الفصل الثاني
الحماية القضائية للطفل ضحية سوء المعاملة.
إن من بين الحقوق الأساسية التي يجب أن تضمن للإنسان عموما، للطفل ضحية سوء المعاملة على وجه الخصوص حق اللجوء إلى القضاء لطلب الدفاع عن نفسه سواء لطلب تحريك المتابعة ضد الجاني لزجره عما اقترفت يداه في حق الطفل أو للمطالبة بإقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الأضرار التي لحقته سواء إثر المساس بكيانه المادي أو المعنوي، لكن هذا الحق لا يمكن أن يتحقق ما لم يقيم الطفل دليلا على ما تعرض له من أفعال سوء المعاملة نظرا لما تثيره هذه الأخيرة من إشكاليات كبرى في الإثبات وهنا تظهر أهمية دور القاضي في تقدير وسائل الإثبات كلها للوصول إلى حقيقة الاعتداءات التي تستهدف الطفل.
وبما أن الأبحاث العلمية التي قام بها علماء الضحية أثبتت بأن هذه الأخيرة تعاني آلاما مريرة جراء الاعتداء عليها، فإن دور القاضي لا يمكن أن يقتصر على زجر الجاني وتعويض الطفل الضحية بل يتعدى ذلك باتخاذ تدابير خاصة لتأهيل الضحية لإخراجها من دوامة الآلام التي تعاني منها.
وإيمانا منا بأهمية دور القضاء في حماية الطفل الضحية سأعمل على تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين:
المبحث الأول: الضمانات القضائية لحماية الطفل الضحية.
المبحث الثاني: حق الطفل ضحية سوء المعاملة في التأهيل والتعويض.
المبحث الأول
دور القضاء في حماية الطفل ضحية سوء المعاملة.
تتجلى الضمانات القضائية التي يقرها المشرع حماية لمصالح الضحية في تمكينه من حقه في اللجوء إلى القضاء لطلب تحريك المتابعة ضد الجاني لينال عقابه وكذا حق إثارة الدعوى المدنية لطلب جبر الأضرار الناجمة عن الجرم (المطلب الأول) ولكي تتمتع الضحية بهذه الضمانات يجب إثبات الجرم الواقع عليها ونسبته إلى المتهم الحقيقي وهو أمر صعب بالنسبة للطفل الضحية، لذلك فإن الأمر يستدعي بذل القاضي المعروضة عليه القضية لجهد كبير عند تقدير القيمة الإثباتية لوسائل الإثبات الممكنة لكي لا تضيع حقوق الطفل أمام القضاء (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الضمانات القضائية لحماية الطفل الضحية.
إن أبسط حق يجب الإقرار به للمجني عليه هو حقه في ملاحقة الجاني قضائيا لينال جزاء الجرم الذي ارتكبه (الفقرة الأولى) وكذا تمكينه من حقه في إثارة الدعوى المدنية التابعة للمطالبة بالتعويض عن الضرر أمام المحاكم الزجرية لما لذلك من أثر في تخفيف عبء المصاريف القضائية عنه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إقامة الدعوى العمومية ضد الجاني:
إن الدعوى العمومية ملك للمجتمع باعتبارها وسيلة لتوقيع الجزاء على مرتكبي الجرائم وقد عهدت نصوص المسطرة الجنائية إلى هيئة أو جهاز بإثارة الدعوى العمومية باسم المجتمع هذا الجهاز هو النيابة العامة إلى جانب ذلك سمح القانون لبعض الأشخاص أو الهيئات بإثارة الدعوى في حدود معينة حيث نصت المادة 2 ق.م.ج. بأنه "يقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة، كما يمكن أن يقيمها الطرف المتضرر طبقا لشروط محددة".
كل ما يهمنا من هذا المقتضى هو حق المتضرر من الجريمة في إقامة الدعوى العمومية في جميع الجرائم التي لحقت به ضررا شخصيا . وعليه فهل يحق للطفل المتضرر من جرائم إساءة المعاملة أن يقيم الدعوى العمومية ضد الجاني؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال تجدر الإشارة بأن حق المجني عليه عموما لا ينصب على الدعوى العمومية مباشرة فيحركها، وإنما ينصب على وسيلة أو وسائل يتيح له القانون استعمالها فيحرك بهذا الاستعمال الدعوى العمومية بالعقاب عن الجريمة التي سببت الضرر .
فطبيعي إذن أنه لا يعتبر كافيا أن تكون لمن يستعمل هذا الحق صفة المجني عليه، بل يلزم أن يتوافر فيه إلى جانب ذلك شرطان هما المصلحة في الادعاء والأهلية، فإذا كان الشرط الأول لا يثير إشكالا باعتباره خاص بكل المجني عليهم، فإن شرط الأهلية يثير إشكالا بالنسبة للطفل، لأنه لازال قاصرا، إذن فما هو مضمون أهلية الإدعاء؟ وهل يحق للطفل الضحية أن يتمتع بهذا الحق؟
تشتمل أهلية الإدعاء التمتع بالحق في التقاضي وأهلية مباشرة هذا الحق، فالحق في التقاضي هو أحد الحقوق التي يتمتع بها الشخص سواء كان معنويا أو طبيعيا شريطة توفره على الأهلية التي تكفل له حق التقاضي، وبما أن الطفل يعتبر غير كامل الأهلية، فلا يمكنه إثارة الدعوى العمومية، ومن تم فإن وليه القانوني هو الذي يمكنه أن يثير الدعوى العمومية عوضا عنه.
وارتباطا بأهلية القاصر في إثارة الدعوى العمومية، فكثيرا ما يشترط القانون تقديم الشكاية لتحريك المتابعة ضد الجاني، فهل يحق للقاصر أن يقوم بهذا الإجراء بنفسه؟ وإذا كان غير مؤهل لذلك، وكان له ولي للنفس وآخر للمال فمن يؤهل منها للقيام به؟
إن الإجابة عن السؤال الأول تقتضي التمييز بين الصغير دون سن التمييز (12 سنة) والصغير المميز.
فبالنسبة للصغير دون سن التمييز غير مؤهل إطلاقا لتقديم الشكاية لأن المادة 217 من مدونة الأسرة تجعله فاقدا للأهلية مباشرة حقوقه المدنية ورفع الشكوى يدخل ضمن هذه الحقوق فلا يقدمها إذن إلا ولي القاصر.
أما الصغير المميز فيقدم الشكاية عنه وليه باعتبار أن هذا التقديم يتوقف على تقدير ما تجلبه من منافع وأضرار وهو ما لا يتأتى للقاصر القيام به بسبب صغر سنه، ومع هذا المبدأ، فإن القاصر البالغ يؤهل لتقديم الشكاية لأن البلوغ ينهي الحجر على النفس في سائر المذاهب الفقهية ولكن يبقى غير متوفر على أهلية التقاضي ما لم يتم سن الرشد القانوني .
أما بالنسبة للسؤال الثاني فلا شك أن ولي النفس هو المؤهل لتقديم الشكاية أو عدم تقديمها، لأن ذلك يتعلق بتقدير الاعتبارات والمصالح المعنوية التي قد تسيء إليها المتابعة، وولي النفس هو المكلف برعايته وهو المكلف برعاية هذه المصالح وتوجيه القاصر في المحافظة عليها، فإذا تعرض قاصر لقذف مثلا وكانت أخته مقدمة عليه ويخضع في الولاية على النفس إلى أخيه، فإن الأخ هو الذي يحق له تقديم الشكاية بالقاذف دون الأخت، لأن المتابعة قد تضر معنويا بالقاصر وتسيء إلى سمعته وعلاقاته العائلية، والذي يسهر على توجيه القاصر في هذا المجال وفي سلوكه عموما هو ولي النفس دون ولي المال الذي تقتصر صلاحياته على إدارة المال وتنميته .
وعلى الرغم من اعتبار المشرع الشكاية أمرا ضروريا لتحريك المتابعة في بعض الجرائم مراعاة لمصلحة المتضرر وتقديمها على حق المجتمع في المتابعة كما هو الشأن بالنسبة لاشتراط الشكاية من أجل تحريك المتابعة في جرائم إهمال الأسرة والإمتناع عن أداء النفقة مراعاة لمصلحة الأسرة، فإن المشرع نص على مقتضى استثنائي بخصوص هذه الجريمة بموجبه يمكن للنيابة العامة تحريك المتابعة مباشرة ضد الجاني متى كان نائبا شرعيا للقاصر لتعارض مصلحة القاصر ووليه لأن هذا الأخير لا يمكنه أن يحرك المتابعة ضد نفسه.
هذا التعارض نفسه، بين مصلحة القاصر ووليه هو الذي حدا بالمشرع المغربي عند تعرضه في المادة 5 ق.م.ج لمدد تقادم الدعاوى العمومية إلى التنصيص على أنه "إذا كان الضحية قاصرا وتعرض لاعتداء جرمي ارتكبه في حقه أحد أصوله أو من له عليه رعاية أو كفالة أو سلطة، فإن أمد التقادم يبدأ في السريان من جديد لنفس المدة ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني". هذا المقتضى إذن سيمكن الطفل الذي تعرض لجرائم سوء المعاملة من طرف أصوله أو من له سلطة عليه أو من الشخص المكلف برعايته من طلب تحريك المتابعة الجنائية في حقهم عند بلوغه سن الرشد.
وعليه يمكن اعتبار هذه المقتضيات من الحسنات التي تحسب لصالح المشرع المغربي لمراعاته مصالح الطفل الضحية من أي تعسف أو حيف.
وبعد أن تطرقت للأحكام المنظمة لحق الطفل الضحية في إثارة الدعوى العمومية أتسائل عن المبادئ المؤطرة لعمل النيابة العمومية حماية لمصالح الطفل الضحية؟
إن أهم مبدأ يؤطر عمل النيابة هو أنها في حدود اختصاصها المكاني والنوعي والشخصي حرة في أن تتابع أو لا تتابع وهو ما يدعى بقاعدة ملائمة المتابعة . إلا أن السلطة التقديرية هذه الممنوحة للنيابة العامة قد يترتب عنها نوع من التجاوز من طرف النيابة العامة بامتناعها أحيانا عن المتابعة تقصيرا أو تعسفا وفي ذلك إضرار بمصالح الضحية عموما والطفل الضحية على وجه الخصوص، فقد تكون النيابة العامة ميالة إلى المغالاة في الرأفة وإلى مضاعفة الامتناع، عن اتخاذ الإجراءات المسطرية لإقامة الدعوى العمومية إما لعدم معرفة الجاني وإما لخضوع جهة التحقيق لضغوط ما من جانب الجاني أو من جانب محاميه .
وبناء على ما سبق يمكن القول بأن السلطة التقديرية الممنوحة للنيابة العامة بخصوص إثارة الدعوى العمومية وعلى الرغم من مزاياها، فإنه قد تترتب عنها أضرار بمصالح الطفل الضحية لأنه بموجب هذه السلطة التقديرية تصبح النيابة العامة محكمة تتولى تقدير قيمه وسائل الإثبات مع أن هذا ليس من اختصاصها بالإضافة إلى انه يسهل عليها إمكانية التحيز والمحاباة .
ولتجاوز هذا الإشكال نقترح أن تكون علاقة النيابة العامة بقاضي الأحداث علاقة تشارك حيث تتنازل النيابة العامة عن بعض اختصاصاتها، وفي مقدمتها حق غربلة القضايا التي تصل إلى علمها وجعل قاضي الأطفال هو المختص باستقبال الآباء والمسؤولين عن الأطفال وبعد المناقشة الضرورية وإذا تبين للقاضي جدية الطلب خاصة من قبل غير الأبوين يكلف النيابة العامة بإجراء بحث للتأكد، أما إذا كان القاضي يتوفر على أدلة تكون اعتقاده بشكل جازم بأن الطفل ضحية فعلا أو في خطر حقيقي، فإنه يصبح مختصا ضمنيا أضف إلى ذلك أن التشاور مع قاضي الأطفال كمؤسسة قائمة على فلسفة الحماية قد يشجع الآباء على اللجوء إليها طلبا للمساعدة بدل اعتمادهم لسياسة التستر التي ساهمت في انفجار المتشردين والمنحرفين والأطفال المستغلين جنسيا".
كما أن من بين الأدوار الجديدة المنوطة بالنيابة العامـة بموجـب قانون المسطرة الجنائية الجديدة رقم 01-22 إطلاعها بدور هام يتمثل في السهر على مسطرة الصلح في المخالفات وبعض الجنح سواء قبل تحريك الدعوى العمومية أو بعد تحريكها حيث يمكن للمحكمة إيقاف سير الدعوى العمومية ما لم تكن قد بثت فيها بحكم نهائي –بناء على ملتمس من النيابة العامة في حالة تنازل المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته كلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها القانون بسنتين حبسا أو أقل أو بجريمة يعاقب عليها بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصى خمسة آلاف درهم. وعلى الرغم من أن لهذه الصلاحيات الجديدة التي أسند قانون المسطرة الجنائية للنيابة العامة الإطلاع بها إيجابيات عدة ترمي إلى رأب الصدع والإبقاء على وشائج المودة والتآخي بين أفراد المجتمع والنظر بعين المرشد الإنساني من أجل التخلي عن الدعوى العمومية لتحقيق غاية أسمى قد لا تحققها العقوبة . إلا أن هذا الصلح في بعض الأحيان قد يأتي على حساب حقوق الطفل الضحية خاصة وأن الذي يتولى هذا الصلح هو وليه القانوني الذي قد يلجأ إليه لمصلحة ما تربطه بالجاني أو بهدف الحفاظ على الترابط العائلي ولو كان الصلح في غير مصلحة الطفل، لذا على النيابة العامة أن تراعي مصلحة الطفل الضحية عند طلب إجراء مسطرة الصلح خاصة وأن الفصل 41 من قانون المسطرة الجنائية يشترط لقبول إجراء الصلح موافقة وكيل الملك.
وعموما إذا كانت قواعد العدالة تقتضي تمكين الضحية من متابعة الجاني، فإن ثمة إشكالات تثور بخصوص تطبيق هذا الحق من بينها مشكلة عدم التبليغ بجرائم إساءة معاملة الأطفال، نظرا لما تتميز به هذه الجرائم من سرية وكتمان من جهة ولوجود الطفل في موقف ضعف لسهولة تهديده أو إكراهه للتراجع عن التبليغ بالجرائم الواقعة عليه أو حتى مجرد البوح بها لولي أمره من جهة ثانية.
ولحماية مصالح الطفل الضحية في هذه الحالة أقترح أن تكون علاقة النيابة العامة بالأسرة مبنية على الثقة والتعاون من أجل مصلحة الطفل.
ويبقى الأمل قائما على المؤسسات التعليمية والصحية وكذا الشرطة ومؤسسات المجتمع المدني ممثلة بالجمعيات للتبليغ عن الجرائم التي يروح ضحيتها الأطفال.
وتظهر أهمية المجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم التي يقع الأطفال ضحيتها من خلال الاتفاقية الثنائية التي أبرمت بين وزارة العدل والمرصد الوطني لحقوق الطفل والتي تضمنت في إحدى بنودها، بندا تعهد فيه المرصد الوطني لحقوق الطفل بالتبليغ عن حالات إساءة معاملة الأطفال إلى العدالة لينال الجاني عقابه.
كما أن الالتزام نفسه يقع على عاتق الأطر التعليمية والصحية التي يجب عليها أن تبلغ بحالات سوء معاملة الأطفال التي تصل إلى علمها خاصة وأن المشرع أعفى الأطباء والجراحون وملاحظوا الصحة... من العقاب إذا بلغوا عن إجهاض علموا به بمناسبة ممارسة مهنتهم أو وظيفتهم، أو إذا بلغوا السلطات القضائية أو الإدارية المختصة عن ارتكاب أفعال إجرامية أو سوء معاملة أو الحرمان في حق أطفال دون الثامنة عشرة علموا بها بمناسبة ممارسة مهنتهم أو وظيفتهم.
وختاما إذا تضافرت جهود كل هذه الجهات للتبليغ عن جرائم إساءة معاملة الأطفال تكون قد مكنت الطفل الضحية من حقه في متابعة الجاني لزجره عما اقترفت يداه، ولتمكين الطفل أيضا من حقوقه الأخرى التي يمكن طلبها أمام العدالة، كالحق في إقامة الدعوى المدنية التابعة.
الفقرة الثانية: الحق في المطالبة بالتعويض عن طريق الدعوى المدنية التابعة:
لقد أتاح قانون المسطرة الجنائية للأشخاص المصابين بأضرار نابعة مباشرة من الواقعة الإجرامية أن يلجؤوا حسب اختيارهم إلى المطالبة بالتعويض عنها إما لدى المحاكم المدنية وذلك هو الأصل وإما لدى المحاكم الزجرية حيث ترفع الدعوى المدنية موازاة مع الدعوى الجنائية ويعد هذا استثناء من القاعدة العامة التي توجب رفع الدعوى المدنية أمام القضاء المدني وقد أقره المادة 9 م.ج التي تقضي بأنه "يمكن إقامة الدعوى المدنية والدعوى العمومية في آن واحد أمام المحكمة الزجرية المحالة إليها الدعوى العمومية".
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن إقامة الدعوى المدنية التابعة حق للضحية يمكن أن تمارسه دون إشكال متى تضررت شخصيا ومباشرة من الجريمة، وبما أن المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أحدثته الجريمة يعتبر حقا ماليا للضحية، فإن هذه الأخيرة لا يمكنها إقامة الدعوى المدنية التابعة ما لم تتوفر على الأهلية القانونية.
وإذا كانت الأهلية مسطريا هي صلاحية الشخص لأن يرفع الدعوى أو ترفع ضده فإن الطفل لا يمكنه أن يقيم الدعوى المدنية التابعة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به جراء جرائم إساءة المعاملة لانعدام أو نقص أهليته، ومن ثم فإن وليه القانوني هو الذي يرفعها نيابة عنه سواء تعلق الأمر بوليه أو وصيه أو بالمقدم عليه، وهذا ما قضت به المادة 352 من ق.م.ج بأنه "لا يجوز للأشخاص الذين ليست لهم أهلية ممارسة حقوقهم المدنية أن يقيموا الدعوى المدنية، إلا بإذن من ممثلهم القانوني أو بمساعدته".
أما إذا لم يكن للقاصر ممثل قانوني، فإن المحكمة تعين له وكيلا لهذا الغرض ليقيم الدعوى المدنية التابعة نيابة عنه بناء على ملتمس من النيابة العامة كما تقضي بذلك المادة 353 ق.م.ج التي تنص على أنه "إذا كان الشخص الذي يدعي الضرر غير مؤهل لتقديم الطلب بنفسه بسبب مرض عقلي أو بسبب قصوره ولم يكن له ممثل قانوني فللمحكمة أن تعين له لهذا الغرض وكيلا خصوصيا بناء على ملتمس من النيابة العامة" لكن ما الحكم إذا تعارضت مصلحة ناقص الأهلية مع من يمثله قانونا، كان يكون فاعل الجرم هو ممثل القاصر؟
كثيرا ما يقع مثل هذا التعارض في المصالح بين القاصر ووليه القانوني في الواقع العملي، لأن جرائم إساءة معاملة الأطفال كما يمكن أن تصدر عن الشخص الأجنبي عن الطفل يمكن أن تصدر أيضا عن وليه القانوني ولحل مثل هذا الإشكال ألزمت المادة 353 ق.م.ج الهيئة القضائية المحالة عليها الأفعال المرتكبة في حق القاصر أن تعين له وكيلا خصوصيا ليقوم بتقديم المطالب المدانية لفائدته.
وإذا كان يحق للطفل الضحية أن يقيم الدعوى المدنية التابعة عن طريق ممثله القانوني أو وكيل خصوصي تعينه المحكمة، فهل يحق لأقرباء الطفل الضحية اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عن الأضرار النفسية التي قد تلحقهم بسبب الاعتداء الذي وقع ضحيته طفل ينتمي لأسرتهم، خاصة بالنسبة للأم والإخوة الصغار الذين يعيشون في مثل هذه الحالات آلاما وأحزانا كبيرة؟
للإجابة عن هذا السؤال يمكن القول أولا بأنه لا يكفي للمطالبة المدنية أن يكون الضرر الذي تعرض له الطفل محققا وإنما ينبغي إلى جانب ذلك أن يكون شخصيا ويقرر هذا الشرط صريح المادة 7 م.ج التي تخول حق رفع الدعوى المدنية لمن لحقه شخصيا ضرر ذاتي أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة . ويؤكد ذلك المجلس الأعلى في قراره رقم 338 المؤرخ في 13/2/1975 الذي قضى بأن "الدعوى المدنية لا تسمع أمام المحاكم الجزائية إلا من الطرف الذي تضرر شخصيا ومباشرة من الجرم الذي نشأ عنه الضرر" والحكمة من هذا الشرط هي إبعاد الفضوليين والمتطفلين الذين ليست لديهم مصلحة جدية في رفع الدعوى المدنية التابعة. ومن المؤكد أن الذي لم يلحقه أي ضرر من الجريمة لا صفة له في رفع الدعوى المدنية التابعة ما لم يكن نائبا بحكم القانون أو الاتفاق عن المتضرر المباشر حيث يرجع في ذلك إلى القواعد العامة فليس هناك إمكانية للتطوع قصد رفع الدعوى المدنية لفائدة الغير الذي كان ضحية للجريمة، خاصة وأن حق إقامة الدعوى المدنية أمام المحاكم الزجرية قصد المطالبة بالتعويض عن الضرر هو حق استثنائي يحرص الاجتهاد القضائي على قصره على الضحايا المباشرين للجريمة وعدم التوسع فيه .
وإذا كان هذا التوجه يحرم صراحة كل شخص غير متضرر مباشرة من الجريمة من حقه في طلب التعويض المتمثل في الآلام النفسية التي ألمت به جراء الجرم الذي لحق أحد أقربائه، فإنه بعيد كل البعد عن مبادئ العدالة والإنصاف خاصة إذا تعلق الأمر بأبوي وإخوة الطفل ضحية سوء المعاملة الذين يكابدون آلاما نفسية بليغة. لذا في تقديري يجب تمكينهم من مباشرة هذا الحق أمام المحاكم الزجرية حتى وإن كانوا يصطدمون في الواقع بصعوبات كبرى لإثبات هذا النوع من الضرر.
وخاتمة القول إذا كان يحق للولي القانوني للطفل المجني عليه أن يلاحق الجاني لزجره عن طريق إقامة الدعوى العمومية، أو مطالبته بالتعويض عن الأضرار التي لحقت الطفل بسبب الجريمة عن طريق إثارة الدعوى المدنية التابعة، فإن هذا الحق يبقى رهينا بمدى القدرة على إثبات الفعل الجرمي الواقع على الطفل ونسبته إلى الجاني الحقيقي، وهذا لن يتأتى طبعا ما لم يطلع القاضي الزجري المعروضة أمامه القضية بدور كبير في تقدير وسائل الإثبات المعروضة عليه ما دامت جرائم إساءة معاملة الأطفال تحاط بسرية كبيرة تعقد مأمورية إثباتها.
المطلب الثاني: سلطة القاضي الزجري في تقدير وسائل الإثبات؛ ضمانة لحماية حق الطفل الضحية.
يقصد بالإثبات في المواد الجنائية إقامة الدليل على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم فيراد به إثبات الوقائع لا بيان وجهة نظر الشارع وحقيقة قصده، ويختلف في هذا الصدد دور كل من القاضي الجنائي والقاضي المدني، فبينما القاضي المدني دوره سلبي يقتصر على مجرد تقدير الأدلة التي قدمها الخصوم وترجيح بعضها على البعض، نجد القاضي الجنائي يقوم بدور إيجابي بحثا عن الحقيقة بأي طريق مشروع خاصة كلما تعلق الأمر بالجرائم الواقعة على الأطفال، حيث تواجه العدالة الجنائية صعوبات كبيرة في إثباتها.
ولتجاوز صعوبات الإثبات في الجرائم الواقعة على الأطفال ينبغي على القاضي أن يطلع بدور إيجابي جدا بتحري كل وسائل الإثبات الممكنة من أجل تكوين قناعته سواء كانت وسائل الإثبات هذه قضائية (الفقرة الأولى) أو كانت علمية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: سلطة القاضي الزجري في تقدير وسائل الإثبات القضائية.
يتيح نظام الإثبات الوجداني للقاضي سلطة واسعة لتقدير قيمة ما يعرض عليه من الحجج في النازلة التي يبث فيها، وعلى هذا الأساس سمي بنظام الإثبات القضائي الذي يعتمد على إقامة الدليل أمام القضاء بالطريقة التي يحددها القانون على وجود حق متنازع فيه.
وبالنظر إلى تعدد وسائل الإثبات القضائية، من اعتراف ومستندات كتابية وشهادات، فإنه يمكن للقاضي أن يزيح الغموض عن الجرائم التي يقع الطفل ضحية لها. وإذا كانت القرائن والاعتراف والمستندات الكتابية لا تطرح إشكالا في إثبات الجرائم الواقعة على الأطفال، فإن الشهادة تثير أكثر من إشكال لذلك سأقتصر ضمن هذه الفقرة الحديث عن أهمية الشهادة في إثبات جرائم إساءة معاملة الأطفال ودور القاضي في تقدير قيمتها الإثباتية.
يقصد بالشهادة إثبات واقعة معينة من خلال ما يقوله أحد الأشخاص عما شاهده أو سمعه أو أدركه بحواسه من هذه الواقعة بطريقة مباشرة ونسبتها إلى المتهم وهي وسيلة إثبات أساسية أمام المحاكم الزجرية حيث يعسر أحيانا أو يتعذر اللجوء إلى الإثبات بوسائل أخرى كالكتابة أو القرائن المستخلصة من أبحاث علمية ويمكن القول عموما بأن الشهود هم "عيون العدالة وآدانها" وعن طريقهم يتجلى أحد الأدوار الأساسية التي يمكن أن يقوم بها المواطن لمساعدتها على أداء مهامها السامية .
وإذا كانت الشهادة عماد الإثبات في الميدان الزجري، فقد أعطيت لها قيمة أكثر من اللازم نظرا لأدائها تحت القسم، والواقع أنه ينبغي الاحتراز من ذلك لأن القسم ليس له عمليا نفس الوزن عند كل الأشخاص وتتميز الشهادة في حقيقة الأمر بنسبيتها، فهي ليست دائما ترجمة صادقة وأمنية لما حدث بالفعل وقد يكون ذلك مقصودا لأغراض مشبوهة شتى كالحقد أو الطمع أو الخوف وما إلى ذلك، كما قد يكون غير مقصود وتأتي الشهادة مغلوطة. ذلك أن الشهادة دائما رهينة بسلامة الحواس التي اعتمد عليها الشاهد لتلقي المعلومات المدلى بها وهي لا تسلم على الدوام من وجوه الضعف الظاهرة أو الخفية، كما أنها مرهونة بسلامة كافة مكونات إدراكه ومن جملتها شخصيته ككل .
ولما كان أداء الشهادة يعبر عن نوع من التضامن مع الضوابط التي يحددها المجتمع في شكل قانون لحماية كيانه من الاعتداءات التي قد تطاله، فإن أداءها يعد واجبا بالنسبة لكل شخص بعد أداء اليمين القانونية، غير أن المشرع اعتبر شهادة بعض الأشخاص مجرد بيانات يستأنس بها القاضي كما هو الشأن بالنسبة للقاصر والأقارب حيث يعفون من أداء اليمين القانونية .
ومن الأكيد أن تقع جريمة من جرائم إساءة معاملة الطفل فلا تجد المحكمة شهودا آخرين غير أطفال وجدوا معه وقت ارتكاب الجريمة، لذا فإنه على القاضي في هذه الحالة أن يأخذ بتصريحات القاصرين الذين عاينوا الجرم، متى حصل له اقتناع صميم بما أدلوا به، لأن شهادة القاصر، حتى ولو كانت مجرد تصريح يستأنس به القاضي، يمكن ترجيحها على شهادة من أدوا اليمين القانونية وأقسموا على قول الحق ما دام نظام الإثبات الوجداني يمكن القاضي الزجري بأن يعطي لأقوال الطفل على الرغم من عدم أدائه اليمين القانونية قيمة مماثلة أو زائدة على أقوال الشاهد الذي أدى اليمين القانونية.
وما يعزز هذا الطرح، هو أن المشرع أعطى للقاضي حرية واسعة لتقدير القيمة الإثباتية للشهادة –إلا ما استثني منها- ويسانده في ذلك الفقه والاجتهاد القضائي، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى "وحيث إنه من جهة أخرى فإن الأخذ بشهادة الشهود أو عدم الأخذ بها موكول إلى تقدير محكمة الموضوع التي لها أن تأخذ بها متى اطمأنت إليها أو لا تأخذ بها ولا يحتاج الأمر إلى تعليل خاص" .
وإضافة إلى ما سبق يمكن لشهادة الضحية نفسها أن تأخذ قوة إثبات كاملة لا سيما في الجرائم التي ترتكب خلف الأبواب مثل الجرائم الأخلاقية ، كاغتصاب أو هتك عرض قاصر أو زنا المحارم، لذا يجب على القاضي أن يأخذ بعين الاعتبار تصريحات الطفل بخصوص هذه الجرائم نظرا لخصوصيتها ، لاسيما وأن النص القانوني لا يمنع القاضي من الأخذ بالأقوال التي تدلي بها الطفل متى آنس فيها الصدق والصحة بل أكثر من ذلك، فالاستماع إلى الطفل حق من حقوقه، وهذا ما أكدته المادة 12 من إتفاقية حقوق الطفل التي تدعو إلى ضرورة الاستماع للطفل بخصوص قضايا تهمه مباشرة أو من خلال هيئة ملائمة وبطريقة تتفق مع القواعد الإجرائية للقوانين الوطنية.
وهذا ما أخذت به محكمة الاستئناف بالدار البيضاء التي أدانت معلما متهما بهتك عرض تلميذاته بناء على تصريحاتهن فقط، حيث بعدما قدمت أم إحدى الضحايا بشكاية مرفوقة بخبرة طبية تثبت تعرض ابنتها للاعتداء الجنسي من طرف معلمها، صرحت تلميذات أخريات وصل عددهن أثنى عشرة تلميذة بتعرضهن للاعتداء الجنسي من طرف نفس المعلم أثناء فترة الاستراحة ، فكانت تصريحات هؤلاء القاصرات وسيلة إثبات كافية حققت اقتناع القاضي الصميم فحكم بإدانة المتهم بما نسب إليه.
وفي الختام يمكن الجزم بأن جرائم إساءة معاملة الأطفال تطرح إشكالات كبرى في إثباتها نظرا لما تحظى به من سرية وكتمان، لذا فإن اعتماد القاضي على وسائل الإثبات السالفة الذكر، غير كاف ما لم يعتمد على وسائل الإثبات العلمية كلما تطلب الأمر ذلك.
الفقرة الثانية: سلطة القاضي الزجري في تقدير وسائل الإثبات العلمية.
إن الفرض يقتضي أن يكون القاضي خبيرا في القانون ومثقفا وعالما أيضا ولكن في كثير من الأحيان يصعب عليه فهم معطيات علمية أو تقنية أو فنية بدون أن يلجأ إلى أخصائي في بعض الحالات، ومن هنا فإن القاضي في وسائل الإثبات يقوم بتقديرها دون الاستعانة بغيره، أما في المسائل العلمية والتقنية والفنية فإنه لا ضرار عليه أن يلجأ إلى الأخصائي ليستعين بتخصصه في معرفة ما قد يشكل عليه.
وكما هو معلوم فقد أعطى التقدم العلمي للإثبات الجنائي قيمة علمية مهمة باعتمادها يمكن لأجهزة العدالة فك ألغاز العديد من القضايا المعروضة عليها لإثبات مدى حدوثها فعلا من جهة أو لتسهيل معرفة مرتكبيها من جهة ثانية حفاظا على حقوق الجاني أو المجني عليه.
وبما أن العدالة الجنائية تلاقي صعوبات كبرى لإثبات جرائم إساءة معاملة الأطفال، إما بسبب صغر سن المجني عليه الذي لا يتمكن في أغلب الأحيان من معرفة الجاني أو حتى إدراك ما حصل له، أو بسبب اتسام هذا النوع من الجرائم بالسرية والكتمان لأن أغلبها ترتكب خلف الأبواب المغلقة، فإن اعتماد وسائل الإثبات العلمية سيدلل كثيرا من هذه الصعوبات ومن أهم هذه الوسائل الخبرة وتسجيل الأصوات والتصوير الفوتوغرافي.
أولا: الخبرة L’expertise:
وتعني انتداب المحكمة شخصا من ذوي الاختصاص العلمي أو الفني للاسترشاد بآرائه لحل مسألة يحتاج حلها إلى دراية علمية أو تقنية تخرج عن إطار التكوين العام للقاضي . ذلك أن القاضي مهما غزرت معلوماته واتسع أفقه الثقافي لا يكون على دراية مرضية بكل دقائق النوازل التي تعرض عليه وأخص بالذكر هنا الخبرة الطبية التي يتعين على القاضي ألا يتواني في طلبها كلما تعلق الأمر بالجرائم الواقعة عل الطفل، إما لتحديد العجز والضرر وسبب الوفاة وإما لتحديد نوع الجرائم التي ارتكبت على جسده أو نفسيته.
وقد أثبت الواقع أهمية الخبرة في إثبات الجرائم الواقعة على الطفل بل وأحيانا تمكين المحكمة من معرفة مرتكبيها، فلولاها، لضاعت حقوق أطفال عدة، ضحايا الجرائم، خاصة بالنسبة لجرائم الاستغلال الجنسي التي يمكن إثباتها عن طريق إجراء تحليلات مخبرية للحامض النووي لمني الجاني مثلا.
ولبيان أهمية الخبرة في الواقع العملي أذكر قضية الطفل "أيوب" الذي تعرض لاستغلال جنسي بشع من طرف حارس الروض الذي كان يتمدرس فيه، فبعد عودة الطفل الضحية إلى المنزل اكتشفت أمه سائلا بثيابه تبين بعد إجراء خبرة طبية أنه مني حارس الروض كما صرح الطفل بذلك، وقد كانت النتائج التي توصلت إليها الخبرة دليلا كافيا حقق اقتناع القاضي الصميم، فأدان المتهم بجريمة هتك عرض قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا وتعويض مدني قدره 30 ألف درهم . فلولا تلك الخبرة التي أنجزت لما تمكنت المحكمة من إثبات هذه الجريمة في حق حارس الروض لانعدام شهود أو وسائل إثبات أخرى.
ثانيا: وسائل حديثة سمعية بصرية:
أضاف علم التصوير الجنائي قيمة علمية حديثة بماله من أثر في نقل صورة صادقة للأماكن والأدلة وكذا صور أشخاص وأصواتهم، وإذا كان قانون المسطرة الجنائية قد أجاز إلقاء القبض على المتهم وتفتيشه والاستعانة بكافة المساعدات الفنية لإثبات الجريمة، فإن تصوير المتهم أو الواقعة حال تلبس الجاني بجريمة لا يعتبر تعديا على حق الإنسان في خصوصياته. وتستمد الصورة حجيتها لدى القاضي الجنائي من عوامل موضوعية وذاتية. فبالنسبة للعوامل الموضوعية فيقصد بها العوامل التي تتعلق بالواقعة المصورة وأثر الصورة في إيضاح الغرض منها، وبالنسبة للعوامل الذاتية وهي التي تتصل بشخص المصور، فالصورة تتوقف على صاحب المصلحة فيها ومسلك المصور .
أما بالنسبة للوسائل السمعية التي يستعملها رجال الضابطة القضائية في جمع المعلومات، فيمكن أن تكون مباشرة كالتنصت على المكالمات الهاتفية أو غير مباشرة كالتسجيل على الشرائط، فأما عن التنصت على المكالمات الهاتفية فهو ممنوع على الضابطة القضائية اتخاذ مثل هذا الإجراء لأن فيه خرق لسرية المراسلات والتدخل في الحياة الخاصة للأفراد وانتهاك حرمة حياتهم الخاصة وان هذا التصرف يعتبر جريمة أو عملا غير مشروع للبحث عن الجريمة ولا يمكن إثبات جريمة بارتكاب جريمة وإنما يمكن في حالة الشك في شخص ما أن تتطلب الضابطة القضائية من وكيل النيابة العامة أو قاضي التحقيق أن يمنحها الإذن بالتنصت . ويستفاد ذلك من مقتضيات المادة 108 م.ج. التي تنص على أنه "يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو اخذ صور منها أو حجزها، غير أنه يمكن لقاضي التحقيق إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكذا الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الإتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها".
وبما أن جرائم إساءة معاملة الأطفال غالبا ما تتم وراء الأبواب المغلقة حيث يصعب إثباتها، فإن لإعمال هذه الوسائل دور مهم في تسهيل إثباتها.
بل ويمكن للمحكمة أيضا أن تعتمد على الصور والتسجيلات التي ضبطت بحوزة الجاني أو الضحية لإثبات الجريمة المرتكبة كما هو الشأن بالنسبة لتسخير الأطفال لأغراض "بورنوغرافية" فكما حصل مؤخرا بالمغرب في قضايا متعددة مثل قضية السائح الفرنسي "ارفي هيف" الذي أدانته محكمة الاستئناف بمراكش بأربع سنوات سجنا نافذا لاستغلاله لأطفال قاصرين لإنتاج أفلام خليعة، وقد اعتمدت المحكمة لإثبات هذه الجريمة على الصور والأفلام الخليعة التي ضبطت بحوزة الجاني، وكذا تصريحات الضحايا أنفسهم.
انطلاقا مما سبق يتبين لنا ما لأهمية استعمال الوسائل العلمية السمعية البصرية لإثبات الجرائم التي يقع الأطفال ضحيتها، غير أن هذه الوسائل الحديثة وإن كانت متقدمة وتساعد القاضي في الكشف عن حقيقة الجرائم الواقعة على الطفل، إلا أن هذه الوسائل يمكن أن تؤدي أحيانا إلى تظليل العدالة وخداعها بسبب تطور الأجهزة الرقمية التي يمكن الاستعانة بها لخلق مشاهد لا أساس لها من الصحة، لذا يجب على القاضي أن يتعامل مع وسائل الإثبات هذه بنوع من الحيطة والحذر دفاعا عن مبادئ العدالة والإنصاف.
وخلاصة القول إن حماية حقوق الطفل الضحية أمام العدالة لا تتجلى من خلال ما سبق فقط، وإنما يجب على القاضي أن يأخذ بعين الاعتبار وقع الجرم عليه وذلك باتخاذ تدابير تهدف لعلاجه وتأهيله وأيضا ضمان حقه في التعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء الفعل الجرمي.
المبحث الثاني
حق الطفل ضحية سوء المعاملة في التأهيل والتعويض.
الطفل الضحية إنسان يعاني ويتألم جراء الاعتداءات التي حصلت له، لذلك فالحاجة ملحة لتمكينه من حقه في العلاج والتأهل لدمجه من جديد في المجتمع، لتجنب تعرضه لاعتداءات أخرى من جهة ، ولحمايته من سلوك طريق الانحراف من جهة ثانية (المطلب الأول). وبما أن عملية العلاج والتأهيل طويلة ومعقدة وقد تتطلب مجهودات مالية كبيرة مرهقة للأسر الفقيرة، فإنه يحق للطفل أن يتلقى تعويضات مدنية هامة لتحملها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: حق الطفل الضحية في التأهيل:
بالاستناد إلى النتائج التي توصل إليها علماء الضحية، فالطفل ضحية سوء المعاملة في حاجة ملحة لإخراجه من دوامة الآلام التي يعاني منها في صمت، غير أن ذلك لا يمكن تحقيقه دون إخضاع الطفل لسلسلة من حلقات التأهيل والعلاج (الفقرة الأول) إلا أن هذا الهدف يصدم في الواقع بمعيقات عديدة تجعل مأمورية تحقيقه صعبة المنال (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مبررات إقرار حق الطفل الضحية في التأهيل:
لقد أثبتت مختلف الدراسات والأبحاث التي أجريت على الأطفال الضحايا حاجتهم الملحة للتأهيل لتمكينهم من تجاوز صدمة الإساءة التي يكون وقعها مؤلما عليهم .
ففي هذا السياق كشفت نتائج الدراسات التي أجريت على الأطفال ضحايا سوء المعاملة عن صورة إكلينية واضحة المعالم، تكمن بؤرة نشأتها في "صدمة" الإساءة التي قد تبتدئ آثارها في بعض الحالات فيما يعرف "باضطرابات ضغوط ما بعد " الصدمة عند الأطفال" وهو اضطراب يظهر في متلازمة من الأعراض مثل الخوف الشديد والهلع والسلوك المضطرب أو غير المستقر، ووجود صور ذهنية أو إدراكات أو ذكريات متكررة وملحة عن الصدمة، والأحلام المزعجة (كوابيس) أثناء النوم وصعوبة التركيز وصعوبات النوم .
وقد صنف مارتن (Martin 1980) آثار سوء معاملة الطفل إلى أربعة أصناف هي الآثار الطبية والنمائية والنفسية والبعيدة المدى إذ تظهر آثار التعديات الجسدية على الأطفال على شكل إصابات نتيجة للتعدي عليهم وقد تظهر في شكل كسر عظام أو خدوش أو تمزق عضلي أو تشوه، أو إصابات في الرأس أو الوجه أو الجروح، كما تظهر على شكل صعوبات أو إعاقات في السمع أو النظر أو كمتخلف عقلي، كما أن الاضطرابات الخطرة قد تؤدي إلى الارتعاش لدى الطفل، أو وضع كميات من الفلفل في فم الطفل، أو التسمم أو الغرق أو الخنق كما تشمل آثار الأذى الطبي عدم تقديم الرعاية الصحية مثل تناول المطاعيم الرئيسية، كما أن انتقال الأمراض المعدية مثل الإدز قد يؤدي بحياة هؤلاء الأطفال .
وبالإضافة إلى المشكلات الجسمية تترتب مشكلات نفسية قد تتصف بالإزمان والشدة في بعض الأحيان فهي مشكلات طويلة الأمد تنتج عن عدم حل القضايا المحيطة بإساءة معاملة الطفل، وحيث تظل الصدمة قائمة ونشطة التأثير على الصحة النفسية للطفل لأنها بقيت كخبرة أو مهمة "غير منتهية" فالصدمة تعيش في الطفل ويعيش الطفل فيها.
وفي هذا السياق حدد بعض الباحثين الإكلينين أعراضا مميزة للأطفال ضحايا سوء المعاملة ، منها الأعراض الانفعالية تتضمن الغضب والإنكار والكبت والخوف ولوم الذات والشعور بالذنب والبلادة، كما يبدي هؤلاء الأطفال أعراضا سلوكية تشمل الهروب من المنزل والانسحاب والأعراض الجسدية والكوابيس واضطراب المخططات المعرفية في الذهن فيصاب الطفل بالتشوه المعرفي .
وبناء على ما سبق يمكن الجزم بأن الأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة ليسوا بحالة سهلة فقد تعلموا عدم الثقة في أنفسهم وفي الناس من حولهم، فالعالم والناس مصدر إيذاء لهم، مما يجعل الضحية تحس في أغلب الأحيان بالرغبة الملحة في الانسحاب من هذا العالم المؤلم لها.
لعل هذه الأسباب هي التي دفعت المهتمون بقضايا الطفولة إلى إيلاء هذه الفئة أهمية كبرى من أجل إعادة تأهيلهم وإدماجهم من جديد في المجتمع.
وإذا ثبت بأن للطفل الضحية حاجة ملحة لإعادة تأهيله، فما هي يا ترى التدابير القانونية التي اتخذها المشرع المغربي لهذا الغرض؟
لقد اعتبر علماء الإجرام الضحية إنسان يعاني ويتعذب في صمت وأنه مسلوب الإرادة ولا دخل له في الجرائم الواقعة عليه، لأنه لم يختر وضعية الضحية، بل أن هذه الصفة (الضحية) فرضت عليه، لذلك فإن من حق الضحية أن تتمتع بإجراءات خاصة في التأهيل والعلاج.
وهذا ما تنبه إليه المشرع الجنائي المغربي مؤخرا حيث نصت المادة 510 من قانون المسطرة الجنائية على انه إذا ارتكبت جناية أو جنحة وكان ضحيتها حدثا لا يتجاوز عمره 18 سنة فلقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث أما استنادا لملتمسات النيابة العامة وأما تلقائيا، بعد أخذ رأي النيابة العامة أن يصدر أمرا قضائيا بإيداع الحدث المجني عليه لدى شخص جدير بالثقة أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لذلك أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة، وينفذ هذا الأمر رغم كل طعن.
كما يمكن للنيابة العامة أو لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث الأمر بعرض الحدث على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد نوع الأضرار اللاحقة به وبيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحاجته حالا ومستقبلا.
كما أعطت المادة 511 م.ج. للنيابة العامة الإمكانية في حالة صدور حكم من أجل جناية أو جنحة ارتكبت ضد حدث أن تحيل القضية على قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث المختص إن ارتأت أن مصلحة الحدث تبرر ذلك، ويمكن للقاضي المذكور أن يتخذ ما يراه مناسبا من تدابير الحماية كما يمكنه أن يأمر بالتنفيذ المعجل لقراره.
غير أن ما يلاحظ على المشرع في هذا الخصوص هو أنه لم ينص على إلزامية إحالة الحدث على قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث المختص من طرف النيابة العامة لاتخاذ التدبير الملائم لتأهيله، وإنما جعلت ذلك غير ملزم للنيابة العامة من خلال توظيف عبارة "يمكن" وفي تقديري كان على المشرع أن يلزم النيابة لتحيل الحدث الضحية على قاضي الأحداث ليتأكد هذا الأخير من وضعيته كونها تستوجب علاجا أم لا باعتبار قاضي الأحداث يملك الإمكانيات التي قد يلجأ إليها لمعرفة حالة الحدث وذلك عن طريق الاستعانة بالخبرة مثلا.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن نتصور الضحية بمفهومها المادي المتمثل في الجرح أو الاستغلال أو التعذيب المادي أو المعنوي، وإنما يتعين توسيع مفهوم النص ليشمل طفل الشارع والطفل المتخلى عنه باعتبارهما غالبا ما يكونا ضحية جريمة الإهمال أو التخلي.
غير أنه ما يلاحظ على قانون المسطرة الجنائية بهذا الخصوص هو جعله لإختصاص قاضي الأحداث يتم تحريكه استنادا على ملتمس النيابة العامة أو تلقائيا بعد أخذ رأيها وهو على خلاف الأمر في القانون الفرنسي إذ يسمح للنيابة العامة للدائرة التي عثر فيها على القاصر في حالة الاستعجال اتخاذ ت التدابير المؤقتة التي يمكن أن يتخذها قاضي الأطفال، بل إن الممارسة القضائية في فرنسا تتطور متجاوزة للقانون، حيث أن قضاة النيابة العامة غالبا وبموافقة قاضي الأطفال يتخذون القرار في حين أن قاضي الأطفال يكون موجودا أو من الممكن أن يحضر في وقت معقول وهو القاضي المخول له وحده اتخاذ القرار في هذه الحالة .
من خلال هذه المقتضيات إذن يتبين لنا بأن المشرع المغربي قد سار في نفس التوجه الذي نهجه المشرع المصري، حيث نص في المادة 365 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يجوز عند الضرورة في كل جناية أو جنحة تقع على نفس الصغير الذي لم يبلغ من العمر 15 سنة أن يأمر بتسليمه إلى شخص مؤتمن يتعهد بملاحظته والمحافظة عليه، أو إلى معهد خيري معترف به من وزارة الشؤون الاجتماعية حتى يفصل في الدعوى ويصدر الأمر بذلك من قاضي التحقيق سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب النيابة العامة أو من مستشار الإحالة أو من المحكمة المنظورة أمامها الدعوى حسب الأحوال.
وفي إطار الحديث عن التجارب المقارنة في هذا الإطار يمكن اعتبار التجربة التونسية أكثر تقدما، حيث أولى المشرع التونسي عناية فائقة للطفل الضحية، إذ تضمنت مجلة حماية الطفل ، تدابير هامة لحماية الطفل الضحية نذكر من بينها.
- التدابير الاتفاقية: حيث يقوم مندوب حماية الطفولة بالاتفاق مع ولي الطفل أو مع من له سلطة عليه باتخاذ التدابير الملائمة لصالح الطفل وذلك تحت رعاية القضاء (ف 40- ف44 من مجلة حماية الطفل).
-التدابير العاجلة: تلزم مندوب حماية الطفولة أن يتخذ بصفة مؤقتة التدابير العلاجية الرامية إلى وضع الطفل بمؤسسة إعادة تأهيل أو بمركز استقبال أو بمؤسسة استشفائية أو لدى عائلة أو هيئة أو مؤسسة اجتماعية أو تعليمية ملائمة وذلك طبقا للقواعد المعمول بها.
ويتخذ مندوب حماية الطفولة هذه الإجراءات بعد إذن قضائي عاجل، ويلزم مندوب حماية الطفولة طوال المدة التي يتم فيها تطبيق التدابير العاجلة تقديم كل أنواع المساعدة الصحية والرعاية الاجتماعية والنفسية الملائمة دون الإذن المسبق من قاضي الأسرة (ف 50 من مجلة حماية الطفل التونسية).
- تدابير الحماية القضائية: بموجب هذه التدابير يتعهد قاضي الأسرة بوضع الطفل المهدد بناء على مجرد طلب صادر عن قاضي الأطفال أو النيابة العامة أو مندوب حماية الطفولة أو المصالح العمومية للعمل الاجتماعي أو المؤسسات العمومية المعنية بشؤون الطفولة. ويتولى قاضي الأسرة سماع الطفل ووليه أو حاضنه أو مقدمه أو كافله أو تلقي ملاحظات ممثل النيابة العمومية ومندوب حماية الطفولة وعند الاقتضاء محاميه ويمكن له أن يقرر إجراء المرافعات دون حضور الطفل مراعاة لمصلحته، ويمكن لقاضي الأسرة أن يأذن بإحدى الوسائل التالية:
* إبقاء الطفل لدى عائلته.
* إبقاء الطفل لدى عائلته وتكليف مندوب حماية الطفولة بمتابعة ومساعدة العائلة وتوجيهها.
* إخضاع الطفل للمراقبة الطبية والنفسانية.
* وضع الطفل تحت نظام الكفالة أو لدى عائلة استقبال أو لدى مؤسسة اجتماعية أو تربوية مختصة.
* وضع الطفل بمركز للتكوين أو التعليم (ف 59 من مجلة حماية الطفل التونسية)
وختاما إذا كان قانون المسطرة الجنائية المغربي، قد تضمن بعض التدابير لحماية الطفل الضحية فهل وجدت هذه التدابير سبيلا لتطبيقها على أرض الواقع لتمكين الطفل الضحية من حقه في العلاج والتأهيل؟ أم أن تلك المقتضيات يمكن اعتبارها نوعا من الترف القانوني لمضاهاة القوانين المقارنة فقط ليبقى الطفل الضحية إنسان يعاني في دوامة من الصمت؟
الفقرة الثانية: معيقات تأهيل الطفل الضحية:
إن تأهيل الطفل الضحية عملية صعبة بالنظر إلى غياب الاهتمام بشكل جدي بالضحية إذا ما قورنت مع وضعية الجانح من جهة ولضعف الإمكانيات والوسائل المتاحة لدعم عملية الإدماج والتأهيل.
لقد اعتبرت المجموعة الموضوعاتية لحماية الطفل الضحية بالمرصد الوطني لحقوق الطفل بأنه قد حان الأوان لاستثمار عناصر الوعي الوطني والجمعي بخطورة ظاهرة سوء معاملة الأطفال في استراتيجية شاملة متكاملة موضوعية عملية تنصب على الجوانب الطبية والنفسية والقانونية والاجتماعية وتضع المصلحة العضلى للطفل الضحية كشخصية إنسانية تعاني ويتعين إدماجها وإعادة تأهيلها وإدماجها وإعادة تأهيلها ما أمكن داخل أسرتها باعتبارها بيئتها الطبيعية.
لذلك تمت الدعوى إلى الإسراع بوضع خلايا استقبال متخصصة على صعيد المستشفيات الإقليمية مكونة من أطباء معالجين وأطباء أخصائيين ونفسانيين ومساعدات إجتماعيات ودعم هذه المراكز تقنيا وماديا وتشجيع أعمالها والدفاع عن نتائجها، وفي نفس السياق تم تحديد وتوحيد العناصر الفنية والتقنية المتعلقة بالفحص والكشف الطبيين والشواهد الطبية المتعلقة بها وقواعد متابعة العلاج وإعادة التأهيل.
كما اعتبرت المجموعة الموضوعاتية لحقوق الطفل بالمرصد الوطني بأن الطفل ضحية سوء المعاملة إنسان يعاني ولذلك يتعين على العدالة وقبل البث في المصالح المدنية تحت طائلة البطلان، الأمر بإجراء خبرة طبية أخرى نفسية لتحديد كافة عناصر الضرر اللاحقة به من عجز دائم وآلام وتشويه وكذا سبل إعادة تأهيله نفسيا وإجتماعيا.
ولتحقيق هذا الهدف بذل المرصد الوطني لحقوق الطفل جهودا كبرى عن طريق المركز المرجعي للاستماع للأطفال ضحايا سوء المعاملة لدعم أهداف تأهيل هذه الفئة من الأطفال عن طريق الاستماع إلى الضحايا بواسطة الرقم الأخضر وتقديم المساعدات والاستشارات القضائية لهم أو إرسال الحالات المستعجلة إلى المستشفيات المختصة وكذا دعم برامج التوعية والتحسيس بخطورة الظاهرة وبأهمية إخضاع الأطفال الضحايا إلى عملية العلاج والتأهيل وفي ذلك يقول"سعيد الراجي" مدير المرصد الوطني لحقوق الطفل: "بأن أهم شيء نلمسه هو الوعي الذي أصبح لدى الأسر المغربية، بحيث أصبحت العائلات المغربية تأتي رفقة أبنائها إلى المرصد لتشتكي" ويضيف "بأننا نسجل ارتفاعا في عدد الشكاوى وليس في عدد الجرائم وهذا يدل على الوعي الذي حصل لدى العديد من فئات المجتمع خاصة بعد الحملات الإعلامية التي قمنا بها من اجل التحسيس بخطورة الظاهرة" .
وفي هذا السياق فقد تمت الدعوة لوضع برامج حديثة ومتطورة لتكوين وإعادة تكوين الأطر المشرقة على خلايا الاستقبال وكافة الأطراف والأشخاص المتدخلين في مجال حماية الأطفال الضحايا.
ولتحقيق هذه الدعوات فقد تم إحداث خلايا في المراكز الاستشفائية الكبرى لتعنى بهذه المهمة، كما هو الشأن بالنسبة لمصلحة الفحص الطبي والقضائي بالمستشفى الجامعي "بن رشد" بالدار البيضاء التي تستقبل حالات الاعتداءات الجسدية والجنسية التي يقع الأطفال ضحيتها. حيث ارتفع عدد الواردين على هذه المصلحة خاصة الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية والجسدية، وبعد تواتر مثل هذه الحالات بدأ المستشفى يحرر شهادات طبية شرعية ويحيلها على وكيل الملك لمتابعة مرتكبيها، خصوصا وأن الآباء كانوا يحجمون عن التبليغ بسبب الخوف أو تجنب الفضيحة وضمت هذه المصلحة مجموعة من الأطباء المتخصصين في الخبرة الطبية ويعملون على تجميع حالات الضحايا عبر فحصهم وأخذ معلومات كاملة عن أوضاعهم، ثم توجيهها إلى المختصين في الطب النفسي للأطفال لمساعدتهم للتغلب على وضعهم النفسي المتأزم، وانطلاقا من هذه الحالات تقوم المصلحة بوضع إحصائيات محلية عن الظاهرة، كما لاحظ الفريق الطبي في هذه المصلحة من خلال التجربة اليومية أن الأطفال المعتدى عليهم جسديا صنفان: فهناك حالات الأطفال المصدومين والذين لا يتكلمون ولا يتجاوبون مع العلاج، ومثل هذه الحالات تعقد مسألة التوجيه والعلاج. وهناك صنف آخر من الأطفال تكون حالتهم مخالفة تماما إذ يتحدثون بتلقائية وكأن ما وقع لهم نوع من اللعب، خاصة عندما يكون الجاني شخصا له سلطة معنوية عليهم بحيث كثيرا ما تعرض على المصلحة حالات لأطفال استغلهم الكبار لبعض الممارسات الشاذة دون أن يعوا بأن ما تعرضوا له أمرا مشينا. وبهذا الخصوص صرح الدكتور سعيد الواهية رئيس مصلحة الفحص الطبي بان أغلب ضحايا العنف الجسدي والجنسي هن خادمات بيوت، بسبب انعدام الحماية وصغر سنهم وبعد العائلة أو فقرها أو جهلها لتبقى الفتاة عرضة لانتهاك جسدها وعرضة لكل أنواع العذاب .
وعلى الرغم من إيلاء أهمية كبرى للجانب الطبي في إعادة تأهيل الطفل الضحية باعتبار علاج الطفل ضحية سوء المعاملة أول تدبير يمكن مباشرته فإن هذا التدبير يواجه العديد من العراقيل والمعوقات التي تحد من فعاليته بل وتقصيه في بعض الأحيان.
ويرجع السبب في ذلك إلى غياب بنيات متخصصة لاستقبال الأطفال الضحايا في أغلب المستشفيات باستثناء بعض المصالح المختصة التي تم إنشاؤها في بعض المراكز الاستشفائية الكبرى بالرباط والدار البيضاء وهو ما يجعل مأمورية إعادة تأهيل الطفل الضحية طبيا جد صعبة خاصة وأنه لا يمكن لكل أسر الضحايا أن تتوجه إلى هذه المراكز بسبب بعدها أو بسبب ضعف الإمكانيات المادية.
وحتى في حالة الاستعانة بأطباء في مراكز الاستشفاء الإقليمية في المناطق القروية والشبه الحضرية، فإن أغلبها تفتقد إلى أخصائيين في الطب النفسي مما يعقد مأمورية العلاج وإعادة التأهيل.
وبناء على ما سبق، يمكن القول بأن المغرب تنقصه استراتيجية واضحة ومتكاملة من أجل إعادة تأهيل الأطفال، ضحايا سوء المعاملة. ولمواجهة هذا الخلل تقوم بعض جمعيات المجتمع المدني بمبادرات خاصة من أجل مساعدة الضحايا وإعادة تأهيلهم إلا أنها صادفت مشاكل عويصة والمتمثلة في محدودية الأماكن المخصصة للإيواء وضعف الميزانيات المخصصة وفي هذا الخصوص صرحت "نبيلة التبر" مديرة المعهد الوطني للتضامن مع النساء في وضعية صعبة بأن المشكلة تكمن في أن لدى الجمعية المقدرة للاحتفاظ بالطفلات لمدة 6 أشهر فقط، في حين تحتاج أغلب الطفلات فترة أكثر خاصة إذا كن حوامل بسبب الاستغلال الجنسي، وتزداد هذه المشكلة استفحالا عندما ترفض عائلة الضحية بسبب الشعور بالعار.
وبما أن التجربة المغربية في مجال إعادة تأهيل الطفل الضحية لازالت محتشمة فإنه لا بأس من التعرض إلى بعض التجارب العربية الرائدة في هذا المجال، كتجربة "دار الأمان لحماية الطفل" بالأردن حيث تم تأسيس مراكز لحماية الطفل "التدخل والعلاج" متخصصة أساسا في إعادة تأهيل الأطفال الضحايا ويستقبل المركز كل أشكال انتهاكات الأطفال سواء كانت جنسية أو بدنية أو بسبب الإهمال. ويعتبر برنامج حماية الطفل برنامجا طموحا جدا، حيث يقوم حاليا عدد من الخبراء والمهنيين في مجال تنمية وسلامة الطفل بوضع الخطط لتطوير وتوسعة وسائل التدخل/العلاج والوقاية من خلال العديد من المشاريع التي تشمل تصميم وتطوير وعقد برامج تدريبية وجلسات علاج وتقديم استشارات نفسية وقانونية، إضافة إلى عدد من المحاضرات والمواد الإعلامية المسموعة والمرئية، وبرامج متلفزة تعالج تلك القضايا وينظر حاليا إلى "دار الأمان" على انه أول مركز إيوائي من نوعه في الأردن مخصص لاستقبال حالات الإساءة للأطفال والذين يقعون تحت خطر محقق جسدي جنسي أو نفسي إذا بقوا في بيئاتهم الأولى ويعد منشأة متخصصة تؤوي وتعالج الأطفال المساء إليهم بالإضافة إلى تأهيلهم بغية إدماجهم من جديد في المجتمع .
وإجمالا إن وضعية الطفل الضحية لا تبعث على الارتياح لذا يتعين على كل المهتمين بقضايا الطفولة في بلادنا صياغة استراتيجية وطنية متكاملة لإقرار حماية خاصة للطفل الضحية.
المطلب الثاني: حق الطفل الضحية في التعويض عن الضرر:
كما أسلفنا، تترتب عن جرائم إساءة معاملة الطفل أضرارا عدية قد تمس جسده حياته، نفسيته وشرفه... لذلك فالتعويض المدني المحكوم به لصالح الطفل كما يجب أن يشمل الأضرار التي تمس كيان الطفل المادي (الفقرة الأولى) يجب أن يشمل الأضرار التي تمس كيانه المعنوي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تعويض الضرر الناتج عن المساس بالكيان المادي للطفل:
الإنسان بحكم إنسانيته، منَّ الله عليه بالحق في الحياة هذا الحق الذي يكفل للشخص أن يستمتع بوجوده وبكل ما هو مرتبط بحياته ارتباطا لا انفصام له من مكانات وميزات وهبها له الخالق عز وجل وجعله بها قادرا على القيام بالأعمال الضرورية لحياته من جهة، ومن جهة أخرى على القيام بالعمل ليكسب قوته ويعول أسرته.
هذه القدرات تشكل في مجموعها حق الفرد في الحياة وحقه في السلامة البدنية وهي في حد ذاتها تكون فيما لا تقل في أهميتها عن الحقوق المالية الأخرى التي تثبت له، إن لم تكن أكثر أهمية وخطرا، فإذا كانت حقوق الإنسان المالية تجعل له ذمة تتضمن تلك الحقوق تعرف بالذمة المالية، فإن مكونات حقه في الحياة تستأهل بالضرورة وجود ذمة تتضمنها تسمى بالذمة الأدبية وهي ذمة غير مالية تتضمن حقوقه الأدبية كما تتضمن الأولى حقوقه المالية .
ولما كان الطفل ضحية سوء المعاملة عرضة للضرر الذي يمس حقه في الحياة وسلامته البدنية وشرفه فإنه يحق له الحصول على تعويض عن كافة الأضرار التي تصيبه.
وإذا كان الضرر الجسمي يتسم بأهمية خاصة ومشتقة من أهمية الجسد الإنساني، فإن تعويض هذا الضرر لم يكن قط أمرا سهلا، فقد عجز الفكر القانوني حتى الآن عن الخروج بمعادل دقيق لما يلحق بالجسد الإنساني من وجوه الأذى سواء تعلق الأمر بإزهاق الروح أو إصابات .
وقد عرفت المادة 98 من ق.ل.ع الضرر الجسمي على أنه الخسارة التي تلحق المجني عليه فعلا والمصروفات التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ألحق أضرارا له، وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج الفعل الذي ألحق أضرارا به"، كما عرفه بعض الفقه بأنه كل ضرر يصيب الضحية في جسمه فيترتب عنه إصابات جسمية تحمله مصروفات التداوي أو تعجزه عن الكسب كما قد يترتب عنه موت الضحية لأنه يفقد أثمن شيء مادي يملكه وهو الحق في الحياة .
والضرر الذي يصيب جسم الطفل يمكن تقسيمه حسب مقتضيات المادة 98 ق.ل.ع إلى قسمين وهما: ما لحق الطفل من خسارة أو ما فاته من كسب وما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج الفعل الضار الذي وقع ضحيته.
فحماية سلامة جسد الطفل تكمن في أن يظل جسده مؤديا كل وظائف الحياة على النحو الطبيعي الذي ترسمه وتحدده القوانين الطبيعية، وفي أن يحتفظ بتكامله الجسدي وأن يتجنب الآلام البدنية فالاعتداء على الطفل بالضرب والجرح أو بتر عضو من أعضائه أو إلحاق عاهة أو شل حاسة من حواسه كل ذلك تشكل أضرار ناتجة عن المساس بسلامة جسده تستلزم تعويضا وافيا له، لأنه حرم من وظيفة عضو من أعضائه بشكل مؤقت أو دائم، خاصة وأن الطفل إنسان لازال في مراحل حياته الأولى.
لذا، على القضاء أن يأخذ بعين الاعتبار حداثة سن الضحية عند تقدير التعويض المستحق ، فإذا ترتب عن فعل من أفعال إساءة معاملة الطفل ضرر لحق جسمه، فإن ذلك قد يحرمه من اختيار بعض المهن مستقبلا، كما قد يحرمه من ممارسة بعض الألعاب الرياضية وتكوين حياته المستقبلية.
وعلى هذا الأساس نصت المادة 108 ق.ج على أن التعويضات المدنية المحكوم بها يجب أن تحقق للمتضرر تعويضا كاملا عن الضرر الشخصي الحال المحقق الذي أصابه مباشرة من الجريمة، خاصة وأن هذا التعويض. سيمكن متولي شؤون الطفل من تغطية المصاريف القضائية بالإضافة إلى مصاريف العلاج الذي سيسهل حتما تأهيله ودمجه من جديد في المجتمع.
وبما أن للقاضي السلطة التقديرية في تحديد مبلغ التعويض، فإن ذلك لا يمكن أن يتم اعتباطيا، خاصة كلما تعلق الأمر بالطفل ضحية سوء المعاملة، لذلك فإنه يتعين على القاضي اعتماد تقارير الخبرة الطبية وكذا تقارير المساعدات الاجتماعيات قبل تحديد مبلغ التعويض المقترح.
ومراعاة للمصالح المدنية للطفل هذه يجب أن تشمل الأوامر القضائية التمهيدية المعينة للخبير على تحديد نسب العجز الكلي المؤقت والعجز الجزئي الدائم والآلام والتشويه... وأن يرتب البطلان على عدم إدراجها.
لأن إعطاء مطلق السلطة التقديرية للقاضي لتحديد مبلغ التعويض عن الضرر قد يهدر حق الطفل المجني عليه في الحصول على تعويض يجبر الأضرار التي أصابته خاصة وأن هذه السلطة التقديرية تنفلت من رقابة المجلس الأعلى حيث جاء في إحدى قرارات هذا الأخير بأن "تحديد مبلغ ما كتعويض في حدود ما طالب به المدعون بالحق المدني لتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة يرجع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع، ولا شيء يحتم عليهم، ما لم تقم لديهم منازعة بشأن عنصر بعينه من عناصر الضرر أن يبروا بأسباب خاصة مبلغ ما يحكمون به من تعويض، وعليه فإن قضاة الموضوع عندما اعتمدوا على استئناف المطالبين بالحق المدني بأن أصحاب الحق المدني بينوا أن القدر المحكوم به لصالحهم قليل بالنسبة للخسارة الواقعة في الأرواح، وأن طلبهم يرتكز على تقارير الخبراء لإثبات مسؤولية المتهم يكونون قد استعملوا سلطتهم التقديرية غير الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى، وعللوا ما قضوا به تعليلا كافيا" .
وتجب الإشارة إلى أن إصابة الطفل في سلامة جسده غالبا ما ينشأ عنها الضرر المادي والضرر الأدبي في نفس الآن، وقد يشمل الضرر الأدبي في هذه الحالة تلك الأضرار التي تنشأ عن الجروح أو الكسور أو غيرها من أنواع الإيذاء. لذلك حرص المشرع المغربي في المادة 78 ق.ل.ع. على التنصيص على شمول التعويض للأضرار المادية والمعنوية أيضا، فأفصح بذلك عن قابلية الضرر الأدبي كنتيجة لفعل الاعتداء للتعويض شأنه في ذلك شأن الضرر المادي، ويشمل هذا الضرر ما يعانيه المتضرر من آلام وأحزان جسدية ونفسية من جراء إصابته في جسده، خاصة كلما تعلق الأمر بالطفل نظرا للوقع الخطير لنتائج الاعتداء على نفسيته الفتية.
فلا يمكن أن نتصور الآلام النفسية التي يمكن أن يكابدها الحدث جراء بتر عضو من أعضائه، كما يحصل عادة في بعض ورشات العمل التي تشغل الأحداث وخير مثال على ذلك الحادثة المؤلمة التي راح ضحيتها الطفل "عثمان مستقيم" الذي بترت يداه في ورش لصناعة الأحذية بمدينة فاس بسبب الإهمال واللامبالاة ، فأي تعويض يمكن أن يهدئ من روع نفسية هذا الطفل الذي أصبح معاقا، عالة على أسرته وعلى المجتمع؟
لذا على القاضي أن يأخذ بعين الاعتبار مثل هذه الحالات التي تستلزم تعويضا مرتفعا يعتمد عليه الحدث في علاجه وليشكل مصدر رزق له في المستقبل.
وعليه يجب أن يشمل التعويض عن الأضرار التي تصيب جسد الطفل ضحية سوء المعاملة، خسارة بعض القيم غير المالية كالسعادة، وفقدان صور الجمال ومتع الحياة التي يترتب عن فقدانها أضرارا أدبية تختلف أشكالها كالآلام الجسمية التي يحسها الطفل المصاب في لحمه وعظمه والآلام النفسية التي يعانيها نتيجة التشويه الذي حصل له إثر الإصابة والآلام الأدبية لشعوره بالنقص على إثر الإصابة .
وختاما إذا كان يحق للطفل الضحية أن يتلقى تعويضا عن الأضرار الناتجة عن المساس بسلامته البدنية، فإن التساؤل بثور بالنسبة للأضرار اللاحقة به جراء المساس بكيانه المعنوي؟
الفقرة الثانية: تعويض الضرر الناتج عن المساس بالكيان المعنوي للطفل:
يقصد بالضرر الأدبي كل مساس بشرف الشخص أو اعتباره كما في القذف والسب وكل ألم يصيب الإنسان في جسده أو عاطفته كما في الضرب أو الإهانة، وبوجه عام كل اعتداء على حق سواء ترتب على هذا المساس أو الاعتداء في جميع الأحوال خسارة مالية أم لا . كما عرفه الأستاذ الخمليشي بأنه هو الذي يصيب المدعي في حقوقه غير المالية، ولا تترتب عنه خسارة مادية كإصابة جسمه والمس بحريته أو شرفه أو اعتباره كالقذف أو الإعتداء على الأعراض وفي عاطفته وشعوره كقتل قريب أو عزيز أو إصابتهما إصابات جسيمة .
وقد لقي التعويض عن الضرر المعنوي معارضة من الفقه والقضاء في البداية وتركزت المعارضة على أن الشرف والاعتبار يترفعان عن تقويمهما بالنقود وحتى إذا تجاوزنا هذه العقبة الأخلاقية فإنه من المتعذر عمليا تحديد مبلغ النقود كقيمة حقيقية مناسبة للعدالة ليس فيها تفريط ولا إفراط.
لكن المادة 77 من ق.ل.ع. حسمت الإشكال عندما نصت على أن كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار من غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر".
ويتجسد الضرر الناتج عن المساس بشرف الطفل وسمعته أو عرضه... فيما يصيبه من آلام وأحزان وأسى إثر المساس بإحدى هذه القيم المعنوية بسبب القذف أو السب أو هتك العرض مثلا كما قد يترتب عن الضرر الأدبي أيضا أضرار مادية مثل الحالة التي يصاب فيها الطفل بمرض نفسي جراء المساس بشرفه والتي قد يضطر لعلاجها عند أخصائي الطب النفسي. لأن استمرار تعرضه لمثل هذه الأمراض النفسية قد تتسبب في ضياع مستقبله الدراسي، فقد ثبت بأن معظم الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء على أعراضهم تتراجع مستوياتهم الدراسية والأخطر من ذلك أن بعضهم يتمسك بفكرة الإنقطاع عن الدراسة خاصة إذا كان الجاني أحد أفراد الهيئة التدريسية وشاع الخبر بين زملاء الطفل الضحية.
وإذا كانت سلامة الإنسان هي عبارة عن قيمة أدبية تقتضي كرامة الإنسان بحكم آدميته الحفاظ عليها، فإن للطفل من حيث هو إنسان الحق في أن يطلب من الغير إحترام كرامته وسلامة باقي حقوقه الأدبية كما أن له الحق في أن له في أن يجبر المعتدي على دفع التعويض عن كل ضرر يلحقه بهذه القيم التي يتوقف عليها تكامل كيانه.
فالطفل مهما تواضعت قيمته الاجتماعية، ومهما كان صغير السن، يجب الحفاظ له بالحد الأدنى من هذه القيم، فكما سبق وأشرت في القسم الأول من هذا البحث فالعنف اللفظي اتجاه الطفل يمكن أن ينطوي أحيانا على توجيه كلمات نابية وجارحة والتي قد تسبب له أضرارا نفسية خطيرة قد تضطره لطلب العلاج النفسي ومن ثم فإن له الحق في طلب التعويض عن هذه الأضرار.
ومن بين الصور الأخرى للاعتداءات التي تنضوي ضمن هذا النوع من الأضرار التي تمس شرف الطفل وسمعته، الدعاوى القضائية الكيدية التي قد يرفعها الزوج ليتنكر نسب أطفاله انتقاما من زوجته التي انفصلت عنه.
وحتى لو كان الابن غير شرعي، فقد انتقد بعض الفقه، فكرة إبعاد الأبناء غير الشرعيين من طلب التعويض عن الضرر الأدبي، ذلك أن هذا الولد لا ذنب له فهو مجني عليه، فإذا كانت العلاقة التي نشأ عنها هذا الوالد غير مشروعة فإن آثارها يجب أن تقتصر على طرفيها وأن لا يضار بها الولد.
وعليه فإنه يجب تمكين الطفل الطبيعي من الحق في طلب التعويض من أبيه الطبيعي عن الضرر المعنوي الذي لحقه، لكونه نشأ من سفاح وخاصة إذا كانت الأم ضحية اغتصاب.
وعلى ضوء ما سبق يمكن القول، بأن كل اعتداء تعرض له الطفل وترتبت عنه أضرار أدبية فإنها تستوجب التعويض سواء كانت آلاما جسمانية أو نفسية لمساسها بعاطفته أو كرامته أو بأية قيمة من القيم الأدبية التي يحرص الناس جميعا على حمايتها.
وعلى الرغم من كون التعويض عن الأضرار المعنوية تثير صعوبات كبرى في تحديدها إلا أنه يتعين أن يكون التعويض حقيقيا وليس رمزيا، وهذا وما سار عليه المجلس الأعلى بدوره عندما نقض قرارا صادرا عن محكمة الاستئناف بطنجة والذي قضى بتخفيض الضرر المعنوي في درهم رمزي، بعلة أن الغاية من تعويض الضرر المعنوي ليس تحقيق نفع مادي بل رد الاعتبار للشخص المتضرر، حيث جاء فيه "إن التعويض عن الضرر المعنوي كالتعويض عن الضرر المادي يجب أن يكون كاملا ومناسبا للضرر لا مجرد تعويض رمزي" وحيث إن قضاة الاستئناف عندما اقتصروا على منح درهم رمزي للطاعن على أساس أن التعويض عن الضرر المعنوي ليس الغاية منه النفع المادي يكونون قد خرقوا مقتضيات الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود وعرضوا قضاءهم للنقض" .
وبهذا الخصوص يقول الأستاذ "فرانسوابول بلان" بأن التعليل الذي عللت به محكمة الاستئناف بطنجة قرارها، كان يمكن أن يكون صائبا لو كانت غاية المسؤولية المدنية تهدف حقا إلى محو الضرر لكن التعويض لا يعني المحو ولا ينطبق هذا المثل أيضا على الضرر المادي، إذ أن فقدان عضو مثلا لا يمكن محوه على أنه في مقابل ذلك، يمكن ترميمه بواسطة تعويض نقدي وهي الطريقة الوحيدة .
والقاضي هو الذي سيضطلع بدوره حسب كل حالة لتقدير قيمة الضرر ليس لمحو الضرر المعنوي، بل لجبره عن طريق تمكين الطفل الضحية من الحصول على مبلغ مالي يجعله يشعر أنه حقق نتيجة مرضية تعادل قيمه المعنوية التي مست. حتى وإن كانت فكرة التعويض المالي للضرر تبقى في حد ذاتها غير مناسبة، لأن سلامة الطفل لا يمكن أن تقدر بمال ولا يمكن للمال أن يمحو أو يجبر الضرر الحاصل له مهما كانت قيمة التعويض مرتفعة جدا.
الخاتمـة:
بعد هذه الإطلالة على أوجه الحماية الجنائية التي أقرها المشرع للطفل ضحية سوء المعاملة بأبعادها المختلفة بالإضافة إلى إبرازنا لدور القضاء في تفعيل هذه الحماية تبين لنا بالملموس أن الحماية الجنائية المنشودة نسبيا متوفرة لكن تعتريها مجموعة من النواقص والمعيقات.
ولتجاوز هذه النواقص والمعيقات توصلت إلى مجموعة من الاستنتاجات من خلال محاور هذا البحث والتي يمكن الإعتماد عليها في دعوتنا لإعادة النظر في السياسة الحمائية للطفل ضحية سوء المعاملة:
1- ضرورة تدخل المشرع من جديد لتلافي مكامن الخلل والقصور في النصوص الحمائية لتجاوز الثغرات التي تعاني منها.
2- تفعيل دور القضاء من أجل ضمان التطبيق الحسن للمقتضيات الحمائية ضمانا لمصلحة الطفل، وهذا لن يتأتى ما لم يقم المغرب بإعادة تكوين القضاة الحاليين تكوينا قانونيا ونفسيا واجتماعيا... يتلاءم مع مستجدات الساحة التشريعة المغربية وكذا تكوين أطر قضائية جديدة لها تكوين مسبق في ميدان الأسرة والطفولة متشبعة بالفلسفة الحمائية للأسرة والطفل.
3- دعم المؤسسة القضائية بالموارد البشرية اللازمة خاصة المساعدات الاجتماعيات لما لهذا الجهاز من أدوار هامة تمكن القاضي من اتخاذ القرار الملائم حماية للطفل.
4- وباعتبار الطفل ضحية سوء المعاملة إنسان يعاني ويتألم يجب إنشاء مؤسسات خاصة لتأهيل هذه الفئة من الأطفال وهذا لن يتأتى طبعا دون إعطاء الأولوية للطفولة ضمن الميزانيات الوطنية لتمكين القطاعات التي تعنى بالطفل الضحية من الحصول على الإمكانيات والوسائل اللازمة لتحقيق أهدافها.
5- تسخير كافة الجهات والوسائل المتاحة ليس للتحسيس فحسب وإنما للتحذير من خطورة إساءة معاملة الأطفال على المجتمع، لأن الإساءة إلى الطفل لا يمكن إلا أن يجعل منه شخصا ميالا للجنوح والانحراف والانتقام لنفسه خاصة إذا لم يحظ بالحماية اللازمة.
6- تفعيل دور المجتمع المدني وكذا الجمعيات المختصة لتشكل دعما للجهات الرسمية:
*للتبليغ عن جرائم إساءة معاملة الأطفال بحكم اتصالها المباشر بالأطفال المساءة معاملتهم.
*التوعية والتحسيس بخطورة الظاهرة خاصة الأطفال لتزويدهم بالمعرفة الكافية حتى يتجنبوا الظروف التي قد تؤدي إلى تعرضهم للاعتداءات.
*استضافة الأطفال المساءة معاملتهم ريثما تحل مشاكلهم، خاصة إذا كان الفاعل أحد أفراد الأسرة، لتفادي هرب الطفل إلى الشارع.
7- وعلى أية حال، لا يمكن الوصول إلى هذه الأهداف دون اعتماد مقاربة شمولية يشترك فيها كل الفاعلين في مجال الطفولة لإرساء استراتيجية شاملة، متكاملة وعملية للتصدي للظاهرة، تستقي مضامينها من تجارب الدول السابقة في المجال ومن دراسات الباحثين والمهتمين، استراتيجية تتلاءم وخصوصيات واقعنا الاجتماعي والثقافي وتراعي الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة حتى يمكن تطبيقها بجدية واستعجال.
لائحة المراجع المعتمدة في البحث
أولا: الكتب العامة
*أحمد أجوييد: الموجز في شرح القانون الجنائي الخاص المغربي، الجزء الثاني، كلية الحقوق، فاس، السنة الجامعية 2004-2005.
*أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1999.
*أحمد الخمليشي: القانون الجنائي الخاص، الجزء الثاني، مكتبة المعارف الطبعة الأولى، الرباط 1982.
*الغزالي، إحياء علوم الدين، دار الفكر بيروت لبنان.
*العلمي عبد الواحد: القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1996.
*أديب السلاوي: أطفال الفقر، مطبعة المعاريف الجديدة، ط1، الرباط سنة 2000.
*أحمد المجدوب: زنا المحارم، مكتبة مدبولي، مصر، 2003.
*أحمد الدريج، الأطفال في وضعية صعبة، سلسلة المعرفة للجميع العدد 25، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، سنة 2002.
*أحمد أوزي: سيكولوجية الطفل ونظريات النمو النفسي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية الدار البيضاء، 2003.
*أبو الوفا محمد أبو الوفا: العنف داخل الأسرة بين الوقاية والتجريم والعقاب في الفقه الإسلامي والقانون الجنائي، دار الجامعة الجدية للنشر، الإسكندرية، 2000.
*أحمد فتحي سرور: أصول السياسة الجنائية، دار النهضة العربية القاهرة، دون ذكر الطبعة، 1972.
*إدريس لكريني: السلطة التقديرية للقاضي الزجري، مطبعة التلمساني الطبعة الأولى، فاس، 2004.
*خالد بنيس: دعاوى الحالة المدينة، منشورات جمعية نشر البحوث والدراسات القضائية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 1994.
*سعيد أزكيك: إهمال الأسرة في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص 1986، مطبعة الهلال العربية، طبعة 1992.
*سعيد الفكهاني: التعليق على القانون الجنائي المغربي في ضوء الفقه والقضاء، الجزء الثالث، الطبعة الأولى، الدار العربية للموسوعات، 1993.
*سعد عبد العزيز: الجرائم الواقعة على نظام الأسرة، الديوان الوطني لأشغال التربوية، القاهرة، 2002.
*عبد الحميد أخريف: محاضرات في القانون االقضائي الخاص، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية، 2001-2002.
*عبد العزيز مخيمر عبد الهادي: حماية الطفولة في القانون الدولي والشريعة الإسلامية دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة 1991.
*علي أبو احجيلة: الحماية الجزائية للعرض في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية دار وائل، للنشر ط1 عمان، 2003.
*عصر سامي: أطفال الشوارع، الظاهرة والأسباب، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، القاهرة 2000.
*عبد الوهاب حومد: القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، مطبعة التومي، الرباط 1968.
*عبد الحميد الشواربي: الإثبات الجنائي في ضوء الفقه والقضاء، منشأة المعارف الجديدة، الإسكندرية، 1986.
*فهمي مصطفى محمود، نور الهنا إبراهيم، العنف الأسري في المغرب، مركز سنا للبحوث العلمية والدراسات، الطبعة الأولى،2001.
*محمد ابن معجوز: أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، دون ذكر الطبعة، الدار البيضاء 1998.
*محمد بن معجوز: أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة دون ذكر الطبعة، الدار البيضاء، 1994.
*مصباح مصباح القاضي: الحماية الجنائية للطفولة، دار النهضة العربية الطبعة الأولى، القاهرة، 1998.
*محمود أحمد طه، الحماية الجنائية للطفل المجني عليه، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض، 1999.
*محمد محمود سعيد: حق المجني عليه في تحريك الدعوى العمومية، دار الفكر العربي القاهرة، 1982.
*محمد عياط، دراسة في المسطرة الجنائية المغربية، الجزء الأول، مطبعة بابل الرباط، 1991.
*مجدي محب حافظ: جرائم العرض، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 1993.
*محمد شحات الجندي: جريمة اغتصاب الإناث في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، دار النهضة العربية، 1990.
*هلالي عبد الله أحمد: الحماية الجنائية للأخلاق من ظاهرة الانحراف الجنسي دار النهضة العربية، القاهرة الطبعة الأولى، 1996.
*هلالي عبد الله أحمد: الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة، 1989.
ثانيا: الرسائل والأطروحات:
*أحمد الخمليشي: مسؤولية الأب والأم عن أبنائها القاصرين، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، 1973.
*أشرف توفيق: الحماية الجنائية للحق في صيانة العرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، القاهرة، 1994.
*العزاوي: حماية القاصرين بين التشريع المغربي والشريعة الإسلامية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط السنة الجامعية 1998-1999.
*إدريس ختا: محاكم الأطفال بالمغرب واقع واستشراف، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد اله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، السنة الجامعية 2002-2003.
*خديجة عاشور: الحماية القانونية للمقومات المادية والمعنوية لحقوق الشخصية الإنسانية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية 1998-1999.
*خديجة أبو مهدي: الحماية الجنائية للمرأة في المنظومة القانونية المغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق، فاس، السنة الجامعية 2002-2003.
*رجاء ناجي: قتل الرأفة أو الخلاص، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية الحقوق، أكدال الرباط السنة الجامعية 1999-2000.
*سعاد قلالي: وضعية الطفل العامل بين المواثيق الدولية والتشريع الاجتماعي المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق، فاس، السنة الجامعية 2002-2003
*عبد المجيد غميجة: موقف المجلس الأعلى من ثنائية الفقه والقانون في مسائل الأحوال الشخصية، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق، أكدال، 1999-2000.
*كوثر كيزي: الحماية الدولية للطفل، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2002-2003.
*مراد دودوش: حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي: جانحا وضحية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق، فاس، 2002-2003.
*محمد كرادة: الحق في الأسرة محاولة في التأسيس والحماية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق، فاس، سنة 2002-2003.
*محسن الغازي: وثيقة نيويورك: "عالم صالح للأطفال" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق، فاس، السنة الجامعية، 2002-2003.
*منية عبد الرحيم: أطفال الشوارع، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، 2002-2003.
ثالثا: الندوات والأبحاث:
*محمد ناصر متيوي مشكوري: ملاءمة النصوص الوطنية مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل: منهجية عمل-أولويات-اختيارات، ندوة الأسرة والطفولة تحديات ورهانات، المنظمة من طرف كلية الحقوق بفاس، شعبة القانون الخاص، مع المرصد الوطني لحقوق الطفل يومي 23 و24 نونبر 2000.
*ذياب البداينة: سوء معاملة الأطفال واستغلالهم غير المشروع، أكاديمية ناييف للعلوم الأمنية، أقيمت بالرباط أيام 15-16-17 يناير 2001.
*عائشة التاج، الأطفال المتخلى عنهم أية رعاية اجتماعية؟ ندوة الأسرة والطفل والتحولات المجتمعية، منشورات جمعية الشعلة، الطبعة الأولى، 2001.
*منظمة العفو الدولية: تعذيب الأطفال وإساءة معاملتهم فضائح في الخفاء، عار في طي الكتمان، أمنستي المغرب، الطبعة الثانية، الرباط 2002.
*عبد السلام عسيري: الأنماط التقليدية والمستحدثة لسوء معاملة الأطفال والآثار المترتبة عليها، أعمال الندوة العلمية حول سوء معاملة الأطفال واستغلالهم غير المشروع، أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، نظمت بالرباط، أيام 15-16-17، يناير 2001.
*محمد عبد النباوي: الصلح دور إنساني واجتماعي جديد للنيابة العامة، ندوة: الطرق البديلة لتسوية المنازعات، من طرف شعبة القانون الخاص بكلية الحقوق بفاس بشراكة مع وزارة العدل ونقابة المحامين بفاس يومي 4 و5 أبريل 2003 منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة الندوات والأيام الدراسية العدد2، ط1 2004.
*العنف ضد النساء أية حماية، أعمال المناظرة الوطنية حول العنف ضد النساء، الجمعية المغربية لحقوق النساء مطبعة فضالة المحمدية، 1997.
*الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، التحرش الجنسي جريمة، سلسلة لنكسر الصمت، مطبعة النجاح الجديدة أبريل 2001.
*محمد مرزوكي: السياسة الجنائية في مجال الأسرة والأحداث ومساعدة الضحايا ندوة: السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق، نظمت بمكناس، أيام، 9-10-11 دجنبر 2004 المجلد الأول، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية ع3-4 سنة 2004.
*نجاة الرازي وأخريات: العنف ضد النساء، دراسة في ملفات محكمة الجنايات بالدار البيضاء، أعمال المناظرة الوطنية للجمعية المغربية لحقوق النساء، يناير 1995، الدار البيضاء، مطبعة فضالة، المحمدية 1997.
*عبد العالي بناني سميرس: دور مفتشية الشغل وأثره على القضاء الاجتماعي، الندوة العلمية للقضاء الاجتماعي، الرباط، 1992، منشورات تتمة البحوث والدراسات القضائية.
رابعا: مقالات المجلات
*بوعزة ديدن: حماية الطفل في قانون العقوبات الجزائري، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية الجزء 35، العدد 4، 1997.
*حدو عبد الرحمان: إهمال الأسرة في التشريع المغربي، مجلة الميادين، ع3، 1988.
*صبري الدبيحات: مفهوم وأشكال الإساءة للطفل في الثقافة العربية، مجلة علوم التربية، العدد 22 مارس 2002.
*طلعت منصور: نحو استراتيجية لحماية الطفل من سوء المعاملة والإهمال مجلة الطفولة والتنمية، المجلس العربي للطفولة والتنمية، العدد 4 مجلد 1، 2001.
*علوي جعفر: مفهوم الضحية في القانون الجنائي وفي علم الإجرام محاولة أولية لرصد مجالات الاختلاف والالتقاء، مجلة القانون والاقتصاد، عدد 16، 1999.
*عبد السلام حرمان: مظاهر العقاب البدني وآثاره على الطفل، المجلة الجزائرية للعلوم السياسية والقانونية والاقتصادية، العدد 5-6، سنة 1992.
*عبد العزيز عبد الهادي مخيمر: اتفاقية حقوق الطفل خطوة إلى الأمام أم إلى الوراء، مجلة الحقوق الكويتية العدد 3، 1993.
*عبد الحفيظ بلقاضي: جريمة قتل الأم لطفلها الوليد، مجلة المحاكم المغربية، ع 88-89، 2001
*فرانسوا-بولان: تعويض الضرر المعنوي في القانون المدني المغربي المجلة المغربية للقانون المقارن، ع 5، سنة 1986.
*كمال لدرع: مدى الحماية القانونية والسياسية والاقتصادية، عدد 1-2، 2001.
*محمد ناصر متيوي مشكوري: موقع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في النظام الوطني المغربي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 54-55، 2004.
*محمد مطاع بركات: العدوان والعنف في الأسرة، مجلة عالم الفكر المجلد 27، العدد 4، أبريل يونيو 1999.
*مصطفى دانيال - أحمد شوقس بن يوب: حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة: تطور مقاربة، مجلة للطفل حقوق عدد مزدوج، 5-6 يونيو 2002.
*ميشيل مونسيو: سوء المعاملة وآليات التحمل، مجلة للطفل حقوق، عدد 5-6، يونيو 2002.
*مخلد الطراونة: حقوق الطفل دراسة مقارنة في ضوء أحكام القانون الدولي والشريعة الإسلامية والتشريعات الأردنية، مجلة الحقوق الكويتية، مجلس النشر العلمي، العدد 2 يونيو 2003.
*محمد صبري الجندي، في ضمان الضرر الجسدي الناتج عن فعل ضار مجلة الحقوق الكويتية، العدد 1، مارس 2004.
خامسا: مقالات الصحف
*أحمد بوزيان، محاربة تشغيل الأطفال يجب أن تستثني الأنشطة التي لا تنطوي على مخاطر، جريدة الصباح، السنة الثالثة، ع 889، بتاريخ 18 فبراير 2003.
*الاستعانة بالانتربول للقبض على مستغلي الأطفال جنسيا الأحداث المغربية، 20 مارس 2004.
*سميرة عثمان الصقلي، مؤامرة الصمت والسرية الاعتداء الجنسي على الأطفال، جريدة المستقل الأربعاء، 31 دجنبر 2003.
*جميلة البزيوي، العنف ضد الأطفال، جريدة المستقل من الجمعة 18 إلى الخميس 24 مارس 2005.
سادسا: مواقع الانترنيت
www.Islamonline/arabic/Adam/2003/12/article /11.shtn.1
www.hawadith.G.assabah.press.ma.
www.hedayah.net/modules.php?nam=News et Files=print26/05/05=et sid=263.
www.Tuneziene.net/breve.php3?id_breve=783.
https://www.aman jordan. Org/Arabic.news.
Bibliographies:
1.Traités et ouvrage
• B.L’Herbier-Malbranque, la protection de l’enfant maltraité, protéger, aider, punir et collaboration, l’Harmattan, 2000.
• Bénedicte Manier : Le travail des enfants dans le monde, Edition la découverte, Paris, 1999.
• Grosso, la protection de l’enfant en droit pénal, Rapport Italiens, Henri Capitant, 1979.
• Henry Solus. Jaques Ghestin, la protection de l’enfant contre ses parents, Librairie Générale de droit et de Jurisprudence, Paris, 1984.
• Ines Angelino : L’enfant, la famille, la maltraitance DUNOD, 2ème édition, 2001.
• Marie-thérèse Colpin : Enfance de la violence de l’enfance, L’harmattan, Paris, 1999.
• Roselyme Nerac Croisier, le mineur et le droit Pénal Logiques Juridiques, l’Harmattan, Paris, 1998.
2-Les articles de revues :
• ARIANE Picco-Margrossin, L’utilisation d’enfants dans les films pornographiques R.I.D.P. N°3-4, 25-30 SEPTEMBRE 1979.
• Chazal de Mouriac, la protection pénale de l’enfant en France. R.I.D.P. N° 3-4, 25-30 sept 1979.
• Griacomo Canepa, les tendances actuelles de la protection pénale de l’enfance problème criminologique et médico, légaux, R.I.D.P N° 3-4, septembre 1979.
فهــــرس الموضوعات
الصفحة
تقديم عام............................................... ................................ 1
القسم الأول: مظاهر الحماية الجنائية للطفل ضحية سوء المعاملة......................... 13
الفصل الأول: الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة وسلامته البدنية والنفسية......... 16
المبحث الأول: الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة والنماء....................... 17 المطلب الأول: حماية الطفل من القتل........................................... 17
الفقرة الأولى: الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة جنينا ووليدا............... 17
أولا: تجريم الإجهاض........................................... ............ 18
ثانيا: جريمة قتل الأم لوليدها........................................... ..... 22
الفقرة الثانية: قتل الطفل خلال باقي مراحل حياته.............................. 24
المطلب الثاني: الحماية الجنائية للطفل المعرض للخطر.......................... 28 الفقرة الأولى: حماية الطفل من الإختطاف.............................. 28
الفقرة الثانية: الحماية الجنائية للطفل المتخلى عنه والطفل المهمل............... 33 أولا: حماية الطفل المتخلى عنه................................... 33
ثانيا: حماية الطفل من جرائم إهمال الأسرة............................... 36
المبحث الثاني:الحماية الجنائية لحق الطفل في سلامته البدنية والنفسية.............. 40 المطلب الأول: حماية الطفل من الإيذاء البدني................................... 41
الفقرة الأولى: الإيذاء البدني العادي ضد الطفل............................... 41
الفقرة الثانية: الإيذاء البدني بقصد التأديب.................................... 46
أولا: مبررات إقرار حق الطفل في التربية والتهذيب...................... 46
ثانيا: تجريم التعسف في تأديب الطفل.................................... 49
المطلب الثاني: الحماية الجنائية للطفل من الإيذاء النفسي......................... 53
الفقرة الأولى: تجريم العنف اللفظي ضد الطفل................................ 53 الفقرة الثانية: إنكار نسب الطفل أو إدعائه، مساس خطير بنفسية الطفل........ 57
الفصل الثاني: الحماية الجنائية لأخلاق الطفل وصحته................................... 62
المبحث الأول: الحماية الجنائية لعرض الطفل وأخلاقه................................ 63
المطلب الأول: حماية الطفل ضحية الإغتصاب وهتك العرض.................... 63
الفقرة الأولى: تشديد عقوبة اغتصاب قاصر.................................... 64
الفقرة الثانية: تشديد عقوبة هتك عرض قاصر.................................. 68
المطلب الثاني: حماية الطفل من باقي أنواع الإعتداءات الجنسية.................. 73
الفقرة الأولى: حماية الطفل من التحرش الجنسي................................ 73
الفقرة الثانية: تجريم تحريض الأطفال على الفساد وتسخيرهم في الأعمال
الإباحية.......................................... ................. 78
المبحث الثاني: الحماية الجنائية لصحة الطفل......................................... 83
المطلب الأول: تجريم الإهمال الصحي للطفل.................................... 83
الفقرة الأولى: حق الطفل في الرعاية الصحية.................................. 83
الفقرة الثانية: الضمانات الحمائية لحق الطفل في الرعاية الصحية............... 88
المطلب الثاني: تشغيل الأطفال مساس بحق الطفل في الصحة.....................91
الفقرة الأولى: حماية الطفل من الاشتغال في سن مبكرة؛ حماية لصحته.......... 91
الفقرة الثانية: منع تشغيل الأطفال في الأعمال الشاقة والخطرة، حمايــة
لصحة الطفل............................................. .........96
القسم الثاني: حماية قانونية ناقصة ودور القضاء في تجاوزها............................ 100
الفصل الأول: محدودية الحماية القانونية......................................... 102
المبحث الأول: تجليات محدودية الحماية الجنائية للطفل ضحية سوء المعاملة.... 103
المطلب الأول: حماية جنائية محدودة للطفل ضحية زنا المحارم............... 103
الفقرة الأولى: زنا المحارم بالمغرب: واقعه وانعكاساته على الطفل.......... 104
الفقرة الثانية: غياب مفهوم جريمة زنا المحارم في القانون المغربي.......... 107
المطلب الثاني: حماية جنائية محدودة للطفل في وضعية صعبـة والطفـل
ضحية جرائم إهمال.......................................... 112
الفقرة الأولى: حماية قانونية ناقصة للطفل في وضعية صعبة................. 112 الفقرة الثانية: حماية جنائية محدودة للطفل ضحية جرائم إهمال الأسرة........ 116
المبحث الثاني: ضعف تطبيق النصـوص الحمائيـة بيـن قصور آليـات الرقابـة
وتشتت النصوص الحمائية.......................................... .... 119
المطلب الأول: ضعف مفتشيـة الشغـل؛ استدامة لإساءة معاملة الأطفال
في ميادين العمل............................................. . 120
المطلب الثاني: تشتت النصوص الحمائية للطفل................................ 123
الفصل الثاني: الحماية القضائية للطفل ضحية سوء المعاملة.............................126
المبحث الأول: دور القضاء في حماية الطفل ضحية سوء المعاملة.................... 127
المطلب الأول: الضمانات القضائية لحماية الطفل الضحية........................ 127
الفقرة الأولى: إقامة الدعوى العمومية ضد الجاني.............................. 127
الفقرة الثانية: الحق في المطالبة بالتعويض عن طريق الدعوى المدنية التابعة... 133
المطلب الثاني: سلطة القاضي الزجر في تقدير وسائل الإثبات؛ ضمانة
لحماية حق الطفل الضحية................................ 136
الفقرة الأولى: سلطة القاضي الزجري في تقدير وسائل الإثبات القضائية.. 137
الفقرة الثانية: سلطة القاضي الزجري في تقدير وسائل الإثبات العلمية... 140
المبحث الثاني: حق الطفل ضحية سوء المعاملة في التأهيل والتعويض................ 144 المطلب الأول: حق الطفل الضحية في التأهيل............................ 144
الفقرة الأولى: مبررات إقرار حق الطفل الضحية في التأهيل................... 144
الفقرة الثانية: معيقات تأهيل الطفل الضحية.................................... 150
المطلب الثاني: حق الطفل الضحية في التعويض عن الضرر.................... 154
الفقرة الأولى: تعويض الضرر الناتج عن المساس بالكيان المادي للطفل........ 154
الفقرة الثانية: تعويض الضرر الناتج عن المساس بالكيان المعنوي للطفل........ 158
الخاتمة........................................... .......................................162
لائحة المراجع المعتمدة.......................................... ........................164
كلمة شكر
أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى أستاذي الجليل الدكتور أحمد أجوييد، رمز العلم والتواضع الذي تجشم عناء الإشراف على هذا البحث بتوجيهاته السديدة وإرشاداته النيرة.
كما أتقدم بجزيل الشكر إلى أستاذي:
الطيب خاي سيدي وجعفر علوي،
لقبولهما مناقشة هذا العمل
كما أشكر جميع أساتذتي في وحدة البحث والتكوين "الأسرة والطفولة" الذين أطرونا وساهموا بشكل فعال في الرفع من مستوانا العلمي والثقافي وخاصة أستاذي الجليل محمد ناصر متيوي مشكوري صاحب فكرة وحدة التكوين والبحث الأسرة والطفولة.
فلكم مني جميعا أساتذتي
الكرام أرقى عبارات الشكر
والامتنان.
إهـــــــــداء
إلى جدي وجدتي أطال الله في عمرهما.
إلى أمي رمز الحنان والفضيلة والعطاء بدون كلل،
إلى أبي مدرستي الأولى التي تعلمت منها المزج، بين الصبر، العلم والأخلاق،
إلى جميع أخواتي وإخوتي،
إلى جميع عماتي وأعمامي خاصة المعطاء عمر.
إلى جميع خالاتي وخالي الوحيد محمد.
إلى كل طلبة وحدة الأسرة والطفولة خاصة محمد أقاش، عبد الواحد الرحماني، كريم متقي.
إلى كل أطفال العالم
أهدي هذا العمل المتواضع.
جامعة سيدي محمد بن عبد الله شعبة القانون الخاص
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وحدة التكوين والبحث
ظهر المهراز – فاس الأسرة والطفولة
الحماية الجنائية للطفل
ضحية سوء المعاملة
بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص
قانون الأسرة والطفولة
إعداد الطالب: تحت إشراف الأستاذ:
محمد عـزوزي. الدكتور: أحمد أجوييد.
لجنة المناقشة:
الدكتور أحمــد أجـويـيـد: أستاذ بكلية الحقوق بفاس مشرفا ورئيسا
الدكتور..........................: أستاذ بكلية الحقوق بفاس. عضوا.
الدكتور .........................: أستاذ بكلية الحقوق بفاس. عضوا.
السنـة الجامعيــة
1425-1426هـ
2005-2006م
لائحــــة الرمـــــوز
ص : الصفحة
ف : فقرة
ط : طبعة
س : سنة
ج : جزء
ع : عدد
ق.م.ج.م : قانون المسطرة الجنائية المغربي
ق.ج.م : القانون الجنائي المغربي
ق.ل.ع : قانون الالتزامات والعقود
ق.م : قانون المسطرة المدنية
م.أ : مدونة الأسرة
م.ش : مدونة الشغل