درس بليغ لهواة المعارك الكلامية و الجدال العقيم و التطاول على العلماء من أي اتجاه . - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

درس بليغ لهواة المعارك الكلامية و الجدال العقيم و التطاول على العلماء من أي اتجاه .

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-10-26, 09:57   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عامر1988
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










B11 درس بليغ لهواة المعارك الكلامية و الجدال العقيم و التطاول على العلماء من أي اتجاه .

درس بليغ لهواة المعارك الكلامية و الجدال العقيم و التطاول على العلماء من أي اتجاه
.

بين الشيخين: القرضاوي وابن باز"


الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأمور فطرة في البشر، و سنة من سنن الله في الكون؛ إذ يستحيل أن يكتمل نسيج الحياة أو ينبثق لها نبع بوساطة نسخ مكررة أو ذات نمطية واحدة.. و لكي يتحدد مسار هذا المقال منذ بدء المصافحة الذهنية مع القارئ فالمعني به هو فقه الاختلاف في المسائل الاجتهادية - وهي التي تتجاذبها الأدلة ولها حظ معتبر من النظر، و التي ينبغي ألاّ ينكر على أصحابها - وليس المعني الاختلاف من حيث أسبابه ومرجعيته أو تاريخه ومحاوره ..

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً يُحتذى به في احتواء الخلاف وحسن إدارته، كي يغدو اختلاف تكامل لا اختلاف تضاد .. و قد حمل صحابته وتابعوه والأئمة الأعلام هذا المشعل.. وكثيراً ما أتأمل حالهم حينما وقعت بينهم الاختلافات في المسائل الاجتهادية، وأجد الإكبار والإجلال لهم يتنامى في صدري.. فما ضرت أولئك الفقهاء اختلافاتهم، بل زادتهم إكباراً و رفعة عند بعضهم البعض.. والأمثلة كثيرة يعجز المقام عن حصرها، تبين ما قد حملوه من أدب جم وخلق رفيع، و اختلاف راقٍ، يمنع السخائم من الاستيطان في صدورهم، و البغضاء من تعاورهم ..
لكنني آثرت أن أسوق موقفاً معاصراً بين عالمين جليلين، وجدته في مذكرات الشيخ يوسف القرضاوي.. حيث قال:
" ومما أذكره أني تلقيت رسالة من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، خلاصتها: أن وزارة الإعلام طلبت رأيه في كتابي "الحلال والحرام في الإسلام"؛ لأن بعض الناشرين طلبوا من الوزارة أن "تفسح" له، وكلمة "الفسح" غدت مصطلحاً معروفاً في المملكة يُقصد به الإذن بنشر الكتاب ودخوله في السعودية.
فلا غرو أن ذكر الشيخ ابن باز بأدب العالم الكبير، ورفق الداعية البصير أنه يريد أن يفسح للكتاب لما فيه من نفع للمسلمين لسلاسته وجمال أسلوبه، وأخذه بمنهج التيسير، ولكن المشايخ في المملكة خالفوه في ثماني مسائل. وسرد الشيخ -رحمه الله- هذه المسائل الثماني، ومنها: ما يتعلق بزي المرأة وعملها، وما يتعلق بالغناء والسماع، وما يتعلق بالتصوير، وما يتعلق بالتدخين وأني لم أحسم الرأي فيه بالتحريم، وما يتعلق بمودة غير المسلم... الخ.
وقال الشيخ رحمه الله: وإن كتبك لها وزنها وثقلها في العالم الإسلامي، وقبولها العام عند الناس، ولذا نتمنى لو تراجع هذه المسائل لتحظى بالقبول الإجماعي عند المسلمين.
هذا وقد رددت تحية الشيخ بأحسن منها، وكتبت له رسالة رقيقة، تحمل كل مودة وتقدير للشيخ، وقلت له: لو كان من حق الإنسان أن يدين الله بغير ما أداه إليه اجتهاده، ويتنازل عنه لخاطر من يحب، لكان سماحتكم أول من أتنازل له عن رأيي؛ لما أكن لكم من حب وإعزاز واحترام، ولكن جرت سنة الله في الناس أن يختلفوا، وأوسع الله لنا أن نختلف في فروع الدين، ما دام اختلافاً في إطار الأصول الشرعية، والقواعد المرعية، وقد اختلف الصحابة والتابعون والأئمة الكبار؛ فما ضرهم ذلك شيئاً؛ اختلفت آراؤهم، ولم تختلف قلوبهم، وصلّى بعضهم وراء بعض.
والمسائل التي ذكرتموها سماحتكم، منها ما كان الخلاف فيها قديماً، وسيظل الناس يختلفون فيها، ومحاولة رفع الخلاف في هذه القضايا غير ممكن، وقد بين العلماء أسباب الاختلاف وألفوا فيها كتباً، لعل من أشهرها كتاب شيخ الإسلام "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".
ومن هذه المسائل ما لم يفهم موقفي فيها جيداً، مثل موضوع التدخين؛ فأنا من المشددين فيه، وقد رجحت تحريمه في الكتاب بوضوح، إنما وهم من وهم في ذلك؛ لأني قلت في حكم زراعته: حكم الزراعة مبني على حكم التدخين؛ فمن حرم تناوله حرم زراعته، ومن كره تناوله كره زراعته، وهذا ليس تراجعاً عن التحريم.
وأما مودة الكافر فأنا لا أبيح موادة كل كافر؛ فالكافر المحارب والمعادي للمسلمين لا مودة له، وفيه جاء قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [سورة المجادلة: من الآية 22]. ومحادة الله ورسوله ليست مجرد الكفر، ولكنها المشاقة والمعاداة.
وتعلم سماحتكم أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج كتابية، كما في سورة المائدة (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) [المائدة: 5]، فهل يحرم على الزوج أن يود زوجته، والله تعالى يقول: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [سورة الروم: من الآية 21]، وهل يُحرّم على الابن أن يود أمّه الكتابية؟ أو يود جده وجدته، وخاله وخالته، وأولاد أخواله وخالاته؟ وكلهم تجب لهم صلة الرحم، وحقوق أولي القربى.
على كل حال أرجو من فضيلتكم ألاّ يكون الاختلاف في بعض المسائل الاجتهادية الفرعية حائلاً دون الفسح للكتاب، وها هو الشيخ الألباني يخالفكم في قضية حجاب المرأة المسلمة.. فهل تمنعون كتبه؟
وختمت الكتاب بالتحية والدعاء.. وأعتقد أن الشيخ استجاب لما فيه، وفسح لكتاب "الحلال والحرام" ولغيره من كتبي، والحمد لله " (*)

هذا الأدب الجم في الاختلاف، وهذا الحوار الراقي، وجوع روح التعصب بينهما والبعد عن الحدية في الآراء، مع إفساح المجال للآخر ليقول ما وصل اجتهاده إليه، بلا ازدراء أو تحقير، هو دأب العلماء المخلصين الذين يمكنهم إخلاصهم من مد جسور الود بينهم وبين الآخرين والانفتاح على آرائهم بحثاً عن الأرجح .. بعكس من يتكلف إثبات ما ذهب إليه انتصاراً لرأيه أو نفسه، أو من لا يأبه بقطع وشائج الأخوة و زيادة التباعد والهوة..!
إن موقف الشيخين يبعث نوعاً من الاطمئنان في نفوسنا والثقة في علمائنا، وأنهم على خير مادام اختلافهم بعيداً عن الهوى والشقاق، وأن باعث رأي كل واحد منهم كان ما بوسعه الذي استفرغه للوصول إلى الحكم.. فلم يختلفوا لمخالفة بعضهم بعضاً أو تخطيء بعضهم بعضاً بل اختلفوا في طرق الوصول إلى تحقيق مقاصد الشريعة الغراء، كل بحسب فهمه وقدراته و ما لديه..
وهما يعطياننا درساً في مراعاة القطعي والظني.. فهذا النوع من الاختلاف عادة ما يكون في مدار الظنيات إما في الثبوت أو الدلالة، بينما الأخوة قطعية الثبوت والدلالة، وأصل من أصول الدين يعلو فوق المسائل الفرعية الاجتهادية سواء كان الاتفاق أو الاختلاف، فالحفاظ على وحدة الصف فريضة وعبادة وقربة، اختلاف الرأي لا يسوّغ انكماشها أو التفريط فيها..
لقد اختلف الكثير من السلف الصالح، لكن اختلافاتهم لم تفرقهم، أو يُجعل منها خصومة تمتد إلى الفجور.. لهذا قال الإمام الشاطبي: "ووجدنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يفترقوا، ولم يصيروا شيعاً؛ لأنهم لم يفارقوا الدين، وإنما اختلفوا فما أُذِن لهم من اجتهاد الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصاً، واختلفت في ذلك أقوالهم فصاروا محمودين؛ لأنهم اجتهدوا فيما أُمروا به... وكانوا مع هذا أهل مودةٍ وتناصحٍ، أخوة الإسلام فيما بينهم قائمة...".
لكم هو مؤسف ما يحدث كثيراً الآن من إلحاق التشنيع والانتقاص لبعض العلماء والفقهاء وتنصيبهم كأهداف تنالها الألسنة والأقلام لمجرد عدم الرضا باجتهاداتهم الفقهية.. أو أن تتحول الكثير من الاجتهادات الفقهية في إطارها المشروع إلى تحزّبات وعصبيات مقيتة تقتل رونقها، و تُحفر بها الأخاديد بين الإخوة، وتُصيـّر الهين إلى العظيم والدق إلى الجل.. بل و تكون أحياناً معقداً للولاء والبراء..!
هاهما الشيخان يقدم كل واحد منهما الثناء بين يدي الآخر، و يجلي له مكانته، قبل أن يشرع في تبيان ما يخالفه فيه، كما كان سلفنا الصالح، ومن ذلك قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في فتوى لابن مسعود وقد خالف اجتهاده فيها: "يرحم الله ابن مسعود، إنْ كان لفقيهاً" ..
كما أنهما شجّعا على الحوار والنقاش، لتفتح السراديب المغلقة، فيعرف كل واحد ما لدى الآخر، و هو حتى وإن لم يمح التباين بين الآراء إلاّ أنه يضيّق مساحته، ويوسّع مساحة المشترك، ويوطّن على قبول الآراء الأخرى واحترامها وتقدير الاجتهاد الذي أدّى إليها، وحفظ مكانة صاحبه، مادامت المسائل اجتهادية، ولا ثمة مصادرة للنصوص.. بدلاً من حجب عرض الآراء، و أدلتها والقفز إلى الأحكام والمطالبة بقبولها وأنها حقيقة مطلقة.. أو اتخاذ سياسة المنع والتضييق و الوصاية الفكرية، لاسيما وأن الأمر به مندوحة، وأن طبيعة الفقه الإسلامي تقتضي هذه التعددية في الآراء.. وأن ذلك كالمهماز الذي يستحث سير الاجتهاد ويدير عجلة الفقه..
إنهما يشعراننا بأن فقه الاختلاف ليس محبوساً بين دفتي التاريخ، بل متواجدٌ في واقعنا الحي - حتى وإن كان يعاني شيئاً من الانحسار - لذلك ينبغي أن تُعرض هذه النماذج المعاصرة للجميع، لتبث روح الإيجابية ولتشكل القدوة الحية، لا سيما مع كثرة الصخور التي ترجم روح الاجتهاد والتجديد، وتوقع الضغينة بين العلماء الذين اختلفت آراؤهم وفتاواهم، وتشرخ صورة العلماء في نظر العامة الذين لا يدرك كثير منهم أن هذا النوع من الاختلاف في مسائل الاجتهاد ظاهرة صحية تضيف النظر إلى النظر، والعقل إلى العقل، وتجمع الصواب من كل طرف، فتتسع أبعاد الرؤية السليمة، وتشمل زوايا لم يكن بالغها من دار حول ذاته وانكفأ على ما لديها ..
وإذا كنا نقف بالبكاء على أطلال ازدهار الفقه في القرون الأولى فعلينا أن ندرك جيداً أن ذلك الترف والعطاء كان إفرازات للحرية و التباين والتنافس و أدب الاختلاف، و التي حرضّت العلماء على الإبداع، و علينا أن نساعد علماءنا على ذلك، بدلاً من استنزاف جهدهم، و التشنيع عليهم، وهدر مكانتهم، والولوج في نواياهم، بل وأحياناً الوشاية بينهم عبر شحن عالم على آخر، أو استحلاب الفتاوى المضادة في إناء الانفعال والانتقاص، و نشرها بين العامة.. كما أن على علمائنا الأفاضل ألاّ ينساقوا وراء استفزازات البعض، وأن يكونوا كعائذ بن عمرو وأبي برزة رضي الله عنهما، فقد كان عائذ بن عمرو يلبـس الخز، ويركب الخـيل، وكان أبو بـرزة لا يلبس الخز ولا يركب الخيل، ويلبس ثوبين ممصرين، فأراد رجل أن يشي بينهما، فأتى عائذ بن عمرو فقال: ألم تر إلى أبي برزة يرغب عن لبسك وهيئتك ونحوك، لا يلبس الخز ولا يركب الخيل، فقال عائذ: يرحم الله أبا برزة، من فينا مثل أبي برزة.. ثم أتى أبا برزة فقال: ألم تر إلى عائذ يرغب عن هيئتك ونحوك، يركب الخيل ويلبس الخز، فقال: يرحم الله عائذاً ! ومن فينا مثل عائذ!
إننا بحاجة إلى نشر و تعلم فقه الخلاف وأدبه وإدارته، و بحاجة إلى التربية على قبوله والإقرار به، لذلك فإنني أطالب من هذا المنبر بأن تتضمن مناهجنا التعليمية والتربوية التأصيل لهذا الواقع وفقهه، بتعليم الناشئة ما يكفي لإدراك ذلك، مع ترسيخ مفهوم الأخوة الإسلامية والأخلاق الإسلامية عند الخلاف، و حفظ مكانة العلماء الذين شابت مفارقهم في طلب العلم في منهج وسط بين التقديس والصنمية و بين التهميش والأذية، كما أنه لا بد من إلقاء الضوء على المذاهب المختلفة وبيان مكانتها من الدين، وغرس احترام الآراء الأخرى و كيفية التعامل معها و الإفادة منها، لا سيما في هذا الوقت الذي يتسم بالانفتاح و سرعة تداول الآراء من مختلف المذاهب، مما يسبب إشكالية لدى البعض لسماعه وقراءته ما لم يعهده، بل لا بد من عرض الآراء المختلفة وأدلتها وتنمية مهارات وقدرات التعامل معها ..


رحم الله الشيخ ابن باز، و وفق الله الشيخ القرضاوي.

أرجوا تثبيت الموضوع

منقول للفائدة








 


قديم 2008-10-26, 10:59   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
قدوري رشيدة
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية قدوري رشيدة
 

 

 
إحصائية العضو










Thumbs up

بوركت أخي عامر..

حقيقة يستحق التثبيت

واستسمحك لأضيف في نفس السياق






المبادئ العشرة في ترشيد الصحوة الإسلامية ....


الدكتور القرضاوي

كرَّس فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حياته الفكرية والعملية بأسرها تقريبا لهدف منهجي وفكري كبير وواضح، يصب في ترشيد الصحوة الإسلامية المعاصرة وتوجيهها الوجهة الصحيحة، ودارت معظم كتاباته حول هذا المدار.

ونراه في كتابه "الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد" ينطلق من مسلَّمات كثيرة لا يختلف عليها أحد:

أولها: أن الصحوة الإسلامية حقيقة لا وهم.

وثانيها: أنها تتعرض من حين لآخر إلى حدوث خلل ما، سواء من داخلها بما هو اجتهاد بشري، أو من خارجها بما يسلط عليها من تنكيل، كثيرا ما يدفعها إلى ارتكاب الطيش والحمق.

وثالثها: أن الصحوة في هذه الأوقات السوداء من حياة الأمة خاصة تعتبر نجمًا سيارًا في دجى ليل طويل بهيم، ليس من مصلحتنا تركه للسحب تغشاه فتتلفه، كما أن من واجبنا إزاءه بذل النصح.

وقد حاول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه هذا وضع معالم لمنهج الترشيد والإصلاح لمسيرة هذه الصحوة المباركة، وهذا المنهج مؤلَّف عنده من مبادئ عشرة وهي:

1- من الشكل والمظهر إلى الحقيقة والجوهر

2- من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل

3- من العاطفية والغوغائية إلى العقلانية والعلمية

4- من الفروع والذيول إلى الرءوس والأصول

5- من التعسير والتنفير إلى التبشير والتيسير

6- من الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد

7 - من التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق

8- من الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال

9- من العنف والنقمة إلى الرفق والرحمة

10- من الاختلاف والتشاحن إلى الائتلاف والتضامن

1- من الشكل والمظهر إلى الحقيقة والجوهر

وذلك على معنى أن الإسلام عقيدة جوهرها التوحيد، وعبادة جوهرها الإخلاص، ومعاملة جوهرها الصدق، وخلق جوهره الرحمة، وتشريع جوهره العدل، وعمل جوهره الإتقان، وأدب جوهره الذوق، وعلاقة جوهرها الأخوة، وحضارة جوهرها التوازن.

إذ من المعلوم منطقًا أن لكل شيء جوهرًا وعرضًا يتكاملان تكامل الروح والبدن في الإنسان، فلا يقوم أحدهما دون الآخر، غير أن ذلك التكامل يُضحِّي عند التعارض بالعَرَض لا بالجوهر، إذ لذلك يرخص الشهيد بدنه لتبقى روحه، ففي حال السلم تكامل، وفي حال الحرب تقدم أولوية الجوهر على المظهر.

والأمثلة لذلك كثيرة في الإسلام، فالمصلي الذي لا يغنم من صلاته غير القيام والقعود لا حظ له، والصائم كذلك، وعلى ذلك قس كل عمل ينحاز بوعي أو بدون وعي إلى الشكل والمظهر مهملاً الحقيقة والجوهر، ففي الحديث المتفق عليه مثلاً: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا (وليس مجرد منافق) وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ...".

وللغزالي الأول - عليه رحمة الله - كلمة من نور يقول فيها: "رب ذرة من عمل القلوب تذهب بجبال من عمل الجوارح"، وبذلك وبغيره تقرر عند الناس قاطبة أن عمل القلب مقدم ومؤسس وحاكم على عمل الجارحة في الاتجاهين الإيجابي والسلبي.

أما ابن القيم عليه رحمة الله فيقول: "إن سلامة القلب من خمس، وهي: الشرك المنافي للتوحيد، والبدعة المنافية للسنة، والشهوة المنافية للعفة، والغفلة المنافية للذكر، والهوى المنافي للإخلاص". فالقاعدة المحكمة دومًا أن الشكل والحقيقة متكاملان أبدًا، فإذا ما بدا التعارض لداع ما فإن الأولوية للحقيقة على الشكل، حتى ترجع الأصل إلى معدنه.


2- من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل


من مظاهر الكلام والجدل: التغني بالماضي دون عمل، أو ازدراء الماضي كله، أو الكلام في أخطاء الناس دون حسناتهم، أو الجدل العقيم من مثل محاولة رفع الخلاف في الفقه. فالدين إنما توحدت جذوره لتختلف أغصانه فتثمر. أو الزعم بأن الأوائل لم يختلفوا، أو محاولة إلغاء المذاهب والمدارس والاجتهادات. ومن مثل الخوض في الأغاليط ومعضلات الأمور على طريقة الثرثرة الفارغة أو مخالفة الفعل للقول.

والأجدر تبني فقه العمل، ونبذ الانتظار، فطالما انتظرت الشعوب قوادًا ملهَمين سلموها قيادها بسلاسة، فسجنوها وكبلوها، وطالما انتظر اليهود قدوم المسيح ليخلصهم حتى ظهرت الحركة الصهيونية، فكانت هي المسيح المخلص وأكلتنا قطرًا قطرًا.

فالكلام الفارغ دون عمل، والجدل العقيم دون نشاط حي لا يورث سوى النرجسية القاتلة أو ادعاء العصمة الفارغة، واتهام الآخرين كلهم بالمروق والزندقة والهرطقة، ولا يورث سوى الانتظارية التي هي منافية لسنة الحركة والتغير والتطور والمضاء والتدافع، أما الكلام الإيجابي والجدل بالتي هي أحسن فهو عمل وعطاء.


3- من العاطفية والغوغائية إلى العقلانية والعلمية


ومن مظاهر العاطفية الغوغائية: تمجيد الذات، والإسراف في الحب والبغض، والاستغراق في الأحلام، واستعجال قطف الثمرة، والاعتماد على حسن النية دون حسن الصواب، والعجلة، والارتجال، والتواكل دون عقل الناقة، وإغفال السنن في الكون والمجتمع، واعتماد المبالغة والتهريج والسطحية.

ومن خطوات البحث عن الصواب تمحيص ما يُلقَى إلى الإنسان، كما فعل إبراهيم عليه السلام لما جن عليه الليل، وقال محمد صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" - فيما أخرج البخاري - فهو شك يقود إلى اليقين كما قال الغزالي الأول عليه رحمة الله.

ومن تلك الخطوات أيضا الموازنة بين ما عندك وما عند غيرك، وسؤال أهل الخبرة عما جهلت، فقد تعلم ابن آدم من غراب، وتعلم سليمان عليه السلام من هدهد.

فطلب البرهان يكون من خلال الدليل العقلي في العقليات، والدليل التاريخي في النقليات والمرويات، والدليل التجريبي في الحسيات.

والمنهج الإسلامي نصًّا وعملاً إنما قام على العلمية والعقلية، حتى في أخطر الأمور وأدقها كالألوهية والتوحيد.


4- من الفروع والذيول إلى الرءوس والأصول

معلوم أن الإسلام ليس متساويًا في تكاليفه وعقوباته، شأنه في ذلك شأن كل أمر مُحكم منظم، لذلك فهو مرتب حسب موازين وأولويات، وكبائر وصغائر، وعزائم ورخص، وواجبات ومندوبات، ومختلف فيه ومتفق عليه، وفروض عين وأخرى كفاية، وهذا فوري وآخر على التراخي، وقطعيات وظنيات، وأعلى وأدنى، ومحكم ومتشابه، ومتن وسند، ورواية ودراية، وهذا لذاته وذاك لغيره، وضروري وحاجي وتحسيني، وكلي وجزئي، وعام وخاص، ومطلق ومقيد، وأصل وفرع، وجذر وثمر، وجذع وغصن، ووالد ومولود، وفرض وتعصيب، ومقدم ومؤخر، ومصغر ومكبر، إلى آخر ما لا يحصى...

فهو هيكل جميل البناء، رائع التشييد، محكم الهندسة، لا يتمتع به الزائر ولا المقيم حتى يتعرف إلى كلياته وتفاصيله، كتاجر ماهر لا يعرض كل سلعه في كل مكان قبل دراسة السوق وحال العرض والطلب، أو كسائح لبيب لا يضيع أوقاته الثمينة في كل ما يعرض له.

والقاعدة المحكمة هنا هي أن معرفة الأصول في كل شيء إطلاقًا أولى من معرفة التفاصيل؛ لأن هذه متضمنة في تلك بالضرورة، أي محكومة بقانونها. فمتى قال لك الباري: لا تقل لوالديك "أف" مثلاً، فيجب عليك معرفة شيء آخر قبل ذلك، وهو أنه أمرك - قبل أن ينهاك - بالإحسان إليهما، كما يجب عليك معرفة شيء آخر، وهو أن "أف" هي مثال ليس إلا، أي جزئية صغيرة عليك ببحث تراكيبها حتى تصل إلى أصلها الأول، فإن قادك تفكيرك إلى أن الممقوت هو قولك "أف" وما عداها مما هو فوقها معفو عنه، فأنت ساقط المزاج لا تصلح للدنيا فضلاً عن الدين، ومشكلتك مع نفسك وليست مع الدين.


5- من التعسير والتنفير إلى التبشير والتيسير


من أوضح علامات المنهج الوسطي: التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة؛ لأنه الأصل في دعوة الإسلام، والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة والسيرة، وسيرة الخلفاء الراشدين والدعاة والمصلحين الموفقين من أيام السلف الأول إلى أيامنا هذه.

ولو تصفح المسلم الدين كله بكلياته وتفاصيله من العقيدة إلى آخر شعبة فقهية فيه، لوجد أن روح البناء هو اليسر، فالتوحيد مثلاً الذي هو جوهر العقيدة، أمره يسير على الناس، فأن تعتقد بإله واحد أحد فرد صمد أيسر لعقلك وقلبك ولحياتك بأسرها من أن تعتقد في آلهة مثنى أو ثلاث أو أكثر، وهو كذلك أيسر من أن تعتقد أن الوجود خُلِق صدفة أو خلق نفسه بنفسه أو ما إلى ذلك، وعلى ذلك قس سائر معطيات الدين والإسلام والحياة والوجود. فاليسر سنة وسبب وقدر، وليس أمرًا مقصورًا على الدين وتكاليفه.

ومن مظاهر التيسير في الفهم أن الدين في أصله مُعلَّل كله، أي معقول، سوى ما ورد من تفاصيل كعدد الركعات، فعلته الاتباع والتسليم والخضوع.

ومن مظاهر التيسير في العمل أن كل عزيمة سببت حرجًا أو عنتًا فالرخصة أجرها أجر العزيمة، كعمل المريض والمسافر والحائض والنفساء والمُكره وفاقد الطهورين.

ومن تلك المظاهر أيضًا تقديم الأيسر على الأحوط، وفق قاعدة "التيسير في الفروع والتشديد في الأصول"، وانتفاء التحريم بغير دليل لبراءة الذمة، والتيسير فيما تعم به البلوى كحلق اللحية وطول الثوب وما إلى ذلك، والأخذ بالضرورات فيما حرم لذاته، وبالحاجة فيما حرم سدًّا للذريعة، وأن حقوق الله مبنية على المسامحة، أما حقوق العباد فعلى المشاحة.

ومن مظاهر التبشير تغليب الأمل والرحمة والعفو والتبشير بمستقبل الإسلام من القرآن والسنة والتاريخ والواقع والسنن، ومن مظاهر التنفير الغلظة والفظاظة وسوء الهيئة.. إلخ.

فتغليب اليسر على العسر في الفقه والفتوى حيال الناس خاصة لا حيال النفس إذا تاقت لغير ذلك، مظنة جلب الناس إلى الالتزام يومًا بعد يوم، وتلك حقيقة نفسية واجتماعية وليست مقصورة على فقه الدعوة، وكذلك تغليب البِشر على النفور مظنة طمأنة القلوب الخائفة والأفئدة الحائرة، فالتاجر المملوء قذارة المكثر من الصياح العارض لسلعته مكدسة كأنها في مزبلة والرافع لأسعارها درجات على ما يجد الناس عند جيرانه، لن يقربه غير الأحمق مثله مهما كانت سلعته عالية الجودة، فالإنسان من أبعاده الرئيسة الذوق بعد العقل والروح والبدن والعاطفة.


6- من الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد


من النصائح التي يقدمها الشيخ القرضاوي هنا إلى بعض الحركات الإسلامية الوسطية التي يقدرها: تقديم الولاء للإسلام على الولاء للجماعة، وتقديم العمل للدعوة على العمل للتنظيم، والترحيب بالأفكار الجديدة، والتفاهم مع الآخر، وإن يكن مخالفا، وتجديد الوسائل حسب المرحلة، والاهتمام بالتحديات العالمية، وعدم الاستهلاك في العمل السياسي، وإنتاج مناهج تعمق الثقافة الشرعية والواقعية.

فهذا سيدنا إبراهيم شيخ الأنبياء - عليهم السلام جميعًا - يجتهد من طور إلى آخر، حتى أظفره الله باليقين، وهذا موسى عليه السلام لا يتردد في عرض طلبه على ربه في أن يراه ليتجدد إيمانه ويتعمق، وهذا الإمام الشافعي يجدد مذهبه من العراق إلى مصر لتبدل الظروف، وهذه الشمس تطلع علينا كل يوم جديدة، وهذه دماؤنا تتجدد في أوعيتها وأوردتها دومًا، وهذا الكون الفسيح يمخر بنا عباب فضاء بسرعة رهيبة لا يتصورها العقل الإنساني، ومع كل ثانية يغمر مساحات كونية جديدة لا نعلمها، وهذا النبي الأكرم - عليه الصلاة والسلام - يأمرنا بتجديد الدين على رأس كل مائة سنة، وهذا وهذا وهذا.

فالقديم عندنا ليس سوى أصولنا العقدية الكبرى وأصول عباداتنا وأخلاقنا، وما ثبت من نحو ذلك وهو قليل كمًّا كثير نوعًا، وما سواه محل تجديد دومًا، والتجديد ليس هدمًا للأصول، ولكنه تجديد لحسن عرضها على أناس اليوم وأهل الغد، وتشييد لما يحفظها، فلا نبطل الاجتهاد والتجديد باسم عدم تعريض الدين للاندثار، ولا ندعهما كلأً مباحًا ومرتعًا خصبًا لكل أحمق.

وكلما كان الاجتهاد والتجديد جماعيًّا مؤسسيًّا كانت النتائج أجود وأبعد عن التيه.


7- من التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق
معلوم أن الغرب هو الذي سمَّى الحروب الصليبية "صليبية" أما نحن فسميناها حروب الفرنجة، وفي ذلك دلالة على أن المعيار الديني الضيق هو الذي قاد الغرب إلى نسبة الخلاف إلى الصليب. كما أن من مظاهر التعصب الغربي - وفينا له سماعون كثر - الاعتداء على الثقافة الإسلامية وتأويلها بغير علم، والادعاء بأن الأسرة يمكن أن تتكون من جنس واحد بدل جنسين، وأمور أخرى كثيرة كر بها علينا الإعلام المعادي باسم الحرية، وهي استعباد شيطاني مَريد.

وكثير منا ينسى أو يتناسى أو يستحي أن يبرز معالم ثقافتنا السباقة في الاعتراف بالاختلاف ووضعه على أساس أنه سنة كونية وقانون خلقي، وليس أمرًا دينيًّا فحسب، على أن في ديننا أسس عقدية للتسامح منها:

- الاختلاف البشري إرادة إلهية "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ".

- الحساب في الآخرة وليس في الدنيا "فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ".

- كرامة الإنسان وحرية إرادته وعلوية آدميته كائنًا ما كان دينه أو لونه.

- أولوية العدل لكل الناس "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".


8- من الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال

من المعلوم أن من أهم مظاهر الغلو:

- عدم الاعتراف بالآخر

- إلزام جمهور الناس بالعزائم والتشديد

- التشديد في غير محله

- الغلظة والخشونة

- سوء الظن بالناس

- السقوط في هاوية التكفير

والتجديد والوسطية والاعتدال في الحقيقة لا يكون إلا سلفيًّا، والسلفية لا تكون إلا مجددة.

وذلك يتطلب إحياء ضروب من الفقه من مثل:

- فقه الواقع

- فقه المقاصد

- فقه السنن والأسباب في الكون والخلق والاجتماع

- فقه الخلاف

- فقه الأولويات

- فقه الموازنات

- فقه المآلات، إلخ...

وبذلك يلج الإنسان التيار الوسطي المعتدل، ومن أبرز شمائله:

- تبني التيسير والتبشير

- الجمع بين السلفية والتجديد

- المصالحة بين السلفية والصوفية، أو تصويف السلفية وتسليف الصوفية

وكان خير من عقد هذه المصالحة ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - عليهما رحمة الله تعالى - فالسلفية الحقيقية بفضيلة التمسك بالنص ونبذ البدعة، والصوفية بفضيلة حياة القلب وفرحة الروح، يتعانقان وتنشأ الوسطية. كما أن من سنة التكامل والاختلاف وجود المتكلمين والصوفية والسلفية والظاهرية والفقهاء والمحدِّثين والمقاصديين.. إلخ، ومن هؤلاء جميعًا ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله تعالى.

- الاعتدال بين الظاهرية والمؤوِّلة.

- الموازنة بين الثوابت والمتغيرات، فالثوابت هي العقائد والعبادات والقيم الأخلاقية، وأمهات الرذائل، والقطعيات في المعاملات الأسرية والاجتماعية والمالية... وهي تشكل الوحدة الفكرية والسلوكية للأمة.

- مراعاة الواقع إذ قال ابن القيم: "الفقيه الحق من يزاوج بين الواجب والواقع، فلا يعيش فيما يجب أن يكون، مغفلاً ما هو كائن".

ولتغيير الواقع ثوابت، منها:

- رعاية الضرورات.

- ارتكاب أخف الضررين، ومن أمثلة ذلك عدم قتله - عليه الصلاة والسلام - للمنافقين وهو يعلمهم واحدًا واحدًا، وعدم هدم الكعبة لإعادة بنائها على أسس إبراهيم.

- مراعاة التدرج.

- الدعوة إلى التسامح والتعايش مع الآخرين.

- تبني الشورى والحرية للشعوب على أساس أن الأحزاب مذاهب في السياسة، والمذاهب أحزاب في الفقه.

- إنصاف المرأة فهي شقيقة الرجل.

- إحياء الاجتهاد، إذ قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "إنما الفقه رخصة من فقيه، أما التشدد فيحسنه كل أحد". وقاعدة المنار الذهبية: "نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه". وقال بعضهم بعده: "ونتحاور فيما اختلفنا فيه".


9- من العنف والنقمة إلى الرفق والرحمة


أصل منهج الدعوة هو الرفق، فالدعوة بالحكمة معناها إقناع العقول بالبرهان. وبالموعظة الحسنة معناها طمأنة القلوب. والمجادلة بالتي هي أحسن معناها حوار المخالفين.

وارجع إلى أساليب الأنبياء في القرآن كإبراهيم وموسى وغيرهما، عليهم السلام جميعًا. ومن ذلك أن عائشة لما قالت لليهود الذين قالوا لها وله عليه الصلاة والسلام: السام عليك، قالت: "بل عليكم السام واللعنة" فنهاها عليه الصلاة والسلام، وقال لها: "بل قولي: وعليكم، فإن الموت حق علينا وعليهم جميعًا".

ومن مظاهر الرحمة: الرفق بالحيوان، فهذه امرأة تدخل النار في هرة، وهذه بغيٌّ تدخل الجنة في كلب، وهذه عجوز يأمرها عليه الصلاة والسلام بأخذ متاعها من فوق بعير لعنته على أن تتركه، وقال: "إننا لا يصحبنا ملعون"، ونهى عن الوسم بالنار، وعن الوسم في الوجه، وقال لرجل يحد شفرته أمام أضحيته: "أتريد أن تميتها مرتين؟"، ونهى أن يُذبَح الحيوان لغير حاجة، وأن يُذبَح أمام أخيه، وشكا له جمل صاحبَه بأنه يحمل عليه ويُجيعه، وتوعد من فجع طيرًا في فراخه. والأمثلة لا تحصى.

ورحمة الإسلام في الحرب أوكد؛ لأن من شأن الناس أن يُثاروا في الحرب، فنهى عن قتل النساء والصبيان والشيوخ، والعابدين في محلات عبادتهم، وعن سائر غير المقاتلين أو من هم في حكم ذلك.

ويرى الدكتور القرضاوي أن الخلل في فقه الجهاد ينبع من:

- اعتماد المتشابهات بدل المحكمات.

- اعتماد الجزئيات بدل الكليات.

- اعتماد الظواهر بدل المقاصد.

- الخلط بين مستويات الجهاد. وليس القتال سوى فرع صغير عنه.

- اعتماد أحاديث ضعيفة متنًا وسندًا كـ "بُعثت بالسيف".

- شروط التغيير بالقوة عادة لا تراعَى، كوجود المنكر الحقيقي لا الوهمي، وغير المختلف فيه، وظهوره للعيان، وهل هو مقدور عليه، وهل يورث فتنة أشد أم لا.. إلخ.

إن الإسلام لا يقاتل لمجرد الكفر، بل يقاتل الظلم ولو صدر من مسلم. ولا يقاتل من أجل إكراه الناس على دين معين، ولو كان الإسلام وهو الحق المطلق، إنما يقاتل لطرد الفتنة التي هي أشد من القتل؛ إذ هي شلل للإرادة والعقل والفعل والاختيار والحرية.

والعلاقة بغير المسلمين أصلها البر والإحسان والقسط، وأهل الكتاب أولى بالبر والقسط، والنصارى أشد أولوية بذلك.

كما أنه لا يجب الخروج على الحكام مطلقًا دون قيد، بل يجب تقدير الصبر ووجوبه ما لم نر كفرًا بواحًا لنا فيه من الله برهان، ومَن يرى ذلك ومن يقدره؟ أو ما أقيمت الصلاة من طرفهم، على اختلاف أو تعدد في الروايات.


10- من الاختلاف والتشاحن إلى الائتلاف والتضامن

من أكبر الأدواء التي تنخر جسمنا الإسلامي داء الاختلاف والتشاحن المؤدي إلى ذهاب الريح وانفصام العقدة، وفي ذلك يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام فيما يرويه البخاري عن ابن مسعود: "لا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا".

والقرآن حرص حرصًا شديدًا على الوحدة، وجعلها بعد التوحيد مباشرة، فيوسف عليه السلام - مثلاً - أهال التراب على ما حدث من إخوانه توحيدًا لجسم الأسرة، فلم يشر إلى فعلهم معه في حديثه إليهم، وإنما ركَّز على أن الله أخرجه من السجن، ولم يقل من الجُب. وكذلك فعل القرآن مع مسطح الذي تورط في حديث الإفك، وكان من قبل محل إنفاق وإحسان من أبي بكر رضي الله عنه، فلما بلغه ذلك هم بالانقطاع عنه، فجاءه قوله تعالى: "وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ...".

على أنه ليس المطلوب توحيد الأمة بأسرها على كلمة واحدة في كل صغيرة وكبيرة؛ فإن ذلك مغاير للسنن والفطرة، وإنما مطلوب التوحد حول الثوابت الكبرى والمصالح العليا التي أكد عليها الوحي وقدمها وقدسها وكبرها، ورتب عليها حدودًا وكفارات وقصاصًا وتبعات في الدنيا والآخرة، من مثل العقيدة والدين وقطعياته، وكرامة الإنسان وحريته وعزته، وعمارة الدنيا وقطع دابر كل فساد فيها، وما إلى ذلك مما هو معلوم في مظانه.

فالتوحد هو توحد تنوع وتكامل، وليس توحد الأصم الأعمى الذي لا يسمح بحرية التفكير أو سنة الاختلاف، والاختلاف الممقوت هو اختلاف التضاد والتهارش، فلا وحدة دون اختلاف، ولا اختلاف دون وحدة.

ومن ركائز فقه الاختلاف:

- اعتبار أن الاختلاف في فروع الفقه ضرورة، وكذلك هو رحمة وتوسعة على الأمة.

- اعتباره ثروة في التشريع والاجتهاد؛ لأن رفع الخلاف والحمل على رأي واحد غير ممكن وغير مُجْد.

- احتمال الصواب في الرأي المخالف، وإمكان تعدد الصواب في المسائل الجزئية.

- المجتهد المخطئ - ما دام من أهل الاجتهاد - معذور ومأجور، ولا إنكار في المسائل الاجتهادية.

- إنصاف المخالف، وذكر محاسنه، والعدل معه، ونقده بالحق.

- التعاون في المتفق عليه، وهو الأكثر نوعًا وكيفًا لا كمًّا، والتسامح أو الحوار في المختلف فيه.

- الأدب مع الكبراء والعلماء، واجتناب التكفير والتفسيق والتبديع والمراء والجدال السيئ واللدد.


الخلاصة

وفي النهاية نخلص من الكتاب إلى أن الصحوة حقيقة معنوية ومادية، ظاهرة وملموسة، وأن أكبر المطبات التي عادة ما تقع فيها فصائل الصحوة في كل زمان ومكان هي مطبات إهمال فقه الموازنات والأولويات؛ إذ سرعان ما يوظَّف الخلاف للهدم لا للبناء، وتُمحَى مساحات التلاقي، وإهمال معطيات الواقع في كل أو بعض وجوهه، واعتماد الاستعجال والتعسير والتنفير بحسن نية، واستسهال التقليد والمحاكاة عجزًا أو جهلاً، وإهمال المنهج القرآني، والتمسك برغم ذلك ببعض أدلة ذلك المنهج وتحكيم العاطفة الدينية الجياشة.

وأن الترشيد فريضة وضرورة، وليس معنى الترشيد "التلقين"، ولكن معناه إرساء قنوات الحوار مع الصحوة، أما الإهمال فموقف السلبيين أو المتحاملين. على أنه ليس هناك من يعالج الصحوة اليوم بالإهمال، فهي إمَّا مُرشَّدة بالحوار من قبل أصدقائها، وإما محارَبة ولو بخفاء وحيلة وذكاء ودهاء من قبل أعدائها.

لذلك فإن مستقبل الأمة مرهون بمستقبل صحوتها المعاصرة، والصحوة مرهونة بمدى الرشد الفكري داخلها في التعامل مع التراث الإنساني عامة والإسلامي خاصة، والصلح السياسي خارجها في التعامل مع الواقع المتحرك من حولها، وحسن التخطيط العملي بين تياراتها، وتكاملها في مختلف أطيافها، وحسن التعاطي مع كل الناس من حلفاء وأصدقاء وأعداء ومتحاملين، لضمان حد أدنى من التخصص العملي، وإنجاز المشروع الحضاري لاستئناف الحياة الإسلامية بأسرها على مراحل وخطوات، وبين فصائل وأوطان.

إذن، فالترشيد للصحوة عبر الحوار واجب لا يتم واجب الاهتمام بمستقبل الأمة إلا به.




**رئيس القسم الشرعي بموقع إسلام أون لاين. نت










قديم 2008-10-26, 11:01   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
zembla
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية zembla
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مشكوووووووووووووووووور










قديم 2008-10-26, 18:52   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عامر1988
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أختاه على المرور الكريم

وجزاك الله خيرا على الإضافة

ونرجوا من إخواننا المشرفين تثبيت الموضوع لتعم الفائدة










قديم 2008-10-27, 10:07   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عامر1988
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

نرجوا من إخواننا تثبيت الموضوع لتعم الفائدة










قديم 2008-10-27, 17:21   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
قدوري رشيدة
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية قدوري رشيدة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شتان بين قوم يخاف الله وبين قوم تسيره أهواءه

اتنتظر التثبيت أخي عامر؟؟؟

أظن الموضوع اصلا لم يقرأ

حاول مرة أخرى في الجدال العقائدي

وانظر جيدا الموضيع المثبتة و اطرح مثلها










قديم 2008-10-27, 18:19   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

قبل مدة تعرفت بالصدفة على إحدى الأخوات وتطورت بيننا العلاقة إلى صداقة حميمة، فأصبحت أعتبرها مثل أختي، ولكن صارحتني في الأخير أنها ليست من أهل السنة، ولا أعلم ماذا أفعل هل أستمر بعلاقتي بها أم أقاطعها؟




الفتوى


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ينبغي للمسلم أن يصاحب من عرف بالبدعة أو الفسق ويتخذه خليلاً إلا من كان غرضه من الصحبة النصح والإرشاد، وكان عنده من العلم ما يؤهله لذلك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود والترمذي وأحمد واللفظ له.
ومخالطة من عرف بالبدعة أو بالفسق قد تؤثر في الشخص المخالط، فكم من إنسان خالط صاحب بدعة فصار مبتدعاً وتلبس بالبدعة، فعلى المرء المسلم أن يحذر وأن يحافظ على دينه، ورحم الله القائل:
الدين رأس المال فاستمسك به **** فضياعه من أعظم الخسران.










قديم 2008-10-27, 18:50   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
قدوري رشيدة
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية قدوري رشيدة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

والله عبر والله عبر اقرؤا وعوا ياقوم أم عقولكم انغلقت ؟؟؟

6- من الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد

من النصائح التي يقدمها الشيخ القرضاوي هنا إلى بعض الحركات الإسلامية الوسطية التي يقدرها: تقديم الولاء للإسلام على الولاء للجماعة، وتقديم العمل للدعوة على العمل للتنظيم، والترحيب بالأفكار الجديدة، والتفاهم مع الآخر، وإن يكن مخالفا، وتجديد الوسائل حسب المرحلة، والاهتمام بالتحديات العالمية، وعدم الاستهلاك في العمل السياسي، وإنتاج مناهج تعمق الثقافة الشرعية والواقعية










قديم 2008-10-27, 19:02   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عامر1988
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










Hourse لاحول ولا قوة إلا بالله

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا عساي أن أقول

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

بارك الله فيك أختي *رشيدة * على الإضافة الطيبة
------------------------------

والله ثم والله يعجز اللسان عن الكلام
**********************
وكما عرف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه غمط الناس<إحتقارهم> وبطر الحق لذا أقول:
اللهم إني أعوذ بك من الخيلاء في القول والعمل
********************










 

الكلمات الدلالية (Tags)
أدب الإختلاف, القرضاوي, بن باز


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:09

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc