مقـدمـة :
لقد ظهر التوجيه المدرسي بصورة فعالة سنة 1960 ، بعد إصلاح التعليم سنة1959، أي خلال الفترة الاستعمارية ، وقد وجد آنذاك لتوجيه أبناء المعمرين بالدرجة الأولى والقليل من الجزائريين، وقد كان أغلب القائمين بالتوجيه من الفرنسيين الذين كانوا يطبقون الروائز على التلاميذ ، لم تكن مكيفة على البيئة الجزائرية، ولهذا كانت أحكامهم على الجزائريين أحكاما خاطئة نابعة من الفكر الاستعماري، الذي حط من قيمة الشعب الجزائري وقدراته.
وبعد الإستقلال ورثت الجزائر مجموعة من القوانين صادرة عن السلطة الفرنسية ومهيكلة حسب الغايات والأهداف التي رسمها النظام الإستعماري خدمة لمصالحه المختلفة والخاصة، وقد كانت الظروف في تلك الآونة صعبة للغاية، فسارت الأمور هكذا بتطبيق تلك القوانين مع تكييف بعضها حتى يتماشى ومميزات الشخصية الجزائرية وسيادة الدولة، وعلى الرغم من أن بعضها كان يتناقض تناقضا تاما و إختيارات البلاد وطموحات الجماهير ...
وظهرت مجموعة من القوانين أدخلت على المنظومة التربوية عدة صلاحيات جزئية كان الهدف منها إلغاء كل ماهو مخالف للسيادة الوطنية ، وتعريب التعليم ، وجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية ، وفي مطلع السبعينات جاء الأمـر رقم 76/35 ومختلف المراسيم المنظمة له والمؤرخة كلها في 16 أفريل 1976 ، والنصوص الأساسية للتشريع المدرسي الجزائري ، وقد سدت فراغا تشريعيا كبيرا كانت تشكو منه المدرسة الجزائرية ، وبدأت الجزائر آنذاك تهتم بمجال التوجيه المدرسي ، فأصدرت الحكومة مجموعة من المراسيم التي تنص على إيجاد شهادة تمنح لمستشاري التوجيه المدرسي والمهني ، على أن يكون التوجيه يسير وفق إمكانيات التلميذ الجزائري...
وهكذا تطور التوجيه المدرسي في الجزائر ، واتسعت مهام مراكزه ، فأصبحت تقدم الإعلام لجميع فئات المجتمع بما فيها غير المتمدرس ، وتقييم البرامج والبحوث التقنية والتربوية ، كل هذا علاوة عن المهمة الأساسية وهي قيام بتوجيه التلاميذ نحو الدراسات الملائمة أو المهن المناسبة لهم ولإمكانياتهم.
وعليه فإن التوجيه في الجزائر له خصائص عديدة ومتشعب المهام ، وهو مرهون بإجتهادات أفراده والمتمرسين فيه ، وأنا بدوري كطالب في السنة الأولى ماجستير – تنمية الموارد البشرية – وكمستشار رئيسي للتوجيه المدرسي والمهني
إرتأيت أن أقدم عرضا حول مهام مستشار التوجيه المدرسي والمهني في المؤسسة التعليمية ، إلا أن هناك نقص كبير أو
قل إنعدام المراجع في هذا المجال وخاصة في الجزائر إلا المناشير والسندات الوزارية التي إعتمدت عليها في بحثي هذا.
وعرضنا هذا سيبدأ من سنة 1991 أي منذ عين المستشارون بالثانويات بمقتضى المنشور الوزاري رقم : 219/1241/91 المؤرخ في 18 ديسمبر 1991. وما سنحاول التطرق إليه في هذا العرض هو مفهوم التوجيه
1
1- مفهـوم التوجيـه وأهميتـه :
للتوجيـه تعريفات متعـددة ، يمكن حصرها في أن التوجيه المدرسي هو مساعدة التلميذ على تنمية طاقاته واستعداداته ومواهبه لأقصى درجة ممكنـة لإعداده لمستقبله ولتحقيق التوافق التربوي.
كما أنه فعل تربوي يأتي نتيجة لمسار طويل ومعقد يرتكز على جملة من العناصر المتداخلة والمتفاعلة ، خاصة القدرات والكفاءات والميولات والطموحات الفردية من جهة ، ومتطلبات المسار الدراسي ومشاكله من جهة أخرى ، والتي تقتضي الأمر التوفيق بينهما ، ومن هنا نستطيع أن نقول بأن التوجيه المدرسي السليم هو العملية التي يقوم بها المختصون في التوجيه لغرض مساعدة التلاميذ على إختيار نوع الدراسة الملائمة لهم ، والتي تتفق وميولاتهم واستعداداتهم قصد التكيف والنجاح فيها ، وبهذا فإنه يكتسي أهمية كبيرة في حياة التلميذ ومتطلبات المجتمع معـا ، وتزداد أهمية هذه العملية أي التوجيه المدرسي عند متابعة البعض من التلاميذ لدراسة لا يصلحون لها ، والخسارة التي قد تصيب المجتمع بعد ذلك ، كما تظهر أهمية التوجيه المدرسي في إسعاد التلميذ وإشباع حاجاته وتنمية مواهبه ، وبالتالي توافقه مع نوع الدراسة التي وجه إليها.
2- التعريف بمستشار التوجيه المدرسي والمهني:
مستشار التوجيه هو أحد موظفي قطاع التربية والتعليم ، يسهر على تنفيذ برنامج التوجيه المدرسي المسطر من طرف مديرية التقويم والتوجيه والإتصال ، وهي أحد هياكل وزارة التربية الوطنية ، وقد عرفه موريس روكلان
على أنه : (( المسؤل الأول على تنفيذ عملية التوجيه المدرسي والمهني ،وهو مختص في Mourice Roucklin
التوجيه ، ويعتبر من أقدر الناس وأكفاءهم على جمع كافة المعلومات حول الطالب المراد توجيهه واستغلاله باعتماد مبادئ وتقنيات علم النفس )).
وقد عين مستشار التوجيه بصفته عضوا في الفريق التربوي للمؤسسة أي بالثانوية بمقتضى219 المنشور الوزاري رقم :/1241/91 المؤرخ في 18 ديسمبر 1991. ولمستشار التوجيه المدرسي و المهني مكتب بالثانوية مجهـز بكل
الوسائل التي يحتاجها في مجال عمله ، وله مقاطعة للتدخل تتكون من مجموعة من الأكماليات وفي بعض الحالات إلى
2
جانب هذا تكون من ضمن مقاطعة تدخله أكثر من ثانوية نظرا لشغور ذلك المنصب وتقدم له جميع التسهيلات عند القيام بعمله من الإطلاع على ملفات التلاميذ في جميع المستويات الأكمالي والثانوي .
كما أشير هنا إلى ملاحظة هامة لابد من التنويه بها ، هو أنني خلال هذا العرض لم أفرق في شرح مهام المستشار الرئيسي ومستشار التوجيه حيث أن الفرق بينهم يكمن في التصنيف فالمستشار الرئيسي مصنف في الرتبة 14 صنف05
ومستشار التوجيه رتبة 14 صنف01 والقرار الوزاري رقم 827 المؤرخ في :13 – 11 – 1991 خص المستشار الرئيسي للتوجيه بمهمتين تضاف إلى النشاطات المشتركة بينه وبين مستشار التوجيه ، وجاء في المادتين(20 – 21 ) منه وهذه المهام هي :
● القيام بالدراسات والتحقيقات التي تكتسي أهمية في مجال البحث البيداغوجي .
● متابعة نشاطات مستشاري التوجيه المدرسي والمهني المبتدئين والإشراف عليها في إطار التكوين المتواصل.
في حالة قيامه بالمهمتين السابقتين يستفيد المستشار الرئيسي للتوجيه من تقليص في المقاطعة التي يشرف عليها.
وعلى الرغم من هذا فإن الواقع العملي يلغي هذه الفروق في المهام.
ويتم توظيفه على أساس :
- الشهادة: يكون حاملا لشهادة الليسانس في علم الإجتماع ، علم النفس ، علوم التربية.
- الإختبارات : يجري إختبار كتابي ، وبعد النجاح فيه يجري إختبار شفاهي.
3- علاقـات مستشار التوجيـه :
فحسب القرار الوزاري رقم 827 المؤرخ في :13 – 11 – 1991 فإن علاقات مستشار التوجيه تكون مع :
3-1 مدير مركز التوجيه المدرسي والمهني : إن إشراف مدير المركز يكون إشرافا تقنيا ويتمثل في :
يخضع مستشار التوجيه المدرسي والمهني إلى سلطة مدير مركز التوجيه المدرسي والمهني وإشرافها تقنيا. ◄
يمارس مستشار التوجيه المدرسي والمهني مهامه في مراكز التوجيه المدرسي والمهني وفي المدارس الأساسية والمتاقن والثانويات.◄
يمارس مستشار التوجيه المدرسي والمهني نشاطاته في مقاطعة جغرافية تتكون من مجموعة مؤسسات للتعليم ◄
3
والتكوين يحددها مدير مركز التوجيه المدرسي والمهني.
يتولى مستشار التوجيه المدرسي والمهني مسؤولية الإشراف على المقاطعة ويقدم تقارير دورية عن نشاطه فيها .◄
يمكن لمدير مركز التوجيه المدرسي والمهني أن يكلف مستشار التوجيه المدرسي والمهني بالمشاركة في نشاطات ◄
ثقافية وتربوية و إجتماعية تتطلب كفاءات خاصة.
يمكن لمستشار التوجيه المدرسي والمهني أن يخلف مدير مركز التوجيه المدرسي والمهني في حالة الغياب أو المانع.◄
3-2- مديـر الثـانويـة : إن إشراف مدير الثانويـة يكون إشرافا إداريا ويتمثل في :
يمارس مستشار التوجيه المدرسي والمهني نشاطه في المؤسسة التعليمية تحت إشراف مدير المؤسسة ، وبالتعاون مع ◄ نائب المدير للدراسات والأساتذة الرئيسيين ومستشار التربية .
يندرج النشاط الذي يقوم به مستشار التوجيه المدرسي والمهني في المؤسسات التعليمية في إطار نشاطات الفريق ◄
التربوي التابع للمؤسسة.
يقدم مستشار التوجيه المدرسي والمهني في بداية كل سنة دراسية برنامج نشاطـه إلى مدير المؤسسة التعليمية.◄
وهذا البرنامج يكون مستخلص من برنامج المركز وبرنامج الوزارة السنوي ، ويمكن لمدير الثانوية أن يضيف بالتنسيق مع مستشار التوجيه بعض النشاطات حسب خصوصية المؤسسة .
3-3- مدراء الإكمـاليـات : يمكن لمستشار التوجيه المدرسي والمهني زيارة الإكماليات في كل وقت ويجد تسهيلات كبيرة من طرف مدراء الإكماليات للقيام بنشاطاته ، كما أنه يقوم ببعض الأعمال بالتنسيق مع المدراء.
3-2- مديـر مركز التكوين المهني والتمهين : ويتمثل في :
أن مستشار التوجيه يقوم بالدراسات والإستقصاءات في مؤسسات التكوين المهني حول عالم الشغل وكذلك حول المهن ، كما يقوم مستشار التوجيه بتنظيم المسابقات والإمتحانات للدخول لمراكز التكوين المهني ، وكذلك بتقديم محاضرات حول التخصصات .......وهذا بالتنسيق مع مدير مركز التكوين المهني.
4
1- في مـجـال الإعــلام :
هو كافة أوجه النشاطات الإتصالية، التي تستهدف إبلاغ الجمهور بكافة الحقائق الأخبار، والمعلومات عن قضايا، والموضوعات والمشكلات ،ومجريات الأمور ، مما يؤدي إلى خلق أكبر درجة من المعرفة والوعي والإدراك والإحاطة الشاملة ، لدي فئات المتلقين للمادة الإعلامية ، كما يمكن تعريف الإعلام بكونه مجموع الوسائل والطرق التي تضمن التواصل بين الأفراد في مجتمع ما .
أما الإعلام المدرسي فهو عملية تربوية ومتواصلة ، تخدم التوجيه الأنجع للتلميذ ، وتساهم في تكوينه الفكري والثقافي ، ويتم بواسطة هذه العملية نقل المعلومات، لفرد أو جماعة بهدف تعديل أو تنظيم نشاطات هذا الفرد أو هذه الجماعة.
كما يعتبر الإعلام المدرسي الركيزة الأساسية التي يبنى عليها نجاح التوجيه المدرسي ، حيث يمكن التلميذ من اكتساب مجموعة من المعارف والمعلومات الدراسية والمهنية ، التي تنمي قدراته ومهارته ، وتساعده على اتخاذ القرارات السليمة في بناء مشروعه المدرسي ، فهو وسيلة يتعرف من خلالها التلميذ على المنطلقات والمنافذ المدرسية والمهنية ، ومستلزمات كل شعبة في التعليم الثانوي وفروعها وتخصصاتها غي التعليم العالي.
إذن فالإعلام يهدف إلى تنظيم وتفعيل المسار الدراسي للتلميذ بتحقيق الموافقة بين طموحاته ونتائجه المدرسية وتكوينه في مجالي البحث الفردي والجماعي ، كما يوفر له إجابات عن التساؤلات التالية :
- ما هي المؤسسة التربوية (التعليمية) وقواعد سيرها ؟
- من هم الأشخاص الذين يعملون فيها ؟
- ما هو دور كل منهم ؟
- لماذا نذهب إلى المدرسة؟
- ما هي مدة الدراسة ؟
- ما هي إجراءات الإنتقال من مستوى لأخر ؟
- من يقرر هذه الإجراءات ؟
5
- كيف يمكن تحقيق النجاح ؟
- بما نختتم الدراسة ؟
- ما الذي يمكن فعله بعد الدراسة ؟
- ما هي المهن أو الحرف التي يمكن الإلتحاق بها ؟
- كيف يتم الإختيار ؟
- كيف يتم التوجيه ؟
إلى أخره من الأسئلة أو التساؤلات ..
و يعد مستشار التوجيه بحكم وظيفته المنتج الأول للإعلام في المؤسسة التربوية ، ينبغي عليه أن يبلغ المعلومات التي بحوزته إلى التلاميذ ، والمتعاملون التربويون وأولياء التلاميذ ، وأن يسهر على إثراء خلية الإعلام والتوثيق بكل السندات التي تتضمن معلومات مفصلة عن المنافذ الدراسية والمهنية حسب القطاعات والمستويات الدراسية سواء المؤسسات التعليمة أو الخاصة بشأن :
- المسارات التكوينية
- المنافذ المهنية.
- التكوينات المستمرة.
- التربصات ....الخ.
1-1- الطرق والإمكانيات المستعملة لتبليغ الإعلام :
1-1-1- عندما يتوجه الإعلام للتلميذ :
إذا كان الأمر يتعلق بمعلومات محددة ، لا تستدعي تساؤلات أو استفسارات يستحسن اللجؤ إلى الحصص الإعلامية◙
الجماعية ، واستعمال ملصقات كبيرة تعلق في أماكن استراتيجية في المؤسسة التعليمية بحيث تكون على مرأى الجميع.
إن تعلق الأمر بمعلومات موسعة ومفصلة ، يفضل تنظيم لقاءات مع أفواج صغيرة لتنشيط النقاش و الحوار فيها بصفة أسهل◙
6
إذا كشفت نتائج استغلال استبيان الميول والاهتمامات أن الإعلام المقدم لم يتم استيعابه بصفة جيدة ، فيمكن تنشيط ◙
أفواج صغيرة أو تنظيم مقابلات فردية مع التلاميذ المعنيين.
إدا كانت المعلومات معقدة ودقيقة مثلا عناوين المؤسسات التكوينية ، شروط الإلتحاق بالمسارات الدراسية.....◙
فيستحسن الإستعانة بسندات إعلامية ( مطويات، استمارات ....) توزع على التلاميذ.
إذا كان الهدف من الإعلام يتمثل في تحسيس التلاميذ،بالعلاقة الموجودة بين مهنة ما والمكتسبات الدراسية والمهارات ◙ والتجربة والتكوين ، فيمكن تنظيم معارض أبواب مفتوحة يستدعى فيها المهنيون ، التلاميذ، أولياء التلاميذ، رؤساء
لتقديم خبراتهم.
وعليه يتساءل البعض كيف نقوم بالإعلام ؟ ولمن يقدم الإعلام ؟
1-1-1- في مرحلـة الإكمـاليـة :
إن الهدف من الإعلام في هذه المرحلة ،يتمثل في مساعدة التلميذ على التكيف مع المحيط الذي يمنح غيه للتلميذ استقلالية نسبية ، ويعتمد فيه على طرق عمل جديدة ، تجعل من هذا المحيط محيطا شبيها بعالم الراشدين ، حيث يجب على التلميذ أن يتعلم ويعرف بنفسه ويكتشف ميوله وقدراته، وأن يتساءل ويستفسر عن ذاته ويكتشف محيطه المباشر، وهي أمور ينبغي أن تبنى تدريجيا خلال هذه المرحلة، كما أن هذه المرحلة تعد تحولا هاما في مسار التلميذ ، فأكبر إختلاف بين الإكمالي والإبتدائي ، يكمن في ازدياد عدد الأساتذة في القسم الواحد ، إذ لم يعد هناك معلم واحد يدرسه ويتكفل به ...
1-1-1-1- في السنة الأولى متوسط: السابع أساسي سابقا