قال الشعبي: دخلت على عبد الملك وعنده رجل لا أعرفه، فالتفت إليه عبد الملك فقال: من أشعر الناس؟ فقال: أنا، فأظلم ما بيني وبينه، فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فتعجب عبد الملك من عجلتي؟ فقال: هذا الأخطل، فقلت: أشعر منه الذي يقول:
هذَا غُلامٌ حَسَنٌ وَجْهُهُ ... مُسْتَقْبَلُ الخَيْرِ سَرِيعُ التَّمَامْ
للحارثِ الأَكبر والحارثِ ال ... أَصْغَرِ والأَعْرَجِ خَيْرِ الأَنامْ
ثم لِهْنْدٍ ولهنْدٍ وقَدْ ... يَنْجَعُ في الرَّوْضاتِ ماءُ الغَمامْ
ستَّةُ آبائِهِمْ ما هُمُ ... هُمْ خَيْرُ مَن يَشْرَبُ صَفْوَ المُدامْ
فقال الأخطل: صدق يا أمير المؤمنين، النابغة أشعر مني، فقال لي عبد الملك: ما تقول في النابغة؟ قلت: قد فضله عمر بن الخطاب على الشعراء غير مرةٍ، خرج وببابه وفد غطفان، فقال: أي شعرائكم الذي يقول:
أَتَيْتُكَ عارِياً خَلَقاً ثيِابي ... على خَوْف تُظَنُّ بِيَ الظُّنُونُ
فأَلْفَيْتُ الأَمانَةَ لم تَخُنْها ... كذلِكَ كان نُوحٌ لا يَخُونُ
قالوا: النابغة، قال: فأي شعرائكم الذي يقول:
حَلَفْتُ فلم أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً ... وليْسَ وراءَ اللهِ للمَرْءِ مَذْهَبُ
قالوا: النابغة، قال: فأي شعرائكم الذي يقول:
فإِنَّكَ كاللَّيْلِ الَّذي هو مْدْرِكِي ... وإنْ خِلْتُ أَنَّ المُنْتَأَى عنك واسِعُ
ويروى وازع، قالوا: النابغة، قال: هذا أشعر شعرائكم.