https://www.aleqt.com/2011/01/26/article_496414.html
الجمال إحساس وشعور وانجذاب وقيمة إنسانية عليا ، وهو أحد القيم الكبرى في الوجود ( الخير – الحق – الجمال ) والتي توصل إليها الإنسان عن قناعة بعد أن شغلت فكره ردحاً من الزمن ، وتحت مظلة هذه القيم الكبرى الثلاث تندرج القيم الإنسانية الأخرى وتعتبر فروعاً لها .. وقد اتفق البشر على حب الجمال ولكنهم اختلفوا في تعريفه وتفسيره.
فالجمال في معناه المطلق صعب التحديد فليس هناك قاعدة عامة يمكن أن تحدد بواسطتها المقاييس لما هو جميل ، فالناس ليسوا على درجة واحدة في الشعور بالجمال ، كما أن لثقافة الفرد وحضارته وللمشاعر التي تربى فيها والعادات التي شب عليها دور في تقييم مظاهر الجمال ، إذن للجمال مفهوم نسبي ومعايير تختلف من شخص إلى آخر ، لكن مهما اختلفت مقاييس الجمال فيبقى أن نتلاقى حول نتيجة واحدة وهي أن كل ما من شأنه أن يحقق اللذة والارتياح والرضا فهو جمال بحد ذاته.
والإنسان منذ أن خلقه الله وهو مفطور على حب الجمال فهي غريزة أصيلة في ذاته ووجدانه لكنها تحتاج إلى رعاية واهتمام ، فتذوق الجمال والإحساس به ملكة قابلة للنمو والتدريب والتهذيب ، ومن هنا يأتي دور الآباء والمربين في تعميق هذا الشعور في نفس الطفل والناشئ وتحبيب الجمال إليهما .. إن تربية الذائقة الجمالية في الإنسان منذ صغره تجعله ينتبه إلى الجوانب الجمالية في الحياة وفي الكائنات ، ويحس بها ويقدرها ويتذوقها ويستمتع بها ويعمل على حفظها وتنميتها ، كما تجعل لديه مع مرور الوقت حساسية فائقة تجعله يقرأ الجمال في كل شيء من حوله في الفعل والقول والسلوك والأشياء .. حساسية ذات رؤية صحيحة قادرة على النقد والانتقاد وإصدار الحكم الجمالي على الأشياء وتذوقها ، وإسقاط كل ماهو قبيح وتمييزه .. من خلال تربية الذائقة الجمالية يتعلم الطفل أن يتجاوز مشاعره الأولى وأحاسيسه البدائية إلى آفاق أوسع وأرحب يتذوق من خلالها الجمال ويتأثر به أينما وجد.
ويتعامل مع حالة التنوع والتعدد الموجود في الطبيعة والحياة الإنسانية بروح إيجابية وبمنظور جمالي ، وهذا ما يعطي حياته بعداً آخر ومعناً بهيجاً .. التربية الجمالية تتناول كل ميدان يمكن أن تهيم به نفس الإنسان بدءاً من الرسم وكتابة الشعر إلى الرياضة واللعب ، فالجمال معناً عام في الحياة لا ينحصر في القضايا والمسائل الحسية وهو حقيقة ثابتة قد يستفز مشاعرنا من خلال مشهد نراه ، أو كلمة نسمعها ، أو رائحة نشمها ، أو طعام نتذوقه ، أو ملمس نلمسه ، وهو قيمة وفلسفة وأسلوب ، وهو طريقة في الحياة ، ويمكننا أن نمارس الجمال كسلوك ونستشعره من خلال تعاملنا مع الآخرين في بيعنا وشرائنا ، وفي إقامتنا وترحالنا ، في مدارسنا وملاعبنا ، في حدائقنا ومزارعنا ، في حقولنا ومصانعنا.
إننا بحاجة إلى إنماء حاسة الذوق السليم عند الطفل واستثارة مشاعره وإرهاف حسه من خلال دراسة المؤثرات الجمالية ( الطبيعية والفنية ) الموجودة في واقعنا .. وتحديثها وتطويرها من حدائق ومسرح ودور سينما ومراكز ثقافية ومعارض فنية ومتاحف وأماكن تراث .. إننا بحاجة إلى الوعي الجمالي الذي يوقظ فيه الإحساس بالقيم والحق ، بحاجة إلى تفعيل منظومة الذوقيات والوجدانيات التي جاء بها الإسلام وإعادة إحياءها في آداب الطعام والشراب والزيارة ومصاحبة الإخوان وعيادة المريض وآداب الحديث والحوار وآداب الاختلاف وأدب الصحبة في السفر وأدب الزوج مع زوجته ورصد كل المظاهر السلبية والتي تتنافى مع السلوك الذوقي ومحاولة القضاء عليها فلنرب أطفالنا على الجمال حيث لا يحقق المتعة فقط بل ويحفز على القيام بالأعمال النبيلة.
وأختم موضوعي بكلام جميل لأحد الكتاب يقول : لنعمل على إشاعة الجمال من حولنا فيما نكتب وفيما نرسم وفيما نعمل وفيما نبني من علاقات .. لنسهم في إضافة ولو لبنة جميلة في البناء الاجتماعي الجميل .. إن مسحة جمالية هنا ومسحة جمالية هناك ، بكلمة جميلة هنا وموقف جميل هناك ، بتخفيف ألم هنا وبزرع ابتسامة هناك ، بدعوة إلى الخير هنا ودعوة إلى الهداية هناك ، يمكن أن تزيل الكثير من القبح المزروع في حياتنا .. لنكن من صناع الجمال لا من مستهلكيه فقط .
بحر جدة
خالد