هرطقات (3) الذي عاد من هناك !

[عبدالله بن حواف]

* تحتاج لفك شفرة السطور التالية لعقل أنهكه الزمن و لم يذبل بعد !

***

" أين كنت ؟! "
هذا هو السؤال الوحيد ( الذي لا بد و أن تكون له أجابة ) وهو السؤال الذي لا يمكنني الإجابة عليه ،
قبل كل شيء ،، دعني أعرفك بنفسي ،، أسمي / ....... هااااا ، لحظة واحدة !! لا بد أنني أعرف ما أسمي ؟!
أسمي ... أسمي ... ،، لم أعد اذكر ما أسمي في الحقيقة ، ثم أنه ما الفرق أن عرفت أسمي ، أو من أكون ؟! ، و أنا واثق أنك بأنتهاء القراءة لن تعود للتفكير فيّ مطلقاً ، ربما أعلق ببالك لعدة دقائق ، ربما لساعات ، أو حتى ليوم أو اثنين ، لكنك ستنساني على الأرجح ، و لن تعود تفكر بيّ مرة أخرى ، لست أدعي بأنني متنبيء أو أنه بأمكاني قرأة الأفكار أو المستقبل ، لكن لثقتي التامة أن هذه هي الطبيعة البشرية .
يكفي أن تعرف أنني كنت هناك يوماً ما ، آآ آسف ، أقصد كنت هناك ، حتى عدت من هناك ، لقد عدت من هناك قبل ساعات ليس إلا ، أحمل في عقلي و روحي مشكلة ليس لها حل ، و هموماً تكاد تطبق على أنفاسي ،
و مصيبتي و همي هو ( إلى أين ؟! و ماذا بعد ذلك ؟! )
عندما كنت هناك ، كنت أموت شوقاً للعودة ،
في كثير من الأحيان ، كنت أنظر إلى تلك الساعة الكبيرة المعلقة على الجدار ذو 20 قدماً ارتفاعاً ، و أعلق بصري على عقرب الثواني ، و أبدء بالحساب ، ثانية ، أثنتين ، ثلاث ........
كنت أتحدى الزمن بمراقبته ، بكل صبر ،
لا تستغرب عندما أقول لك ، أنني كنت أصل لمرحلة أعجز فيها عن العد و الحساب ، أرقام تجاوزت خانة العشرات آلاف و ربما مئات الآلاف أحياناً ، و لا تجعل أستغرابك يزيد عندما تعلم أن ذلك كان هوايتي المحببة ، و سري الذي أحتفظت به طوال تلك المدة التي كنت فيها هناك ،
حسناً ،، دعنا من هذا الآن ، أعلم أنك تريد أن تعرف أكثر ، لذلك أنت مستمر في القرأة ، و أعلم أن عقلك الآن يعمل بسرعة غير معتادة ، و هو يصنع كماً من الأسئلة ، ليحصل على نتيجة مقنعة ، يشفي بها فضولك ...
أن كنت أنا نفسي لا استطيع الأجابة على أهم أسئلة ، في هذه القصة ، فما الفائدة اذن من أخبارها ؟! لست أدري ،،
في أحيان كثيرة ، يبدو الأمر باعثاً على الأرتياح و شعور عجيب بالطمأنينة أن تتحدث لشخص ما ، مجرد التحدث لأي كان عن أي شيء ، يبدو أمر جيد ، مجرد أن تفرغ ما في صدرك ورأسك من خواطر و أفكار ، ليس ثرثرة ، و ليس لمجرد التسلية ، و لكنه أمر مفيد ، يكفي أن تعلم أن هناك من يفهمك ، أو يستمع لك ، على الأقل .
عندما كنت هناك ، كان الأمل معدوماً أن أعود يوماً ما ، لكن و بالرغم من كل شيء فلم أفقد الأمل ، كنت أعلم أنه لا بد و أن يكون في مكان ما في أعماق روحي البائسة ، أمل ضئيل في العودة ، و أكبر دليل على ذلك ، هو الشعور بالشوق و التحرق للعودة ، حتى ما كنت أقوم به من نظر لعقارب الساعة ، و عد الثواني ، كانت كلها تشير على حتمية وجود ذلك الأمل الضئيل ، ( لا زلت أسمع صوت عقرب الثواني وهو يمضي ، طاوياً معه الزمن ، ذلك الصوت المألوف ، الذي يشعرك أن الزمن ممتد إلى مالا نهاية ، لا يتوقف ، و لا ينتهي ، مهما كانت الظروف ، و مهما حدث ) ،
أشعر أنني أستطيع أن أؤلف كتباً و مجلدات ، أتحدث فيها عن الزمن من الناحية الوجدانية و الشعورية ، لا أعتقد أن هناك من هو اقدر مني في هذا العالم على وصف الزمن من تلك الناحية ، ،،
هل صدف يوماً أن فكرت بشعورك بالزمن ؟! ، هل صدف أن فكرت بمرور الثواني ؟! و هل جلست لساعات و ساعات و أنت تنظر لعقارب الساعة ماضية تقطع الزمن أمام عينيك و تفكر في ذلك فقط ؟! و لا شيء سواه ..
لقد أنتهى ذلك كله الآن ، و توقفت أنا عن مراقبة عقارب الساعة ، و عد الثواني ،
ورغم ذلك ، فأن الزمن لم يتوقف لحظة واحدة ، و لا يعنيه أبداً ، أين كنت ؟! و لا يعنيه أيضاً أن بقيت هناك ، أم عدت
أم ...... المهم ليس بالنسبة للزمن ، و ليس بالنسبة لك ، ( كونك ستمحوني من ذاكرتك بعد قليل ) ، لكن بالنسبة لي أنا فأن ذلك الأمل الضئيل الذي كان يحيا في روحي ، و تعلنه ضربات قلبي مع كل خفقة ، تحقق ، و ها أنا ...
أنا ، الذي نجحت في العودة من هناك ، كيف ، أين ، متى ، من ؟! لا يهم !

عبدالله بن حواف
شاعر و كاتب و باحث في التاريخ و التراث
متخصص في الأدب الأنجليزي و اللغة .