المشهد الأول :
محمود .. طفل في التاسعة من عمره، يقف مترقباً، ينظر إلى البعيد، ويهتف بفرح :
ها قد عاد الرّحالة علاء الدين، صديقي الحميم من رحلته البعيدة حول العالم ..
يطل علاء الدين على خشبة المسرح، بهيئة عربيّة رزينة، وعمامة بيضاء جميلة على رأسه، وحقيبة جلدية على أحد كتفيه ..
لما يرى محمود يهش ويستبشر، ويتعانقان ..
محمود :
كم اشتقت إليك يا صديقي، عام كاملٌ وأنا أقف هنا في هذا المكان أترقب وصولك .. فأنا بشوقٍ كبير لأسمع عنك أخبارك ومغامراتك وحكاياتك ..
علاء الدين :
لقد أتيتك بقصص كثيرة حدثت معي، وأخرى سمعت عنها من أبناء التجار الذين قابلتهم، ومن البحّارة الصغار الذين التقيتهم، كل هذا دونته في كشكولي، لأخبرك عنه ..
محمود بلهفة :
أسرع أمتعني فأنا بشوق لأسمع ..
يجلسان على مقعد جانبي – مقعد حديقة - ..
علاء الدين يفتح كشكوله الكبير، ويقلب صفحاته باحثاً عن صفحة ما، ويرفع نظره إلى محمود قائلاً :
سأحكي لك عن جُوبا، ذلك الفتى الذي التقيته في قرية تقع أقصى الشرق ..
ففي أحد الأيام ..
( يختفيان )
-------
المشهد الثاني :
ويظهر على المسرح أطفال يرتدون ثياباً بدائية بسيطة، ويحملون دفاترهم وأقلامهم يجلسون كجلسة الكتاتيب، والمعلّم يدرّسهم :
المعلّم :
قَرَأَ ( قَ – رَ – أ ) قَرَأَ
الصغار يرددون :
قَرَأَ ..
المعلم ينادي التلميذ ( ياما ) :
ياما تعال واكتب الكلمة هنا ..
جوبا يجلس إلى جوار صديقه ياما، ويقول كمن يحدث نفسه :
اممممم يبدو أن أم صديقي ياما قد أعدت له شطيرة لذيذة كما تفعل كل يوم، أما أنا فسأتناول البسكويت الرديء ..
لابد وأن أحصل عليها لأتذوقها، إنها فرصتي ..
يكتب ياما على اللوح، فيما يمد جوبا يلده للحقيبة ويأخذ الشطيرة ويخفيها في حقيبته وهو يقول :
رائع ! لقد حصلت على ما أريد !
يرن جرس الفرصة، ويتجول الأطفال في كل مكان يتناولون طعامهم ..
يقف جوبا ضاحكاً في زاوية، ويردد بفخر :
يا له من غبي ! لم يلاحظ ما فعلته، وكذلك لم تلاحظ سيما أنني قد أخذت نقودها التي أخفتها في جيب حقيبتها، ولن يعرف مانو أنني أخذت مبراته الثمينة!
هاهاها كم أنا ذكي، سأتناول الشطيرة بسرعة قبل أن يراني أحد ..
يدير ظهره إلى زاوية ويأكلها بشراهة ..
يرن الجرس ثانية، ويعود الأطفال إلى الصف..
يدخل جوبا متأخراً ليجد ياما قد جلس على الأرض وأسند رأسه إلى ركبتيه، آخذاً بالبكاء، وحوله بعض الأصدقاء يواسونه ..
جوبا يسأل :
ما باله ياما يبكي هكذا ؟ هل أصابه مكروه ؟
أحد الأولاد :
لقد كانت بطنه تؤلمه هذا الصباح، وقد أخبره الطبيب أن عليه أن يتناول وجبة صغيرة من الطعام كل ما حانت الفرصة لذلك ..
جوبا في نفسه بندم :
امممم .. ألهذا كانت الشطيرة مجزأة إلى أقسام عديدة !
تصرخ سيما من بعيد:
نقودي .. نقودي .. أين اختفت ؟ لا يمكن أن أعود إلى المنزل من دونها ..
تبكي بحرقة وتنتحب .
يسألها علاء الدين:
سنجدها إن شاء الله يا سيما، ربما سقطت هنا أو هناك ..
سيما تبكي :
أريدها الآن، فقد وعدت جدتي أن أحضر لها الدواء في طريق عودتي.. آه .. ستزداد مرضاً إن تأخرت، وربما تموت ..
جوبا يخفض رأسه وهو يشعر بالحرج والقلق، ويروح ويجيء وقد أحس بقبح فعلته.
يأتي مانو بلهفة ويصرخ :
مبراتي .. مبراتي .. لا يمكن أن أفقدها، إنها تذكار من ابن خالتي، أحضرها لي من بلاد بعيدة، وقد نقش عليها اسمي، أين سأجدها ؟
يخفض رأسه وهو يفتش في كل شبر من الأرض .
يجتمع الأولاد ليكونوا شكل دائرة :
يهتف الأول : لابد وأن هنالك شخص شرير يقوم بهذه الأعمال السيئة !
الثاني : لقد سبب لنا الأذى، ويجب أن نعاقبه ..
الثالث : لقد أساء لنا جميعاً، لابد أن نكشفه .. فاللص الصغير سيكبر يوماً ويصبح لصاً كبيراً ..
الرابع ضاحكاً : وسيقبضون عليه، ليضعوه في سجن كبيـــر ..
الخامس : سيكرهه الناس جميعاً، ولن يصادقه أحد ..!
ينسحب الأطفال وواحد منهم يهتف :
هيا لنفكر بهدوء كيف سنقبض على الجاني ..
-------
المشهد الثالث :
جوبا وحيداً وعلاء الدين يراقبه من بعيد ..
السجن ؟ لا أحب السجن أبداً .. لا أريد أن أسجن فأنا أحب لون السماء ودفء الشمس، والأصدقاء ..
يقترب علاء الدين ويضع يده على كتفه فيفزع :
جوبا :
منذ متى وأنت هنا يا علاء الدين ؟
علاء الدين :
منذ أن سرقت شطيرة ياما كنت أراقبك ..
جوبا بحزن :
ستسلمني إلى الشرطة كي يحبسوني، ولن يصبح لدي أصدقاء بعد اليوم، فسيكرهني الجميع ..
علاء الدين :
اسمع يا صديقي .. الإنسان قد يخطئ أحياناً، ولكن عليه حين يدرك أنه أخطأ أن يصلح خطأه ، وأن لا يفعل ذلك ثانية ..
جوبا :
هل يمكنني إصلاح ما أفسدته؟ إنني أتألم كثيراً من أجل ما فعلته، لم أفكر أنني سأتسبب بالأذى للناس بفعلتي هذه ..
علاء الدين :
هيا إذاً حاول أن تعيد كل شيء كما كان ..
ويذهب علاء الدين .
جوبا :
هذه نقود سيما وهذه المبراة الثمينة، سأعيدهما حالاً إلى حقيبة سيما ومانو ..وتبقى الشطيرة .. سأعتذر من ياما، وأقدم له شطيرتي في الغد اعتذاراً عن ما فعلته، وأرجو أن يقبل عذري .. شكراً لك يا علاء الدين لأنك أنقذتني .. منقولة