![]() |
|
القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مقدمة • هل تفكرت يوماً في حقيقة وجودك، كيف حملتك أمك ثم ولدتك، فجئت إلى هذا العالم ولم تكن من قبل شيئاً..؟• هل تأملت يوماً كيف تنبت تلك الأزهار المزروعة في أحواض غرفة الجلوس من قلب تراب أسود فاحم موحل بألوان زاهية وشذىً عطر..؟ •هل شغلك انزعاجك من طيران البعوض حولك عن التفكر كيف انها تحرك أجنحتها بسرعة فائقة تجعلك غير قادر على رؤيتها..؟ • هل تفكّرت يوماً بأن قشور الفاكهة المهملة هي في حقيقتها أغلفة حافظة عالية الجودة، وبأن هذه الفاكهة - كالموز والبطيخ والبرتقال مثلاً- موضبة في داخلها بطريقة تحفظ طعمها وشذاها..؟ • هل تدبّرت يوماً كيف يمضي العمر حثيثاً، فتذكرت أنك سوف تشيخ وتصبح ضعيفاً وتفقد جمالك وصحتك وقوتك؟ • هل فكرت في ذلك اليوم الذي سوف يرسل الله فيه ملائكة الموت لترحل معهم عن هذا العالم؟ • هل تساءلت يوماً لماذا يتعلق الناس بدنيا فانية فيما هم بحاجة ماسة إلى المجاهدة من أجل الفوز بالآخرة؟ ان الإنسان هو المخلوق الذي أنعم الله عليه بملكة التفكير، ومع ذلك فإن معظم الناس لا يستخدمون هذه الملكة المهمة كما يجب، حتى أن بعض الناس يكاد لا يتفكر أبداً!.. في الحقيقة كل إنسان يمتلك قدرة على التفكر هو نفسه ليس على دراية بمداها، وما ان يبدأ الإنسان باستكشاف قدرته هذه واستخدامها، حتى يتبدى له الكثير من الحقائق التي لم يستطع أن يسبر أغوارها من قبل. وهذا الأمر في متناول أي شخص، وكلما استغرق الإنسان في تأمل الحقائق، كلما تعززت قدرته على التفكر. ولا يحتاج الإنسان في حياته سوى هذا التفكر الملي والمجاهدة الدؤوبة من بعده.. إن الهدف من هذه القراءة هو دعوة الناس إلى" التفكير كما ينبغي"، وإبراز الوسائل التي تساعدهم على ذلك. فالإنسان الذي لا يتفكر يبقى بعيداً كليّاً عن إدراك الحقائق ويعيش حياةً قوامها الإثم وخداع الذات، وبالتالي فإنه لن يتوصل إلى مراد الله من خلق الكون، ولن يدرك سبب وجوده على الأرض.. فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء لسبب، وهذه حقيقة ذكرها عز وجل في القرآن الكريم بقوله: { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما الا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } الدخان: (38-39). وقوله: { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا ترجعون } ( المؤمنون: 115) اذاً على كل إنسان أن يتفكر في الغاية من خلقه لأن ذلك له علاقة مباشرة به أولاً، وبكل ما يراه حوله في الكون وكل ما يعرض له في حياته تالياً. ان الإنسان الذي لا يتفكر، لا يدرك الحقائق الا بعد الموت حين يقف بين يدي ربه ليلقى حسابه، وحينها يكون الأوان قد فات. والله تعالى يذكر في محكم كتابه إن كل الناس سوف يتفكرون عندما يعاينون الحقيقة في يوم الحساب { وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنّى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي } (الفجر: 23-24 ) لقد أعطانا الله جلّ وعلا الفرصة للتفكر واستخلاص العبر ورؤية الحقائق في هذه الحياة الدنيا لنفوز فوزاً عظيماً في الآخرة، فأنزل الكتب السماوية، وأرسل الرسل داعياً الناس عبرهم للتفكر في أنفسهم وفي خلق الكون من حولهم. { أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى، وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون } الروم:8 التفكّر العميق معظم الناس يظن أن "التفكر العميق" يقتضي من الإنسان أن يعتزل المجتمع ويقطع علاقاته بالناس ثم ينسحب إلى غرفة خالية ويضع رأسه بين يديه و... إنهم يصنعون من التفكر العميق قضية صعبة جداً، تجعلهم يخلصون إلى القول بأن الأمر سمة خاصة بالفلاسفة فقط.. مع أن القضية أبسط من ذلك بكثير، فكما ذكرنا في المقدمة فإن الله تعالى يدعو جميع عباده ليتفكروا ويتدبروا خاصة في آيات القرآن الكريم الذي أنزله الله لهذا الغرض. يقول جل وعلا: { كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } (ص:29 )، ويمتدح الله تعالى عباده الذين يقودهم تدبّرهم وتفكّرهم إلى إدراك الحقيقة وبالتالي إلى مخافته سبحانه. فالمهم في الأمر كله اذاً أن يستطيع الإنسان تطوير ملكة التفكر عنده وتعميقها أكثر فأكثر.ان الإنسان الذي لا يبذل جهده في التفكر والتدبر والتذكر يعيش في حالة دائمة من الغفلة، وحالة الغفلة التي يعيشها أولئك الذين لا يتفكرون، بما توحيه كلمة الغفلة من التجاهل مع عدم النسيان والانغماس في الشهوات والوقوع في الاثم والاستخفاف والاهمال، هي نتيجة من نتائج تجاهلهم وتناسيهم للغاية من خلقهم ولكل الحقائق التي يعلمهم اياها الدين، وهذا الأمر عظيم وخطير ومؤداه في النهاية الى نار جهنم؛ لذلك حذرنا القرآن الكريم أن نكون من الغافلين، فقال تعالى: { واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} الأعراف:205 وقال: { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } (مريم:39 ). ويبين الله تعالى زيغ الذين يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم اتباعاً أعمى دون أن يفكروا بما يحمله التقليد من ضلال، ولو نوقشوا في أمرهم لأجابوا فوراً بأنهم مؤمنون بالله ملتزمون بتعاليمه، لكن بما انهم لم يعقلوا فيتفكروا ويتدبروا ويتّعظوا فإن ايمانهم هذا لم يؤدّ بهم الى الصلاح وبالتالي الى مخافة الله الحقة.ان عقلية هؤلاء البشر تظهر بوضوح من خلال الآيات التالية: { قل لمن الأرض ومن فيها ان كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون . قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنّى تسحرون } (المؤمنون: 84-90) التفكر يبطل السحر عن الناس في الآيات السابقة يسائل الله تعالى الناس { قل فأنّى تسحرون } تسحرون في الآية الكريمة تعني حالة من الجمود العقلي تسيطر بشكل كامل على بعض الناس، فيغشى بصر من يصاب بها ويتصرف وكأنه لا يرى الحقائق أمام عينيه، وتضعف قدرته على التمييز والحكم على الأمور، ويصبح عير قادر على ادراك الحقائق المبسطة، كما يغفل عن ما يدور حوله من أمور غير اعتيادية وتخفى عنه دقائق الأحداث. هذا الجمود العقلي هو الذي أدى الى أن يعيش البشر منذ آلاف السنين حياة الغفلة بعيدين كلياً عن التفكر والتدبر والاعتبار. ويمكن لهذا المثال الذي سنذكره الآن أن يوضح لنا تأثير هذا السحر الذي حل بشكل جماعي على الأمم:كلنا يعرف أن هناك طبقة أرضية تسمى "الصهارة" تحتوي مواد مذابة على درجة عالية جداً من الغليان تكمن مباشرة تحت القشرة الأرضية؛ وبما أن القشرة الأرضية رقيقة جداً ويمكن مقارنة سماكتها بالنسبة الى الكرة الأرضية ككل بسماكة قشرة التفاحة بالنسبة الى التفاحة كلها، فإننا قريبون جداً من الانفجار الذي قد يحدث لهذه الطبقة، فهو تقريباً تحت أقدامنا، ومع ذلك فمعظم الناس لا يتدبرون هذا الأمر، تماماً كما ان أهلهم وإخوانهم وأقاربهم وأصدقاءهم، وجميع وسائل الاعلام ومنتجي البرامج التلفزيونية، وأساتذة الجامعات، لا يتنبهون الى هذا الأمر. ولكن لو افترضنا أن شخصاً مصاباً بفقدان الذاكرة الكلي، يحاول إعادة بناء ذاكرته والاستعلام عن محيطه عبر طرح الأسئلة على الناس من حوله، فمن المفترض أن أول سؤال سوف يتبادر الى ذهنه، أين أنا ؟ ماذا لو قيل له انه يقف على عالم من النار الملتهبة، وأن هذا اللهب يمكن أن يتفجر على سطح الأرض فيما لو حدثت أية هزة أرضية أو ثورة بركانية. ولو افترضنا أن نفس الشخص أخبر بأن هذا العالم الذي يعيش فيه مجرد كوكب يسبح في فجوة مظلمة مترامية الأطراف تسمى الفضاء، وهذا الفضاء يختزن هو الآخر طبقة ملتهبة أعظم خطراً من تلك الكامنة تحت سطح الأرض، تتحرك فيها -على سبيل المثال- آلاف الأطنان من النيازك الحارقة بحرية تامة وليس هناك ما يمنعها أن تحيد عن مسارها وتصطدم بالأرض، بتأثير جاذبي من كوكب آخر -مثلاً- أو لأي سبب آخر. إزاء كل هذه الحقائق لن يستطيع هذا الشخص أن ينسى خطورة الوضع الذي يعيش فيه، ولسوف يبدأ بالتساؤل: كيف يمكن للناس أن يعيشوا في هذا المحيط، مع كل ما يكتنفه من مخاطر، ويتمسكوا به ويعضّواعليه بالنواجذ؟! لكنه سوف يدرك فيما بعد ان هناك نظاماً متكاملاً قد أخذ حيّزه من الوجود. فرغم الخطر الكامن داخل الكوكب الذي يعيش فيه، هناك توازن دقيق يمنع هذا الخطر من إلحاق الضرر بالناس، إلا في ظروف استثنائية، وهذا الادراك سيجعله يفهم أن الارض ومن عليها من مخلوقات انما تستمد وجودها وتعيش بأمان بإرادة الله تعالى وحده الذي أوجد هذا النظام المتكامل للحياة. هذا واحد من ملايين، بل بلايين، الامثلة التي يجب أن يتفكر فيها البشر. ولعل إعطاء مثال آخر يساعدنا على أن ندرك كم تؤثر الغفلة على قدرة الناس على التفكر وتحد من قدراتهم العقلية. يعلم الناس أن الحياة الدنيا فانية وأن العمر يمضي حثيثاُ ومع ذلك فإنهم يتصرفون وكأنهم لن يبارحوا هذا العالم وأنهم مخلدون. وهذا في الحقيقة نوع من السحر تعاقبت على حمله الأجيال، وله تأثير بالغ عليهم لدرجة أنه عندما يتحدث شخص ما عن الموت فإن الناس يقفلون الموضوع مباشرة لأنهم يخافون أن يبطل هذا الحديث السحر عنهم ويضعهم في مواجهة الحقائق. أولئك الناس الذين بددوا حياتهم كلها في شراء سيارة ومنزل جميل وآخر لقضاء العطلة الصيفية والبحث عن مدارس ذات مستوى ليرسلوا أبناءهم اليها، تناسوا أنهم سوف يموتون في يوم من الأيام ويخلّفوا وراءهم البيوت والسيارات والأولاد، وتركوا التفكير بما يجب أن يقدموا للحياة الحقيقية بعد الموت. ان الموت قادم لا محالة، وكل الناس سوف يموتون حتماً عاجلاً أم آجلا ، واحداً تلو الآخر، سواء صدقوا ذلك أم لا، وبعد ذلك تبدأ الحياة الأبدية لكل منا، إما الى الجنة أو الى النار، فالأمر يعتمد على ما أسلف الانسان في هذه الحياة القصيرة. ومع أن هذه الحقائق واضحة كعين الشمس، فإن السبب الوحيد الذي يجعل الناس يتعاملون مع الموت وكأنه غير موجود، هو ذلك السحر الذي سيطر عليهم لأنهم أعرضوا عن التفكر. ان الذين لا يؤدي بهم التفكر الى إنقاذ أنفسهم من هذا السحر وبالتالي من حياة الغفلة سوف يفهمون الحقائق عندما يرونها رأي العين بعد الموت، قال تعالى:? لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (ق:22) فكما يقول الله تعالى في الآية الكريمة فإن البصر الذي تكتنفه الغشاوة في الحياة الدنيا بسبب عدم التفكر، ولكنه سيكون حاداً عندما يحاسب الانسان في الآخرة بعد الموت. وجدير بالذكر في هذا المقام أن الناس هم الذين يفرضون على أنفسهم هذا النوع من السحر بملء إرادتهم لأنهم يظنون انهم بهذه الطريقة سوف يعيشون حياة رغد واسترخاء. لكن من السهل جداً اتخاذ قرار التخلص من الجمود العقلي وعيش الحياة بوعي وإدراك، فلقد قدم الله تعالى الحلول للناس، فالذين يتفكرون يستطيعون بكل سهولة أن يبطلوا عن أنفسهم هذا السحر فيما هم على قيد الحياة، ويفهموا كل ما يدور حولهم من الأحداث والغاية منها ودقائق معانيها، والحكمة مما يقضيه الله من أمور في كل لحظة. التفكر ممكن في أي زمان وأي مكان ان التفكر والتدبر لا يستدعيان مكاناً أو زماناً أو شروطاً محددة، فالإنسان يمكن أن يتفكر ويتدبر خلال المشي في الشارع، عند توجهه الى مكتبه، خلال قيادته لسيارته، أو خلال عمله أمام شاشة الكومبيوتر، أو خلال جلسات السمر مع أصدقائه، وربما خلال مشاهدة التلفزيون أو حتى خلال تناول الطعام.فخلال قيادة السيارة مثلاً يمكن يمكن رؤية مئات الأشخاص في الشوارع، وعندما ينظر الانسان الى هؤلاء الأشخاص يمكنه أن يتفكر في أمور شتى، فلربما انصرف ذهنه الى الاختلاف الكامل في المظهر بين هؤلاء الناس، فليس هناك واحد منهم يشبه الآخر! كم هو مذهل هذا الاختلاف في المظهر بين الناس الذين لديهم نفس الأعضاء من العيون الى الحواجب الى الرموش والأكف والأيادي والأرجل والأفواه والأنوف.. ولو استغرق الانسان في التفكير أكثر لتذكر أن الله قد خلق الالوف من البشر عبر بلايين السنين وكل واحد منهم مختلف عن الآخر، وما ذلك الا دليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى. والذي يراقب كل هؤلاء الناس يحثّون الخطى؛ تتجاذبه أفكار شتى، فللوهلة الأولى يبدو أن كل واحد من هؤلاء هو نسيج وحده، له عالمه الخاص وأمنياته ومشاريعه وذوقه وأسلوبه في العيش، وأمور تفرحه وأخرى تحزنه.. ولكن هذه الخلافات بين البشر ليست أساسية، فبشكل عام كل انسان يولد ويكبر ويتعلم ثم يتزوج وينجب الأولاد ويزوجهم فيصبح جدّاً أو جدة ثم يتوفى في النهاية.. من هذه الناحية ليس هناك اختلاف كبيرفي حياة الناس، سواء كانوا يعيشون في حي في استانبول أو في مدينة في المكسيك، فإن ذلك لن يغير شيئاً ، فكل هؤلاء الناس سوف يموتون وربما بعد قرن من الزمان لن يبقى منهم أحد على قيد الحياة. ومن يدرك هذه الحقائق لا بد أن يسأل نفسه: بما أننا في يوم من الأيام سوف نموت جميعاً لماذا يتصرف الناس وكأننا لن نبارح هذا العالم؟ ولماذا يتصرف من أدرك حتمية موته وكأن هذه الحياة الدنيا لن تنتهي في حين يجدر به أن يجاهد من أجل الفوز بالآخرة؟! وفي حين أن غالبية الناس لا تتفكر بهذه الأمور فإن من توصل الى التفكر بها سيخلص الى نتائج حاسمة. فلو سئل معظم الناس بشكل مفاجىء: بماذا تفكرون في هذه اللحظة ؟ سوف يظهر بوضوح انهم يفكرون بأمور ليست ذات بال ولا تعود عليهم بالنفع . وعلى كل حال، فإن كل انسان يمكن أن يتفكر بحكمة في أمور مهمة وذات قيمة ومعنى ويتدبرها ويخلص الى نتائج من وراء ذلك. ويعلمنا القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين أنهم يتفكرون ويتدبرون ليخلصوا الى النتائج التي تعود بالنفع عليهم.?إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذي يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا م اخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار? آل عمران: 190-191 فكما تخبرنا الآيتان الكريمتان فإن تفكر المؤمنين مكّنهم من رؤية جانب الإعجاز في الخلق وتمجيد حكمة الله وعلمه وقدرته. إخلاص النية لله عند التفكر من أجل أن يعود التفكر بالنفع على الانسان ويهديه الى جادة الحق، يجب عليه أن يفكر دائماً بطريقة إيجابية. هناك فرق كبير بين من ينظر إلى شخص حباه الله بحسن الهيئة من منظار عقدة النقص الناشئة عن عدم التكافؤ في المظهر الخارجي بينهما، فيشعر بالغيرة ويؤدي به تفكره الى ما لا يرضي الله، وبين من يسعى الى مرضاة الله فينظر الى هذا الشخص على أنه جمال من خلق الله، ويعتبر حسن هيئته برهاناً على كمال الله في خلقه، فيشعر بسعادة غامرة ويدعو الله أن يزيد هذا الانسان جمالاً في الآخرة، كما يدعو لنفسه أن يرزقه الله الجمال الأبدي في دار الخلود، ويفهم أن الانسان لا يمكن أن يكون كاملاً في الحياة الدنيا، لأن حياتنا هذه خلقت غير كاملة كجزء من ابتلائنا فيها، وبذلك كله يزيد توقه وتطلعه الى الفوز بالجنة. وهذا كله مثال واحد على الإخلاص في التفكر، ولسوف يعرض للإنسان الكثير من الأمثلة المشابهة في حياته، خاصة وأنه في امتحان دائم ليرى ان كان سيسلك سلوكاً حسناً ويفكر بأسلوب يرضي الله.إن نجاح الانسان في امتحان التفكر، وكون التفكر سيعود عليه بالنفع في الآخرة يعتمد على التدبر والاعتبار من الدروس والتحذيرات التي يستخلصها أثناء تفكره، ولذلك فإن من الضرورة بمكان أن يتفكر الانسان بصدق دائماً. قال تعالى:?هو الذي يريكم آياته وينزّل من السماء رزقاً وما يتذكر إلا من ينيب (غافر:13). بماذا يتفكر الناس عادة....؟ ذكرنا سابقاً أن الناس لا يتفكّرون ولا يطوّرون قدرتهم على التفكر، وبالإضافة الى ذلك يجب توضيح نقطة هامة. بالطبع هناك أشياء كثيرة تخطر على بال الانسان في كل لحظة من لحظات حياته، فبالكاد تمر دقيقة يكون عقل الانسان فبها خالياً، باستثناء ساعات النوم. لكن معظم هذه الأفكار عديم الفائدة ولا طائل تحته وغير ضروري؛ فهي لا تنفع في الآخرة ولا تؤدي الى أي مكان ولا تقدم أية منفعة. فإذا حاول الانسان أن يتذكر بماذا فكر خلال النهار ثم سجّله ليراجعه في آخر النهار سيدرك كم أن معظم أفكاره لا جدوى لها، وحتى لو وجد بعضها نافعاً فمن الأرجح أن يكون مخطئاً في تقديره. فبشكل عام الأفكار التي تبدو صحيحة قد لا يكون لها أي نفع في الآخرة. وتماماً كما يضيّع الناس أوقاتهم في حياتهم اليومية بمعالجة أمور تافهة، فإنهم كذلك يمضون يومهم في اللغو منجرفين في أفكار غير ذات جدوى. وفي قوله تعالى: { قد أفلح المؤمنون.. والذين هم عن اللغو معرضون } المؤمنون:3 ينصح الله تعالى الناس أن يكونوا أقوياء العزيمة في اعراضهم هذا. وبالتأكيد فإن أمر الله هذا يصح أيضاً على أفكار الناس. هذا لأننا إذا لم نسيطر على أفكارنا بوعي فإنها سوف تظل تنساب في عقولنا بشكل متواصل، فيقفز الإنسان دون وعي من فكرة إلى أخرى. فمثلاً، خلال التفكير بالأشياء التي سوف يتسوّقها في طريقه إلى البيت يجد نفسه فجأة يفكّر بأشياء أخبره بها صديق قبل سنة أو سنتين: هذه الأفكار غير المضبوطة وغير النافعة قد تستمر دون اعتراض خلال النهار كله. الا أن السيطرة على التفكير ممكنة. فكل منا يمتلك القدرة على التفكير بأشياء تفيده وتفيد إيمانه، وعقله، وتحسّن كياسته وإحاطته بالأمور. وفي هذا الفصل سوف نذكر كل أنواع الأفكار التي يفكّر بها الغافلون بشكل عام. والغاية من ذكر هذه الموضوعات بالتفصيل ان يتنبّه الذين يقرأون هذا الكلام فوراً عندما تمر أشياء مماثلة في أذهانهم - حين يكونون في طريقهم إلى العمل أو المدرسة أو حين يزاولون أعمالهم اليومية - فوراً إلى أنهم يفكّرون بأمور غير مجدية فيسيطروا على أفكارهم ويتفكّروا في أمور تعود عليهم بالنفع حقيقة. مخاوف غير ذات نفع عندما يفشل الإنسان في السيطرة على أفكاره وتوجيهها نحو البلوغ به إلى حسن الختام، فإنه قد يشعر بالتخوف من شرور مرتقبة أو يتعامل مع الأحداث التي لم تحصل وكأنها حصلت بالفعل، فيقوده ضلاله إلى الحزن والكرب والخوف والقلق. فمن عنده شاب يدرس لامتحان جامعي، مثلاً، قد يخترع سيناريوهات لما قد يحصل فيما لو رسب ولده في الامتحان قبل أن تجري الامتحانات: "إذا رسب ابني في الامتحان، فإنه لن يستطيع أن يجد وظيفة جيدة في المستقبل يكسب منها ما يكفي من المال، ولن يكون قادراً على الزواج، ولو تزوج سيستطيع تحمل مصاريف حفل الزفاف؟.. إذا فشل في الإمتحان فإن كل ما صرف من مال على الفصول التحضيرية سوف يذهب هباء، وفوق هذا سوف نكون محتقرين في أعين الناس... ماذا لو نجح ابن صاحبي ورسب ابني..." وسوء الفهم هذا سوف يستمر ويستمر، مع ان ابن هذا الشخص لم يخضع للامتحان بعد. وخلال حياته كلها لا يمكن للإنسان البعيد عن الدين أن يقاوم مثل هذه المخاوف التي لا ضرورة لها، وهذا بالتأكيد له سببه. ففي القرآن ذكر السبب الذي يجعل الناس غير قادرين على التحرر من هذا القلق هو أنهم يعيرون سمعاً لوساوس الشيطان، إذ يقول الشيطان?ولأضلنّهم ولأمنينّهم.. (النساء:119 ). وكما يرى في الآية أعلاه فإن من يشغل نفسه بمخاوف لا جدوى منها، وينسى الله تعالى ولا يفكّر بصفاء، يكون دائماً عرضة لوساوس الشيطان. وبكلمات أخرى إذا كان الإنسان مخدوعاً بهذه الحياة الدنيا لا يستعمل قوة إرادته ويتصرف بوعي، وإذا سمح لنفسه بالانجراف بمجرى الأحداث فإنه يصبح تحت سيطرة الشيطان بشكل كامل. فإقلاق ولذلك فإن التشاؤم وسوء الفهم والمخاوف المتحكمة في الذهن مثل "ماذا سأفعل إذا حصل كذا وكذا" سببها وساوس الشيطان. والله سبحانه وتعالى يعلم الناس الطرق التي تقيهم من هذا الوضع. ففي القرآن ينصح الله الناس باللجوء إليه إذا نزغهم من الشيطان نزغ فيقول:"إن الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثم لا يقصرون (الأعراف 201 - 202) . وكما هو مذكور في الآية فإن من يتفكّر يدرك الصواب ومن لا يتفكّر يمضي إلى حيث يجره الشيطان. المهم ان نعرف أن هذه الأفكار لن تنفع الإنسان بل على العكس سوف تمنعه من التفكير بالحقيقة، والتفكر بأمور مهمة وبالتالي تطهير ذهنه من الأفكار غير المجدية. فلا يمكن للإنسان ان يتفكّر بطريقة صائبة إلا إذا حرر ذهنه من الأفكار التافهة. وبهذه الطريقة "يعرض عن اللغو" كما يأمر الله تعالى في القرآن. ما هي الأسباب التي تمنع الناس من التفكر؟ هناك عوامل عديدة تمنع الناس من التفكر، مجموع هذه العوامل أو بعض منها، أو حتى واحد فقط قد يعيق تفكر الإنسان ويمنعه من ادراك الحقائق. لذلك يجب عليه أن يحدد العوامل التي تؤثر فيه سلباً ليتخلص منها، وإلا فإنه لن يستطيع أن يرى الوجه الحقيقي لهذه الحياة الدنيا، فيخسر خسراناً مبيناً في الآخرة. والله سبحانه ينبئنا عن حال أولئك الذين تعوّدوا أن يفكروا بسطحية، فيقول تعالى?يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيراً من الناس بلقاىء ربهم لكافرون (الروم: 7-8). وفيما يلي بعض العوامل التي تمنع الناس من التفكر: • اتباع الأكثرية يؤدي الى الجمود العقلي: اعتقاد الناس أن ما تفعله الأكثرية بينهم هو الصحيح، من أهم الأسباب التي تؤدي الى الضلال. فالإنسان عادة يفضل قبول ما تعلمه من الناس من حوله على البحث عن الحقيقة عبر التفكر، ويرى أن الأشياء التي تبدو غريبة للوهلة الأولى، يعتبرها الناس عادية لدرجة أنهم لا يتنبهون اليها، لذلك فإنه بعد فترة يبدأ بالاعتياد عليها. مثال على ذلك: كثير من الناس حولنا لا يسلّم بأننا سنموت في يوم من الأيام، حتى انهم لا يسمحون لأحد بالتحدث عن هذا الموضوع كي لا يذكرهم بالموت. وعندما ينظر المرء حوله ويرى كيف يتصرف الناس فإنه يقول في نفسه: بما أن هذا حال كل الناس، لن يضيرني أن أتصرف بنفس الطريقة، فيعيش حياته دون أن يتذكر الموت أبداً، ولو أن الناس من حوله خافوا الله وجاهدوا في سبيل الفوز بالآخرة حق جهاد، لكان في أغلب الظن غيّر تصرفه. مثال آخر على ذلك: تنقل الصحف والتلفزيونات يومياً مئات الأخبار عن الكوارث والظلم والاضطهاد وغياب العدالة، وعن الجرائم وحالات الانتحار، كما تغطي حوادث السرقة وتأتي على ذكر أحوال آلاف المعوزين من البشر؛ ومع ذلك فإن كثيراً من الناس يطوون صفحات الجريدة، ويطفئون جهاز التلفاز وهم بشعرون بسكينة داخلية، وبشكل عام فإن الناس لا يتساءلون لماذا هذا الكم الهائل من تلك الأنباء، وماذا يجب فعله إزاء هذا الواقع؟ وما سبل الوقاية التي يجب اتخاذها لمنع وقوع مثل هذه الأمور؟ وماذا يمكنهم أن يفعلوا إزاء هذه المعضلات؟ بل ان معظمهم ينحو باللائمة على غيره متبعاُ مبدأ: "هل يتوقف عليّ إنقاذ العالم؟" • التكاسل الذهنيِ التكاسل هو العامل الذي يمنع أغلبية الناس عن التفكر، وبسبب التكاسل الذهني يقوم الناس بأعمالهم بالطريقة التي تعوّدوا أن يروها دائماً دون تغيير. ولإعطاء مثال من خضم حياتنا اليومية، فإن ربات البيوت ينظفن بيوتهن بنفس الطريقة التي شاهدن والداتهن يقمن بها، وهنّ بشكل عام لا يتساءلن كيف يمكن إنجاز الأعمال بشكل أنظف وطريقة عملية أكثر، والأمر نفسه بالنسبة الى الرجال، فلو احتاج شيء ما الى إصلاح فإنهم يصلحونه بنفس الطريقة التي تعلموها منذ طفولتهم، ومعظمهم يرغب عن تطبيق أسلوب عملي جديد أكثر فاعلية. وأسلوب هذا النوع من الناس متشابه أيضاً، فالمحاسب مثلاً يتكلم بنفس الطريقة التي تكلم بها محاسب ما قابله في حياته.. والأمر كذلك بالنسبة الى الأطباء والمصرفيين ومندوبي المبيعات.. وغيرهم من الناس الذين تجمعهم طبقة اجتماعية معينة فتكون لهم طريقة معينة في التحدث ولا يكلفون أنفسهم عناء التفكير للبحث عن طرق أفضل وأحسن وأصوب، إنما يقلدون ما سمعوه فقط! كما أن الحلول المبتكرة للمشاكل تعكس كسلهم الذهني. فمثلاً، حارس مبنى ما يعالج مشكلة النفايات فيه تماماً كما كان يفعل من كان قبله، وعمدة مدينة ما يحاول حل مشكلة زحمة المرور عبر مراجعة ما فعله من كان قبله. وفي حالات كثيرة عدم التفكير يجعل صاحب المشكلة غير قادر على إيجاد حل. طبعاً الأمثلة المذكورة أعلاه هي أمور يعاني منها الناس في حياتهم اليومية، ولكن هناك قضية أهم من ذلك وأعمق بكثير لو أخفق الناس في التفكير فيها، فقد يؤدي بهم ذلك الى الخسران الأبدي المبين، والمقصود من هذا الكلام إخفاق المرء في التفكر في الغاية من وجوده في هذه الدنيا، وتجاهله لحقيقة أن الموت لا يمكن تفاديه، وأننا حتماً سنبعث بعد الموت. ففي القرآن يدعونا الله الى التفكر في هذه الحقائق فيقول جلّ وعلا:? أولئك الذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون. لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا الى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (هود: 21-24) ويقول أيضاً:?أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكّرون (النحل:17). • كثرة التفكــــر مضــرة هناك قناعة سائدة في المجتمعات أن التفكير العميق مضر! فتجد الناس يحذر بعضهم بعضاًَ بالقول: " لا تفكر كثيراً، والا فقدت صوابك"! وهذه بالطبع ليست الا خرافة ابتدعها من نأوا بجانبهم عن الدين. ليس على الناس ان يتجنبوا التفكير ولكن عليهم أن يتجنبوا السلبية أو الانجراف في الوسوسة المبالغ فيها وسوء الفهم ولأن أولئك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر يتفكرون دون أن يلزموأ أنفسهم بالخير والصلاح، فيتفكرون، ولكن بطريقة سلبية، فإنهم يخرجون من تأملاتهم بخلاصات لا تعود عليهم بأي نفع. فمثلاً، هم يتفكرون في كون الحياة الدنيا مؤقتة، وفي حتمية الموت في يوم من الأيام، ولكن هذا الأمر يثير لديهم الكثير من التشاؤم، بعضهم يتشاءم لأنه يعلم أنه يمضي هذه الحياة المؤقتة في معصية الله، ويحضر نفسه لنهاية بائسة في الآخرة، وبعضهم الآخر يتشاءم لأنه يعتقد أن أثره سيتلاشى كلياً بعد الموت. أما الشخص الحكيم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه يخرج بنتائج مختلفة تماماً عندما يتدبر في حقيقة هذه الدنيا الفانية.. فقبل كل شيء إدراكه لكون الحياة مؤقته يدفعه الى المجاهدة بشدّة من أجل حياته الحقيقية الأبدية في الآخرة. وبما أنه يعرف أن هذه الحياة سوف تنتهي عاجلاً أم آجلاً، فإنه لا ينجرف في طلب شهوات ومتاع الحياة الدنيا، بل على العكس من ذلك، فإنه يعرض عنها الى أبعد الحدود.. لا شيء في هذه الدنيا الفانية يزعجه فهو دائماً راضً عمّا قسمه الله له من نعم وجمال، لأنه يعلّق آماله على الفوز بالحياة الأبدية المرضية. فقد خلق الله تعالى هذه الحياة الدنيا غير كاملة ليبتلي الناس، والمرء الذكي يفكر: إذا كان هذا العالم غير الكامل فيه هذا الكم من الجمال الذي يسعد الانسان، فلا بد أن جمال الجنة فاتن الى درجة تفوق الخيال، فتراه يأمل أن يعاين في الدار الآخرة منبع كل جمال يشاهده في هذه الدنيا. وهذه القناعات كلها لا تتأتى لديه إلا عبر التفكر العميق. ولذلك فمن الخسارة بمكان قلق الانسان من ان يصيبه التشاؤم إذا ما وصل الى الحقيقة ، وبالتالي تفاديه التفكر، لأن الانسان الذي يفكر دائماً بإيجابية، ويعلل النفس بالرجاء بفضل إيمانه بالله، ما من أمر يقوده الى التشاؤم. • تفادي المسؤولية التي تترتب على التفكر يظن معظم الناس أن بإمكانهم التملص من مختلف المسؤوليات عبر تفادي اللتفكر وتشغيل ذهنهم بقضايا معينة، وهم يحسبون أنهم إن فعلوا ذلك فسوف ينجحون بإبعاد أنفسهم عن كثير من الموضوعات. فواحدة من الطرق التي تخدع الناس تكمن في افتراضهم أن بإمكانهم التهرب من مسؤولياتهم تجاه ربهم عبر عدم التفكر، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الناس لا يتفكرون بالموت والبعث من بعده. أذا تفكر المرء أنه سيموت في يوم ما، وتذكر أن هناك حياة أبدية بعد الموت، فإنه بالضرورة سيجاهد بشدة لحياته بعد الموت.. لكن مع ذلك، ترى بعض النفس يخدع نفسه خداعاً عظيماً بافتراضه أنه تخلص من هذه المسؤولية عندما لا يتفكر في وجود الآخرة، فإذا لم يحرز الإنسان الحقيقة في هذه الحياة الدنيا فإنه سوف يفهمها عندما يدركه الموت الذي لا مهرب منه ?وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد (ق:19-20) • عدم التفكر بسبب الانجراف في تيار الحياة اليومية غالبية الناس يقضون حياتهم كلها في" عجلة"، فعندما يصلون الى سن معينة يتوجب عليهم العمل والاعتناء بأنفسهم وبأسرهم. ويسمون ما يفعلونه"كفاحاً من أجل الحياة" ويشكون من عدم وجود وقت لديهم ليفعلوا أي شيء إذ عليهم أن يندفعوا في سبيل كفاحهم هذا. وفي غمرة "ضيق الوقت" يصبح التفكر من الأشياء التي لا يمكنهم تخصيص أي وقت لها. ولذلك فإنهم ينجرفون الى أي مكان يسحبهم اليه تيار الحياة اليومية. وبطريقة العيش هذه يفقدون الاحسلس بالأمور التي تجري حولهم. وعلى كل حال لا يجب أن يكون هدف الانسن تبديد الوقت بالاستعجال من مكان الى آخر. فالمهم أن يكون الاناسن قادراً على رؤية الوجه الحقيقي لهذه الحياة واتخاذ أسلوب للعيش وفقه. ولا يجب أن تقتصر غايات الانسان على كسب المال، أو الذهاب الى العمل أو الدراسة في الجامعة أو شراء منزل.. فقد يحتاج الانسن باتأكيد الى القيام بهذه الأشياء، ولكن عليه عند القبام بها أن يضع نصب عينيه دائماً أن هدف وجوده هو أن يكون عبداً لله وأن يسعى لاكتساب مرضاته ورحمته ودخول جنته، وباقي الأعمال تنفع كوسائل تعين الانسان على الوصول الى غايته الحقيقية. أما اتخاذ هذه الوسائل كغايات حقيقية وأهداف محددة فإنه خداع كبير يضل به الشيطان الانسان. ومن يعيش دون أن يتفكر قد يجعل من هذه الوسئل غايته الحقيقية بكل سهولة. ويمكننا أن نضرب مثالاً على ذلك من حياتنا اليومية. فمما لا شك فيه أنه من الحسن أن يعمل وينتج أشياء ذات منفعة لمجتمعه. والمؤمن بالله ينجز مثل هذه الأعمال بحماس ويرجو الثواب من الله تعالى في الحياة بعد الموت. أما إذا قام إنسان بنفس العمل دون أن يذكر الله ولأساب دنيوية فقط مثل السعي وراءالمنصب أو تقدير الناس فإنه يرتكب خطأً، لأنه حوّل أمراً ما من وسيلة لكسب مرضاة الله الى غاية. وسوف يندم على فعلته عندما يواجه الحقائق في الآخرة. وفي الآية التالية يشير الله سبحانه وتعالى الى أولئك الذين ينغمسون في هذه التصرفات في الحياة الدنيا بما يلي:?كالذين كانوا من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذي من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون (التوبة:69) • النظر الى كل شيء بعين العادة وبالتالي عدم رؤية أية حاجة للتفكر فيها عندما يصادف الناس أموراً معينة للمرة الأولى قد يفهمون طبيعتها الاستثنائية مما قد يحفزهم على التحري أكثر عما يرونه. ويعد فترة تنشأ لديهم مقاومة اعتيادية لهذه الأشياء فلا تعود تؤثر بهم. وبالتحديد فإن الأشياء والأحداث التي يلاقونها كل يوم تصبح عادية بالنسبة لهم. فعلى سبيل المثال قد يتأثر من يدرس الطب تأثراً بالغاً عندما يرى جثة للمرة الأولى أو في المرة الأولى التي يموت فيها أحد مرضاه. مما يجعلهم يتأملون ملياً. ويمكن ان يكون السبب أنهم يواجهون انساناً بلا حياة أشبه بالبضاعة، كان منذ دقائق مليئاً بالحياة يضحك ويخطط ويتكلم ويستمتع وتلمع عيناه بالحياة.. وعندما توضع الجثة أمامهم للتشريح للمرة الأولى فإنهم يتفكرون في كل شيء في هذه الجثة, يتفكرون بأن الجسد يفنى بسرعة كبيرة, وأنه تفوح منه رائحة نتنة، والشعر الذي كان جميلاً فيهما مضى يصبح غير جميل ولا يود أحد لمسه.. وبعد ذلك يتفكرون في أن مكونات كل الأجسام هي نفسها وكل واحد منا سيلاقي نفس النهاية, وأنهم هم أيضاً سينتهون الى هذا الشكل. ولكن بعد رؤية بضع جثث أو فقدان بضعة مرضى ينشأ لدى هؤلاء الناس مقاومة اعتيادية لأشياء محددة فيبدأون بالتعامل مع الجثث وحتى المرض وكأنهم أشياء. وبالتأكيد هذا الوضع لا يصدق على الأطباء وحدهم, فغالبية الناس ينطبق عليها هذا الوضع في مناحي مختلفة من حياتهم. فمثلاً ينعم الله على انسان يعيش في ظروف صعبة برغد العيش فإنه يفهم ان كل ما يمتلكه رحمة له. فسريره أصبح أكثر، ولبيته منظر جميل, ويمكنه ان يشتري ما يريد ويمكنه أن يدفئ منزله في الشتاء كما يرغب، وبإمكانه التنقل بسهولة بسيارة.. وغيرها من النعم كلها التي قسمت لهذا الانسان، وبالنظر بوضعه السابق فإنه يبتهج بكل واحدة منها، ولكن من يمتلك هذه الأشياء منذ نعومة أظافره قد لا يتفكر في قيمتها كثيراً.ولا يمكنه تقدير هذه النعم إلا إذا أعاد التفكر فيها. ومن الناحية المقابلة فالإنسان الذي يتفكر لا فرق عنده إذا سواء كان امتلاكه لهذه النعم منذ ولادته أو أنه أحرزها فيما بعد. فهو لا ينظر إلى ممتلكاته بطريقة اعتيادية إذ انه يعلم ان أي شيء يملكه قد خلقه الله وأن الله قادر على استرجاعه منه لو شاء. فمثلاً يدعو المؤمنون بالدعاء التالي عندما يركبون دوابهم, وهي السيارات في أيامنا هذه:? لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنّا الى ربنا لمنقلبون (الزخرف:13 ) وفي أية أخرى، يتعلم المؤمنون أن يقولوا إذا ما دخلوا حدائقهم: ما شاء الله لا قوة إلا بالله (الكهف: 31) وكلما دخلوها يتذكرون ان الله خلقها وهو يمدها بأسباب الحياة. أما بالنسبة للإنسان الذي لا يتفكر قد يتأثر عندما يرى جمال الحدائق ولكنها فيما بعد تصبح مكاناً عادياً بالنسبة له, ويتلاشى تقديره لجمالها.كما ان بعض الناس لا يلاحظون النعم أبداً لأنهم لا يتفكرون فيها، فهم يعتبرونها أموراً عادية من المفروض وجودها، ولذلك فإنهم لا يستطيعون استشفاف المتعة من جمالها.
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() من الضرورة أن يزيل الانسان كل الأسباب التي تمنعه من التفكر تلك الأشياء التي يجب أن نتفكّر فيها من بداية هذه القراءة ، أشرنا الى أهمية التفكر، والمنافع التي يجلبها للإنسان، والى كونه ملكةً مهمة جداً تميّز الانسان عن غيره من المخلوقات. كما ذكرنا أيضاً الأسباب التي تمنع الناس من التفكر. والهدف الرئيسي من ذلك كله تشجيع الناس على التفكر ومساعدتهم على إدراك الغاية من خلقهم وتعظيم قدرة الله وعلمه اللا محدودين. في الصفحات التي تلي سوف نحاول ان نصوّر بماذا يمكن للإنسان المؤمن بالله أن يتفكر من خلال ما يمر به من أشياء يومياً، وما هي العبر التي يمكن أن يستخلصها من الأحداث التي يشهدها، وكيف يجب عليه أن يشكر الله ويتقرب اليه عندما يعاين علمه وإبداعه -سبحانه وتعالى- في كل شيء. بطبيعة الحال ما سنذكره هنا لا يغطي الا قسماً صغيراً من قدرة الإنسان على التفكر، فالإنسان عنده القابلية للتفكر في كل لحظة (ليس في كل ساعة ولا دقيقة ولا ثانية، بل في كل لحظة) من حياته. ومدى قدرته على التفكر واسع لدرجة يستحيل معها وضع حدود أو ضوابط له. والهدف مما سنذكره هو مجرد فتح الأبواب أمام الناس للاستفادة من ملكة التفكيرعندهم كما يجب. يجب أن تتولد في الذهن القناعة بأن الأشخاص الذين يتفكرون هم وحدهم القادرون على فهم وتقدير مختلف الأمور. وقد ذكر الله في الآيات الكريمة التالية حال أولئك الذين لا يبصرون الأمور الاعجازية من حولهم فلا يستطيعون التفكر فيها، فقال تعالى:?ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، صمُّ بكمُ عميُ فهم لا يعقلون?(البقرة: 171)... (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون? )الأعراف:179 [?أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً الفرقان:44 ان الذين يتفكرون يرون آيات الله والجوانب الإعجازية في المخلوقات وفي الأحداث، فيفهمون، وأمثالهم هم القادرون على استخلاص العبر من كل شيء حولهم، كبيراً كان أم صغيراً. • عندما يستيقظ الإنسان في الصباح... لا يحتاج المرء الى شروط خاصة للبدء بالتفكر، فمن اللحظة التي نستيقظ فيها من النوم، تجد الكثير من الأفكار طريقها الينا، فهناك يوم كامل يمتد أمامنا، قلما نشعر خلاله بالتعب أو النعاس، ونكون على استعداد لمعاودة كل الأمور مرة أخرى. والتفكر بهذا يذكرنا بقوله تعالى:? وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهارنشوراً.الفرقان:47 عندما نغسل وجوهنا أو نستحم نستجمع قوانا ونستعيد رشدنا بشكل كامل، وعندها نصبح على استعداد للتفكر في أشياء مفيدة، فهناك شؤون التفكر فيها أهم بكثير من التفكير ماذا سنتناول كفطور، أو في أي ساعة سنغادر المنزل! فقبل كل شيء كوننا استطعنا أن نستيقظ في الصباح معجزة عظيمة في حد ذاتها، فرغم كوننا فاقدي الوعي كلياً خلال النوم فإننا في الصباح نستعيد وعينا ووجودنا، وتخفق قلوبنا، ونتمكن من التنفس، والكلام والرؤية والمشي.. مع أنه ليس هناك ما يضمن أن هذه النعم ستعود الينا في الصباح، أو اننا لن تصيبنا أي مصيبة خلال الليل. فلربما أدّى شرود أحد الجيران الى تسرب غازي، فيوقظنا حدوث انفجار كبير، أو قد تحدث كارثة في المنطقة التي نعيش فيها نخسر على إثرها أرواحنا..وقد نتعرض لمشاكل أخرى في أجسامنا، فقد نستيقظ مصابين بآلام مبرحة في الكلى، أو الرأس ، ومع ذلك، لم يحدث شيء من هذا واستيقظنا في الصباح آمنين مطمئنين.. التفكر بهذه الأمور يجعلنا نشكر الله على رحمته بنا وحفظه لنا. فاستهلال النهار بصحة جيدة معناه أن الله يعطينا فرصة أخرى لتحقيق المزيد من أجل آخرتنا. لذلك، فإن أفضل ما نفعله أن نمضي يومنا في مرضاته سبحانه وتعالى، ونجعلها قبل كل شيء، فنخطط لإبقاء أذهاننا مشغولة بمثل ما ذكرناه من أفكار. ونقطة البداية في تحصيل مرضاة الله، سؤله أن يعيننا في أمرنا هذا، ودعاء سيدنا سليمان عليه السلام مثال جيد لكل المؤمنين:?ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين .النمل:19. • بماذا يجعلنا ضعفنا نتفكر....؟ ملاحظة مدى ضعفنا عندما نستيقظ من الفراش يدفعنا الى البدء بالتفكر، وعندما نستحم أو نغسل وجوهنا وننظف أسناننا كل صباح نستغرق في التفكير بأشياء أخرى تدل على ضعفنا، فالطبقة الجلدية في جسمنا تخفي تحتها مشهداً رهيباً، وأجسادنا عرضة للالتهابات بأنواعها، ولا أحد منا يستطيع احتمال عدم النوم أو الصبر على الجوع والعطش، وهذه كلها من دلائل ضعفنا. وإذا كان من ينظر في المرآة مسناً، فقد تخطر على باله أفكار أخرى، فأولى علامات الشيخوخة تظهر في الوجه بعد العقد الثاني من العمر، إذ في الثلاثينيات تبدأ التجاعيد بالظهور تحت العينين وحول الفم ولا يعود الجلد متورداً، ومع تقدم العمر يبدأ الجسم بالذبول، ويتحول لون الشعر الى الأبيض وتظهر الشيخوخة حتى على اليدين. عندما نتفكر في هذه الأمور نجد أن الشيخوخة من أهم الوقائع التي تكشف الطبيعة المؤقتة لهذه الحياة الدنيا. فمن يشيخ يشعر بأن العد العكسي لحياته قد بدأ، وفي الحقيقة فإن ما يشيخ وما يجري عليه العد العكسي هو الجسد ، الذي يذبل شيئاً فشيئاً ، أما الروح فلا تشيخ. ومعظم الناس يتأثر في شبابه بكونه حسن الهيئة أو غير جذاب، فيجنح أصحاب الهيئة الحسنة الى التعجرف، أما من هم أقل منهم حظاً في الجمال، فيشعرون بعقدة النقص وعدم السعادة، فتأتي الشيخوخة لتظهر أن الجمال والقبح أمران مؤقتان، وأن ما ينفع عند الله وما يقبل عنده أعمال الانسان الصالحة والتزامه بأوامر الله وحسن خلقه. في كل مرة نواجه فيها ضعفنا ندرك أن الكمال والتنزه عن النقص هما لله وحده، مما يدفعنا الى تمجيد عظمة الله. فالله تعالى خلق كل ضعف في الانسان لهدف، ومن هذه الأهداف مساعدة الناس على عدم التعلق بالحياة الدنيا، وعدم البغي فيما أوتوا. ومن أدرك هذا عبر التفكر فإنه سيدعو الله أن يعيد خلقه في الآخرة خالياً من الضعف. شيء آخر يلفت النظر في أمر ضعفنا ندعو أولئك الناس المغرورين والمتعجرفين الى تدبّره والاعتبار منه: انظروا الى الوردة تنبت من تراب أسود موحل، بشذى صافٍ نظيف، فيما تفوح من البشر رائحة لا تحتمل إذا لم نعتن بنظافتنا كما يجب!.. • بماذا تجعلنا بعض معالم جسم الإنسان نتفكّر..؟ ولا يقتصر التفكّر عند النظر في الملرآة على ما ذكرناه، فقد تخطر على بالنا أشياء كثيرة لم نتفكر فيها من قبل، مثل رموش عيوننا وحواجبنا، وكيف أن أسناننا وعظامنا تتوقف عن النمو عندما تصل إلى طول معين فيما يستمر الشعر بالنمو. وبكلمات أخرى كيف أن أعضاء الجسم التي يسبب نموها الزائد مساوئ وقبحا ًتتوقف عن النمو، وتستمر الأخرى التي تضفي على الإنسان جمالاً - كالشعر مثلاً- بالنمو، هذا مع ملاحظة التكامل والتناسق التام في نمو العظام. فلا تنمو الأطراف العليا من الأيدي والأرجل بدون فائدة جاعلة الجسم يبدو دون الحجم بالنسبة لها.. فنمو العظام يتوقف في الوقت المناسب، كما لو أن كل عظمة تعرف المقدار الذي يجب أن تصل إليه. صحيح أن الأمور التي ذكرناها تحدث كنتيجة لتفاعلات كيميائية معينة في الجسم، ولكن الإنسان الذي ينظر اليهل لا بد أن يتساءل: كيف تحدث هذه التفاعلات الكيميائية، ومن الذي قدر الكميات المحددة للهرمونات في أنزيمات الجسم، لتنظم النمو في جميع أنحائه؟ ومن يضبط كمية إفرازات هذه الهرمونات؟ بدون شك من المستحيل الادعاء أن هذه الأشياء تحدث بمحض الصدفة، ومن المستحيل أيضاً للخلايا التي يتأسس منها جسم الإنسان والذرات غير العاقلة التي تتألف منها الخلايا أن تتخذ مثل هذه القرارات ، لذلك فإن من الواضح أن كل ما ذكرناه هو من إبداع الله تعالى الذي خلقنا في أحسن تقويم. •في الطريق مباشرة بعد الاستيقاظ من النوم صباحاً والاستعداد يمضي معظم الناس في شؤونهم فمنهم من يتوجه إلى عمله ومنهم من يذهب إلى المدرسة، ومنهم من يمضي لتسوية بعض الأمور في مكان ما في هذا العالم الرحب. بالنسبة للمؤمن هذه الرحلة القصيرة هي نقطة البداية للقيام بالأعمال الصالحة التي ترضي الله سبحانه وتعالى. فعندما نستيقظ نشكر المولى تعالى الذي وهبنا يوماً آخر نكسب فيه من رزقه، والآن وقد مضينا في أمرنا، فقد بدأت الرحلة التي يمكن أن نكسب من خلالها هذا الرزق وعندما نتفكر في هذا الأمر لا بد أن نذكر قوله تعالى ?وجعلنا النهار معاشا 0النبأ:11) ووفقاً لهذه الآية يجب علينا أن نخطط كيف سنمضي يومنا في أعمال ذات نفع للعباد ترضي الله سبحانه وتعالى. وعندما نترك المنزل نمر بشكل تلقائي بالكثير من الأمور التي يجب أن نتفكر فيها، فهناك الآلآف من الناس والسيارات والأشجار الكبيرة والصغيرة، والتفاصيل التي لا تعد ولا تحصى من حولنا، وبالطبع فإن توجهات المؤمن محددة، فسوف نحاول الاستفادة لأقصى الحدود مما نراه حولنا ونتفكر في الأحداث والأسباب. فما يمر بنا من مشاهد إنما يمر بعلم الله وإرادته، ولا بد أن يكون هناك سبب من وراء ذلك فبما أن الله جعلنا نخرج، ووضع هذه المشاهد أمامنا، فلا بد أن فيها ما يجب أن نراه ونتدبره. وحين نصل إلى سيارتنا أو أي وسيلة نقل أخرى. وفي خلدنا كل هذه الأفكار. نشكر الله مرة أخرى، إذ مهما كانت المسافات طويلة فقد سخر لنا الله وسيلة للوصول، وكما هو معلوم، فقد خلق الله للناس الكثير من الوسائل ليستعينوا بها في السفر. وقدّم التطور التكنلوجي إمكانيات جديدة مثل السيارات والقطارات والطائرات والسفن والمروحيات والحافلات وغيرها. وعند يتدبّر هذا الأمر يتذكر الإنسان أن الله تعالى هو الذي سخّر التكنولوجيا في خدمة البشرية. ففي كل يوم يخرج العلماء باكتشافات واختراعات جديدة تسهل علينا حياتنا، وهميصلون اليها جميعاً بالوسائل التي خلقها الله على الأرض. ومن يتفكر، يتابع رحلته شاكراً المولى تعلى الذي سخر لخدمتنا كل هذه الأمور. وفيما نمضي في وجهتنا حاملين مثل هذه الأفكار فإن كومة نفايات، أو رائحة كريهة أو أماكن معتمة نمر بها تثير في أذهاننا أفكاراً متعددة. فقد خلق الله في هذا العالم أماكن ومشاهد تجعلنا قادرين على تصور الجنة والنار، أو التخمين من خلال المقارنة كيف ستكونان. فأكوام النفايات والروائح الكريهة والأماكن الضيقة المعتمة القذرة تسبب كرباً كبيراً لأرواحنا ! ولا أحد يود أن يكون في مثل هذه الأماكن، وكل هذه الخصائص تذكر الإنسان بجهنم، وكل من يلتقي بهذه المشاهد يتذكر الآيات التي تتحدث عن النار: فالله سبحانه وتعالى يصف لنا ظلمة وقذارة وكراهة المشاهد في جهنم. { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال. في سموم وحميم. وظل من يحموم. لا بارد ولا كريم } (الواقعة:41-44) { وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبورا. لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيرا }(الفرقان:13-14) وعند تذكر هذه الآيات القرآنية ندعو الله أن يجيرنا من نار جهنم ونسأله أن يغفر لنا ذنوبنا. ومن زاوية أخرى فإن الإنسان الذي لا يوظف أفكاره بهذه الطريقة سوف يمضي نهاره متذمراً قلقاً، باحثاً عمّا يغضب في كل حدث، فيستشيط غاضباً من الناس الذين يلقون نفاياتهم ومن البلدية التي تتاخر في جمعها، ويشغل ذهنه طوال النهار بأفكار غير مجدية لا تنفعه في آخرته، مثل زحمة السير الناجمة عن الحفر في الطرقات، وكيف أصابه البلل نتيجة توقعات خاطئة لخبراء الأرصاد الجوية، وكيف حصل علاوة على ذلك على توبيخ غير منصف من رب العمل. وهذه الأفكار التافهة لا تنفع في الآخرة، وقد يتوقف الإنسان عن التفكير فيما إذا كان عليه ان يتخلى عن مثل هذه الأفكار المتعددة، والغريب ان الكثير من الناس يدّعون أن السبب الحقيقي الذي يشغلهم عن التفكر هو الكفاح الذي عليهم أن يخوضوه في هذا العالم، فيتعللون بالمشاكل الصحية وتأمين ضروريات الحياة والطعام وغيرها.. وهذه ليست سوى أعذار، فمسؤوليات المرء وأوضاعه لا علاقة لها بالتفكير فمن يحاول أن يفكر لينال رضى الله سوف يجد أن الله في عونه، وسوف يرى الأمور التي كانت بالنسبة له مشاكل قد حلت واحدة واحدة وفي كل يوم يمر سوف يكون قادر على تخصيص المزيد من الوقت للتفكر وهذا أمر مفهوم ومجرب فقط من قبل المؤمنين. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() • بماذا يجعلنا هذا العالم المتعدد الألوان نتفكر..؟ |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() • خلال قراءة الجريدة أو مشاهدة التلفاز.. بعض الحقائق التي يصل إليها الإنسان عبر التفكر العميق هل تفكرت يوماً في كون كل شيء مسخّر للإنسان وحده..؟عندما يبحث المؤمن في كل ما في الكون من أنظمة وكل ما فيه من كائنات حيّة وجماد بعينٍ يقظة، يرى أنها كلها مسخّرة للإنسان، ويفهم أنه ليس في الوجود شيء جاء بمحض الصدفة، بل خلق الله كل شيء بإتقان لخدمة الإنسان. فمثلاً يتنفس الإنسان كل الوقت دون بذل جهد، فالهواء الذي يستنشقه لا يحرق مجرى تنفسه ولا يصيبه الدوار ولا يسبب له أوجاعاً في الرأس، فنسب الغازات في الهواء ملائمة لجسم الإنسان. ومن يتفكر في هذه الأمور يتذكر نقطة أخرى هامة جداً، فلو كان تركز الأوكسيجين في الهواء أكثر قليلاً أو أقل قليلاً فما هو عليه لاختفت الحياة في الحالتين. فيتذكر عندها الأوقات العصيبة التي قضاها في الأماكن الخالية من الهواء الطلق. وفيما يتابع المؤمن التفكر في هذا الموضوع فإنه يشكر الله باستمرار لأنه يدرك بأن الغلاف الجوي للأرض كان يمكن ان يتألف مما تألفت به الغلافات الجوية لباقي الكواكب، ولكن الأمر ليس كذلك فالغلاف الجوي للأرض مخلوق بتوازن كامل وبترتيب يسمح للبلايين من الناس التنفس دون جهد. ومن يستمر في التفكر في الكوكب الذي يعيش فيه، يفكر كم أن الماء الذي خلقه الله مهم لحياة الإنسان فيرد على ذهنه كون الناس بشكل عام يفهمون أهمية الماء فقط عندما يحرمون منه لفترة طويلة. فالماء مادة نحتاجها في كل لحظة من حياتنا. فعلى سبيل المثال، هناك كمية معتبرة من خلايا جسمنا ومن الدم الذي يصل إلى جميع أنحاء الجسم مكونة من الماء. ولو لم تكن كذلك فإن سيلان الدم سوف يقل ويصبح جريانه في العروق صعباً جداً. وسيلان الماء مهم ليس لأجسامنا فقط ولكن للنباتات أيضاً، حيث ان الماء يصل إلى أبعد أطراف اوراق الاشجار عبر المرور بأوعيتها الشبيهة بالخيوط. كما ان كمية المياه الكبيرة في البحار هي التي تجعل أرضنا مأهولة. فلو أن نسبة البحار إلى اليابسة في الأرض كانت أصغر لتحولت اليابسة الى صحارى ولاستحالت الحياة. والإنسان الحيّ الضمير الذي يتفكر في هذه الأمور مقتنع كلياً بأن إيجاد هذا التوازن الكامل على الأرض بالتأكيد ليس صدفة. وملاحظة كل هذا والتفكر فيه يظهر ان الله العظيم ومالك القدرة الأبدية خلق كل شيء لهدف. بالاضافة إلى ذلك يتذكر هذا الإنسان ان هذه الأمثلة التي يتفكّر فيها هي غيض من فيض، وفعلاً من المستحيل إحصاء الأمثلة فيما يتعلّق بالتوازن الدقيق على الأرض، ومع ذلك فإن الإنسان الذي يتفكر يستطيع ملاحظة النظام والكمال والتوازن المنتشرفي كل زاوية من زوايا الكون وبالتالي يمكنه الوصول إلى خلاصة مفادها ان الله سخّر كل شيء للإنسان. ويذكر الله تعالى هذه الحقائق في القرآن الكريم بقوله:?وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون الجاثية:13 • بماذا يجعلنا الخلود نتفكّر؟ كل منا مطّلع على مفهم الخلود، ولكن هل تفكّرتم فيه يوماً.؟ الخلود من أهم الموضوعات التي يتفكر فيها من يؤمن بالله. فخلق الله للحياة الأبدية في الجنة والنار موضوع مهم يحتاج كل واحد منا أن يتفكر فيه، ومن يفعل ذلك تدور في خلده الأمور التالية: الطبيعة الأبدية للجنة من أعظم النعم والمكافآت التي تمنح في الحياة بعد الموت، فإذا كان من الممكن أن يعيش الانسان في هذه الحياة الدنيا مائة عام، فإن الحياة الرائعة في الجنة لا تنتهي أبداً، فهي غير محدودة بزمن، فبالمقارنة مع بلايين يلايين العصور تبدو هذه البلايين قصيرة بالنسبة لها. من يتذكر هذه الأمور يلاحظ أنه من الصعوبة بمكان أن يحيط الانسان بماهية الخلود، ويمكن لهذا المثال ان يوضح الموضوع: إذا كان هناك بلايين بلايين الناس استمروا في التوالد على مدى بلايين بلايين العصور بنفس الوتيرة ليلاً نهاراً وإذا عاش كل واحد منهم بلايين بلايين السنوات الى منتهاها فإن الرقم الذي سيصلون اليه بمجموعه يبقى صفراً بالنسبة الى الرقم الذي سيعيشونه في الحياة الأبدية. ومن يتفكر بهذا يصل الى النتائج التالية: إن الله عنده علم عظيم، فما هو أبدي بالنسبة للإنسان قد انتهى بالنسبة اليه، وكل الأحداث التي وقعت من اللحظة الأولى لبداية الزمان الى نهايته، بكل أشكالها وأزمنتها، فإنها قد حدثت وانتهت بعلم الله تعالى. وبنفس الطريقة يجب أن يفكر المرء بأن جهنم هي المكان الذي سيخلد فيه الكافرون الى الأبد، وفيها أنواع العذاب المختلفة والكربات، حيث سيكون الكافرون عرضة لعذاب جسدي وروحي لا ينقطع ولا يتوقف ولا يعطى المعذّب أي وقت لينام أو يرتاح. ولو كان هناك نهاية للحياة في جهنم لكان هناك أمل لأصحاب النار حتى لو كانت هذه الراحة بعد بلايين بلايين السنين، ولكنهم يجزون بالعذاب الأبدي على شركهم بالله وكفرهم.?والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون الأعراف:36 من المهم جداً أن يحاول كل فرد فهم موضوع الخلود من خلال التفكر فيه، فإن هذا يزيد من سعيه الى الآخرة ويعزز فيه الخوف والرجاء معاً، ففيما يخلف من العذاب الأبدي فإنه يتعلق بالرجاء بدخول الجنة والنعيم المقيم. • بماذا تجعلنا الأحلام نتفكّر..؟ الإنسان الذي يتفكر يرى غايات مهمة كامنة وراء وجود الأحلام. فهو يتفكر كم تبدو الأحلام التي يراها خلال نومه واقعية، حيث لا تختلف من هذه الناحية عن لحظات اليقظة. فعلى الرغم من أن الجسم يكون في حالة استلقاء على السرير، فإن الانسان يمضي في منامه في رحلات عمل، ويلتقي أشخاصاً لم يلتق بهم من قبل، ويتناول طعام الغداء وهو يستمع الى الموسيقى، ويستمتع بنكهة طعامه، ويرقص على وقع الموسيقى، ويتحمس لما يقع من أحداث، ويفرح، ويحزن، ويخاف، ويتعب.. وقد يقود مركبة آلية لم يقدها من قبل، ودون أن يتقن فن القيادة أصلاً! ومع أن جسده كان مستلقياً بلا حراك، وعيناه مغمضتان فإنه رأى صوراً متعددة في الأماكن التي رآها في منامه، ومع أن الغرفة كانت خالية فإنه سمع أصواتاً، مما يعني أن الذي أبصر لم تكونا العينين، وأن الذي سمع لم تكونا الأذنين، فكل شيء حدث في ذهنه، ومع ذلك كان كل شيء يبدو واقعياً وكأن كل هذه الانطباعات الذهنية لها شكل أصيل. اذن ما الذي يشكل مثل هذه الصور التي لا اصل لها في العالم الخارجي، فالانسان لا يستطيع أن يشكّلها خلال نومه عن وعي وقصد، ولا دماغه يستطيع أن يولّد هذه الصور من تلقاء نفسه، فالدماغ عبارة عن كتلة من اللحم مكوّنة من جزئيات بروتينية، ومن غير المنطقي أبداً الادعاء بأن هذه المادة تستطيع تشكيل الصور بنفسها، أو تشكيل وجوه بشرية وأماكن وأصوات لم ترها أو تسمعها من قبل. فمن إذن يرينا هذه الصور في أحلامنا خلال فترة النوم؟ من يمعن التفكر في هذه الأسئلة سوف يرى الحقيقة الواضحة، وهي أن الله تعالى هو الذي يجعل الناس ينامون فيتوفى أنفسهم عندها، ثم يعيدها اليهم عندما يستيقظون، ويريهم الأحلام خلال نومهم. ومن يعلم أن الله هو الذي يرينا الأحلام، فإنه يتفكر أيضاً بالغايات والأسباب الكامنة وراء خلقها، ففي أحلامه يكون الانسان واثقاً من الناس وما يمر به من أحداث وكأنه في حالة اليقظة، ولو أن أحدهم قال لنا:"إنكم تحلمون الآن، استيقظوا.." لما صدّقناه! ومن يدرك كل ذلك سوف يتساءل: من يستطيع الادّعاء أن هذه الحياة ليست فانية، وأنها ليست شبيهة بالحلم، وأنه كما نستيقظ من أحلامنا الآن، فإننا يوماً ما سنستيقظ من هذه الحياة لنرى مشاهد مختلفة تماماً.. هي مشاهد الآخرة. التفكر في آيات القرآن الكريم القرآن الكريم آخر كتاب أنزله الله على عباده، وكل إنسان يعيش فوق هذه البسيطة ملزم بتعلّم القرآن وتنفيذ الأوامر المنزلة فيه. ومع أن معظم الناس يقرّون بأنه كتاب مقدس فإنهم لا يتدبّرون آياته، ولا يتفقّهون في ما نزل فيه، ولا يطبقون ما أمرهم الله به من خلاله ، فهم يكتفون بمعرفة القرآن من خلال المعلومات التي يحصّلونها من هنا وهناك، في حين أن أهمية تفكر الانسان في القرآن ومكانته أمر عظيم.فقبل كل شيء، من يتدبر القرآن سيرغب في معرفة خالقه وخالق هذا الكون الذي يعيش فيه، من أعطاه الحياة عندما كان عدماً، وأنعم عليه بنعم وأمور جميلة لا تعدّ ولا تحصى، ليسلك السبيل الذي يرضيه سبحانه وتعالى. والقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلّم هو خير مرشد الى هذا السبيل. من أجل ذلك يحتاج الانسان الى معرفة الكتاب الذي أرسله الله والتفكر في كل آية من آياته حتى يميز الخبيث من الطيّب، وينفذ أوامر الله كما يحب سبحانه ويرضى. ويذكر الله تبارك وتعالى الغاية من إنزال القرآن فيقول: { كتاب أنزلناه اليك كبارك ليدّبّروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب } ص:29 { كلا إنه تذكرة. فمن شاء ذكره. وما يذكرون إلا أن يشاء الله، هو أهل التقوى وأهل المغفرة} المدثّر54-56 كثير من الناس يقرأون القرآن ولكنهم يغفلون عن أهم هدف من وراء القراءة، وهو تدبر كل آية، واستخلاص العبر والدروس منها، وتطويع سلوكنا وفقاً لما استخلصناه.. فمن يقرأ -مثلاً- قوله تعالى:?فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً الشرح:5-6 ويتدبر معناه سوف يفهم ان الله جعل لكل عسرٍ يسرأً، ولذلك فإنه لو مر بعسر فما عليه إلا أن يثق بأن الله سوف يجعل معه يسراً. وإذا كان هذا وعد من الله لنا فحريّ بنا أن ندرك أن اليأس والامتلاء بالهلع في اللحظات الصعبة إنما هو دليل على ضعفٍ في إيماننا، ولذلك يجب علينا بعد قراءة هاتين الآيتين وتدبّر معناهما، أن نكيّف تصرفاتنا بمقتضاهما طوال حياتنا. وفي القرآن أيضاً يذكر الله قصصاً من حياة الرسل والأنبياء الذين عاشوا في الماضي، ليدرك الناس كيف كانت حياة وتصرفات وحديث من رضي الله عنهم، فيتخذهم قدوة. ويأمرنا الله تعالى أن نتفكّر في قصص هؤلاء الأنبياء ونستخلص منها العبر فيقول: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب... يوسف:111 وفي موسى إذ أرسلناه الى فرعون بسلطان مبين الذاريات:38 فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين العنكبوت:15 (النبي المشار اليه في هذه الآية هو نوح عليه السلام.) كما أن في القرآن ذكر للأمم الغابرة، وأحوالهم والكوارث التي أنزلوها على أنفسهم. ومن الخطأ الجسيم قراءة الآيات المتعلقة بما حدث لهم من باب السرد التاريخي البحت، لأن الله تعالى أنزل هذه الآيات -كما غيرها- لنتدبّرها ونصلح أنفسنا من خلال الاتعاظ بما حل بهذه الأمم. ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكر القمر:51 وحملناه على ذات ألواح ودسر. تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر. ولقد تركناها آية فهل من مدّكر. فكيف كان عذابي ونذر. ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر القمر:13-17 لقد أنزل الله القرآن هادياً للبشر، ولذلك فإن التفكر في آياته، والعيش بمقتضى ما في كل آية من دروس وتحذيرات هو السبيل الوحيد الى رحمة الله وقبوله لنا ودخول جنته. إلام يدعو الله الناس للتفكر فيه من خلال القرآن الكريم..؟ وأنزلنا اليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل اليهم ولعلّهم يتفكّرون النحل:44 في هذه الآية الكريمة -كما في غيرها من الآيات- يدعو الله الناس الى التفكر. فالتفكر والتدبر، وإدراك الغايات الخفية، والإعجاز في خلق الله، عبادة بحد ذاتها. فكل موضوع نتفكر فيه يعيننا أكثر على فهم وتعظيم قدرة الله وعلمه وإبداعه، وغيرها من صفاته سبحانه وتعالى. • الله يدعو الإنسان الى التفكّر في خلقه ويقول الإنسان أءذا متّ لسوف أخرج حيّا. أولا يذكر الإنسان أنّا خلقناه من قبل ولم يك شيئا مريم:66-67 • ويدعو الناس الى التفكر في خلق الكون.. إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآياتٍ لقوم يعقلون البقرة:164. • ويدعوهم الى التفكر بالطبيعة الفانية لهذه الحياة الدنيا إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فأختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس وكذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون يونس:24. أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون البقرة:266. • والى التفكر في ما هم فيه من نعم ورحمات {وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } الرعد:3و4. • ويدعو الانسان للتفكّر في أن هذا الكون كله مسخّر له وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون الجاثية:13. ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذّكّرون. وهو الذي سخر البحر لتأكلو منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون. وعلامات وبالنجم هم يهتدون أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تتذكرون النحل:11-17. • ويدعو الناس الى التفكر في أنفسهم أولم يتفكروا في أنفسهم...الروم:8. • ويدعوهم الى التفكر بالقيم والأعمال الصالحة { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلكم تذكرون } الأنعام:152. {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } النحل:90. {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون } النور:27. • والله يدعو الناس الى التفكر في الآخرة، والساعة ويوم الحساب. {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوءٍ تود لوأن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد } آل عمران:30. {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولو الأيدي والأبصار. إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } ص:45-46. { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم } محمد:18. • ويدعو الإنسان الى التفكّر في كل ما خلقه من كائنات حية {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون. ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل بك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون }النحل:68-69. • ويدعوه الى التفكر بالعقاب الذي قد ينزل به فجأة {قل أرأيتكم أن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين } الأنعام:40. {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به أنظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون } الأنعام:46. {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتةً أو جهرةً هل يهلك إلا القوم الظالمون } الأنعام:47. {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون } يونس:50. {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكّرون } التوبة:126. { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدىً ورحمة لعلهم يتذكرون } القصص:43. {ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكر } القمر:51. {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكرون } الأعراف:130. • ويدعوه الى التفكر في القرآن {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً }النساء:82. {أفلم يدّبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آبائهم الأولين }المؤمنون:68. {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب }ص:29. {فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } الدخان:58. {كلا إنه تذكرة. فمن شاء ذكره } المدثر:54-55. {وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً فصرّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً } طه:113. • والرسل دعوا قومهم الذين لا يفقهون الى التفكر {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يتوي الأعمى والبصر أفلا تتفكرون } الأنعام:50. {وحاجه قومه قال أتحاجّونّي في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيءٍ علماً أفلا تذكرون } الأنعام:80. • والله يدعو الناس الى مقاومة تأثير الشيطان {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم. إن الذين اتقوا إذا مسهم من طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون }الأعراف:200-202. • ويشجع من أرسل اليهم القرآن على التفكر بعمق {إذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري. إذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى }طه:42-44. • ويدعو الناس الى التفكر في الموت والأحلام {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منانها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الزمر:42. خــلاصة إن تلك القراءة كانت "دعوة إلى التفكر" فالحقيقة يمكن أن تقال للإنسان بطرق عديدة ويمكن إظهارها باستخدام تفاصيل، وجزئيات الأدلة وبكل الوسائل. ولكن إذا لم يتفكر الانسان بنفسه بالحقيقة بكل صدق وإخلاص متوخياً الفهم، فكل هذه الجهود غير مجدية. لهذا السبب عندما بلّغ رسل الله رسالاتهم الى الناس، أخبروهم الحقيقة بوضوح ثم دعوهم الى التفكر فيها.والانسان الذي يتفكر يحيط بأسرار الخلق وبحقيقة هذه الحياة الدنيا وبوجود الجنة والنار وببواطن الأمور، ويحصل على فهم أعمق لأهمية كونه انساناً مرضياً عند الله، فيعيش الدين كما يجب ويتعرف الى صفات الله في كل ما يراه. ثم يبدأ بالتفكير بالطريقة التي تطالب بها اغلبية الناس ولكن كما يأمر الله سبحانه وتعالى. ونتيجة لذلك فإنه يستمتع بالجمال أكثر بكثير مما يستمتع به غيره ولا تسبب له المخاوف التي لا أساس لها أو الأطماع الدنيوية الكرب. وكل هذا نزر يسير من الأشياء الجميلة التي يفوز بها من يتفكر في هذه الحياة الدنيا، أما الفوز العظيم في الآخرة الذي يناله من يصل الى الحقيقة عبر التفكر فهو محبة ورضا ورحمة وجنة ربنا سبحانه وتعالى. ومن ناحية أخرى فقد أزف اليوم الذي سوف يتفكر فيه الذين يتهربون من رؤية الحقيقة عبر التفكر، بل إنهم سيتفكرون ويستغرقون ويرون الحقيقة واضحة كعين الشمس. ومع ذلك فإن تفكرهم في ذلك اليوم لن ينفعهم بل سيجلب لهم الحزن. والله تعالى يذكر في كتابه متى سوف يتفكر مثل هؤلاء الناس:? فإذا جاءت الطامة الكبرى. يوم يتذكر الانسان ما سعى. وبرّزت الجحيم لمن يرى النازعات: 34-36 دعوة الناس الذين يفترضون أنهم يستطيعون التهرب من المسؤوليات من خلال عدم التفكر الى التفكر حتى يستطيعوا أن يدركوا النهاية التي ستحل بهم، هي بالنسبة للمؤمنين فعل عبادة. ولكن كما يقول ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: { فمن شاء ذكره } .المدّثر:55 المصدر كتاب فن التأمل لهارون يحيى
منقوول والسلام عليكم ورحمة الله |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]()
شكرا لك على الوردة مميزة يا اخية ....وبارك الله فيك وفي عقلك
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() أكرمك الله أختي الفاضلة وبارك الله بك وأثابك الجنة وأصلح بك الأمة اللهم أمين |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() بارك الله فيك يا جواهر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]()
وفيك بارك الله وشكرا لك يا اختي نوور الهدى
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() مع اني لم استطع قراءة كل شيئ الا اني اشكرك على المجهود الذي قمت به في ترتيب الموضوع وتقديمه في أحلى حلة |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]()
بارك الله فيك يا اخي كريم ولكن أعاتبك إقرأالموضوع كامل ارجوا ذلك يسعدني أن مجهودي لا يذهب هكذا بل يثمر وينفع شكرا لك
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]() |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
متأملين.., التأمل |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc