قد يبدو عنوان المنشور غريبا، ولكني أردت أن أكتب من يومياتي حيث أني قد كنت مع أحد الأصدقاء الذي عندما شاهد شخصا تبدو عليه ملامح "الريبة" والانحراف بأنه من مدمني الخمر والدليل على ذلك هو احمرار عنقه ! وقد وجدت ذلك غريبا حيث سألته:"وكيف ذلك ؟" فبدأ يسرد قصصا عن أناس يعرفهم بنفس الصفات، فاستغربت.
استغربت من سرعة الحكم على الآخرين، وهل الإنسان حر في حكمه؟ فوجدت أن أغلب المتصفين بهذه الصفة يغلب عليهم الجهل و"التقليدية" في أسلوب الحياة. تجدهم لا يكادون يفقهون فيما يفيدهم ولكنهم من الألباب فيما لا ينفعهم، يحكمون على الناس من المظهر الخارجي، يعطون لأنفسهم حرية الحكم على الآخرين "بالمطلق" وبدلائل تكاد تكون هي نفسها بحاجة إلى دليل. فلا يمكن الحكم على شخص ما بالجرم فقط إذا كان مقيدا بالسلاسل، ولا الحكم على حبيبين بالانسجام لمجرد قبلة واحدة. كما لا يمكن الحكم على سعادة الإنسان بابتسامة عابرة.
فحرية الحكم على الآخرين يحكمها الدليل، بمعنى أن القضاء المستقل عندما يحكم على جرم المذنب يكون بدليل واضح وصريح وليس فقط بالظن أو بالأحكام المسبقة كما يحدث في عالمنا العربي حيث القضاء لا يملك "حرية الحكم" لأن الضغوط والإملاءات تجعل من الحكم واهيا. فالجهل عند من يحكم على الآخرين بمجرد النظرة شبيه بمن يقيد القضاء عن أداء واجبه بحرية.
قد يجادل البعض بالقول أن من يحكم بالنظرة هو أكثر حرية ممن يحكم بالدليل، لأن الثاني "يقيده الدليل" أما الأول فحريته مطلقة! وأقول أن مجال الحرية هو بوجود دليل أي أن الحكم مع عدم توفره –الدليل- يعتبر جهلا وليس حرية، فالجهل يخفي الحقيقة ويوهم الإنسان بغيرها. كالمرج والمستنقع، فالأول يخفي تحته أرضا يابسة والثاني ماء أما الناظر من بعيد فيرى الحشائش فقط.
الكاتب: قاسم محمد (أنا)