كلمة ثقيلة على اللسان رغم أنها من حرفين، ومحرج أحيانا النطق بها في وجه شخص قصدك طالبا خدمة أومساعدة ما، إنها كلمة "لا" التي تبدو للسامع للوهلة الأولى غير متوقعة من آنسان كان يأمل منه أن يستجيب ويذعن لطلبه، بل وقد تجر الى تأويلات سلبية شتى وتقطع صداقات وتعاملات آمتدت لسنوات، اذا قيلت بطريقة غير سليمة وجاحفة. لذلك تجد الإنسان كثيرا ما يحترس قبل الإسراع بالنطق بها، رغم أن هناك مواقفا مصيرية تحتم على الفرد أن يجمع شجاعته ويقولها دون خجل أو إحساس بذنب أوتعذيب ضمير، بآعتبارها كلمة فصل قاطعة تجنب العديد من المشاكل النفسية والمادية، التي قد تجلبها عوضا منها قول كلمة "نعم".
آسباب الإمتناع عن آستعمال "لا"
الإجابة بـ "نعم" تكون في غالب الأحيان مصدر سرور وآنشراح للطرف الذي يطلب المساعدة، لكن هي ميدالية ذو وجهين لا يأثمن لها في كل الأحوال، وقد تتسبب في ويلات قادمة وتهدد المبادئ الثابتة المتصلة بالعمل والأسرة والمحيط الاجتماعي، ويعزى علماء التنمية البشرية وعلم النفس سبب آندفاع بعض الاشخاص الى قولها إلى عوائق مختلفة تحيل دون آستخدام كلمة "لا"، وركزوا على بعض الأسباب الرئيسية وهي:
- الخوف من الرفض العاطفي والطرد من hستلطاف وحب الأخرين لنا، هو الذي يجعلنا مندفعين دون تفكير الى المساعدة الفورية، سواء اتعلق الأمر بعلاقاتنا الشخصية أو العملية منها، فالرهبة تجعل كلمة "نعم" ملازمة للسان كواقي يحمي من الجحود والجفاء ولدغات اللسان التي قد نتعرض اليها في حالة ان اهملنا تقديم يد العون، فمعظم البشر سبق لهم وأن عاشوا تجربة الرفض الوجداني وهم أطفالا، عند امتناعهم عن تنفيد طلب لأحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، فيكبر ذلك الاحساس الى البلوغ ويترسخ تلقائيا، وهي أن تلبية متطلبات الغير تحسم مشاعرهم تجاهك وتجعلك شخصا مرغوبا فيه، حتى وإن تعارض ذلك مع قناعاتك وجعلك فريسة لضغوط نفسية وخسائرة جسيمة، نتيجة اذعانك لهاجس الخوف المستمر بأنك لو رفضت مساعدة من لجأ اليك فستنبذ من مشاعر الكل. وهنا يؤكد العلماء أنه من سابع المستحيلات أن يحبك كل البشر، فهذه غاية لا تدرك، لذلك على الانسان أن يهتم بالمقربين به لا بالغرباء، الذين عليه أن ينالوا احترامه لكن على بعد مسافة، وأن يحسم أمره في أمر مجاملاته التي تتوج بقول "نعم" لكل طلب مهما كانت خطورة نتائجه عليه، فالأنانية هنا مستحبة، بمعنى على الفرد ألا يحاول اسعاد الأخر على
حساب مصالحه الشخصية والتزاماته العملية وقناعاته وعليه أن يكون موضوعيا.
- الخوف من العواقب خاصة في مجال العمل، اذ يحاول الفرد تجنب الصراعات التي قد تؤدي الى فقدانه لعمله، فيسارع لتلبية طلب اية مساعدة، حتى وإن سرقت من وقت عمله الكثير ولم تدخل في خضم التزاماته، وهنا ينصح بأن يكون الشخص واقعيا ويقيم الوضع ببصيرة تامة، فالحياة لا تخلو من الصراعات وثنائيات "لا" و "نعم" على كل الأصعدة والتي تفرض على المرء التعايش معها ومسايرتها حسب قدراته، واذا كان الخوف من ردة فعل الأخرين يتحكم في كل مراحل حياة الفرد، فإن ذلك لن يحقق له استقلاليته يوما ما.
- الخوف من نعت الأنانية وقسوة القلب، وهنا يهدئ العلماء الفرد بتذكيره، بأنه مجرد تفكيره في الحكم المسبق الذي سيطلقه عليه طالب المساعدة، تخرجه فورا من دائرة الأناني لأن الأنانيون من طبيعتهم عدم إعطاء اهتمام للأخرين فما بالك بالتفكير بردود أفعالهم، حتى وإن تمت إهانته وأسئ إليه بكلمة "أناني" فعليه ألا يأخذها على محمل الجد، لأنها فقط وسيلة إستفزازية لا غير.
- الخوف من ذم الناس وعدم الثناء علينا ومدحنا، هو الذي يؤدي ببعض الأفراد الى الاندفاع دون تفكير للمساعدة، طمعا في إرضاء غرور النفس والأذن، لكن الآنغماس في الغرور لا يشعرهم بأنهم هم في الأصل ضحايا لكلمة "نعم" وليس بفاعلي خير، اذ تتضح لهم الصورة أول ما تظهر سلبيات تسرعهم في الاقدام على تقديم صنيع المساعدة.
تعلم قول "لا" بود ودبلوماسية لا يتسنى بين ليلة وضحاها أن يتقن الانسان التعامل مع تقديم الرفض بطريقة سلسة ومهذبة لا تؤتي على خسائر، بل يحتاج الأمر إلى ترويض نفسي خالي من الاندفاع والموضوعية السطحية، فمثلا، الأشخاص الذين اعتادوا اللجوء الى نفس الفرد ليساعدهم، تسقط عندهم قول "لا" بسهولة تامة لا يحتاج معها الشخص الى بذل مجهود جبار ليواجهه بصراحة تامة بـ "لا"، كشخص قصدك لخامس مرة ليستدين منك مالا، وفي كل مرة يعدك بإعادة الدين إليك، أو صديقة مع علمها بمرض أمك تطلب منك مرافقتها الى مكان ما، هنا تقفز الأولويات ولا يعود للخجل مكانا لكي لا تقول "لا"، ولم تسلم العلاقات الزوجية من ثنائيات السلب والموجب هذه، فغالبا ما يخضع طرف منذ بداية العلاقة للطرف الأخر ويلبي كل احتياجاته،
ليكتشف مع مرور الوقت أنه لا يراعي شعوره ولا احتياجاته النفسية، مما قد يؤدي بالعلاقة الى طريق مغلق، لذلك يستحب أن يعود الطرفين أنسفهما من الأول على "لا"، ويتم قولها بطريقة لا تترك للنزاع والشوشرة مكانا، فمثلا تطلب الزوجة من الزوج أن يخرج معها غدا لاقتناء بعض الأغراض، فيمكن أن يجيبها بكل لطافة في حالة كان لا يحب الخروج: "ولم لا أستحسن الأمر لكن رجاءا عزيزتي غدا لا، أريد أن ارتاح لي وليس لدي أي رغبة في مزاحمة الناس"، فدائما تبقى الطريقة التي توصل الرسالة، هي مفتاح لكل ما آيجابي، وحتى وان كان جوابك كله سلبي، واليك بالتليخص آستراتيجية كيفية الرفض وبأفكار جد سهلة:
- خذ الوقت الكافي للتفكير: بهدوء تام اطلب من قاصد المساعدة أن يمنحك قليلا من الوقت للتفكير في الأمر مثلا قل بشئ من البشاشة: "من فضلك هل تسمح لي بقليل من الوقت؟".
- زن الأولويات وادرس النتائج: يمكن تصنيف نوعية المساعدات الى انسانية والى أخرى متعلقة بالعمل، فالانسانيات لها الصدارة في المباردة كأن يطلب زميل عمل لك أن تنجز عمله لانه ملزم باصطحاب امه للطبيب، اما اذا طلب منك مساعدته في عمله لمجرد أنه لمجرد أن يقضي وقته بمحادثة الأخرين وتهمل أنت في المقابل عملك وتتحمل نتائجه، فهذا ما لا يشجع عليه، وحذاري من تعده بوعود قد لا تفيها له، فقولك "لا عفوا علي أن اقضي بعض أعمالي فهي كثيرة" خير من تعد دون أن تفي بوعدك له.
- التحرر من تعذيب الضمير: لا تحتاج للاحساس بتعذيب الضمير، مادمت أنك لن تظلم أو تجور على من طلب مساعدتك، وفي أغلب الأحوال الذين يكررون طلبهم لديك يكونون سابقا على معرفة بضعفك فيتستغلوته، شيء واحد عليه أن يكون نصب عينيك وهو أنه من قصد كان في حسبانه أن يلاقى طلبه بالرفض، فتحرر ببساطة من قيود ضميرك وتأكد أنك ستنال تقديرهم حتى وان جاء متأخرا.
- حافظ على دبلوماسيتك: دبلوماسية القول ترتبط بالهدوء والرزينة والكلام الخالي من كل شائبة، فعلى أجوبتك أن يطغى عليها كلمات مثل "عفوا.."، "أتمنى ذلك ولكن...".
-اقترح حلولا: يمكن أن تقترح حلولا لكن أنت لست ملزما بذلك