يحْكَى أَنَّهْ كَانَ هُنَاكَ مَجْمُوْعَةٌ مِنْ الْقَنَافِذِ تُعَانِيْ الْبَرَدِ الْشَّدِيْدِ ؛
فَاقْتَرَبَتِ مِنْ بَعْضِهَا وَتَلَاصَقَتِ طَمَعَا فِيْ شَيْءٍ مِنْ الْدِّفْءِ؛ لَكِنْ أَشْوَاكَهَا الْمُدَبَّبَةِ آذْتِهَا،
فَابْتَعَدَتْ عَنْ بَعْضِهَا فَأوْجَعَهَا الْبَرْدِ الْقَارِصُ، فَاحْتَارَتْ مَا بَيْنَ أَلَمٍ الْشَّوْكِ وَالتَّلَاصُقِ،
وَعَذَابٌ الْبَرْدِ، وَوَجَدُوْا فِيْ الْنِّهَايَةِ أَنْ الْحَلِّ الْأَمْثَلُ هُوَ الْتَّقَارُبِ الْمَدْرُوْسِ
بِحَيْثُ يَتَحَقَّقُ الِدِفْءَ وَالْأَمَانَ مَعَ أَقُلْ قُدِّرَ مِنْ الْأَلَمِ وَوَخْزِ الْأَشْوَاكِ..
فَاقْتَرَبَتْ؛ لَكِنَّهَا لَمْ تُقْتَرِبْ الاقْتِرَابَ الْمُؤْلِمِ..
وَابْتَعَدَتْ لَكِنَّهَا لَمْ تَبْتَعَدْ الْابْتِعَادُ الَّذِيْ يُحَطِّمُ أَمْنِهَا وَرَاحَتُهَا.
وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ نَفْعَلَ فِيْ دُنْيَا الْنَّاسِ؛
فَالَنَّاسُ كَالْقَنافِذِ،
يُحِيْطُ بِهِمْ نَوْعٌ مِنَ الْشَّوْكِ غَيْرِ الْمَنْظُوْرِ،
يُصِيْبُ كُلَّ مَنْ يَنْخَرِطُ مَعَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
وَيَتَفَاعَلُ مَعَهُمْ بِغَيْرِ انْضِبَاطُ.
وَانْظُرْ تَرَىَ كَيْفَ أَنَّ رَفْعَ الْكُلْفَةُ وَالِاخْتِلَاطِ الْعَمِيقْ مَعَ الْنَّاسِ،
يُؤْذِيَ أَكْثَرَ مِمَّا يُفِيْدُ، وَيَزِيْدُ مِنَ مُعَدَّلُ الْمُشَاحِنَاتِ وَالْمُشْكِلاتِ.
إِنَّ الْنَّبِيّهَ مِنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكْمَةَ مَنْ الْقَنَافِذِ الْحَكِيمَةِ؛
فَيَقْتَرِبَ مَنْ الْآَخِرِينَ اقْتِرَابِ مَنْ يَطْلُبُ الِدِفْءَ وَيُعْطِيْهِ،
وَيَكُوْنُ فِيْ نَفْسِ الْوَقْتِ مُنْتَبِهَا إِلَىَ عَدَمِ الاقْتِرَابَ الْشَّدِيْدِ حَتَّىَ لَا يَنْغَرِسُ شَوْكَهُم فِيْهِ.
بِلَا شَكٍّ الْوَاحِدِ مِنَّا بِحَاجَةٍ إِلَىَ أَصْدِقَاءِ حَمِيْمَيْنِ يَبُثُّهُمْ أَفْرَاحِهِ وَأَتِراحَهُ
يَسْعَدُ بِقُرْبِهِمُ وَيُفَرِّغُ فِيْ آَذَانِهِمْ هُمُوْمُهُ حِيْنَا..
وَطُمُوْحَاتِهِ وَأَحْلَامِهِ حِيْنَا آَخَرْ.
لَا بَأَسَ فِيْ هَذَا..
فِيْ أَنْ يَكُوْنَ لَكَ صَفْوَةُ مِنْ الْأَصْدِقَاءِ الْمُقَرَّبِيْنَ؛
لَكِنْ بِشَكْلٍ عَامّ، يَجِبُ -لِكَيْ نَعِيْشَ فِيْ سَعَادَةٍ- أَنَّ نُحَذِّرُ الاقْتِرَابَ الْشَّدِيْدِ
وَالانْخِرَاطُ غَيْرَ الْمَدْرُوْسِ مَعَ الْآَخَرِيْنَ؛ فَهَذَا قَدْ يَعُوْدْ عَلَيْنَا بِآِلَامِ وِّهُمُوْمُ نَحْنُ فِيْ غِنَىً عَنْهَا.
احْذَرِ يَا صِدِّيْقِيْ أَنَّ تَكُوْنُ بَوَّابَةِ الْقَلْبِ بِلَا مِفْتَاحُ،
يَدْخُلُهَا مِنَ شَاءَ دُوْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ طُقُوْسْ الْصَّدَاقَةِ، وَيُوَقِّعُ عَلَىَ شُرُوْطِهَا.
عِشْ فِيْ الْدُّنْيَا وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ سُكَّانِهَا مَسَاحَةٌ ثَابِتَةٌ تُتِيْحُ لَكِ أَمَانٌ غَدَرَاتِهِمْ،
وَسُوْءِ تَدْبِيْرِهِمْ. وَتَذَكَّرُ دَائِمَا أَنَّ الْنَّاسَ قَنَافِذُ..
فَاقْتَرَبَ وَلَا تَقْتَرِبْ, وَابْتَعَدَ دُوْنَ أَنْ تَبْتَعِدَ.
دمتم في صحه وعافيه