مسرحية تدخين
يوميات مسؤولby nawar
.أجمل شيء في الصباحات فنجان قهوة عابق برائحة الهيل مع سيجارة حمراء طويلة ثقيلة دخانها أسوأ من مداخن المحطة الحرارية لأننا ندعم الصناعة الوطنية إلى آخر حد و لأن الجيبة غير قادرة على استيعاب ثمن علبة دخان أجنبية ، كان هذا الكلام قبل تطبيق المرسوم الرئاسي القاضي بمنع التدخين في الأماكن العامة و الدوائر الرسمية ، صار لدينا مشهد للفرجة أجمل بكثير ، مسرحية كوميدية على درج الحرائق في مؤسستنا ، مدراء … موظفون … مستخدمون يشرعون سجائرهم و ينفثون دخانها في الفضاء ، ليتحول المكان أشبه بمقلب النفايات المملوءة بآلاف أعقاب السجائر .
و أمتعهم للنظر هم المدراء الذين لم نكن نراهم إلا نادراً ، و صرنا نراهم أكتر من نصف النهار و قد استوطنوا الدرج بمنافضهم الفخمة و فناجين قهوتهم التي تصلهم إلى حد أقفيتهم ، و أطرف ما في الأمر عندما يتصلون ببعضهم عندما يحتاجون إلى سيجارة لإطفاء تعبهم ، فيأتون من سائر غرفهم ليشكلوا مؤتمر مدراء على سفرة الدرج !
ما كان ينقص المشهد هو المدير العام ، الذي نمي إلى سمعنا أنه يدخن في مكتبه الفخم بعد أن يفتح نافذته ، و كونه يدخن كثيراً فأنصحه بنصب مقعد له على تلك النافذة ، خير له من أن يقوم و يقعد في الساعة الواحدة عشر مرات ، أو ننصحه بإقامة مكتب له في الهواء الطلق .
لست أدري لما نحول كل أمر جميل إلى شيء مؤذ و بشع ، فرغم أن الهدف من المرسوم كان وقف التدخين فإن هذا لم يحصل ، بل أدى إلى أمر عكسي حيث تعطلت أمور المواطنين ، فهل أتيت موظفاً لتأدية خدمة ، فقالوا لك أنه في غرفة التدخين ، و كل ربع ساعة يدخن سيجارة يحتاج من الوقت ربع ساعة ليدخنها ، صارت معي فهل صارت معكم ؟!!
آخرون استفادوا من المرسوم ، رجال الشرطة الذين يتصيدون المدخنين ، المخبرون الذين ازدهر عهدهم من جديد ، فلا حاجة لهم لاتهامك بمعاداة النظام بل يكفي إخبارية بأنك تدخن في مكان عام لتدفع ألفي ليرة سورية و تضاعف في حال عدم الدفع خلال شهر ، و تصل إلى الفصل من الوظيفة !
عندما وصلت إلى القرية ، كان أطفال مدرستنا يمثلون مسرحية عن مضار التدخين ، و قد حضر كثر ليشاهدوا ، كبار السن ،الرجال و النساء ، و غاب عنها الشباب لأنهم الفئة الأكثر تأثراً بمضاره ، فقد فضلوا مباراة بكرة القدم على الملعب ، و قد أجاد البعض في أداء دوره ، و لاقى استحساناً من الأهالي الحاضرين ، رغم أن قريتنا تنفذ هذا المرسوم منذ عشرات السنين ، فهي تكاد تخلو من المدخنين ، و يندر أن ترى مدخناً فيها ، أو أن تلمح عقب سيجارة و لو فتلتها كلها .
في النهاية كان المرسوم جيداً و ضرورياً في دولة أكثر من نصفها من المدخنين ، عسى مفاعيله تعود بالخير على هذا الشعب ، فتخف الأمراض من الجلطات و السرطان و غيرها ، و عسى أن يمر صباح ذات يوم دون أن يعكر صفوه دخان سيجارة !
Audio clip: Adobe Flash Player (version 9 or above) is required to play this audio clip. Download the latest version here. You also need to have JavaScript enabled in your browser.