الاشتراط في عقد الزواج - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الاشتراط في عقد الزواج

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-25, 15:46   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 الاشتراط في عقد الزواج

مقدمة

لقد كرم الله الإنسان على سائر المخلوقات ولم يتركه لما تمليه عليه غرائزه ونزواته الشخصية، فشرع له الزواج من أجل تكوين أسرة، تعتمد في حياتها على المودة والرحمة وتحقيق الترابط والتكافل بين الزوجين، مصداقاً لقوله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " . كما نظم الشارع علاقة الزوج بزوجته تنظيماً محكماً يقوم على أقوم المبادئ لضمان سعادة الأسرة واستقرارها، وأضفى عليها قدسية خاصة توجب الالتزام بما شرعه الله من أحكام حدد بموجبها الحقوق والواجبات بين الزوجين، ووصف العقد الذي يربط بينهما بالميثاق الغليظ، يقول تعالى: " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظا ".
والأصل في آثار عقد الزواج أنها من عمل الشارع لا من عمل المتعاقدين، حيث يقتصر دور إرادة المتعاقدين في إنشاء العقد، ولكن الشرع أو القانون هو الذي يرتب ما لكل عقد من حكم وآثار، ونجد من أهم آثار عقد الزواج ثبوت نسب الأولاد، والتوارث بين الزوجين، وحق الزوجة في النفقة، والعدل بين الزوجات في حالة التعدد، وحرية المرأة في التصرف في مالها، وكذا حق الزوج في الطلاق ويقابله حق الزوجة في التطليق والخلع، ولقد نص المشرع الجزائري على هذه الحقوق في مواد متفرقة من قانون الأسرة الجزائري نذكر منها، المواد 36-37-40-74-126.
وبالرغم من أن الشارع هو الذي حدد آثار الزواج ورتبها، فإنه يبقى من حق الزوجين تضمين عقدهما بالشروط التي يريانها ضرورية لضمان حقوقهما، كأن تشترط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو أن تشترط إكمال الدراسة وممارسة عملها أو اشتراط أحد الزوجين وصفاً معيناً في الآخر، أو الاتفاق على نصيب كل من الزوجين من الأموال المكتسبة بينهما معاً بعد الزواج، وتصبح هذه الشروط لازمة كأثر لعقد الاشتراط؛ فالشروط في عقد الزواج هي أحق بالوفاء من غيرها لتعلقها بالإبضاع فلولا اطمئنان المرأة إلى التزام الرجل بهذه الشروط لما مكنته من نفسها.
أسباب اختيار الموضوع
ولقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أنه من المسائل الهامة في هذا العصر واختلفت فيه آراء الفقهاء اختلافا بيناً، كما جاء هذا البحث عقب صدورالأمر 05-02 المؤرخ في 27/02/ 2005 المتضمن تعديل قانون الأسرة، وما صاحب ذلك من تداعيات وصراعات بين تيارات وقوى متضاربة، ذهب الغلو بالبعض منها إلى حد المطالبة بإلغاء قانون الأسرة والاستعاضة عنه بتشريع مدني بدعـوى هضمه لحقوق المرأة وعدم مسايرته لتطـورات العصـر، ولعل هذه الدراسة تسهم في جلاء الرؤية عن هؤلاء، وبيان عظمة الفقه الإسلامي وغزارة ثروته الفكرية، وفهم مقاصد الشريعة من تنظيم أحكام الأسرة بما يكفل ديمومتها واستقرارها.
أهمية الموضوع
تتمثل أهمية الموضوع في كونه يرتبط بمبدأ هام في القانون وهو مبدأ سلطان الإرادة في إبرام العقود، خاصة وأن حاجات الناس متجددة تبعًا لتطور المجتمعات مما يقتضي معه ظهور عقود ومعاملات ومشارطات جديدة لم يتول الشارع تنظيمها وترتيب آثارها من قبل، ولا يكون أمام الزوجين من سبيل لتحقيق المنافع والمصالح الضرورية لهما إلا اللجوء إلى مبدأ حرية الإرادة في إنشاء العقود والشروط، فعلى سبيل المثال قد تسهم الزوجة فعلياً من مالها الخاص أو بما اكتسبته من عملها في بناء مسكن أو عقار أو مشروع تجاري معين، ويعطيها ذلك الحق في الاشتراك في ملكية المسكن أو المشروع. ويكون من شأن وجود اتفاقات مسبقة بين الزوجين على تحديد هذه المسائل الهامة بين الزوجين تجنيب الأسرة حدوث نزاعات وخلافات شخصية، أو على الأقل تمكين الزوجين من حل ما قد يطرأ من مشكلات في المستقبل.
أهداف الدراسة
وتهدف هذه الدراسة إلى إثبات سعة الفقه الإسلامي وغزارة إنتاجه الفكري وإثبات مرونته وقابليته لمواكبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية طالما أن باب الاجتهاد مفتوح للتكفل بجميع الإشكالات التي قد تعترض المجتمع، مما يجعله المصدر الأساسي لقانون الأسرة بما لا يقل عن أحدث المبادئ والنظريات في القانون الوضعي.
كما تهدف هذه الدراسة إلى معرفة مدى انسجام مبدأ حرية الاشتراط مع متطلبات التطور الاجتماعي والاقتصادي في حياة الزوجين، ومدى إسهامه في حل كثير من المشكلات القانونية والاقتصادية والاجتماعية في حياة الزوجين التي تبرز باستمرار مع تطور العصر.
ويكون ذلك من خلال بيان حكم هذه الشروط في الشريعة والقانون، وكذا الوقوف على أهم الشروط الشائع اشتراطها بين الزوجين، من خلال عرض أمثلة تطبيقية توضيحية تبرز دور إرادة الزوجين في إنشاء الشروط في عقد الزواج.
الإشكالية
إن حاجات الناس متجددة تبعا لتطور المجتمعات مما يقتضي معه ظهور عقود ومشارطات جديدة لم يتول الشارع تنظيمها وتحديد آثارها.وبالتالي يكون وضع الشروط هو السبيل الوحيد أمام الزوجين لتحقيق منافع ومصالح ضرورية لا يمكن تحقيقها بمجرد إبرام عقـد الزواج، بل لابد من اشتراطها مسبقا والنص عليها في العقد، هذا ومن جهة أخرى فإن الشروط في عقد الزواج قد تكون كفيلة بتجنيب الأسرة وقوع خلافات ومشاكل زوجية لو اتفق الزوجان مسبقا على تنظيم بعض المسائل الهامة في حياتهما الزوجية.
إن عقد الزواج ليس بعقد تمليك لعين، أو منفعة كالبيع والإيجار، بل هو أسمى من ذلك لأنه غير مبني على المشاحنات والرغبة في كسب المال أو تحقيق أهداف دنيوية محضة، بل هو مبني على معانٍ خاصة فهو رباط مقدس يجمع بين الرجل والمرأة ويربط بينهما برباط المودة والرحمة والتعاون، فهل عقد الزواج بكل ما يحمله من قيم نبيلة يجيز للزوجين إملاء شروطهما وترتيب ما يشاؤون من حقوق وفقاً لرغباتهم وأهوائهم التي لا تنتهي عند حد دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة للمجتمع وإرادة الشارع في ترتيب آثار العقود ؟
ويتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية طرح التساؤلات التالية:
- ما مدى تأثير الشرط على العقد؟
- ما مدى مشروعية شرط الزوج على زوجته المساهمة في تحمل نفقات الأسرة أو التنازل عن بعض حقوقها، كالنفقة خصوصاً إذا كانت عاملة؟
- هل يتمتع الموثق وضابط الحالة المدنية بسلطة بمراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج؟
- ما مدى سلطة القاضي في نقض أو تعديل الشرط المقترن بعقد الزواج؟
- فيما تتمثل الآثار المترتبة على عدم الوفاء بالشرط؟
- هل يمكن اعتبار تعديل المشرع لنص المادة 37 الذي يبيح للزوجين الاتفاق حول نظام الأموال المشتركة بينهما اتجاها من المشرع الجزائري نحو الأخذ بمفهوم الأنظمة المالية للزواج في التشريعات اللاتينية؟
وعن منهج البحث، فقد تم الاعتماد بشكل أساسي على المنهج التحليلي المقارن بين مذاهب الفقه الإسلامي وقانون الأسرة الجزائري، وبعض تشريعات الأحوال الشخصية العربية، كما استعنا بالمنهج التاريخي كلما اقتضى الأمر ذلك.
وتم تقسيم البحث إلى فصلين، نتعرض في الفصل الأول إلى دراسة ماهية الشرط المقترن بعقد الزواج، وذلك من خلال تعريف الشرط وخصائصه في المبحث الأول على أن يتم التمييزبين الشرط وما يشبهه من ألفاظ في المبحث الثاني، ونتناول في المبحث الثالث أقسام الشرط، وأخيرا نخصص المبحث الرابع لدراسة الاشتراط في عقد الزواج بين الحظر والإباحة.
ونتناول في الفصل الثاني حكم الشرط المقترن بعقد الزواج ويكون ذلك على مدار أربعة مباحث، حيث نتناول في المبحث الأول أثر الشرط في عقد الزواج، ثم نوضح من خـلال المبحث الثاني مدى إمكانية مـراقبـة صحـة الشرط المقترن بعقد الزواج، ويعقب ذلك دراسة الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط في المبحث الثالث، ونختم دراستنا لهذا الفصل بعرض تطبيقات توضيحية لبعض صور الشروط في عقد الزواج.
يجدر بنا قبل البحث في تحليل فكرة الشرط و دراسة الشروط التي يجوز للزوجين اشتراطها، التعرض إلى مسألة بالغة الأهمية تتمثل في تحديد العلاقة بين مبدأ شرعية آثار العقود ومبدأ الرضائية، وإلى أي مدى يمكن الجمع بينهما ؟
إن المقصود بآثار العقود ما يترتب عليها من حقوق وواجبات للمتعاقدين. وهي تختلف من عقد لآخر بحسب طبـيعة العقد والغرض الذي وجد من أجلـه، وأحكام العقد كما سماها القدماء المسلمون هي على قسمين: آثار أو أحكام أصلية وآثار أو أحكام تبعية.
وتسمى الأحكام الأصلية بحكم العقد، أما الآثار الفرعية فتسمى أيضا بحقوق العقد، أي المطالبات والالتزامات التي تنشأ من العقد لتثبيت حكمه وتأكيده بخلاف الالتزامات الأصلية التي تكون من مقتضيات العقد، والتي تثبت بمجرد انعقاده وتكوينه لأنها أثره المباشر. وتتمثل ثمرة التمييز بين حكم العقد وحقوقه فيما يلي:
1) يرتب العقد آثاره بمجرد إنشائه، إذ لا يحتاج إلى عمل من العاقد لتنفيذه، بينما تكون
الآثار الفرعية للعقد بحاجة إلى تدخل العاقد من أجل تنفيذها.
2) يبين لنا حكم العقد موضوع العقد، أمـا حقوق العقد فـلا تحمل السمة المميزة للعقد
الذي تأكده وتسمى أيضًا بالمقاصد التابعة.
3) تثبت حقوق العقد الأصلية تبعًا للحكم الأصلي للعقد بدون حاجة إلى اشتراطها، بينما
لا تثبت الآثار الفرعية للعقد أو حقوقه المكتسبة إلا إذا اشترطها العاقد.
إن الآثار الأصلية للعقود ليست خاضعة لإرادة المتعاقدين، بل ينظمها القانون والشرع، وهذا لأن العقـود تعتبر أسبابًا شرعية لترتيب الأحـكام والآثار بحكم الشرع، إذ ينحصر دور العاقدين في القيام بالسبب وهو التعاقد، على حين يستقل الشارع بترتيب الأحكام والآثار المترتبة على العقود، وهذا يعني أنـه ليس للمتعاقدين
تغيير الأحكام الأساسية للعقد، إنما بإمكانهما تغيير أو تعديل بقية الأحكام الثانوية للعقد بشرط ألا تتعارض مع مقتضى العقد، وهذا الحيز الأخير من مجال التعاقد هو ما اصطلح على تسميته بالشروط المقترنة بالعقد، أي الشروط التي ترد على آثار العقد ولا تتناقض مع مقتضاه.
إن رضائية العقود تكمن في حرية الاختيار للعاقد في الإقدام على إبرام العقود أم لا ؟ وفي أن له الحرية في التعبير بكل ما يدل على رضاه، وعند ذلك ينتهي دوره الذي يقتصر على إقامة السبب الظاهري الذي ينشأ عنده الأثر الشرعي للعقد. وفي هذا يقول ابن تيمية: " إن الأحكام الثابتة بأفعالنا، كالملك الثابت بالبيع، وملك البضع بالنكاح، نحـن أحدثـنا أسباب تلك الأحـكام، والشارع أثبـت الحـكم لثبـوت سببه منا "، والمقصود من هذا أن ترتيب الأحكام الشرعية سواء في النكاح أو الطلاق أو غيرها... هو بحكم الشرع فهي لا توجب الحكم بذاتها وإنما بإيجاب الله تعالى.
وتبرز حكمة الشارع من مبدأ جعلية آثار العقود في إقامة التوازن بين حقوق العاقدين الناشئة بالعقد، وضمان عدم إخلال أحدهما بحقوق الآخر. وهذا لأن الشارع أقدر من غيره على حفظ العدل بين الناس وصون المعاملات عن أسباب الفساد وحسمًا لنشوء الخلاف بين الناس.
وعلى هذا، فإن الرابطة بين العقد وآثاره باعتبار أن أحدهما مسبب والآخر سبب ليست رابطة آلية طبيعية عقلية، وإنما هي رابطة جعلها الشارع بينهما، لتجنب استغلال الناس بعضهم لبعض، وحتى لا تؤدي بهم إلى نزاع، ولا ينالهم منها غبن ولا يلحقهم بها ضرر، وحتى لا يتخذوها وسيلة إلى اقتراف ما نهى الله عنه.
إن القول بجعلية الآثار لا يتعارض مع مبدأ رضائية العقود بدليل أن الشارع أجاز للمتعاقدين اشتراط شروط تنقص أو تزيد من آثار العقد وهذا في حـالة ما إذا لم تحقق
الآثار الأصلية للعقد مصلحة العاقدين وغرضيهما. وتستمد إرادة المتعاقدين سلطانها في ذلك من الحدود التي يحددها الشارع لكل عقد وهي تختلف من عقد لآخر بحسب طبيعة العقد.
وعلى هذا الأساس فان الإرادة ليس لها دور في ترتيب آثار الالتزامات التعاقدية إلا بالقدر الذي تتوازن فيه مع المصلحة العامة للمجتمع، فلا سلطان لها في القانون العام، ولها دور ضئيل في مجـال الأحوال الشخصيـة بالمقـارنة مع المعاملات المـالية، حيث يتسع دور الإرادة؛ وهذا يعني أن مركز الإرادة وأهميتها من الالتزامات التعاقدية يحتل مركزًا وسطًا ذو أهمية محدودة بحدود القانون والشرع، فلا يمكن إطلاق السلطان للإرادة في ترتيب آثار العقود، ومع ذلك فإن هذا لا ينقص من دور الإرادة بقدر ماهو يحدد مكانتها وحدود التعبير عنها، وعليه ينتفي وجود أي تعارض بين شرعية آثار العقود ومبدأ الرضائية متى تم تحقيق هذه المعادلة.
إن الأصل في عقد الزواج هو جعلية الآثار إذ أن عقد النكاح هو المجال الطبيعي لتطبيق نظرية الجعلية بغرض حماية الأسرة من أهواء ورغبات الأفراد التي تدمر بناء الأسرة المسلمة وتقوض أركانها. وإذا كانت آثار العقد جعلية فإنها غالبا ما تكـون هي مقصود المتعاقدين، حتى إذا بدا لهما أو لأحدهما أن يعدل من هذه الآثار زيادة أو نقصاناً، كان ذلك عن طريق الشروط العقدية التقييدية.
وسنتطرق بالدراسة والتحليل في هذا الفصل إلى تعريف الشرط وبيان خصائصه ثم التمييز بين الشرط والألفاظ المشابهة له، ليتم التعرض بعد ذلك إلى أهم معايير تقسيم الشرط. وأخيرا دراسة مدى حرية الزوجين في اشتراط الشروط.



ومن ثم فإن هذا الفصل يشتمل على أربعة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: تعريف الشرط وخصائصه
المبحث الثاني: التمييز بين الشرط وما يشبهه من ألفاظ
المبحث الثالث: أقسام الشرط
المبحث الرابع: الاشتراط في عقد الزواج بين الحظر والإباحة



























المبحث الأول: تعريف الشرط وخصائصه

إن صدور التصرفات القولية، ومنها العقود من حيث الإطلاق والتقييد، له حالتان عامتان:
إما أن تصدر من المتكلم منجزة ومطلقة، وخالية عن كل قيد وشرط وعندئذ يرتب العقد آثاره وأحكامه فور إنشائه كما لوقال أحد المتعاقدين للآخر بعتك سيارتي هذه بمبلغ محدد بينهما، أو قال أجرتك منزلي هذا على مبلغ متفق عليه بينهما. فإن العقد ينعقد في كلتا الحالتين متى قبله المتعاقد الآخر فيمتلك المشتري الشيء المبيع ويملك المستأجر منفعة استغلال البيت ويكون العقد عندها منجزا مطلقا.
وإما أن تصدر صيغة العقد مربوطة بأمر يقصد به إما:
- تعليق وجود العقد بوجود شيء آخر فلا يوجد ذلك العقد ما لم يوجد ذلك الشيء.
- أو يقصد به تقييد حكمه وآثاره، وهذا ما يدخل في مجال بحثنا.
- أو تأخير مفعوله إلى زمن معين.
ومن ثم فإننا نستبعد من نطاق البحث كل من الشرط الواقف والشرط الفاسخ وكذا فكرة الأجل، لأنها تعتبر من أوصاف الالتزام، ليتم التركيز على الشرط المقترن بالعقد أي الذي يدخل في ماهية العقد ويقصد به المتعاقدان تقييد آثار العقد، وسنتناول تعريف الشرط ، ثم نقف بعد ذلك على دراسة خصائصه، وذلك في المطلبين المواليين:
المطلب الأول: تعريف الشرط
يعرف الشرط بصيغته إن دخـل في الكـلام حرف من حروف الشرط مثل إن ، ما، مهما، حيثما، ويعرف أيضا بدلالته عندما يكون الكلام الأول سببا للثاني.
وسنتعرض إلى كل من التعريف اللغوي والاصطلاحي للشرط من خلال الفرعين المواليين:
الفرع الأول:التعريف اللغوي للشرط
يعرف الشرط في اللغة بأنه: " إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه"
والشرط جمعه شروط وهو القيد أو الحكم. والشريطة هي الشيء المشروط. والشرط هو العلامة ، ومنه أطلق الشرط في اللغة على ما يشترطه المتعاقد في عقوده والتزاماته اتجاه نفسه أو غيره، فهو كالعلامة التي تميز العقد عن أمثاله باشتراط أحكام إضافية يتفق عليها الطرفان.
الفرع الثاني:التعريف الاصطلاحي للشرط
الشرط اصطلاحا: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، بأن يوجد عند وجوده وينعدم بانعدام الشرط. كقول الرجل لامرأته: إن خرجت من الدار فأنت طالق، فإن وقوع الطلاق هنا يتوقف على خروج المرأة.
وقيل أن الشرط: هو "ما يتوقف عليه الحكم وليس بعلة الحكم، أي ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط " ، ومثال ذاك الشروط التي يتطلبها المشرع لإبرام العقود، كشرط الأهلية، فإنها إلزامية في كل عقد، حيث أن فاقد الأهلية كالمجنون لا ينعقد عقده.
وعرفه العلامة الحموي بأنه: " التزام أمر لم يوجد في أمر قد وجد بصيغة مخصوصة "، عن طريق اقتران التصرف بالتزام أحد العاقدين بالوفاء بأمر زائد عن أصل العقد وغير موجود وقت التعاقد وباستعمال عبارة بشرط كذا أو على أن يكون كذا.
إن ما يهمنا من هذه التعاريف المتعددة للشرط هو التعريف الذي يخص الشرط المقترن بالعقد أي الشرط الذي يكون داخل ماهية العقد.
ويمكن تعريف الشرط المقترن بالعقد أو شرط التقييد أو العبء لا شرط التعليق بأنه: " التزام العاقد في عقده أمرًا زائدًا على أصل العقد، سواء كان مما يقتضيه العقد نفسه أم كان مؤكداً له، أو كان منافيا له، أو يحقق منفعة لمن اشترط لصالحه الشرط. وحسب الشيخ منصور البهوتي فإن المعتبر من الشروط هو ما يرد في صلب العقد كأن يقول فلان زوجتك بنتي بشرط ألا تخرجها من بلدها ويقبل الزوج بذلك.
أما تعريف الشرط في اصطلاح فقه القانون الأجنبي فهو ربط نشوء الالتزام أو زواله بحادث مستقبل محتمل الوقوع، يترتب على وقوعه وجود الالتزام أو زواله، فإما أن يكون شرطا واقفا أو شرطا فاسخا.
وهذا التعريف يتفق مع مضمون الشرط التعليقي في اصطلاح الفقه الإسلامي كما سنرى في المطلب الثاني من المبحث الثالث . وبخصوص الانتقادات الموجهة إلى هذا التعريف فإنها تتمحور حول الخلط الذي وقع فيه فقهاء نظرية الالتزام في الفقه الأجنبي، إذ نجدهم لم يميزوا بين التعليق على الشرط والتقييد بالشرط.
ومن جهة أخرى فإن تقسيمهم الشرط إلى نوعين: موقف وفاسخ ليس في حقيقته تقسيما للشرط إنما هو تقسيم للأمـر المشروط، فالشرط في كلتا الحالتين نوع واحـد من قبيل التعليق، وإن اختلفت النتائج فيعزى ذلك إلى اختلاف نوع الأمر المشروط.
وفي اعتقادنا أن سبب هذا اللبس والغموض الذي يشوب تعريف الشرط مرده اختلاف زوايا النظر إليه، وهذا ماسيتضح أكثر عند دراستنا لأقسام الشرط في المبحث الثالث من هذا الفصل.
ونخلص من هذه التعاريف المختلفة إلى نتيجة مفادها: أن لفظ الشرط يطلق للدلالة على معاني مختلفة، كمعنى الالتزام الموصوف بأن يكون شرطا واقفا أو فاسخا، وقد يستعمل الشرط للدلالة على أركان العقد وشروط صحته فيسمى بالشرط الشرعي أو القانوني، وما يهمنا في هذا البحث هو لفظ الشرط الذي يطلق للدلالة على حكم من الأحكام التي يتفق عليها المتعاقدان في عقدهما.
المطلب الثاني: خصائص الشرط
استنادا إلى تعريف الشرط يمكن استخلاص المقومات الأساسية التي يقوم عليها الشرط وهي بمثابة الخصائص المميزة له وتتمثل فيما يلي:
الفرع الأول:أنه أمر زائد على أصل العقد
ويقصد بذلك أن العقد ينعقد بمجرد توافر أركانه وشروطه التي تطلبها المشرع دون حاجة إلى وجود الشرط المقترن بالعقد، لأن هذا الأخير يدخل على العقد بعد تمامه وتوافر أركانه وشروطه، فلو اشترطت المرأة في عقد الزواج كفيلا لضمان المهر وقبل بذلك الزوج، فإن اشتراط الكفيل لضمان المهر أمر زائد عن عقد الزواج لأنه ينعقد بدون هذا الشرط، ولا يتوقف وجوده في ذاته على هذا الشرط، ونفس الحكم ينطبق على بقية أنواع العقود.
الفرع الثاني : أنه أمر مستقبل
لابد أن يكون الشرط متعلقا بالتزام سيوجد في المستقبل وغير موجود في الماضي ولا في الحال، حتى لا يستحيل على المتعاقد الالتزام بالشرط تجاه المشترط وإذا كان الشرط واقعا بالفعل فلا فائدة من اشتراطه لأنه تحصيل حاصل، فلو قال الزوج لزوجته أنت طالق إن كانت السماء فوقنا والأرض تحتنا، فإنها تطلق في الحال.
الفرع الثالث: أنه أمر محتمل الوقوع
يجب أن يكون الشرط متعلقا بأمر يكون في وسع المتعاقد المشترط عليه تنفيذه وهذا يقتضي أن يكون ممكن الوقوع في المستقبل فلا التزام بمستحيل، لأنه إذا كان الشرط مستحيل الوقوع فإن العقد يكون باطلاً. والاستحالة إما أن تكون مادية أو قانونية، وتتحقق الاستحالة المادية متى وجد في طبيعة الأشياء عقبة تحول دون تحقق الشرط، كتعليق الهبة على الطيران في الهواء بغير طائرة أو على عدم غروب الشمس في اليوم الموالي، أما الاستحالة القانونية فمناطها نص القانون حيث يعتبر الشرط مستحيلا إذا واجه عقبة قانونية تحول دون تحققه كالزواج من إحدى المحارم.
الفرع الرابع: مشروعية الشرط
يجب ألا يكون الشرط مخالفا للنظام العام والآداب العامة، وهذا لأن صحة ومشروعية الشرط يعتبر محض تقرير لمقتضى العقد وهو في حقيقته لازم دون أن يكون في حاجة إلى شرط.
والحقيقة أن فكرة المشروعية لا ترتبط بالواقعة الشرطية في حد ذاتها، وإنما بالغاية المقصودة منها، وذلك لأن العمل المشروط قد ينطوي على عمل مشروع في حد ذاته، ولكن الغرض المقصود قد يكون غير مشروع كشرط عدم الزواج فالأصل فيه أنه مشروع إذ الأمر متروك لإرادة الشخص وحريته، ولكنه يصبح غير مشروع إذا كان من شأنه تقييد حرية الزواج.
ومن الأمثلة التي تضرب لبيان عدم مشروعية الشرط بسبب الغاية غير المشروعة شرط الترمل، الذي يفرض فيه الموصي على زوجته عدم إعادة الزواج بعد وفاته فيعتبر هذا الشرط غير مشروع إذا كانت الغاية منه حرمان الزوجة من حقها الطبيعي. وعلى العكس من ذلك نجد القضاء في أحياناً أخرى قد حكم بمشروعية هذا الشرط إذا كان مقصد الزوج منه هو جعل الزوجة تتفرغ لتربية أولادها بعد وفاته وضمان معيشتها.
ويضاف إلى جملة الشروط غير المشروعة الشرط الذي يقضي بعدم زواج بعض الموظفات في بعض المِِؤسسات كشرط العزوبة الذي يفرض على بعض مضيفات الطيران، وفي هذا الصدد قضت محكمة باريس ببطلان هذا الشرط، غير أنه في حالات أخرى أقر القضاء بتبرير هذه الشروط.
المبحث الثاني :التمييز بين الشرط وما يشبهه من ألفاظ
وللخروج من اللبس والغموض الذي يشوب التعريف الاصطلاحي للشرط بسبب كثرة استعمالاته، وحتى يتجلى لنا المفهوم الحقيقي للشرط سنتعرض إلى التمييز بينه وبعض المصطلحات المشابهة له، وذلك في المطالب الأربعة الآتية:
المطلب الأول:التمييز بين الشرط والركن
يعرف الركن في اللغة بأنه: " أحد الجوانب القوية التي يستند إليها الشيء ويقوم به، وهو أقوى جوانب الشيء " ، ويعرف الركن في اصطلاح الفقهاء بأنه: ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان جزءًا من حقيقته. فالرضا والمحل والسبب كلها أركان متطلبة لقيام العقود.
أما الشرط فهو مـا يتوقف عليه وجود الحكم ويكـون خارجا عن حقيقته وماهيته، ويتفق الشرط مع الركن في أن كل منهما يتوقف عليه وجود الحكم، فإذا تخلف الركن بطل الحكم، وإذا تخلف الشرط فسد الحكم، أي أن الحكم يتوقف وجوده على وجودهما، فعدم وجود المحل في العقد يستلزم بطلان العقد. فالوضوء باعتباره شرطا لصحة الصلاة يترتب على تخلفه تخلف الصلاة.
ويكمن الفرق بين الشرط والركن في أن الركن يعتبر جزءا من حقيقة الشيء المشروط أو ماهيته، بينما يعتبر الشرط خارجا عن ماهية الشيء المشروط وحقيقته وليس جزءًا منه، فالركوع ركن في الصلاة لأنه جزء من حقيقتها، والوضوء شرط صحة في الصلاة لأنه أمر خارج عن ماهيتها، ويترتب على ذلك حصول خلل في الماهية إذا وقع خلل في ركن من الأركان، أما إذا حصل خلل في شرط من الشروط فيترتب على ذلك حصول خلل في أمر خارج عن حقيقة الشيء وهو الوصف.
المطلب الثاني: التمييز بين الشرط والوعد
الوعد في اللغة: من وعد يَعِدُ من باب ضرب يضرب، عِدَةً ووعداً، فأما العِدَة فتجمع على عدات، وأما الوعد فلا يجمع. والمواعدة مفاعلة وهي ما بين طرفين ولا يجوز في رأي جمهور أهل اللغة جمع الوعد.
أما في اصطلاح الفقهاء، فالوعد معناه الالتزام للغير بما لا يلزم ابتداءا، وقد ورد لفظ الوعد في القرآن الكريم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: "كَبُرَ مَقْتاً عند الله أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ" ، وقال تعالى في مدح إسماعيل عليه الصلاة والسلام والثناء عليه: " وَاذْكُر فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ ".
ومن السنة فقد وردت عن رسول الله صلى الله علي وسلم أحاديث كثيرة تحث على الوفاء بالعهد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال:" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤْتُمن خان، وإذا وعد أخلف". ومن ثم فليس للمسلم التشبه بصفات المنافقين.
ويتميز الوعد عن الشرط في كون الأصل في الوعد أنه لا يلزم صاحبه قضاءً وإن كان الوفاء به مطلوباً ديانة، فلو وعد إنسان شخصاً آخر ببيع منزل معين فلا ينشأ بذلك حق للموعود له، وليس له أن يجبره على تنفيذه بقوة القضاء، إلا إذا صدرالوعد معلقاً على شرط، فإنه يخرج عن معنى الوعد المجرد، ويكتسي ثوب الالتزام والتعهد فيصبح عندئذ ملزماً لصاحبه كما ذهب إلى ذلك فقهاء الحنفية.
بيد أن الفقهاء وإن كانوا قد فرقوا بين الوعد والشرط من حيث أثر كل منهما فإنهم لم يضعوا ضابطا لتحديد ما يعد شرطا وما يعد وعدا، وتركوا تحديد ذلك إلى أعراف الناس وعاداتهم، وإلى قرائن الأحوال إذا كان الإخبار عن العقد بصيغة المضارع، أما إذا كان بصيغة الماضي فلا يحتاج إلى قرينة. وفي هذا المعنى يقول الشيخ عليش: " وأما الفرق بين ما يدل على الالتزام وما يدل على العِدَة (الوعد) فالمرجع فيه إنما هو إلى ما يفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال "، وجاء في الإقناع للمقدسي:" والشرط بين الناس ما عدوه شرطا، فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع وتارة باللغة، وتارة بالعرف وكذلك العقود ".
المطلب الثالث: التمييز بين الشرط والسبب
يعرف السبب في اللغة بأنه: الحبل الذي يتعلق به الإنسان ويتشبث به للإرتقاء والانتقال، ولهذا سمي الطريق سببا تشبيها بالحبل الممتد، ومنه قوله تعالى:" فاتبع سببا". ومن ثم فإن السبب يطلق أيضا على كل ما يتوصل به إلى غيره ويفضي إليه. والسبب في اصطلاح الفقهاء: " هو كل حـادث ربط به الشرع أمرًا آخر وجودًا وعدمًا، وهو خارج عن ماهيته " ، أوهو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. فعلى سبيل المثال يعتبر العمل الضار سببًا موجبًا للتعويض طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني الجزائري. كما تعتبر كل من القرابة والزوجية أسبابا للإرث حسب نص المادة 126 من قانون الأسرة الجزائري.
إن ما يمكن ملاحظته من خلال تعريف السبب ومقارنته بتعريف الشرط أنهما يتفقان في حالة العدم، أي أنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط، وإذا انعدم السبب انعدم المسبب. ولكنهما يفترقان من حيث أن السبب متى وجد يلزم من وجوده وجود الحكم مالم يوجد ما يمنع ذلك، فمتى وجدت الزوجية أو القرابة وجب الميراث، بخلاف الشرط فإن وجوده لا يستلزم وجود الحكم أو الأمر المشروط، فلا يلزم مثلا من وجود الشاهدين وجود عقد الزواج.
المطلب الرابع: التمييز بين الشرط والمانع
المانـع في اللغة هو الحائل بين الشيئيين، أما في اصطلاح الفقهاء الأصوليين هو: " كل ما يستلزم وجوده انتفاء غيره، أو هو الحكم على الوصف بالمانعية أو هو الوصف الظاهر المنظبط الذي جعله الشارع حائل دون وجود الحكم، فيلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته".
فعلى سبيل المثال يعتبر قتل الوارث مورثه مانعاً شرعياً من موانع الإرث، يحرم به القاتل من الإرث مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس للقاتل ميراث ". ففي هذا المثال فإن القاتل لا يرث رغم قيـام سبب الإرث سواء أكـانت القرابة أو الزوجيـة، لأنه لو ورث بسبب القتل لكان منتفعا عن طريق ارتكاب جناية القتل المحرمة شرعا وقانونا، وهذا ينافي الحكمة من ترتيب حكم الإرث، وهذا يعني أن حصول المانع يقتضي رفع مقتضى السبب أو وجود الحكم.
ويتمثل الفرق بين الشرط والمانع في أن المانع هو كل ما يستلزم وجوده انتفاء غيره، أي أن المانع عكس الشرط لأن الشرط هو ما يلزم من عدمه عدم غيره.
وفي الأخير نخلص إلى أنه بالرغم من محاولة الفقهاء التمييز بين الشرط وما يشابهه من مصطلحات إلا أن الخلط واللبس والغموض لا يزال يشوب التعريف الاصطلاحي للشرط، فتارة يسمى الركن بالشرط وتارة يسمى السبب بالشرط، وتارة يقع الخلط بين الشرط والوعد، ولتجاوز هذا الإشكال وحتى يكتمل المفهوم الحقيقي للشرط يتعين علينا دراسة أقسام الشرط، وتحليلها من زوايا عدة، لنصل في الأخير إلى تحديد موضع الشرط المقترن بعقد الزواج من بين كل هذه الأقسام.
المبحث الثالث : أقسام الشرط
ينقسم الشرط إلى عدة أقسام تختلف باختلاف زوايا النظر إليها فإذا نظرنا إلى الشرط باعتبار مصـدر اشتراطه، فإنه ينقسم إلى شرط شرعي وشرط جعـلي وشرط عرفي، وباعتبار وظيفة الشرط فإنه ينقسم إلى: شرط تعليق وشرط إضافة ثم شرط التقييد، أما إذا نظرنا إلى الشرط من حيث موضعه من العقد فلا يخرج عن أن يكون شرطا متقدما أو مقارنا بالعقد أو متأخرا عنه، وسنتناول كل هذه التقسيمات في المطالب الثلاثة التالية:
المطلب الأول: أقسام الشرط من حيث المصدر
إن العبرة في هذا التقسيم تكون بمصدر الشرط فإما أن يكون الشرط شرعيا أو قانونيا، وإما أن يكون إراديا أو جعليا، وقد يكون شرطا عرفيا وسنتولى بيان وإيضاح ذلك في الفروع الثلاثة التالية:
الفرع الأول: الشرط الشرعي
الشرط الشرعي أو القانوني في اصطلاح القانون الوضعي هو الذي يكون اشتراطه بحكم من الشارع أو القانون، كالشروط التي اشترطها الشارع في مختلف أنواع العقود والتصرفات من بيع وهبة... وكذا الشروط التي اشترطها في مختلف أنواع العبادات كشرط الطهارة في الصلاة وشرط الحول للزكاة وشرط الإحصان في حد الرجم.
ويعرفه الدكتور زكي الدين شعبان بأنه: ماكان توقف المشروط فيه على وجود الشرط بحكم الشارع ووضعه، لما في ذلك الشرط من الملائمة للفعل والتكميل له. حيث لا يصح الحكم بدونه كشرط الوضوء في صحة الصلاة، وكالشهود في النكاح وحولان الحول بالنسبة للزكاة، وغيرها من الأمور التي اشترطها الشارع في التصرفات الشرعية من زواج وبيع وهبة ووصية، والشروط التي اشترطها لإقامة الحدود كقطع يد السارق ورجم الزاني.
ومن أمثلة الشروط التي اشترطها القانون: شرط الأهلية لإبرام العقود، حيث تنص المادة 78 من القانون المدني الجزائري على أن: " كل شخص أهل للتعاقد مالم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون ".
الفرع الثاني: الشرط الجعلي
الشرط الجعلي أو الإرادي هو الذي يرجع تحديد نطاقه إلى إرادة العاقد، ولكن الشارع قيده بحدود شرعية معينة، فليس للعاقد اشتراط أي شرط يريده، بل يجب ألا يخالف حكم العقد أو التصرف، وإلا عد شرطًا لاغيًا. وقال الشيخ محمد علوشيش الورثلاني: " الشرط الجعلي هو ما يشترطه المتعاقدان أو أحدهما، ويكون القصد منه تحقيق المصلحة الخاصة، كما لو اشترطت المرأة تقديم معجل المهر كله، أو اشترط المشتري نقل المبيع أو استلامه في مكان معين ".
ويعرف الدكتور صالح غانم السدلان الشرط الجعلي بأنه: " هو الذي يكون اشتراطه بتصرف المكلف وإرادته ".
وتنقسم الشروط الجعلية من حيث مشروعيتها إلى ثلاثة أنواع:
أ- شرط لا ينافي الشرع بل هو مكمل للعقد وذلك كما لو اشترط المقرض على المقترض رهنا أو كفيلا لضمان سداد القرض.
ب- شرط غير ملائم للعقد وينافي مقتضاه، كأن يشترط الزوج في عقد الزواج عدم الإنفاق على زوجته.
ج- شرط لا ينافي العقد ويحقق مصلحة لأحد العاقدين أو كليهما، غير أن العقد لا يقتضيه، أي لا يعرف مدى ملاءمته أو عدم ملاءمته للعقد، كأن يبيع شخص منزلا على أن يسكنه البائع لفترة معلومة، واختلف الفقهاء في هذا النوع من الشروط.
ويكمن الفرق الأساسي بين الشرط الشرعي والجعلي من زاوية الأثر المترتب عنهما أنه، في حالة انتفاء الشرط ينتفي المشروط، وهذا بالنسبة للشرط الشرعي أو القانوني، فمثلاً تخلف شرط وفاة المورث ينتفي معه استحقاق الإرث، بخلاف الشرط الجعلي فإن المشروط يمكن أن يوجد من دون شرط، فلو قال الزوج لزوجته إن خرجت من الدار فأنت طالق، فلو تحقق الشرط فيبقى من الممكن أن يقع الطلاق بسبب آخر.
الفرع الثالث: الشرط العرفي
الشرط العرفي هو ما يتقيد به التصرف بناءا على ما اعتاده جمهور الناس وما ألفوه من قول أو فعل، تكرر مرة بعد أخرى حتى تمكن أثره في نفوسهم وصارت تتلقاه عقولهم بالقبول، ومن أمثلة ذلك العرف الذي تعرفه بعض البلدان الإسلامية بتقسيم المهر إلى معجل ومؤجل بنسبة يختلف مقدارها من بلد إلى آخر، أو أن يبيع شخص لآخر سلعة بثمن معين دون أن يشترط حلول الثمن ولا تعجيله، ويكون المتعارف عليه التأجيل إلى شهر أو التقسيط على أشهر معلومة فإن الثمن يقسط على تلك الشهور المتعارفة، ويكون ذلك شرطا في البيع كالشرط الجعلي.
ويشترط في العرف حتى يكون معتبرا في نظر الشرع توافر بعض الشروط نذكر من بينها مايلي:
1- أن يكون العرف مطردا أو غالبا.
2- أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات قائما عند إنشائها.
3- ألا يعارض العرف نصا شرعيا ولا نصا قانونيا، ولا قاعدة شرعية من القواعد الأساسية، ولا حكما ثابتا بحيث يكون العمل بالعرف تعطيل له.
وقد اختلفت آراء الفقهاء في مدى تقييد العقود والتصرفات بالشرط العرفي فذهب الحنفية إلى اعتبار العرف الصحيح وتقييد العقد به استنادا إلى بعض القواعد العامة كقاعدة " العادة محكمة "، وقاعدة "الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي"، و ذهب المالكية أيضا مذهب الحنفية في اعتبار العرف، أما الشافعية فالأصح عندهم أن العرف لا ينزل منزلة النص الصريح.
وإذا كان الشرط العرفي يجد مكاناً له ويرتب آثره في الشريعة الإسلامية على الأقل عند فقهاء الحنفية والمالكية، فإن القانون الوضعي على العكس من ذلك حيث تفرض التشريعات الوضعية قاعدة إجرائية تنظيمية تقضي بوجوب أن يكون الشرط مكتوبا في صلب العقد أو في عقد رسمي لاحق، فمن يحرص على شرط معين فيجب عليه أن يحرص على كتابته في العقد، إذا كان راغبا فعلا في ألا يفوته مضمون شرطه. ولا يخفى على أحد أهمية هذه القاعدة الإجرائية في ضمان استقرار المعاملات والعقود، وتلافي المنازعات، وإلى هذا ذهب المشرع الجزائري في نص المادة 19من قانون الأسرة بغرض ضمان المشارطات التي تتم بين الزوجين وبالتالي ضمان استقرار الحياة الزوجية.
والجدير بالذكر أن الشرط الجعلي يدخل ضمن الشرط المحض، وهو" ما يمتنع به وجود العلة فإذا وجد الشرط وجدت العلة، فيصير الوجود مضافا إلى الشرط دون الوجوب، وذلك في كل تعليق بحرف من حروف الشرط نحو إن دخلت الدار فأنت طالق ".
المطلب الثاني: أقسام الشرط من حيث وظيفته
ينقسم الشرط من حيث وظيفته وعلاقته بالشيء المشروط إلى ثلاثة أقسام، فقد يكون مقترنا بالعقد ومقيدا له ويسمى عندئذ بشرط التقييد، أو يكون العقد معلقاً عليه وهو ما اصطلح على تسميته بشرط التعليق، وقد يكون مضافا إليه ويسمى بشرط الإضافة، وسنتولى دراسة هذه الأنواع من الشروط فيما يلي:
الفرع الأول: شرط التعليق
إن التعليق على الشرط هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، أو هو ترتيب العقد على أمر سيوجد في المستقبل؛ ويفهم من هذا أنه عكس التعليق على الشرط، وعكس التنجيز الذي يكون فيه العقد مطلقا مرتبا لآثاره فور صدوره، كأن يقول الإنسان إن سافر ابني فقد وكلتك في بيع داري، أو قال إن سافر مدينك فأنا كفيل بمالك عليه فهذا تعليق للكفالة، فانعقاد الكفالة مربوط بتحقق سفر المدين. ولا يكون العقد معلقًا إلا إذا تحقق شرطان أساسيان:
أ- يجب أن يكون الشرط المعلق عليه غير موجود وقت التعاقد فإن كان موجودا فإن التعليق عندئذ يكون صورياً والعقد منجزاً.
ب- ألا يكون الشيء المعلق عليه مستحيلا و إلا كان العقد باطلا.
ويكون التعليق بين جملتين يربط بينهما بإحدى أدوات الشرط مثل: إن وإذا ومتى وكلما.
وخلاصة القول أن الشرط المعلق هو: كل شرط يعلق فيه العاقد تصرفه على حصول أمر من الأمور، بحيث لا يوجد أثر للعقد إلا إذا تحقق الشرط، وهذا ما يتنافى ومقتضى عقد الزواج باعتباره من العقود المنجزة غير المتراخية التنفيذ، ولهذا يكون حكم الزواج المعلق على شرط هو البطلان.
وبالتالي فإن هذا النوع من الشرط يخرج عن نطــاق بحثنا، وهذا لاختلافه عن

الشرط المقترن بعقد الزواج مناط البحث والدراسة، ويكمن هذا الاختلاف في وجهتين أساسيتين:
* الوجهة الأولى: من حيث الشكل، فالعقد المقترن بالشرط يكون خاليا من أداة الشرط كأن وإذا، بخلاف العقد المعلق على شرط فإنه يكون بإحدى أدوات الشرط.
* الوجهة الثانية: فمن حيث المعنى نجد أن العقد المعلق على شرط يتوقف وجوده على وجود الشرط المعلق عليه، فالعقد لا يكون منجزا في الحال بل عند وجود الشيء المعلق عليه. أما في حالة العقد المقتـرن بالشرط فيكون العقد منجزًا واقعا في الحـال، ولكن شمله شرط كقـول المرأة للرجل تزوجتك بشرط أن تعجل لي المهر كله، أو بشرط ألا تتزوج علي.
الفرع الثاني: شرط الإضافة
وهو الشـرط الذي يقصد به تأخير سريان أحكـام العقد إلى زمـن المستقبل. ويتحقق ذلك بإضافة صيغة الإيجاب إلى المستقبل، وقد تكون هذه الصيغة مطلقة عن الاقتران بشرط، ومثال ذلك: قول أحد المتعاقدين للآخر أجرتك منزلي هذا لمدة سنتين تبدأ من الشهر القادم أو من أول العام، و يقبل بذلك المتعاقد الآخر. وعلى العكس من ذلك قد تكـون صيغة العقد المضاف مقترنة بالشرط، كـأن يقول أحد المتعاقدين للآخر: أجرتك منزلي هذا لمدة سنة تبدأ من الشهر القادم بشرط أن تدفع لي الأجرة على قسطين، ستة أشهر لكل قسط ويقبل بذلك المتعاقد الآخر.
وبخصوص حكم العقد المضاف فإنه ينعقد في الحال، أي أنه عقد قائم بين المتعاقدين منذ إنشاء الإضافة، ولكن لا يرتب العقد حكمه وآثـاره إلا إذا جاء الوقت الذي أضيف إليه في العقد. وكأن المتعاقدان قاما بتوقيف سريان آثار العقد إلـى زمن أو أجل محدد، بحيث لولا هذه الإضافة لرتب العقد أحكامه من وقت التعاقد. ولهذا نجد القوانين الوضعية تعبر عن هذا الشرط باصطلاح الأجل.
ومما تجدر الإشـارة إليه أن عقــد الزواج لا يشمله شرط الإضافة إلى زمن المستقبل، لأن عقـد الزواج يوجـب تمـليك الاستمتاع في الحـال، فلو قـال الخاطب: تزوجت ابنتك غدا أو بعد ثلاثة أشهر، ثم يقول الأب قبلت، فإن مثل هذه الصيغة لا ينعقد بها الزواج لا في الحال ولا عند حلول الزمن المضاف إليه.
الفرع الثالث: شرط التقييد
الشرط التقييدي: " هو التزام وارد في التصرف القولي عند تكوينه زائد عن أصل مقتضاه ". وعرفه الحموي بأنه" التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة ". والمقصود من ذلك اقتران التصرف بالتزام أحد الطرفين أو كلاهما الوفاء بأمر زائد عن أصل التصرف، وغير موجود وقت التعاقد، ويكون ذلك بورود عبارات في العقد مثل بشرط كذا، أو على أن يكون كذا، وغيرها من الألفاظ الدالة على الاشتراط.
وانطلاقا من هذه التعاريف يختص الشرط المقيد بما يلي:
أ- كونه أمراً زائداً على أصل التصرف فهو ليس عنصرًا أساسيا في تكوين العقد
ب- كونه أمرًا مستقبلا مقرونا بالعقد.
ومما سبق يمكن إبراز الفوارق بين شرط التعليق وشرط الإضافـة وشرط التقييد، فالشرط المعلق هو ما كان بصيـغة ترتب وجوده على وجـود أمر في المستقبل، فلا تترتب آثار العقد إلا إذا وجد الأمر المعلق عليه ؛ ويسمى هذا الشرط في القانون الوضعي بالشرط الواقف، وإذا تخلف الأمر المعلق عليه زال الالتزام الناتج عن العقد ويسمى هذا بالشرط الفاسخ.
وأما الشرط المقيد فهو موجود بين الطرفين، حيث يتولى المتعاقدان تعديل آثار العقد بموجب حكم زائد عن الالتزام الأصلي .
ويختلف الشرط المقيد عن شرط التعليق في حالة عدم الوفاء بالشرط في كون أن الفسخ في شرط التعليق يحتاج إلى استصدار حكم من القضاء بناء على طلب صاحب الشرط، وعلى العكس من ذلك فإن الفسخ في حالة شرط التعليق يتم بمجرد تحقق الشرط أو تخلفه بحسب الاتفاق حول جعل الشرط فاسخا أو واقفا، دونما حاجة لاستصدار حكم من القضاء.
وبالنسبة لشرط الإضافة فهو ذلك الشرط الذي يجعل آثار العقد تتراخى إلى زمن معين في المستقبل على الرغم من قيام العقد ووجوده، والإضافة تشبه التعليق من جهة كون العقد المضاف لا يرتب أثره إلا إذا جاء الوقت الذي أَضيف إليه.
وفيما يخص قابلية عقد الزواج لهذه الأنواع من الشروط فالأصل في عقد الزواج التنجيز وعدم التراخي، وقد يكون مقترنا بشرط أو مجردا عنه، ولما كان عقد الزواج من العقود التي تفيد التمليك في الحال، فإنه لا يقبل بشرط الإضافة لأنه يفيد أثره في الحال؛ أي فور النطق بالصيغة، وأخيرًا فإن عقد الزواج من العقود التي لا تقبـل التعليق مطلقا، حيث اتفق الفقهاء على بطلان عقد الزواج المعلق على شرط.
المطلب الثالث: أقسام الشرط من حيث موضعه
ينقسم الشرط باعتبار مكانه من العقد إلى ثلاثة أقسام: إما أن يكون مقارنا للعقد ويذكر في أثناء العقد، وإما أن يحصل الاتفاق عليه قبل العقد ولا يجري له ذكر عند إبرام العقد، لا بالإثبات ولا بالنفي ويسمى شرطا متقدما، وإما يحصل الاتفاق عليه بعد إنشاء العقد و إبرامه، ويسمى بالشرط اللاحق أو المتأخر. ولا خلاف بين الفقهاء فيما يتعلق بثبوت الشرط المقارن للعقد وتأثيره فيه، ولكن الخلاف قائم بينهم بخصوص الشرط المتقدم والشرط المتأخر.
وسوف نتناول دراسة وتحليل مفهوم وحكم كل هذه الشروط؛ والذي يختلف باختلاف زمن الشرط في العقد على النحو الآتي:
الفرع الأول: الشرط المتقدم
يقصد بالشرط المتقدم ذلك الشـرط الذي يشتـرطـه العـاقدان قبل إبرام العقـد، ولكنهما لا يتطرقان إليه عند إبرام العقد لا بالنص ولا بالإشارة، ويسمى أيضا بالشرط السابق. ولكن السؤال الذي يثار هنا هو: هل يلحق هذا الشرط بالعقد على الرغم من عدم إدراج المتعاقدين لهذا الشرط في العقد؟
ذهب المالكية والحنابلة إلى القول بالتحاق الشرط المتقدم بالشرط المقـارن للعقـد، وثبوته في العقد وتأثيره عليه. بينما يرى كل من الشافعية والإمام أحمد في رواية عنه إلى أنه لا تأثير للشرط المتقدم على العقد، بل يكون مجرد وعد غير لازم الوفاء. لأن ما قبل العقد لغو فلا يلتحق به.
وفي هذا الصدد سئل الإمام ابن تيمية عمن شرط شرطا على زوجته بألا يخرجها من بلدها، أو ألا يتزوج عليها وكان الاتفاق على هذه الشروط واقعًا قبل العقد، ولكن العقد خلا من ذكر هذه الشروط، فهل تكون هذه الشروط صحيحة لازمة؟
فأجاب بأنها تكون صحيحة لازمة ما لم يبطلانها، مستنداً في فتواه هذه إلى عامة النصوص الواردة في الكتاب والسنة والتي تحث على الوفاء بالعهود والعقود والشروط والنهي عن الغدر.
ويرى الإمام ابن القيم بأن الراجح من هذه الأقوال هو التسوية بين الشرط المتقدم والشرط المقارن، لأن القول بعدم التسوية بينهما يؤدي إلى فتح باب التحايل إلى الشروط المحرمة، حيث يتفق المتعاقدان على شرط غير مشروع قبل العقد ثم يسكتا عنه عند إبرام العقد ليتما غرضاهما غير المشروع. وعندئذ فلا فائدة ترجى من التفرقة بين متماثلين بسبب إفتراقهما في تقدم اللفظ وتأخره مع استواءهما في الحقيقة والمعنى.
ويبدو أن المشرع الجزائري في قانون الأسرة قد تبنى رأي الشافعية والحنفية القاضي بعدم تأثير الشرط المتقدم على العقد، وهذا ما يظهر جلياً من نص المادة 19 التي أباحت للزوجين الاشتراط في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق.
وفي رأينا فإن هذا المـوقف له ما يبرره، إذ لا يوجد ما يمنع المتعـاقدين من إدراج الشرط السـابق في صلب العقـد إلا أن يكونا قد قصدا بذلك التحايل على القانون، فالأجدر لهما النص على هذا الشرط المتقدم في العقد حتى يصبح مقترنا به وبذلك يأخذ حكم الشرط المقترن بالعقد.
الفرع الثاني: الشرط المقارن
وسمي بذلك لأنه يتم ذكره في أثناء العقد مقارنا ومرافقا للعقد بالصيغة الدالة عليه أي أنه ليس متأخرا عن إنشاء العقد ولا متقدما عنه. وهو شرط مرتب لآثاره في العقد، فلا خلاف بين الفقهاء حول ثبوت هذا الشرط في العقد وتأثيره فيه تأثيرا يختلف باختلاف الشرط صحة وفسادا.
ويعرفه الدكتور زكي الدين شعبان بأنه: " التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة، أو هو التزام في التصرف القولي لا يستلزمه ذلك التصرف في حالة إطلاقه، أو أنه ما جزم فيه بالأصل وشرط فيه أمر آخر". فالشرط المقارن للعقد هو الشرط الذي لا يعلق عليه وجود الشيء أو انعدامه، وإنما هو أمر زائد يضاف إلى الشيء بحيث يقترن بالعقد بكـلمة بشرط كـذا، أو على أن يكـون كـذا، أو بشرط أن. ويكون العقد المقترن بالشرط منجزا، وليس معلقا على شيء؛ لأن معنى التقييد يدل على وجود الأمر المقيد.
فالعقد المقترن بالشرط مقيد به، والشرط المقارن هو التزام جديد زائد على أصل العقد ينشئه العاقدان ليزيدا أو يقويا التزامات العقد .


الفرع الثالث: الشرط المتأخر
يقصد به الشرط الذي يشترطه المتعاقدان بعد إبرام عقدهما ولذلك سمي هذا الشرط باللاحق أو المتأخر. ولقد اختلفت آراء الفقهاء حول مدى تأثير هذا الشرط على العقد والتحاقه به كمايلي:
ذهب فقهـاء المالكـية إلى أن الشرط المتأخر لا يلتحق بالعـقد مطلقا صحيحا كان أم فاسدا، وسواء اشترط قبل لزوم العقد أو بعد لزومه. أما الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى القول بالتحاق الشرط المتأخر بالعقد إذا اشترط قبل لزوم العقد، وإن كان بعد لزوم العقد فلا يلتحق به، بينما ذهب أبو حنيفة إلى القول بالتحاق الشرط المتأخر بالعقد مطلقا.
والراجح الذي نراه من هذه الآراء كلها هو التحاق الشرط المتأخر بالعقد، لأن الإقرار بذلك يسمح للمتعاقدين بتحقيق منافع ومصالح مختلفة قد يكونا غفلا عنها وقت التعاقد بشرط أن يتم إدراج هذا الشرط المتأخر في عقد رسمي، ويعتبر ذلك تعديلا للعقد السابق.
وأخيرًا فإن الغرض من دراستنا لمفهوم الشرط بصفة عامة، هو التوصل إلى تحديد مفهوم واضح وجلي للشرط المقترن بعقد الزواج من بين تعريفات مختلفة ومصطلحات وألفاظ مشابهة للشرط، وكذا معرفة موضعه من كل هذه الأنواع من الشروط.
إن الشرط المقترن بعقد الزواج هو ذلك الشرط الذي يتفق عليه الزوجان بمحض إرادتهما في العقد، فيلتزمان فيه بأمر زائد على الآثار الأصلية للعقد بحيث تصدر الصيغة المنشئة للعقد مقيدة بشروط يلجأ من خلالها الزوجان إلى الزيادة في آثار العقد أوالنقصان منها.
على أن دراستنا تشمل أيضا الشرط اللاحق على عقد الزواج؛ لأن ما يهمنا ليس موضع الشرط بقدر ما يهمنا حكم الشرط في حد ذاته ومدى حرية الزوجين في اشتراطه.
وعن موضع الشرط المقترن بعقد الزواج من أقسام الشرط فمن حيث مصدره فهو شرط جعلي، ومن حيث وظيفته فهو شرط تقييد، أما من حيث موضعه من العقد فالأصل اقترانه بالعقد، والاستثناء من ذلك وروده في عقد لاحق كما أشارت إلى ذلك المادة 19 من قانون الأسرة، بينما يتسع نطاقه في الشريعة الإسلامية ليشمل أيضاً الشرط المتقدم، كما ذهب إلى ذلك فقهاء كل من المذهب المالكي والحنبلي.
ويجدر بنا التنويه إلى أن قانون الأسرة الجزائري قد اشترط ضرورة كتابة الشروط المقترنة بعقد الزواج كما أشارت إلى ذلك المادة 19، وإن كانت الشريعة الإسلامية تعتد بالشرط العرفي، والحقيقة أن هذه الكتابة ليست متطلبة للتعبير عن الإرادة، وإنما جاءت دلالة الكتابة هنا كأداة لإثبات العقد وحماية للحق الذي تضمنه الشرط المقترن بعقد الزواج. وعلى هذا يبقى التعبير عن الشروط خاضعاً لطرق التعبير عن الإرادة سواء باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة...
ومتى اقترنت الصيغة اللفظية المعبرة عن الإرادة الباطنة في عقد الزواج بشروط يشترطها الزوجان أوأحدهما، كأن تشترط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها أو ألا يخرجها من بلدها، فإن التعبير عن الإرادة يجعل الإيجاب مشروطاً بشرط تابع له بحيث يعتبر الشرط جزءاً من صيغة العقد وليس جزءاً من الإيجاب، ولهذا ينعقد العقد بهذه الصيغة المنجزة ويكون الشرط جزءاً منها.



المبحث الثالث: الاشتراط في عقد الزواج بين الحظر والإباحة
إن الخلاف حول حرية الاشتراط عند التعاقد هو جزء من الخلاف في حرية التعاقد نفسها، ولا شك أن حرية الاشتراط تابعة لحرية التعاقد، فإذا كانت العقود متوقفة على ما نص عليه الشارع، فإن الشروط المتعلقة بهذه العقود تكون هي الأخرى متوقفة على ما نص عليه الشارع.
وعلى العكس من ذلك، فإذا كانت العقود مطلقة من قيد الشارع ومتحررة من مبدأ شرعية الآثار؛ بحيث يستطيع العاقد إبرام ما يشاء من العقود، فإن هذا يؤدي إلى القول بحرية الاشتراط. ولذلك فإن علاقة الشروط بالعقود هي علاقة تبعية، وهذا لأن العقد هو الوعاء الذي تصب فيه الشروط.
إن أغلب مواضيع الأحوال الشخصية من النظام العام وهي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع، ومن ثمة لا يجوز للأفراد تعديلها باتفاقات فيما بينهم، ولا يجوز للزوجين الاتفاق على تعديل الحالة المدنية لأحدهما، أو التنازل عن أبوتهما لإبنهما، وليس لأي شخص أن يتنازل عن أهليته ، لأن كل هذه الحقوق الشخصية تعتبر من النظام العام، كما أنه ليس للزوجين الاتفاق على تعديل ما للزوج من حقوق على زوجته في الطاعة والقوامة والأمانة الزوجية بالتنازل عنها مثلاً، أو تعديل ما للزوجة من حقوق على زوجها.
وتتمثل الحكمة في جعل آثار عقد الزواج من عمل الشارع في الحفاظ على قدسية ميثاق الزوجية، وصوناً لها من أن تتعرض لشروط تتنافى مع مقصد الشارع ومقتضى عقد الزواج. إذ يقتصر عمل المتعاقدين على إبداء رضاهما المتبادل لإبرام عقد الزواج دون أن يكون لهما حق الاعتراض على هذه الآثار أو رفض بعضها. واستثناءا من هذا الأصل العام فقد أباح الشارع للزوجين الاتفاق على شروط قد تؤكد مقتضى عقد الزواج أو تحقق منفعة مقصودة لأحد الزوجين. ومن هنا يثور التساؤل حول مدى حرية الزوجين في تحديد الشروط المقترنة بعقد الزواج التي من شأنها أن تؤثر في آثار عقد الزواج، إما بالنقص منها، وإما بإضافة التزامات جديدة على أحد الزوجين لا يستلزمها أصل عقد الزواج؟
إن حرية الاشتراط في عقد الزواج تابعة لحرية التعاقد. بدليل أن من يقولون بمبدأ حرية التعاقد يفتحون باب الشروط في العقود؛ فيجعلون للعاقد أن يشترط عند إنشاء العقد ما شاء من الشروط.
وعلى العكس من ذلك، فإن الذين يقولون بأن الأصل في العقود المنع ويتمسكون بمقتضيات العقود التي أقرها الشارع والآثار التي اعتبرها؛ لا يحترمون من الشروط إلا ما يتفق مع مقتضيات العقود.
وتفريعاً لذلك فقد اختلف الفقهاء المسلمون مابين مضيق وموسع فيما يتعلق بحرية التعاقد، وبالتالي حرية الاشتراط، حيث ذهب جانب من الفقهاء إلى أن الأصل في الاشتراط الحظر، وذهب رأي آخر إلى أن الأصل في الاشتراط الإباحة، وسنتولى دراسة الأسس والحجج التي استند إليها كل من الرأيين فيما يلي:
المطلب الأول: الرأي القائل بأن الأصل في الاشتراط الحظر
يتمثل أصحاب هذا الرأي في مذهب الظاهرية أساساً المتمثلون في أتباع داوود بن علي وابن حزم الأندلسي، ويتمثل أيضاً في رأي كل من الحنفية والمالكية والشافعية الدين يتمسكون بظاهر النصوص ويقفون عندها. وهؤلاء جميعاً يقيدون إرادة الإنسان ويضيقون عليها المجال في باب العقود والشروط، فإرادة الإنسان حسب هذا الرأي لا تنشئ من العقود والشروط إلا ما نص الشارع على إباحته، أما ما وراء ذلك فهي لا تملك إنشاءه، وإن فعلته كان باطلاً، فهذه المذاهب تتفق مبدئيا على أن الأصل في الاشتراط الحظر ويتمسك أصحابها جميعاً بهذا المبدأ إجمالاً، وإن اختلفوا في التفصيلات.
ويتمسك أصحاب هذا الرأي بنظرية مقتضى العقـد؛ التي تعتبر أن الأحـكام والالتزامات التي يكون العاقد مكلفًا بها هي محددة من قبل الشارع دون حاجة إلى اشتراطها من قبل العاقد الآخر، وذلك كالتزام الزوجة بتسليم نفسها، والتزام الزوج بدفع المهر والنفقة. وسنتطرق إلى دراسة مضمون وأدلة هذا الرأي بصفة مفصلة في الفرعيين المواليين:
الفرع الأول: مضمون هذا الرأي
يرى أصحاب هذا الرأي بأن الأصل في العقود والشروط هو الحظر لا الإباحة حتى يقوم الدليل من كتاب الله أو السنة الصحيحة أو الإجماع أو القياس أو الاستحسان على الإباحة، ولهذا أبطلوا كل عقد أو تصرف لم يرد من الشارع ما يدل على جوازه وصحته. فالشروط الجائزة هي التي توافق مقتضى العقد وتلائم حكمه، أو التي يدل على مشروعيتها دليل معين من الأدلة المعتبرة في إثبات الأحكام الشرعية.
وتقوم نظرية مقتضى العقد على أساس أن إرادة الزوجين لا تنشأ عقداً بقدر ما تحقق انضمامهما إلى نظام قانوني؛ بحيث تقتصر إرادتهما في الرغبة والاتجاه نحو إبرام عقد الزواج وليس لهما مناقشة أو تعديل آثاره، وفي هذا تغليب لمصلحة المجتمع على المصالح الخاصة للأفراد وتحقيق استقرار النظام العام.
لقد أغلق أصحاب هذا الرأي باب الشروط، ولم يفتحوه إلا بقدر معلوم يختلف سعة وضيقاً تبعاً لاختلاف نظرتهم في الأخذ بالأدلة الشرعية، وتبعاً لاختلاف نظرتهم في مدى موافقة الشرط لمقتضى العقد وملاءمته لحكمته وانتفاء ذلك. وسنعرض فيما يلي الحجج والأدلة الشرعية التي استند إليها أصحاب هذا الرأي:
الفرع الثاني: أدلة هذا الرأي
استدل أتباع ابن حزم الظاهري بجملة أدلة من الكتاب والسنة والمعقول نشير إليها فيما يلي:
البند الأول: من الكتاب
1) إن الشريعة الإسلامية جاءت شاملة لكل شيء، وقد تكلفت بيان ما يحقق مصالح الأمة، ومنها العقود على أساس من العدل.
وعلى هذا فليس من العدل ترك الحرية للناس في عقد ما يريدون من العقود، وإلا أدى ذلك إلى هدم نظام الشريعة، ويكون ذلك من باب التعدي لحدود الله والزيادة في دينه. لأن الله تعالى يقول: " ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون" ، وفي آية أخرى:" ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " ، واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم".
ووجه الدلالة من هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى بين لنا الحدود التي لا يصح لعباده أن يتجاوزوها، ومن ثمة فإن كل شرط لم يرد به دليل معين يكون تعدياً لحدود الشريعة لا يجب الوفاء به.
كما أن الله سبحانه وتعالى أكمل الدين وأتم الشريعة فجاءت شاملة لكل ما يحتاجه العباد في الدنيا والآخرة؛ ولهذا فإن إحداث أي عقد أو تصرف أو إضافة شروط إلى عقد الزواج يكون زيادة على الدين وخروجاً عنه فلا يصح ذلك.
ويقول ابن حزم الظاهري:"... إن الله تعالى إذا حرم بالنص شيئاً فحرم إنسان شيئاً غير ذلك، قياساً على ما حرم الله تعالى، أو أحل بعض ما حرم الله قياساً، أو أوجب غير ما أوجب الله تعالى قياسا، أو أسقط بعض ما أوجب الله تعالى قياساً، فقد تعدّ حدود الله تعالى فهو ظالم بشهادة الله تعالى عليه بذلك ".
ويقول الظاهرية أيضاً:" إنه لا يعتبر من الشروط إلا ما ورد النص بإثباته وقام الدليل على وجوب الوفاء به، لأن الالتزامات الشرعية لا تأخذ قوتها من أقوال العاقدين وإرادتهما، ولكن مما يرتبه الشارع على أقوالهم، ويحكم بأنه أثر لتصرفاتهم، فما لم يرد من الشارع دليل على اعتبار الشروط التي يشترطها العاقدان، لا يلتفت إليها ولا يحكم لها بأثر، ولا تنال قوة التنفيذ تحت سلطانه ".
2) واستدل الظاهرية أيضاً بقوله تعالى: " يآيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود " ، وبقوله تعالى: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ".
ووجه الدلالة من هاتين الآيتين أن الله سبحانه وتعالى أمر بالوفاء بالعقود، ولكن هذا ليس على عمومه، ولا يأخذ على ظاهره؛ فالقرآن قد أمرنا باجتناب نواهي الله تعالى ومعاصيه، فمن عقد على معصية فحرام عليه الوفاء بها، كما أنه لا يعلم ماهو عهد الله إلا بنص وارد فيه، ومن ثمة فإن الالتزام بالعقود عامة قد يؤدي إلى إحلال محرم أو تحريم ما أحل الله.
ولقد رد أصحاب الرأي الثاني القائل بأن الأصل في الاشتراط الإباحة على الأدلة التي قدمها أصحاب الرأي الأول كما يلي:
إنه بالنسبة للآيتين الكريمتين اللتين استدل بهما المانعين للاشتراط ليس فيهما ما يدل على ما ذهبتم إليه، إذ هما واردتان في شأن من يخالف ما شرعه الله تعالى، فيترك ما أمره بفعله ويرتكب ما نهاه عنه؛ ثم إن الآية الأولى جاءت مسبوقة بذكر أحكام حددها الله سبحانه وتعالى لعباده وبينها لهم من اليمين بالله تعالى والإيلاء والطلاق بمال وبغير مال، ثم أعقب الله تعالى ذلك بقوله: " تلك حدود الله"؛ أي قوانينه وأحكامه فلا تعتدوها بفعل ما يخالفها.
وجاءت الآية الثانية مسبوقة بأحكام شرعها الله لعباده وألزمهم بها من تطليق النساء في عدتهن وإحصاء العدة، ومن نهي المطلقين أن يخرجـوا مطلقاتهم من بيوتهن، وبعد تبيـان هذه الأحكام جـاء قوله تعالى: " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ". ومن ثمة فإن استدلال الظاهرية بهذه الآيات استدلال ليس في محله، لأنها لا تدل على النهي عن الاشتراط في العقود؛ وإنما دلت على بيان حكم المتعدي لحدود الله وشريعته ردعاً للناس وزجراً لهم عن مخالفة شرع الله ودينه.
ورد أصحاب الرأي الثاني المجيزون للاشتراط على ما ذهب إليه الظاهرية في رفضهم الأخذ بالقياس، بأنه يمكن استنباط أحكام ووقائع جديدة بواسطة قياسها على الوقائع التي ورد النص بشأنها؛ وتبعاً لذلك إذا دعت الحاجة إلى إنشاء عقود ومشارطات جديدة لم يرد بها أمر أو نهي وأمكن قياسها على عقد من العقود المشروعة، فإن هذا لا يعد زيادة في الدين ولا يناقض قوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم " ، ولا يقتصر الأمر على القياس بل يمكن الاستناد إلى بقية مصادر التشريع الإسلامي الأخرى، كالاستحسان والمصالح المرسلة دون التقيد بحرفية نصوص الكتاب والسنة.
وفي رأينا أن ما ذهب إليه الظاهرية يناقض ميزة أساسية تتصف بها الشريعة الإسلامية وهي صلاحيتها لكل زمان ومكان، ثم إنه لا يمكن حصر جميـع أنواع العقود والشروط؛ لأن البشرية في تطور دائم ومستمر، وكل ما يجب فعله هو مراعاة مدى توافق هذه العقود والشروط مع أحكام الشريعة الإسلامية وعندها وجب إجازتها والوفاء بها ما لم تحرم حلالاً أو تحلل حراماً.
كما أن استدلال ابن حزم بقوله أن الآيات الموجبة للوفاء بالعقود والشروط ليست على عمومها ولا على ظاهرها، وأن القول بخلاف ذلك يؤدي حسبه إلى التعاقد على المعاصي استدلال غير صحيح، لأن المفسرين متفقين على أن ورود الآيات الخاصة بوجوب الوفاء بالعقود والشروط جاءت على عمومها وظاهرها بإباحة كافة أنواع العقود مالم يثبت حظر ذلك بنص خاص، ثم إنه من البداهة أن الاتفاق على المعاصي يقع باطلاً ولا يجب الوفاء به.

البند الثاني: من السنة
1) يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن من يعقد عقداً أو شرطاً لم يرد به النص الشرعي يكون خارجاً عن أمر الشرع فيقع باطلاً، لأنه إذا تعاقد الناس بعقد أو شرط لم يرد في الشريعة يكونون قد أحلوا أو حرموا غير ما شرعه الله وليس لأحد من المؤمنين سلطة التشريع.
ويقول ابن حزم بخصوص هذا الحديث " فصح بهذا النص بطلان كل عقد عقده الإنسان والتزمه، إلا ماصح أن يكون عقداً جاء النص أو الإجماع بإلزامه باسمه أو بإباحة التزامه بعينه".
2) روي عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ... أما بعد فما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ماكان من شرط ليس في كتاب الله عز وجـل فهو باطل وإن كـان مائة شرط. كتاب الله أحق وشرط الله أوثـق، ما بَالُ رجال منكم يقول أحدهم: أعتق فلانا والولاء لي، إنما الولاء لمن أعتق".
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن كل شرط لم يرد دليل معين على صحته في كتاب الله فهو باطل ولا أثر له، لأنه خارج عن حكم الله وشرعه فلا يجوز اشتراطه ولا يحل الوفاء به.
وقد رُدّ على أدلة المانعين للاشتراط بأن أكثر الأحكام الشرعية مستقاة من أدلة أخرى غير الكتاب والسنة مادامت لا تتنافى مع روح الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة، وعلى هذا يكون المدلول الصحيح للحديث الأول هو بطلان كل عقد أو تصرف تضمن أمراً من الأمور المنهي عنها شرعاً.
أما الاستدلال بالحديث الثاني فهو كذلك في غير موضعه، لأنهم حملوا الشرط الذي نفاه نص الحديث وحكم ببطلانه على الشرط الذي لم يرد به دليل في القرآن الكريم وهذا غير صحيح، لأنه ليس المراد بكتاب الله القرآن قطعاً فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن بل علمت من السنة، َفدّل هذا على أن المراد من كتاب الله حكمه كقوله تعالى" كتاب الله عليكم" ، وقول النبي صلى عليه وسلم: " كتاب الله القصاص". ومن ثم فإن كتاب الله يطلق على كلامه وعلى حكمه.
إن المقصود الصحيـح من الحديث هو بطـلان الشرط المخـالف لحكـم الله وشرعه، كما لو اشترطت الزوجة على زوجها طلاق ضرتها لورود النهي عن ذلك. أو كشرط الولاء لغير المعتق فهو باطل والذي كان سبب ورود هذا الحديث، وليس هذا تخصيصاً لـه بسبب وروده؛ لأن لفظ الحديث في بدايته جـاء عاماً "... ما كان من شرط ليس في كتاب الله..." .
البند الثالث: من المعقول:
1) إن العقود والتصرفات الشرعية لها مقتضيات وأحكام تترتب عليها بوضع الشارع وجعله، فليس للإرادة الإنسانية أن تتصرف في تغيير هذه الحدود والأحكام زيادة أو نقصان إلا بما يجيزه الشارع بدليل من عنده، نفياً لما قد يترتب على التوسع في وضع الشروط من ظلم وغبن للمتعاقدين، وتجاوز حدود الحق ونقض المقصد والغاية من العقد.
2) يرى ابن حزم أن كل شرط لم يرد من الشارع ما يدل على إباحته والإذن به لا يخلو من أحد الأمور التالية:
أ ) إجازة مالم يجب في العقد وبالتالي إجازة مالم يجزه الله تعالى.
ب) التزام عمل يترتب عليه إباحة ما حرمه الله.
ج) المنع من عمل يترتب عليه تحريم ما أحله الله، أو الالتزام بإسقاط ما أوجبه الله تعالى .
وتفادياً لهذه الآثار السلبية يجب رفض الأخذ بالشروط عامة والاقتصار على ما ورد النص من القرآن أو السنة بإباحته.
ولقد تم الرد على هذه الأدلة العقلية بأنه، إذا سلمنا بأن مقتضيات العقود وأحكامها ثابتة بحكم من الشارع وجعله، فإن هذا لا يعني ألا يملك العاقد تغيير حكم من هذه الأحكام أو أثر من آثارها إلا بدليل معين يبيح له ذلك، وهذا لأن الشارع كما يقول المبيحون للاشتراط أعطى للمتعاقد سلطاناً كبيراً وحرية واسعة في إنشاء تلك الأسباب عن طريق إبرام العقود وترتيب ما يشاء من آثار، واستندوا في ذلك إلى الآيات القرآنية الدالة على وجوب الوفاء بالعقود عامة، وبجعله سبحانه وتعالى الرضا أساساً لنقل الحقوق وإسقاطها، فآثار العقد هي نتيجة لما يتراضى عليه العاقدان ويلزمان به أنفسهما بشرط ألا يخالفا في ذلك أحكام الشريعة الإسلامية.
وعلى هذا الأساس فإن الواجب عمله هو معرفة مدى موافقة الشروط لأحكام الشرع وقواعده الكلية، فما كان مخالفاً لها حكمنا ببطلانه وعدم صحته، وما لم يخالفها فهو صحيح ويجب الوفاء به.
أما بالنسبة للمعقول الثاني وما قاله ابن حزم فرد عليه المجيزون للشروط وعلى رأسهم ابن القيم بقوله: "... من أن الله أباح للمكلف تنويع أحكامه بالأسباب التي ملكه إياها، فيباشر من الأسباب ما يحل له بعد أن كان حراماً عليه، أو يحرمه عليه بعد أن كان حلالاً له، أو يوجبه بعد أن لم يكن واجباً، أو يسقطه بعد وجوبه، وليس في ذلك تغيير لأحكامه، بل كل ذلك من أحـكامه سبحانه، فهو الذي أحل وحرم، وأوجب وأسقط، وإنما إلى العبد الأسباب المقتضية لتلك الأحكام ليس إلا".
واستدل ابن القيم على ذلك ببعض الأمثلة، فكما أن نكاح المرأة يحل للمكلف ما كان حراماً عليه قبل أن يتزوج، وطلاقها يحرمها عليه بل ويسقط ما كان واجباً عليه من حقوقها فكذلك التزامه بالعقد والشرط؛ وهذا يعني أن العاقد يملك تغيير آثار العقد بالشرط الذي هو تابع له. وهنا يبرز وجه الخلاف بين الرأيين، إذ أن المانعين للاشتراط يحصرون الشروط فيما ورد من الشارع ما يدل على إباحتها، بينما يرى المجيزون للشروط أن الأصل في الشروط الإباحة والجواز بشرط أن يكون استعمال الشرط موافقاً للشرع.
وعلى هذا فإن العاقد لا يملك الخيارات السابقة التي ذكـرها ابن حزم، بل إنه يملك ما أبـاح الله للمكلف فعله وتركـه كالانتقال من بلد لآخر، وكالتزوج بأكثر من امرأة ...وغيرها من الأمور التي يملك المكلف مطلق الحرية في فعلها أوتركها. وفي هذه المساحات يباح للمكلف اشتراط الشروط، كأن تشترط المرأة في عقد النكاح على زوجها ألا ينقلها من بلدها، وليس في التزام الزوج بهذا الشرط أي مانع في الشرع.

الفرع الثالث: تقييم هذا الرأي
يتبين لنا مما سبق أن الظاهرية في مقدمة المانعين للشروط في عقد الزواج والعقود عامة، فهم يتمسكون فقط بإجازة الشروط التي ورد من الشارع دليل عليها. ويرفضون إحداث عقود أو تصرفات جديدة لأنهم يعتبرون ذلك زيادة على الدين وخروجاً عنه.
وبهذا فهم يرفضون إفساح المجال للإرادة في اشتراط الشروط، ولا فرق عندهم في ذلك بين عقود المعاوضات المالية ولا عقود الزواج، ولا غرابة في ذلك ما دام أن الظاهرية لم يتوسعوا في الأخذ بالأدلة المثبتة لجواز العقود والشروط كالاستحسان والمصالح المرسلة والعرف، بل أكتفوا بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة والإجماع.
وهذا يعني أنه، كلما توسعنا في الأخذ بالأدلة كلما فتحنا الباب أمام حرية الاشتراط واقتربنا من الرأي الثاني القائل بحرية الاشتراط، ولهذا نجد الحنفية والشافعية يخففون من أصل الحظر والتقييد، ويطلقون الحرية في بعض الحالات خصوصاً الحنفية الذين يأخذون بقاعدة العرف وأثبتوا صحة كل شرط ليس من مقتضى العقد، ولم يرد به أثر من الشرع، ويحقق منفعة لأحد العاقدين وجرى به العرف، كما أخذوا بقاعدة الاستحسان، وكذا المصالح المرسلة بخلاف الشافعية الذين لم يأخذوا بالاستحسان والعرف.
أما المالكية فقد توسعوا في تصحيح الشروط على نحوٍ يقربهم من الحنابلة، فلم يشرطوا إلا عدم المنافاة للحكم الأصلي للعقد، كما اعتمدوا الاستحسان والمصالح المرسلة دليلاً شرعياً فضلاً عن النص والإجماع.
والجدير بالذكـر، أن الحنابلة بالرغـم من أنهم يعتبرون من أنصار الرأي الثـاني القائل بحرية الاشتراط فإن لهم موقفاً من نظرية مقتضى العقد، إذ نجدهم يمنعون بعض الشروط لمخالفتها لمقتضى العقد، ولأن اشتراطها يؤدي إلى تعطيل الغاية المشروعة من العقد؛ ولهذا قالوا ببطلان عقد الزواج إذا ورد به شرط ينفي الاستمتاع بين الزوجين.
إن القول بحظر الاشتراط يجعل من الشريعة الإسلامية جامدة وعاجزة عن مواجهة ما يستجد في شؤون المعاملات والزواج ومواجهة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراتها على الأسرة ، وبالتالي عدم قضاء منافع وحاجيات الأفراد والأزواج الضرورية، بسبب عدم تقبل الظاهرية الأخذ بالشروط المستجدة واكتفاءهم بالشروط التي ورد النص عليها، وبرفضهم هذا يصير الناس في حرج وضيق، وهذا يناقض ميزة أساسية تتمتع بها الشريعة الإسلامية؛ وهي صلاحيتها لكل زمان ومكان.
وفي الحقيقة، فإن الفقه الإسلامي ليس قاصراً على مذهب الظاهرية وبقية أنصار هذا الرأي، بل يشمل أيضاً ما يعبر عن شمولية الفقه الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان بما يحمل من آراء وأفكار وحلول ناجعة، وهذا ما سيتضح لنا جلياً من خلال آراء وأدلة الرأي الثاني المتمسك بحرية الاشتراط.

المطلب الثاني: الرأي القائل بأن الأصل في الاشتراط الإباحة
يتمثل أصحاب هذا الرأي أساساً في مذهب الحنابلة، وعلى رأسهم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وطائفة من فقهاء المالكية ، وهو الرأي ذاته القائل بحرية التعاقد في الفقه الإسلامي؛ لأن حرية الاشتراط تابعة لحرية التعاقد والعقود مركبة على الشروط. وحسب أنصار هذا الرأي، فإن للأفراد أن يبتدعوا صوراً جديدة من العقود والشروط على أن يكون ذلك في دائرة معينة هي دائرة الحلال والمباح ولا تمتد هذه الحرية إلى دائرة الحرام. لأن الإرادة في نظرهم كافية وحدها لتحقيق الالتزامات؛ فالله تعالى أمر بالوفاء بالعقود والنذور والعهود على وجه العموم ولم يستثني منها إلا ما كان محرماً بنصوص الكتاب والسنة، بل إن الله تعالى أمر المسلمين بالوفاء بعهودهم حتى مع المشركين، وهذا كله دليل على أن إرادة الإنسان في الشرع الإسلامي حرة في تصرفاتها.
وسنتعرف على نظرة أصحاب هذا الرأي للاشتراط في عقد الزواج بصفة مفصلة والأدلة التي استندوا إليها، لنصل في الأخير إلى تقييم هذا الرأي، وذلك من خلال الفروع الثلاثة الموالية:
الفرع الأول: مضمون هذا الرأي
ذهب أصحاب هـذا الرأي إلى القول بأن الأصل في العقود والشروط الصحة والإباحة، فهم يطلقون إرادة الإنسان في العقود والشروط ويعطونه حرية واسعة في هذا الباب. ولا يحرم ويبطل من الشروط عندهم إلا ما دل على تحريمه وإبطاله نص في الكتاب أو في السنة أو إجماع صحيح أو قياس معتبر. فإن لم يوجد مثل هذا النص المحرم كان للمتعاقد مطلق الحرية في إنشاء ما يريد من عقود أو شروط، بخلاف أصحاب الرأي الأول الذين يشترطون ورود النص على إباحة العقد أو الشرط. وبهذا يكون الحنابلة قد توسعوا في الأخذ بمبدأ حرية التعاقد وإنشاء الشروط التي تحقق مصالح الناس وتفي بأغراضهم، إلا إذا قام الدليل على المنع فعندئذ لا يلزم الوفاء بها.
إن الاجتهاد الحنبلي لم يفرق بين عقد الزواج وغيره من العقود فيما يتعلق بحرية إنشاء الشروط متى تم ذلك ضمن الحدود الشرعية، فأجاز للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي من شأنها أن تحقق مصلحة أو منفعة لكلا الزوجين أو لأحدهما بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقاصد الشريعة الإسلامية من عقد الزواج. ومن أمثلة الشروط الجائزة عند الحنابلة اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من بلدها، أو اشتراط أحد الزوجين في الآخر صفة مقصودة كالجمال أو البكارة . زيادة على هذه الشروط أجاز الحنابلة للمتعاقد المشترط فسخ النكاح متى خالف الزوج الآخر الشرط المتفق عليه.
على أن الحنابلة يمنعون من الشروط في النكاح ما يمنعه الشرع بنص خاص، أو ما ينقص الحقوق والواجبات التي تعد من النظام الشرعي في النكاح، كما لو اشترط الزوج تأقيت النكاح، أو عدم المهر، أو عدم النفقة الزوجية، أو اشترطت الزوجة عدم استمتاع الزوج بها.
الفرع الثاني: أدلة هذا الرأي
بعد تعرفنا على مضمون رأي المبيحين للشروط في عقد الزواج، سنبين فيما يلي الحجج والأدلة التي استندوا إليها في إثبات رأيهم ودعم مذهبهم سواء من الكتاب، أو من السنة، أومن الأثر، أومن المعقول.
البند الأول: من الكتاب
1) لقد استند أصحاب هذا الرأي فيما ذهبوا إليه من أن الأصل في الاشتراط الإباحة إلى الآية الكريمة التي أوجبت الوفاء بالعقود، وهي قوله تعالى: " يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود".
ووجه الدلالة من هذه الآية أنها توجب الوفاء بما أحل الله من عقود وعهود ؛ فيأيها الذين التزمتم بإيمانكم أوفوا بأنواع العقود والعهود؛ لأن في القيام بذلك إظهار لطاعة الله. وحاصل الكلام في هذه الآية أن الله أمر بأداء التكاليف فعلاً وتركاً ، وجاء الخطاب في هذه الآية بلفظ الإيمان والتكريم والتعظيم على وجوب الوفاء بكل عقد وعهد سواء كان بين الإنسان وربه، أو بين الناس فيما بينهم. بشرط أن تتوافق أحكام العقد مع كتاب الله وسنة رسوله . وكل ما يصدق عليه اسم العقد فهو واجب الوفاء به حتى يقوم الدليل على التحريم والبطلان.
كما أن أمر الله تعالى الوفاء بالعقود دليل على جوازها، فالله لا يأمرنا بالوفاء بما لا يجوز الإقدام عليه. ولو كان الأصل في العقـود والشروط الحظر والمنع إلا ما أجازه
الشارع كما قال بذلك الظاهرية لما وجب أن يؤمر بالوفاء بها مطلقاً وبصفة عامة لا تخصيص فيها ولا قيود عليها. فلا فرق في الوفاء بالشروط من أن يكـون العقد باتاً منجزاً، أو أن يكـون مضافاً، أو عقداً معلقاً طالما أن مضمون العقد لا يتنافى مع مقاصد وأحكام الشريعة الإسلامية.
2) واستدل المجيزون للاشتراط بجملة آيات أخرى توجب الوفاء بالعهود وتحرم الغدر فيها.
ومن أمثلة هذه الآيات قوله تعالى:
1) " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا".
2) " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون".
3) " يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون".
4) " ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجراً عظيما".
ووجه الدلالة من هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أوجب الوفاء بالعهد والوعد وحـرم الغدر فيهما . والشرط بيـن المتعـاقدين عهد قيدت به ذمتهما فيجب الوفاء به، وليس العقد بين العاقدين إلا عهداً قد قيدت بأحكامه ذمتهما، ولهذا فالوفاء به نوع من الوفاء بالعهد.
وقد ناقش أصحاب الرأي الأول المانعون للاشتراط هذه الأدلة وردوا عليها بأن ورود هذه الآيات القرآنية ليس على عمومه؛ أي لا يمكن تطبيقها على جميع أنواع العقود والشروط، وهذا لورودها في بعض العقود والشروط التي نص الشارع على إباحتها، وما عدا ذلك من الشروط والعقود يعتبر باطلاً ولا يجب الوفاء به. واستدل ابن حزم على ذلك بالحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل".
وقد ردّ المبيحون للشروط على ابن حزم بأن ما ذهب إليه غير صحيح؛ لأنه ليس المراد من الحديث الذي استدل به وجوب ورود الأدلة الشرعية المبيحة للشروط، وإنما المراد الصحيح من الحديث هو بطلان كل شرط مخالف لحكم الله وشريعته، وعندئذ تكون الآية الكريمة دالة على وجوب الوفاء بكل ما يصدق عليه اسم العقد حتى ولو لم يرد به نص خاص من الشريـعة، بشرط ألا يخـالف في ذلك أصلاً من أصول الشرع، ولا قاعدة من قواعده المقررة.
البند الثاني: من السنة
استدل المبيحون للاشتراط بجملة أحاديث واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم نذكر من بينها مايلي:
1) قوله صلى الله عليه وسلم: " أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ".
2) قوله صلى الله عليه وسلم: " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
3) قوله صلى الله عليه وسلم: " المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً ".
ووجه الدلالة من الحديث الأول: أن الشروط في عقد الزواج هي أحق بالوفـاء من غيرها، ولا فرق في ذلك من أن تكون هذه الشروط مرتبطة بالآثار المالية للزواج كالمهر أو النفقة، أو غيرها من الشروط التي تحقق مصالح الزوجين المشروعة، وهذا لأن المشترط في عقد الزواج لم يكن ليقبل بهذا الزواج إذا لم يوفى بشرطه.
أما دلالة الحديث الثاني فهي قاطعة بوجوب الوفاء بالعهد والنهي عن الخيانة والغدر، وعلى هذا فلو كان الأصل في العقود والشروط الحظر كما يقول الظاهرية لما صح أن يؤمر بالوفاء بالعهود والعقود مطلقاً، وأن يذم من غدرها ونقضها مطلقاً.
وبالنسبة للحديث الثالث الذي استند إليه المبيحون الشروط فهو يدل على أن المشترط يقف ويلتزم بشرطه مـا لم يكن فيه إبطال لحـكم الله أو إسقاط لما أوجبه الله، كما دل الحديث على صحة جميع أنواع الشروط ما لم يرد من الشرع ما يدل على تحريم شرط منها وبطلانه.
ولقد ناقش أصحاب الرأي الأول وهم المانعون للشروط أدلة أصحاب الـرأي الثاني المتمثلة في الأحاديث السابقة الذكـر وأبـدوا معارضتهم لها، فبالنسبة للحديث الأول: "... إن أحق الشروط أن توفوا به..." قالوا إن كلمة أحق لا تؤخذ على إطـلاقها، وإنما يقصد بها ما هو حق في نفسه وليس بباطل.
وقالوا أيضاً بأن المقصود بالشروط في الحديث: الشروط التي تجب في النكاح كالمهر والنفقة، لأنها هي التي تستحل بها فروج النساء، وبالتالي رفضوا الأخذ بالحديث للدلالة على لزوم الوفاء بكافة أنواع العقود والشروط.
ولكن رُدّ عليهم بأن كلمة أحق جاءت لتبين في هذا الحديث بأنه يجب الوفاء بجميع الشروط، ولكن الشروط التي ترد في عقد الزواج يكون الوفاء بها أولى وأوثق، وأما حصرهم المراد بالشروط الواردة في الحديث بالشروط التي تجب في الزواج من مهر ونفقة فهذا كلام غير صحيح، لأن هذه الأمور تترتب على عقد الزواج ولو لم يشترطها الزوجان.
كمـا اعترض المانعـون للشروط على حديث رسـول الله صلى الله عليـه وسلم: " المسلمون عند شروطهم ..." وقالوا بأنه حديث ضعيف، وبأنه جاءت زيادة في بعض رواياته؛ ففي رواية ورد الحديث بعبارة: "... إلا شرطاً أحل حراماً أوحرم حلالاً "، وفي رواية أخرى ورد بعبارة: "... ما وافقت الحق ". واعتبروا أن الرواية الأولى تفيد بطلان كل شرط يتضمن تحريم ما أباحه الله تعالى لعباده، أو إجازة ما حرمه عليهم. ثم إن الشروط التي يشترطها الناس في عقودهم منها ما يحرم الحلال كمن يشترط على نفسه في عقد الزواج بألا يتزوج على زوجته، فإنه يحرم على نفسه تعدد الزوجات الذي أباحه الله تعالى بقوله: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ". ونفس الأمر ينطبق مع الزوجة التي تشترط على زوجها ألا ينقلها من بلدها فإنها تناقض قوله تعالى: " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" ؛ وقوله أيضاً: " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم".
وأما الأخذ بالرواية الثانية للحديث السابق: " أو ما وافقت الحق " فيبطل به كل شرط لم يرد في نصوص القرآن أو السنة.
بيد أن المبيحون للاشتراط ردوا على هذه الاعتراضـات بأن هذا الحـديث صحيح. وبالنسبة لما ذكره المانعون للاشتراط فيما يتعلق بمعنى الحلال والحرام هو قول غير سديد، لأن الشروط الباطلة حسب الحديث هي التي توجب إبطال ما شرعه الله تعالى، أو اقتراف ما حرمه على عباده، كشرط عدم النفقة على الزوجة فهذا إبطال لما أوجبه الله، أو كشرط عدم الإرث، أو كشرط نفي النسب وغيرها من الحقوق التي أوجبها الله.
وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: " أو ما وافقت الحق " فليس المقصود به حصر ورود الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على إجـازة الشرط، وإنما يعني عــدم مخالفة الشرط لأحكام الشريعة الإسلامية.
البند الثالث: من الأثر
استدل الحنابلة على جواز الشروط بما ورد في قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها السكنى في دارها ثم أراد نقلها، فتقاضيا إلى عمر، فقال لها شرطها، فقال الرجل إذن يطلقنا فأجابه عمر بقوله: " مقاطع الحقوق عند الشروط ". وفي رواية أخرى: " المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم ".
فدل قضاء عمر بصحة شرط الزوجة بألا ينقلها زوجها من بلدها على صحة مثل هذه الشروط في النكاح، على الرغم من أنها ليست من مقتضى العقد. ولهذا يجب الوفاء بكل الشروط التي تحقق منفعة للزوجين بشرط عدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية.
ولقد ناقش المانعون للشروط في عقد الزواج هذا الدليل الذي ساقه الحنابلة بقولهم أن علي ابن أبي طالب خالف ما قضى به عمر وقال: " شرط الله قبل شرطها". كما خالف فيه أيضاً بعض التابعين كسعيد بن المسيب الذي سُئل عن المرأة تشترط على زوجها ألا يخرجها من بلدها فقال يخرج بها إن شاء.
وقالوا أيضاً بأنه رُوي عن عمر بن الخطاب في رواية أخرى، أنه قضى بإلغاء الشرط الذي اشترطته امرأة على زوجها بألا يخرجها من دارها، ثم قال المرأة مع زوجها. وبالتالي فلا يجوز التمسك بأحد الأثرين الواردين دون الآخر.
البند الرابع: من المعقول
يرى المبيحون للشروط بأن العقود تعتبر من الأفعال العادية، والأصل فيها عدم التحريم. ولقد بين لنا القرآن الكريم ما هو محرم علينا حيث قال تعالى : " وقد فصل لكم ما حرم عليكم " ، ثم أنه لا يوجد في القرآن الكريم ما يدل على تحريم إنشاء الشروط في عقد الزواج.
إن العقود والشروط هي من الأفعال التي تسمى في اصطلاح الفقهاء بالعادات وليست من العبادات، والعادات ينظر فيها إلى عللها ومعانيها لا إلى النصوص، لأنها ليست عبادة يتعبد بها، فيكفي في صحتها ألا تحرمها الشريعة الإسلامية استصحابا للمبدأ الأصولي القاضي بأن الأصل في الأفعال والأقوال والأشياء هو الإباحة، بخلاف العبادات التي الأصل فيها التوقف عند النص القرآني الثابت، أما العقود والشروط فالغرض منها رعاية مصالح الناس وتحقيق أغراضهم.
كما أن الشارع أجاز نقل الحقوق وإسقاطها بالرضا، فكل عقد أو شرط يتحقق فيه الرضا فهو واجب الوفاء ولو لم يرد به نص صريح يبيح ذلك.
إن الضرورة أو المصلحة هي التي قد تدفع بالزوجين إلى الاتفاق على شروط معينة في عقد الزواج، ولهذا فإن إباحة الاشتراط يتفق مع خاصية أساسية تتميز بها الشريعة الإسلامية وهي قيامها على جلب المصالح ودرء المفاسد، فالشريعة ما جاءت إلا لتحقق مصالح العباد في العاجل والآجل ودرء المفاسد عنهم، ثم إن تحقيق المصالح هو مقصود الشارع وفي هذا يقول المولى عـز وجـل: " وما أرسلناك إلا رحمـة للعالمين " ، والرحمة تتضمن رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم.
إن القول بحظر الاشتراط يترتب عليه وقوع الناس في الضيق والحرج، وهذا ما رفعه الله عن عباده إذ قال: " يريد الله بكـم اليسر ولا يريد بكـم العسر". وقال أيضـاً: " وما جعل عليكم في الدين من حرج ". و قد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى حيث قال: " إن الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحداً إلا غلبة ". وقـال أيضاً: " لا ضرر ولا ضرار". والنتيجة من هذا كله، هي وجوب القول بإباحة الشروط في العقود عامة والزواج خاصة، ولا يبطل من الشروط إلا ما خالف منها أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية.
الفرع الثالث: تقييم هذا الرأي
يتبين لنا من خلال الأدلة السابقة التي استند إليها أصحاب الرأي القائل بأن الأصل في الاشتراط الإباحة مدى وجاهة هذا الرأي ورجاحته؛ لأنه يؤدي إلى التوسعة على الناس ورفع الحرج والضيق عنهم بإباحة الاشتراط سواء في عقد الزواج أو باقي أنواع العقود والمعاملات.
ومما يزيد في وجاهة هذا الرأي أن أصحابه لم يفتحوا باب الشروط على مصراعيه فالأمر مقصور على دائرة الشروط الصحيحة، إذ يتعين قبل الحكم بصحة الشرط من عدمه مراعاة ما إذا كان هناك نص شرعي خاص يحرم هذا الشرط أم لا ؟ وهذا ما يتطلب من المفتي أن يكون مستوعباً للأدلة المعارضة لتلك الأدلة العامة التي جاءت بإباحة الشروط حتى يكون حكمه صحيحاً، فإن وجد تعارض معها أبطل الشرط، وإن لم يجد أي تعارض حَكم بإباحة الشرط وصحته.
ويقـول في ذلك ابن تيمية: " وإذا ظهـر أن لعدم تـحريم الشروط وصحتها أصلين: الأدلة الشرعيـة العامة، والأدلة العقلية التي هي الاستصحاب، وانتفاء المحرم، فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة في أنواع المسائل، وأعيانها إلا بعد الاجتهاد في خصوص ذلك النوع والمسألة. هل ورد من الأدلة الشرعية ما يقتضي التحريم فإن الأدلة النافية لتحريم الشروط والمبينة لحلها مخصوصة بجميع ما حرمه الله ورسوله منها،... فمن غلب على ظنه من الفقهاء انتفاء المعارض في خلافية أو حادثة انتفع بهذه القاعدة. فيذكر من أنواعها قواعد حكمية مطلقة ".
إن ما ذهب إليه الحنابلة من أن الأصل في العقود الإباحة لا الحظر مسلك سليم لتوافقه مع تحقيق مصالح الأفراد مـا لـم يتعارض ذلك مع أحـكام الشريعة الإسلامية، فتطور الحياة قد اقتضى ضروباً وأنواعاً من التعامل لم تكن معروفة من قبل ولم يرد بشأنها نص في الشرع، فيكون من الحكمة إباحتها والوفاء بها ما لم تحرم حلالاً أو تحلل حرامًا ؛ أي أنه يجب أن تكون حرية التعاقد في دائرة معينة هي دائرة الحلال والمباح ولا تمتد هذه الحرية إلى دائرة الحرام.
وعلى العكس من ذلك يرى الدكتور وهبة الزحيلي بأنه يجب الأخذ برأي المانعين للاشتراط في عقود الزواج حرصاً على ما للزواج من حرمة وقداسة، ولما تتطلبه الأسرة من استقرار ودوام؛ ينبغي من أجله عدم إفساح المجال لحرية الاشتراط التي تتأثر بالأهواء والنزوات وتعصف بأغراض الزواج السامية، مستنداً في ما ذهب إليه إلى أن الأصل في الأبضاع- المتعة الجنسية- التحريم، على أن يؤخذ برأي الحنابلة في إطلاق حرية الاشتراط للعاقدين في العقود المالية تحقيقاً لمصالح الناس وأغراضهم في إبرام العقود لأغراض مشروعة.
وحسب رأينا، فإن الشروط المقترنة بعقد الزواج قد تكون عاملاً مساعداً على تحقيق التوافق بين الزوجين ورسم المسار الصحيح لحياتهما المستقبلية، بما يحقـق الاسـتقرار دون أن يتنافى ذلك مع قدسية عقد الزواج، كما أن حرية الاشتراط ليست بالمطلقة بل هي مقيدة بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، فالأصل هو إباحة الاشتراط ما لم يرد الدليل الشرعي على تحريمه، هذا فضلاً عن إمكانية مراقبة صحة الشروط المقترنة بعقد الزواج، إما عن طريق الموظف المختص بإبرام عقد الزواج، أو عن طريق القضاء.
وعلى هذا فإن الأخذ برأي الحنابلة في حرية الاشتراط في عقد الزواج يكون هو الرأي الأرجح، بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقتضى عقد الزواج.
وهكذا نجد أن حرية الإرادة في اشتراط الشروط في عقد الزواج تنعدم عند مذهب الظاهرية، فالأصل عندهم هو الحظر والمنع التام؛ لأنهم حصروا الاستدلال بالأدلة الشرعية في الكتاب والسنة، ثم تخف درجة التقييد من حرية الإرادة عند كل من فقهاء المذهب الحنفي والشافعي والمالكي، وهذا لإقرارهم الأخذ ببعض الأدلة الشرعية كالمصالح المرسلة والاستحسان والعرف ، إلى أن تتسع دائرة الإباحة عند جمهور الحنابلة وعلى رأسهم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، حيث أجاز الحنابلة للزوجين اشتراط الشروط التي تحقق منفعة مقصودة، ولا تتعارض مع مقتضى عقد الزواج ونصوص الشريعة؛ كاشتراط الزوجة ألا يسافر بها زوجها من بلدها، أو ألا يتزوج عليها، أو اشتراط أحد الزوجين كون الآخر موسراً وغير ذلك من الشروط. وراعى الحنابلة في إباحة هذه الشروط ما للزواج من جانب كبير من القدسية، وكذلك الدور الذي تقوم به هذه الشروط في الحفاظ على استقرار الأسرة؛ لذلك كانت رعايـة الشروط التي ترد في عقـد الزواج وفيها منفعة للزوجين أو أحدهما أوجب وألزم من العقود الأخرى.
وأخيراً يجمل بنا أن نشير إلى أن الرأي الثاني الذي يقضي بأن الأصل في الاشتراط الإباحة يمتـاز بالمرونة والملاءمـة مع واقع النـاس ومتطلباتهم وروابطهـم العقديـة، وهو اتجاه سليم إذ الأصل في الأشياء الإباحة حتى يقوم الدليل على الحرمة. كما أنه يسمح للزوجين باشتراط شروط تهدف إلى ضمان مستقبلهم وحماية مصالحهم المشتركة وتقوية أواصر المودة والرحمة بينهما.
وهكذا نجد أن الفقه الإسلامي قد اعترف بحرية الإرادة منذ نشأته وبدايـة تطـوره، بخلاف القوانين الغربية التي تحولت من الأخذ بالعقود الشكلية إلى إطلاق سلطان الإرادة. فحسب فقهاء المذهب الحنبلي فإن الشريعة الإسلامية فوضت لإرادة العاقدين تحديد مقتضيات العقود أو آثارها ضمن نطاق حقوقهما ومصالحهما في كل ما
لا يناقض نصوص الشريعة وأصولها الثابتة، وهو عين ما استقرت عليه النظريات القانونية في التشريعات الحديثة فيما اصطلح على تسميته بمبدأ سلطان الإرادة الذي يمنح العاقدين الحرية في اشتراط أي شرط لا يخالف قواعد النظام العام والآداب العامة ، ولا أدل على ذلك تلك العبارة الخالدة لشيخ الإسلام ابن تيمية التي تعتبر بحق دستور الفقه الإسلامي في مـبدأ سلطان الإرادة العقدية، وهي قـوله: " والأصل في العقود رضا المتعاقـدين، ونتيجتها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد "؛ وهو المبدأ ذاته الذي عبرت عنه القوانين الحديثة بقاعدة " العقد شريعة المتعاقدين ".
وفي الأخير نشير إلى أن موقف قانون الأسرة الجزائري وبقية قوانين الأحوال الشخصية العربية من حرية الإرادة في اشتراط الشروط في عقد الزواج، لا يختلف عما ذهب إليه الفقه الحنبلي من أن الأصل في الاشتراط الإباحة ما لم يقم الدليل على المنع؛ وهذا ما يبـدو واضحا من أحكـام نص المادة 19 من قانون الأسرة الجزائـري، والتي تنص على أنه: " للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي يريانها ضرورية، ولا سيما شرط عدم تعدد الزوجات وعمل المرأة ما لم تتنافى هذه الشروط مع أحكام هذا القانون ".
وبهذا يكون المشرع الجزائري قد أطلق السلطان لإرادة الزوجين في اشتراط الشروط التي تحقق مصالحـهما، ما لم تتعارض هذه الشروط مـع أحكام قانون الأسـرة، وإلى هذا الموقف ذهبت أغلب تشريعات الأحوال الشخصية العربية كالقانون السوري ، ومدونة الأسرة المغربية.
المطلب الثالث : القيود الواردة على حرية الاشتراط في عقد الزواج
إن الأخذ بمبدأ حرية الاشتراط في عقد الزواج ليس على إطلاقه، إذ أن الشروط التي تشترط في العقد قد تتبع رغبات وأهواء المتعاقدين التي لا تقف عند حـد معين وقد يؤدي الغلو فيها إلى الخروج عن قواعد الشريعة الإسلامية، ولهذا فقد حدد الشارع لهذه الشروط الحدود التي يجب ألا يتجاوزها المتعاقدان وإلا كانت باطلة .
ولكن فقهاء الشريعة الإسلامية قد اختلفوا في استنباط هذه الحدود، فلم يتفقوا حول تحديد ضوابط التمييز بين الشروط المشروعة والشروط غير المشروعة، وتعددت بذلك مذاهبهم وآراءهم واختلفت سعة وضيقا، فكان أضيقها مجالاً مذهب الظاهرية وأوسعها مجالاً مذهب الحنابلة، واحتل المالكية والشافعية موقعاً وسطاً بين موقفي فقهاء كل من الظاهرية والحنابلة.
إن القيد الأساسي على حرية الاشتراط في عقد الزواج في الفقه الإسلامي هو عدم مخالفـة الدليل الشرعي، ولكـن الفقهاء مختلفون في الأخـذ بكل هذه الأدلة الشـرعية، فنصوص القران والسنة لم تبين لنا الحد الفاصل بين الشروط المشروعة والشروط غير المشروعة، ولهذا يجب البحث في بقية مصادر التشريع الإسلامي.
بينما نجد القوانين الوضعية تجعل من النظام العام القيد الأساسي على حرية الاشتراط، ولا يخفى بأن هذا المفهوم يقبل التوسع والتضييق بسبب مرونة ونسبية النظام العام. ثم أن قانون الأسرة الجزائري وفي مادته 19 اكتفى بالنص على أن القيد الأساسي الوارد على حرية الزوجين في وضع الشروط هو عدم مخالفة أحكام هذا القانون.
وسنتعرض إلى دراسة أهم القيود الواردة على حرية الاشتراط في عقد الزواج في الفروع الآتية:
الفرع الأول: مراعاة قواعد النظام العام والآداب العامة
يعتبر قيد النظام العام والآداب العامة من أهم القيود الواردة على حرية الاشتراط في عقد الزواج، وهذا لأن أغلب مواضيع الأحوال الشخصية من النظام العام ، فلا يجوز للزوجين تعديلها باتفاقات فيما بينهم.
وعلى هذا الأساس يقع باطلاً كل شرط بين الزوجين يقضي بالتنازل عن أبوتهما لابنهما، أو الاتفاق على تعديل ما للزوج من حقوق على زوجته في الطاعة والأمانة الزوجية بالتنازل عنها مثلاًً، ويقع باطلاً أيضاً كل شرطٍ يقضي بتعديل ما للزوجة من حقوق على زوجها كشرط نفي المهر أو عدم الإنفاق عليها.
ولكن الإشكال الذي يواجهنا هنا هو صعوبة تحديد مفهوم ثابت للنظام العام، ومع ذلك يمكن القول بأن النظام العام على وجه الإجمال هو عبارة عن مجموعة القوانين التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة للمجتمع سواء كانت هذه المصلحة سياسية وهذا هو مجال القوانين الدستورية والإدارية، أو كانت هذه المصلحة اجتماعية وهو ما تراعيه قوانين الأحوال الشخصية ، أو كانت هذه المصلحة اقتصادية.
وعلى هذا الأساس فليس للزوجين الاتفاق على مخالفة أحكام وقواعد النظام العام حتى ولو كانت هذه الاتفاقات تحقق لهم مصالح شخصية، وتبرير ذلك يكون بتغليب المصلحة العامة للمجتمع على المصلحة الخاصة.
أما المقصود بمراعاة الآداب العامة هو احترام الأصول الأساسية للأخلاق في مجتمع معين وعصر معين، بحيث يُفرض على الجميع احترام الحد الأدنى من القواعد
الخلقية التي تعتبر لازمة لحماية المجتمع من الانحلال الخلقي، غير أن هذه الفكرة تبقى نسبية إلى حدٍ ما. وذلك لاختلاف المعيار الذي نحدد به ما هو من الآداب العامة أو ليس كذلك من مجتمع لآخر بل ونجده يختلف حتى في نفس المجتمع من عصرٍ لآخر.
غير أن هذه الميزة التي يتمتع بها النظام العام تعتبر الوسيلة الوحيدة لتحقيق التوافق بين النظام القانوني لمجتمع ما والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والخلقية، بشرط ألا يكون هذا على حساب قيم ومبادئ المجتمع ، فالمفاهيم الخلقية تعتبر المحدد الأساسي لمفهوم الآداب العامة كما جرى على ذلك التطبيق العملي.
وانطلاقاً مما سبق، فإنه لا يجوز للزوجين تضمين عقود الزواج شروط وبنود تمس بالآداب العامة، فعلى سبيل المثال يقع باطلاً اشتراط الزوجة على زوجها السماح لها بالعمل في المـلاهي الليلية كبائعة خمور، أو أن تعمل كراقصة أو عارضـة للأزياء ، وذلك لتعارض هذه الشروط مع الآداب العامة التي تحكم المجتمعات العربيـة، في حين قد تعتبر هذه الشروط مشروعة في المجتمعات الغربية.
وبمقارنة فكرة النظام العام والآداب العامة في القانون الوضعي كقيد وارد على حرية الاشتراط وما يقابل هذه الفكرة في الشريعة الإسلامية، ونعني بذلك عدم مخالفة الشروط للدليل الشرعي، نجد أنهما يختلفان في كون النظام الشرعي العام في الشريعة الإسلامية ثابت على مر الزمن ولا يجوز تغييره ولا تبديله، بخلاف فكرة النظام العام حسب القانون الوضعي فإنها تخضع للتغيير. فضلاً عن أن نطاق المحرم في الشريعة الإسلامية أوسع مجالاً من نطاق التحريم في القانون الوضعي، فالفقه الإسلامي يعالج القضايا الدينية والدنيوية، بينما يقتصر القانون الوضعي على معالجة الأمور الدنيوية فقط.
ولم يجعل الفقه الإسلامي من المعيار الذاتي المتمثل في المصلحة الفردية للمتعاقد أساساً لترتيب آثار العقود والشروط، بل الأساس المعتمد في ذلك هو المعيار الموضوعي الـذي يغلب مصلحة المجتمع ويحمي النظام الشرعي العام والآداب العامة، ولتحقيق ذلك لابد من الخضوع لأوامر الشارع ونواهيه.
وتبعاً لذلك فإنه لا يجـوز للزوجين الاتفاق على ألا يرتب عقد الزواج آثاره الشـرعية، والحكمة في ذلك أنه لو ترك الشارع الناس وشأنهم في ترتيب ما يحلو لهم من آثار وشروط في العقود، وخاصة في عقد الزواج لخرجوا عن حدود الله وطغى الظلم والفساد في الأرض، بسبب الأنانية الطاغية على الإنسان التي تجعله يسعى إلى تحقيق مصالحه على الطرف الآخر، فكان من اللازم تقييد إرادة المتعاقدين بعدم مخالفة قواعد النظام الشرعي العام.
الفرع الثاني: عدم مخالفة أحكام قانون الأسرة
لقد ورد هذا القيد الثاني في نص المادة 19 من قانون الأسرة الجزائري التي تضمنت أحكاماً عامة غير محددة، بل وفي منتهى التعميم والشمولية، إذ نجد المشرع الجزائري قد أباح للزوجين كقاعدة عامة أن يشترطا كل الشروط التي يريانها ضرورية، ثم أورد على هذه القاعدة العامة استثناءا يقيد العموم السابق؛ وهذا يعني أن قانون الأسرة قد أباح للزوجين حرية الاشتراط، غير أن هذه الإباحة مقيدة بعدم مخالفة ما ورد من أحكام وقواعد في قانون الأسرة.
غير أن تحديد ماهية الأحكام التي تضمنها قانون الأسرة الجزائري، والتي يتعين على الزوجين عدم مخالفتها عند وضع الشروط الإرادية في عقد الزواج تكتنفه بعض الصعوبات. فعلى سبيل المثال قد يبدو للبعض أن هناك تعارض بين إباحة المشرع مثلاً لشرط عدم تعدد الزوجات وما تقضي به المادة 8 بإباحة التعدد.
إنه بالنسبة لمحاولة حصر أحكام قانون الأسرة التي لا يجوز للزوجين تعديلها باشتراط شروط زائدة على أصل العقد، قد يبدو للوهلة الأولى عسيراً بعض الشيء، إلا أنه يمكن القول بأن المقصود بهذه الأحكام كل الآثار الأصلية لعقد الزواج التي هي من مقتضى العقد. وهذا ما يتضح جلياً من خلال نص المادة 32 من قانون الأسرة بنصها على بطلان الزواج الذي أشتمل على شرط يتنافى ومقتضيات العقد.
وتتمثل أهم هذه الأحكام فيما يلي:
1- حل الاستمتاع بين الزوجين (المادة04)
2- استحقاق الزوجة الصداق (المادة 14)
3- استحقاق الزوجة للنفقة (المادة 74)
4- حسن المعاشرة بين الزوجين (المادة 36)
5- التوارث بين الزوجين ( المادة 126)
6- ثبوت نسب الأولاد ( المادة 41)
وبالنسبة للإشكال الثاني المتمثل في تضمين عقد الزواج بعض الشروط التي قد تخالف أحكام قانون الأسرة، كاشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها وحول ما إذا كان هذا الاشتراط يعد في مضمونه تحريماً لشيء محلل شرعاً؟
فيرى الدكتور عبد العزيز سعد بأن هذا الشرط يعتبر باطلاً لتنافيه مع نص المادة 08 التي تسمح بتعدد الزوجات، لذلك فإن الزوج لا يلزم بالوفاء بأي شرط ورد في العقد وكان مخالفاً لأحكام قانون الأسرة، ولا يجوز مطالبته بالوفاء بذلك أمام القضاء وليس للزوجة أن تطلب التطليق اعتمادا على عدم الوفاء بهذا الشرط.
وتزداد أهمية طرح هذا الإشكال في ظل التعديل الأخير لقانون الأسرة حيث خصت المادة 19 بالذكر شرط عدم تعدد الزوجات إلى جانب شرط عمل المرأة بإعتبارهما شرطين ضرورين لتأثيرهما الهام على حياة الأسرة. وبهذا يكون المشرع الجزائري قد حسم مسألة هذين الشرطين تشريعياً، وتم بذلك رفع الحرج عن القاضي والمتقاضين.
غير أنه وبهذا التخصيص لشرط عدم تعدد الزوجات في المادة 19 يصبح التعارض والتناقض بين نص المادتين 19 و8 أكثر وضوحاً وبروزاً من السابق على الأقل من ناحية صياغة هاتين المادتين.
وفي اعتقادنا أنه كان في وسع المشرع الجزائري تفادي وقوع هذا التعارض في صياغة نص كل من المادتين لو نص على هذا الشرط في المادة 8 كقيد من القيود الواردة على تعدد الزوجات، كما هو عليه الحال بالنسبة للمشرع المغربي حيث نص في المـادة 40 من مدونة الأسرة على أنه: " يمنع التعـدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجـات، كمـا يمنع في حـالة وجـود شرط من الزوجة بعـدم التــزوج عليهـا "، فالموضع الصحيح لإدراج شرط عدم تعدد الزوجات في قانون الأسرة الجزائري يكون هو نص المادة 8 وليس نص المادة 19.
ومن ناحيـة أخرى فإن صيغة التعبير التي أوردها المشرع الجزائري بخصوص شرط عدم تعدد الزوجات في نص المادة 19 تعتبر غير سليمة، لأنها تتجه بذهن القارئ نحو تحريم مبدأ التعدد أصلاً، والتعبير السليم حسب رأينا يكون باستبدال عبـارة "... ولاسيما شرط عدم تعدد الزوجات... " بعبارة "... ولا سيما شرط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها...".
والجديـر بالذكر أن الشريعة الإسلامية لم تقيد تعدد الزوجات إلا بشرط العدل، أما جعله بيد القاضي وموافقته ومطالبة الرجل بإبداء المبرر الشرعي واقتناع القاضي بذلك هي شروط ما أنزل الله بها من سلطان، كما أن إعطاء ولاية غير مشروعة للقاضي على الرجل من شأنه أن يعمق ويوسع مساحات الزواج العرفي والعلاقات غير المشروعة.
إن ما يجب فهمه بالنسبة لتعدد الزوجات أن الشريعة الإسلامية تأبى أن يكون الغرض من التعدد المباهاة أو التذوق أو الإهانة، فالتعدد رخصة لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة ووجود مسوغاتها.
وانطلاقا من هذا فلا حرج في وضـع قيود على تعدد الزوجات وإحاطته بإجراءات اجتهادية من وضع المشرع، إذا كان الغرض منها هو حماية التعدد وتنظيمـه وتحقيـق العدل فيه، وحمـاية المرأة من تعسف الزوج وضمـان حقوق الزوجـة.
وبالرجوع إلى الشريعة الإسلامية وتحديداً الفقه الحنبلي نجده يبيح للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من منزل أبيها... وغيرها من الشروط التي لا توافق مقتضى عقد الزواج ولا تنافيه، ولم يرد بها أمر أو نهي من الشارع ويكون في اشتراطها تحقيق غرض مشروع لمن اشترطها. فالحنابلة يرون بإلزامية الوفاء بمثل هذه الشروط، ويمنحون لمن تضرر من جراء عدم الوفاء بها حق فسخ عقد الزواج.
بينما نجد كل من فقهاء الشافعية والمالكية والحنفية يعتبرون بأن كل شرط خالف الشرع أو يزيد على مقتضى العقد من غير ورود نص في الشرع بإقراره، شرط فاسد لا يؤثر على العقد بحيث يفسد الشرط وحده ويبقى العقد صحيحاً، كاشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها.
وهكذا نجد أن الفقه الإسلامي على خلاف حول شرط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، وواضح أيضاً مما سبق أن المشرع الجزائري قد استوحى تنظيمه لهذا الشرط من الفقه الحنبلي الذي يعتبر أكبر المذاهب توسعاً في تصحيح الشروط.
إن تبني المشرع الجزائري لرأي الحنابلة فيما يخص اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها له ما يبرره، فما كان للزوجة أن تلجأ إلى ذلك إلا منعاً لمفسدة، وما سميت الضرة بهذا الاسم لدى العرب إلا لاشتقاق اسمها من الضرر. كما أن في اشتراط الزوجة لمثل هذا الشرط تحقيق لمصلحة جدية للمرأة ورغبة أكيدة لديها في الاستئثار بزوجها.
ونخلص مما سبق ذكره إلى أنه لا تعارض بين شرط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها ومبدأ تعدد الزوجات، فتنازل الزوج عن حقه في التعدد لا يبطل المبدأ من أصله، بل يبقى التعدد في أصله مباح دون أن ينفي ذلك إعطاء الحق للزوجة في أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها كلما كان في ذلك تحقيق لمصلحة جدية للزوجة.
الفرع الثالث: جدية المصلحة
تعرف المصلحة في الشريعة الإسلامية بأنها جلب المنفعة ودفع المضرة والمفسدة. والمصلحة المعتبرة في شريعة الإسلام هي كل مصلحة تؤدي إلى الحفاظ على الدين والنفس والمال والعقل والنسل، وفي هذا يقول الإمام الغزالي: " إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكن نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع. ومقصود الشرع من الخلق خمسة ، وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكـل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسـة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسـة فهو مفسدة ودفعها مصلحة ".
والمقصود بجدية المصلحة كقيد وارد على حرية الاشتراط في عقد الزواج هو أن يكون الهدف من الاشتراط تحقيق مصلحة مقصودة لكلا الزوجين أو أحدهما، بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقاصد عقد الزواج، فإذا كان الشرط موافقاً لغايات ومقاصد العقد ومحققاً لمصلحة مقصودة فيجب الوفاء به. أما إذا كان الشرط منافياً للغاية الأساسية التي شرع العقد من أجلها فيبطل الشرط.
وتقدير جدية المصلحة وأهميتها مرجعه إلى الموازنة بينها وبين الأضرار التي تنتج عنها، أو عن عدم تقريرها، بحيث إذا بلغت المصلحة حداً من الأهمية يربو أو يزيد في قيمته على الضرر الذي يترتب على عدم قيام الحقوق أو استعمالها كانت المصلحة جدية. لأن الحقوق لا تعد غايات في حد ذاتها وإنما هي وسائل لتحقيق غايات ومصالح مشروعة يحميها القانون. فإذا لم يكن لصاحب الحق مصلحة من وراء استعماله، أو كانت المصلحة المقصودة ضئيلة بحيث لا تبرر ما ينجم عن التصرف من أضرار اعتبر ذلك تعسفاًً في استعمال الحق ، فلو أن الزوجة اشترطت على زوجها ألا يتزوج عليها، فهذا الشرط يحقق غـاية مقصودة للزوجة فـي الاستئثار بزوجها، ولكن إذا أضحت تلك الغاية غير ذات جدوى بسبب أن الشرط الذي اشترطته الزوجة على زوجها يلحق الـضرر بالزوج ويفوت عليـه مصلحة حقيقية، فإن مثل هذا الشرط يبطل لأن الغاية شرع والشرط تصرف، ولا يجوز للتصرف أن يلغي الشرع فما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط.
وعلى ذلك فإذا كانت الزوجة ولود وتقوم بجميع واجباتها الزوجية، فإنه ليس للزوج مخالفة شرطها بألا يتزوج عليها، بل يجب عليه الوفاء بهذا الشرط لأنه يحقق مصلحة مقصودة للزوجة.
أما إذا كانت الزوجة عاجزة عن القيام بحقوق الزوج أو كانت غير قادرة على الإنجاب بسبب العقم، فهنا تظهر للزوج مصلحة جديدة من أجلها شرع عقد الزواج وهي حفظ النسل، وبناءًا على هذا فلا يكون الزوج ملزماً بالوفاء بالشرط السابق، ولا يكون للزوجة حق فسخ الزواج، إذ لا يمكن اعتبار الزوج مخلاً بشرطه في هذه الحـالة، وهذا لظهور مصلحة أخرى حقيقية يجب على الزوجين السعي نحو تحقيقها.









 


قديم 2011-02-25, 15:48   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

إن دراستنا لحكم الشرط المقترن بعقد الزواج في نظر كل من فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون، تقتضي منا تقسيم هذا الفصل إلى أربعة مباحث، حيث نبين في المبحث الأول مدى تأثير الشرط على عقد الزواج من حيث الصحة والبطلان، وفي المبحث الثاني ندرس فيه مدى إمكانية مراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج؛ وذلك من خلال التطرق إلى مدى سلطة الموثق وضابط الحالة المدنية في مراقبة صحة الشروط المتفق عليها بين الزوجين، ثم التطرق إلى دراسة مدى سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج.
أما المبحث الثالث فنخصصه لدراسة الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط والمتمثل في الدفع بعدم التنفيذ والفسخ والتعويض، وأخيراً نخصص المبحث الرابع لدراسة تطبيقات بعض صور الشروط في عقد الزواج بدءاً بدراسة أنواع من الشروط في بعض الأنكحة الفاسدة، ثم الوقوف عند بعض الأمثلة التطبيقية عن أهم الشروط التي يمكن أن تشترط في عقد الزواج، وانتهاءًا بدراسة بعض الشروط ذات الأثر المالي.










المبحث الأول: أثر الشرط في عقد الزواج
لقد نظمت الشريعة الإسلامية عقد الزواج وقررت الآثار المترتبة عليه؛ والتي الأصل فيها أن تكون بحكم الشارع وجعله، واستثناءا من ذلك يجوز لأحد الزوجين اشتراط شروط في العقد لا تنافي طبيعة عقد الزواج ولا تخـالف أحكام قانون الأسـرة، وهذه الشروط إما أن تكون مرتبطة بحقوق الزوجة على زوجها، أو حقوق الزوج على زوجته، أو تتعلق بحقوق مشتركة بينهما.
إن اقتران صيغة عقد الزواج بهذه الشروط الإرادية الزائدة عن أصل العقد؛ والتي تحقق منفعة للزوجين أو أحدهما يجعل من هذه الشروط مقارنة لعقد الزواج، بحيث يصبح الشرط جزءاً من صيغة العقد ويلتحق بها وينعقد العقد صحيحاً، ولكن قد يترتب على هذا الاقتران تأثير في العقد من حيث الصحة والبطلان تبعاً لفساد تلك الشروط.
والحقيقة أن تأثير الشروط على عقد الزواج من حيث الصحة والبطلان يرجع في أصله إلى اختلاف الفقهاء في مدى الدور الذي تلعبه الإرادة العقدية في اشتراط الشروط في عقد الزواج تبعاً لاختلافهم حول ضابط الشرط المشروع والشرط غير المشروع، مما جعلهم مختلفين في أنواع هذه الشروط التقييدية ومدى تأثيرها على عقد الزواج صحة وبطلاناً.
وعلى هذا، فإن المراد بتأثير الشرط على العقد هو الحكم الذي يترتب على اشتراطه في عقد الزواج من حيث إلزامية الوفاء بالعقد والتقيد به، وكذا ثبوت الخيار لصاحب الشرط في فسخ العقد في حالة عدم الوفاء بالشرط، أو فساد العقد لعـدم صحته، وهذا التأثير يختلف باختلاف نوع الشرط الذي يقترن بعقد الزواج، والذي إما أن يكون موافقاً لمقتضى عقد الزواج، وإما أن يكون منافياً له، وفي حـالات أخـرى لا يقتضيه العقد ولا ينافيه. وسنتعرض فيما يلي إلى دراسة هذه الأنواع من الشروط وبيان تأثيرها في عقد الزواج كما يلي:
المطلب الأول: الشرط الموافق لمقتضى عقد الزواج
وهو الشرط الذي يكون جزءاً من مقتضى العقد ومؤكداً لمقتضاه فهو مكملاً لحكمة المشروط وعاضداً لها، بحيث لا يكون فيها منافاة لعقد الزواج كاشتراط الزوجة الكفاءة أو الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، أو بأن ينفق عليها زوجها، أوبأن يقسم بينها وبين ضرائرها بالعدل في حالة التعدد؛ فهذه كلها شروط صحيحة، لأن الغرض من اشتراطها هو تحقيق التلاحم والتوافق بين الزوجين وهذا ما يلائم مقصود النكاح.
والشرط الموافق لمقتضى عقد الزواج هو في حقيقته مجرد صفة لمحل العقد ولا يضيف إليه أصلاً جديداً، لأنه يدخل في العقد دون حاجة إلى تسميته. ولهذا فقد أجمع الفقهاء على صحة الشروط التي يقتضيها العقد وتوافق مقصود الشارع كاشتراط الزوج أن تكون له القوامة على زوجته أو حق تأديبها.
إن هذه الشروط تعتبر صحيحة والعقد معها صحيح أيضاً، ويجب على كل من التزم بها أن يفي بها ديانة وقضاءاً. والهدف الأساسي الذي يدفع بالزوجة إلى وضع شروط تكـون من مقتضى العقد هو الرغبة منها في التأكيـد على ضمان هذه الحقوق، فتلجأ إلى الاشتراط على زوجها بأن ينفق عليها، أو أن يعطيها مهرها، أو تشترط كفيلاً لضمان المهر، وذلك أمر جائز لا يوقع في العقد خللاً، ولا يكره اشتراطه، ويحكم به سواء اشترط في العقد أو لم يشترط، فوجوده وعدمه سواء، لأنه لازم بمقتضى العقد.
وبعد مـا عرفنا بأن حكـم الشرط الموافـق لمقتضى عقد الزواج في الشريعة الإسلاميـة هـو الصحة، نأتي الآن على بيان حكمـه في قانـون الأسرة الجزائري فبالرجوع إلى نص المادة 32 نجدها تنص على أنه: " يبطل الزواج إذا اشتمل على مانع أو شرط يتنافى ومقتضيات العقد"، وبمفهوم المخالفة لنص المادة فإن الشرط يعتبر صحيحا في نظر قانون الأسرة الجزائري إذا كان موافقاً لمقتضى العقد.
وعليه إذا اشترطت الزوجة على زوجها أن ينفق عليها أو يوجب لها صداقها، فإن هذه الشروط هي من صميم مقتضى عقد الزواج، وهي واجبة من غير حاجة إلى اشتراطها، فالقانون قد نص على هذه الآثار بموجب النصوص المنظمة لعقد الزواج حيث نجد نص المادة 16 من قانون الأسرة الجزائري يؤكد على أحقية الزوجة للصداق كما أوجبت المادة 14 على الزوج الإنفاق على زوجته.
المطلب الثاني: الشرط المنافي لمقتضى عقد الزواج
وهو شرط غير ملائم للمشروط بل هو منافٍ لمقتضاه ، كما لو اشترط الزوج في عقد الزواج على زوجته عدم دفع مهرها أو نفقتها، أو شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها. وبالمقابل لذلك قد تشترط الزوجة ألا تسلم نفسها إلى مدة محدودة، أو ألا يطأها زوجها مطلقاً. فإن كل هذه الشروط تعد باطلة لمنافاتها لمقتضى العقد ويصح النكاح؛ لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره، كما أنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده.
أما ما يبطل النكاح من أصله كشرط تأقيت النكاح، أو شرط الزوج على زوجته أن يطلقها في وقت معين، أو شرط الخيار الذي يمنح للزوجين أو أحدهما حق العدول عن العقد بعد مدة معينة، فكل هذه الشروط باطلة في نفسها ويبطل بها النكاح.
ويضاف إلى جملة الشروط السابقة التي تتعارض مع مقتضى العقد اشتراط أحد الزوجين عدم الإنجاب.
والجدير بالذكر أن تحديد النسل يحرم ويكون إثماً عظيماً إذا كان بصفة جماعية على مستوى الدولة والمجتمع، أما إذا كانت هناك أسباب صحيحة تدعو إلى وقف التناسل في حالات فردية خاصة فهذا جائز، كأن تكون الزوجة لا تقوى على الحمل المتواصل لضعفها أو مرضها مما قد يؤدي إلى وفاتها. وباستثناء هذه الحالات الخاصة فإن السماح بتحديد النسل يؤدي ذلك إلى إضاعة المصالح العامة للمجتمع في سبيل المصلحة الخاصة، فضلاً عن كونه يشكل انحرافا عن طريق الفطرة السليمة.
ولقد أجمع الفقهاء المسلمين على بطلان الشرط المنافي لمقتضى عقد الزواج، ولكنه لا يُبطل العقد عند كل من فقهاء الشافعية والحنابلة والحنفية ، باستثناء المالكية فهم يرون بأن الزواج المقترن بشرط منافٍ لمقتضى العقد يفسخ قبل الدخول ولا أثر للشرط فيه، ويثبت بعده بصداق المثل ويسقط الشرط.
واستدل الفقهاء على فساد هذا النوع من الشروط بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صفحتها فإنما لها ما قدر لها ". فدّل الحديث على بطلان شرط تطليق الضرة لمخالفته النهي عن هذا الشرط بصريح نص الحديث، فضلاً عن كونه شرط يلحق الضرر بالغير. ولكنهم استثنوا من ذلك ما لو اشترطت المرأة أن يكون لها حق تطليق نفسها أو ما اصطلح على تسميته بجواز تفويض الطلاق، فقد ذهبوا إلى وجوب الوفاء بهذا الشرط من قبل الزوج لما قد يترتب على هذا الشرط من تحقيق لمصلحة أحد الزوجين ؛ وبالأخص الزوجة حيث يمنحها هذا الشرط نوع من الحماية من الطلاق التعسفي للرجل . ويتفق الفقهاء المسلمون على وجوب التفرقة بخصوص هذا الشرط بين فرضين:
الفرض الأول: إذا وقع الاتفـاق على هذا الشرط قبل إبـرام عقد الزواج فيعتبر باطلاً، لأن الزوج لا يستطيع أن يُمَلِك زوجته حقا لا يملكه أصلا نظرا لعدم قيام الزوجية، فضلا أن هذا الاشتراط قبل قيام العقد يعتبر في حكم تأقيت النكاح وهو أمر منهي عنه.
الفرض الثاني : إذا فوض الزوج إلى زوجته الطلاق بعد العقد وأثناء الحياة الزوجية بناءا على اشتراطها لهذا الشرط، فإنه يعتبر صحيحا ويجب الوفاء به، لأنه تمليك من الزوج للزوجة لحق يملكه بعد العقد.
والجدير بالذكر أن الفرق بين اشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها وشرط طلاق الضرة، أن هذا الأخير يعتبر باطلاً ولا يجب الوفاء به، لأن فيه إضرار بالضرة وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها، وهو ما لا يوجد في اشتراط عدم نكاح غيرها. لهذا فقياس أحدهما على الآخر فاسد أو هو قياس مع الفارق.
ويجوز للمرأة أن تشترط على زوجها بأن تطلق نفسها لمخالفة الشرط الوارد في العقد بألا يضرها في نفسها ولا في أخذ شيء من مالها إلا بإذنها ورضاها، وإذا خالف ذلك فيكون أمرها بيدها، غير أنها لا تستطيع القيام بذلك إلا إذا أخذ شيئاً من مالها بغير إذنها أو لحقها منه ضرر. إذ أنه لا يجوز للزوج الإضرار بزوجته؛ لأن ذلك يخالف أمراً واجباً عليه وهو معاشرتها بالمعروف.
ويميز فقهاء الحنفية بين اشتراط الرجل الطلاق للمرأة، كأن يقول لها تزوجتك على أن تطلقي نفسك فيعتبر هذا الشرط فاسداً، بخلاف لو اشترطت هي أن يكون الطلاق بيدها، فإن الشرط يكون صحيحاً ويعمل به، وهذا ما يدعونا إلى توضيح الفرق بين الشرطين؛ فالشريعة الإسلامية حظرت على الرجل أن يسعى في نقض ما تقتضيه طبيعة العقد من كون الطلاق بيده لا بيدها، فلا يصح أن يشترطه الزوج، بينما يصح أن يقبله منها إذا اشترطته لما في ذلك من تحقيق لمصلحة الزوجين ودوام العشرة بينهما، ولهذا اعتبره الشارع صحيحاً خصوصاً إذا لاحظنا أنه في كثير من الأحيان تخشى المرأة الاقتران بالرجل عند عدم وجود ضمان كهذا.
ونشير هنا أيضاً إلى أنه لا يجوز للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يطلقها، فهذا شرط غير ملزم؛ لأن الطلاق من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفته، وفي هذا الصدد فقد قضت محكمة النقض السورية بأن الاتفاق على الامتناع عن الطلاق، أو طلب التفريق تحت طائلة الضمان يعد باطلاً من أساسه.
ويحسن بنا أن نشير إلى حكم الشرط المنافي لمقتضى عقد الزواج في قانون الأسرة الجزائري، فبالرجوع إلى نص المادة 32 نجدها قد رتبت البطلان على الزواج المشتمل على شرط يتنافى ومقتضيات العقد. ولا نبتعد كثيراً فنجد أيضاً نص المادة 35 يرتب حكماً آخر مغاير لنفس الموضوع الذي تناولته المادة 32 يقضي ببطلان الشرط المنافي لمقتضى العقد، وبقاء العقد صحيحا.
وبهذا يكون المشرع الجزائري قد صحح عقد الزواج للاستمرار فيه إذا اشتمل على شرطٍ ينافي مقصود العقد حسب نص المادة 35. ومع ذلك فإن الغموض والتناقض واضحان بين ما ينص عليه المشرع الجزائري، وبين ما يهدف إليه من تنظيمه لأحكام نظرية البطلان المطبقة على أحكام قانون الأسرة. ويرجع سبب ذلك إلى تأثر المشرع الجزائري بأحكام الفقه الإسلامي باستعماله مصطلحي الباطل والفاسد، ولكنه عبر عنهما بما يدل على أنه تأثر بقواعد القانون المدني.
والحقيقة أن مشرعنا كان بإمكانه تفادي التناقض والغموض الموجود بين نص المادتين 32 و35 لو تجنب اللجوء إلى تطبيبق أحكام نظرية البطلان في القانون المدني على عقد الزواج، نظراً لخصوصية أحكام عقد الزواج باعتبارها مستقاة من الشريعة الإسلامية؛ خاصة وأنه قد ترك لنا الفقهاء المسلمون تراثاً فقهياً غزيراً فيه من الحلول والقواعد والنظريات ما يغنينا عن اللجوء إلى أحكام القانون المدني المستقاة من تشريعات لا تمت إلى واقعنا بصلة.
وخير دليل على ما نقول نجد الإمام أحمد بن حنبل وبخصوص حكم الشرط المنافي لمقتضى عقد الزواج يميز بين حالتين:
1) الحالة الأولى: إذا اشترط الزوج على زوجته ألا مهر، أو ألا نفقة لها، أو أن تنفق هي عليه، فهذه شروط باطلة لا يصح الوفاء بها مع بقاء العقد قائماً وصحيحاً.
2) الحالة الثانية: إذا اشترط الزوج في العقد تأقيت الزواج إلى مدة معينة، أو أن يطلق زوجته في وقت معين، أو اشترط الخيار في العقد، فهذه شروط باطلة تبطل العقد من أصله.
وانطلاقا من هذا، فإن التطبيق الصحيح لنص المادة 32 يكون في حالة وجود شروط تنافي العقد وتؤدي إلى إبطاله من أصله، وبالتالي يبطل كل من الشرط والعقد معاً.
أما إذا لم تصل درجة منافاة الشرط لعقد الزواج إلى حد إبطاله من أصله فيبطل الشرط ويصح العقد، وهذا هو الفرض الذي يجـب أن يعنى بتنظيمه نص المـادة 35، وبهذا الشكل يزول التناقض والغموض بين نص هاتين المادتين.
ولا يختلف حكم الشرط المنافي لعقد الزواج في بقية تشريعات الأحوال الشخصية العربية عما ذهب إليه المشرع الجزائري، فعلى سبيل المثال نجد نص المادة 47 من مدونة الأسرة المغربية هو الآخر يرتب البطلان على الشرط المخالف لأحكام العقد ومقاصده وما خالف القواعد الآمرة للقانون، أما العقد فيعتبر صحيحا.
ونفس الحكم ذهب إليه قـانون الأحـوال الشخصية الأردني في نص المادة 19 حيث اعتبر أنه إذا قيد عقد الزواج بشرطٍ ينافي مقاصده، أو يلتزم فيه بما هو محظور شرعاً، كاشتراط أحد الزوجين على الآخر ألا يساكنه، أو ألا يعاشره معاشرة الأزواج كان الشرط باطلاً والعقد صحيحاً.
إن البطلان في بعض أنواع العقود قد لا يكون مقبولاً كجزاء، بل لابد من أن يكون الجزاء محكماً لتحقق القاعدة القانونية غرضها وغايتها على نحوٍ أكيد وكامل. وعلى هذا الأساس فقد يكون إبطال العقد بأكمله إهداراً للمصالح الاجتماعية وبخاصة عقد الزواج الذي يترتب على بطلانه آثار وخيمة على الأسرة والمجتمع ولهذا نجد القوانين الوضعية ترتب بعض الآثار على الزواج الباطل خلافاً للقاعدة العامة كثبوت النسب وحرمة المصاهرة ، وهذا ما يعبر عنه في القانون المدني بنظرية انتقاص العقد كجزاء في العقود.
والحقيقة أن الأخذ بالشرط الفاسد كما قال بذلك الحنفية يؤدي إلى الحفاظ على أكبر عددٍ ممكن من العقود وعدم هدم آثارها بعد بطلانها، خاصة أن هذه الشروط المخالفة التي تؤدي إلى عدم صحة العقد ليست على درجة واحدة من الخطورة، ولهذا السبب يجب أن يتنوع الجزاء الذي يترتب على كل نوع من هذه الشروط.
وهكذا كان للفقه الإسلامي؛ وبالأخص الفقه الحنفي فضل السبق في الأخذ بنظرية انتقاص العقد قبل أن تصل إليها القوانين الوضعية الحديثة بالمفهوم الذي استقرت عليه في العصر الحديث، بحيث أصبحت نظاماً قانونياً قائماً بذاته يسعى إلى التقليل من حالات بطلان العقود والاستفادة منها بترتيب آثارها بصفة عرضية وليس بصفة أصلية، وذلك لتحقيق غايات اجتماعية ونفعية للمتعاقدين بما لا يتناقض مع غايات المشرع ومقاصده.
وفي حقيقة الأمر، فإن نظرية انتقاص العقد وإن كانت ترتب البطلان على الشرط الفاسد، فإن ذلك لا يمحو أن هناك محاولة جادة قد وقعت من طرف المتعاقدين لإبرام العقد، كل ما في الأمر أن هذه المحاولة يجب أن يكون لها من الآثار القدر الكافي الذي يراعي قواعد النظام العام وما يتطلبه مبدأ سلطان الإرادة، ولهذا إذا تضمن العقد شرطاً باطلاً اقتصر البطلان عليه وحده وظل العقد قائماً، ما لم يكن هذا الشرط هو الدافع إلى التعاقد فيقع العقد باطلاً كله.
المطلب الثالث: الشرط الذي لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه
وهو شرط ليس من مقتضى العقد ولا من مستلزماته، كما أنه لا ينافيه ولا يخل بمقصد من مقاصده، ولم يرد بشأنه أمر أو نهي من الشارع ولكنه يحقق مصلحة معتبرة للمشترط.
ومن أمثلة هذه الشروط اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا ينقلها من بلدها، أو اشتراط الزوج في المرأة التي يريد الزواج بها أن تكون جميلة أو متعلمة أو ذات صفة معينة.
إن الاشتراط في عقد الزواج من حقوق الزوجة، حيث بإمكانها أن تستعمل هذا الحق عند الخطوبة بالاتفاق على شروط معينة تحتاط بها الزوجة لكل شيء، خاصة وأن الدخول إلى الحياة الزوجية يكون في بدايته مبني على التخوف، فيكون أمام الزوجة أن تشترط ما من شأنه أن يزيل هذه المخاوف، لأن الشريعة قد أعطتها هذا الحق فلا تفوت على نفسها حق الاشتراط الذي له دور كبير في حياة المرأة.
ولقد اختلف الفقهاء في مدى تأثير هذه الشروط على العقد أو عدم تأثيرها من حيث لزومها أو عدم لزومها، ومن حيث صحتها وفسادها بناءا على مذهبهم في صحة هذه الشروط، وسنتعرض إلى دراسة حكم هذا النوع من الشروط من خلال دراسة آراء فقهاء المذاهب الأربعة في هذه المسألة كما يلي:
الفرع الأول: رأي الشافعية
يرى الشافعية بأن اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من دارها وما شابه ذلك من الشروط لا تأثير له على عقد الزواج، بل يظل صحيحاً ويفسد الشرط وحده، ما لم تخل هذه الشروط بمقصود النكاح الأصلي في الوطء والاستمتاع ، وفي حالة إخلال هذه الشروط بهذا المقصد الأصلي من النكاح فيبطل الشرط والعقد معاً.
وعلى هذا يمكن القول أن دائرة تصحيح الشروط عند الشافعية أقل اتساعاً، وخير دليلاً على هذا هو عدم أخذ الشافعية بالشروط العرفية.
الفرع الثاني: رأي المالكية
إن الشروط التي ليست ذات علاقة بالعقد نفياً أو اقتضاء تعتبر مما ليس في كتاب الله، لأنها ليست مما يوجبه مقتضى عقد الزواج، ولهذا فلا يجبر الطرف الآخر على الوفاء بها، غير أنه يسن له ذلك عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج".
فإذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من بلدها، فمثل هذه الشروط مكروهة عند المالكية، ولا يلزم الوفاء بها وإنما يستحب ديانة، ويعتبر النكاح صحيح.
ويكون هذا النوع من الشروط لازماً عند المالكية، إذا علق الزوج الشرط بطلاق كقوله: إن تزوجت عليك فأنت طالق، أو فأمرك بيدك. فإن فعل شيء من ذلك لزمه ما شرط.
أما إذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا ينقلها من بلدها، وإن فعل ذلك صار أمر طلاقها بيدها، فيكون لها الخيار أن تطلق نفسها بعد الإخلال بالشرط أو أن تثبت الزواج. كما تصبح هذه الشروط لازمة على الزوج إذا التزم بها للزوجة في شكل يمين.
إن المشهور في المذهب المالكي بالنسبة للشروط التي لا تنـافي مقتضى العقد وتحقق منفعة مقصودة للزوجين أو أحدهمـا، هو استحباب وفاء الزوج بهذه الشـروط، غير أن الزوج لا يجبر على تنفيذ هذه الشروط، وإنما يكون ذلك من باب الاستحسان فقط، وبالتالي فلا يكون للمرأة حق فسخ العقد أو الرجوع بما أسقطته من مهرها في العقد عند انتفاء الشرط وعدم الوفاء به.
ولقد ورد في الأثر أن الإمام مالك قال: " أشرت على قاضٍ منذ دهر أن ينهي الناس أن يتزوجوا على الشروط، وأن لا يتزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته، وقد كتبت بذلك كتاباً وصيح في الأسواق ".
وترى الدكتورة نشوة العلواني أن هذه الفتوى تناسب زمن الإمام مالك ودينه وأمانته، بل إن الشروط مع الدين والأمانة لا حاجة إليها، بينما تزداد أهمية هذه الشروط وحاجة عصرنا الراهن إليها بسبب الكذب والغش والتدليس الذي شاع في معاملات الناس في حاضرنا والذي لم يسلم منه حتى عقد الزواج.
ومع ذلك فيرى الدكتور السنهوري أن الفقه الإسلامي قد تطور في المذهب المالكي تطوراً أبعدُ مدىً من تطوره في مذهبي أبي حنيفة والشافعي، فمالك يجيز من الشروط ما يجيزه المذهبان الآخران، ثم هو يجيز منها كثيراً مما لا يجيزانه.
وقد انفرد الإمام مالك برأي في الشرط الذي يفسد العقد، فإذا لم يتمسك به مشترطه انقلب العقد صحيحاً لزوال سبب الفساد، وعلة ذلك أن فساد العقد جاء بسبب الشرط الفاسد، فإذا زالت تلك العلة التي أوجدت الفساد زال معها الشرط وينقلب العقد صحيحاً.
الفرع الثالث، رأي الحنفية
يرى الحنفية أنه ليس للزوجة التي تشترط شرطاً لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه الخيار في فسخ العقد، وهكذا فلو اشترطت ألا يتزوج عليها زوجها أو ألا ينقلها من بلدها، ثم حدث وأن خالف الزوج الشرط بأن تزوج عليها أو أنتقل بها، لم يكن لها الخيار في فسخ عقد الزواج من أجل فوات الشرط.
وإذا كان الاشتراط من جانب الرجل، كما لو اشترط الزوج وصفاً معيناً في المرأة التي يريد الزواج بها بأن تكون متعلمة أو جميلة، أو أن تكون بكراً، ثم ظهرت على خلاف ذلك، فليس للزوج الخيار في فسخ العقد، وعللوا رأيهم هذا بأن تخلف الشرط يترتب عليه تخلف الرضا بالعقد، كما أن تخلف الرضا بالعقد لا أثر له في عقد الزواج حسب فقهاء الحنفية الذين يعتبرون الزواج صحيحاً مع وجود الإكراه، وعليه فإن الشرط الباطل أو الفاسد يترتب عليه بطلان الشرط وحده، وبقاء العقد صحيحاً.
لقد اعتبر الحنفية الشروط التي توافق مقتضى عقد النكاح أو مؤكدة له أو ورد بها أثر من الشرع أو جرى بها العرف شروط صحيحة. وأما الشروط التي لا توافق مقتضى عقد النكاح ولا تؤكده ولم يرد بها أثر ولا جرى بها العرف، ولكنها تحقق منفعة للزوجين أو أحدهما شروط فاسدة، فلو اشترطت الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها، فإن العقد يعتبر صحيحاً والشرط لاغياً دون أن يؤثر على صحة العقد.
ويجدر بنا التنويه هنا إلى موقف الحنفية المتميز في تصحيح الشروط التي جرى بها العرف، استحسانا لجريان التعامل بها بين الناس وتجنباً للمشقة والحرج من جراء عدم الأخذ بالعرف، ومراعاة منهم للقاعدة الفقهية التي مفادها أن: " الثابت بالعرف كالثابت بالنص "، ولكن بشرط تحكيم هذا العرف إلى أحكام الشريعة الإسلامية، ومتى خالف أصلاً من أصول الشريعة اعتبر باطلاً.
إن اعتبار الحنفية للعرف بهذا الشكل في باب الشروط يعد فتحاً له بعد إغلاقه بذلك الأصل الذي أصلوه، وهو قولهم بأن الأصل فساد الشروط ما لم يثبت دليل معين على صحتها، وبذلك يكونون قد فكوا تلك السلسلة التي طوقوا بها عنق معاملات الناس، فكما يقول الدكتور زكي الدين شعبان: "... والحق أن هذا هو الذي يساير الزمن ويلائم المدنيات المتجددة، ويجعل الشريعة مرنة رحبة الصدر، لا تصك في وجه المستظلين بها أبواب الرقي والتقدم وفيه البرهان العملي على صلاحيتها لكل الأزمنة والحجة الدامغة في وجه الطاعنين عليها بالجمود."
أما في نظر قوانين الأحوال الشخصية العربية فإن الشروط التي يمكن الاحتجاج بها لدى المحاكم هي الشروط المسجلة في وثيقة العقد. وقد أشار المشرع الجزائري إلى ذلك بموجب نص المادة 19 من قانون الأسرة.
ولا شك في أن الأخذ بهذه القاعدة الإجرائية له ما يبرره في عصرنا الراهن، إذ أصبح الإثبات بالكتابة مبدأ قائم بذاته في مختلف أنواع العقود المدنية، والأولى بذلك تطبيق هذا المبدأ لإثبات الشروط المقترنة بعقد الزواج باعتبار أن أحق الشروط في الوفاء ما استحلت به الفروج.
الفرع الرابع: رأي الحنابلة
يرى الحنابلة بأن الشروط التي لا يقتضيها العقد في إطلاقه وتحقق منفعة للزوجين أو أحـدهما شروط صحيحة، وتثبت لصاحبـها الخيار في فسخ العقد لعدم الوفـاء بها. لأن الأصل عند الحنابلة في الشروط هو الصحة حتى يرد الدليل الشرعي على البطلان، وليس في اعتبار هذه الشروط ووجوب الوفاء بها ما يحرم حلالاً، كما أنه ليس في هذه الشروط تضييقاً يتنافى مع مصلحة العقد وإطلاقه. ثم إن مصلحة المشترط هي من مصلحة عقده.
ويعتبر ابن تيمية أكبر فقهاء المذهب الحنبلي في إجازة الشروط التي تحقق منفعة مقصودة للزوجين، فهو لا يجعل الشرط فاسداً إلا إذا كان منافياً لمقصود عقد الـزواج، أو مناقضاً لأحكام الشرع.
لقد جـدد ابن تيميـة في فقه المذهب الحنبـلي، وتقدم به تقدماً كبيراً في التطـور، ونلمس ذلك من خلال تضييقه لدائرة الشروط الفاسدة، وبهذا فهو يقترب كثيراً على هذا النحو من الفقه الغربي، حيث يكون كل شرط مقترن بالعقد صحيحاً إلا إذا كان الشرط مستحيلاً، أو خالف القانون أو النظام العام والآداب العامة، فإن الشرط يلغو ويصح العقد، ما لم يكن الشرط هو الدافع إلى التعاقد فيبطل العقد أيضاً.
ولهذا السبب اعتبر المذهب الحنبلي أوسع المذاهب الفقهية تيسيراً في مسألة الشروط بتحقيقه لرغبات الناس في الاشتراطات العقدية.
إن سبب اختلاف الفقهاء المسلمين حول هذا الشروط التي لا يقتضيها عقد الزواج ولا تنافيه هو معارضة العموم للخصوص، فأما العموم فحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط ". ويتمثل نص الخصوص في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ". واجتناب هذا التعارض لا يكون إلا بتقييد العموم بالخصوص، وتكون نتيجة ذلك هي لزوم الوفاء بهذا النوع من الشـروط. فالزوجة لم ترضى بالزواج إلا على هذا الشرط، ولو لم يتم الوفاء به لم يشتمل العقد عن تراضٍ حقيقي.

ويتبين لنا من خلال عرض آراء المذاهب المختلفة في حكم الشرط الذي لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه، أن ما ذهب إليه الحنابلة هو الراجح لتوافقه مع ما تدعو إليه مبـادئ الشريعـة الإسلامية من رفـع الحرج وجلب التيسير ورعاية مصـالح النـاس بما يتماشى ومتطلبات العصر، ولتوافقه أيضاً مع ما استقرت عليه القوانين الوضعية فيما يعرف بمبدأ حرية التعاقد.
فلو رسمنا دوائر تبين لنا مقدار مساهمة هذه المذاهب في تصحيح الشروط لكان أكبرها على الإطلاق دائرة مذهب الحنابلة، فدائرة المذهب الحنفي، ثم دائرة مذهب المالكية، وأخيراً دائرة المذهب الشافعي.
والجدير بالذكر أن قانون الأسرة الجزائري قد سلك طريق الحنابلة في الأخذ بالشرط الذي لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه، حيث أباح في المادة 19 للزوجين حرية الاشتراط، ولا سيما شرطي عدم تعدد الزوجات وعمل المرأة، وهذان الشرطان هما من جملة الشروط التي لا يقتضيها عقد الزواج ولا تنافيه، ومن ثم فإن حكم هذه الشروط في قانون الأسرة الجزائري هو الصحة ولزوم الوفاء بها.
وحسب رأينا فإنه من المستحسن لو نص المشرع الجزائري على القاعدة العامة لهذا النوع من الشروط بإضافة عبارة: " إذا اقترن عقد الزواج بشرطٍ لا ينافيه ولا يقتضيه، ولكن يحقق مصلحة مشروعة للزوجين أو أحدهما فيعتبر الشرط صحيحاً ". ولا حرج بعد ذلك من أن ينص المشرع على بعض الشروط التي يراها مهمة على سبيل المثال.
وعن موقف القضاء الجزائري من حكم الشروط التي لا يقتضيها عقد الزواج ولا تنافيه، فقد ذهب إلى اعتبار شرط الزوجة على زوجها بألا ينقلها من بلدها بأنه شرط صحيح يجب الوفاء به؛ إذ قررت المحكمة العليا في قرار لها ما يلي: " حيث أنه من المقرر فقهاً وقضاءاً جواز اشتراط الزوجة في عقد الزواج ما تشاء من الشروط التي تكون لها فيها فائدة بشرط أن لا تحلل حراماً أو تحـرم حلالاً، وبشرط أن لا تناقض روح العقـد، وحيث أن قضاة الموضوع بعد أن استبعدوا التهم التي أسندت إلى الزوج استنتجوا من الوقائع ومن الوثائق بما لهم من سلطة تقديرية أن الزوج بإصراره على إخراج زوجته من بلدها يعتبر مخلا بأحد الشروط التي تضمنها عقد الزواج والتي التزم بها الزوج مما يترتب عليه فك العصمة، وعليه فإنهم لم يخالفوا أحكام الفقه الإسلامي ويعتبر الوجه غير سديد ".
ولكن القضاء الجزائري لم يستقر على رأيه هذا، وذهب في قرارٍ آخر إلى أن اشتراط المرأة على زوجها ألا ينقلها من بلدها شرط باطل ومخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا ما يتبين من نص قرار المحكمة العليا الآتي:
" من المقرر شرعاً أن الشرط الوارد في عقد الزواج الذي لا يقتضيه العقد ولا ينافيه، والذي يدخل في باب الكراهة لما فيه من التحجير لا يلزم الزوج به ولا يؤثر في عقد الزواج، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفاً للأحكام الشرعية.
وكان من الثابت- في قضية الحال- أن قضاة الموضوع ألزموا الزوج بالعرف بتعهده البقاء بزوجته بالعاصمة، يكونوا بقضائهم كذلك قد خالفوا أحكام الشريعة وقد فرضوا عليه قيداً هو مخير فيه، ومتى كان كذلك استوجب نقض وإبطال القرار المطعون فيه ".
وواضح من خلال عرض القرارين السابقين للمحكمة العليا أن موقف القضاء الجزائري من الشرط الذي لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه يتميز بالتناقض، فتارة يعتبر هذه الشروط صحيحة وملزمة، وتارة أخرى يعتبرها شروط مكروهة وغير ملزمة متأثراً في ذلك برأي المالكية.
إن هذا القرار الأخير للقضاء الجزائري، لا يتوافق مع ما ذهب إليه قانون الأسرة الجزائري في تنظيمه لأحكام الشروط المقترنة بعقد الزواج بالاستناد إلى المذهب الحنبلي، كما انتهت إلى ذلك أغلب تشريعات الأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية بناءاً على توافق نظرة الحنابلة في هذا الصدد مع أحكام نظرية العقود في القوانين المدنية.
فحسب نص المادة 19 من قانون الأحوال الشخصية الأردني، فإن الشروط التي لا تنافي مقتضى العقد، ولم يلتزم فيها بما هو محظور شرعاً، وتحقق مصلحة لأحد الطرفين تعتبر شروط صحيحة ويلزم الوفاء بها، كاشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها أو ألا يخرجها من بلدها، أو اشتراط الزوج على زوجته أن تعمل خارج البيت.
كما اعتبر قانون الأحوال الشخصية السوري أن كل شرط فيه مصلحة للزوجة، ولا يمس بحقوق الزوج شرط صحيح ويجب على الزوج الوفاء به، كما لو اشترطت عليه ألا تترك دراستها أو عملها، أو ألا ينقلها من بلدها.
وحسب نص المادة 48 من مدونة الأسرة المغربية، فإن الشروط التي تحقق فائدة مشروعة لمشترطها تكون صحيحة وملزمة لمن التزم بها من الزوجين.
ولقد ورد النص في المادة 32 من مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية على أنه: " يحق للمرأة أن تشترط في العقد ألا يتزوج عليها زوجها، فإذا تزوج كان لها طلب فسخ زواجها ".
وبهذا يتأكد لنا اتجاه أغلب تشريعات الأحوال الشخصية العربية نحو الأخذ بالمذهب الحنبلي، باعتباره أوسع المذاهب الفقهية تصحيحاً للشروط في عقد الزواج، وأقربها إلى تحقيق مقاصد الزوجين المتجددة بتغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

المبحث الثاني: مدى إمكانية مراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج
سنتعرض في هذا المبحث إلى دراسة مدى سلطة كل من الموثق وضابط الحالة المدنية في مراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج حال إبرامه بين الزوجين وذلك في المطلب الأول، على أن نخصص المطلب الثاني لبحث مدى سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج.
المطلب الأول: مدى سلطة الموثق وضابط الحالة المدنية في مراقبة صحة الشرط
إن دراستنا لمدى سلطة الموثق وضابط الحالة المدنية بشأن التحقيق في صحة أو عدم صحة الشرط المقترن بعقد الزواج، يقتضي منا تحديد الحالات والشروط التي يجوز للموثق وضابط الحالة المدنية أن يتحقق من صحتها أو عدم صحتها.
وعليه فإن الشروط المراقبة إما أن تتحدد بالشروط التي ورد النص عليها بموجب القانون باعتبارها من الإجراءات التنظيمية ولا يجوز للمتعاقدين مخالفتها، لأن الغرض منها هو ضمان انعقاد العقد وفقاً للشكل الصحيح، وإما أن تتمثل في شروط وقع النص عليها لحماية مصلحة الزوجين أو أحدهما، ويجوز لمن شرعت لمصلحته التنازل عنها أو مخالفتها، ما لم تخالف نصاً آمراً أو ناهياً في القانون، وأخيراً يشمل الشروط التي ترك القانون للزوجين حرية اشتراطها بشرط عدم مخالفة أحكام قانون الأسرة ولا مقتضى عقد الزواج، فالمسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً.
وسنأتي على بيان وتفصيل هذه الأنواع من الشروط التي هي محل المراقبة من خلال الفروع الآتية:



الفرع الأول: الشروط التي تخالف الإجراءات التنظيمية لعقد الزواج
لا يجوز للزوجين الاتفاق على مخالفة الشروط المتعلقة بإبرام عقد الزواج لأنها تعتبر من النظام العام، كما أن الغرض منها هو منع وقوع التلاعب في عقود الزواج نظراً لأهميتها وخطورتها.
ومن أمثلة هذه الإجراءات التنظيمية نجد الوثائق المطلوبة لإبرام عقد الزواج والمحددة بموجب المواد 74، 75، 76، من قانون الحالة المدنية الجزائري ، أو الإجراء التنظيمي الوارد في المادة 7 من قانون الأسرة والمتمثل في تحديد سن الزواج بـ 19سنة، حيث أنه لا يجوز للزوجين مخالفة هذا الإجراء ما لم يرخص القاضي بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة.
كما أنه ليس بإمكان الزوجين مخالفة الإجراء التنظيمي الوارد في المادة 75 من قانون الحالة المدنية والذي يوجب على المرأة التي سبق لها الزواج أن تقدم إما نسخة من عقد وفاة الزوج السابق، وإما نسخة من حكم الطلاق الذي صار نهائياً.
لقد ألزم قانون الأسرة الجزائري على الموظف المختص بإبرام عقد الزواج التأكد من صحة تطبيق المادتين 9 و9 مكرر تطبيقاً صحيحاً ؛ ويكون ذلك بمراعاة مدى توافر ركن الرضا وبقية شروط عقد الزواج من صداق وولي وشهود وانعدام الموانع الشرعية. وعلى الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يمتنع عن إبرام عقد الزواج لمخالفة شروط المادتين السابقتين كوجود مثلاً اتفاق بين الزوجين يقضي بعدم مراعاة شرط انعدام الموانع الشرعية، أو إسقاط الصداق لمنافاة هذه الشروط الاتفاقية لأحكام النظام العام.
وقد ألزمت المادة 73 من قانون الحالة المدنية على الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يبين بصراحة بأن الزواج قد تم ضمن الشروط المنصوص عليها في القانون؛ أي أنه يقع على عاتق الموظف المؤهل قانوناً لتحرير عقد الزواج وتسجيله التحقق من توافر الإجراءات التنظيمية لعقد الزواج، ويتعين عليه التحقق أيضاً من صحة شروط المتعاقدين التي يمكن أن تخالف هذه الإجراءات التنظيمية، ويتمتع في سبيل تحقيق ذلك بسلطة تقييم وقبول ما يمكن قبوله، أو رفض ما يجب رفضه إذا خالف الزوجين أحكام قانون الأسرة.
وتبعاً لذلك فإنه من حق الموثق أو ضابط الحالة المدنية التحقق مما إذا كان الزوج مسلماً؛ لأنه يحرم زواج المسلمة بغيـر المسلم طبقاً لنص المادة 30 مـن قانون الأسرة، أو التحقق فيما إذا كان للزوج الأجنبي رخصة بالزواج من الولاية التي يقيم فيها... وغير ذلك من الشروط التي يكون الموظف المختص بإبرام عقد الزواج ملزم بمراعاتها ضماناً لصحة إبرام عقد الزواج وعدم اشتراط شروط مخالفة للقانون.
الفرع الثاني: الشروط التي ورد النص عليها لحماية مصلحة الزوجين
يرى الدكتور عبد العزيز سعد بأنه يمكن للزوجين الاتفاق على مخالفة الشروط التي وقع النص عليها في القانون وكان الهدف منها حماية أو تدعيم مصلحة الزوجين أو أحدهما، بمقتضى أية شروط يشترطانها عندما لا تكون مخالفة لنص من النصوص الآمرة أو الناهية في القانون نفسه. فعلى سبيل المثال إذا كانت المادة 8 من قانون الأسرة الجزائري تبيح الزواج بأكثر من واحدة متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت شروط ونية العدل، وإخبار الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل على الزواج بها، وبعد حصول الزوج على ترخيص من رئيس المحكمة بالزواج الجديد، فإن هذه الشروط قد اشترطها القانون لمصلحة الزوجين، وأنه يجوز للزوجة الأولى أن تتنازل عنها، وتقبل بزواج زوجها ثانية حتى مع عدم وجود المبرر الشرعي، أو شرط نية العدل، أو شرط إخبار كل من الزوجة السابقة واللاحقة.
كما يجوز للزوج أن يشترط على الزوجة الأولى أثناء إبرام العقد ألا يخبرها برغبته في التزوج بغيرها متى أراد ذلك؛ لأن هذه الشروط ليست من النظام العام، كما أن قانون الأسرة لم يمنح الموظف المؤهل لتحرير عقد الزواج أية سلطة تخوله حق مراقبة تحقق أو عدم تحقق هذه الشروط، ولم يمنحه حق رفض تحرير العقد عند عدم توفرها.
أما الدكتور بلحاج العربي فيرى بأنه يجوز للموظف المختص بإبرام عقد الزواج التحقق من المعلومات المصرح بها، كالتأكد من شرط وجود المبرر الشرعي، أو شرط نية العدل، أو إخبار الزوجة السابقة واللاحقة، وأن يتم ذلك في حدود الحرية الشخصية.
وواضح مما سبق أن شُراح قانون الأسرة الجزائري لم يتفقوا على رأي واحد بخصوص سلطة الموظف المختص بإبرام عقد الزواج حول مراقبة الشروط التي ورد النص عليها في المادة 8 من قانون الأسرة، وفي اعتقادنا أن نص المادة 8 قد تضمن قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وبالرجوع إلى نص المادة 19 فإنه ليس للزوجين اشتراط شروط تتعارض مع أحكام هذا القانون، والنتيجة لهذا كله أن أي شرط يقضي بعدم مراعاة الشروط والقيود التي فرضها المشرع على تعدد الزوجات يعد مخالفاً لأحكام قانون الأسرة.
غير أنه بإمكان الزوجة أن تتنازل عن هذه الشروط والقيود التي وضعها المشرع لصالحها بمحض إرادتها، دون أن يشكل ذلك مخالفة لأحكام قانون الأسرة. قياساً على تنازل الزوج عن حقه في الطلاق إلى زوجته، وغيرها من الأحكام التي يجوز للزوجين التنازل عنها دون أن يعتبر ذلك مخالفاً لأحكام قانون الأسرة.
الفرع الثالث: الشروط التي ترك القانون للزوجين حرية اشتراطها
إنه بالرغم من عدم وجود نص صريح يمنح للموظف المختص بإبرام عقد الزواج سلطة تحقيق ومراقبة الشروط التي أباحت المادة 19 للزوجين حرية اشتراطها، فإنـه مع ذلك يبقى على عاتـق الموظف المؤهل قانوناً لتحرير عقد الزواج سلطة مراقبـة

الشروط التي يشترطها الزوجين، وضابطه في ذلك هو عدم تعارض هذه الشروط مع قواعد قانون الأسرة.
بيد أن مراقبة صحة الشروط تتطلب من الموظف المؤهل قانوناً بتحرير عقد الزواج أن يكون على دراية وإطلاع وافٍ لكافة أحكام قانون الأسرة حتى يتسنى له قبول هذا الشرط أو ذاك، وضمان عدم وقوعه في أخطاء.
كما أن سلطة الموظف المختص بإبرام عقد الزواج في مراقبة الشروط ورفض تحرير عقد الزواج بدعوى مخالفة الشروط للقانون، يجب ألا تكون مطلقة حتى لا يتعسف في استعمال سلطته، ويجب أن يُمنح بالمقابل للزوجين الحق في اللجوء إلى القضاء بموجب أمر على عريضة يقدمها الزوجان أو أحدهما إلى رئيس المحكمة التي يوجد بدائرتها مقر الموظف الذي رفض تحرير شروط العقد، فإما أن يؤكد هذا الرفض أو يقرر صحة الشروط.
ويختلف أثر الشرط على تسجيل عقد الزواج أمام الموظف المختص بإبرامه تبعاً لمشروعية الشرط أو عدم مشروعيته، فإذا اتفق الزوجان على شرطٍ لا يناقض طبيعة عقد الزواج ولا أحكام قانون الأسرة، فلا أثر له على إبرام العقد وتسجيله، أما إذا أثير شرط ينافي طبيعة العقد، كما لو اشترطت الزوجة على زوجها ألا يطأها إلا مرة في الشهر، أو الاتفاق على إسقاط الصداق... وغيرها من الشروط الباطلة فيمتنع الموثق أو ضابط الحالة المدنية عن تسجيل مثل هذه الشروط.
ويستمد الموثق أو ضابط الحالة المدنية سلطته في مراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج من سلطته في تحرير عقد الزواج التي تحكمها النصوص القانونية، فقد نصت المادة 46 من قانون الحالة المدنية على بطلان عقد الزواج إذا كان مزوراً أو وقع تسجيله في غير المدة القانونية المسموح بها، كما نص قانون العقوبـات الجزائـري في المادة 441/1 على معاقبة كل من الموثق، أو ضابط الحالة المدنية الذي يحرر عقد الزواج دون رخصة الأشخاص المؤهلين لحضور عقد الزواج بالحبس من عشرة أيام على الأقل إلى شهرين على الأكثر وبغرامة من 100 إلى 1.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين.
بالإضافة إلى العقوبات الواردة في نص المادة 77 من قانون الحالة المدنية والتي تعاقب الموثق أو ضابط الحالة المدنية الذي لم يطبق الإجراءات المقررة في هذا الفصل(إجراءات تسجيل عقد الزواج) بغرامة لا يمكن أن تتجاوز 200 دج بموجب حكم صادر عن المحكمة المختصة بالفصل في المسائل المدنية.
المطلب الثاني: مدى سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشرط
يترتب على الأخذ بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين أن يتقيد المتعاقدان بشروط العقد وفقاً للغرض المقصود من التعاقد، ووجوب اتفاق الطرفين لتعديل العقد أو إنهائه متى تغيرت ظروف العقد وأصبحت بنود العقد الأول لا تحقق مصلحة العاقدين وتتعارض مع روح العقد.
والأصل في تعديل الالتزامات التعاقدية أن يتم بموجب اتفاق الطرفين، ومن ثم فإنه يمتنع على القاضي أن يستقل بإرادته المنفردة في تعديل العقد أو إنهائه. إذ أن مهمة القاضي الأساسية تتركز في تفسير العقد لتحديد مضمونه وليس له أن يزيد أو ينقص أو يلغي من هذا المضمون، وإستشناءاً من ذلك فإن القانون يمنح للقاضي سلطة تعديل العقد في حالات محددة، كما هو الشأن في حالة الظروف الطارئة، أو في حالة وجود شروط تعسفية.
وسنعالج فيما يلي الموجبات والأسبـاب التي تدفع بالزوجين أو أحدهمـا إلى تعديل الشروط المقترنة بعقد الزواج من خلال دراسـة بعض الأمثلة عن هذه الشـروط، ثم نعرج على دراسة سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشروط في عقد الزواج.
الفرع الأول: موجبات تعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج
إن التوسع في فتح باب الشروط أخذاً بالمذهب الحنبلي في أغلب تشريعات الأحوال الشخصية العربية أدى إلى رفع غبن كبير عن المرأة كانت تئن تحت وطأته.
غير أن هذا الحق يجب ألا يؤخذ على إطلاقه، وإلا أصبحت الزوجة متعسفة في استعماله مما يعود بالضرر البالغ على الزوج، فلو اشترطت الزوجة على زوجها ألا يخرجها من بلدها، أو قيدت حريته باشتراطها عدم سفره، فإن هذا الشرط قد لا يكون في صالح الزوج ولو قبل به إبتداءاً.
فعلى سبيل المثال قد يجد الزوج نفسه مضطراً لمغادرة بلد الزوجة إلى بلدٍ آخر صدر الأمر الإداري بتحويله إلى هذا البلد لممارسة وظيفته، وإذا خالف الزوج الشرط المتفق عليه فقد يؤدي ذلك إلى فصل الحياة الزوجية بين الزوجين على الأقل مدة العمل التي ستطول طيلة فترة غياب الزوج، ومن المحتمل أيضاً أن يؤدي ذلك إلى وقوع الطلاق وتأثيراته السلبية على الأطفال والمجتمع. وعندئذ يكون الزوج أمـام خيـاريـن: فإما أن يحـافظ على أسرته وأولاده من الشتات والضياع باحترام الشـرط، ويتحمل فقدانه لمصدر رزقه.
وإما أن يخالف الشرط ويحافظ على مصدر رزقه، الأمر الذي قد ينجم عنه وقوع الطلاق، وتعريض الأطفال للآثار السلبية للطلاق.
وفي حقيقة الأمر فإنه يجب أن يكون الغرض من احترام الوفاء بالشروط والعهود هو تحقيق منفعة مقصودة للزوجين، والمساعدة على تحقيق ترابط الأسرة وانسجامها في المجتمع، ولهذا فيجب ألا يؤثر الوفاء بالشروط على التضامن الزوجي عند انتفاء المصلحة المرجوة من جانب الزوجة وتعذر الوفاء بالشرط من جانب الزوج لظهور مصلحة جديدة يتعين على الزوجين السعي نحو تحقيقها، بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقاصد الشريعة الإسلامية.
وعلى هذا الأساس يجب على الزوجين إعادة النظر في مثل هذه الشروط بحيث لا يتعنت الزوج ولا تتعنت الزوجة، فالحياة الزوجية مبنية على التعاون والوئام، ولا بد من أن يتنازل فيها كل واحدٍ للآخر عن بعض حقوقه .
ولكن الأمور قد تتعقد بعض الشيء في حالة ما إذا لم يحصل توافق بين الزوجين على تعديل الشروط الجعلية في عقد الزواج، وعندها لا يكون هناك من سبيل إلا اللجوء إلى القضاء، كما لو طلب الزوج إبطال شرط زوجته عليه بألا ينقلها من بلدها بدعوى مخالفة هذا الشرط لحق الزوج في الطاعة. فهل يعتبر الزوج في هذا الفرض محقاً في طلبه؟
لقد ألغى التعديل الأخير لقانون الأسرة الجزائري حق الزوج في الطاعة بإلغاء المادة 39 التي كانت توجب على الزوجة طاعة زوجها، وهذا يشكل مخالفة صارخة لأحكام الشريعة الإسلامية التي أوجبت على الزوجة طاعة زوجها بالانقياد للزوج في الحقوق المترتبة على عقد الزواج بشرط أن يكـون ذلك بالمعروف وفيما أمر به الشرع، فحق الزوج في الطاعة ليس مطلقاً بل هو مقيد بعدم تجاوز الأحكام الشرعيـة، وينطوي هذا الحق على جانبان هامان وهما الانتقال إلى بيت الزوجية والقرار فيه ، واستئذان الزوج والاستجابة لحاجاته.
وحسب رأينا فإن اشتراط الزوجة على زوجها ألا ينقلها من بلدها لا يتناقض مع حق الزوج في الطاعة، لأنه لا يبطل هذا الحق من أصله، خصوصاً وأن الزوجة تحتاط بوضع هذا الشرط من أجل البقاء بالقرب من والديها وأهلها لحماية نفسها من تعسف الزوج.



الفرع الثاني: حدود سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج
العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون؛ أي أن الإرادة المشتركة للمتعاقدين هي وحدها الكفيلة بإنشاء العقد وتحديد شروطه، وهي وحدها التي تستطيع إنهاءه وتعديله، وإذا كانت هذه هي القاعدة العامة في نظرية العقد، فإنها كذلك تجد تطبيقاً لها فيما يتعلق بتعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج.
ومتى أصبح تنفيذ الشرط المتفق عليـه في عقد الزواج متعذراً على من التزم بـه، فإنه يكون أمامه اللجوء إلى القضاء ليطلب إعفاءه من تنفيذه أو تعديله بسبب الظروف الطارئة التي حالت دون التنفيذ العيني للشرط، ويرجع في تقدير الحادث الطارئ إلى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
والملاحظ هنا أن قانون الأسرة الجزائري لم يورد نص خاص يمنح للزوج اللجوء إلى القضاء من أجل تعديل أو إبطال الشرط في حالة تعذر تنفيذه، ويبقى ذلك خاضعاً للقواعد العامة في القانون المدني، بخلاف المشرع المغربي الذي أورد نصاً خاصاً في مدونة الأسرة المغربية بخصوص طلب تعديـل أو إنهاء الشرط المقترن بعقـد الـزواج، حيث نصت المادة 48/2 من المدونة على أنه: " ... إذا طرأت ظروف أو وقائع أصبح معها التنفيذ العيني للشرط مرهقاً. أمكن للملتزم به أن يطلب من المحكمة إعفاءه منه أو تعديله ما دامت تلك الظروف أو الوقائع قائمة...".
ويتعين على القاضي وهو بصدد الفصل في طلب تعديل أو إنهاء الشرط المقترن بعقد الزواج أن يراعي تحقيق الموازنة بين مصالح المتعاقدين من جهة، ومصلحة المجتمع من جهة أخرى .
ويراعي القاضي أيضاً في ذلك مدى جسامة الضرر الحاصل من جراء عدم الوفاء بالشرط، فإذا كان الضرر اللاحق بالزوج أكبر من الضرر الذي يلحق بالزوجة من جراء نقلها من بلدها، كما لو فقد الزوج منصب عمله بسب عدم التزامه بشرط زوجته عليه بألا ينقلها من بلده، فيكون دفع هذا الضرر مقدم على ضرر الزوجة الناجم عن تخوفها من العيش خارج بلدها. ويكون نص المادة 110 من القانون المدني الجزائري هو السند القانوني للقاضي في تعديل الشروط التعسفية أو الإعفاء منها، وذلك وفقاً لما تقضي به قواعد العدالة، ويقع باطلاً كل اتفاق يقضي بخلاف ذلك لتعلق أحكام المسؤولية بالنظام العام. كما يجب على القاضي أن يلتزم بحرفية بنود العقد إذا كانت عبارات العقد واضحة، وإذا كان هناك محل لتأويل العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ومـراعاة غرضيهما من التعاقد، ولا يجـوز تجزئة شروط العقد؛ لأن ذلك يجعل من الوصول إلى النية المشتركة للمتعاقدين أمراً صعباً، ولهذا وجب تفسير العقد في مجموع بنوده وكافة أجزائه المكونة له.
وعلى سبيل المثال لو اتفق الزوجان على تأجيل جزء من المهر، فليس للزوجة أن تمتنع عن الدخول في طاعة زوجها قبل دفعه الجزء المؤجل من المهر، لأن قبولها بتأجيل جزء من مهرها عند العقد يفسر على أنها رضيت بتأجيل المطالبة. وإذا وقع خلاف بين الزوجين بصدد تفسير شرط معين في العقد حول مشروعية الشرط أوعدم مشروعيته، فيجب الرجوع إلى المذهب الفقهي الذي أخذت منه أحكام هذا الشرط. وهل يعد مشروعاً أو غير مشروع.
إن الأخذ بالشروط فيه توسعة كبيرة على الناس في إيجاد الحلول للمشاكل التي تعترض حياتهم الاجتماعية، وخاصة بالنسبة للزوجين في رسم معالم الحياة الزوجية المستقبلية التي ينشدانها، وتجنب حدوث الخلافات والنزاعات الزوجية أو على الأقل التقليل منها، فالشروط كما يقول ابن تيمية: " ... مقاصد العقلاء إذا دخلت في العقود وكانت من الصلاح الذي هو المقصود لم تذهب هدراً ولم تهدر رأساً كالآجال في الأعواض ونقود الأثمان المعينة لبعض البلدان والصفات في المبيعات والحرفة المشروطة في أحد الزوجين، وقد تفيد الشروط ما لا يفيده الإطلاق بل ما يخالف الإطلاق ".
ولكن التوسع في الشروط يجب أن يكون مقيداً بمراعاة النظام العام والأحكام الأساسية للأسرة المسلمة والأعراف الاجتماعية الصحيحة، وبما يحقق التوازن بين مصلحة العاقدين والمصلحة العامة للمجتمع. ولهذا يجب تجنب أن يؤدي الاشتراط إلى ظلم عظيم للمرأة وأولادها، أو أن يمس بمصالح الزوج، احتراما للقواعـد الفقهية الثابتة في الفقـه الإسلامي في هذا الشـأن، مثل قاعـدة ( لا ضرر ولا ضرار) وقاعـدة ( الضرورة تقدر بقدرها) وكذلك قاعدة ( لا تدفع مضرة بما يؤدي إلى مفسدة أكبر منها أو تماثلها).













المبحث الثالث: الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط
يتمثل الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط في الدفع بعدم التنفيذ، وهذا الجزاء خاص بالشروط المؤثرة في المهر؛ حيث يجوز للزوجـة أن تحبس نفسها عن زوجهـا، وتستعمل ذلك كوسيلة ضغط منها لاستيفاء معجل مهرها.
وإذا لم يفلح الدفع بعدم التنفيذ في إلزام الزوج بالوفاء، فيكون للمشترط اللجوء إلى طلب الفسخ أمام القضاء، وأخيراً طلب التعويض إذا ثبت الضرر، وسنتطرق في المطالب التالية إلى كل هذه الجزاءات المختلفة.
المطلب الأول: الدفع بعدم التنفيذ
يختلف الدفع بعدم التنفيذ عن الفسخ في كونه ينحصر أثره في وقف تنفيذ الالتزامات المستمدة من العقد الملزم للجانبين، وعلى ذلك فإن الدفع بعدم التنفيذ لا يؤدي إلى انقضاء الالتزامات التعاقدية.
ولقد قسمنا هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، نتطرق في الفرع الأول إلى دراسة شروط الدفع بعدم التنفيذ، ونتناول في الفرع الثاني الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ، وأخيراً خصصنا الفرع الثالث لدراسة حق الزوجة في حبس نفسها لاستيفاء معجل مهرها.
الفرع الأول: شروط الدفع بعدم التنفيذ
لكي يرتب الدفع بعدم التنفيذ أثرة المتمثل في تعطيل نفاذ العقد دون فسخه، مع بقاء العقد قائماً وواجب النفاذ، يجب توافر الشروط الآتية:
1-أن يكون هناك عقد ملزم للجانبين
2- أن يكون الالتزام المحبوس التزاما يتأخر تنفيذه عن الالتزام المقابل، حتى يستطيع المتعاقد الأول أن يوقف تنفيذ التزامه دون أن يتحلل منه، وإنما يستعمل ذلك كوسيـلة

ضغط ليستوفي حقه في ذمة المتعاقد الآخر.
الفرع الثاني: الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ
إن عقد الزواج عقد معاوضة، ولكنـه يختلف عن باقي عقود المعاوضات الماليـة، فهو ينطوي على مبادلة البضع بالمهر، وعلى هذا الأساس فإن ارتباط الالتزامين المتقابلين في عقد المعاوضة هو الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ في الفقه الإسلامي؛ أي أن عدم تنفيذ أحد الالتزامين يترتب عليه وقف تنفيذ الالتزام المقابل، بخلاف الفسخ الذي هو أشد خطورة من الدفع بعدم التنفيذ.
إن أساس فكرة المعاوضة في الفقه الإسلامي هو تحقيق المساواة في هذه العقود بين العاقدين، واحتراما لهذا المبدأ فلا يجبر أحد العاقدين على تنفيذ التزامه طالما أن المتعاقد الآخر لم يقم بتنفيذ الالتزام المقابل. وعلى هذا يكون من حق الزوجة أن ترفض الذهاب إلى مسكن الزوجية إذا لم يدفع لها الزوج صداقها أو جزءاً منه.

الفرع الثالث: حبس الزوجة نفسها عن زوجها لاستيفاء معجل مهرها
إذا كان حق الحبس في الفقـه الإسلامي مبـدأ ثابتاً في عقود المعاوضات المالية، فإنه يجد تطبيقاً له في عقد الزواج، فلو أن الزوجـة اشترطت على زوجها تعجيل صـداقها، ولكن الزوج لم يحترم هذا الاتفاق؛ فقد احتاط الفقه الإسلامي لحفظ حق الزوجة في مهرها، وأجاز لها حق حبس نفسها عن زوجها حتى تستوفي المعجل من المهر ؛ وهذا يعني أنه بإمكان الزوجة أن تمنع الزوج من الدخول بها حتى يعطيها ما اشترطت تعجيله من المهر، مع ثبوت هذا الحق لها حتى لو كانت قد انتقلت إلى بيت زوجها.
والغرض من إعطاء الزوجة هذا الحق هو حث الزوج ودفعه للوفاء بحق الزوجة ولها في سبيل تحقيق ذلك أن تمتنع أيضاً عن أن تلتزم بما كانت ستلتزم به لو دخل بها الزوج. وليس للزوج أن يمنع زوجته من السفر أو زيارة أهلها قبل إيفاء المهر، وهذا لأن طاعة الزوجة لزوجها لا تقوم إلا إذا توافرت أركان الطاعة وهي المسكن الشرعي وأمانة الزوج على نفس ومال الزوجة، وإيفاء الزوج معجل صداق الزوجة، أما إذا انتفى ركن من هذه الأركان يسقط عن الزوجة واجب الطاعة.
ولقد أقرت الشريعة الإسلامية بحق الزوجة في النفقة حتى في مدة حبس الزوجة نفسها عن زوجها، وليس بوسع الزوج أن يتذرع بسقوط حقها في النفقة بداعي نشوزها، فهي لا تعد ناشزاً طالما لم يفي لها بما اشترطته من تعجيل مهرها.
ويعلل الفقهاء حق الحبس باستيفاء المستحق وهو المهر، فطالما لم تستوفي الزوجة مهرها، فليس للزوج استيفاء حقه منها في منافع البضع. ومتى أوفاها مهرها كاملاً كان له الحق في منعها من الخروج من بيته، وله أن يحبسها لاستيفاء حقه منها وهو منفعة البضع.
كما أجاز الفقهاء للزوجة حق حبس نفسها لاستيفاء الجزء المتبقي من المهر المعجل حتى ولو كان جزءاً قليلاً، وهذا يعتبر تطبيقاً لحق من حقوق الحابس، فحق الحبس ينظر إليه على أنه كتلة واحدة غير قابلة للتجزئة، لأن الشيء المحبوس يقابل كل أجزاء الحق المقابل.
أما إذا كـان المهر مؤجـلاً فإنه يؤدي إلى سقوط حق الزوجة في حبس نفسـها ويعلل الحنابلة ذلك بأن رضاها بتأجيل المهر لا يترتب عليه تأخير حق الزوج ويجب عليها تسليم نفسها، وعلى العكس من ذلك يرى بعض الشافعية بأن رضا الزوجة بتأجيل قبض المهر لا يسقط حقها في الحبس، وهذا رأي ضعيف لأن رضا الزوجة بتأجيل المهر يترتب عليه سقوط حقها في الحبس قياساً على سقوط حق البائع في الحبس إذا بادر بدفع المبيع إلى المشتري قبل قبض الثمن.
واختلف الفقهاء حول حق المرأة في حبس نفسها بعد أن يطأها الزوج، فذهب كل من فقهاء المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى القول بسقوط حقها في الحبس، بينما يرى الإمام أبو حنيفة بأنه يبقى من حق الزوجة الاستمرار في حبس نفسها، حتى ولو كانت قد سلمت نفسها مادامت لم تستوفي كامل مهرها. أما إذا وطأها الزوج مكرهة فلا يترتب على ذلك سقوط حقها في الحبس؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يبطل على غيره حقاً من حقوقه.
المطلب الثاني: الفسخ
يعرف الفسخ في نظرية الالتزام بأنه: " حق المتعاقد في إنهاء عقد ملزم للجانبين لإخلال العاقد الآخر بالتزامه . فـالفسخ يفترض قيام عقد صحيح تتوافر فيه الأركـان
والشروط، ولكن أحد المتعاقدين لا يقوم بتنفيذ التزاماته التعاقدية. فلو أن الزوجة هي التي اشترطت على الزوج شرطاً لمصـلحتها، لكن الزوج أخل بهذا الشرط، فيكون للزوجة طلب فسخ العقد لإخلال الزوج بالتزامه العقدي، ولها عليه سائر حقوق الزوجية من نفقة في زمن العدة ومؤجل الصداق إن وجد.
وبالمثل لذلك فإذا كان الزوج هو الذي اشترط على الزوجة شرطاً لمصلحته، وأخلت به الزوجة، فيكون للزوج حق فسخ العقد ويعفى من دفع مهرها المؤجل ومن نفقة عدتها.
ولقد اختلف الفقه حول الأساس القانوني الذي يقوم عليه الفسخ، فذهب جانب من الفقهاء إلى أن الفسخ قائم على وجود شرطٍ فاسخ ضمني، يفهم منه اتجاه نية المتعاقدين إلى فسخ العقد الملزم للجانبين في حالة عدم الوفاء بالشرط. وذهب اتجاه فقهي آخر إلى اعتبار أن الفسخ مبني على أساس نظرية السبب التي توجب على المتعاقد الآخر تنفيذ التزامه المقابل، وقد انتقد هذا الاتجاه بأن الجزاء المترتب على تخلف السبب هو البطلان وليس الفسخ، فضلاً عن وجوب توافر السبب عند إبرام العقد باعتباره أحد أركان العقد الأساسية.
والراجح من هذين الاتجاهين هو أن الفسخ قائم على أساس الترابط بين الالتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين؛ ولتحقيق هذا الترابط ينبغي تنفيذ العقد واحترام بنوده بغرض تحقيق التوازن في العلاقة التعاقدية.
ولكن الإشكال الذي يثار بصدد الحديث عن الفسخ كجزاء لعدم الوفاء بالشرط يتمحور حول ما إذا كان يتعين على الزوج المشترط - الذي له حق الفسخ- أن يلجأ إلى القضاء لاستصدار حكم الفسخ، أم أنه لا يحتاج إلى ذلك؟ وإذا وقع نزاع بين الزوجين بصدد الوفاء بالشرط فهل يكون للقاضي الاجتهاد في ثبوت الفسخ؟ أم يكتفي بمجرد الحكم به والإعلان عنه؟
يرى الإمام ابن تيمية أن الفسخ كجزاء لعدم الوفاء بالشرط لا يحتاج إلى حكم القاضي، ولكن إذا وقع نزاع بين الزوجين حول هذا الشرط وَرُفِعَ الأمر به إلى القاضي، فعندئذ يخضع لسلطته التقديرية فإما أن يرى إثباته أو إبطاله.
ولكن الرأي الراجح في هذه المسالة هو أنه لابد من رفع دعوى الفسخ إلى القضاء لفسخ النكاح لعدم الوفاء بالشرط، حتى ولو لم يكن هناك نزاع قائم بين الزوجين حول مشروعية الشرط. ثم أن مسألة تحديد الشروط المشروعة وغير المشروعة مسألة خلافية بين الفقهاء، ولا شك أن حكم القاضي هو الذي يرفع الخلاف في مثل هذه الأمور، ثم أنه لا يجوز للزوجة التي اشترطت على زوجها شرط معين ولم يوفي به أن تكون هي الخصم والحكم في هذا النزاع، بل لابد أن ترفع أمرها إلى القضاء وتثبت ما ادعته؛ لأن القاضي أقدر من غيره على تحديد مشروعية الشرط أوعدم مشروعيته.
ويجمل بنا أن نشير بخصوص هذه المسألة إلى موقف الدكتور محمد أبو زهرة المتمثل في اعتراضه على ما ذهب إليه مؤتمر تنظيم الأسرة من أن للمرأة حق فسخ عقد الزواج من غير الالتجاء إلى القضاء، وهذا لأن تخلف الشرط أو عدم تخلفه يحتاج إلى نظرة ومعرفة لسبب التخلف، ولا يكون ذلك إلا من اختصاص القضاء، هذا فضلاً عن أن كل أسباب الفسخ التي يقرها الشارع تحتاج إلى صدور حكم بالقضاء، ولهذا فلا يكون للزوج المشترط في حالة تخلف الشرط إلا حق تقديم طلب الفسخ.
وطالب أيضاً بتقييد الحق في طلب الفسخ إلى ما قبل الدخول، وتحديد مجاله في كل اشتراط يخص حالة الزوج المالية والاجتماعية، لأنه قبل الدخول تكون هناك فرصة للتحري.
والحقيقة أن تحديد الحق في طلب الفسخ بالفترة السابقة على الدخول، قد يقلل من أهمية الوفاء بالشروط في عقد الزواج، خصوصاً وأن حق الاشتراط ليس مقصوراً على الشرط المقترن بالعقد، بل يمتد إلى الفترة اللاحقة على إبرام عقد الزواج أو ما يعرف بالشرط اللاحق، فالشروط تتجدد وتتغير تبعاً للتغيرات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية. وقد يدفع ذلك بالزوجين إلى الاتفاق على شروط جديدة في عقد رسمي لاحق. كما أنه لا يمكن تحديد مجالات معينة يسمح للزوجين بالاشتراط فيها دون غيرها، فحرية الاشتراط مطلقة ما لم يرد الدليل الشرعي على المنع والحظر كما قال بذلك الحنابلة.
وبالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نجد نص المادة 53 يمنح للزوجة الحق في طلب التطليق لعدم وفاء الزوج بالشرط. وبهذا فقد أضاف التعديل الأخير لقانون الأسرة سبباً آخر من أسباب التطليق التي يجوز للمرأة أن تستند إليها في طلب التفريق القضائي؛ وهذا يعني أنه يتعين على المرأة اللجوء إلى القضاء من أجل طلب التطليق بسبب مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.
هذا ويفترق الفسخ لعدم الوفاء بالشرط باعتباره فسخاً للعقد عن التفريق بين الزوجين بالطلاق في عدة أمور نشير إلى أهمها في الفرع الأول من هذا المطلب، على أن نخصص الفرع الثاني لدراسة مسقطات حق الزوجة في الفسخ.
الفرع الأول: التمييز بين الطلاق والفسخ لعدم الوفاء بالشرط
يتضح الفرق بيـن الطلاق والفسخ لعدم الوفاء بالشرط من خلال دراسة الآثار المترتبة على كل منهمـا، وهذا ما سنتولى توضيحه فيما يلي:
1- إن التفريق بين الزوجين عن طريق الطلاق يحسب من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها الزوج على زوجته؛ وهذا يعني أنه لو راجع الزوج زوجته فترجع إليه بما بقي من الطلقات ، بخلاف التفريق بالفسخ لعدم الوفاء بالشرط فإنه لا يحتسب من عدد الطلقات إذا تزوجها الزوج من جديد.
2- لا يحتاج الزوج إلى سبباً معين لإيقاع الطلاق، أما الفسخ لعدم الوفاء بالشرط فلا بد من أن يكون له سبب وهو إخلال الزوج بالشرط.
3- الأصل في الطلاق أن الزوج هو الذي يملكه، ولكن قد ينتقل هذا الحق إلى الغير عن طريق التوكيل أو تفويض الزوجة. بينما الفسخ لعدم الوفاء بالشرط فهو من حق من اشترطه منهما من الزوجين.
4- تستحق الزوجة نصف المهر عند الطلاق قبل الدخول، وتوجب لها المتعة بالخلوة الصحيحة. بينما في حالة الفسخ لعدم الوفاء بالشرط إذا وقع قبل الدخول فلا يترتب عليه شيئاً من المهر للزوجة.
5- إن أهم أثر للتفريق بين الطلاق والفسخ لعدم الوفاء بالشرط هو أنه ليس للمرأة التي فسخ نكاحها لعدم الوفاء بالشرط متعة ولا سكن ولا نفقة، إلا أن تكون حاملاً فتجب لها نفقة الحمل. ولقد برر جمهور الفقهاء ذلك بأن السكن والنفقة إنما يوجبان للمرأة التي يملك زوجـها مراجعتها، واستدلوا على سقوط حقـها في المتعة بقوله تعالى: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين ". فدلت الآية الكريمة على أن المتعة خاصة بالمطلقة دون غيرها ممن فُسِخَ نكاحها.
لقد أراد الحنابلة من خلال ترتيب الفسخ كجزاء لعدم الوفاء بالشروط في عقد الزواج التأكيد على أهمية الوفاء بهذه الشروط. بالرغم مما قد يترتب على ذلك من آثار سلبية على الأسرة، فقد يؤدي تمسك الزوج برأيه في عدم الوفاء بالشرط وإصرار زوجته على الفسخ إلى تدمير كيان الأسرة وتشريد الأطفال. وهنا تبرز أهمية الدور الذي يجب أن يقوم به القاضي في الموازنة بين هذه المصالح المتعارضة بما يحفظ للزوجين حقوقهم ويحمي المصلحة العامة للمجتمع.
الفرع الثاني: مسقطات حق الزوجة في الفسخ
تطبيقاً لما قضى به الحنابلة من وجوب خيار فسـخ النكاح أو إمضائه، فإن الأصل في هذا الحق أنه يبقى قائمـاً على التراخي ولا يلزم العمل به فـور مخالفـة الشـرط، واستثناءا من ذلك توجـد حالات خاصة يسقط فيها حق الزوجة في الفسـخ. وتتمثل هذه الحالات فيما يلي:
1- الرضا بإخلال الزوج بالشرط:
متى رضيت الزوجة بإخلال زوجها بالشرط الذي اشترطته عليه، يسقط حقها في فسخ النكاح؛ وسواء كان هذا الرضا بالقول أو بالفعل كأن تمكنه من نفسها بالوطء مع علمها بعدم وفائه بالشرط.
أما إذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها أو ألا ينقلها من بلدها، ولكنه تزوج عليها أو أخرجها من بلدها، ثم قبل أن تطلب الفسخ طلقها، فلا تملك الزوجة هنا حق الفسخ.
2- زوال سبب الشرط:
ويسقط حق الزوجة في الفسخ إذا زال سبب الشرط ولم يعد له موجب، كما لو توفي والدي الزوجة، وكانت الزوجة قد اشترطت على زوجها ألا يخرجها من بلدها.
3- استحالة تنفيذ الشرط:
إذا اشترطت الزوجة على زوجها أن يسكنها بمنزل والديها، ثم تعذرت سكنى المنزل لسبب طارئ كحدوث زلزال أدى إلى انهيار المنزل، فإن الوفاء بالشرط يكون متعذراً. وقد تشترط الزوجة على زوجها أن يسكنها بمفردها ، ثم يعجز الزوج عن الوفاء بالشرط لعدم كفاية موارده المالية أو نظراً لفقره المفاجئ، فهل يجب على الزوج الوفاء بهذا الشرط؟ وهل للزوجة أن تفسخ النكاح إذا أخل الزوج بالوفاء بهذا الشرط؟
لقد أجاب الإمام ابن تيمية على ذلك بأن الزوج لا يلزم بالوفاء بما هو عاجز عنـه، وليس للزوجة أن تفسخ النكاح إذا أراد الزوج إبطال الشرط ما دام أن الزوج غير قادر على الوفاء بالشرط بسب فقره.
وقد برر الفقهاء سقوط حق الزوجة في الفسخ في هذه الحالة بأن الشرط أمر عارض، وباستحالة تنفيذه يزول حق الزوجة في الفسخ.


المطلب الثالث: التعويض
إذا لم يكـن التنفيذ العيني للعقد ممـكناً، أولم يبدي المدين استعداده للتنفيذ العينـي، وطلب الدائن التعويض فيحكم القاضي في هذه الحالة بالتعويض كجزاء مترتب على قيام المسؤولية العقدية.
وتتمثل أركان المسؤولية العقدية في الخطأ العقدي الذي هو عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي سواء كان عن قصدٍ أو إهمال، وكذلك الضرر الذي لحق الدائن والذي يقع عليه عبء إثباته، وأخيراً يجب توافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر بأن يكون الخطأ العقدي هو السبب المباشر في وقوع الضرر.
إن التعويض هو الأثر الذي يترتب على تحقيق المسؤولية، ومتى تحقق ذلك كان للمضرور رفع دعوى المسؤولية العقدية تجاه الشخص المسؤول للمطالبة بالتعويض وتستند دعوى المسؤولية العقدية على إخلال المتعاقد المسؤول بمصلحة مشروعة للمتعاقد المضرور. ولا يجوز للقاضي أن يحكم بأزيد مما طالب به المضرور وإن كان يصح أن يحكم بأقل منه.
إن الغرض من التعويض هو حماية المضرور من الضرر الذي أصابه، إذ تندرج قاعدة التعويض عن الضرر تحت ثبوت العوض بالإتلافات، وسواء كان هذا الإتلاف للنفس أو المال، وقد صرح الفقهاء أيضاً بأن إتلاف البضع- الوطء- موجب للضمان أي التعويض، فمن فوت على امرأة منفعة بضعها بنكاح فاسد أو وطء شبهة فيجب عليه مهر مثلها.
وباعتبار أن وعاء الشروط هو العقد، فإن الشروط في عقد الزواج تخضع لأحكام القواعد العامة في التعويض إلا ما استثني منها بأحكام خاصة. وتطبيقاً لذلك فإنه يكون للمرأة التي تضررت من جراء مخالفة شرطها في عقد الزواج كفقدانها لمنصب عملها بسبب إخلال الزوج بالشرط الذي وافق عليه والذي يسمح للزوجة بمزاولة عملها. أن تلجأ إلى القضاء وتطالب بالتعويض عن الضرر اللاحق بها من جراء ذلك، وتأسس دعواها على أساس أحكام المسؤولية العقدية.
وسنشير فيما يلي إلى أهم هذه الأحكام بما يفيدنا في موضوع بحثنا، وذلك بالتطرق إلى شروط الضرر الموجب للتعويض في فرعٍ أول، على أن نخصص الفرع الثاني لدراسة أنواع التعويض. أما الفرع الثالث فنتناول فيه كيفية تقدير القاضي للتعويض.
الفرع الأول: شروط الضرر الموجب للتعويض
إن الضرر هو الركن الثاني من أركان المسؤولية العقدية، والذي ينجم عن إخلال العاقد ببنود وشروط العقد. وإذا انتفى الضرر فلا مسؤولية ولا تعويض، هذا وقد نصت المادة 124 من القانون المدني الجزائري بأن: " كل عملاً أياً كان يرتكبه المرء ويسبب ضرراً للغير يلزم من كان سبباً في حدوثه بالتعويض ".
ويعرف الضرر بأنه ما يصيب المتعاقد في حق من حقوقه من جراء إخلال المتعاقد الآخر بمصلحة مشروعة، وسواء كانت هذه المصلحة مادية أو أدبية.
ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا بأن الضرر ينقسم إلى قسمين: ضرر مادي وضر معنوي أو أدبي، فالضرر المادي هو ما يصيب الشخص في جسمه أو ماله. أما الضرر الأدبي فهو ما يلحق بالشخص في كرامته أو شرفه، وبصفة عامة في غير حقوقه المالية.
ويشترط في الضرر حتى يكون موجباً للتعويض توافر الشروط التالية:
1- المساس بحق أو مصلحة مشروعة للمضرور. أما إذا كانت غير مشروعة فلا مجال لتعويضها.
2- أن يكون الضرر محققاً، بأن يكون حالاً وليس مفترضاً أو محتملاً.
3- أن يكون الضرر شخصياً.
4- ألا يكون قد سبق تعويضه، إذ لا يجوز للمضرور أن يحصل على أكثر من تعويض لإصلاح ضررٍ واحد، وإلا كان ضرره سبباً في إثرائه على حساب المتعاقد المسؤول.
الفرع الثاني: أنواع التعويض
يجب على القاضي أن يعين طريقة التعويض تبعاً لظروف النزاع الذي يثار أمامه، فقد يكون التعويض عيناً عن طريق إعادة الحال إلى ما كان عليه بشرط أن يكون ذلك ممكناً.
ولكن الغالب أن يكون التعويض نقداً؛ أي عبارة عن مبلغ من النقود يعطى دفعة واحدة، ويصح أن يكون مقسطاً، كما يصح أن يكون إيراداً مرتباً.
ويقع التعويض العيني كثيراً في الالتزامات التعاقدية، وهو أفضل طـرق التعـويض؛ لأنه يؤدي إلى إصلاح الضرر إصلاحاً تاماً. ويكون القاضي ملزماً بالتعويض العيني إذا كان ممكناً وطلبه الدائن.
وبناءاً على هذا فإذا اشترط الزوج على زوجته في عقد الزواج أو في عقدٍ رسمي لاحق ألا تمارس عملاً وظيفياً أو مهنياً إلا بإذنه أو ألا تسافر وحدها، فإن هذه الشروط تكون ملزمة ويجب على الزوجة الوفاء بها. أمـا إذا أخلت الزوجـة بهذه الشروط فإنـها تتحمل مسؤولية ذلك وحـدها، ويمكن أن يحكم عليها بالتعويض ؛ الذي يمكن أن يكون عيناً بإيقافها عن ممارسة وظيفتها، أو منعها من السفر لوحدها.
وفي المقابل لذلك فإذا اشترطت الزوجة على زوجها السماح لها بمزاولة عملها وأخل الزوج بذلك، فيكون للزوجة أن تطلب التعويض النقدي من أجل جبر الضرر اللاحق بها من جراء مخالفة الزوج للشرط المتفق عليه.
الفرع الثالث: تقدير التعويض
يقدر التعويض كأصل عام على أساس مقدار الضرر الذي لحق بالمدعي، ويشمل ذلك ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب. ويقتصر التعويض في المسؤولية العقدية على الضرر المتوقع باستثناء حالتي الغش والخطأ الجسيم.
كما ينشأ الالتزام بالتعويض في ذمة المدين من وقت وقوع الضرر. ويقدر القاضي التعويض بناءاً على الضرر الذي لحق بالمضرور وقت صدور الحكم القضائي، كما يجوز للقاضي أن يحـكم بالتعويض الإجمالي عن الأضرار التي أصـابت المضـرور، ولكن بشرط أن يحدد عناصر الضرر ومدى أحقية التعويض عنها.
وبالنسبة للضرر الأدبي أو المعنوي فيعود للقاضي تقدير مدى هذا الضرر، وإن كان يصعب تحديد التعويض عن الضرر المعنوي بالنقود، لأن الشرف والمكانة الاجتماعية لا يقدران بالمال، وإنما يأتي التعويض عنهما كوسيلة إرضاء وتطييب لخاطر الشخص المضرور.
وأخيراً نخلص من خلال دراستنا لهذه القواعد العامة التي تحكم التعويض عن الضرر، أنه بإمكان الزوج المشترط والمتضرر من جراء عدم وفاء الزوج الآخر بالشرط المتفق عليه في عقد الزواج اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر، ومتى ثبت للقاضي تحقق الضرر وتوافر شروطه، حكم بالتعويض على الزوج المخالف للشرط التعاقدي بين الزوجين.
المبحث الرابع: تطبيقات لبعض صور الشروط في عقد الزواج
لقد ارتأينا تخصيص هذا المبحث لدراسة بعض التطبيقات عن الشروط في عقد الزواج، حيث خصصنا المطلب الأول لبحث بعض الأنواع من الشروط في الأنكحة الفاسدة، سواء تعلق الأمر بشرط تأقيت الزواج لمدة محددة، ونعني بذلك زواج المتعة وبعض صوره الحديثة كزواج المصياف، أو شرط نفي المهر وهو نكاح الشغار، أو شرط التزوج بنية حل المطلقة ثلاثاً لزوجها وهو نكاح التحليل، أو الزواج بشرط التنازل عن بعض حقوق الزوجية مثل ما هو عليه الحال في زواج المسيار وما اصطلح على تسميته بزواج (فريند).
وأما المطلب الثاني فخصصناه لدراسة بعض الشروط ذات الأهمية القصوى في حياة الزوجين بالنظر إلى الحقوق والآثار المترتبة عليها كاشتراط أحد الزوجين وصفاً معيناً في الآخر، أو اشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها، أو اشتراطها مواصلة تعليمها، أو السماح لها بمزاولة مهنة أو وظيفة معينة، وأخيراً اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري على سبيل التعويض إذا طلقها.
وأخيـراً نتطـرق في المطلب الثالث إلى دراسـة بعض الشروط ذات الأثر المـالي، كاشتراط الزوج على زوجته المساهمة في تحمل نفقات الأسرة، أو اتفاق الزوجين حول نظام الأموال المكتسبة بينهما.
المطلب الأول: أنواع من الشروط في بعض الأنكحة الفاسدة
لقد ورد النهي عن هذه الشروط الفاسدة بموجب نصوص صريحة من الشارع تقضي ببطلان هذه الشروط، حيث نجد أن شريعة الإسلام قد ألغت بعض الأنكحة الفاسدة التي كانت سائدة قبل مجيئه؛ لأنها كانت قائمة على شروطٍ تؤدي إلى الظلم والغبن والخلل والاضطراب في أحوال الأسرة. وجاءت الشريعة الإسلامية بتعاليم ومبادئ وأسس حكيمة تحقق المودة والألفة والتعاون بين الزوجين بعيداً عن كل ما يكدر صفو الحياة الزوجية؛ فجعلت من عقد الزواج عقداً مؤبداً، وأوجبت على الزوج دفع المهر وغير ذلك من الأحكام التي شرعها الشارع لضمان بناء أسرة قوية ومتينة.
إنه وبالرغم من تحريم الشريعة الإسلامية لهذه الأنكحة الفاسدة، لازال بعض الناس في عصرنا الحالي يلجأون إلى التزاوج عن طريق هذه الأنكحة المحرمة، وإن كان ذلك تحت مسميات جديدة. وسنتعرض إلى دراسة أحكام هذه الشروط الفاسدة بشكل مفصل، وذلك في الفروع الأربعة الموالية:
الفرع الأول: شرط تأقيت الزواج لمدة محددة
إن من شروط صيغة عقد الزواج أن تكون مؤبدة، ولا يجوز تأقيتها بمـدة محـددة؛ لأن ذلك يتنافى مع المقصود الأصلي لعقد الزواج في إقامة حياة زوجية سعيدة قائمة على أساس السكن والمودة والرحمة. ولهذا فجمهور الفقهاء متفقون على بطلان هذه الشروط التي تؤثر في صحة العقد وتبطله؛ لأنها تتنافى مع صفة التأبيد التي يجب أن يتصف بها عقد الزواج. ومع ذلك فقد يحدث أن يتفق الزوجان على وضع شرط تأقيت الزواج إما في صورة زواج مؤقت أو زواج متعة.
البند الأول: الزواج المؤقت
يعرف الزواج المؤقت بأنه: " الزواج الذي ينشأ بلفظ النكاح أو الزواج، أو غيرهما من الألفاظ الصالحة لإنشاء عقد الزواج، ولكن يقترن بالصيغة ما يدل على تأقيت الزواج بوقت معين محدد طال الوقت أو قصر". كأن يتزوج الرجل بامرأة ولكن لمدة محدودة قد تكون شهر أو شهرين أو أقل.
إن اقتران صيغة عقد هذا النوع من النكاح بما يدل على التأقيت يجعل هذه الصيغة غير صالحة لإنشاء الزواج، لأن الزواج شُرع لدوام العشرة وإقامة أسرة، ولا يتأتى تحقيق هذه المقاصد وغيرها إلا إذا كانت عقدة النكاح على التأبيد، إذ العبرة في إنشاء العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني ما دام الوصول إلى إظهار ذلك ممكناً. ومتى دلت قرائن الحال على أن الزوجان يريدان بعقدهما الوصول إلى تحقيق غايات غير مشروعة عن طريق الحيل والخداع، فيكون هذا العقد باطلاً لاقتران الصيغة بما يدل على التأقيت . حتى ولو كان الزوج قد نوى شرط تأقيت الزواج في قلبه، فيكون كما لو أنه شرط ذلك في العقد، وبالتالي يكون حكمه البطلان ، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنمـا لكل امرئ ما نوى... " . وهذا هو رأي جمهور الفقهاء الذين أبطلوا كل من الشرط والعقد، باستثناء زفر وهو من أصحاب أبي حنيفة الذي قال بتصحيح النكاح المؤقت بحيث ينعقد مؤبداً ويسقط شرط التأقيت ويكون الزواج صحيحاً ومؤبداً.
ويقول الشـيخ محمد الطاهر بن عاشور معلقاً على زواج التأقيت ومبيناً مضـاره: " إن الدخول في عقدة النكاح على التوقيت والتأجيل يقربه من عقود الإجارات والأكريـة، ويخلع عنه ذلك المعنى المقدس الذي ينبعث في نفس الزوجين من نية كليهما أن يكون قريناً للآخر ما صلح الحال بينهما، فلا يتطلبا إلا ما يعين على دوامه إلى أمدٍ مقدور، فإن الشيء المؤقت المؤجـل يهجس في النفس انتظار مَحِلّ أجله، ويبعث فيها التدبير إلى تهيئة ما يخلفه به عند إبان انتهائه، فتتطلع نفوس الزوجات إلى رجال تعودنهم وتمنينهم، أو إلى افتراضٍ في مال الزوج، وفي ذلك حدوث تبلبلات واضطرابات فكرية، وانصراف كل من الزوجين عن إخلاص الود للآخر".
إن دلالات هـذه العبـارات واضحـة في التعبير عن محـاذير تأقيت الـزواج واستهجان لجوء بعض الناس إلى هذا النوع من الزواج؛ لمنافاته للغرض الشرعي الصحيح من الزواج وهو الاستقرار وتربية الأولاد.
البند الثاني: زواج المتعة
وهو عبارة عن اتفاق بين الرجل والمرأة على التمتع بها لمدة معينة لقاء أجر معين، ولا يقصد به دوام العشرة وإنما يراد به مجرد الاستمتاع الوقتي، وهو زواج محرم لدى أغلب أئمة المذاهب باستثناء الشيعة الذين أجازوه، وعلة تحريمه هي منافاته لصفة التأبيد التي يجب أن يتصف بها عقد الزواج، فضلاً عن الآثار السلبية الناجمة عن هذا الزواج على الأسرة والمجتمع.
ويفترق نكاح المتعة عن الزواج المؤقت من حيث أن المتعة يكون العقد فيها بلفظ التمتع، أما النكاح المؤقت فيكون بلفظ الزواج أو بلفظ النكاح، أو ما يقوم مقامهما وبحضور الشهود مع تحديد المدة.
ولقد اتفق جمهور الفقهاء على بطلان نكاح المتعة، ولم يخالف في تحريم المتعة إلا طائفة من الشيعة الإمامية تدعى بـ ( الإثناعشرية) الذين قالوا بإحلال المتعة لما لها من دور هام يمكن أن تقوم به في حل مشكلات الجنس والغريزة عند الشباب غير القادرين على أعباء الزواج الشرعي الدائم. وسنتعرض فيما يلي إلى دراسة أدلة كل من الفريقين:
أولاً: أدلة المبيحين
استدل القائلون بإباحة المتعة بما يلي:
1- استندت طائفة الشيعة الإمامية ( الإثناعشرية) في إباحة زواج المتعة بقوله تعـالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " . فدلت الآية الكريمة على حل نكاح المتعة، فالله تعالى ذكر الاستمتاع ولم يذكر لفظ النكاح، كما أوجبت الآية منح المال للمرأة نظير الاستمتاع بها وسمت ذلك أجراً والاستمتاع بالمرأة غير الزواج بها والأجر غير المهر.
وقد ناقش القائلون بتحريم زواج المتعة هذا الاستدلال بأن سياق الآية كلها جاء في النكاح الدائم وليس نكاح المتعة، وأما قولهم بأن إيتاء الأجور دليل على حل زواج المتعة فهذا غير صحيح؛ لأن المهر في النكاح يسمى بالأجر على سبيل المجاز كما ورد في قوله تعالى: " فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن " . وقوله تعالى أيضـاً: " يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن ".
2- واستدل المبيحين لزواج المتعة بأن هذا الزواج قد أبيح في أول الإسلام، ولا يوجد ما يدل على نسخه حسب قولهم، فقد ثبتت إباحته صلى الله عليه وسلم لزواج المتعة في مواطن عدة منها في غزوة خيبر، ومنها يوم حنين.
3- واستدلوا أيضاً بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " متعتان كانتا مشروعتين قي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنـهما متعة الحج ومتعـة النكـاح ". فدل هذا على أن زواج المتعة لم ينسخ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا وجب الامتناع عن نسخه بعد وفاته.
وَرُدّ على استدلالهم هذا بأن إباحة الشريعة الإسلامية لهذا الزواج في أول الإسلام كانت مرحلة من مراحل التشريع لضرورات قاهرة، كما حدث في بعض الغزوات بغرض تقوية ساعد المسلمين على محاربة المشركين، ولكن بعد أن زال خطر المشركين وقويت دولة المسلمين حرم الرسول صلى الله عليه وسلم زواج المتعة تحريماً مؤبداً وكان ذلك يوم فتح مكة فقال: " يأيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ".
ثانياً: أدلة المحرمين
استدل جمهور الفقهاء القائلون بتحريم زواج المتعة بجملة أدلة من الكتاب والسنة والمعقول، نوردها فيما يلي:
1- من الكتاب:
استدل المحرمين لزواج المتعة بقوله تعالى: " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ".
ووجه الدلالة: أن الله تعالى دعا المؤمنون إلى أن يعفوا عن الحرام ويصونوا فروجهم عما لا يحل من الزنا إلا من زوجاتهم وإمائهم المملوكات ؛ لأن الله تعالى حرم الجماع إلا بأحد شيئين: عقد النكاح وملك اليمين، والمتعة ليست بنكاح ولا بملك يمين فيبقى التحريم، ويؤيد هذا أن المتعة تنتهي من غير طلاق ولا فرقة ولا توارث بينهما؛ وهذا يعني أنها ليست بنكاح.
واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: " فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ". فدلت الآية الكريمة على أن الذين يطلبون غير الزوجات والمملوكات معتدون ومتجاوزون الحد في البغي والفساد.
كما استدلوا أيضاَ بقوله تعالى: " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء " ؛ أي لا تجبروا إماءكم على الزنا لفظاعة هذا الأمر وشناعته، ولما كان الزنا هو غرض زواج المتعة فدّل ذلك على الحرمة.

2- من السنة:
استدل القائلين ببطلان المتعة بجملة أحاديث من السنة النبوية نذكر منها ما يلي:
1- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قـال: " إني كنت قـد أحللت لكم المتعة، وإن جبريل أتاني فاخبرني أنها حرام إلى يوم القيامة ".
2- روي أن عمر رضي الله عنه قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية ".
3- من المعقول:
إن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة وفقط، بل شرع لأغراض ومقاصد يتوصل به إليها، واقتضاء الشهوة بالمتعة لا يؤدي إلي تحقيق هذه المقاصد، فالمقصد الأصلي من النكاح هو الحفاظ على النسل. أما المقاصد التابعة فهي استجلاب الرحمة والسكن والمودة والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية؛ وهذه المقاصد التابعة مثبتة ومقوية للمقصد الأصلي المتمثل في التناسل. ومن هنا جاءت حكمة الشارع بتحريم نكاح المتعة لمنافاته لمقصد المواصلة والسكن والموافقة؛ التي جعلها الشارع مستدامة إلى غاية انقطاع الحياة الزوجية بالوفاة أو الطلاق دون غيرهما.
وبعد عرض أدلة كل من الاتجاهين يترجح لدينا الأخذ بالرأي القائل بتحريم المتعة نظراً لرجاحة ووجاهة الأدلة التي استندوا إليها. وبالنظر إلى الآثار السلبية المترتبة عن زواج المتعة على المـرأة من اختلاط للأنساب، والتهرب من مسؤوليات الـزواج، وفقدان المرأة المتمتع بها لحقوق الزوجة في النفقة والميراث والمهر.
البند الثالث: زواج المصياف
إن زواج المصياف في حقيقته هـو زواج مؤقت، ولكنـه ظهر تحت مسمى جديد، وقد عرف انتشاراً كبيراً في دول الخليج في الآونة الأخيرة، وتتمثل صورة هذا الزواج في أن يتزوج بعض رجال وسيدات الأعمال أثناء عطلات الصيف أو مهمات العمل في الخارج.
وفي الواقع فقد آثار هذا الزواج جدلاً كبيراً بين عددٍ من علماء الأزهر الشريف في مصر مابين مؤيد له بالاستناد إلى رأي الحنفية المتمثل في إبطال شرط التأقيت وصحة العقد. وما بين رافض له بالنظر إلى الآثار السلبية والمشاكل الاجتمـاعية المترتبة عنه. وذهب الشيخ جمال قطب وهو أحد علماء الأزهر إلى أنه يجب أن تتوافر في هذا الزواج جميع أركان الزواج الشرعي وأهمها تبادل الإيجاب والقبول؛ ويجب أيضاً إبطال شرط التأقيت واستمرار العقد حفاظاً على حقوق المرأة والأولاد واستقرار الأسرة.
إن عقد الزواج ليس كباقي عقود المعاملات بل هو عقد يجب أن تتوافر فيه المودة والرحمة والتواصل الإنساني مصداقاً لقوله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
وعلى هذا فلا يجوز أن يقاس عقد الزواج بعقود المنفعة كعقود البيع والإيجار مثـلاً، فالأصل في عقـد الزواج هـو التأبيـد إلى أن يقضي الله أمراً كـان مفعـولا، والنتيجة من هذا كله أن زواج المصياف لا يعدو أن يكون في حقيقته سوى زواج مؤقت أوزنا مقنع.
الفرع الثاني: شرط نفي المهر
إن هذا الشرط مرتبط بنكاح الشغار الذي كان سائداً في عصر الجاهلية، وصيغته أن يزوج الرجل ابنته أو أخته لرجل آخر على أن يزوجه هذا الأخير ابنته أو أخته ولا صداق بينهما.

وعلة تحريم هذا النكاح هي خلوه من المهر؛ لأنه يقوم على مبادلة الصداق بالبضع ويشكل ذلك ظلماً صارخاً للمرأة وبخساً لحقها في الانتفاع بالمهر ، وقد يظن البعض أن هذا النوع من الشروط قد زال عن المجتمعات الإسلامية المعاصرة. ولكنه لا زال قائماً فيما يفعله بعض الأولياء بتزويج الرجل وليته إلى رجل آخر ويشترط عليه أن يزوجه وليته أيضاً مع تحديد المهر بينهما، وهذا ما يطلق عليه وجه الشغار عند المالكية.
لقد ذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن نكاح الشغار باطل، باستثناء الحنفية الذين قالوا ببطلان الشرط وصحة العقد مع وجوب مهر المثل لكل واحدة من المرأتين.
واستدل جمهور الفقهاء على بطلان نكاح الشغار بما يلي:
1- عن نافع ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا شغار في الإسلام ".
2- عن ابن عمر أن رسول اله صلى الله عليه وسلم: " نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق ".
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث واضح من خلال عبارات النهي والنفي، ويقتضي ذلك فساد المنهي عنه وهو الشغار.
3- إن جعل بضع كل زوجة صداقاً للأخرى يؤدي إلى أن تكون المرأة زوجة في عقد من جهة، ومن جهة أخرى هي صداق لعقد زواج امرأة أخرى، فكان بضع كل واحدة منهما مشتركاً بين الزوج وبين المرأة الأخرى، وهذا ينافي مقتضى عقد الزواج في كون النكاح مبني على اختصاص الرجل بالمرأة، وأنه لا يجوز اشتراك رجلين في بضع امرأة، أو عقد زواجين في عقدة واحدة.
وخلاصة القول أن نكاح الشغار باطل، لورود النهي عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بنص الحديث، وعلة النهي عنه هي الاشتراك في البضع الذي يحرم كل واحدة من المرأتين من الانتفاع بالمهر.
لقد شرع الزواج من أجل تحقيق غايات إنسانية نبيلة تتمثل في بناء أسرة ملؤها المودة والسكن والرحمة بين الزوجين، وهو أسمى من أن يكون علاقة يتحدد مصيرها على أساس ما يحققه كل طرف فيها من الربح والخسارة، ولهذا يجب على الأولياء احترام حق الزوجة في قبض المهر. فالمهر وسيلة لإثبات رغبة الرجل في المرأة واستعداده للإنفاق عليها، والتأكيد على رغبته الصادقة في معاشرة المرأة بالمعروف والحرص عليها وعدم التفريط فيها. خصوصاً وأن ذلك يتطلب منه بذل تضحيات كبيرة لجمع المهر. وأهم شيء في المهر أنه يعتبر تكريم للمرأة؛ فهو شعار خاص بالنكاح الشرعي دون غيره من الأنكحة الفاسدة.
الفرع الثالث: شرط التزوج بنية حل المطلقة ثلاثاً لزوجها
يرتبط شرط التزوج بنية حل المطلقة ثلاثاً لزوجها بنكاح التحليل الذي يلجأ إليه بعد أن تطلق المرأة ثلاثاً وتحرم على زوجها، فيتزوجها آخر قصد أن يحلها لزوجها الأول.
وتتمثل صيغته في أن تشترط الزوجة مثلاً على الزوج الثاني إحلالها لزوج قبله على أن يطلقها وتعود لزوجها الأول . وغالباً ما يقع هذا الزواج بدون دخول على أن تعود الزوجة لزوجها الأول . وفي ذلك مخالفة لما اشترطه الله تعالى لجواز رجوع المطلقة ثلاثاً إلى زوجها من أن تنكح زوجاً آخر زواجاً صحيحاً يعقبه دخول، ثم إذا طلقها أو توفي عنها هذا الأخير جاز للزوج للأول أن يتزوجها مرة ثانية ، كما دّل على ذلك قوله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ".
ويتفق الفقهاء المسلمون على حرمة وبطلان نكاح التحليل، لكن الخلاف قائم بينهم حول أثر شرط التحليل في العقد، فذهب الحنفية إلى القول بصحة العقد مع الكراهة وعدم فساد العقد بهذا الشرط الفاسد؛ لأن الشروط الفاسدة عند أبي حنيفة لا تبطل العقـد، بل يبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً مرتباً لآثاره، وإذا توفي الزوج أو طلقها فتحل الزوجة لزوجها الأول بعد طلاقها.
وذهب الشافعية إلى القول ببطلان نكـاح التحليل إذا ذكر شرط التحليل في العقـد. بينما قال فقهاء المالكية والحنابلة ببطلان نكاح التحليل مطلقاً سواء ذكر شرط التحليل في العقد أولم يذكر، فلا فرق بين اشتراط ذلك بالقول أو بالتواطؤ؛ لأن الألفاظ لا تراد لذاتها بل للدلالة على المعاني، ومتى ظهرت المعاني والمقاصد حققت غاياتها ونتائجها وترتبت عليها أحكامها وآثارها، وتكون العبرة عندئذ بالنيات والقصود لا بالألفاظ والمباني.
ويرى الظاهرية بـأن شرط التحليل إذا لـم يذكر في صلب العقد لا يـؤثر في العقد، ويكـون للزوج الخيار إن شاء طلقها أو أمسكها، فلو طلقها حلت للأول، أمـا
إذا ورد شرط التحليل في عقد النكاح فيعتبر العقد فاسد ومفسوخ.

واستدل الفقهاء على بطلان نكـاح التحليل بورود عدة أدلة من السنة تنهي عن هـذا

النكاح، فالنكاح الشرعي لا يطلق على النكاح المنهي عنه. ونذكر من هذه الأدلة ما يلي:
1- عن عبد الله قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له ".
2- عن عقبة بن عامر قال: قال رسوا الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له ".
وخلاصة القول أن نكاح التحليل باطل؛ لأنه ينافي مقاصد النكاح الصحيح، فالمرأة تنكح لدينها وجمالها. والتيس المستعار لا يسأل عن شيء من هذا ، وليس له قصد في النكاح الذي جعله الله سبباً للمودة والرحمة والألفة والمواصلة والمصاحبة بين الزوجين، بينما جعله المحلل سبباً للمفارقة.
إن شرط تحليـل المطلقة ثلاثاً لزوجها هـو في حقيقته استحلال للزنـا باسم النكاح، فليس من أهداف المحلل الاستمرار والبقاء مع الزوجة، وإنما قد تواطئا الزوجان على قضاء وطر ساعة وقصدا بذلك إحلال الزوجة لزوجها الأول وهذا منافٍ لصفة التأبيد في عقد الزواج.
الفرع الرابع: الزواج بشرط التنازل عن بعض حقوق الزوجية
إن للزوجة حقوقاً على زوجها، كما أن للزوج حقوقاً على زوجته. حيث قال الله تعالى: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " . وتتمثل أهم حقوق الزوجة فيما يلي:
1- النفقة في الطعام والشراب والسكن والكسوة، كمـا دّل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث روى حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه أنه قـال: " قلت
يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ".

2- المبيت عندها ليلة كل أربع ليال، إذا كان لديه ثلاث زوجات سواها.
وإذا كانت هذه الحقوق ثابتة للمرأة بمقتضى نصوص الشريعة والقانون، فإنه قد يحدث أن يتفق الزوجان على إبرام عقد الزواج بشرط أن تتنازل المرأة عن بعض حقوقها، كحقها في النفقة أو السكن الفردي، أو حقها في القسم في المبيت، وقد يكون ذلك إما في شكل زواج مسيار، أو ما اصطلح على تسميته بزواج( فريند)، وهذا ما سنتولى توضيحه في البندين المواليين:
البند الأول: زواج المسيار
وهو زواج يتم بعقد شرعي تتوافر فيه جميع أركان العقد الأساسية، ولكن الزوج يعفى فيـه من شيئين أساسيين: وهمـا حق الزوجة فـي النفقة وحقها أيضاً في المبيت، وهذا التنازل يحدث برضا الزوجين أثناء إبرام العقد مع مراعاة بقية الشروط المتطلبة في الزواج من ولي وشهود وصداق.
وعن الأسباب التي تدفع بالناس إلى اللجوء إلى هذا النوع من الزواج، نجد أن هناك بعض الرجال كثيرو السفر والتنقل بين البلدان نظراً لظروفهم وأعمالهم الخاصة ولا يكون أمامهم من سبيل حتى يعصموا أنفسهم من الوقوع في الحرام إلا التزوج عن طريق زواج المسيار.
ويضاف إلى ذلك انتشار ظاهرة العنوسة وما يترتب عليها من حرمان لعدد كبير من النساء والمطلقات والأرامل من حقهن الفطري في الزواج والأمومة، ثم أنه مع دخول المرأة عالم الشغل من بابه الواسع وبحصولها على موارد مالية كبيرة أصبح بإمكانها تأجير منزل مستقل أو الحصول عليه، أوأن تتنازل عن حقها في النفقة.
وبغض النظر عن مدى شرعية هذه المبررات، فإن عقد الزواج هو عقد مقدس بين الرجل والمرأة يجب أن يرقى بالإنسان من دائرة الشهوات المادية إلى حياة ملؤها الاستقرار والمودة والرحمة والتعاون والمعاشرة بالمعروف وبناء أسرة وإنجاب ذرية صالحة، وهذا ما لا يتأتى تحقيقه في زواج المسيار.
ولقد اختلف الفقهاء المسلمون حول هذه الشروط التي يكون فيها تقصير عن أداء بعض حقوق الزوجية والمتعلقة بزواج المسيار، كاشتراط الرجل على المرأة أن يأتيها نهاراً، أو ألا يقسم لها في المبيت إذا كانت زوجة ثانية له، أو أن يشترط عليها أن تتنازل عن حقها في النفقة. فذهب الإمام أحمد إلى القول بإجازة هذه الشروط، وإذا شاءت الزوجة التراجع عنها فلها ذلك. أما عند الإمام مالك فيفسخ النكاح قبل الدخول ويثبت بعده ويبطل الشرط.
وعن موقف العلماء المسلمين المعاصرين من هذا الزواج فهو محل نظر وخـلاف؛ فمنهم من أقره، ومنهم من عارضه لآثاره الاجتماعية الناشئة عنه، ومنهم من أقر بمشروعيته ولكن لم يشجع عليه.
البند الثاني: زواج(فريند)
لقد أطلق الشيخ عبد المجيد الزنداني فتوى أثارت جدلاً كبيراً في العالم الإسلامي ولاقت ردود فعل مختلفة ما بين مؤيد ومعارض، حيث ذهب البعض إلى أن هذا الزواج هو وسيلة للقضاء على المشاكل التي تواجه الأقليات الإسلامية في البلدان الغربية والحفاظ على الهوية الإسلامية داخل هذه المجتمعات الأوربية التي ينتشر فيها الفساد والانحلال الخلقي، فيكون هذا الزواج هو الملاذ الوحيد لتلافي هذه الأخطار والمحاذير، وعليه فلا حرج حسبهم في إباحة هذا الزواج طالما أنه يجب أن تتوافر فيه أركان الزواج الشرعية من ولي وصداق وشهود.
وعلى العكس من ذلك يرى معارضي هذا الزواج بأنه وعاء وغطاء لممارسة الزنا والفساد الأخلاقي والمعاشرة الحرة، وهذا ما يهدد سلامة البناء الأسري وآواصر العلاقة الزوجية.
غير أن الشيخ الزنداني أكد على أن فتواه في هذا الموضوع جاءت تيسيراً للزواج وتصحيحاً لوضع شاذ يعاني منه أبناء الجاليات العربية المقيمين في أوروبا، وسداً لخطر وقوعهم في ممارسة العلاقات غير المشروعة في هذه المجتمعات، وحفظاً لشرف العائلات المسلمة.
وعلى هذا يكون شكل زواج فريند هو البديل عن المعاشرة الحرة السائدة في المجتمـعات الغربية، وذلك بأن تصب علاقة الصداقة السائدة في المجتمعات الغربية في إطار عقد الزواج الشـرعي، وهذا كله مع التأكيد على ضرورة توافر أركان وشروط صحة عقد الزواج من تبادل للإيجاب والقبول وشرط المهر وحضور الشـهود، ولكن ما يميز هذا الزواج هو عدم وجود منزل للزوج، وبهذه الصورة يمكن حماية أبناء المسلمين في الغرب من العلاقات غير المشروعة القائمة على الصداقة في المجتمعات الغربية.
ويجدر بنا أن نشيـر في الأخير إلى موقف المشرع الجزائري من هذه الشروط والأنكحة الفاسدة، فحسب نص المادة 19 من قانون الأسرة التي تبيح للزوجين وضع شروط اتفاقية في عقد الزواج بشرط عدم مخالفة أحكام هذا القانون، فإنه ليس للزوجين اشتـراط هذه الشروط الفـاسدة في عقد الزواج لمخالفتها لأحكام قانون الأسرة وبالأخص المواد: 9، 9 مكرر، 8، 74 حيث أوجبت هذه المواد تباعاً ضرورة توافر جميع أركان عقد الزواج الأساسية وشروط صحته، وكذا شرط العدل في حالة تعدد الزوجات، وأيضاً واجب الزوج في الإنفاق على زوجته بمجرد الدخول بها، مع ملاحظة أنه يبقى من حق الزوجة أن تتنازل عن بعض هذه الحقوق بمحض إرادتها.



المطلب الثاني: أمثلة عن بعض الشروط الهامة في عقد الزواج
لما كانت الشروط المقترنة بعقد الزواج عديدة لا تدخل تحت حصر ولا تقف عند حد. ارتأينا أن نخصص هذا المطلب لدراسة بعض النماذج عن أهم الشروط المشروعة التي تحقق منفعة مشتركة لكلا الزوجين أو أحدهما، كاشتراط أحد الزوجين صفة معينة في الآخر، أو اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليهـا، أو إكمال دراستها وممارسة عملها، وأخيراً اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري إذا طلقها.
وسنتناول حكم كل نوع من هذه الشروط في الفروع الموالية:
الفرع الأول: اشتراط صفة معينة في أحد الزوجين
لقد أعطى الفقه الإسلامي للزوجين الحق في جملة من الخيارات العقدية من بينها خيار الفسخ للعيب ، وبالأخص فقهاء الظاهرية الذين قالوا بفسخ العقد سواء قبل الدخول أو بعده إذا تبين خلاف الشرط.
و يضاف إلى ذلك خيار الفسخ لتخلف الوصف الذي يشترطه أحد الزوجين في الآخر، كأن يشترط الرجل في المرأة أن تكون بكراً، أو أن تكون غنية أو جميلة، وفي المقابل قد تشترط الزوجة صفات معينة في زوجها فما أثر هذه الشروط على عقد الزواج ؟ وهل يملك المتعاقد المشترط حق الفسخ إذا تخلف الشرط ؟
لقد اختلف الفقهاء حول جواز ثبوت خيار الفسخ لتخلف الوصف في النكاح، فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه إذا اشترطت الزوجة صفة معينة في الزوج كالجمال والنسب أو أن يكون غنياً أو ذا حرفة معينة، وتبين أنه بخلاف ذلك فالعقد صحيح والشرط باطل ولا تملك الزوجة خيار الفسخ. وذهب رأي آخر إلى القول بثبوت الخيار للزوجة في فسخ النكاح لتخلف الوصف، وهذا هو ظاهر مذهب الإمام مالك وبعض فقهاء الشافعية.
بينما يرى الحنابلة بأنه متى تزوجت امرأة رجلاً واشترطت فيه وصفاً معيناً وظهر خلاف ذلك، فلا خيار لها في الفسخ إلا في شرطي الحرية والنسب.
أما إذا كان الشرط من قبل الزوج، كما لو اشترط أن تكون الزوجة جميلة أو متعلمة أو ذات بشرة بيضاء، فظهرت الزوجة على غير ما اشترط يحق للزوج طلب فسخ النكاح وإذا وقع الفسخ قبل الدخول فلا تستحق المرأة المهر، وإن كان بعد الدخول فلها المهر ، وفي هذا يقول ابن تيمية: " ... وأما إذا اشترط السلامة أو شرط الجمال فبانت شوهاء، أو شرطها شابة حديثة السن فبانت عجوزاً شمطاء، أو شرطها بيضاء فبانت سوداء، أو بكراً فكانت ثيباً، فله الفسخ في ذلك كله. فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده فلها المهر وهو غرم على وليها إن كان غره، وإن كانت هي الغارة سقط مهرها أو رجع عليها به إن كانت قبضته ".
بينما قال الحنفية والشافعية بعدم ثبوت خيار الفسخ للزوج مطلقاً حتى ولو تخلف الوصف الذي اشترطه، لأنه يملك فراقها بالطلاق.
ومن بين الأوصاف الهامة التي قد يشترطها الزوج على زوجته شرط البكارة أو العذرية، وقد ذهب الاجتهاد القضائي الجزائري إلى وجوب اشتراط هذا الشرط في العقد حتى ينتج أثره، حيث جاء في أحد قرارات المحكمة العليا ما يلي: " ... ومتى تبين- في قضية الحال- أن المطعون ضده لم يشترط عذرية الطاعنة في عقد الزواج فإن البناء بها ينهي كل دفع بعدم العذرية. وعليه فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتحميل الطاعنة مسؤولية الطلاق وبحرمانها من التعويض عرضوا قرارهم للقصور في التسبيب مما يستوجب نقض القرار ".
وينتقد الدكتور علي محمد قاسم إعطاء الزوجين الحق في فسخ العقد لتخلف الوصف، بحجة أن عقد الزواج من العقود الخطيرة التي يجب تفادي تعريضها للفسخ والعمل أكثر على استقرارها وثباتها، فليس من المعقول أن يفسخ هذا الميثاق الغليظ لأمور نسبية تختلف درجة تقديرها من شخصٍ لآخر، كشرط الجمال أو العذرية التي يمكن أن تزول بوثبة من المرأة.
كما أن مصلحة الزوجين تكون في التستر والارتفاع بهذا العقد عن مستوى عقود المعاوضات المالية. وكذلك فإن معظم الأوصاف التي يريد كل من الزوج أو الزوجة معرفتها في الآخر يمكن التعرف عليها بالتحري عنها قبل إبرام عقد الزواج. خاصة وأن الشرع بين لنا المواصفات التي يجب اختيار الزوجة بناء عليها وهي مجسدة في قوله صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ". ومعنى ذلك بأنه إذا كان الرجال يرغبون في النساء لهذه الأسباب، فإن الذي يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو الدين، أما بقية الأسباب الأخرى فليست هي أساس الاختيار.
وفي اعتقادنا فإن اشتراط أحد الزوجين وصفاً معيناً في الآخر يكون مستحسناً بل واجباً كلما كان ذلك أدعى إلى استقرار الأسرة وتحقيق آواصر المودة والرحمة والتوافق بين الزوجين، أي أن هذه الشروط تعتبر عاملاً مهماً يجب استغلاله لهذا الغرض. ولكن لا يعني ذلك المبالغة في هذه الشروط، إذ يجب أن يكون الدين هو الصفة الأولى التي يجب أن يراعيها كل من الزوجين، ثم تأتي بعد ذلك الصفات الأخرى التي يرغب فيها الإنسان بطبعه وتميل إليها نفسه.
إن الأصل في إنشاء عقد الزواج أن ينشأ على أساس المودة والرحمة والاحترام المتبادل، ولكن قد يفشل الزوجين في تحقيق ذلك بسبب عدم التفاهم والانسجام والشقاق لينتهي هذا الزواج بالطلاق. ويمكن تفادي ذلك إذا وقع الاتفاق بين الزوجين على عناصر وأوصاف معينة في شكل شروط عند إبرام العقد من أجل ضمان وتأمين الانسجام والتفاهم بين الزوجين، وتحقيق التقارب بينهما في العناصر الدينية والاجتماعية والأخلاقية.
الفرع الثاني: اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها
لقد أجاز الحنابلة للزوجة أن تشترط على زوجها بألا يتزوج عليها ، وذهب الإمام مالك إلى أن هذا الشرط ليس له أثر في العقد إلا إذا اقترن بيمين أو طلاق.
ويثير هذا الشرط جدلاً كبيراً نظراً لارتباطه بمبدأ هام أقرته الشريعة الإسلامية وهو مبدأ تعدد الزوجات، ومن ذلك ما ذهب إليه الدكتور رشدي شحاتة من أن هذا الشرط فاسد ومخالف للشرع، فكيف يسمح الرجل للمرأة بأن تمنعه مما أحله الله عليه بأن يعدد! والأصح من هذا حسب رأيه أن يكون للزوجة التي يلحقها ضرر من جراء عدم العدل بينها وبين ضرائرها أن تطلب التطليق للضرر، أو أن تطلب الخلع، أو يكون لها أن تشترط جعل عصمتها بيدها. فإذا وفى الزوج بعهده كان لها ما شرطته وإن خالف وعده واستند إلى ما أباحه له الشارع في التعدد، ففي هذه الحالة يكون للزوجة أن تطلب التطليق.
وفي اعتقادنا أن الاستعاضة عن هذا الشرط بإعطاء الزوجة الحق في طلب التطليق للضرر لا يراعي الآثار السلبية المترتبة على الطلاق من تفكيك للأسرة وتشريد للأطفال وتبعات ذلك على المجتمع. ويمكن تفادي هذه الآثار السلبية قبل وقوعها بالاستناد إلى نص المادة 19 من قانون الأسرة، وإعطاء الحق للزوجة في أن تشترط على زوجها بألا يتزوج عليها، ويعتبر ذلك بمثابة حل وقائي.
ونؤكد أيضاً على أن هذا الشرط لا يناقض مبدأ تعدد الزوجات طالما أن الاتفاق على هذا الشرط أمر جوازي ومتروك لإرادة الزوجين. وطالما أن قانون الأسرة الجزائري يبيح مبدأ تعدد الزوجات كأصل عام، وإن كان قد قيده ببعض القيود التي تحول دون إساءة استعمال هذا الحق، وتمنع من وقوع الظلم على الزوجة السابقة أو اللاحقة.
الفرع الثالث: اشتراط الزوجة إكمال دراستها وممارسة عملها
يدخل هذا الشـرط ضمن دائرة الشروط التـي لا توافق عقد الزواج ولا تنافيـه ولكنها تحقق منفعة أو مصلحة معتبرة للزوجة، وسنتولى دراسة شرط إكمال الدراسة أو طلب العلم في البند الأول، ثم شرط عمل المرأة في البند الثاني.
البند الأول: شرط إكمال الدراسة
لقد حثت شريعة الإسلام على طلب العلم ورغبت فيه للرجال والنساء على حد السواء، فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. ثم إن المرأة تشكل نصف المجتمع فإذا حرمناها من حقها في التعليم فهذا يعني أن الزوجة الجاهلة ستنجب لنا أبناء جاهلين، في حين أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى زوجات وأمهات متعلمات عساهن ينجحن في إمداد الأمة بذرية صالحة متعلمة تسهم في بناء صرح هذه الأمة ونهضتها.
ولذلك كان من حق المرأة إكمال دراستها واشتراط ذلك في عقد الزواج، فطلب العلم لا يتعارض مع كونها زوجة، بل إننا نلحظ في واقعنا المعاش زيجات كثيرة لنساء يزاولن تعليمهن الجامعي وفي الوقت نفسه هن أرباب بيوت ناجحات.
ويعتبر اشتراط الزوجة على زوجها في العقد أن يكون لها الحق في إكمال الدراسة بمعهد أو جامعة أو ما شابه ذلك، من الشروط التي لا تتناقض مع مقتضى عقد الزواج ولا تخل بالمقصود منه، والتي سكت عنها الشارع بحيث لم يرد بشأنها أمر أو نهي ولكنها تحقق منفعة لكلا الزوجين أو أحدهما، وهو شرط صحيح عند فقهاء الحنابلة، إذ الأصل عندهم الإباحة ما لم يرد الدليل الشرعي على التحريم أو المنع، ولكن يجب التأكيد على ألا يكون استعمال الزوجة لهذا الشرط مشوب بإساءة استعمال الحق أو منافاة مصلحة الأسرة.
واعتبرت دار الإفتاء المصرية في الفتوى التي أصدرتها بتاريخ 12/11/1981 في الطلب رقم 369 لسنة 1981، بأن الزوج لا يلزم بالوفاء بالشرط الذي شرطته عليه زوجته في عقد الزواج بالسماح لها بإتمام دراستها الجامعية استنادا إلى قول جمهور الفقهاء، وإن كان يلزم الوفاء به في مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
البند الثاني: شرط عمل الزوجة
لقد نص المشرع الجزائري على هذا الشرط بموجب نص المادة 19 من قانون الأسرة، واعتبرت المادة 67 من نفس القانون على أنه لا يمكن لعمل المرأة أن يشكل سبباً من أسباب سقوط الحق عنها في ممارسة الحضانة، وهذه دلالة واضحة من المشرع في التأكيد على أحقية المرأة في العمل.
ولقد أجازت الشريعة الإسلامية عمل المرأة إذا دعتها ضرورة لذلك ، بشرط أن تختار عملاً يناسب طبيعتها كأنثى طالما كان هذا العمل مشروعاً وغير مخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية.
واستدل العلمـاء على أحقية المرأة في العمل بآيات مـن القرآن، منها قوله تعالى: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ". وقوله تعالى: " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".
إن عمل المرأة يكون في حالات كثيرة صوناً لها وحماية لها من التبذل والمهانة وطلب الناس، كما أنه لا يمكن للمجتمعات العربية أن تنمو اقتصاديا أو تنهض حضارياً إذا ما ظلت نصف القوة الإنتاجية في المجتمع – المتمثلة في المرأة – قوة معطلة أو مهمشة أو محظوراً عليها المشاركة في تنمية القطاعات الاقتصادية. إلا أن هناك أولويات أسرية تتمثل في تربية الأولاد يجب أن تكون فوق كل اعتبار، ويجب أن تأخذها المرأة على درجة كبيرة من العناية والأهمية دون أن ينفي ذلك حقها في العمل خارج البيت فهو جائز ولكن بتوافر الشروط التالية:
1- يجب ألا يتعارض عملها خارج البيت مع مسؤوليتها الكبرى تجاه بيتها.
2- أن يتناسب عملها مع طبيعتها كأنثى، كالعمل في مجال التعليم والمستشفيات.
3- ألا يتعارض عملها مع الآداب العامة والنظام العام فليس لـها أن تشتغل في أماكن الفجور واللهو . وليس للزوجة أن تطلب التطليق في هذه الحالة بدعوى منعها من ممارسة حقها في العمل لعدم شرعية الشرط المشترط أصلاً.
ولقد سلك الدستور الجزائري مسلك الشريعة الإسلامية في التأكيد على أحقية المرأة في العمل، إذ نصت المادة 55 من دستور 28 نوفمبر1996: " لكل مواطن الحق في العمل ". ونصت المادة 22 على أن: " كل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط أو أي ظرف آخر شخصي أو اجتماعي ". ونصت أيضاً المادة 32 على أن: " الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة ".
ويتبين لنا من هذه النصوص أن حق المرأة في العمل ثابت ومقرر لها بموجب نصوص القانون، ولا يتوقف ذلك عند التشريعات الداخلية، بل يتعداه إلى الاتفاقيات الدولية، حيث أكدت المادة 10 من اتفاقية القضاء على كافة أوجه التمييز ضد المرأة على احترام حق المرأة في العمل.
غير أن الزوجة قد ترغب في التأكيد على ضمان زوجها لحقها في العمل وعدم منعها من ممارسة عملها، فتلجأ إلى تضمين هذا الشرط في عقد الزواج، وقد أولى المشرع الجزائري هذا الشرط أهمية خاصة بالنص عليه في نص المادة 19.
ومتى قبل الزوج بهذا الشرط فيجب عليه الوفاء به، ولا يكون من حقه منع زوجته من العمل ما دام قد أذن لها بذلك، لأن هذا الإذن يعتبر إذناً دائماً يدوم بدوام العلاقة الزوجية بينهما، فإذا طلب منها أن تمتنع ورفضت ذلك فلا تعد ناشزاً ولا تسقط نفقتها عليه.
واستثناءاً من ذلك يجوز للزوج منع زوجته من العمل في حالتين:
1) تعسف الزوجة في استعمال حقها في الخروج للعمل كأن تظهر بمظهر المتبرجة أو بصورة تدعو إلى الفتنة، أو الإكثار من الخروج من المنزل بلا سبب حقيقي.
2) منافاة خروج المرأة للعمل مع مصلحة الأسرة وهي مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع، ويراعي في ذلك مدى تأثير عمل المرأة على صحة الزوجة وأيضاً مدى تأثير عملها على أداء واجباتها الزوجية، أو حاجة الأسرة إليها بسبب مرض أحد أقاربها، وغير ذلك من الأسباب التي تدعو القاضي إلى إبطال شرط عمل المرأة لمنافاته لمصلحة الأسرة، ودرءاً للأضرار والمفاسد الناجمة عن تقديم المصلحة الخاصة للزوجة على مصلحة الأسرة ، وهذا يعني أنه ليس للزوج أن يرجع عن موافقته التي أبداها لزوجته بالسماح لها بالعمل إلا لسبب مشروع، ودون أن يلحق ضرراً بالزوجة عملاً بقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار).
أما إذا كان الداعي وراء رجوع الزوج عن موافقته للعمل، هو أن تتفرغ زوجته لرعاية أطفاله الصغار أو مرض أحدهم، فلا شك أن الرجوع عن الموافقة في هذه الحالة يكون مبرراً. ولكن يجب أن يقيد ذلك بعدم إلحاق الضرر بالزوجة كما لو كانت الزوجة مشرفة على التقاعد، فإنه يكون في تركها للعمل ضرر كبير لها بحرمانها من حقوق التقاعد، ويكون للقاضي هنا دور كبير في الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة عن رجوع الزوج عن موافقته لزوجته بالعمل.
الفرع الرابع: اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري إذا طلقها
إن من أهم الآثار القانونية الناجمة عن فك الرابطة الزوجية التعويض في حالة الطلاق التعسفي، ويشمل هذا التعويض نفقة العدة ونفقة الإهمال ونفقة المتعة، وكذلك التعويض الذي قد يحكم به من جراء الطلاق التعسفي، وينبغي عند الحكم تحديد طبيعة المبالغ المحكوم بها لصالح المطلقة وفي أي إطار تدخل هذه التعويضات.
ويجب أن يراعى في التعويض عن تعسف الزوج في الطلاق جسامة الضرر الذي أصاب المطلقة وكذا ارتفاع الأسعار وتغييرها، وهي مسألة متروكة لتقدير قاضي الموضوع. ومن هنا، فإن مبدأ التعويض عن الطلاق التعسفي الوارد في المادة 52 يعتبر وسيلة ناجحة للحد من الطلاق، ومن شأنه تحسين المركز القانوني للمرأة في قانون الأسرة وإقرار التوازن في الحقوق والواجبات الزوجية.
إن سبب التعويض عن الطلاق التعسفي هو تعسف الزوج في استعمال حقه في الطلاق، فإذا اجتمع هذا العنصر مع الضرر الذي لحق بالزوجة المطلقة سواء كان هذا الضرر مادياً أو معنوياً، فإنه يجوز للمطلقة أن تطلب من المحكمة أن تقضي لها بتعويض مالي لجبر الضرر اللاحق بها.
وإذا كان مبدأ تعويض الزوجة عن الضر اللاحق بها ثابت في نظر قانون الأسرة الجزائري، فإن السؤال المطروح هنا: هو هل يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج دفع راتب شهري لمدة سنة أو أكثر على سبيل التعويض، إذا طلقها زوجها بغير سبب ضماناً لحقوقها ؟
لقد اختلفت آراء الفقهاء حول حكم هذا الشرط على قولين:
القول الأول: يـرى أصحاب هذا الرأي بأن الزوج لا يكون مسؤولاً عن تعويض زوجته عن الطلاق، ولا يجوز للزوجة أن تطلب التفريق تحت طائلة الضمان أو التعـويض؛ لأن ذلك يؤدي إلى حرمان الزوج من استعمال حقه في الطلاق، وهو حق متصل بنظام الأسرة ويعتبر من النظام العام.
القول الثاني: يرى أصحاب هذا الرأي بأن الزوج مسؤول عن تعويض زوجته إذا طلقها بغير سبب، وخاصة إذا وافق على هذا الشرط في عقد الزواج. وتأييداً لهذا الرأي فقد أقرت محكمة النقض المصرية في حكم لها، بأنه إذا تعهد الزوج بتعويض زوجته إذا طلقها، فإن هذا التعهد ليس فيه مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ولا قواعد النظام العام. وأقرت أيضاً بأنه ينتفي على الزوج واجب الالتزام بهذا الشرط إذا كان قد طلق زوجته بناء على سبب منها.
وفي الحقيقة، فإن اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري على سبيل التعويض إذا طلقها تعسفياً، هو شرط صحيح وموافق لمقتضى نص المادة 52 من قانون الأسرة، فالغرض من هذا الشرط هو ضمان حق المرأة في التعويض، وبهذا يترجح لدينا الأخذ بالقول الثاني.
وتزداد أهمية هذا الشرط في حالات كثيرة، كما هو الشأن بالنسبة للمرأة المطلقة التي كثيراً ما تكون قد تجاوزت السن الذي تطلب فيه للزواج، وقد تترك بدون عائل ينفق عليها، وقد لا يكون متاحاً لها المكوث في بيت أهلها، أو عند زوجة الأخ أو الأخت.
المطلب الثالث: الشروط المالية في عقد الزواج
سنتعرض في هذا المطلب إلى دراسة بعض الشروط المرتبطة بالجانب المالي في عقـد الزواج، مثل اشتراط الزوج على زوجته المسـاهمة في تحمل نفقـات الأسـرة، واتفاق الزوجين حول نظام الأموال المشتركة بينهما، وذلك في الفرعين المواليين:










قديم 2011-02-25, 15:50   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة 1

الفرع الأول: اشتراط الزوج على زوجته المساهمة في تحمل نفقات الأسرة
يجمع أغلب فقهاء الشريعة الإسلامية على عدم إجبار الزوجة على الإنفاق على زوجها، باستثناء ابن حزم الظاهري الذي أوجب على الزوجة الإنفاق على زوجها في حالة عسر الزوج ويسر الزوجة، بل وليس لها أن ترجع عليه بشيء مما أنفقته عليه إذا أيسر بعد ذلك. واستدل ابن حزم على رأيه هذا بقوله تعالى: " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفساً إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك ". فكما أن الزوجة ترث زوجها فيجب عليها الإنفاق عليه في حالة عسره.
كما تكاد تجمع أغلب تشريعات الأحوال الشخصية العربية على عدم إجبار الزوجة على المساهمة في تحمل نفقات البيت ولو كانت الزوجة غنية، أو وافق الزوج على السماح لها بممارسة عملها باستثناء القانون التونسي الذي خرج على هذا الأصل وألزم الزوجة بالمساهمة في الإنفاق إذا كانت الزوجة ذات مال أو دخل كما أشار إلى ذلك الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية. كما نصت المادة 199 من مدونة الأسرة المغربية على أنه: " إذا عجز الأب كلياً أو جزئياً عن الإنفاق على أولاده، وكانت الأم موسرة، وجبت عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب" . بينما نجد القانون الفرنسي يلزم الزوجة بأن تساهم في تحمل تكاليف المعيشة ومصاريف تربية الأبناء حتى ولو كانت معسرة.
وحسب نص المادة 74 من قانون الأسرة الجزائري، فإنه يقع على عاتق الزوج واجب الإنفاق على زوجته. كما نصت الفقرة الأولى من المادة 37 على أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة، كما رتبت المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري عقوبة جنائية على الزوج الذي يمتنع عن دفع نفقة زوجته، أو أحد أصوله أو فروعـه بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 500 إلى 5000 دج. فدلت هذه النصوص على أنه لا يمكن إلزام الزوجة على المساهمة في الإنفاق الزوجي.
غير أن البعض يطالب بضرورة إلزام الزوجة بالمساهمة في الإنفاق العائلي وخاصة في الحالات التي تمارس فيها الزوجة عملاً مأجوراً أو مهنة.
وفي الواقع، فإن هذه المطالبات مبالغ فيها، إذ أنه لا يمكن إجبار الزوجة على الإنفاق بموجب نصوص تشريعية؛ لأن ذلك يخالف أحكام الشريعة الإسلامية التي تعتمد نظام فصل الأموال ، وجعلت الإنفاق واجباً على الزوج، بل لا يجوز للزوج أن يشترط على زوجته أن تنفق عليه، لأن هذا الشرط يمس بقوامة الزوج وينافي أحد مقتضيات العقد وهو وجوب نفقة الزوجة على زوجها، فلا اعتبار لهذا الشرط ولا يجب الوفاء به، بل يبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً. ولكن إذا أرادت الزوجة أن تساهم بمحض إرادتها في الإنفاق الزوجي خصوصاً إذا كانت عاملة، فيكون لها ذلك.
وفي الواقع، فإن الاستقلال النظري للذمم المالية للزوجين يبقى نظرياً إلى حـدٍ كبير؛ لأن الفرق شاسع بين النصوص القانونية والحياة الواقعية، فهذا الانفصال الظاهر لأموال الزوجين تحده بعض الأعراف المحلية التي تقضي بضرورة التعاون بين الزوجين على تحمل تكاليف وأعباء الأسرة.
إن الظروف الاقتصادية الحرجة التي تعيشها كثير من الأسر، قد تدفع بالزوجة العاملة إلى مساعدة زوجها بالتخفيف عنه من حجم الإنفاق الملقى على عاتقه، ولا ضير في ذلك.
وإذا رفضت الزوجة المساهمة في تحمل نفقات الأسرة وتركت شريك حياتها يعاني فإن هذا يجافي المودة والأنس الذي يفترض وجوده في الحياة الزوجية، وقد يؤدي ذلك إلى وقوع عواقب وخيمة تصل إلى حد فك الرابطة الزوجية.
الفرع الثاني: اتفاق الزوجين حول نظام الأموال المكتسبة بينهما
تظل الزوجة في الشريعة الإسلامية سيدة أموالها والمالكة الوحيدة لكل ما كانت تملكه قبل الزواج، ولكل ما يؤول إليها بعده من مال منقول أو عقار. وليس لزوجها التدخل في إدارة أموالها المالية، بل لها مطلق الحرية في كل ما يتعلق بأموالها. وليست مجبرة على المساهمة في تحمل أعباء المعيشة ولا تحمل مصاريف تربية الأبناء، إذ يبقى الزوج هو المسؤول الوحيد عن ذلك، تطبيقاً لمبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين.
وعلى العكس من ذلك نجد التشريعات اللاتينية تقرن الزواج بعقد مالي ينظم كل أمور الزوجين المالية. وتكون الزوجة مسؤولة عن المساهمة في تحمل أعباء المعيشة وتربية الأبناء وتحمل ديون الزوج ، ومن أهم نظم المشارطات المالية السائدة في القانون الفرنسي نجد ما يلي:
1- نظام الاشتراك القانوني: ويسري هذا النظام إذا لم يختر الزوجان نظاماً آخر في مشارطة الزواج، ويتم تقسيم الأموال في هذا النظام إلى ثلاثة أقسام أولها الأموال المشتركة وهي ملك لكل من الزوجين، ثم الأموال الخاصة بالزوج. وأخيراً الأموال الخاصة بالزوجة.
وبحسب أحكام القانون المدني الفرنسي تخضع أموال الزوجين لنظام الاشتراك الذي نظمت قواعده المادة 1399 ، ولكن أجاز القانون الفرنسي للزوجين أن يتفقا على خلاف ذلك والخروج على قواعد نظام اشتراك الأموال كلها أو بعضها، ويبديان رغبتهما هذه في مشارطة مالية يعقدانها أمام الموثق قبل إبرام الزواج يبينان فيها النظام المالي الذي اختاراه.
2- نظام عدم الاشتراك: وفي هذا النظام لا تكون هناك أمـوال مشتركة بين الزوجين وإنما يكون للزوج إدارة أمـوال زوجته، وتحصيل ريعها والإنفاق العائلي من هذه الأموال.
3- نظام انفصال الأموال: وبحسب هذا النظام يحتفظ كل من الزوجين بأمواله الخاصة على أن يساهم كل منهما في تحمل مصاريف الأسرة. وتتمتع الزوجة في ظل هذا النظام بسلطات مستقلة عن الزوج في إبرام التصرفات البنكية وأعمال البورصة.
وإذا كان من مقتضى نظام اشتراك الأموال في القانون الفرنسي أن يلتزم كل من الزوجين بالمساهمة في تحمل تكاليف معيشة الأسرة بنسبة إمكانيات كل منهما، فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للتشريع الجزائري حيث يتحمل الزوج أعباء الأسرة. وهذا لأن القانون الجزائري يعتمد نظام فصل الأموال ولا يؤثر الزواج على أموال الزوجين، بل يحتفظ كل من الزوجين بحرية التصرف في أمواله الخاصة. وقد سوى القانون الجزائري في التصرفات المالية بين المرأة والرجل سواء كانت بعوض أو بدون عوض مستمداً هذه الأحكام من الشريعة الإسلامية التي منحت للمرأة الأهلية الكاملة فيما يخص الملكية والتصرف.
واستثناءاً من ذلك قيد فقهاء المالكية حرية الزوجة في التصرف في أموالها، وذلك في الهبة إذا تجاوزت ثلث أموال المرأة، فيمكن للزوج أن يتدخل ويمنع تلك الهبة. كما لا يجوز للمرأة المتزوجة إقراض مالها لأجنبي فيما زاد عن الثلث بغير إذن زوجها.
غير أنه يجب ألا يفهم من إذن الزوج في مذهب الإمام مالك بأنه قيد من قيود الأهلية؛ لأن الهدف من فرض هذا الإذن هو حماية الزوجة من الوقوع في الغبن، ومن جهة أخرى فإن هبة المرأة لجميع أموالها سيؤدي إلى ضياع حق الزوج فيما يخص أخذ نصيبه من الإرث من زوجته.
ولقد اختلف الفقه القانوني العربي حول ما إذا كان هناك نظام مالي للزوجين في الشريعة الإسلامية؟
وللإجابة على هذا السؤال يقتضي منا الأمر دراسة تعريف الفقهاء الفرنسيين للنظام المالي للزوجين حيث يعرف بأنه: " مجموعة القواعد القانونية أو الاتفاقية بين الزوجين والتي من مقتضاها بيان حقوق وواجبات كل منهما من حيث ملكية أموالهما وإيرادات هذه الأموال وإدارتها والانتفاع بها، ومن حيث الديون التي تتم قبل الزواج وأثناءه وبعد انحلال عقدته، وتسوية حقوق كل من الزوجين بعد انتهاء الزوجية.
وإذا أخذنا بالتحليل الحرفي لتعريف النظام المالي للزوجين في القانون الفرنسي، فلا نجد له تطبيقاً في الشريعة الإسلامية وبالتالي لا يوجد نظام مالي للزوجين في الشريعة الإسلامية.
ولكن في حقيقة الأمر فإن اصطلاح " النظام " يقصد به مجموعة القواعد القانونية المتعلقة بشيء معين. وانطلاقاً من هذا فإن القواعد الخاصة بأموال الزوجين في الشريعة الإسلامية يمكن أن نطلق عليها اصطلاح النظام المالي ولكن ليس بذات المفهوم المعمول به في التشريعات الغربية، وإنما هو نظام مالي له مميزاته وخصائصه التي تجعله ينفرد بها عن غيره من النظم القانونية.
والدليل على ذلك أن الزواج في الشريعة الإسلامية يرتب علاقات ذات طبيعة مالية بين الزوجين وأهمها المهر والنفقة.
وبالنسبة للتشريع الجزائري، فقد تم حسم هذه المسألة تشريعياً، وهو يتجه تدريجياً نحو الأخذ بذات المفهوم للنظام المالي للزوجين في القانون الفرنسي وخاصة نظام اشتراك الأموال، وهذا ما يبدو جلياً من نص المادة 37 من قانون الأسرة: " لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر.
غير أنه يجوز للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج أو عقد رسمي لاحق، حول الأموال المشتركة بينهما، التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية وتحديد النسب التي تؤول إلى كل واحد منهما ". وهو النص المقابل لنص المادة 49 من مدونة الأسرة المغربيـة: " لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها.
يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر.
إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة ".
لقد أبقى المشرع الجزائري على القاعدة الأصل وهي استقلال الذمة، وأباح للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج أو في عقدٍ رسمي لاحق لدى الموثق على ما يملكه كل واحد منهما من الأموال المكتسبة بعد الزواج على سبيل الاشتراك، وتحديد النسب التي تؤول إلى كل واحد منهما، وهذا يعني أنه في حالة عدم وجود اتفاق، فالعبرة تكون باستقلال الذمة المالية. بيد أنه لازال في حاجة إلى نظام تشريعي خاص يبين الأحكام القانونية التي يخضع لها النظام المالي كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي.
والجدير بالذكر أنه رغم إقرار الشريعة الإسلامية لمبدأ انفصال الذمة المالية للزوجين، إلا أن الحياة الزوجية المشتركة تفرض على الزوجين وضع كل مواردهما المادية من أجل رعاية مصلحة الأسرة؛ وهذا يعني وجود إتحاد فعلي أو واقعي لذمم الزوجين على الرغم من الانفصال النظري، فمن الصعب التعبير عن الحياة الزوجية المشتركة القائمـة على المودة والتعاون دون مساهمة كل مـن الزوجين بموارده المالية، وإن كان الأصل أن النظام السائد في الإسلام يقوم على أن للزوجة الحرية في التصرف في مالها الخاص. بينما تبقى أموال الزوج ذات طبيعة مشتركة، بحيث يجب عليه الإنفاق على الأسرة لوحده دون أن تلزم الزوجة بذلك.
وتبرز أهمية هذه الاتفاقات المالية بين الزوجين في كونها تشكل ضمانة كبيرة لحماية حقوق الزوجين، فقد تساهم الزوجة بقيمة ما تملكه من ذهب في بناء منزل جديد يؤويهما، أو سيارة جديدة لهما. ثم يحدث وأن تنفك الرابطة الزوجية فمن المحتمل أن يستولي الزوج على نصيبها من المال الذي دفعته لبناء المنزل أو شراء سيارة، إذا لم تكن الزوجة تملك بينة أو وسيلة إثبات.
وتزداد أهمية هذه الاتفاقات المالية بين الزوجين بالنظر إلى الإشكالات التي يمكن أن تثار بشأن ملكية الأموال بين الرجل والمرأة، سواء كانت هذه الأموال منقولات أو عقارات، وأهم هذه الأموال مسكن الزوجية إذا كان مشتركاً؛ وقد يؤدي ذلك إلى وقوع نزاعات خطيرة فهناك أموال لا يعرف مصدرها. كما أن تسجيل الزوج للممتلكات التي يكتسبها الزوجين أثناء الحياة الزوجية باسمه وحده واستبعاد الزوجة من ذلك، لا يكون مرضياً لها. وربما وقعت في نزاع مع زوجها ووصل الأمر إلى حد الطلاق.
ولقد نص المشرع الجزائري على قاعدة هامة لحل النزاع في متاع البيت أشارت إليها المادة 73 من قانون الأسرة، ومفادها أنه في حالة انعدام الدليل أو البينة لأحد الزوجين على متاع البيت، فالعبرة تكون بقول الزوجة أو ورثتها مع اليمين في المعتاد للنساء. ويكون القول للزوج أو ورثته مع اليمين في المعتاد للرجال، أما المشتركات بينهما فيقتسمانها مع اليمين.
ووفقاً للأحكام المنصوص عليها في المادتين 172 و 173 من قانون الإجراءات المدنية وفي حالة رفع دعوى طلاق واحتمال قيام نزاع حول متاع البيت، فإنه يمكن لأحد الزوجين أن يطلب من رئيس المحكمة استصدار أمر بإثبات الحالة ومعاينة ما بمنزل الزوجية من متاع وأثاث. وإذا لم يكن إثبات الحالة المطلوب مجدياً إلا إذا قام به أهل الخبرة، فللقاضي أن يعين خبيراً للإجراء المطلوب.
وعلى الرغم من وجود هذه القواعد كلها، فإنه يكون من شأن وجود اتفاقات مسبقة بين الزوجين حول نظام الأموال المكتسبة بينهما- كالاتفاق على جعل ملكية آثار الزوجية مشتركة بينهما- أن يحول دون وقوع نزاعات حول هذه الأموال في المستقبل.
خـاتمـة

من خلال مسار البحث أمكنني التوصل إلى النتائج التالية:
1- إن إنشاء الشروط في عقد الزواج يكون بإرادة العاقدين واختيارهما، أما ترتيب أحكام هذه العقود والشروط فإنه من عمل الشـارع سواء في نظر الشريعة أو القـانون رفعاً للغبن ودفعاً لعدم تعادل الالتزامات، ولا يشكل ذلك نقضاً لأصل الرضا والاختيـار؛ لأن المتعاقدان أقدمـا بمحض إرادتهما على الالتـزام بمقتضيات العقـود، واستثناءا من هذا الأصل أجاز الشارع للزوجين اشتراط شروط في العقد من شأنها تغيير آثاره بالزيادة فيه أو النقصان منه، بالقدر المحدود الذي منحه الشارع للزوجين.
2- لقد اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية حول مدى سلطان الإرادة العقدية في إنشاء الشروط في عقد الزواج، حيث نجد أن دائرة التقييد والإباحة تتسع ضيقاً وسعة في الفقه الإسلامي وبشكل تدريجي من مذهب لآخر، وأكثر هذه المذاهب تضييقاً لحرية الإرادة في اشتراط الشروط في عقد الزواج هو المذهب الظاهري، ثم يليه الشافعية، ثم الحنفية فالمالكية، إلى أن تتسع دائرة الإباحة عند جمهور الحنابلة الذين يرون بأن الأصل في الاشتراط الإباحة ما لم يرد الدليل الشرعي على المنع والتحريم، وبهذا توصل الفقه الحنبلي إلى مبدأ هام تقوم عليه العقود في القوانين الحديثة وهو مبدأ سلطان الإرادة حيث قرر ابن تيمية هذا المبدأ الهام في نظرية العقد منذ قرون خلت بقاعدته الشهيرة: " الأصل في العقود رضا المتعاقدين، ونتيجتها ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقـد ".
3- لقد أخذ قانون الأسرة الجزائري بمذهب الحنابلة في الشروط، وأعطى الزوجين الحرية التامة في إنشاء الشروط الاتفاقية في عقد الزواج، ما لم تتنافى هذه الشروط مع أحكام قانون الأسرة، وفي هذا الإطلاق لإرادة الزوجين ما يسمح لهما بتحقيق أغراضهما ومصالحهما المتجددة على مر العصور والأزمان، ويرفع عنهما الحرج والضيق، متأثراً في ذلك بالفقهاء الحنابلة الذين بحثوا موضوع الاشتراط في عقد الزواج باهتمام كبير، وبنوا تأصيلهم الشرعي لهذا الموضوع على أسس موضوعية تحقق رغبات ومصالح الزوجين بما لا يتعارض مع المصلحة العامة للمجتمع، وكان الأصل الثابت لديهم أن الاشتراط لا يجوز بما لا يتفق مـع أحكام الشارع ومقاصده وبهذا يكون المذهب الحنبلي قد أرسى لهذا الموضوع أسساً رصينة تواكب تطورات العصر، ويمكن الاستفادة منها لدعم وتحقيق أغراض الزوجين المختلفة من وضع الشروط سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، وتحقيق الاستقرار والتماسك داخل الأسرة.
4- إن الشروط في عقد الزواج هي أحق بالوفاء من غيرها لتعلقها برباط مقدس، ما كان للزوجة أن ترتبط به لولا قبول الزوج بهذا الشرط، ولهذا يجب الوفاء بهذه الشروط وإلا اعتبر عدم الوفاء تغريراً وتدليسًا، ولا فرق بين أن تقوم الزوجة باشتراط هذه الشروط، أو يقوم الزوج بذلك.
5- إن الخلاف الحقيقي القائم بين الفقهاء حول حكم الشروط المقترنة بعقد الزواج يكمن في ثبوت خيار فسخ عقد الزواج للمشترط إذا أخل المتعاقد الآخر بالشرط أو عدم ثبوت ذلك، ولقد منح الحنابلة هذا الحق للزوجة في حالة عدم وفاء الزوج بالشرط ومع ذلك فيجب ألا يتساهل القاضي في ترتيب فسخ عقد الزواج، ولا يلجأ إليه إلا إذا كانت هناك أسباب جدية وعلى درجة كبيرة من الأهمية، لم يكن للزوجة أن ترضى بإبرام عقد الزواج إذا لم يوفي بها الزوج، فالزواج رباط مقدس وميثاق غليظ ولا يكون من الحكمة التساهل في فسخه بشروط متفاوتة وغير منضبطة، وإنما الحكمة تكون في الإبقاء على العقد قائماً وصحيحاً كلما كان ذلك ممكناً.
6- إن التوسع في الاشتراط لا يعني فتح الباب على مصراعيه والسماح للزوجين باشتراط ما يحلو لهما من شروط دون فرض قيود أو ضوابط معينة، فهم مقيدون في حريتهم العقدية بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم منافاة أحكام قانون الأسرة. كما يجب أن تتوافق الشروط المقترنة بعقد الزواج مع مقاصد الشريعة الإسلامية من الأسرة وعدم مناقضاتها، وأهم هذه المقاصد الحفاظ على النسل. ومراعاة صفة التأبيد والديمومة في الزواج.
7- تنقسم الشروط المقترنة بعقد الزواج إلى ثلاثة أقسام أساسية بالنظر إلى توافقها أو عدم توافقها مع مقتضى عقد الزواج:
أ- شروط توافق مقتضى عقد الزواج وهي صحيحة بإجماع الفقهاء، ويجب الوفاء بها حتى ولو لم يرد ذكرها في العقد، لأنها ثابتة بمقتضى العقد.
ب- شروط تخالف مقتضى عقد الزواج، كشرط تأقيت الزواج أو شرط عـدم الإنجاب، و شرط الخيار في العقد، وحكم هذه الشروط هو البطلان.
ج- شروط لا يقتضيها عقد الزواج ولا تنافيه، ولكنها تحقق منفعة مقصودة لأحد الزوجين، كاشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها أو السماح لها بمزاولة عملها فهذه شروط صحيحة يجب الوفاء بها. ويثبت للزوجة خيار فسخ العقد لإخلال الزوج بالشرط المتفق عليه في عقد الزواج، استنادا إلى رأي الحنابلة.
8- لا تعارض بين اشتراط الزوجة على زوجها بألا يتزوج عليها ومبدأ تعدد الزوجات، لأن هذا الشرط لا يلغي أو لا ينفي مبدأ التعدد من أصله، فهو قائم وثابت وإنما يجوز للزوج أن يتنازل عن حقه في التعدد مثلما يتنازل عن حقه في الطلاق بتفويض زوجته فك الرابطة الزوجية.
9- يمكن تفادي وقوع بعض الخلافات الشخصية والنزاعات المالية بين الزوجين حول الأموال المشتركة بينهما، إذا وقع الاتفاق بين الزوجين حول النظام الذي يحكم الأموال المكتسبة بينهما، أو تحديد النسب التي تؤول إلى كل واحد منهما، ويكون من شأن هذه المشارطات المالية أيضا حماية أموال الزوجة خصوصاً إذا كانت عاملة وتساهم في الإنفاق الزوجي، ويمكنها ذلك أيضاً من إثبات حقها في الملكية المشتركة للأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية سواء كانت منقولات أو عقارات.

كما لا يفوتني في هذا المقام توجيه بعض التوصيات:
1- يجب تعديل نص كل من المادتين 32 و35 من قانون الأسرة الجزائري وإزالة التناقض والغموض القائم بينهما، ويكون ذلك بالتمييز بين الشروط التي تبطل العقد من أصله كشرط عدم الإنجاب، فيجب أن تخضع هذه الشروط لأحكام نص المادة 32. أما الشروط التي تؤثر في العقد ولا تبطله، وإنما يبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً كشرط ألا مهر أو ألا نفقة، فيجب أن تخضع لأحكام نص المادة 35.
2- يجب تحديد سلطة كل من الموثق وضابط الحالة المدنية في مراقبة صحة الشروط المقترنة بعقد الزواج بموجب نصوص تنظيمية خاصة تحدد معايير التمييز بين الشروط المشروعة والشروط غير المشروعة.
3- يجب إنشاء محاكم خاصة بالأسرة أو تخصيص قضاء شرعي، تسهيلاً لعمل القضاة في مراقبة صحة الشروط المقترنة بعقد الزواج، وتقدير مدى شرعية الشروط نظراً لتشعب الخلاف الفقهي في هذا الموضوع.
المراجع

أولاً: المراجع باللغة العربية:
أ- القرآن الكريم وتفاسيره:
1- القرآن الكريم
2- محمد جمال الدين القاسمي، محاسن التأويل، المجلد الرابع، دار الكتب العلمية بيروت، 1997.
3- عبد الله محمود، حاشية القونوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001.
4- محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، الجزء الأول، شركة الشهاب، الجزائر بدون سنة.
5- ابن كثير، تفسير ابن كثير، المجلد الثالث، دار الفكر، بيروت، 1981.
6- الزمخشري، تفسير الكشاف، الجزء الأول، دار المصحف، القاهرة، 1977.
ب- الحديث الشريف وعلومه
7- الباجي، المنتقى، المجلد السادس، دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، بيروت 1984.
8- البخاري، صحيح البخاري، الجزء السادس، دار الفكر، بيروت، 1981.
9- النووي، صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1929.
10- أبو محمد عبد الله، سنن الدارمي، دار إحياء السنة النبوية، بدون سنة.
11- الشوكاني، نيل الأوطار، الجزء الخامس، دار الجيل، بيروت، بدون سنة.
12- ابن حجر الهيثمي، أحاديث النكاح، دار الهدى، الجزائر، 2000.
13- ابن ماجه، سنن ابن ماجه، الجزء الأول، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، بدون سنة.
14- شمس الحق العظيم آبادي، عون المعبود( شرح سنن أبي داود)، الجزء السادس دار الكتب العلمية، بيروت، 1998.
15- مالك، موطأ الإمام مالك، دار الكتب، الجزائر، بدون سنة.
ج- قواميس ومعاجم:
16- بطرس البستاني، محيط المحيط، مكتبة لبنان ناشرون، 1979.
17- روحي البعلبكي، المورد الثلاثي، دار العلم للملايين، 2004.
18- محمد عبد الله قاسم، المعتمد، دار صادر، بيروت، 2000.
د- المؤلفات العامة:
19- ابن تيمية، مجموع فتاوى ابن تيمية، المجلد الثاني والثلاثون،(النكاح)، مكتبة المعارف، المغرب، بدون سنة.
20- ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، المجلد الثاني، دار الحديث، مصر،1984.
21- ابن جزي، القوانين الفقهية، دار العلم، بيروت، بدون سنة.
22- ابن رشد، المقدمات الممهدات، الجزء الأول، دار الغرب الإسلامي،لبنان، 1988.
23- أبي الفرج عبد الرحمان، القواعد في الفقه الإسلامي، دار المعرفة، لبنان، بدون سنة.
24- ابن القيم الجوزي، زاد المعاد في هدي خير العباد، المجلد الأول، دار الكتاب العربي، لبنان، بدون سنة.
25- ابن القيم، أعلام الموقعين، الجزء الثالث، دار الحديث، 1987.
26- إبراهيم عبد الرحمان إبراهيم، الوسيط في قانون الأحوال الشخصية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 1999.
27- أبو الأعلى المودودي، حركة تحديد النسل، دار الشهاب، الجزائر، 1988.
28- أبو بكر جابر الجزائري، منهاج المسلم، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1988.
29- الشوكاني، فتح القدير، الجزء الثاني، دار الأرقم، بيروت، بدون سنة.
30- إدريس الشافعي، الأم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، بدون سنة.
31- السيد سابق، فقه السنة، المجلد الثاني، دار الكتاب العربي، الطبعة الخامسة بيروت، 1983.
32- إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الأحكام، دار الفكر، 1341هـ.
33- أحمد خليفة العقلي، الزواج والطلاق في الشريعة الإسلامية، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ليبيا، 1990.
34- أحمد فراج حسين، أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية، دار المطبوعات الجديدة، الإسكندرية، 2004.
35- أحمد حماني، فتاوى الشيخ أحمد حماني، الجزء الأول، منشورات قصر الكتاب بدون سنة.
36- إلياس ناصيف، موسوعة العقود المدنية والتجارية، الجزء الأول، لا توجد دار النشر، الطبعة الثانية، 1997.
37- الشافعي عبد الرحمان، سلطة القاضي في التفريق بين الزوجين، مطبعة نفرتيتي القاهرة، 1984.
38- الغوتي بن ملحة، قانون الأسرة على ضوء الفقه والقضاء، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005.
39- أحمد إبراهيم بك، الالتزامات في الشرع الإسلامي، دار الأنصار، بدون سنة.
40- أحمد شوقي، النظرية العامة للالتزامات، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004.
41- أنور العمروسي، موسوعة الأحكام الشرعية في الزواج والطلاق والخلع، الجزء الثالث، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2003.
42- أحمد محمد جمال، يسألونك، دار الكتاب العربي، 1983.
43- بدران أبو العينين بدران، الفقه المقارن للأحوال الشخصية، الجزء الأول(الزواج والطلاق)، دار النهضة العربية، بيروت، بدون سنة.
44- بدران أبو العينين بدران، تاريخ الفقه الإسلامي، دار النهضة العربية، بيروت بدون سنة.
45- بلحاج العربي، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، الجزء الأول(الزواج والطلاق)، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الرابعة، 2005.
46- بلحاج العربي، أبحاث ومذكرات في الفقه الإسلامي، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1996.
47- بن داود عبد القادر، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد، دار الهلال للخدمات الإعلامية، 2004.
48- بشير البيلاني، قوانين الأحوال الشخصية في لبنان، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة، 1997.
49- جاك غستان، ترجمة منصور القاضي، تكوين العقد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 2000.
50- هشام صادق علي، تنازع القوانين، منشأة المعارف، الطبعة الثالثة، 1974.
51- هشام صادق علي، حفيظة السيد الحداد، دروس في القانون الدولي الخاص، دار المطبوعات الجامعية، 2000.
52- وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي، الجزء الأول، دار الفكر،الجزائر، 1986.
53- وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، الجزء الرابع، دار الفكر، 1992.
54- حسن حسانين، أحكام الأسرة المسلمة فقهاً وقضاءاً، دار الآفاق العربية، 2001.
55- يسري السيد محمد، جامع الفقه، الجزء الخامس، دار الوفاء، دار ابن حزم 2000.
56- ياسين محمد الجبوري، المبسوط في شرح القانون المدني، المجلد الأول،(نظرية العقد)، دار وائل للطباعة والنشر، الأردن، 2002.
57- كامل محمد عويضة، الجامع في فقه النساء، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996.
58- لوعيل محمد لمين، المركز القانوني للمرأة في قانون الأسرة الجزائري، دار هومه، 2004.
59- محمد وحيد الدين سوار، التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 1998.
60- محمد وحيد الدين سوار، الشكل في الفقه الإسلامي، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 1998.
61- منصور البهوتي، الروض المربع، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 2002.
62- موفق الدين بن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، دارابن حزم، 2003.
63- موفق الدين بن قدامة، شمس الدين بن قدامة، المغني ويليه الشرح الكبير، الجزء السابع، دار الكتاب العربي، لبنان، 1983.
64- مبارك بن علي، تسهيل المسالك، المجلد الرابع، دار ابن حزم، 2001.
65- مالك بن أنس، المدونة الكبرى، المجلد الثاني، دار الفكر، بدون سنة.
66- محمد بن شريفة، مذاهب الحكام في نوازل الأحكام، دار الغرب الإسلامي 1990.
67- محمد بن إبراهيم النيسابوري، الإشراف على مذاهب العلماء، المجلد الرابع، دار طيبة، بدون سنة.
68 - محمد حجي، المعيار المعرب، الجزء الثالث، نوازل النكاح، دار الغرب الإسلامي، المغرب، 1981.
69- محمد عرفة الدسوقي المالكي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، المجلد الثاني دار إحياء الكتب العربية، بدون سنة.
70- محمد أبو زهرة، أصول الفقه، دار الفكر العربي، بدون سنة.
71- محمد أبو زهرة، تنظيم الأسرة وتنظيم النسل، دار الفكرالعربي، القاهرة، 1988.
72- محمد أبو زهرة، الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، دار الفكرالعربي 1996.
73- محمد أبو زهرة، الأحوال الشخصية، دار الفكر العربي، بدون سنة.
74- محمد فتحي الدريني، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، الجزء الثاني مؤسسة الرسالة، 1994.
75- محمد سعيد البوطي، محاضرات في الفقه المقارن، دار الفكر، الطبعة الثانية،1981 .
76- محمد أحمد سراج، الفقه الإسلامي بين النظرية والتطبيق، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية، 1997.
77- محمد أحمد سراج، نظرية العقد، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1988.
78- محمد أحمد سراج، محمد كمال الدين إمام، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1999.
79- محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، دار النفائس، الطبعة الثانية، الأردن، 2001.
80- محمد شتا أبو سعد، أحكام العقود المعلقة على الشرط، دار الجامعة الجديدة للنشر، القاهرة، 2000.
81- محمد عزمي البكري، الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، دار الكتاب العربي، بيروت، 1984.
82- محمد عبد الحميد، الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، دار الكتاب العربي بيروت، 1984.
83- محمد تقية، الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام، الديوان الوطني للأشغال التربوية الجزائر، 1992.
84- محمد تقية، مصادر التشريع الإسلامي، الديوان الوطني للأشغال التربوية الجزائر، 1994.
85- محمد كمال الدين إمام، الزواج في الفقه الإسلامي، منشأة المعارف، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 1998.
86- محمد كمال الدين إمام، جابر عبد الهادي، مسائل الأحوال الشخصية، منشورات الحلبي الحقوقية، 2003.
87- محمد عبد الهادي، وعاشروهن بالمعروف، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة 1985.
88- محمد بلتاجي، دراسات في الأحوال الشخصية، مكتبة الشباب، 1980.
89- محمد مصطفى شلبي، أحكام الأسرة في الإسلام، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، بيروت، 1977.
90- محمد رأفت عثمان، الحقوق الزوجية المشتركة في الفقه الإسلامي، دار الكتاب الجامعي، القاهرة، 1980.
91- محمود السرطاوي، شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني، دار الفكر للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1996.
92- محمود حسن، الأسرة ومشكلاتها، دار النهضة العربية، بيروت، بدون سنة.
93- محمود محمد حمودة، محمد مطلق عساف، فقه الأحوال الشخصية، مؤسسة الوراق، الأردن، 2000.
94- محمود عبد الرحيم الديب، بدأ سريان الالتزام المشروط، دار الجامعة الجديدة للنشر، مصر، 1999.
95- محي الدين إسماعيل، نظرية العقد، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، 1994.
96- مولاي ملياني بغدادي، حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية، قصر الكتاب 1997.
97- مصطفى الزرقاء، المدخل الفقهي العام، مطابع ألف باء، الطبعة التاسعة، سوريا 1967.
98- مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، دار السلام، دار الوراق، الطبعة الثانية، 2003.
99- مصطفى السباعي، شرح قانون الأحوال الشخصية، المجلد الأول، (الزواج وانحلاله)، المكتب الإسلامي، الطبعة السابعة، 1997.
100- مصطفى العوجي، القانون المدني، الجزء الثالث، (المسؤولية المدنية) منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثانية، 2004.
101- مصطفى عبد الغني، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية، منشورات جامعة سبها، ليبيا، 2001.
102- مصطفى محمد الجمال، القانون المدني في ثوبه الإسلامي، الفتح للطباعة والنشر، الإسكندرية، بدون سنة.
103- محمد الصالح الصديق، نظام الأسرة في الإسلام، دار هومه، 1999.
104- محمد إبراهيم سليم، حقوق الزوجة في الفقه الإسلامي، دار الطباعة المحمدية 1983.
105- محمد حسنين العدوي، المقارنات التشريعية، المجلد الثاني، دار السلام،1999.
106- محمود زكي شمس، مختارات من أحكام الأحوال الشخصية في التشريعات اللبنانية والسورية، المجلد الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1999.
107- محمد صبري السعدي، النظرية العامة للالتزامات، القسم الأول،(مصادر الالتزام)دار الكتاب الحديث، 2003.
108- نصر الدين مروك، قانون الأسرة بين النظرية والتطبيق، دار الهلال للخدمات الإعلامية، 2004.
109- صاحب عبيد الفتلاوي، تحول العقد، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 1997.
110- علي حسب الله، التفريق بين الزوجين، دار الفكر العربي، بدون سنة.
111- علي علي سليمان، دراسات في المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، الجزائر، 1989.
112- علي علي سليمان، نظرات قانونية مختلفة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994.
113- علي علي سليمان، مذكرات في القانون الدولي الخاص، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1984.
114- عبد الفتاح تقية، محاضرات في قانون الأحوال الشخصية، منشورات ثالة الجزائر، 2000.
115- عمر سليمان الأشقر، أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، دار النفائس الطبعة الثانية، الأردن، 1997.
116- عمر فروخ، الأسرة في الشرع الإسلامي، المكتبة العصرية، بيروت، 1988.
117- عبد الرحمان الصابوني، قانون الأحوال الشخصية، المطبعة الجديدة، الطبعة الخامسة، دمشق، 1997.
118- عثمان التكروري، شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2004.
119- علي فيلالي، الالتزامات، موفم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2001.
120- عرفان حسونة، نكاح المسيار، المكتبة العصرية، 2002.
121- عبد رب النبي الجارحي، الزواج العرفي، دار الروضة للنشر والتوزيع، بدون سنة.
122- عدنان خالد التركماني، ضوابط العقد في الفقه الإسلامي، دار الشروق، الطبعة الأولى، 1991.
123- عبد الجليل أحمد علي، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية، مكتبة الإشعاع الإسكندرية، 2001.
124- عبد القادر الفار، مصادر الالتزام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2004.
125- عمر عبد الله، محمد حامد قمحاوي، أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، بدون سنة.
126- عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، الجزء الثالث منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثانية، لبنان، 1998.
127- عبد المنعم فرج الصده، نظرية العقد في قوانين البلاد العربية، دار النهضة العربية، بيروت، 1974.
128- عبد العزيز سعد، الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري، دار هومه للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، الجزائر، 1996.
129- علي محيي الدين، مبدأ الرضا في العقود، الجزء الثاني، دار البشائر الإسلامية الطبعة الثانية، 2002.
130- علاء الدين بن عبد العزيز، كشف الأسرار، الجزء الرابع، دار الكتاب العربي الطبعة الثالثة، 1997.
131- عبد الرحمان الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، الجزء الأول، المكتبة العصرية، بيروت، 2002.
132- عبد الرحمان السعدي، الفتاوى السعدية، عالم الكتب، 1995.
133- عبد الكريم زيدان، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، الطبعة السادسة، بدون سنة.
134- فضيل سعد، شرح قانون الأسرة الجزائري،(الزواج والطلاق)، الجزء الأول المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986.
135- سعيد اللحام، الحلال والحرام في الإسلام، دار ومكتبة الهلال، بيروت، الطبعة الثانية، 1999.
136- سيد الجميلي، أحكام المرأة في القرآن، دار الكتاب العربي، لبنان، 1984.
137- سالم بن عبد الغني، أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب، دار ابن حزم، 2002.
138- سليمان بوذياب، مبادئ القانون المدني، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، 2003.
139- رمضان علي السيد الشرنباصي، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، بدون سنة.
140- رعد مقداد محمود، النظام المالي للزوجين، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2003.
141- شمس الدين، قانون الأسرة والمقترحات البديلة، دار الأمة، الجزائر، 2003.
142- تغاريد بيضون، المرأة والحياة الاجتماعية في الإسلام، دار النهضة العربية بيروت، 1985.
143- توفيق حسن فرج، النظرية العامة للالتزام، الدار الجامعية، 1988.




ﻫ- المؤلفات الخاصة:
144- زكي الدين شعبان، نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة والقانون، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968.
145- كوثر كامل علي، شروط عقد الزواج في الشريعة الإسلامية، دار بوسلامة للطباعة والنشر والتوزيع، تونس، 1983.
146- محمد علوشيش الورتلاني، الشروط المقترنة بالعقد في الفقه الإسلامي وأثر الاختلافات الأصولية فيها، شركة دار الأمة، 1997.
147- نشوة العلواني، عقد الزواج والشروط الاتفاقية في ثوب عصري جديد، دار ابن حزم، 2003.
148- صالح غانم السدلان، الاشتراط في النكاح، دار معاذ للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، الرياض، 1998.
149- علي محمد قاسم، التفريق بين الزوجين لعدم الوفاء بالشرط، دار الجامعة الجديدة للنشر، مصر، 2005.
150- رشدي شحاتة، الاشتراط في وثيقة الزواج في الفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية، دار الفكر العربي، مصر، 2001.
و- الرسائل العلمية:
151- العربي مجيدي، نظرية التعسف في استعمال الحق وأثرها في أحكام فقه الأسرة، مذكرة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية أصول الدين، السنة الجامعية 2001/2002.
152- المصري مبروك، دراسة تحليلية لباب انحلال الزواج من قانون الأسرة الجزائري في ضوء الشريعة الإسلامية، مذكرة ماجستير، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، 1990.
153- بن حمو مصطفى، الأنكحة الفاسدة في المذهب الإباضي مقارنة بالمذهب المالكي وقانون الأسرة الجزائري، مذكرة ماجستير، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، السنة الجامعية 1999/2000.
154- محمد حسين، التنظير المقاصدي عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور، رسالة دكتوراة، جامعة الجزائر، كلية العلوم الإسلامية، السنة الجامعية 2002/2003.
155- عبد المجيد طيبي، الشرط الجزائي وبعض تطبيقاته المعاصرة بين الفقه الإسلامي والقانون الجزائري، مذكرة ماجستير، كلية العلوم الاجتماعية والإسلامية قسم الشريعة، جامعة العقيد لخضر، باتنة، السنة الجامعية، 2003/2004.
156- سعيد فكرة، الشرط عند الأصوليين، رسالة دكتوراة، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، معهد الشريعة، قسنطينة، السنة الجامعية 1996/1997.
157- لمطاعي نور الدين، الشرط المقترن بالعقد، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق جامعة الجزائر، السنة الجامعية، 1995/1996.
ز- المقالات:
158- هجيرة دنوني، النظام المالي للزوجين في التشريع الجزائري، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، 1994، العدد 01.
159- واصف البكري، تعديلات قانون الأحوال الشخصية الأردني www.mizangroup.org/studies.htm
160- كمال لدرع، نظرة في قانون الأسرة الجزائري، مجلة المعيار، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، 2001، العدد 01.
161- مسعودي رشيد، حمـاية التصرفات المالية للمـرأة المتزوجة، مجلة الحقيقـة جامعة أدرار، 2004، العدد 04.
162- محمد سمير البيومي، الشرط التعاقدي بتقييد حرية الزواج، مجلة إدارة قضايا الحكومة، 1985، العدد 03.
163- محمد علي الحسيني، زواج المسيار www.banihashem.org/alkotob/06/05/.htm
164- مصطفى العوفي، الأسرة بين التنظير والواقع، مجلة الحقيقة، جامعة أدرار،2005، العدد06.
165- نور الدين عباسي، إتقان الضبط في الفرق بين السبب والشرط، مجلة الموافقات، المعهد الوطني العالي لأصول الدين، الجزائر، 1995، العدد 04.
166- عبد المالك سالمان، نحو رؤية جديدة لحقوق المرأة في المجتمعات العربية www.amanjordan.org.
167- عبد الناصر بن موسى، اقتران العقد بشرط تقييدي في القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية في المملكة الأردنية الهاشمية، البلقاء للبحوث والدراسات، الأردن 1995، العدد 01.
168- علي علي سليمان، حول قانون الأسرة، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، 1986، العدد 02.
169- عز الدين كيحل، التصرفات المالية للزوجة ومدى تأثيرها على الحياة الزوجية مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2003، العدد 08.
170- عبد النور إدريس، الضوابط السوسيولوجية والقانونية للنفقة بمدونة الأسرة المغربية، www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php
171- عبد الله سليمان، بحث في الوعد وحكم الالتزام به ديانة وقضاءاً www.islamiyatonline.com/arabic/maqalat/index.asp
172- فاروق أبو سراج الذهب، مواقف وآراء المجتمع الجزائري من مشروع التعديلات، مجلة البصيرة للبحوث والدراسات الإنسانية، الجزائر، 2004، العدد 08.
173- فاضلي إدريس، قانون الأسرة بين الثابت والمتغير، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، 1996، العدد 04.
174- سعاد سطحي، الكفاءة في الزواج في الفقه الإسلامي والواقع المعيش، مجلة المعيار، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، 2001، العدد 01.
175- سيدي محمد بن سيد أبّ، قواعد التنازع الدولي في بعض المسائل من القانون الجزائري، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، 1999، العدد 02.
176- رشا عبد النبي، زواج المصياف، www.Egypty.com/index.htm
177- شوقي محمد، ضوابط المصلحة والموازنة بينها، مجلة دراسات قانونية الجزائر، 2003، العدد 02.
178- حمليل صـالح، قراءة في بعض التعديلات الجديدة لقانون الأسرة الجزائري مجـلة الحقيقة، جامعة أدرار، 2005، العدد 06.
179- زواج فريند، www.Egupty.com/elkebar/Issue5/article1.htm
ح- النصوص القانونية:
180- أمر رقم 75-58 مؤرخ في 26 سبتمبر 1975، يتضمن القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم بالقانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005.
181- قانون رقم 84-11 مؤرخ في 09 جوان 1984، يتضمن قانون الأسرة الجزائري، المعدل والمتمم بالأمر 05-02 المؤرخ في 27/02/ 2005.
182- أمر رقم 70-20 مؤرخ في 15/02/1970 يتعلق بالحالة المدنية.
183- أمر رقم 66-154 مؤرخ في 08 يونيو 1966، يتضمن قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم.
184- أمر رقم 66-154 مؤرخ في 08 يونيو 1966، يتضمن قانون الإجراءات المدنية المعدل والمتمم.
185- مدونة الأسرة المغربية، ظهير شريف رقم 22-04-1 بتنفيذ قانـون رقــم 03-70(3 فبراير 2004).

ط- المجلات
186- نشرة القضاة، 1972، العدد 02.
187- المجلة القضائية، 1991، العدد 02.
188- الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية، 2001، عدد خاص.


ثانياً: المراجع باللغة الفرنسية
189- Ghaouti ben melha, le droit algérien de la famille, office des publication universitairés, Algérie, 1993.
190- J.labic, juris-classeur civil, édition techniques, paris, 1989.
191- sid ali ben chenb, le droit algérien de la famille entre la tradition et la modernité, revue algérienne des sciences juridiques écnomiques et politiques, 1982, N 01.










قديم 2011-03-20, 15:15   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-03-20, 17:50   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ألف ألف ألف شكر أخ ياسين على هذه المواضيع القيمة.










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الاشتراط, الزواج


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:23

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc