة " طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم " قال شيخ الإسلام رحمه الله < هذه قالها بعض الأغبياء > هذه الكلمة من أكذب ما يكون نطقا ومدلولا، " طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم " كيف تكون أعلم وأحكم وتلك أسلم، لا يوجد سلامة بدون علم وحكمة أبدا، فالذي لا يدري عن الطريق لا يسلم، لأنّه ليس معه علم، لو كان معه علم وحكمة لسلم، فلا سلامة إلاّ بعلم وحكمة .
إذا قلت أنّ طريقة السلف أسلم، لزم أن تقول : هي أعلم وأحكم و إلاّ لكنت متناقضا، إذاً فالعبارة الصحيحة ( طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم ) وهذا هو المعلوم .
وطريقة الخلف ما قاله القائل
1)
لَعُمرِي لقد طُفتُ المعاهد كلَّها..........وسيّرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلاّ واضعاً كفّ حائـرٍ ...........على ذقن أو قارعا سنّ نـادِم
هذه الطريقة التي يقول عنها : إنّه ما وجد إلاّ واضعا كفّ حائر على ذقن، وهذا ليس عنده علم، أو آخر قارعا سنّ نادم، لأنّه لم يسلك طريق السلامة أبداً ، والرازي وهو من كبرائهم يقول(2)
نهاية إقدام العقول عقـــال ....... وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا....... وغاية دنيانا أذًى ووبــال
ولم نستفذ من بحثنا طوال عمرنا ........سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ثم يقول : < لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات { الرحمان على العرش استوى } { إليه يصعد الكلم الطيّب } وأقرأ في النّفي {ليس كمثله شيء } { ولا يحيطون به علما } ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي >
أهؤلاء نقول : إنّ طريقتكم أسلم وأحكم، الذي يقول(3)< إنّي أتمنّى أن أموت على عقيدة عجائز نيسابور > والعجائز من عوام النّاس، يتمنّى أن يعود إلى الأميات هل يقال إنّه أعلم واحكم، أين العلم الذي عندهم >شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين رحمه الله 1/95
(1) ذكر هذين البيتين الشيخ الشهرستاني رحمه الله ولم يبيّن قائلهما، انظر الصواعق لابن القيّم رحمه الله 1/166
(2) هذه الأبيات للفخر الرّازي رحمه الله انظر الصواعق لابن القيم 1/167
(3) القائل أبو المعالي الجويني رحمه الله انظر الصواعق لابن القيم 1/167