السلام عليكم

[ابو معاذ ومعوذ عبد الحق]

ذات مرّةً كنت أستمع إلى برنامجٍ إذاعي لأحد الدعاةِ الفضلاء ، فإذ به يسوقُ في ضمن حديثهِ كلاماً للإمام ابن القيم- رحمه الله- وانتظرت أن ينسب القول إليه ، لكنَّهُ مضى وكأنَّهُ هو قائل ذلك القول ، وقد كبُر عليّ صنيع هذا الداعية الكريم ، لكني التمستُ له العذر ، فلعلَّ النسبة موجودة في الأوراق التي بين يديه ، وفاتهُ أن يذكرها .
إنَّ الأمانة العلمية تقتضي نسبةَ كلِّ قولٍ إلى قائله ، وكلَّ جهدٍ إلى باذله أياً كان الجهدُ أو القائل، وإنّ تعمد الإخلال بذلك دليل على الإفلاس ، وحبُّ الشهرة والظهور على حساب الآخرين ، وقد ورد في الحديث الشريف : (( المتشبع بما لم يُعط ، كلابس ثوبي زور )) .
وصور الإخلال بالأمانة العلمية كثيرة جداً ، فمنها أن يعمد الإنسان إلى كتاب ما، فينقل منه نصاً أو فصلاً دون أن يُشير إلى ذلك في موضعه، وأقبح منه أن يعمد إلى عدة كتب ، أو أجزاء من كتابٍ واحد ، فينشرها مع غيرها في كتاب واحد باسمه هو ، وبعنوانٍ مقارب ، دون أن يُشير إلى ذلك ، وربما أضاف إليها صفحاتٍ معدودة من عنده، نقلها من هُنا أوهناك ليبرر لنفسه هذا العمل ، أو ليوهم القارىء أنَّهُ بذل جهداً .
ومنها : أن يقوم بتلخيص كتابٍ ما ، ونشرهِ دون الإشارة إلى الأصل ، وقد قام عددٌ من الإخوة بتلخيص عددٍ من الكتب على صفحات مجلة الدعوة ، دون الإشارة إلى الأصل ، وقد كنت أظنُّ أنَّ هذا هو منهجُ المجلة فيما يتعلقُ بتلخيص الكتب ، لكني رأيت كتباً أخرى ، قام بعض القراء بتلخيصها في المجلةِ مع الإشارة إلى الأصل ، فعجبت من صنيعِ أولئك الإخوة ، فما كان يُضيرهم لو أنهم أشاروا إلى الأصل لتتم الفائدة ، إن كانوا حقاً يريدون الفائدة .
ومنها أن ينقل نصاً من كتاب ناقل من مصدر آخر ، فيشيرُ إلى المصدر الأول المنقول منه، مع إغفال ذكر المصدر الوسيط الذي نقل هو منه ، مع أنَّه لم يرجع إلى المصدر الأول ، ومقتضى الأمانة العلمية أن يُشير إلى المصدرين جميعاً ، فيقولُ : انظر كتاب كذا ، نقلاً عن كتاب كذا ، إلاَّ أن يكون قد رجع بنفسه إلى المصدر الأول ، فلا حرج حينئذ .
هذه أبرزِ صورِ الإخلال بالأمانة العلمية ، وهُناك صورٌ أخرى كثيرة ..
أمَّا الدوافع لمثل هذا العمل ، فمن أهمها ما ذكرته أنفاً من حبِّ الظهور والشهرة على حساب الآخرين، ومنها الحسد الذي يقعُ كثيراً بين الأقران، فيحملُ ذلك على كتمان جهودهم وإخفائها، ومنها الإفلاس ، فيلجأ إلى سرقةِ جهودِ الآخرين بشكلٍ فج، ثم يغفل الإشارة والإحالة إليها في موضعها حتى لا يفتضح أمره ، ويعلم الجميع إفلاسه، ومنها الكسب المادي، كما تفعل بعض دور النشر، إلى غير ذلك من الدوافع .
والمقصود أنَّي أوصي نفسي وجميع الإخوة الدعاة، والكتّاب ودور النشر، أن يحرصوا أشدَّ الحرص على الأمانة العلمية ، وعدم الإخلال بها ، مع نسبةِ كل جهدٍ إلى صاحبه ، والحذر من سرقةِ جهود الآخرين ـ بأيِّ شكلٍ من الأشكال ـ والمتاجرة بها ، فإنَّ ذلك من الظلم المبين، والاعتداء المشين ، ولستُ أبرىء نفسي، فلربما وقع مني شيءٌ من ذلك سهواً أو بلا قصد ، فإن كان قد حصل شيءٌ من ذلك، فإنِّي أبرأُ إلى الله منه .

منقول من شبكة نور اللاسلام التي انصحكم ان تشاركوا فيها