اذا كنا نعرف قبلا أن الالتزام نظريه حديثه نسبيا في الأدب حيث انها انتشرت وشاعت في مطلع القرن العشرين على أنها نوع من الواقعية التي ترفض المثالية ولكنها استقلت بعد ذلك كمذهب أدبي على يد زعيم المذهب الوجودي (جان بول سارتر)- فإننا نريدهنا ان نذكر اثرها في الأدب العربي وكيف استقبلها الشعراء والكتاب في مطلع القرن العشرين لم يسع أكثر نقاد الادب العربي وشعراءه الالتزام ورأوا فيه انحرافاً , بالشعرعن نهجه وطريقه السوي وهو النهج الشمولي والانساني والذي يضمن- بزعمهم-للادب الخلود فهم يزعمون ان الادب اذا التزم بروح العصر ومشاكله كان ادبا مؤقتا ينتهي ويفنى بإنتهاء هذه المسائل المؤقته وقد كان من اعنف النقاد واشدهم على الالتزام نقاد مدرسة الديوان (العقاد والمازني) وصديقهم الشاعر (عبدالرحمن شكري) فقد قال شكري في مقدمة الجزء الرابع من ديوانه ينبغي للشاعر أن يتذكر كي يجئ شعره عظيما ,انه لايكتب للعامة, ولا لقرية, ولا لأمة وإنما يكتب للعقل البشري ونفس الانسان ايا كان وهو لا يكتب لليوم الذي يعيش فيه وانما يكتب لكل يوم وكل دهر وهذا ليس معناه انه لا يكتب أولا لامته المتاثر بحالتها المتهيئ ببيئتها . ولا يفهم من قوله هذا الا نفوره من شعر المناسبات والاحداث اليوميه التي تحيط بالشاعر وقد صرح بذلك في مقدمة الجزء الخامس من ديوانه حيث قال : وبعض القراء يهذي بذكر الشعر الاجتماعي ويعني شعر الحوادث اليومية مثل افتتاح خزان أوبناء مدرسة فاذا ترفع الشاعرعن هذه الحوادث اليوميه, قالو ماله هل نضب ذهنه اوجفت عاطفته> ولم يكن العقاد مختلفاعن زميله شكري في هذه النظره إلى الشعر الملتزم وانماكان مثله ثائرا على كل الأغراض التي يقصد لها شعراء الجيل لسابق له يقول واما الفكرة الثانية التي قاومتها مدرسة الشعراء المصريين في الجيل الحديث فهي فكرة الاشتراكية العقيمة , التي تحرم على الأديب أن يكتب حرفاً لاينتمي الى القمة خبرا والى تسجيل حرب الطبقات ونظم الاجتماع> وهو بهذا ينعى على شوقي وحافظ ومحرم وإخوانهم شعرهم الاجتماعي وحثهم والي الامر على العناية بالفقير ومحاربة الجهل والمرض في مصر. والعجيب أن العقاد كان يحتكم في نقده للشعر إلى ( الموقف) الذي يتبناه الشاعر من الموضوع الشعري ومدى تأثره به ومع ذالك نجده ينعى على الشعراء هذاالشعر الاجتماعي والسياسي مع إن هذا الشعر في الحقيقة لايعبر الاعن موقف أولئك الشعراء من الأزمات التي كانت تحيط بهم وبسائر الامه العربية ومدى تعلقهم بهذه الأزمات وامتزاجها بشعورهم وحسهم الشاعري حتى انتظمت على غير ارادة منهم شعراً, رائقا بديعا, ينقل لنا على مرالايام الموقف الشعوري والمعنوي لشعراء الامه من مشكلات عصرهم. ويشبه موقف العقاد, وزميله, من الشعر الاجتماعي موقف مصطفى صادق الرافعي فقد كان يتهكم على شعر حافظ الاجتماعي ويسميه (نظم مقالات الجرائد)وان كان اقل حدة من العقاد وزميله فهو يرى أن الشعر يجب أن يمثل المعاني النفسيه الخاصة , والعامة , وهذه بدورها متأثرة باالحياة وإذا فالشعر تمثيل حقيقي وفي هذا التمثيل خلوده.٠ وقضية الخلود هذه نشأت عندهم من أنهم نظرو الى كل الاعمال الخالدة مثل : إلياذة هوميروس وشعر المتنبي وكوميديا دانتي وفردوس ملتن ومسرحيات شكسبير }وغيرها فوجدوها لاتمثل الواقع بقدر ماتمثل جوانب النفس البشرية؛ وما يعتريها من أفكار وعواطف وخيالات ٠ وإني على ثقة أن من خلال الدراسة الشاملة الوافية لهذه الأعمال ولأصحابها ستوضح تأثرها بالواقع , وستوضح لناايضا تأثر أولئك الشعراء بواقعهم ! واستغراق أدبهم الخالد هذا ليومياتهم٠خذ مثلا شعرأبي العتاهية في الزهدفهذا الشعرالذي يدرسونه لنا على أنه شعرفي الزهد والتعفف ومدح الإقلال- قد أثبت بعض نقادنا- الكفراوي في (الشعر العربي بين التطور والجمود)- في مبحث رائع جدا، أنه لايعبر إلاعن حقد أبي العتاهية على أصحاب الجاه والمال من جهة , وعملاً بما اتفق عليه أبوالعتاهيه مع زبيدة زوجة الرشيد ومع الفضل بن الربيع من جهة أخرى .
[الأستاذ زياني]