قصيدة ممتعة بما فيها جمال..وهي للشاعر...نابغة بني جعدة...
خليليّ عُوجا ساعَةً، وَتَهَجَّرا ... ولُوما على ما أَحْدثَ الدهرُ، أَوْ ذَرَا
ولا تَجْزَعا إنّ الحياةَ دَميمةٌ، ... فَخِفّا لِرَوْعاتِ الحوادثِ، أو قرا
وإنْ جاءَ أَمْرٌ لا تُطيقان دَفْعَهُ، ... فَلاَ تَجْزَعا ممّا قضىَ اللَّهُ، وَاصْبِرا
أَلمْ تَرَيا أَنّ المَلامَةَ نَفْعُها ... قَليلٌ، إذا ما الشيْءُ وَلّى وَأَدْبَرا
تَهيجُ البُكَاءَ والنّدَامَةَ ثُمّ لا ... تُغيّر شَيئاً، غَيْرَ ما كان قُدّرا
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، إذ جاءَ بِالهُدى، ... وَيَتْلو كِتاباً كالمجرّةِ نيِّرا
خَليليّ قد لاقَيْتُ ما لمْ تُلاقِيِا، ... وَسيّرتُ في الأحياءِ ما لم تُسيِّرا
تذكرْتُ، والذكرى تَهيجُ لذي الهَوَى، ... ومن حاجةِ المَحْزونِ أن يتذكّرا
نَدامايَ عِنْدَ المُنْذِرِ بْن مُحرِّقٍ، ... أرى اليَوْمَ مِنْهُم ظاهر الأرض مقفرا
كُهُولاً وشُبّاناً، كأَنّ وجوهَهُم ... دَنَانيرُ ممّا شِيفَ في أرضِ قَيْصَرَا
وما زِلْتُ أَسْعى بَيْنَ بابٍ ودارِهِ، ... بِنَجْرَانَ، حتى خِفْتُ أن أَتَنَصّرا
لدى مَلِكٍ مِنْ آل جَفْنَةَ، خَالُه ... وَجَدّاهُ منْ آل امرِيء القيسِ أزهرَا
يُدِيرُ عَلَيْنَا كأسَهُ وشِواءَهُ ... مَناصِفُهُ والحَضْرَميَّ المُحَبَّر
رحيقاً عِراقيّاً، وَرَيطاً شآمياً، ... ومُعتصَراً من مِسكِ دارِينَ أذْفَرا
وتيهٍ عَلَيْها نَسْجُ ريحٍ مَريضَةٍ ... قطعْتُ بِحَرْجوجٍ مسانَدَةِ القَرا
خَنُوفٍ مَرُوحٍ تُعجِلُ الوُرْقَ، بَعْدَما ... تُعَرِّسُ تشكُو آهَةً وَتَذَمُّرا
وتُعْبِرُ يَعْفُورَ الصّرِيمِ كِناسَه ... وتُخرِجُهُ طوراً، وإن كان مَظهَرَا
كَمُرْقِدَةٍ فَردٍ مِنَ الوحشِ حُرّةٍ ... أَنَامَتْ بِذي الذئبين بالصّيفِ جُوذُرا
فَأَمْسَى عَلَيْهِ أَطْلَسَ اللْوِنِ شَاحِياً، ... شَحيحاً تُسمّيهِ النّباطيَّ، نَهسرَا
طَويلُ القَرَا، عاري الأشاجع، مارِدٌ، ... كشَقّ العصا فُوه، إذا ما تضَوّرا
فَبَاتَ يُذكّيهِ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، ... أَخُو قَنَصٍ يُمسي وَيُصْبِحُ مُقفِرا
فَلاقَتْ بَياناً عِندَ أَوّل مَرْبَضٍ ... إهاباً، وَمَعبوطاً من الجَوْفِ أَحْمَرَا
وَوَجْهاً كَبُرْقوعِ الفَتاة مُلمَّعاً، ... وَرَوقَين لَمّا يعدوَا أن تقمّرا
فَلَمّا سَقاها اليأَسَ وَارتَدّ همُّها ... إليها، ولمْ يترُكْ لها مُتأخِّرا
أُتيحَ لها فَرْدٌ خَلا بَيْنَ عالجٍ ... وَبَيْنَ حِبالِ الرَّمْلِ في الصَّيْفِ أَشْهُرا
كسا دَفْعُ رِجْلَيْها صَفِيحَةَ وَجْهِهِ، ... إذا انجرَدَتْ، نَبْتَ الخزامى المُنوَّرا
وَوَلَّتْ بِهِ رُوحٌ خِفافٌ، كأنّها ... خَداريفُ تُزجي ساطعَ اللّونِ أَغبرا
كأصداف هِنديَّين صُهبٍ لِحاؤها، ... يَبيعونَ في دَارِينَ مِسْكاً وعَنْبَرا
فَبَاتَتْ ثَلاثاً بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ... بَكَرّ البكور أنْ يُضاف وَيُجْبَرَا
وباتَتْ كأنْ كَشْحٌ لها طيَّ رِيطةٍ، ... إلى راجحٍ من ظاهرِ الرمل أَعْفَرا
تلألأُ كالشِّعري العَبورِ، تَوَقّدَتْ، ... وكانَ عماءً دونَها فَتَحَسّرا
وَعَاديةٍ سَوم الجرادِ شَهِدتُها ... فكفّلْتُها سِيداً أَزلَّ مُصدَّرا
شَدِيدُ قِلاتِ المَرْفِقَينِ، كَأنّما ... به نَفَسٌ، أَوْ قَدْ أَرَادَ لِيزفِرا
ويُعلي وَجيفُ الأرْبَعِ السّود لحمَهُ، ... كما بنيَ التّابُوتُ أحزَمَ مُجْفَرا
فلمّا أتى لا يُنقِصُ القَوْدُ لَحمَه ... نَقَصْتُ المَدِيدَ والشّعِيرَ لِيَضْمُرا
وكانَ أَمَامَ القَوْمِ مِنْهُمْ طَليعةٌ، ... فأربَى يَفاعاً من بعيد، فبشّرا
ونهْنَهْتُه حَتّى لَبست مَفاضَةً ... مُضاعَفةً كالنَّهي رِيحَ، وأمطرا
وَجمّعْتُ بَزّي فوْقَهُ، وَدَفَعْتُه، ... ونأنأتُ مِنْهُ خشيَةً أن يُكسَّرا
وَعَرّفْتُهُ في شِدّةِ الجَرْيِ باسمِهِ، ... وأشْلَيْتُهُ حتى أرَاخَ وَأَبْصَرَا
فَظَلّ يُجاريهم كأنّ هُوِيَّهُ ... هُوِيُّ قَطاميً مِنَ الطيرِ أَمْعَرَا
أَزُجُّ بِذَلْقِ الرّمْحِ لَحْيَيْهِ، سابقاً ... نَزَائعَ ما ضمّ الخميسُ وضَمّر
لَهُ عُنُقٌ في كاهِلٍ غيرِ جَانِبٍ، ... ولَجّ بِلَحْيَيْهِ ونَحّى مُدْبِرا
وبَطنٌ كَظَهْرِ الترْسِ لو شُلَّ أرْبعاً ... لأصبَحَ صِفْراً بَطْنُهُ ما تَجَرْجَرا
فأُرْسِلَ في دُهمٍ كأنَّ حَنِينَها ... فَحيحُ الأفاعي أُعْجِلتْ أن تَحَجّرا
لَهَا حَجَلٌ قُرْعُ الرّؤُوسِ، تَحَلَّبَتْ ... على هَامِهِ، بالصّيْفِ، حتى تموّرا
إذا هِيَ سِيقَتْ دَافَعَتْ ثَفِناتِها ... إلى شَرَرٍ تري مِراراً مُقترا
وَتغمِسُ في الماءِ الذي باتَ آجناً، ... إذا وَرَدَ الرّاعي نَضِيحاً مُحَبَّرا
حَنَاجِرُ كَالأقْمَاعِ فَحّ حَنينُها، ... كما نَفَخَ الزَّمّارُ، في الصّبح، زَمخَرا
وَمَهْمَا يَقُلْ فِينَا العدُوّ، فإنّهُم ... يقولون مَعْرُوفاً، وآخرَ مُنكرا
فما وَجَدَتْ مِنْ فِرْقَةٍ عَرَبِيّةٍ ... كَفيلاً، دَنَا مِنّا، أعَزَّ وأَنْصَرَا
وَأَكْثَرَ مِنّا ناكِحاً لِغَريبةٍ، ... أُصِيبَتْ سِباءً، أو أرادَتْ تخَيُّرا
وَأَسْرَعَ مِنّا إن أَرَدْنَا انْصِرَافَهُ، ... وَأَكْثَرَ مِنّا دَارِعِينَ وَحُسَّرَا
وَأَجْدَرَ أَنْ لا يَتْرِكوا عَانِياً لَهُم، ... فَيَغْبُرَ حَوْلاً في الحديد مكفَّرا
وقد آنَسَتْ مِنّا قُضاعةُ كالئاً، ... فأضْحَوا بِبَصري يَعصُرونَ الصّنوْبرا
وكِندةُ كانت بالعقيقِ مُقِيمةً، ... ونَهدٌ، فكُلاً قد طَحَرناه مَطحَرا
كِنانةٌ بينَ الصّخْرِ والبَحْرُ دَارُهم، ... فأحجرَها إذ لم تجِدْ متأخَّرا
ونحنُ ضربنا بالصَّفا آل دارِمٍ، ... وحسّانَ وابْنَ الجَوْنِ ضَرْباً مُنَكَّرا
وعلقمةَ الجعفيّ أَدْرَكَ رَكْضُنَا ... بِذي النّخْل، إذ صَامَ النهارُ وَهَجّرا
ضَرَبْنا بطونَ الخَيْل حتى تَنَاوَلَتْ ... عَمِيدَي بَني شَيْبَان: عمراً ومُنْذِرا
أَرحنَا مَعَدّاً من شَرَاحيلَ، بَعْدَما ... رَوِينَ نَجيعاً من دمِ الجَوْفِ أحْمَرَا
وَمِنْ أَسَدٍ أَغْوَى كُهولاً كَثيرةً ... بنَهَي غُرَاب، يَوْم ما عُوّجَ الذَّرا
وَتُنْكِرُ يَوْمَ الرّوْعِ لَوْ أَنّ خَيْلَنا، ... مِنَ الطعنِ، حتى تَحْسِبَ الجَون أشقرا
وَنَحْنُ أُناسٌ لاَ نُعَوّدُ خَيْلَنا، ... إذا ما التقينا، أن تَحيدَ وَتَنفُرا
وما كانَ مَعْرُوفاً لَنَا أَنّ نَرُدّهَا ... صِحاحاً، ولا مُسْتَنْكَراً أن تُعقَّرا
بَلَغْنَا السّما مَجْداً وَجُوداً وَسُودَداً، ... وإنّا لَنَرْجو، فَوْقَ ذَلِكَ، مَظهرا
وكلُّ مَعَدّ قَد أَحَلّتْ سُيُوفَنَا ... جَوَانِبَ بَحْرٍ، ذي غَوَارِبَ، أَخْضَرا
لَعَمْرِي لَقَدْ أَنْذَرْتُ أَزْداً أُناتَها، ... لَتَنْظُرَ في أَحْلامها وَتُفَكِّرا
وأعرَضْتُ عَنْها حِقبةً، وَتَرَكْتُها، ... لأبْلغَ عُذْراً عِنْدَ رَبيّ، فأُعذرا
وما قُلْتُ حتّى نالَ شَتْمٌ عَشيرَتي ... نُفَيْلَ بن عَمْرو والوَحِيدَ وَجَعْفَرا
وَحَيّ أبي بَكْرٍ، وَلاَ حَيَّ مِثْلُهُم، ... إذا بَلَغَ الأمْرُ العَمَاسَ المُدَمِّرا
وَلاَ خَيْرَ في حِلْم، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادرُ تَحْمي صَفْوَهُ أن يُكدَّرا
وَلاَ خَيْرَ في جَهْلٍ، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ، إذا ما أَوْرَدَ الأمْرَ أصدرا
إذا افْتَخَرَ الأزديُّ يَوْماً، فَقُلْ لَهُتَأَخّرْ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَكَ اللَّهُ مَفْخَرا
فإنْ تَرِدِ العُلْيا، فَلَسْتَ بِأَهْلِها، ... وإنْ تَبْسُط الكفّيْنِ بالمجدِ تَقْصُرا
إذا أدلجَ الأزديُّ أدلجَ سارِقاً، ... فأصْبَحَ مخطوماً بلومٍ مُعَزَّرا