هرطقات (6) الليلة التي بكى فيها القمر ( قصة قصيرة ) - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > خيمة الجلفة > الجلفة للمواضيع العامّة

الجلفة للمواضيع العامّة لجميع المواضيع التي ليس لها قسم مخصص في المنتدى

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

هرطقات (6) الليلة التي بكى فيها القمر ( قصة قصيرة )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-08-20, 01:25   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالله بن حواف
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي هرطقات (6) الليلة التي بكى فيها القمر ( قصة قصيرة )

بقلم / عبدالله بن حواف **

كنت قد أنتقلت حديثاً لتلك الشقة التي أسكن بها حالياً ، و لا بد أنك تعلم ذلك الشعور ( بالكركبة ) عندما تنتقل لمسكن جديد خاصة عندما تحتاج لشيء ما من أغراضك فلا تستطيع الوصول إليه بسهولة ، لضياعه في مجموعة صناديق الكرتون التي حزمت بها أغراضك من مسكنك القديم ، و لن احدثك عن الأثاث الذي ( يتوزع بشكل يكاد يكون عشوائي في أرجاء الشقة ، في الحقيقة ، عندما أنتقلت حديثاً لهذا المسكن كنت حريصاً على أن ابدء بتوضيب غرفة المكتب ، فهي بالنسبة لي من أهم الغرف التي اقضي فيها معظم وقتي ، ثم أن مهمة توضيبها ليست سهلة خاصة اذا علمت أنني أمتلك مكتبة تحتوي على آلاف الكتب ، و لم يكن أختيار الغرفة التي جعلت منها غرفة مكتبي عشوائية ، فقد أخترت غرفة تطل على البحر مباشرة بها شباك واسع يتوسط حائط الغرفة الشمالي ، لا أعلم الساعات و الأيام التي قضيتها و أنا أوضب الكتب على رفوف المكتبة و أزيح الطاولات و الكراسي و ما إلى ذلك ، حتى اصبحت غرفة مكتبي شبه جاهزة تقريباً .
في الواقع أن الشقة التي أنتقلت إليها ، رائعة بحق ، وكم حلمت بالسكنى في شقة مماثلة منذ زمن بعيد ، فقد كنت سعيداً لدرجة كبيرة ، خاصة أن واجهة الشقة الشمالية ذات أطلالة بحرية ، تطل مباشرة على شاطئ البحر الذي لا يبعد عن البناية سوى خمسون متراً تقريباً ، كما أن المنطقة التي تقع فيها البناية ككل ، تتمتع بهدوء عجيب ، فلا تكاد تسمع أصوات السكان ، ما عدا أصوات صرير أبواب الشقق المجاورة و أصوات حركة الاثاث المنبعثة من الدور العلوي أو السفلي أحياناً ، آه .. نسيت أن اقول أن شقتي كانت تقع في الدور الثامن و الأخير لهذه البناية .
بعد أن أصبحت غرفة مكتبي جاهزة كما كنت أقول .. جلست تلك الليلة على طاولة مكتبي و فتحت النافذة ، و شعرت بالهواء الساخن يلفح وجهي ، و يجعل بعض الأوراق المبعثرة على طاولت المكتب تتطاير لولا أنني ثبتها عن طريق وضع أشياء ثقيلة عليها ، كحاوية الأقلام ، و مجسم الكرة الارضية و خريطة العالم ..... الخ ، جلست بهدوء أتناول قدحاً كبيراً من شاي الليمون ، أرتشف منه بين الفينة و الأخرى ، مستمتعاً بالمشهد الرائع من خلال النافذة ،،
كان المشهد يوحي بشعور غريب و جميل في نفس الوقت ، و كأني كنت جالساً وحدي في تلك البقعة من العالم ، و كان صوت الهواء هو الشيء الوحيد الذي تمكنت من سماعه ، أثر مروره من فتحات و زوايا النافذة ليصدر ذلك الصوت المعروف ، لم تكن سرعة الهواء عالية ، إلا أنها كانت كافية لتحمل الاشياء الخفيفة كالأوراق و ما شابهها على التطاير و التمايل بفعل قوته .
كان قرابة الاسبوعين مرا سريعاً منذ أنتقالي لمسكني الجديد ، أنتهيت فيها من توضيب كافة الأثاث و كل شيء أخر ، حتى أنني وقفت عند وضع أخر قطعة في مكانها المناسب ، أمسح العرق عن جبهتي ، و شعرت بشيء من الزهو لأتمامي العمل الصعب ، الآن أصبح كل شيء في مكانه ، و أصبحت الشقة مثالية في نظري على الأقل ، لم تكن أي غرفة من الغرف الثلاث وهو عدد غرف شقتي تملك أطلالة بحرية سوى تلك الغرفة التي أتخذت منها مكتباً لي .
و أصبح وقت جلوسي في المساء ، على طاولة المكتب أتناول فيه قدح الشاي بالليمون من الطقوس المقدسة بالنسبة لي ، و لكم كنت أحزن عندما كان الطقس يصبح سيئاً مما يمنعني من فتح النافذة و الأستمتاع بالمشهد و ممارسة تلك الحالة الشعورية التي أحبها كثيراً ،،
لقد تعمدت أن تكون طاولة المكتب مواجهة لحائط الغرفة الشرقي بحيث تكون بجانب النافذة و تكون النافذة على يميني ، و حيث أن الكرسي الذي أجلس عليه من تلك الكراسي التي يمكنها الدوران 180 درجة فقد ، كنت أجلس و ألتف بالكرسي لأقابل النافذة مباشرة و أتكيء بذراعي اليسرى على طاولة المكتب ،، لو كنت مكاني ربما كنت ستعدل الوضع بشكل تراه أنت أفضل ، لكن ذلك الوضع هو ماكنت أراه مناسباً لي .
و في ذات مساء ، كنت أجلس في غرفة مكتبي ، للقرأة و الأطلاع و البحث في الكتب ، و عندما كنت أفقد التركيز أو أشعر بالتعب ، ألتف بالكرسي مواجهاً النافذة ، لأستمتع بلفحة هواء منعشة ، و منظر البحر المهيب ، كانت تلك الليلة قد بدا فيها القمر مكتملاً و بدا و كأنه قريب لدرجة كاد معها أن يلامس سطح مياه البحر ، مع أنعكاس ضوء القمر على سطح الماء بشكل متموج بفعل حركة المد و الجزر ، و زادت رائحة مياه البحر التي حملها الهواء إليّ من هيبة وروعة المشهد ، كان المشهد آخاذاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، شعرت أنني لو مدتت يدي خارج النافذة سأتمكن من لمس القمر بأطراف أصابعي ، و بينما كنت معلقاً بصري في تلك اللوحة الرائعة ، أنتبهت إلى رجل ما ، كان يجلس على شاطئ البحر ، كان بأمكاني أن أراه بوضوح بفعل ضوء القمر ، حيث أن المنطقة كانت شديدة الظلمة في الأيام التي لا يكون فيها القمر بادياً ، علقت بصري لدقيقة كاملة على هذا الرجل - كان يجلس بلا حركة تذكر تقريباً ، كان يجلس على رمال الشاطيء قريباً من البحر ، ضاماً ركبته إلى صدره ، يدفن رأسه بين ركبتيه حيناً ، و يرفعها حينا ، و ربما كانت هذه هي الحركة الوحيدة التي بدرت منه خلال جلوسه هناك ، لمدة تجاوزت الثلاث ساعات أو يزيد ،
لم أكن اعلم من هو هذا الرجل ، و لا أدري أن كنت قد ألتقيت هذا الشخص مسبقاً ، و لا اعتقد ذلك ، لم يكن من الممكن أن أرى ملامحه بوضوح ، رغم أنني حاولت ، أذ أنني نهضت و مدتت رأسي خارج النافذة و أنا أمعن النظر فيه ، و لكن كان من الصعب جداً أن أحدد معه ملامحه ، مع أن المسافة لم تكن بذلك البعد الكبير ، و لكن بسبب الأضاءة ربما و لأنه كان يجلس في مكان مضلم بعض الشيء على الشاطئ فقد زاد ذلك كله من صعوبة الأمر .
الشيء الوحيد الذي كان يمكنني أن أحدده ، أن الرجل لم يكن يجلس في ذلك المكان لأنه جاء للأستمتاع بالمشهد ، و بدا واضحاً أنه كان حزيناً ، من طريقة جلوسه تلك ، و دفن وجهه و رأسه بين ركبتيه المضمومتين إلى صدره و هو يحيط بهما ذراعيه المتشابكين ، و لا أدري لماذا أفترضت او توهمت أنه كان يبكي ،، أعتقد أنه كان يبكي ،، لكنني لست متأكداً ، و لا أعلم لماذا راودتني فكرة النزول و التوجه لمكان ذلك الشخص ، فقد كاد الفضول يقتلني ، اردت ان أعرف ما حكايته ، و ما الذي يجعله يبدو حزيناً هكذا ، ربما توفي أحد أحبائه أو أقربائه ، ربما علم خبراً ما أحزنه لتلك الدرجة ، ربما جلس للتفكير و التأمل و أن أفتراض حزنه و بكائه هما من وحي خيالي الذي ساعدت لتعزيزه طريقة جلوس الرجل في ذلك المكان ، حقاً .. ألتهمني الفضول ، حتى أنه فضولي الشديد قتل لحظة استمتاعي بالمشهد الرائع الذي تطل عليه نافذتي ، و لأكثر من ثلاث ساعات جلس الرجل هناك ، و جلست أنظر إليه و لم أشح عنه بصري لحظة واحدة .
فجأة ، نهض الرجل واقفاً على قدميه ، و نفض يديه و ملابسه عدة مرات ، ثم عدل هندامه ، و مشى الرجل مبتعداً ، و ظللت أتابعه بنظري حتى توارى بعيداً .
و لم أعلم أن كان ذلك الرجل كان حزيناً ، أو أن كان قد بكى ، أو ما سبب جلوسه هناك ،، كما لم يعلم هو أنني كنت أراقبه خلال جلوسه هناك فكان المشهد صامتاً ، و هادئاً أكثر من اللازم .
أنتبهت إلى المشهد الذي لم يتغير منه شيء سوى خلو الرجل منه ، و نظرت إلى القمر ، و كأنني هممت بسؤاله عن حال ذلك الرجل ، و لا أدرى لما خيّل لي ّ أن القمر كان يبكي حينها ..
و لم أرى ذلك الرجل بعدها ثانية .




** شاعر و كاتب و باحث في التاريخ و التراث
متخصص في الأدب الأنجليزي و اللغة .








 


رد مع اقتباس
قديم 2011-08-20, 02:17   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الجزائرية 2010
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك اله خيرا
شكرا لك.










رد مع اقتباس
قديم 2011-08-20, 02:28   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ع.جمال
مراقب سابق
 
الصورة الرمزية ع.جمال
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز 2014 وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام أفضل مشرف وسام التميّز بخيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
مزج جميل بين مشهدين مختلفين بعبارات متناسقة وجميلة أوصلت الفكرة وبارك الله فيك.










رد مع اقتباس
قديم 2011-08-22, 01:18   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عبدالله بن حواف
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الجزائرية 2010
شكراً ، أسعدني مرورك و أطلاعك










رد مع اقتباس
قديم 2011-08-22, 01:20   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عبدالله بن حواف
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

ع.جمال
لك مني الشكر الجزيل ،
على نبلك و أهتمامك
بوركت










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
هرطقات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:40

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc