التجديد والريادة
بعد ذلك يبدو أن السبل المنجزة قد ضاقت بالشعرية الصوفية. فهي حتى الآن قد أقامت رؤيتها الوجودية في جانب واستعارت رؤيتها الفنية من جانب آخر. لذلك كان جديراً بها أن تعمل أكثر من أية حركة شعرية أخرى على خلخلة جماليات الشعرية العربية ومفاهيمها، فطرحت مسألة العروض على طاولة البحث، وقامت جدياً بالخروج عن منظومة الأوزان الخليلية عبر تكسيرها ورفض الالتزام التام بقوانينها. وكانت حجَّتها في ذلك – كما هي دائماً – التسامي عن أي توجُّه فني لإبداعها:
شعرُنا هذا بلا قافية إنما قصدي منه حرف ها
غرضي لفظةُ ها من أجلها لست أهوى البيع إلا ها وها
فمع أن الشاعر يكتب هذا الشعر موزوناً ومقفَّى، إلا أنه يخلع القداسة عنهما ليطرح إمكانية الإبداع من غير قافية. وربما لم يكن التزامه بها، أو بالشعر الموزون عامة، إلا لشغفه الغنائي بالذات المطلقة، بما يجعله يكرِّر حرف الهاء الدال عليها. لكن كل هذا التبرُّم من الأوزان والقوافي تم فعلاً بعيداً عن الصوفية ورؤيتها. وإنما جاء هذا التمهيد للتأكيد على أن الشعراء الصوفيين لم يتخذوا مواقفهم الجمالية من الشعر السابق لهم اعتباطياً ومن غير دراية به؛ وليؤكد أيضاً على أنهم طالما عملوا على ابتكار شعرية جديدة تنسجم مع رؤيتهم إلى الكون، بما يفارق الشعرية القديمة تماماً.
وربما لم يصل هذا العمل إلى مبتغاه من التحقق والانسجام إلا حين تخلى الشعراء الصوفيين عن الشعر الموزون جملة وتفصيلاً، لأنهم بذلك بدؤوا مرحلة جديدة من الإبداع ربما لم تعرفها الشعرية العالمية من قبل. ومن هنا قد يكون غياب المصطلح النقدي، أو عجزه عن توصيف شعرية تلك المرحلة في حينه، دلالة على أصالة هذا العمل وابتكاره. فالشعر النثري أو قصيدة النثر أبداً لم تكن غريبة عن الشعرية العربية، وأي منصف لهذه الشعرية لابد أن يعود إلى الشعر الصوفي ليتحقق من أنها إحدى إنجازاته.
غير أن القول لا ينبغي أن يذهب بعيداً جداً، ولا ينبغي له، في الوقت نفسه، أن يقلِّل من أهمية الريادة الصوفية. بل إن هذه الريادة هي ما يدعو للتريث في إطلاق التوصيف، يدعو للتريث وحسب. فالنقد مطمئن لإنجاز لا يدعو للشك في شعريَّته النثرية. إنّ مواقف النفّري ومخاطباته كافيتان وحدهما لمثل ذلك.
لكن مواقف النِّفَّري ومخاطباته، وحتى شطحات البسطامي والشبلي، هي عناوين دلالية، موضوعاتية، وليست توصيفات نوعية لأشكالها. لذلك، ومثلما يحاول هذا البحث أن يردّ للصوفية ما لها من ريادة في إبداع قصيدة النثر، يجب الاعتراف، في المقابل، أن مصطلح "قصيدة النثر" هذا هو إبداع فرنسي. لكن مثلما أن إبداع المصطلح لا يعني إبداع القصيدة، فإن ما ينبغي اكتشافه أو إعادة الاعتبار إليه في الشعرية الصوفية ليس لبنة أولى، أو شيئاً يشبه قصيدة النثر، بل هو قصيدة النثر ذاتها. إضافة إلى ذلك، لا يلزِم الاعتراف بأسبقيَّة إبداع المصطلح على الأخذ بمضمونه مادام قد صار للنقد العربي رأي في ماهية قصيدة النثر وتعريفها على أنها كل شعر خال من الوزن والقافية. لكن الانطلاق من هذا التعريف قد لا يكفي بمفرده هنا للتمييز بين ما هو شعري، في تلك العناوين، وما هو نثري لا قيمة إبداعية أو شعرية له. وربما إشكالية التمييز هذه أكثر ما تبرز في النصوص "الشطحية"، أو فيما يرد تحت اسمها. فالشطح في صدوره عن مرتبة الاتحاد سوف يقال بشكل ارتجالي، لاإرادي، ويكون تعبيره، في هذه الحالة، منظوماً غالباً، كقول الحلاّج السابق. لكن معظم شطحات البسطامي، مثلاً، مرويَّة بطريقة نثرية، وهذه الرواية النثرية قد لا تقلل من شعرية الشطح بقدر ما تدل على نوعيَّتها كقصيدة نثر؛ إذ إن هذه القصيدة لم تُسَمَّ كذلك لتخلِّيها عن الوزن والقافية فقط، وإنما لاشتراكها مع الأنواع النثرية الأخرى في أشكالها الخارجية أيضاً، لكن بما لا يخلّ بشعريَّتها وبنيتها كقصيدة - الشيء الذي سوف تدل عليه النصوص الإبداعية، وإنْ على نحو متباين:
رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد! إن خلقي يحبون أن يروك. فقلت: زيِّني بوحدانيَّتك، وألبسني أنانيَّتك، وارفعني إلى أحديَّتك، حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك. فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هناك.
قد يكون هذا النص متكاملاً كبنية شكلية، وهو كفعل ودلالة يمثل انقطاعاً عن المعقول في الذهنية العربية. غير أنه لا يستطيع مع ذلك أن يبدع فسحة شعرية إلا من خلال مستوى الصدق والكذب الذي تحقِّقه التراكيب المحدثة. وهذا المستوى ضيق جداّ بحيث لا يعتدُّ به في شعرية القول وفنِّيته، مادام لا يخرج عن كونه تقريراً إخبارياً يشرح أبو يزيد من خلاله كيف يرغب بلقاء خلق الله؛ وهو شرح محدّد في دلالته، وحياديّ في بيانه، بلا مشاعر، وبلا إلماح. إنه يبيِّن كيف يكون الاتحاد، ولكنه لا يصل إلى مرتبة الشطح حيث القول صادر عن وجد ومعاناة يمكِّنانه من أن يكون شعرياً. لكن حتّى في مثل هذا البناء الإخباري يمكن أن يحضر الشعر، ولاسيما إذا ما توفّرت له المقومات التي تحرِّره من حدوده وإخباريَّته، كما هي الحال في هذه القصيدة التي تبدو وكأنها استكمال للنص السابق:
أول ما صرت إلى وحدانيَّته، صرت طيراً، جسمه من الأحديَّة، وجناحاه من الديمومة. فلم أزل أطير في هواء الكيفيَّة عشر سنين، حتى صرت إلى هواء مثل ذلك مئة ألف مرة. فلم أزل أطير إلى أن صرت في ميدان الأزليَّة، فرأيت فيها شجرة الأحديَّة… فنظرت، فعلمت أن هذا كلُّه خدعة.
إن شعرية هذه القصيدة تقوم على تحقق الفعل ونفيه في الوقت نفسه، بما يشبه الحلم واليقظة. وهذا التشابه يُخرِج دلالات القصيدة من إخباريَّتها المحضة إلى فسحة الإلماح والتخمين. وقد يبدو تركيبها السردي مماثلاً للشعر المحدث في تجسيده لما هو معنوي ومجرد؛ فعبارات "هواء الكيفيَّة"، "ميدان الأزليَّة"، "شجرة الأحديَّة"، لا تختلف عن "ماء الملام" لأبي تمام إلا دلالياً. وكذلك بنية هذا السرد الحكائية هي متداولة حتى في الكلام العادي، مع أنها تنقل عالماً غير محدَّد المعالم. إنه عالم البرزخ الذي لا يمكن استعارته مادام خارج هذا الكون؛ فهو برزخ من عالم المعقولات العلوية ولا ينتمي لمرتبة البرزخ البشرية. لذلك، وعلى الرغم من صحة التوصيف الفني لتراكيبه بتماثلها مع الشعر المحدث، غير أنها لا تُفهَم من خلاله. ذلك أن هذه القصيدة لا تقدم تجربة فنية قاصدة جماليَّاتها، وإنما هي منقولة عن تجربة ذاتية هي تجربة شعرية في معيار الكتابة، أي بسبب كتابتها. إذا لا وجود للشعر بلا شعراء، ولا وجود للشعراء بلا قصائد، بمعنى أن دلالة قصائد البسطامي على شعريَّته هي أهم بكثير من نظمه لقصائد شعريَّتها مستعارة من غيره؛ بكلام أوضح، إن جهل البسطامي ومعاصريه بشعريَّة شطحاته، أولاقصديَّتها في ذلك، ينبغي أن يفهم في سياقه التاريخي، ومن طبيعة التجربة ذاتها، أي من خلال رؤية البسطامي لما يقول على أنه حقيقة واقعة، وليس إثباتاً لحلم أو لوهم، له دلالاته النفسية المفترَضة. لذلك قد يصح ألا تفهم تراكيب هذه القصيدة وصورها على أنها تراكيب فنية. فالبسطامي كان يعتقد أَنه قد صار طيراً حقاً، له جسم من الأحديَّة، وجناحان من الديموميَّة. وهذا الاعتقاد قد يكون مقبولاً، أو غير ذلك، إلا أن ما قالته هذه القصيدة ليس من هذا العالم، ولا يفهم من خلال أقواله. فهو، حين يماهي بين ما هو حسِّي وما هو معنوي إلى حد يمتلئ فيه القول بدلالته بما ينفي ويتجاوز إشارية القول التقليدي إلى إبداع يوازي بين القول وتجربته، فذلك لأن طموح البسطامي يبدو أبعد من هذا القول وتجربته معاً، وإلا فما الذي يفسر انخداعه في النهاية؟
إن قصائد البسطامي، على قلَّتها، تمثل تجربة في الرفض لا حدود لقلقها سوى الفناء. وأي شيء غير ذلك سوف يدعو للتهكُّم والريبة، حتى ولو كان رؤية لشجرة الأحديَّة ذاتها. ومن يصرخ في إحدى شطحاته الموحدة: "سبحاني، ما أعظم شأني" ، ليس من الصعب عليه أن ينظر إلى الجنة والنار بلا اكتراث، ليس لأنهما لا يدخلان ضمن منظومة الأفكار الصوفية وحسب، وإنما لأن رفضهما يعني رفضاً لأي تراتبيَّة دنيوية، بما يحقق له تسامياً وحنواً إنسانياً قلَّ نظيرهما:
ما النار؟
لأستندنَّ إليها غداً،
وأقول: "اجعلني لأهلها فداءً."
أو لأبلعنَّها!
ما الجنَّة؟
لعبة صبيان.
إن التمرُّد على الشرط الإنساني بكل أشكاله هو ما يحقق للبسطامي جدلاً بنيوياً بين تجربته الوجودية وقولها. وإن جاء هذا الجدل ناقصاً، قصائدُه قصيرة ومعدودة على أصابع اليد الواحدة، فلأن قوله، مع تجديده وإبداعه، قد جاء نتيجة لتجربة جديدة، وليس لتجربة في القول ذاته. ولعل هذا ما يجعل البسطامي مجدداً رؤيوياً، تعوزه الموهبة والإرادة الشعرية، أكثر مما هو شاعر محترف يحترم الشعر بقدر احترامه لتجربته الخلاصية.
إن هذا المقدار من الجدل الذي يرى في الشعر تجربة شاملة للوجود بأبعاده كلها قد لا يكون متحققاً في ذروته الإبداعية إلا لدى شاعر عاش ومات قبل البسطامي بمدة طويلة. فقد كان النِّفَّري على دراية عميقة بالمنحى الإبداعي لما كان يكتبه، ليس لأنه كان يقوم بتدوينه على قصاصات سوف تجمع بعد موته في كتابين، سُمِّي الأول المواقف نسبة إلى مطلع القصائد "أوقفني وقال لي"، وسُمِّي الثاني المخاطبات نسبة إلى المطلع أيضاً، وهو "يا عبد"، وإنما لأن صفحات كتابيه هذين سوف تزخر بفنون الشعر وأساليبه الجديدة بما يحتاج فعلاً لبحث مستقل يفي هذه الصفحات حقها. لكن الآن، وتحاشياً للاستطراد المربك لسيرورة هذا البحث الإجمالية، يمكن إبراز الخصائص الأساسية لشعرية النِّفَّري و إبداعها، ولاسيما أن ما قيل حول نثرية قصائد البسطامي يصح أن يقال حول قصائد النِّفَّري أيضاً، ولكن بفارق كبير هو أن هذا الأخير كان قد استطاع أن يقدم نموذجاً متكاملاً لريادته الكبرى في مجال قصيدة النثر العربية؛ بل إذا ما كانت سنة وفاته هي 354 هـ، فهذا يعني أن مولد قصيدته سوف يكون متقدماً على مولد قصيدة النثر الفرنسية بأكثر من ألف عام.
أما لماذا لم ينتشر هذا النوع من القصائد في الشعر العربي القديم؟ فربما لأنه لم يكن يُعتبَر شعراً من جهة؛ وللقداسة التي استُقبِل بها أو نقيض ذلك من جهة ثانية؛ ولأنه لم يكن يفكر بصلاحيَّته لمعالجة قضايا دنيوية من جهة ثالثة. بل إن الأستاذ حمزة عبّود، وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي بذله في إيضاح شعرية النِّفَّري وإبراز خصائصها الجدلية وانعكاسها على التراكيب والصور، غير أَنه لم يقم بتوصيفها كقصائد نثرية رائدة، وإنما اكتفى بالإشارة السريعة إلى أن "الأوزان وقوانين علم العروض والبيان لا تمتُّ إلى الأثر الشعري إذا هي لم تنتج من داخل التجربة"، ربما مداراة لسلطة نموذجية، أو لجهله بكيفيَّة اختراقها. ومهما يكن من أمر، فإن هذا التوصيف لا ينفيه أو يثبتُه - كما هي الحال دائماً - غير القصائد واشتمالها على مقومات شعرية، لها سماتها النثرية الخاصة أو المتعارف عليها
ربما يكون هذا التوزيع العمودي لـ"موقف الموت" تعدِّياً على النص الأصلي. لكن قراءته وفقاً لما هو مكتوب أفقياً، لابد أن تراعي الفواصل بين جملة وأخرى، مما يفضي إلى التوزيع الإيقاعي نفسه. وهو بذلك لا يختلف عن أي إيقاع داخلي لقصيدة النثر الحديثة؛ بل إن انتهاء الجملة بهذا الانسجام بين الإيقاع ن النحوي والدلالي قد لا يتحقق كثيراً فيما يُكتَب الآن.
والأهم من هذا أن إيقاع هذه القصيدة جاء عفوياً وتلبية لتجربة النِّفَّري الشعورية. إذ إن تخلِّيه عن الوزن لم يجعل منه إيقاعاً مهموساً خافتاً. فالانفعال واضح في تلاحق العبارات المتمركزة حول دلالة الموت مشكِّلة وحدة مقطعية أولى، سوف تنتهي بقفلة معبِّرة عما يقصده النِّفَّري من هذا الموقف تماماً. فعبارة "بقيت وحدي" تدل على رفضه لكل ما رأى في هذا العالم لتنفي تورُّطه به. وتأتي الوحدة الثانية عابرة لتدل على ألا جدوى من المحاولة من أجل التغيير. أما الوحدة الثانية فهي انتقالية بين الوحدتين الأولى–الثانية والوحدة الرابعة–الختامية، ذلك أن النِّفَّري يعبِّر من خلالها عن لجوئه إلى الله بعد أن أدرك بطلان علمه وعمله في هذا العالم. في الوحدة الرابعة يتم الكشف عن الخلاص الفردي بعيداً عن أية حلول جماعية. وتنتهي القصيدة في الوحدة الخامسة بنداء الله للنِّفَّري وتلبيته لهذه الدعوة.
تفيد هذه المتتالية المنطقية لسير الدلالات في إبراز تقابلاتها الإيقاعية، إذ تعتمد الوحدة الأولى على تكرار الفعل "رأيت" كدلالة على ما هو دنيوي، وتعتمد الوحدة الخامسة على تكرار الفعل "قال" كدلالة على ما هو إلهي، بينما تعتمد الوحدة الثالثة على تكرار الفعلين معاً كدلالة على أنها وحدة انتقالية. وثمة تقابل مركزي بين عبارة "بقيتُ وحدي" التي جاءت خلاصة للفعل "رأيتُ" وعبارة "خرجتُ" التي جاءت خلاصة للفعل "قال". هذا بالإضافة إلى التكرارات والطباقات الثانوية التي تحقِّقها كل وحدة على حدة لتشكِّل في مجموعها وحدة إيقاعية على علاقة جدلية بدلالاتها. بل إن شعرية هذه القصيدة تقوم على رؤية كلية للوجود تولَّدت عنها مجموعة من الوحدات الإيقاعية–الدلالية التي أفضت إليها. ونتيجة لهذه العلاقة التي تحققت في قصائد عديدة من المواقف والمخاطبات، أبدع النِّفَّري لغة شعرية تجريدية تكاد تضاهي أرقى ما أبدعه الشعر الحديث في هذا المجال.
فلغة النِّفَّري في صدورها عن مرتبة المعقولات سوف ترتقي بالشعر وبالصورة الشعرية عن برزخ المعقولات الكونية إلى برزخ المعقولات الإلهية. وهي لم تكتف بالنقل – كما سيفعل البسطامي –، وإنما جعلت هذا "البرزخ" خالصاً بين اللغة ودلالاتها، بما يشكل نقله نوعية عن الشعر المحدث في أرقى أشكاله الصوفية:
فإن جاءك نصري فنم فيه.
فإن أوقفك في الصراخ فنم فيه
قد لا يكون إطلاق دلالة الصراخ أو النوم في شعرية النِّفَّري بجديد؛ فقد أوقف المتنبي، مرة، ممدوحَه في جفن الردى؛ وكذلك النِّفَّري أوقفه الله في مطلع القصيدة السابقة. لكن، وعلى اختلاف الموقفين، فقد أحالا إلى هذا العالم، فبقيت صورهما حاملة له، متعلِّقة به، بينما صورة النوم في الصراخ لا تحيل إلا إلى ذاتها. فالنِّفَّري لا ينام بين صراخ الأفواه أو فيه، إنما ينام في الصراخ مجرداً، مما ينفي أية استعارة. لقد فكر جان كوهن مؤخراً بالاستعارة المطلقة: "الأذان الأزرق" مثلاً!؟
قضايا الشعر الصوفي
تميز الشعر الصوفي في الأدب الاسلامي بعدد من القضايا والأغراض استقل بها شعراء الصوفية وتميزوا فيها، منها :
۱- التقشف والزهد في الدنيا: ويتمحور حديث الشعراء فيه حول الوعظ والتذكير من ناحية والحكمة الدينية من ناحية أخرى، حيث يمثل الزهد أحد المقامات والطرق الموصلة إلى الله.
۲- الحب الإلهي: ويمثل هذا الاتجاه أكثر المجالات وفرة وارتيادا لشعراء الصوفية، حيث اتخذوا الغرض أداة للاستعانة على بث معاني القرب والتودد إلى الذات الإلهية.
۳- المقامات: ويستهدف هذا الغرض من الشعر إبراز ما تحقق للعبد من المكاسب الخاصة من خلال مجهوداته وعباداته وما حصل عليه من المواهب الربانية.
۴- المناجاة: ويعد هذا النوع من الشعر بمثابة سرد للتجربة الشخصية في التصوف.
۵- المديح النبوي: وهو من أكثر المجالات إنتاجا وإبداعا لدى شعراء الصوفية. ويعتبره الصوفيون من أجل أبواب القربات إلى الله.
۶- التوسل والاستغاثة: وهو من أهم خصائص الشعر الصوفي، ويهدف إلى التماس قضاء الحاجة بواسطة النبي وبغيره من الأنبياء والأولياء الصالحين عند الله.
۷- مدح الشيوخ: ويستهدف هذا اللون إطراء شيوخ الطرق الصوفية وإبراز مآثرهم وكراماتهم بغرض إثبات أحقيتهم في التقديم والتبجيل.
أهداف الشعر الصوفي:
الملاحظ أن الشعر الصوفي كان في أغلبه مدائح نبوية وتوسلات بالرسول والصحابة والأولياء, وقد تجلى هذا الاتجاه بوضوح في العصر الحديث ، وفي الجزائر خاصة، بعد أن تعرضت الجزائر لحملات الدول الأجنبية, وبخاصة الحملات الإسبانية، وقد عمل الأتراك العثمانيون أثناء وجودهم في الجزائر على تشجيع هذا اللون من الشعر و(وجد من الشعراء من يكتب قصة الرسول كاملة منذ ولادته حتى وفاته, أو يتحدث عن معجزاته آو يصف جماله الظاهر والباطن, ويشيد بنبوته وأخلاقه, بل من الشعراء من أرخ لغزواته وتحدث عن صحابته وأهل بيته وآثاره وفضائله... بل وجدت كتب معظمها صلوات على النبي ليس فيها من الشعر قليل أو كثير)
وقد دأب هؤلاء الشعراء على نظم قصائد المدائح كلما حل شهر ربيع الأول، وكان مدح الدايات في العهد التركي مختلطا بمدح الرسول والتوسل به, ومن المؤكد أن الاستعمار الفرنسي عمل على تشجيع هذا الشعر لأنه لم يشكل خطرا ولا تهديدا على وجوده.