الفرع الأول: دعوى المطالبة بالحق بالنسبة لمالك الأرض المحصورة
إن للقاضي السلطة التقديرية الكاملة لتقدير مدى توفر الشروط القانونية الخاصة بثبوت هذا الحق لمالك الأرض المحصورة أو لغير المالك من أصحاب الحقوق العينية الأخرى كصاحب حق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى،لأن حق المرور القانوني إنما يتقرر في الواقع لصالح الأرض لا لصالح صاحبها، ذلك أنه لكل من يدعي أن أرضه محصورة سواء المالك أو صاحب حق عيني آخر ويريد المرور في أرض الجار للوصول إلى الطريق العام أن يرفع دعوى أمام الجهة القضائية المختصة والمحكمة المختصة هنا هي تلك التي يقع بدائرة اختصاصها العقار الذي يريد أن يمر فيه.(1)
ويكون لقاضي الموضوع فحص ما إذا كانت الأرض محصورة أم لا، وله في ذلك اللّجوء إلى أهل الخبرة، وعلى ضوء الخبرة يتخذ قراره مثال ذلك القرار الذي صدر عن مجلس قضاء باتنة في 06/01/1999 حيث جاء في حيثياته مايلي : " حيث في هذه الحالة يتعين تعيين خبير للانتقال إلى الممر محل النزاع والقول ما إذا كان الممر قديما أو حديثا، وما إذا كان عقار المستأنف عليه محصورا أم له ممر آخر يؤدي إلى مسكنه، وعلى ضوء الخبرة يمكن للمجلس البث في النزاع ".
وإذا ما تبين له من خلال تقرير الخبرة والوقائع المعروضة عليه أن الأرض محصورة، قام بعد ذلك بتعيين الموضع الذي يتم فيه مباشرة الحق والكيفية التي يتم بها المرور مراعيا القدر اللاّزم لاستغلال الأرض واستعمالها على الوجه المألوف.
كما يقوم القاضي أيضا بتعيين مبلغ التعويض الذي يجب دفعه في حالة ما إذا كان مرور مالك الأرض المحصورة يلحق ضررا بالجار.
وتجدر الملاحظة هنا بأنه إذا كان لمالك العقار المحصور حماية لحقه دعوى وحيدة، فإن القانون قد قرر بصريح المادة 702 من التقنين المدني للحائز الحق في رفع دعوى الحيازة ( بأنواعها الثلاث دعوى استرداد الحيازة، منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة ) إذا ما توافرت الشروط القانونية العامة(1) والخاصة بها وهي على العموم الظهور والهدوء، الوضوح والاستمرار تقريرا لما يعرف بإرتفاق المرور،إلا أنه لا يتوفر حسب المادة 702 على دعوى الحيازة حتى ولو لم تنقض مدة 15 سنة إلا مالك العقار المحصور وهو مايعني بمفهوم المخالفة بأن مالك العقار غير المحصور لا يتوفر إلا على دعوى الملكية -وهي دعوى المطالبة بحق عيني- وبالتالي يجب عليه تقديم الدليل على حقه والذي لا يمكن أن يستمد إلا من سند أو اتفاق مع الطرف الأخر طبقا للمادة 868 الفقرة الأولى من التقنين المدني.
فالحائز المتوفر على الشروط القانونية يعمل أولا على معاينة التقادم للحصول على سند التقادم عن طريق القضاء وعلى العكس من هذا فإن الحائز الذي لم يعمل بعد على معاينة تقادم قاعدة و كيفية الإرتفاق في صالحه و الذي لا يتوفر على الشروط المطلوبة و لا سيما انقضاء أجل 15 سنة الذي هو الأجل المقرر في القواعد العامة،(2) لا يمكنه الاستفادة من التقادم و لا الحصول على سند غير أنه يستطيع مع ذلك ممارسة دعوى الحيازة لحماية حيازته من كل تعرض قانوني أو مادي.(3)
و على خلاف المشرع الجزائري فإن المشرع الفرنسي لم ينص على إمكانية رفع دعوى الحيازة من طرف مالك الأرض المحصورة، وهذا راجع إلى أنه يشترط في حقوق الإرتفاق حتى تجوز حمايتها بدعوى الحيازة- بما فيها حق المرور الإرتفاقي- أن تكون ظاهرة و مستمرة حتى يجوز استعمال دعوى الحيازة لحمايتها إلى أن قرر القضاء الفرنسي حماية حقوق الإرتفاق غير الظاهرة وغير المستمرة متى استندت حيازتها على سند صحيح أو نص قانوني .
و تختص محليا بالنظر في دعاوى الحيازة المحكمة التي يقع بدائرتها العقار موضوع النزاع.(4)
كما أنه قد يلجأ الحائز أيضا إلى القضاء الاستعجالي، وغالبا ما تقبل دعواه بعد التأكد من توفر عنصر الاستعجال، و يمكن الاستشهاد في هذا الصدد بالعديد من قرارات المحكمة العليا نذكر منها:
• القرار رقم 200906 الصادر بتاريخ 28/06/2000 في القضية (ق م) ضد (ج م)
و قد جاء فيه :" حيث أنه بالرجوع إلى القرار المطعون فيه يتبين أن قضاة المجلس استخلصوا من الوثائق المقدمة أمامهم أن أصل النزاع يتعلق باسترجاع ممر قديم موجود منذ أكثر من 15 سنة و أن القرار الصادر في 09/04/1994 ألزم الطاعن ( ق م) بعدم التعرض للمطعون ضده(ج م) في استعمال الممر المتنازع عليه و نتيجة لذلك قضوا بأن طلب التعويض المقدم من طرف الطاعن باسترجاع هذا الممر هو طلب غير مؤسس".
• القرار رقم 225806 الصادر بتاريخ 20/02/2002 في القضية بين (ع د) ضـد (ع ع)
و قد جاء مكرسا للمبدأ التالي:" لا يمكن القضاء بفتح ممر دون تحديد طبيعة الدعوى، هل هي دعوى حيازة وفقا لأحكام المادة 702 من القانون المدني أم دعوى حماية حق إرتفاق مثقلا للملكية طبقا للمادة 868 من نفس القانون" و قد جاء فيه أنه:
" حيث أن المسمى( ع ر) طعن بطريق النقض بتاريخ 24/03/1999 في القرار الصادر عن مجلس قضاء سطيف بتاريخ 08/06/1998 القاضي بتأييد الحكم المستأنف المؤرخ في 22/07/1997 عن محكمة بوقاعة الذي يقضي بالمصادقة على الخبرة المنجزة و إلزام المدعى عليه (ع ر) بفتح الممر محل النزاع و عدم تعرض (ل ع) في استعماله".(1)
أما اختصاص قاضي الاستعجال فقد جاء في القرار رقم 59610 الصادر عن الغرفة المدنية للمحكمـة العليـا بتاريخ 04/04/1990:" إن قضاة الاستعجال سواء على مستوى المحكمة أو المجلس -لما قرروا وضع حد للتعدي و ذلك بفتح الطريق فإنهم لم يمسوا بالموضوع- ذلك أنه من المستقر قضاء أنه لقاضي الاستعجال السلطة ليحافظ على ممر أغلق من طرف مالك مجاور و هذا بدون تجاوز السلطة"(2) .
• كما أنه بتاريخ 27 ماي 1987 صدر عن مجلس قضاء باتنة قرار يقضي بأنه: " بعد إجراء خبرة إلغاء الأمر المستأنف و اختصاص القضاء الإستعجالي لتوفر الصِّفة الإستعجالية، و أمر المستأنف عليه المرجع ضده بفتح الطريق و عدم التعرض للمرجعين في استعمالهم للممر، وتبين للمحكمة العليا أن قضاة الاستئناف طبقوا القانون تطبيقا سليما لأن غلق الطاعن بالأسلاك الشائكة و الحواجز لمنع المطعون ضدهم من حقهم في استعمال المرور عليها و حرم هؤلاء من تنقلاتهم وقضاء حاجياتهم اليومية مما يجعل هذا النزاع ذو صبغة إستعجالية".(1)
الفرع الثاني: دعوى المطالبة بالتعويض بالنسبة لمالك الأرض المجاورة
لما كان حق المرور للأرض المحصورة ثابت بقوة القانون حتى قبل تعيين الممر وتحديد التعويض فإنه يترتب عن ذلك حق مالك الأرض المجاورة في رفع دعوى المطالبة بالتعويض المناسب والأضرار التي أصابته من جراء تقرير حق المرور، وللمحكمة السلطة في تقديره جملة واحدة أو على أقساط سنويا أو دوريا كما أن له الحق في المطالبة بتعويض إضافي إذا زاد الضرر اللاحق بالجار، وفضلت التفصيل في هذه المسألة عند الحديث عن دور القاضي في مجال تقرير هذا الحق ولا سيما عند تقديره لمبلغ التعويض .
والجدير بالإشارة هنا أن للجار أن يحمي ملكيته أيضا متى تبين له أن مرور جاره غير مستوف للشروط القانونية برفع دعوى إنكار الحق إذا تعلق الأمر بالمرور الإرتفاقي، وهي دعوى عينية يطلب من خلالها توقف جاره عن المرور في أرضه دون وجه حق وقد يطلب التعويض عن الضرر الذي يصيبه، ولا يكون لمالك العقار المرتفق به إلا إثبات ملكيته للعقار وليس عليه إثبات أن هذا العقار خال من حق الإرتفاق لأن هذا الحق هو عبء استثنائي لا يفرضه القانون خاصة وأن الملكية خالية من أي تكليف يثقلها ومن يدعي خلاف ذلك يقع عليه عبء الإثبات.
كما أن له أيضا حماية لحيازته متى توفرت شروطها القانونية رفع دعوى الحيازة ولو كان غير مالك للأرض بل حائز لها.
و قد جاء القرار رقم 226568 الصادر عن الغرفة العقارية للمحكمة العليا بتاريخ20/03/2002 ليقضي بأنه:" حيث أنه بالرجوع إلى القرار المطعون فيه و إلى مستندات الملف يتبين منها أن الطاعن أقام دعوى إنكار حق المرور للمطعون ضده الذي دفع باستعمال الممر محل النزاع منذ القدم.
والحال أن قضاة المجلس رغم أنهم لاحظوا عدم وجود حالة حصر لملكية المطعون ضده و كذا عدم إنشاء ممر بموجب القسمة القضائية التي تمت خلال سنة 1950 و في غياب أي سند في هذا الشأن إلا أن قضاة الموضوع كرسوا للمطعون ضده حق الإرتفاق بحجة أن الممر محل النزاع موجود منذ القدم وبذلك أفادوا المطعون ضده بالتقادم المكسب و كما فعلوا فإنهم لم يراعوا نص المادة 699 التي تشترط حالة الحصر للإستفادة بالتقادم المكسب لحق إرتفاق المرور الذي هو إرتفاق ظاهر و غير مستمـر وبذلك فإنهم لم يعطوا لقرارهم أي أساس قانوني و عرضوه للنقص مع تحميل الطاعن المصاريف القضائية طبقا للمادة 270 من قانون الإجراءات المدنية " (2).
المطلب الثاني : دور القاضي في تقرير حق المرور القانوني
إذا توافرت الشروط التي رأيناها سابقا ثبت الحق في المرور بقوة القانون وجازت المطالبة به فإذا تعذر الإتفاق مع الجار الذي يخترق الممر أرضه تولت المحكمة تعيين الممر وطريقة المرور وذلك في نظير تعويض الجار عما يصيبه من ضرر.
وسأدرس هذه الأحكام الخاصة بتدخل القاضي في تقرير هذا الحق في فرعين، شارحة دوره في تعيين الممر في فرع أول وتقدير التعويض في فرع ثان.
الفرع الأول: تعيين الممر وطريقة المرور.
الممر هو وعاء حق المرور أو النطاق المكاني لمباشرة هذا الحق، وقد يحدث أن يتفق مالك الأرض المحصورة مع مالك أو ملاك الأراضي المجاورة على تعيين الممر حينئذ لن تثور أية مشكلة ، أما إذا اختلفوا قام القاضي بتعيينه في العقار الذي يكون فيه المرور أخف ضررا وفي موضع منه يتحقق فيه ذلك، ويترك تقدير ذلك لقاضي الموضوع يفصل فيه بحسب طبيعة العقارات المجاورة وبما يحقق للأرض المحصورة استعمالها واستغلالها على الوجه المألوف وقت تعيين الممر مسترشدا في ذلك بالقواعد التي قررها القانون في هذا الشأن .(1)
ومن ثمة فإذا كان تحديد موضع الممر يتم بالتراضي أو بالتقاضي، فما الحكم لو بدأ صاحب الحق في المرور من تلقاء نفسه بمباشرة المرور في أرض مجاورة على موقع يختاره وبطريقة يرتضيها وسكت مالك الأرض المجاورة على ذلك لمدة خمسة عشر سنة ، فهل يتقرر له حق المرور بهذه الكيفية؟.
وعلى هذا الأساس إرتأيت التطرق أولا إلى تحديد القاعدة العامة في تعيين الممر والإستثناء لأنتهي إلى تحديد أثر التقادم على تعيين الممر في مرحلة ثالثة .
أولا:القاعدة في تحديد موضع الممر
إذا كانت الأرض المحاطة بعيدة بطبيعتها عن الطريق العام فيجب في هذه الحالة أن تمر الطريق بالجهة التي تؤدي لأقل التكاليف مع مراعاة عدم إحداث ضرر كبير بالأرض المجاورة، ويجوز للقاضي أن يحدد مكانا للمرور غير العقار الذي يكون فيه المرور أقصر من غيره إذا تبين أن تكاليف المرور أقل و أن الأضرار الناشئة عن فتح الممر أخف بالنسبة لصاحب العقار المجاور، كما إذا كان يجاور العقار المحاط مستشفى أو مدرسة أو عقارا مشغولا بإدارة عامة ويجاور أيضا عقارا خاصا مملوكا لأحد الأفراد، فإنه في هذه الحالة يستحسن ترك الأرض المشغولة بالبناء والمرور بالأرض المملوكة ملكية خاصة لأحد الأفراد.(1)
و الملاحظ أن المشرع الجزائري قد راعى الاعتبارين معا و هما: المسافة الملائمة و الأقل ضررا بحيث تقضي المادة 696 من التقنين المدني أنه:
" يجب أن يؤخذ حق المرور من الجهة التي تكون فيها المسافة بين العقار و الطريق العام مـلائمة و التي تحقق أقل ضرر بالملاك المجاورين".(2)
و من ثمة وجب على القاضي أن يختار للممر عقارا مجاورا يكون المرور فيه أخف ضررا من المرور في العقارات المجاورة الأخرى و أن يعين له موضعا من هذا العقار يتوفر فيه ذلك الإعتبار أيضا، ويتحقق ذلك عادة بمراعاة المسافة الأقصر ولكن هذا ليس حتميا فقد تكون المسافة الأطول أخف ضررا فيتعين الأخذ بها، وغالبا ما تتفق مصالح الطرفين لأن خفة الضرر الذي يتحمله مالك العقار المجاور سيستتبع قلة التعويض الذي يدفعه صاحب الحق في المرور، ولكنها قد تتعارض فيتعين حينئذ على القاضي مراعاتها جميعا بحسب الضرر الأقل و ظروف الأمكنة و موقعها.(3)
فالمشرع الجزائري باستعماله لعبارة " ملائمة " لم يحدد ما إذا كانت المسافة الملائمة هي الأقصر أو الأطول.(4)
إلا أنه يلاحظ أن المشرع قد استعمل كلمة " régulièrement " في النص الفرنسي دون استعمالها في النص العربي، و إذا كان هذا النص الأخير هو الذي يعمل به إلا أنه يستحسن القول أنه بإمكان المشرع الجزائري أن يستغني عن هذه الكلمة لأنه تفادى أي لبس أو غموض عندما نص على تعيين الممر بالمكان الأكثر ملاءمة.
وللقاضي هنا السلطة التقديرية في تعيين الممر، و يجوز له في جميع الأحوال الاستعانة بخبير لتحديد موضع الممر و كذا معاينة العقارات المجاورة و تقديم تقرير عمّا قد يعود على كل من أطراف النزاع من ضرر بسبب فتح الممر.(1)
لكن يبقى أن حكم قاضي الموضوع لابد أن يكون مبررا و لا يخرج عن الإطار القانوني المحدد لأسس تعيين الممر و إلا كان معرضا للنقض، و في هذا الصدد صدر القرار رقم 985/55 المؤرخ في 15/11/1989 مؤكدا ذلك.(2)
و إذا كان من الواجب أن يراعي القاضي عنصر الضرر على النحو الذي تبين و كذا ملاءمة المسافة مع مصالح كلا من طرفي النزاع، إلا أنه يجب أن تكون طريقة استغلال العقار المحصور محل اعتبار أيضا عند تعيين الممر ومتكيفة مع وقت منح الممر ، أي يمنح بالقدر الكافي لمواجهة حاجات العقار في هذا الوقت ولا يكون متعسفا أكثر مما يتطلب الأمر لأن حق المرور القانوني لم يتقرر إلا للضرورة و الضرورة تقدر بقدرها .
و إذا ما تعين موضع الممر بناءا على هذه الأسس جميعها استقر على هذا النحو ولم يعد لمالك الأرض المحصورة إلا حق المرور فيه ليصل إلى الطريق العام، ولا يعتبر الممر مملوكا له بل يبقى مملوكا لصاحبه و ليس له إلا أن يستعمله بالكيفية التي تقررت.
ثانيا: تحديد موضع الممر عند تجزئة العقار استثناء
إذا كانت المادة 696 من التقنين المدني توجب أن يؤخذ حق المرور من الجهة التي تكون فيها المسافة بين العقار و الطريق العام ملائمة و تحقق أقل ضرر بالملاك المجاورين، وضعت المادة 697 قيدا على هذا الأصل و جاءت بحالة خاصة تتعلق بالحصر الناتج عن تجزئة العقار بتصرف قانوني فماهي شروط ترتيب حق المرور في موضع دون غيره؟ و ماهو مصدر هذا الحق؟ هل هو التصرف القانوني الذي أدى إلى تجزئة العقار أم هو نص القانون؟
1- شروط إعمال هذا الاستثناء:
نصت المادة 697 من التقنين المدني على أنه:
" إذا كانت الأرض المحصورة ناتجة عن تجزئة عقار بسبب بيع أو مبادلة أو قسمة أو من أي معاملة أخرى، فلا يطلب حق المرور إلا على الأراضي التي تشملها تلك المعاملات" (3)
وعليه فطبقا لهذا النص يشترط لإعمال هذا الإستثناء الشروط التالية:
أ- وجوب انحصار الأرض بعدما كانت متصلة بالطريق
يجب أن يكون الإنحصار في هذه الحالة طارئا أي أنه لم يكن موجود قبل تجزئة العقار، فإذا كان قائم إنتفى الشرط وكان لمالك الجزء أن يمر على العقارات المجاورة.
ب- وجوب كون الحصر ناتجا عن تجزئة الأرض بناء على معاملة:
لقد نصت المادة 697 من التقنين المدني على بعض المعاملات التي قد تؤدي إلى انحصار الأرض وأوردتها على سبيل المثال دون تحديد ما إذا كانت على سبيل المعاوضة أو التبرع(1)، وقد استعمل المشرع كلمة "معاملة" وليس "عقد" وهو مصطلح أعم يشمل كل المعاملات و التي قد يكون مصدرها إرادة واحدة أو أكثر.
و الحالة التي يتصورها هذا النص هي أن تكون أرضا لها منفذ إلى الطريق العام ثم تصرف صاحب الأرض فيها تصرفا قانونيا سواء كان بيعا أو هبة أو مقايضة أو وقفا أدى إلى جعل جزء منها محصورا كأن يبيع الجزء المجاور للطريق العام فيصبح الجزء الذي استبقاه محصورا، وقد يكون الحصر ناتجا عن قسمة بين مالكين على الشيوع فتصبح بعد القسمة حصة أحدهم محصورة، فإذا طالب في هذه الحالة صاحب الجزء المحصور حق المرور، أين سيكون موضع المرور الذي يطلبه ؟
فلو طبقنا القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 696 لوضع الممر في أي أرض مجاورة يكون فيها المرور أقل ضررا، ولكن المادة 697 عدلت هذه القاعدة وأوجبت أن يكون الممر في العقار المجزأ ولو لم يكن فيه المرور أخف ضررا.
ويمكن تبرير هذا الحكم على أساس أن الحصر كان ناتجا بفعل صاحب العقار الذي كان في إمكانه أن يتجنب الحصر لو ترك ممرا أثناء التجزئة، لأن العقار كان في بداية الأمر غير محصور فيكون من العدل أن يتقرر حق المرور على الجزء المنفصل عن الجزء المحصور.
ج- أن يكون من المستطاع إيجاد ممر كافي في أجزاء هذه الأرض:
يقتضي هذا الشرط إمكانية إيجاد ممر كافي في أجزاء العقار، فإذا لم يكن هذا ممكنا كان من غير المعقول الإصرار على أن يتم المرور في هذه الأجزاء.
و الملاحظ أن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على هذا الشرط (2) وجعل من نص المادة 697 من التقنين المدني استثناء من الأصل العام، وبالتالي إذا كان موضع الممر على الأراضي التي تشملها المعاملات غير كاف للوصول إلى الطريق العام فإنه لا محال أنه سيحدد موضعا آخر للمرور على الأراضي المجاورة طبقا للقاعدة العامة، لكن رغم ذلك يستحسن إضافة عبارة "كان من المستطاع إيجاد ممر كاف في أجزاء هذا العقار" لكي يصبح النص أكثر دقة ووضوح بالنسبة للقاضي.
2- الأساس القانوني لحق المرور في حالة التجزئة:
لقد تعددت مذاهب الشراح في تحديد الأساس القانوني لهذا الحق، وتتجه أغلبية الآراء الفقهية سواء في مصر أو فرنسا إلى أن المرور في أجزاء العقار لا يعد استعمالا لحق مرور قانوني وإنما هو استعمال لإرتفاق المرور، كما أن هناك من الفقهاء من اعتبر مصدر المرور في جزء من العقار هو التصرف القانوني المؤدي إلى التجزئة، في حين هناك من ذهب إلى اعتبار مصدر المرور القانوني هو نص القانون.
أ- التصرف القانوني كمصدر لحق المرور في حالة التجزئة:
إذا كان أغلب الفقهاء متفقون على أن حق المرور الذي يتقرر لمالك الجزء المحصور على الجزء الآخر للعقار المتصرف فيه هو حق إرتفاق إرادي مصدره التصرف القانوني، فمنهم من يعتبر أساسه التزاما على عاتق المالك المتصرف بضمان الإنتفاع بالشيء، ويؤخذ على هذا الرأي أن الأساس الذي يقول به لا يمكن أن يتحقق في بعض الحالات كما في حالة ما إذا بيعت أجزاء العقار واستبقى لنفسه الجزء المحصور وكما في حالة ما إذا بيعت أجزاء العقار إلى مشترين متعددين، إذ لا يلتزم المشتري بالضمان قبل البائع في الحالة الأولى، ولا يلتزم المشتري قبل بعضهم بالضمان في الحالة الثانية، ولذلك فإن أصحاب هذا الرأي يقولون بعدم انطباق الحكم الذي نحن بصدده في هاتين الحالتين.
ومنهم من يرى أن الأساس هو التزام مالك العقار بتسليم الشيء وتوابعه، ومن ثمة يلتزم بإنشاء إرتفاق المرور لأن هذا الحق يعتبر من الملحقات الضرورية للجزء المحصور، وفي حالة ما إذا احتفظ المالك بالجزء المحصور من العقار يعتبر أنه قد احتفظ لنفسه بحق المرور في الجزء الآخر، إلا أنه يؤخذ على هذا الرأي أنه لا يحدد أساسا واحدا يصدق في جميع الحالات.
ومنهم من ذهب إلى أن التصرف الذي أبرمه مالك العقار ينطوي على إرادة ضمنية بإنشاء إرتفاق المرور في أجزاء العقار المتصلة بالطريق العام لصالح الأجزاء المحصورة.
ويلاحظ على هذا الرأي أن القول بوجود إرادة ضمنية لا يتحقق في بعض الحالات إلا على سبيل الافتراض وليست هذه هي الطريقة المثلى في التفسير.(1)
إلا أن هناك من يذهب إلى اعتبار أن القانون هو مصدر حق المرور في حالة التجزئة.
ب- القانون كمصدر لحق المرور في حالة التجزئة:
استند بعض الشراح الفرنسيين إلى المادة 684 من القانون الصادر في 20أوت 1881 واعتبروا أنه ابتداء من صدور هذا القانون أصبح الحق يكيف بأنه مرور قانوني.
أما الشراح المصريين فيقولون أن المادة 812 من التقنين المدني المصري في فقرتها الأولى تنص على حق مرور قانوني و ليس على إرتفاق المرور بصريح عبارتها المستعملة " لا تجوز المطالبة بحق المرور" أو " droit de passage "، فالقانون إذن هو مصدر هذا الحق في كلا الحالتين والاختلاف الوحيد يكمن في طريقة تحديد الممر، فيكون في العقار الذي يكون المرور فيه أخف ضررا و في موقع ملائم منه يتحقق فيه ذلك إذا كان الانحصار غير ناشئ عن التجزئـة، أما إذا نشأ عنها وجب أن يعين حينئذ في الأجزاء المتصلة بالطريق العام.
و اتفق الفقهاء على أن المرور في هذه الحالة الأخيرة يقوم على فكرة العدالة. (1)
أما عن موقف المشرع الجزائري فبالرجوع إلى المادة 697 من التقنين المدني الجزائري المتعلقة بالحصر الناتج عن تجزئة العقار، فقد جاءت هذه المادة في ترتيبها مباشرة بعد ما تم النص على القاعدة العامة في تحديد وضع الممر، وهذا راجع في نظري إلى كون المشرع قد أراد أن يكون حكم المادة 697 من التقنين المدني استثناء على اختيار الممر في العقارات المجاورة، و على القاضي عندما يثور أمامه النزاع تعيين موضعا للمرور في أجزاء الأراضي غير المحصورة التي شملتها المعاملة التي أدت إلى التجزئة بعد أن تبين له أن إرادة الأطراف لم تتجه إلى إنشاء إرتفاق المرور و يكون حق المرور في هذه الحالة قانوني و يترتب عن ذلك أنه يتنقل إلى الخلف الخاص علم به أو لم يعلم به وينقضي لزوال الانحصار و لا يسقط بالتقادم، فيمكن المطالبة به مهما طالت المدة مادام الانحصار قائما ويكون لقاء تعويض عن الأضرار الممكن حدوثها.(2)
ثالثا: أثر التقادم في تعيين الممر و طريقة المرور
عرفنا أن حق المرور لصالح العقار المحصور يثبت بقوة القانون باعتباره قيدا على الملكية طالما كانت حالة الانحصار قائمة، و لهذا فلا تثور مسألة التقادم بالنسبة إليه إنما تثور هذه المسألة فيما يتعلق بتعيين الممر و طريقة المرور، و ذلك في حالة ما إذا أقدم مالك الأرض المحصورة على المرور في أرض الجار دون أن يتم تعيين الممر و طريقة المرور باتفاق بينه و بين الجار أو بمقتضى حكم من القاضي، إذ في هذه الحالة يحق للجار أن يعترض فيطلب تقرير المرور في أرض أخرى مجاورة يكون المرور فيها أخف ضررا من الموضع الذي اختاره مالك الأرض المحصورة أو يطلب تعديل طريقة المرور بحيث تتفق مع ما يقتضيه استعمال الأرض المحصورة واستغلالها، فإذا سكت الجار عن هذه المطالبة و ظل مالك الأرض المحصورة يستعمل الموضع الذي اختاره لمروره بطريقة معينة طوال مدة التقادم سقط حق الجار في الإعتراض.(1)
وتجدر الملاحظة أن سقوط حق الجار في الإعتراض بعد مضي هذه المدة يغير من طبيعة حق المرور، إذ ينقلب من حق مرور قانوني إلى حق إرتفاق و يترتب عن ذلك أنه لا يزول بزوال الحصر الذي كان السبب في إنشائه، و هذا ما نصت عليه المادة 699 من التقنين المدني.(2)
وهناك حالة أخرى تثور فيها مسألة التقادم في هذا الخصوص و هي الحالة التي يتم فيها تعيين الممر و طريقة المرور ودفع التعويض الواجب ثم يقعد مالك الأرض المحصورة عن استعمال حقه في المرور طوال مدة التقادم، إذ يسقط حينئذ حق المالك في استعمال الممر الذي تم تعيينه، فإذا أراد بعد ذلك أن يمر و كانت حالة الانحصار ما تزال قائمة فله ذلك، ولكن يجب تعيين الممر من جديد كما يجب دفع تعويض جديد.(3)
الفرع الثاني: تقدير التعويض عن الضرر الذي يحدثه المرور
يعترف القانون بوجود حق الاتفاق بين مالك الأرض المحصورة و المجاورة بخصوص تحديد كيفية الاستعمال و التعويض عن الضرر الذي يحدثه المرور، وفي حالة عدم وجود إتفاق بين الطرفين فإن هذه المهمة يتولاها القاضي.
أولا : إختصاص القاضي في تقدير التعويض
لقد نصت المادة 693 من التقنين المدني على وجوب أن يدفع صاحب الأرض المحصورة تعويضا للجار يتناسب و نسبة الضرر التي قد تلحق به فيقول النص:"... أن يطلب حق المرور على الأراضي المجاورة مقابل تعويض يتناسب و الأضرار التي يمكن أن تحدث من جراء ذلك..."
فإذا لم يتفق الطرفان على مقدار هذا التعويض تولى القاضي تحديده، و يلجأ في ذلك عادة إلى خبير لتقويم الضرر الذي أصاب الجار بتثقيل أرضه بحق مرور لصاحب الأرض المحصورة، فتقدير التعويض إذن هو من اختصاص القاضي و لا يجوز له إنابة غيره في تحديده لأن في ذلك تنازل للقاضي عن صلاحياته لغيره و هذا يعرض قضاءه للإلغاء و النقض.
و الملاحظ أنه لا يعتد بالفائدة التي كسبتها الأرض المحصورة من جراء حق المرور، فلو أن هذه الفائدة كانت أكبر قيمة من الضرر فالعبرة بقيمة الضرر لا بقيمة الفائدة، ومتى تحددت قيمة الضرر حكم القاضي بها تعويضا للجار.(1)
و لا يوجب القانون أن يكون دفع التعويض مقدما، فإذا لم يتم الإتفاق على طريقة دفع التعويض كان للمحكمة أن تجعل التعويض مبلغا يدفع مقدما جملة واحدة أو يجعله يدفع على أقساط محددة في مواعيد معينة، أو تجعله يدفع سنويا أي في مواعيد دورية متجددة.(2)
و لا يجوز الحكم بتعويض إضافي لو أن الضرر الذي أصاب الجار قد زاد بسبب تعديلات أدخلها الجار في أرضه، و إنما يجوز الحكم بتعويض إضافي لو أن صاحب الأرض المحصورة هو الذي أدخل تعديلات في استغلاله لأرضه ترتبت عليها زيادة في عبء حق المرور.(3)
و لكن يجوز للجار في جميع الأحوال أن يمنع صاحب الأرض المحصورة من المرور قبل أن يدفع التعويض المستحق في ذمته وذلك تطبيقا لقواعد الحق في الحبس، ومع ذلك إذا مر صاحب الأرض المحصورة فعلا في أرض الجار قبل أن يدفع التعويض فإنه يكون مستعملا لحقه ولا يكون مسؤول مسؤولية جزائية لدخوله في أرض الغير دون حق، و إنما يطالبه الجار بالتعويض المستحق، وقد يطالبه بتعويض إضافي إن مر في موضع غير الذي حدد له (4) .
ثانيا: أثر التقادم على المطالبة بالتعويض.
يمثل مبلغ التعويض دينا في ذمة مالك الأرض المحصورة فتسري عليه الأحكام العامة للإلتزام من حيث سقوطه بالتقادم أي بمضي خمسة عشر سنة، ويبدأ سريان هذه المدة من وقت تحديد قيمة التعويض.
و من ثمة فإذا كان مبلغ التعويض مبلغ يدفع جملة واحدة يتقادم الحق فيه بمضي خمسة عشر سنة من وقت استحقاقه.
أما إذا تقرر دفعه على أقساط متساوية تقادم الحق في كل قسط على حدى بمضي خمس سنوات من وقت إستحقاق هذا القسط.(1)
لكن قد يمارس مالك الأرض المحصورة حق المرور دون إتفاق أو حكم، فإن التعويض يصبح في هذه الحالة مستحقا، إلا أنه بسكوت الجار عن المطالبة به لمدة خمسة عشرة سنة فإن دعواه تسقط بالتقادم و يبدأ سريان هذه المدة من الوقت الذي يباشر فيه مالك الأرض المحصورة حقه في المرور.
المبحث الثالث: انقضاء حق المرور القانوني
لقد أجاز المشرع الجزائري في نص المادة 693 من التقنين المدني المطالبة بحق المرور لمن كان عقاره محصورا فقط، الأمر الذي قد يفهم منه ضمنيا أن زوال علة المطالبة بحق المرور وهي "الحصر" تؤدي إلى زوال القيد.
ولقد كانت مسألة انقضاء حق المرور للأرض المحصورة بزوال الحصر خلافية في مصر قبل صدور القانون المدني الجديد، أما بعد صدوره وخصوصا بعد أن اعتبر حق المرور قيدا على حق الملكية لا حق ارتفاق، إذ حسم الخلاف وتم إضافة عبارة "ما دامت هذه الأرض محبوسة عن الطريق العام" إلى نص المادة 812 من التقنين المدني المصري المتعلق بتقرير حق المرور القانوني للأرض المحصورة.(1)
وإذا كان المشرع الجزائري يربط المطالبة بحق المرور وبقائه ببقاء الحصر إلا أنه نص على بقاء حق المرور ولو بعد زوال الحصر في حالة استثنائية أوردها في المادة 699 من التقنين المدني.
وعلى هذا الأساس قسمت دراستي لانقضاء حق المرور القانوني إلى مطلبين: القاعدة العامة في مرحلة أولى، فتناولت في المطلب الأول انقضاء حق المرور بزوال الحصر كمبدأ عام، وفي مرحلة ثانية خصصت المطلب الثاني للاستثناء الوارد على المبدأ العام.
المطلب الأول: انقضاء حق المرور بزوال الحصر كمبدأ عام
يزول انحصار الأرض عن الطريق العام لأسباب قد تكون نفسها التي تنتهي بها حقوق الإرتفاق عموما و المنصوص عليها في الفصل المخصص لحق الإرتفاق متى كانت لا تتعارض مع طبيعة حق المرور القانوني، وقد يرجع زوال الانحصار إلى أسباب أخرى.(2)
وبمجرد زوال انحصار العقار واتصاله بالطريق العام ترتب عن ذلك آثار.
ومن ثمة سوف أتعرض إلى الأسباب القانونية المؤدية إلى زوال الحصر ثم الآثار المترتبة عنه في فرعين.
الفرع الأول: أسباب زوال الحصر
يستوي لانقضاء حق المرور أن يكون زوال الانحصار راجعا إلى فتح طريق عام ملاصق أو إلى قيام المالك بشراء أرض ملاصقة تتصل بالطريق العام.(3)
كما قد يكون راجعا إل تجزئة الأرض المحصورة أو إلى إنعدام الفائدة من هذا الحق أو إلى أي سبب آخر.(4)
وسوف أكتفي في هذا الإطار بأهم الأسباب المؤدية إلى زوال الحصر وهي:
أولا: نزع الملكية للمنفعة العامة
لقد نص المشرع الجزائري على هذا السبب في المادة 878 من التقنين المدني و المتعلقة بإنتهاء حق الإرتفاق عندما ذكر أنه " تنتهي حقوق الإرتفاق... بهلاك العقار المرتفق به هلاكا تاما..."، ومن ثمة اعتبر الهلاك التام النهائي للعقار سبب من أسباب انتهاء حق المرور القانوني، سواء كان الهلاك ماديا أو قانونيا عن طريق نزع الملكية للمنفعة العامة، بحيث يعتبر نزع ملكية العقار المحصور للمنفعة العامة في حكم هلاكه يؤدي إلى زوال الانحصار لاتصال الأرض مباشرة بالطريق العام، و بالتالي إلى انتهاء حق المرور القانوني.
ثانيا: إتحاد الذمة
يقصد باتحاد الذمة اجتماع العقار المحصور والعقار الذي يباشر فيه حق المرور في يد مالك واحد.(1)
ولقد نصت المادة 878 من التقنين المدني على هذا السبب: "تنتهي حقوق الإرتفاق...بإجتماع العقار المرتفق به والعقار المرتفق في يد مالك واحد، ويعود حق الإرتفاق إذا زال اجتماع العقارين."
ومنه يعتبر هذا السبب سببا مؤقتا لانقضاء الحق، فإذا زال سبب إتحاد الذمة كما إذا أبطل عقد البيع مثلا وعادت ملكية أحد العقارين إلى صاحبها، عاد الحق من جديد.(2)
وعلة الانقضاء تكمن في أن هذا السبب يفترض وجود عقارين مملوكين لشخصين مختلفين، فإذا انتقلت ملكية أحد العقارين إلى مالك العقار الآخر أو انتقلت ملكية العقارين معا إلى شخص آخر أيا كان السبب لهذا الانتقال إنتهى الحق.(3)
فمثلا قد يجتمع العقارين في يد مالك واحد على إثر عقد معلق على شرط فاسخ ثم تحقق هذا الشرط بأثر رجعي، فإن حق المطالبة بالمرور القانوني يقوم من جديد إذا بقي العقار محصورا، ويطبق نفس الحكم لو زال الاجتماع دون أثر رجعي مثال ذلك: أن يشتري مالك الأرض المحصورة العقار المجاور الذي كان مقرر عليه حق المرور القانوني ثم يبيع هذا الأخير أي العقار الذي سبــق أن اشتراه، فهنا الشراء الذي تم بدون أثر رجعي لن يمنعه من المطالبة بحق المرور القانوني من جديد إذا ما أعاد بيع العقار الذي اشتراه ما دام أن شرط الحصر لا يزال قائما.
وعلى العكس فإن اجتماع العقارين بدون أثر رجعي لا يعيد حق المرور الإرتفاقي بعد أن انتهى فيمكن أن يعود هذا الحق في حالة زوال اجتماع العقارين بأثر رجعي فقط.(1)
ثالثا: تجزئة الأرض المحصورة
لقد نصت على هذا السبب المادة 876 من التقنين المدني وقد جاء فيها: "إذا جزئ العقار المرتفق بقي الإرتفاق مستحقا لكل جزء منه ما لم يزد ذلك عبء تكاليف العقار المرتفق به، غير أنه إذا كان الإتفاق لا يفيد في الواقع إلا جزءا من هذه الأجزاء جاز لمالك العقار المرتفق به أن يطلب زوال هذا الإرتفاق عن الأجزاء الأخرى."
قد يحدث أن يقع تصرف قانوني على العقار يؤدي إلى تجزئته سواء بقي مملوك لشخص واحد أو تعدد ملاكه على الشيوع، فإن ذلك لا يؤثر على حق المرور القانوني، فإذا جزئ العقار ظل الحق مقررا لكل جزء منه مفرز بشرط أن يكون ضروريا.
أما إذا أصبحت بعض الأجزاء غير محصورة جاز لمالك الأرض المجاورة أن يطلب زوال حق المرور القانوني بالنسبة لهذه الأجزاء من الأرض فمثلا إذا كانت الأرض مملوكة لشريكين يستغلان الأرض بفلاحتها وكانا يمران في الأرض المجاورة نظرا لعدم كفاية الممر الموجود لمرور العتاد الفلاحي المستعمل، ثم بعد تجزئة الأرض عن طريق قسمتها تخلى أحدهما عن ممارسة الفلاحة وإكتفى بتخصيص أرضه للسكن، ففي هذه الحالة جاز لمالك الأرض المجاورة أن يطلب زوال حق المرور القانوني بالنسبة لهذا الجزء لأنه أصبح غير محصور.(2)
رابعا: عدم جدوى الحق أو فقد منفعته
إن هذا السبب الرابع لزوال الحصر ما هو في الواقع إلا تطبيق لما جاء في المادة 881 من التقنين المدني: "يجوز لمالك العقار المرتفق به أن يتحرر من الإرتفاق كله أو بعضه، إذا فقد الإرتفاق كل منفعة للعقار المرتفق أو إذا لم تبق له سوى فائدة محدودة لا تتناسب مع الأعباء الواقعة على العقار المرتفق به."(3)
وعليه فإذا زالت المنفعة التي تقرر حق المرور لتحقيقها كأن تقوم الدولة بإنشاء طريق عام مجاور للأرض المحصورة، فإنه يصبح عديم الجدوى و بالتالي يكون لصاحب العقار الذي تم مباشرة حق المرور في أرضه أن يطلب إنهاء الحق في المرور لزوال الحصر.
خامسا : شراء أرض ملاصقة
قد يقوم مالك الأرض المحصورة بشراء أرض غير التي كان يباشر حق المرور فيها للوصول إلى الطريق العام وتكون هذه الأرض ملاصقة بأرضه وتتصل بالطريق العام، فيترتب على ذلك زوال الإنحصار.(1)
الفرع الثاني: آثار زوال انحصار الأرض
ذهب فريق من الفقهاء إلى القول أن الممر القانوني يبقى رغم زوال حالة الانحصار كما لو كان الحق قد تقرر بالإتفاق.
في حين أن البعض الآخر يقول بالعكس فبزوال حالة الانحصار يزول الممر القانوني، وأنا من أنصار هذا الرأي فحق المرور ينتهي إذا اتصلت الأرض المحاطة بالطريق العام، إذ يصبح الممر غير ضروري ويستعيد صاحب الأرض التعويض الذي كان قد دفعه لقاء حق المرور بعد إسقاط ما يتناسب منه لقاء الاستعمال.(2)
و من ثمة فزوال الحصر يعطي لمالك الأرض التي كانت محصورة الحق في استرجاع مبلغ التعويض الذي دفعه لمالك الأرض التي كان يمارس عليها حق المرور، والأصل أن يحدد هذا المبلغ بناء على اتفاق الطرفين، و في حالة الخلاف بينهما يرجع للقاضي الاختصاص في تحديد المبلغ الذي يجب رده وهو ما سبق التفصيل فيه.
المطلب الثاني: بقاء حق المرور رغم زوال الحصر
لقد جاء المشرع الجزائري بإستثناء على المبدأ العام في تقرير حق المرور القانوني للأرض المحصورة وهو الإستثناء الوحيد الذي جاءت به المادة 699 من التقنين المدني، ومن ثمة أتساءل عما هو السبب لبقاء حق المرور وعدم زواله؟ وما هي الآثار التي قد تترتب عن ذلك؟
الفرع الأول: الحيازة كسبب لبقاء حق المرور رغم زوال الحصر.
الأصل أن نطاق حق المرور القانوني يتحدد على النحو السابق ذكره إما اتفاقا أو قضاء، إلا أنه قد يتحدد كذلك عن طريق الحيازة، فقد لا ينتظر مالك الأرض المحصورة هذا الإتفاق أو القضاء ويقوم مباشرة بالمرور في أرض مجاورة.(3)
و تنص المادة 699 من التقنين المدني على أنه:
" إن حيازة الممر الذي يستعمله صاحب العقار المحصور لمدة خمسة عشر سنة يعد بمثابة سند ملكية للإرتفاق ويصبح تابعا للعقار الذي أنشئ من أجله، وإذا كان إرتفاق المرور قد تقرر بالحيازة لصالح العقار المحصور، فإنه لا يزول بتوقف الحصر الذي كان السبب الأصلي فيه عارضا كان أو نهائيا".
فالملاحظ إذن أن المادة 699 من التقنين المدني قد وردت ضمن القسم المخصص للقيود التي تلحق حق الملكية عكس المشرع الفرنسـي الذي لم يميز بين القيود الواردة عــلى حق الملكيــة والإرتفاقات و فضل اعتناق ما كان يقضي به القضاء الفرنسي في حالة إستمرار بقاء الأرض محصورة لمدة تفوق ثلاثين سنة -و هي مدة التقادم في القانون المدني الفرنسي- إلاّ أن المشرع الجزائري و إن جعل الحيازة سبب لإبقاء حق المرور و تحول المرور القانوني إلى مرور إرتفاقي، فإن المشرع المصري قد رتب انقضاء حق المرور القانوني على زوال الحصر مهما طالت المدة، خاصة و أن المادة 812 من التقنين المدني لم تتضمن ما يفيد تحّول أساسه القانوني بدليل العبارة المضمنة في المادة المذكورة " مادامت الأرض محبوسة عن الطريق العام" ، و عليه فبمجرد زوال إنحصار الأرض يزول الحق القانوني للمرور، و لا تكون دعوى الحيازة مقبولة باعتبار أن الحق هنا لا يرقى لأن يكون حقا من الحقوق العينية و إنما يبقى مجرد قيد على الملكية.(1)
و دائما بالرجوع إلى المادة 699 المذكورة أعلاه و بالاعتماد على التفسير الحرفي لهذا النص، فإن الحيازة هي سند الملكية والمستفيد منها يصبح مالكا لحق عيني مرتبط بالعقار و ينتقل معه، و قد تجاذب الغرفة العقارية للمحكمة العليا رأيان مختلفان فيما يخص تطبيق المقتضيات المتعلقة بإرتفاق المرور ولا سيما المقتضيات الواردة في المادة 868 المتعلقة بالتقادم و التي تنص على أنه:
" ينشأ حق الإرتفاق عن الموقع الطبيعي للأمكنة أو يكسب بعقد شرعي أو بالميراث ، إلا أنه لا تكتسب بالتقادم إلا الإرتفاقات الظاهرة بما فيها حق المرور"(2)
فبعض أعضاء الغرفة العقارية يفسرون التقادم المسطر في المادة 868 بالمفهوم الواسع للقانون المدني بإعتباره وسيلة إكتساب الملكية عن طريق الحيازة، و يذهبون إلى أنه يكفي إستعمال ممر طيلة مدة 15 سنة لتقادم هذا الممر و بالتالي إثقال ملكية الممر، في حين يذهب البعض الآخر إلى إنتهاج القراءة الضيقة لمقتضيات هذه المادة، و يرون بأن التقادم لا ينصب على الحق في حد ذاته و إنما على الوعاء وعلى طريقة إستعمال الممر، بحيث لا يمنح مالك العقار المحصور ملكية العقار المرتفق به بخصوص وعاء الممر و ذلك على عكس تقادم المادة 827 من التقنين المدني مادام حق المرور مرتبط بالمنفعة التي تعود على العقار المرتفق (1)، خاصة وأنه لا يمكن تصور وجود إرتفاق مرور في حالة انعدام العقار المحصور إلا بحصول اتفاق بين مالكي العقارين المجاورين.(2)
و عليه لا بد من الوقوف عند نص الفقرة الثانية من المادة 868 من التقنين المدني التي تؤكد إمكانية اكتساب إرتفاق المرور عن طريق التقادم المكسب، والذي يعتبر بمثابة إرتفاق ظاهر- كما سبق الإشارة إلى ذلك-حتى و لو كان لا يكتسي بالضرورة هذا الطابع و كذا حتى و لو كـان غير متواصـل (3).
وهناك تيار قضائي إتجه إلى القول أن الإرتفاقات الظاهرة و المتواصلة (4)هي وحدها التي يمكن اكتسابها بالتقادم، فإن التقادم في هذه الحالة لا ينصب على الحق في حد ذاته و إنما على القاعدة وعلى كيفية الاستغلال الناجم عن الاستعمال و الحيازة طيلة15 سنة، و يمكن إثبات واقعتي الحـيازة والاستعمال بجميع الوسائل بما في ذلك اللّجوء إلى الخبرة، و يجب أن تستجيب الحيازة المحتج بها للشروط المقررة في القواعد العامة و للأوضاع المقررة قانونا و لا سيما أن تكون متواصلة، هادئة علنية، ولا لبس فيها.(5)
و لقد طبقت المحكمة العليا في أغلب قراراتها هذه المبادئ المتعلقة على الخصوص باكتساب الإرتفاق عن طريق التقادم، وأحسن مثال على ذلك القرار الصادر عن المحكمة العليا (قرار رقم 226568 و المؤرخ في 20/03/2002) الذي طعن فيه المدعي في الطعن بالنقض في قرار مجلس قضاء تيزي وزو الصادر في 22/12/1998 المتضمن تأييد الحكم في الموضوع، وقد أعاب المدعي على القرار المطعون فيه فصله في القضية على أساس تحقيق، في حين أنه استشهد بالأحكام الصادرة في 1950 وبمخطط القسمة المؤرخ في 21/02/1949 التي تثبت عدم وجود أي إرتفاق على عقار المدعي في الطعن الذي يتمسك بحجية الشيء المحكوم فيه ذاهبا إلى أن الخبير قد أكد في تقريره عدم حصر عقار المدعى عليه المتوفر على ممرات عديدة ، و إلى أن القرار المطعون فيه خال من الأساس القانوني ، و قد أبرزت المحكمة العليا بأن المدعي في الطعن هو الذي رفع دعوى نفي الإرتفاق لإنكار وجود إرتفاق المرور لفائدة المدعى عليه في الطعن الذي يتمسك باستعماله الممر منذ وقت بعيد .
و قد رأت المحكمة العليا بأن قضاة الموضوع و بالرغم من معاينة عدم حصر عقار المدعى عليه في الطعن و عدم إنشاء إرتفاق المرور على إثر القسمة القضائية سنة 1950 و عدم وجود الدليل المثبت لهذه المسألة كرسوا حق الإرتفاق لفائدة المدعى عليه في الطعن بسبب أن الممر المتنازع عليه موجود منذ وقت طويل ، و أفادوا هذا الأخير بالتقادم المكسب على أساس هذه العناصر، كما رأت المحكمة العليا بأنهم خرقوا المادة 699 من القانون المدني فنقضت القرار.
وعليه فإن هذا القرار قد ذكر بأن إرتفاق المرور هو إرتفاق ظاهر وغير مستمر في حين أن الإرتفاقات الظاهرة و المستمرة هي وحدها التي تكون محلا للتقادم المكسب، و كان على قضاة الموضوع التثبت من وجود أو انعدام خصائص المرور إذ أنه يمكن على أساس هذين الشرطين أن يكون محلا للتقادم الحق المنصب على قاعدة و على كيفية استعمال الإرتفاق ،فحق التقادم ممنوح قانونا أما الوقائع المشكلة لهذا التقادم فمتروكة لتقدير القاضي.
و إذا ما إعتمدنا هذا التفسير فإنه لا يمكن لمالك العقار المحصور الاستفادة من التقادم المكسب المنصوص عليه في المادة 699 إلا إذا أثبت بجميع الوسائل بأنه استعمل الممر طيلة 15 سنة على الأقل، وإذا حصل على تكريس حقه بحكم يعد ذلك بمثابة سند.
وأمام وضوح و دقة المادة 699 من القانون المدني لا تستطيع المحكمة العليا استبعاد بقاء حق المرور بالرغم من كونه صار بدون موضوع، عكس ما اتجهت إليه محكمة النقض الفرنسية التي أبقت على تطبيق حل عدم زوال الإرتفاق حتى بعد انتهاء حالة الحصر، إلا أن هذا الإجتهاد القضائي قد انتقد مما جعل المشرع الفرنسي يتدخل بقانون 25/06/1971 المتعلق بزوال الإرتفاق نتيجة انتهاء الحصر.
وتجدر الإشارة هنا أن الزوال في القانون الفرنسي لا يخص الإرتفاقات الإتفاقية ولا يطبق بقوة القانون، وإنما على القاضي أن يعاين أولا انتهاء الحصر وهو الشرط المسبق والضروري قبل النطق بزوال الإرتفاق بطلب من مالك العقار المرتفق به، وهذا في حالة عدم الإتفاق الودي بين الطرفين بخصوص هذا الزوال.(1)
وعليه فإن القانون الجزائري لا يزال يطبق الحلول السابقة للقانون الفرنسي، أي الإبقاء على حق المرور حتى بعد انتهاء الحصر، وهذا منازع فيه لنفس الأسباب القانونية و العملية التي كانت سائدة في القانون الفرنسي نتيجة الخلط الذي وقع فيه المشرع الجزائري باعتماد هذا الحل، ويعتبر منفردا في اعتماده هذا الاتجاه لذلك يستحسن تدخل المشرع وإيجاد حل جذري للمادة 699 من القانون المدني يسمح لمالك العقار المرتفق به بالمطالبة عن طريق القضاء بزوال المرور بعد إنتهاء الحصر مثله مثل التشريعات الأخرى(1).
الفرع الثاني: الآثار المترتبة على بقاء الحق
يترتب على بقاء حق المرور وتحّوله من حق مرور قانوني إلى حق مرور إرتفاقي سريان قواعد حق الإرتفاق عليه فيصبح عبئا استثنائيا سند اكتسابه هو الحيازة، ويخضع لنظام التقادم المسقط أو المكسب، حيث يسقط بعدم الاستعمال لمدة خمسة عشر سنة، ويمكن أن يتملكه الغير بالتقادم المكسب.
كذلك إذا تصرف صاحب الحق في عقاره ببيعه مثلا نشأ على عاتقه التزاما بضمان الاستحقاق إذا كان قد ضمن خلو المبيع من حق الإرتفاق (2)، ويترتب على بقاء هذا الحق بعد مرور مدة خمسة عشر سنة تحمل مالك الأرض المجاورة هذا الحق الذي يحد من منفعة عقاره بدون أن يعارض على ذلك، لأن حقه في طلب إنهاء حق المرور بسبب زوال الحصر مقيد بمدة معينة وهي عدم مرور خمسة عشر سنة وربما أراد المشرع بتقريره الحكم الذي جاء به المشرع في المادة 699 أن يحقق استقرار وضع الأراضي لبقاء الأرض محصورة مدة طويلة.
ولقد كانت أحكام القضاء الفرنسي التي استمد منها المشرع الجزائري هذا الاستثناء محل انتقادات مستمرة من طرف العديد من المفكرين تركزت خصوصا في عدم وجود فائدة في بقاء حق المرور الذي زال سبب تقريره وهو الحصر، وأن بقاء هذا الحق لن يؤدي إلا إلى نتائج سلبية تتمثل خصوصا في خلق نزاعات مستمرة بين الجيران وعدم التسوية العادلة بين الجارين، إلى أن قام المشرع الفرنسي بإصدار القانون رقم 71-494 في 25 جوان 1971، تضمن إضافة نص المادة 685 الفقرة الأولى والذي بموجبه أصبح حق المرور للأرض المحصورة ينقضي بزوال الحصر.(3)
أخلص في الأخير إلى القول بضرورة إعادة النظر في نص المادة 699 من التقنين المدني وذلك بالنص صراحة على انقضاء حق المرور القانوني بزوال الحصر، وذلك إما بإضافة العبارة: " ما دامت الأرض محصورة عن الطريق العام " إلى نص المادة 693 من التقنين المدني مثلما فعل المشرع المصري، وإما بإضافة نص آخر يتعلق بإنقضاء حق المرور القانوني مثلما فعل المشرع الفرنسي.
خــــــاتمة :
أخلص من خلال دراستي لمختلف جوانب موضوع حق المرور القانوني في القانون الجزائري إلى القول أنه رغم الأهمية التي أولاها المشرع لهذا الموضوع بتخصيص عشر مواد قانونية للأحكام الخاصة به سواءا المتعلقة منها بقيام الحق أو تحديد الموضع الذي يتم المرور فيه، إلى جانب نصوص قانونية أخرى متعلقة بالآثار المترتبة على قيام الحق، إلا أن ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع الجزائري رغم كل هذا لم يتوصل إلى وضع قواعد قانونية واضحة شاملة لكل جوانب الموضوع .
ففيما يخص الشروط الخاصة بقيام حق المرور القانوني فلقد أناطه المشرع بانحصار الأرض عن الطريق و جعله طبقا للمادة 693 من التقنين المدني شرط لقيام هذا الحق بل و أكثر من ذلك اعتبرت الأرض محصورة أيضاً في حالة وجود ممر غير كافي للوصول إلى الطريق العام .
و إن كان المشرع قد أحسن الفعل عندما لم يلجأ إلى تحديد نوع الاستعمال أو الاستغلال المعدّة له الأرض – سواءً كان معد للاستعمال الزراعي أو الصِّناعي أو مجرد أرض بناء – فترك المجال واسعاً للانتفاع بحق المرور والمطالبة به إلا أنه كان من الأحسن إضافة عبارة : " بالقدر اللازم لاستغلال أرضه و استعمالها على الوجه المألوف " ، تأكيدا على حق مالك الأرض المحصورة في المطالبة بممرٍ جديد على النحو المناسب و في الحدود اللاّزمة لاستغلال الأرض و استعمالها .
أما عن شرط عدم كون الانحصار راجع إلى فعل المالك فالملاحظ على ما يبدو أن الانحصار الذي قصده المشرع هنا هو ذلك الناشئ عن عمل مادي صادر من المالك بدليل ما تضمنته المادة 697 من التقنين المدني التي لم تحرم مالك الأرض من المطالبة بحق المرور القانوني إذا كان الحصر ناتج عن تصرف قانوني مؤدي إلى تجزئة العقار .
ضف إلى ذلك أن المشرع قد أصاب فعلا عند إيراده شرط سلبي يضمن ثبوت حق المرور وهو عدم تمتع المالك بحق المرور على وجه الإتفاق أو التسامح، باعتبار الأرض هنا لا تعتبر محصورة وإن اتفقت في هذا الإطار مع المشرع الجزائري عندما حرم مالك الأرض من المطالبة بحق المرور القانوني إذا كان حقه في المرور الإرتفاقي لم ينقض بعد، إلا أنني لا أوافقه الرأي فيما ذهب إليه بالنسبة لعدم التمتع بحق المرور على وجه التسامح انطلاقا من أن مالك الأرض المحصورة لا يتمتع في هذه الحالة بأي حق مستقر.
توصلت كذلك من خلال دراستي لهذا الموضوع إلى تحديد أهم الآثار المترتبة على قيام حق المرور القانوني واستنتجت أن حق المرور القانوني يرتب ذات الحقوق والواجبات المترتبة عن إرتفاق المرور، إلا ما يتعارض منها مع طبيعته كقيد وارد على الملكية وثابت بقوة القانون بقيام حالة الحصر.
لأصل بعد البحث والتمحيص إلى إبراز دور القاضي في المنازعات الناشئة عن قـيام هذا الحــق وترتيب آثاره من خلال تدخل هذا الأخير في تحديد موضع الممر وطريقة المرور، مكرسا معيار الموضع الملائم والأخف ضررا على مالك الأرض المجاورة كأصل عام.
في حين جاءت المادة 697 من التقنين المدني بالاستثناء الخاص بحالة الحصر الناشئة عن تجزئة العقار بسبب معاملة، فيكون المرور على هذا الأساس في الأجزاء المتصلة بالطريق العام، إلا أن المعاب على نص هذه المادة عدم نصها صراحة على شرط إمكانية إيجاد ممر كافي في أجزاء هذا العقار وهو أمر غاية في الأهمية.
كذلك من أهم النتائج التي توصلت إليها هو أنه إذا كان للتقادم أثر في تحديد القاعدة و الكيفية التي يتم بهما حق المرور القانوني إلا أن المسألة هنا لم تحسم بعد على مستوى المحكمة العليا ، فهناك من يعتبر استعمال الممر لمدة 15 سنة وسيلة لكسب الملكية عن طريق الحيازة في حين أن الرأي الثاني يتمسك بالتفسير الضيق لنص المادة 868 من التقنين المدني ويعتبر التقادم غير منصب على الحق ذاته و إنما على الوعاء و كيفية الاستعمال، وأنا من أنصار هذا الرأي مادام أن حق المرور مرتبط بالمنفعة التي تعود على العقار المرتفق به.
أما فيما يخص انقضاء حق المرور القانوني فالمبدأ العام أن هذا الحق يظل قائما بقيام حالة الحصر ويزول بزوالها، إلا أن المشرع الجزائري أورد استثناء على هذا المبدأ ونص في المادة 699 من التقنين المدني على بقاء حق المرور مع تحوله إلى مرور إرتفاقي في حالة ما إذا مضت مدة خمسة عشر سنة على استعمال الممر، إلا أنني أرى في هذا الإطار أن المشرع قد أثقل ملكية مالك الأرض المجاورة رغم زوال الحصر الذي يعتبر مناط وأساس تقرير حق المرور و كان عليه الموازنة بين مصالح الجارين: مصلحة مالك الأرض المحصورة ومصلحة مالك الأرض المجاورة الأمر الذي يجعلني أقول أن المشرع الجزائري قد وقع في خلط كبير بتقريره الحكم الذي جاء به في المادة 699 والذي لم يأخذ به أي تشريع مقارن آخر، فالمشرع وإن حاول ولا يزال من خلال مختلف القوانين لا سيما الخاصة منها إيجاد حلول وقائية مسبقة تفاديا لمشاكل الحصر وما قد يترتب عنها من نزاعات بين الجيران قد تنتهي في أغلبية الحالات بارتكاب جرائم واعتداءات، فكان لزاما عليه إذن مراجعة أحكام هذا الحق وتنظيمه تنظيما محكما.
وفي الأخير أشير إلى أن البحث بإسهام في هذا الموضوع هو الذي سوف يسمح بتبيان، شرح وإزالة الغموض والإلتباس الذي قد يكتنف النظام القانوني لحق المرور للأرض المحصورة خاصة وأن الأهمية العملية لهذا الموضوع لا تتجلى إلا من خلال استعراض النزاعات التي قد تثور بين الجيران بمناسبة ممارسة مثل هذا الحق، الأمر الذي جعلني أقول مؤكدة بأن وضع حد لهذه النزاعات وإيجاد الحلول القانونية والعملية الناجعة يقتضي ترك مجال البحث مفتوحا للجميع .
قائمة المـــــراجع :
أولا: المراجع باللغة العربية
1- المؤلفات :
أبو السعود رمضان :
- الوجيز في الحقوق العينية الأصلية، في أحكام ومصادر الحقوق العينية الأصلية، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1997.
الإمام أبو زهرة :
- الملكية و نظرية العقد في الشريعة الإسلامية، دار الفكر العربي ،بدون سنة.
الجمال محمد مصطفى :
- نظام الملكية في القانون اللّبناني والمقارن، الجزء الأول، المكتب الشرقي للنشر والتوزيع، بدون سنة.
السّنهوري عبد الرزاق أحمد :
-الوسيط في القانون المدني، الجزء الثامن، حق الملكية مع شرح مفصل للأشياء والأموال، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967.
السّنهوري عبد الرزاق أحمد:
- الوسيط في القانون المدني، الجزء التاسع، أسباب كسب الملكية مع الحقوق العينية الأصليةالمتفرعة عن الملكية ( حق الإنتفاع و حق الإرتفاق )، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968.
العطار عبد الناصر توفيق:
- شرح أحكام حق الملكية، دار الفكر العربي، 1991.
الفضل منذر عبد الحسين:
- الوظيفة الإجتماعية للملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، دار الفكر العربي 1992.
حسن فرج توفيق:
- الحقوق العينية الأصلية، دار الجامعية للطباعة والنشر، الإسكندرية، بدون سنة.
سعد عبد السلام سعيد:
- الحقوق العينية الأصلية والتبعية، الجزء الأول، دار الفكر العربي، 2000.
سليمان علي علي:
- شرح القانون المدني الليبي، الحقوق العينية الأصلية والتبعية، منشورات جامعة بنغازي، ليبيا، بدون سنة .
طلبة أنور :
- الوسيط في أحكام القانون المدني، الجزء الخامس، القاهرة، المكتب الجامعي الحديث، بدون سنة.
فرج الصده عبد المنعم :
- الحقوق العينية الأصلية، دراسة في القانون اللّبناني والقانون المصري، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان 1978 .
كيره حسن:
- الموجز في أحكام القانون المدني، الحقوق العينية الأصلية، أحكامها ومصادرها، منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة الثالثة، 1994 .
مرقس سليمان :
- الوافي في شرح القانون المدني، المدخل للعلوم القانونية وشرح الباب التمهيدي للتقنين المدني،الطبعة السادسة، منشورات مكتبة صادر للمنشورات الحقوقية، 1998 .
يكن زهدي :
- الملكية والحقوق العينية الأصلية علما وعملاً، منشورات المكتبة المصرية، بيروت، الطبعة الثانية 1992 .
2) المحاضرات:
ملزي عبد الرحمان:
- محاضرات في الحقوق العينية الأصلية،2005.
3) الرسائل و الأبحاث :
تماني جميلة :
- حق المرور للأرض المحصورة في القانون المدني الجزائري، رسالة ماجيستير، معهد الحقوق والعلوم الإدارية، بن عكنون، الجزائر، 2000/2001.
زروني محمد :
- حق الإرتفاق، مذكرة نهاية التربص للتكوين المتخصص في العقاري، المعهد الوطني للقضاء 2001/2002.
زواوي فريدة :
- الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية في القانون المدني الجزائري والمقارن، رسالة ماجيستير معهد الحقوق و العلوم الإدارية، بن عكنون، جامعة الجزائر، 1987.
فاضلي إدريس :
- نظام الملكية ومدى وظيفتها الإجتماعية في القانون الجزائري، رسالة دكتوراه، معهد الحقوق والعلوم الإدارية، بن عكنون جامعة الجزائر، 1994 .
4) المقالات :
- بلعريبية فاطمة الزهراء: إرتفاق المرور، مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية للمحكمة العليا الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، 2004.
- زرقين رمضان: عن بعض جوانب إرتفاق المرور، مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية للمحكمة العليا، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، 2004.
5) القرارات :
- القرار رقم 33524 المؤرخ في 06/03/1985 المنشور في المجلة القضائية للمحكمة العليا لسنة 1990، العدد الأول .
- القرار رقم 50516 المؤرخ في 15/03/1989 المنشور في المجلة القضائية لسنة 1991، العدد الرابع.
- القرار رقم 55985 المؤرخ في 15/11/1989 المنشور في المجلة القضائية لسنة 1991، العدد الأول.
- القرار رقم 54474 المؤرخ في 15/11/1989 المنشور في المجلة القضائية لسنة 1991، العدد الثاني.
- القرار رقم 60702 المؤرخ في 18/04/1990 المنشور في مجلة تطبيقات قضائية في المادة العقارية لوزارة العدل، مديرية الشؤون المدنية، المؤسسة الوطنية للكتاب، باب الزوار، 1995.
- القرار رقم 44486 المؤرخ في 03/06/1992 المنشور في المجلة القضائية لسنة 1994، العدد الثالث.
- القرار رقم 98033 المؤرخ في 25/05/1994 المنشور في المجلة القضائية لسنة 1990، العدد الأول.
- القرار رقم 226568 المنشور في مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، 2004.
- القرار رقم 200906 المؤرخ في 28/06/2000 المنشور في مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية ، 2004 .
- القرار رقم 225806 المؤرخ في 20/02/2002 المنشور في مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، 2004.
- القرار رقم 224346 المؤرخ في 20/02/2002 المنشور في مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، 2004 .
- القرار رقم 229229 المؤرخ في 22/05/2002 المنشور في مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، 2004.
- القرار رقم 195764 المؤرخ في 26/04/2004 المنشور في مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، 2004.
- القرار رقم 288258 المؤرخ في 23/02/2005 الصادر عن المحكمة العليا.
- القرار رقم 331228 المؤرخ في 18/01/2006 الصادر عن المحكمة العليا.
5) التشريعات :
أ- القوانين :
- القانون المدني الجزائري الصادر بموجب الأمر 75-58 و المؤرخ في 26 سبتمبر 1975، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2005.
- القانون رقم 90-29 المؤرخ في 01/12/1990 المتعلق بالتهيئة والتعمير.
- القانون رقم 90-30 المؤرخ في 14جمادى الأولى 1411 الموافق ل 01/12/1990
- القانون رقم 03/2000 المؤرخ في 05 جمادى الأولى 1412 الموافق ل 05/08/2000
- القانون رقم 01/07 الصادر في 22 يوليو 2007 المتعلق بالأوقاف.
- القانون رقم 05-12 المؤرخ في 28 جمادى الثانية عام 1426 الموافق 04 أوت2005 المعدل والمتمم لقانون المياه.
ب- المراسيم التنفيذية:
- المرسوم التنفيذي رقم 91-454 المؤرخ في 16 جمادى الأولى عام 1412 الموافق 23 نوفمبر سنة 1991 يحدد شروط إدارة الأملاك الخاصة والعامة التابعة للدولة و تسييرها و يضبط كيفيات ذلك.
- المرسوم التنفيذي رقم 91-175 المؤرخ في 14 دي القعدة عام 1411هـ الموافق 28 ماي سنة 1991 يحدد القواعد العامة للتهيئة والتعمير والبناء.
ثانيا : المراجع باللغة الفرنسية :
1) Ouvrages :
Aubry et Rau :
- Droit civil Français, tome 3, les biens, librairie technique, Paris, 7ème edition 1968.
Planiol, Ripert et picard :
- Traité pratique de droit civil français T3, les biens, LEDJ, Paris 1927.
Vimon Jack
- Droit des biens, 1ère édition, l’hermès, 1994.
2) périodiques :
Roses louis :
-Droit de passage, JC civil, article 682 à 685-1 Fasc 55.
3) Jurisprudence :
- Cass civile, 28 juin 1997, bulletin civil, 1997.
-Cass Bordeaux, 1 ck, 9 août 1999, JCP, édition 1999 – I – 2275.
4) Dictionnaire :
Bennadji cherif :
- Vocabulaire juridique, éléments pour un dictionnaire des termes officiels, office des publications universitaires,2005.
Terki et cabbabé :
- Lexique juridique arabe-français, entreprise nationale du livre 1986.
5) Internet : sites officiels
-https:// www.courdecassation.fr/article 6400 hthl
-https://www.termiumplus.translation bureau .gc.ca/guides/juri/files/27hthl
-https:// www.chambre-isere.notaires.fr/servitud.hthl