بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أبدأ بحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم و على آله و أصحابه
الأطهار المبجلين و بعد :
كمـا تعودنا و لازلنا على ديدننا المعهود منذ عهود طويلة كلام يقابله كلام مضاد أو غير
مضاد المهـم أنه كلام يتبعه كلام و فقط , فـلا إقدام مع الكلام فنغير ما يجب أن يغيـر
و يصـدق قولنا فعلنا فنكـون بذلك قدر ما نقول و ليس أن نستعرض طول ألسنتنا بلييها
بزخـرف الكلمات و الحروف التي تبين أننا ننطق أو أننا كائنات مفكرة ناطقة دون الفعل
الحركي الذي تترجمه الأفعال لا الأقوال .
و الثـانية أنه لا إحجام عن الكلام فنكون بذلك قد صـرفنا عن أنفسنا الكثير من الجهـد
و الوقت في مقـابل جعجعة بلا طحيـن و ثـرثرة بلا ثمـار , و مثلها في ذلك مثل تلك
الشجيرات الـتي يسميها الفلاحون بـ – الجايحـة – يعنى لا تغني و لا تسمن من جوع ,
تراها كبيرة طويلة عريضة و لا تتمخض عن ثمرة واحدة , و لو كانت هناك ثمار فلا يكون
لها أي نفـع مهما كان , و قد ينتفع بخشبها و لكن بعد ماذا ؟ بعد قطع رقبتها و قتلها , و
حتى ذلك الظل الذي تبديه تحتها تجد ظاهره ظل و باطنه قـر و صر كأنه سلب من روحه
التي تكونه و تكون وجوده .
عندما يفتح الواحد منا التلفاز مثلا يجد الكثير من المنابر الإعلامية و الغير إعلامية تصدح ليل
نهار بفتات الأخبار من كل الأقطار و الأمصار و يجد النقاشات و الجدالات و المشاحنات و
التحليلات و ... و ... و لكـن النتيجة صفر مدور محور لا قبله و لا بعده , هذا ما ينتجه
العرب الكلام يتبعه كلام و فقط .
و في الجبهـة الثانية مـن الإسقـاط المنطقي , في الواقع المعاش تجد المقاهي و النـوادي و
التجمعات كلها كلام في كلام و النتيجة نفسها ذلك الصفر المدور المحور , و هكذا دواليك
من أبسط الأشياء إلى أكبـرها , و من الفـرد البسيط في ذلك المقهى إلى أكبر مسؤول في
مجالس الـدولة أو الإعلام و غيرهما مما نزل أو صعد تباعا , و كأن الصفر أصبح من رموزنا
تاريخا و واقعا معاشا .
فنحن العرب ليس لنا غير الكلام و الكلام فقط دون تطبيق أو حتى على الأقل المحاولة و بذل
جهد بسيط لتطبيق ما نقول و ما نلهج به ليل نهار , و نتوقف عن التصفيق الذي بدأناه منذ
أن فتحنا أعيننا على هذا الوجـود و هذا الجمود الغير محدود , كلام كثير قيل و يقال و أي
كلام ذاك , كلام عقل و رزانة و فهم جوهري لمجريات الأمور حتى و إن كانت تلك الأمور
في الخفاء تحاك أم على وكالات الأنباء تنشر و تدك , فتارة تجد أبسط الناس يحلل و يناقش و
يستنبط و إذا أخذ بزمام عصر عقله و فكره عصرا يدل على رغبته في استظهار الحل يكون
قد أبدع في الخروج بذلك الحل لعديد تلك المنـاقشات أو الحوارات الجافة و المجففة من كل
رغبة في الفعل أو التطبيق , و هذه النتيجة المستخلصة بعد كل هذا الجهد و الاجتهاد تبقى
حبيسة الفكر أي أنها حلول مع وقف التنفيذ و نتائج ورقية فقط , أما الفعل و التطبيق فهو
أمر مستعصي أو غير منظور حسب هـذه المناظير القـاصرة فعلا و الناظرة قولا و تفيقها
كلاميا فقط ... فـإلى متى نبقى نرفع ريات الكلام و الأحلام و ندس في التـراب ريات
الفعل و القيـام بالأسباب علها تكـون نهاية الظلام الذي أعمى أبصارنا و قلوبنا طوال
سنين كانت أشد قحطا من أن تثمر فيها ثمرة طيبة و لو كانت تلك الثمرة غير الكلام فقط ؟
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .