هذه المذكرة تحمل عنوان جريمة إبادة الجنس البشري على ضوء القانون الدولي الجنائي
مـــقـدمـة:
لقد بدأ العنف مع بداية الحياة الاجتماعية للبشرية و كانت القاعدة الأساسية التي كانت تسير عليها الحياة هي قاعدة البقاء للأقوى، ولكن مع تطور الحياة المدنية و الاجتماعية ظهرت بعض القيود على هذه القاعدة.ولكن رغم التطور الهائل الذي تشهده الإنسانية من تطور حضاري في جميع مجالات الحياة إلا أننا نجد مبدأ البقاء للأقوى مازال موجودا ولا يقتصر على الأفراد فحسب، بل نجده بين الجماعات والدول، حتى أن بعض الدول في سياستها تتجه إلى استعمال القوة سواء في علاقتها مع بعضها البعض، أو في علاقات حكامها مع المحكومين.
فالإنسان قد عرف القتال منذ وجد على الأرض وقد جره إلى ذلك حب السيطرة و التغلب الذي كان يقابل بعدم الخضوع و الإذعان. ولا مفر من القتال بين الفرد والفرد إلى أن اتخذ مظهرا جماعيا و أصبح قتالا ثم حربا بين الدول.
ومهما قيل عن الحرب وويلاتها و مآسيها وبغض النظر عما ألحقته بالإنسانية من دمار و خراب، فقد كانت الأداة في إهلاك الشعوب الضعيفة. ومن أبشع وأفضع الحروب و الممارسات الخطيرة التي شهدها التاريخ الإنساني و التي تعد نواة الجرائم الدولية هما:الحرب العالمية الأولى و الثانية خاصة، و ما انطوت عليه من خطورة و جسامة بانتهاكها لحقوق وكرامة الشعوب، و ما اشتملت عليه من قتل المدنيين والرهائن و سوء معاملتهم و الإبادة و الأبعاد و تدمير المدن بما فيها مقومات الحياة المادية و الثقافية.
وهذه الجرائم المرتكبة إبان الحرب العالمية الثانية كان لها أثر كبير في إبرام اتفاقية منع جريمة إبادة الجنس البشري و المعاقبة عليها لسنة 1948.
والمراد بجريمة إبادة الجنس البشري هو التدمير العمدي للجماعات القومية و العرقية أو الدينية أو الأثينية. فالحكومة الألمانية النازية ارتكبت جرائم إبادة ضد ملايين البشر بسبب دينهم و أصولهم العرقية. وتعد جريمة إبادة الجنس البشري من الجرائم التي تمس الأمن الدولي و تهدد السلام و الاستقرار في العالم، ولا يمكن القول بأن هذه الجرائم هي شان داخلي للدول فقط،بل يحق للمجتمع الدولي التدخل لمنعها و محاسبة مرتكبيها.
وجريمة إبادة الجنس البشري هي جريمة عادية غير سياسية، ولا تسقط بالتقادم، ومرتكبها لا يمنح حق اللجوء السياسي، ولا يمكن إعفاء الفاعل منها أو من عقابه حتى و لو كان رئيس دولة. خاصة و أن هناك اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وقد كان مستشار الحرب الأمريكية"Raphaël Lemkin " هو أول من أطلق هذا اللفظ "Génocide" على هذه الجريمة،وكان يقصد بالإبادة ثلاث مظاهر وهي:القتل، استهداف عناصر الحياة المادية و المعنوية و طمس الهوية الثقافية للشعوب. غير أن الظروف الدولية فرضت اختزال الجريمة في القتل الجزئي و الكلي وأن إخضاع السكان عمدا لظروف قاسية تكون نتيجتها إبادتهم. وتم تقنين اتفاقية منع الإبادة سنة 1948،و اعتبرت أن الأفراد هم الذين يرتكبون الجريمة لذا يجب محاكمتهم أمام المحاكم الوطنية. وهكذا أبرمت الاتفاقية غامضة و قاصرة، حيث كرست مصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية و تجاهلت قضايا الشعوب التي لم تجد حلا في إطار هذه الاتفاقية.
لكن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1951 أنشأت لجنة القانون الدولي و استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة و إلى ميثاق و أحكام نورمبرغ، قد كلفتها بتقنين الجرائم المخلة بسلم الإنسانية و أمنها، وبعد استبيان حكومات الدول عن نوع الجرائم الدولية الواجب تقنينها، أعربت لجنة القانون الدولي على ضرورة حماية الجنس البشري لحقه في الحياة و سلامة جسمه ووجوده الثقافي.
وهكذا أدمجت جريمة الإبادة في مصاف الجرائم الخطيرة و اعتبرتها من أخطر الجرائم الدولية لتضع بذلك أول لبنة في القانون الدولي الجنائي. و منذ عام 1981 ولجنة القانون الدولي تبذل جهودا كبيرة لاستدراك القصور الذي عانت منه الاتفاقية سنت 1948، وتدرس اللجنة مسألة الجريمة من اتجاهين: الأول تقليدي يعمل على تكريس مصالح الدول الكبرى و إبقاء اتفاقية منع الإبادة على حالها، و الثاني تطوري يدفع بقواعد القانون الدولي إلى إلمام ليعطي حقوقا ثابتة سواء بجانبها السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.
وهذا يعني أن حق الحياة لم يعد بمفهومه التقليدي حق العيش فقط بل تعمق، لأن الحياة لها حرمتها وواجب كل دولة احترامها و حمايتها و لها صفة ذاتية ترتبط بالمعاملة الإنسانية. لذلك من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر الإنسان إلى التمرد على النظام و الاستبداد، فالناس يولدون أحرارا ومتساوون في الكرامة و الحقوق كما جاء في المادة الثانية من الإعلان العلمي لحقوق الإنسان: " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق و الحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي......".
فنظرا لأهمية الموضوع من الناحيتين التاريخية و القانونية قمت بدراسته على المنهج التحليلي الذي يساعدنا في التعمق أكثر في جريمة الإبادة من حيث معرفة خلفياتها وأركانها وجزاءها و أهم تطبيقاتها الدولية.
أما بخصوص الإشكالية التي يثيرها البحث فتتمثل في الإجابة على عدد من الأسئلة يكون مجموع أجوبتها صلب الموضوع وهي:
1) ما مفهوم جريمة إبادة الجنس البشري من منظور القانون الدولي الجنائي؟
2) ماهي الاتفاقية الدولية المتعلقة بهذه الجريمة وما موقف لجنة القانون الدولي و المحكمة الجنائية الدولية منها؟
3) ما هو العقاب المقرر لها وما هي أهم تطبيقاتها الدولية؟
فكل هذه الأسئلة فرضت علينا تقسيم الموضوع إلى فصلين حسب الخطة التالية:
الفصل الأول: ماهية جريمة إبادة الجنس البشري
المبحث الأول: مفهوم جريمة إبادة الجنس البشري
المطلب الأول: تعريف جريمة إبادة الجنس البشري
المطلب الثاني: خصائص جريمة إبادة الجنس البشري
المبحث الثاني: أركان جريمة إبادة الجنس البشري و بواعثها
المطلب الأول: أركان جريمة إبادة الجنس البشري
المطلب الثاني: بواعث جريمة إبادة الجنس البشري
الفصل الثاني: تدوين جريمة منع إبادة الجنس البشري و المعاقبة عليها والتطبيقات الدولية في مجال محاكماتها
المبحث الأول: اتفاقية منع إبادة الجنس البشري
المطلب الأول: تدوينها، محتواها و دواعيها
المطلب الثاني: موقف لجنة القانون الدولي و المحكمة الجنائية الدولية منها
المبحث الثاني: عقوبة جريمة إبادة الجنس البشري و التطبيقات الدولية في محاكماتها
المطلب الأول: عقوبة جريمة إبادة الجنس البشري
المطلب الثاني: التطبيقات الدولية في محاكمات جرائم الإبادة البشرية
الخاتمة
الفـصل الأول : مـاهـية جـريمـة إبادة الجنس البشري
تعد الإبادة جريمة بموجب القانون الدولي وهي من أخطر الجرائم الدولية وصورة من صورها، وتتمتع بمفاهيم مستقلة ونظام خاص لما تتسع به من خطورة قصوى كونها تثير استياء ضمير الإنسانية بأسرها، الأمر الذي يتطلب البحث عن مفهومها و الدوافع التي سمحت بارتكابها.
و في هذا الفصل تتوزع الدراسة في فصلين:يتمثل الأول في مفهوم جريمة الإبادة و الثاني لبواعثها.
المبحث الأول : مفـهوم جـريمة إبادة الجنس البشري
جريمة الإبادة هي جريمة قديمة قدم البشرية ذاتها، وقد انفصلت عن الجريمة الدولية وأصبحت لها ذاتيتها المتميزة لتسمو إلى جريمة من الجرائم الخطيرة التي تمس الإنسانية وتهدد السلم والأمن الدوليين. وهي جريمة تحركها بواعث ودوافع لارتكابها، ولذلك تم إقرار اتفاقية منع الإبادة في نطاق الأمم المتحدة. الأمر الذي يتطلب التعريف بجريمة الإبادة ثم تحديد أركانها، و يتبع باستعراض بواعثها من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول : تعريف جريمة إبادة الجنس البشري
إن أول ظهور لمصطلح " الإبادة الجماعية " في القانون الدولي والفكر الإنساني كان عام 1944 من خلال الفقيه البولوني الأصل الأمريكي الجنسية Raphaël Lemkin الذي كان مستشارا لوزارة الحرب التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، من أجل توضيح خصوصية الجرائم المرتكبة من النازيين. وقد اقترح Lemkin وصف الأفعال الهادفة لتدمير الجماعات العرقية أو الاجتماعية أو الدينية بأنها جريمة من جرائم قانون الشعوب وقام بتصنيف هذه الأفعال إلى:أفعال موجهة للقضاء على الوجود المادي للجماعات، وإلى أفعال موجهة ضد القيم الثقافية للجماعات. واقترح وضع اتفاقية دولية للقضاء على هذه الجريمة والمعاقبة عليها وجرى التأكيد على وضع الاتفاقية المقترحة بعد عامين من اقتراح Lemkin من قبل الأستاذ Pella الذي أضاف إلى الاقتراح السابق فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية لحماية حقوق الإنسان.
وتعد لفظة إبادة الجنس البشري أو القتل الجماعي génocide مشتقة من الكلمة اللاتينية Genus ومعناها الجماعة، ومن كلمة Céder ومعناها " القتل ". وأوضح Lemkin أن مصطلح الإبادة الجماعية يشير إلى تدمير أمة أو جماعة اثنية ، ولايعني بالضرورة التدمير الفوري لهذه الأمة أو الجماعة، بل يعني في الغالب وجود خطة منظمة للقيام بأفعال مختلفة تهدف إلى القضاء على الأسس والركائز الحيوية التي تقوم عليها حياة الجماعة القومية أو الاثنية. فالغرض من الخطة هو إفناء المؤسسات والبنى السياسية والاجتماعية للجماعة، وكذا لغتها وديانتها وثقافتها ووجودها الاقتصادي، كما تهدف إلى الاعتداء على السلامة البدنية والشخصية للأفراد المنتمين للجماعة محل الإبادة. و يعرف" ليمكن" جريمة الإبادة بأنها التي ترتكب ضد الجماعة القومية أو الاثنية بصفتها كائنا مستقلا له ذاتية خاصة به(1) .
وعلى الرغم من أن مصطلح الإبادة كان يستخدم ليعبر عن أفعال الهدم الداخلي التي تقوم بها بعض الجماعات أو ليعبر عن رد فعل الدولة اتجاه جماعات معينة إلا أنه اليوم بات ذا طابع دولي بحت(2).
ويعتبر مصطلح الإبادة الجماعية Le génocide قد ظهر رسميا لأول مرة في التوصية رقــــم 96/01 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1946 حيث أدانت الجمعية العامة هذه الجريمة، بعد أن وسمتها بأنها من جرائم القانون الدولي وأنها محل إدانة العالم المتمدن .
ثم ظهرفي قرارها رقم1260 الصادر في 09/12/1948 والمتضمن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي أصبحت نافذة المفعول ابتدءا من 12/12/1951 (3).
لقد تطور مفهوم الإبادة وبدأ يأخذ طابعا قانونيا عالميا منذ أن قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1948 أن إبادة الجنس البشري جريمة دولية ضد الإنسانية، وذلك في المادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية حيث نصت على:" تصادق الأطراف المتعاقدة على أن الإبادة الجماعية سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب هي جريمة بمقتضى القانون الدولي تتعهد بمنعها والمعاقبة عليها" (4)
ـــــــــــــــــــ
(1) Raphaël Lemkin : Le genocide-RIDP-N 10- 1946 p 373
(2) د: السيد أبو عطية : الجزاءات الدولية بين النظرية و التطبيق ص 371
(3) د: عبد الله سليمان سليمان: المقدمات الأساسية في القانون الدولي الجنائي ص 286
(4) د: السيد أبو عطية -نفس المرجع السابق.
وقد أوردت المادة الثانية من هذه الاتفاقية تعريفا لجريمة الإبادة وتحديد الأعمال التي تعد جريمة إبادة الجنس وكان النص على النحو التالي: " في هذه الاتفاقية تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه:
1- قتل أعضاء من الجماعة.
2- إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من هذه الجماعة.
3- إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
4- فرض تدابير تستهدف منع التوالد في الجماعة.
5- نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
كما أن المادة السادسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عرف مفهوم جريمة الإبادة الجماعية وفقا لتعريف الاتفاقية المذكورة أعلاه.
المـطلب الثـاني: خـصائص جـريـمة إبادة الجنس البشري
جريمة إبادة الجنس البشري أو الإبادة الجماعية حسب تعبير نظام المحكمة الجنائية الدولية تتسم بالخصائص التالية:
أولا: الطبيعة الدولية لجريمة الإبادة الجماعية: جريمة الإبادة هي جريمة دولية كبدت الإنسانية خسائر فادحة، و المقصود بأنها جريمة دولية بطبيعتها: هو أن المسؤولية المترتبة عنها هي مسؤولية مزدوجة تقع تبعتها على الدولة من جهة، و على الأشخاص الطبيعيين مرتكبي الجريمة من جهة أخرى، كما أن جميع الأفعال التي تشكل هذه الجريمة تعتبر مؤثمة و معاقب عليها سواء ارتكبت أثناء الحرب أو في وقت السلم.
وحسب المادة الأولى من اتفاقية حظر إبادة الجنس فان توجيه أفعال الإبادة من دولة ضد رعاياها الوطنيين، لم تعد مسألة داخلية تدخل في نطاق الاختصاص الداخلي المطلق لكل دولة، وإنما أصبحت مسألة دولية تتحمل الدولة تبعة المسؤولية عنها أمام المجتمع الدولي. (1)
ـــــــــــــــــــــ
(1).د عبد الفتاح بيومي حجازي قواعد أساسية في نظام المحكمة الجزائية ص32.دار الفكر الجامعي.
كذلك نجد المادتين 5 و 6 في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية اعتبرتا جريمة الإبادة الجماعية جريمة دولية تمثل خطورة على الأسرة الدولية حتى و لو وقعت في داخل الدولة نفسها من سلطات ذات الدولة، فلا يشترط أن تقع من جناة في دولة أخرى على مواطني ذات الدولة، شرط أن تتحقق في أفعالها طبيعة الركن المادي لأفعال الإبادة الجماعية المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية و نظام المحكمة الجنائية الدولية.
و كذلك نصت الفقرة الأولى من المادة الخامسة من نظام المحكمة المذكور أعلاه على أنه "يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية:أ جريمة الإبادة الجماعية......"
و الحقيقة أن إضفاء صفة الجريمة الدولية على أفعال الإبادة الجماعية مستمد من طبيعة المصلحة الجوهرية المعتدى عليها، فالمحافظة على الجنس البشري و حمايته من أي عدوان، قد أصبح يمثل هدفا أساسيا للنظام القانوني الدولي، بل و أصبحت حياة الأفراد تمثل قيمة عليا تحرص عليها القوانين الوطنية و الدولية.(2)
ثانيا: جريمة الإبادة الجماعية ليست جريمة سياسية: نصت المادة السابعة من اتفاقية منع الإبادة على أنه :"لا تعتبر جريمة إبادة الجنس و الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة من الجرائم السياسية فيما يتعلق بتسليم المجرمين و تتعهد الدول المتعاقدة في هذه الحالة بإجراء التسليم وفقا لتشريعاتها و المعاهدات القائمة في هذا الشأن". فقد ألزم نظام المحكمة الجنائية الدولية الدول الأعضاء في اتفاقية المحكمة بتسليم الأشخاص المطلوبين إليها ما لم يكن هناك حصانة دبلوماسية و هو ما نصت عليه المادة 89 من نظام المحكمة". (3)
والسبب في استبعاد هذه الجريمة من دائرة الجرائم السياسية هو إفساح المجال لإمكانية محاكمة
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) د: عبد الفتاح بيومي حجازي- قواعد أساسية في نظام المحكمة الجزائية ص32.
(2) د: عبد الفتاح بيومي حجازي نفس المرجع السابق
(3) د: عبد الفتاح بيومي حجازي نفس المرجع السابق
الجناة عن هذه الجريمة والتي تعد من اخطر الجرائم، لأنها تنطوي على أفعال تؤدي في النهاية إلى استئصال الجنس البشري من الوجود، سيما و أن معظم الدساتير تحظر تسليم المجرمين السياسيين. (1)
وعليه فقد كفلت الاتفاقية الدولية لمنع و عقاب إبادة الجنس ثم نظام المحكمة الجنائية الدولية عدم إفلات من تتم إدانته بهذه الجريمة بدعوى أن الجريمة ذات طبيعة سياسية.
ثالثا: المسؤولية الجنائية للجاني في جريمة إبادة الجنس البشري: يعد الفرد من أشخاص القانون الدولي، لذلك فقد نصت المادة الرابعة من اتفاقية منع الإبادة على أنه:" يعاقب كل من يرتكب جريمة إبادة الأجناس سواء كان الجاني من الحكام أو الموظفين أو الأفراد العاديين"
كما نصت المادة السادسة من ذات الاتفاقية على أنه:" يحال الأشخاص المتهمون بارتكاب جريمة إبادة الأجناس....".
و نجد أن نظام المحكمة الجنائية الدولية بعد أن جرم الإبادة الجماعية في المادتين 5 و6 منه نص في المواد اللاحقة على أنه لااعتداد بالحصانة أو الصفة الرسمية لأي متهم ارتكب جريمة الإبادة، و إنما هذه الجريمة ترفع عن مرتكبها أية حصانة، وتخضعه للقاعدة العامة في نظام المحكمة و هو محاكمته عن هذه الجريمة الدولية. (2)
كما نصت الفقرة 1 من المادة 68 من نظام المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم التي تختص بها إلى أن نظام المحكمة يطبق على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية، و بصفة خاصة لو كان المتهم رئيسا للدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان، كما لايمكن تخفيف العقوبة بسبب هذه الصفة الرسمية.
ــــــــــــــــــــ
(1) د محمد سليم غزوي المرجع السابق ص14 و15.
وتعد الجريمة سياسية عندما ترتكب بقصد المساس بكيان الدولة أو نظامها السياسي.
(2): د عبد الفتاح بيومي حجازي، قواعد أساسية في نظام محكمة الجزاء الدولية ص35 دار الفكر الجامعي 2006.
المبحث الأول : أركان جريمة إبادة الجنس البشري و بواعثها
جريمة الإبادة الجماعية تتحقق عن طريق أفعال الإبادة المادية كأفعال القتل أو الاعتداء الجسماني أو إعاقة التناسل.
وقد تتم عن طريق الإبادة المعنوية، أو الاستئصال المعنوي كالاعتداء النفسي أو الإخضاع لظروف معيشية معينة تؤدي إلى نفس الغاية. وهذه الجريمة إلى جانب أنها جريمة عمديه تقوم على القصد الجنائي العام فإنها تستلزم قصدا خاصا و هو نية الإبادة الجماعية، ذلك أنه يشترط أن يكون لدى الفاعل نية إجرامية تتجه إلى تحقيق الإبادة لأنها جريمة تتطلب القصد الخاص إلى جانب القصد العام، وهو قصد الإفناء أو الإبادة. (1) كما أن هذه الجريمة دائما تحركها بواعث أو دوافع دينية أو عرقية أو قومية أو اثنية و هو ما سنوضحه في المطالب التالية:
المطلب الأول : أركان جريمة إبادة الجنس البشري
لقيام هذه الجريمة يجب توافر أركانها المعتادة في كل جريمة دولية وهي: الركن المادي والمعنوي ويضاف إلى ذلك الركن الدولي وهذا الركن فيه خلاف ولكن يدرج ضمن أركان الجريمة قياسا إلى الركن الشرعي في القانون الداخلي.
فـرع 01: الـركـن المـادي
يقع الركن المادي لجريمة إبادة الجنس البشري بإتيان أحد الأفعال المكونة للسلوك الجرمي والمحددة على سبيل الحصر في المادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة، أو المادة السادسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويلاحظ عدم وجود اختلاف بين المادتين السابقتين من حيث الأفعال التي يتكون منها الركن المادي لتلك الجريمة.
كما لا يشترط لقيام هذه الجريمة أن يؤدي الفعل المرتكب إلى التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة فعلا، فيكفي أن تتوافر النية الجرمية عند مرتكب الفعل للحصول على هذه النتيجة.
والأعمال التي من شأنها تحقيق الإبادة طبقا للاتفاقية المذكورة أعلاه مجسدة فيما يلي :
1- قتـل أفـراد أو أعضـاء الجمـاعـــة: يقصد بذلك أعمال القتل الذي يذهب ضحيتها مجموعة من أعضاء الجماعة، فالقتل موجه للقضاء على الجماعة كلها أو بعضها، وعلى
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) :د عبد الوهاب حومد -الإجرام الدولي – ص 242 وما بعدها- مطبوعات جامعة الكويت-طبعة أولى -1987.
ذلك فإن هذه الجريمة هي جريمة جماعية دائما، وإن كان لا يشترط لقيامها عدد معين من
القتلى، كما لا يشترط أن يكونوا من نوعية خاصة، فالإبادة جريمة موجهة إلى الجنس وسيان
في ذلك أن تطال الكبار أو الصغار، زعماء القوم أو عامة الناس، رجالا أو نساءا.(1)
فحتى تتوافر أركان جريمة الإبادة عن طريق فعل القتل، فلابد أن يقع القتل على أشخاص ينتمون إلى جماعة قومية ضمن قوميات متعددة في دولة واحدة أو عدة دول، كما حدث في النزاع بين قبيلتي التوتسي و الهوتو في رواندا، وقد ينتمون إلى جماعة عرقية أو اثنية معينة، كما في صراع الأرمن المنتشرون في بعض الدول الآسيوية و الأوربية، وما حدث لهم من مآس و تصفية، وقد يكون الصراع دينيا كما هو الحال في النزاعات المسلحة بين دولتي باكستان و الهند بشأن إقليم كشمير.
2- إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير أو جسيم بأعضاء الجماعة:
يأخذ هذا الفعل صورة الاعتداء الجسيم على السلامة الجسدية أو العقلية لأعضاء الجماعة، ويتحقق هذا الفعل بكل وسيلة مادية أو معنوية لها تأثير مباشر على أعضاء الجماعة مثل الضرب، الجرح، التشويه الذي قد يفضي إلى إحداث عاهات مستديمة، التعذيب ، الحجز الذي يؤثر على ملكاتهم العقلية ، أو تعريضهم للإصابة بالأمراض المعدية ، أو بإعطائهم أدوية فاسدة وضارة أو تعريضهم إلى مواقف قاسية ومرعبة .
فمثل هذه الأفعال تعتبر مقدمة للإبادة الحقيقة للجماعة وتعتبر بمثابة إبادة بطيئة، إذ تفقد أعضاء الجماعة القدرة على ممارسة وظائفهم الطبيعية في الحياة الاجتماعية مما يفقدها هويتها ويشوه شخصيتها.
3- إخضاع الجماعة لظروف أو أحوال معيشية قاسية:
تتضمن هذه الصورة عددا من الأفعال التدميرية التي لا تؤدي فورا أو مباشرة إلى موت أعضاء الجماعة المعرضة لهذه التدابير، لكن تهدف في النهاية إلى التدمير المادي لهذه الجماعة. و من الأمثلة على هذه التدابير: الإبعاد المنظم للأشخاص المنتمين للجماعة عن
ـــــــــــــــ
(1) د: عبد الله سليمان سليمان: المقدمات الأساسية في القانون الدولي الجنائي ص -286نفس المرجع السابق.
(2) د :حجازي قواعد أساسية في نظام محكمة الجزاء الدولية ص46.
مساكنهم ومواطنهم مثل الإقامة في أماكن خالية من كل سبل الحياة، وحرمانهم من المعونات
والخدمات الطبية لمدة طويلة أو حرمانهم من الغذاء.(1)
4- فرض تدابير ترمي إلى منع أو إعاقة النسل داخل الجماعة:
ينطوي هذا الفعل على إبادة بيولوجية للجماعة،إذ يترتب عليه إبادة تدريجية وبطيئة لأعضائها لأنه يمنع من التناسل والتكاثر والتوالد بين أعضاء الجماعة،ويحول دون نموهم وتزايدهم، ويتمثل هذا الفعل في خضوع أعضاء الجماعة لعمليات إعاقة النسل والتوالد كتعقيم النساء وخصي الرجال .
5- نقل الأطفال الصغار قهرا وعنوة من جماعتهم إلى جماعة أخرى:
إن المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة لم تتضمن تجريما للإبادة الثقافية Ethnocide واقتصر نطاقها على الإبادة الجماعية المادية لعدد من الجماعات، لكنها وفرت حماية للهوية الثقافية للجماعات واعتبرت الحيلولة بينهم وبين أن يكونوا نماذج لبيئتهم ولغتهم صورة من صور الإبادة، ونقلهم إلى جماعة أخرى يعني وقف الاستمرار الثقافي والاجتماعي لتلك الجماعة ويعرضها للانقراض لأن مستقبل الجماعة واستمراها يكمن في صغارها، ونقلهم إلى جماعة أخرى يعني مستقبلا تدميرا لوجود الجماعة أو لبقائها بصفتها تلك.
فـرع 02: الـركن المـعنـوي
جريمة إبادة الجنس البشري هي من الجرائم العمدية التي تتطلب توافر القصد الجنائي وهو اتجاه إرادة الفاعل لارتكاب أحد الأفعال المكونة للسلوك الجرمي في الجريمة مع علمه بان هذا الفعل محظور ومعاقب عليه، وذلك بغية تدمير جماعة قومية أو أثنيه أو عرقية أو دينية تدميرا كليا أو جزئيا، ولكن لا يكفي لتوافر هذا القصد تحقق القصد العام فقط، وإنما يجب أن يتوافر إلى جانبه قصد خاص يتمثل في نية الإبادة أو نية التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة .
وقد وصفت جريمة الإبادة بجريمة الجرائم على أساس القصد الخاص الواجب توافره لقيامها وهو ضابط أساسي يميزها عن باقي الجرائم الدولية.
ـــــــــــــــــ
(1) أنظر الفقرة ج من المادة 6 من الصيغة النهائية لمشروع أركان الجرائم المقدم من اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية.
بمعنى أن الركن المعنوي يكون مدفوعا بغرض محدد وتحركه أسباب معينة ترتبط بعوامل دينية أو عنصرية أو جنسية وعليه فالقتل الجماعي لايعد جريمة إبادة إلا إذا كان بدافع من هذه الدوافع وهذا ما جعل القصد الجنائي هنا قصدا جنائيا خاصا. (1)
والملاحظ في الاتفاقية أنها لم تأخذ بالأسباب السياسية إلى جانب الأسباب المذكورة آنفا، إذ لايعد القتل الجماعي الراجع إلى أسباب سياسية جريمة إبادة ولهذا فقد انتقدت الاتفاقية(2). خاصة وأن المجتمع الحديث قد عرف كثيرا من الممارسات ضد جماعات تحمل أفكارا سياسية تختلف مع أفكار أصحاب السلطة.
و يجب أيضا أن يتزامن الركن المادي و المعنوي معا ليكونا وحدة واحدة، لكن قد تظهر إزاء اشتراط المعاصرة بين الركن المادي و المعنوي في جريمة الإبادة صعوبة كبيرة، فمن المألوف أن ترتكب هذه الجريمة من خلال هرمية وظيفية معينة وعبر سلسلة من الأوامر، فعلى رأس هذه السلسلة هناك الأشخاص المخططون و الموجهون لارتكاب الجريمة، ومن الطبيعي أن تتوافر"نية تدمير الجماعة المستهدفة" لدى هؤلاء الأشخاص، وفي نهاية السلسلة يوجد الأشخاص الذين يقومون بتنفيذ الخطة أو بتنفيذ الأوامر الصادرة لهم بإتيان جملة من الأفعال الجرمية، وليس شرطا أن يتوافرالقصد الخاص أو نية الإبادة لدى هؤلاء الأشخاص جميعا.(3)
إذا كانت الفقرة الثانية من المادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد عالجت هذه المسألة من خلال تأكيدها على أن" الشخص يكون مسؤولا جزائيا إذا ارتكب الجريمة بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، كما قد يكون مسؤولا عنها إذا أمر بارتكابها أو حث على ارتكابها أو قدم عونا أو حرض أو ساعد بأي شكل آخر لتيسير ارتكابها". لكن الأمر يبدو أكثر تعقيدا بخصوص جريمة الإبادة فما هي العلاقة بين "نية تدمير الجماعة" وبين العلم بالجريمة؟ وهل ثمة صلة بين القصد الخاص و حجم الجماعة المستهدفة؟ و كيف يمكن إثبات نية التدمير لدى مرتكبي أفعال الجريمة؟.
ــــــــــــــــــ
(1) د: عبد الله سليمان سليمان: نفس المرجع السابق.
(2) د: عبد الله سليمان سليمان:نفس المرجع السابق
(3) د: شريف بسيوني :الإطار العرفي للقانون الدولي الإنساني ص78
1) العلاقة بين القصد الخاص و العلم في جريمة الإبادة الجماعية:
يثار التساؤل حول إمكانية إدانة شخص ما بارتكاب جريمة الإبادة في الحالة التي يشارك فيها في إتيان فعل من الأفعال الجرمية المكونة للركن المادي للجريمة وكان عالما أو كان يتوجب عليه العلم بأنه يساهم في سلوك جرمي سيفضي إلى تدمير كلي أو جزئي للجماعة الواقع عليها السلوك الجرمي و التي تصلح أن تكون محلا لإبادة جماعية. و قيام جريمة الإبادة الجماعية ليس مرتبطا بتحقق النتيجة المرجوة فعلا فيكفي توافر نية الإبادة لدى الفاعل لقيامها.
وقد قضت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أن أي شخص متهم بالإبادة الجماعية أو بالمساهمة الجرمية يجب أن تتوافر لديه نية الإبادة، فلا يكفي أن يكون المتهم إذا عالما بأنه يساهم في التدمير فقط.
ومن الملاحظ في هذا المجال أن اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية أشارت في مشروع نص أركان الجرائم إلى أن الإبادة الجماعية تتحقق عند توافر الأركان لآتية:
1) أن يقتل مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر.
2) أن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين لجماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية معينة.
3) أن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الدينية أو الأثنية أو العرقية كليا أو جزئيا بصفتها تلك.
4) أن يصدر التصرف في سياق نمط سلوك مماثل واضح موجه ضد تلك الجماعة أو أن من شأن ذلك التصرف أن يحدث بحد ذاته أهلاك للجماعة.(1)
يستنتج مما سبق أن الإبادة الجماعية تتحقق عند توافر القصد الخاص بهذه الجريمة ولا يشترط أن يكون الفاعل عالما أو قادرا على العلم بأن سلوكه سيؤدي إلى تدمير الجماعة كليا أو جزئيا. و يلاحظ في هذا الشأن أن المادة السادسة المذكورة أعلاه قد أوضحت أنه:"على الرغم من الشرط المعتاد الخاص بالركن المعنوي المنصوص عليه في المادة 30 - من نظام روما الأساسي- ومع التسليم بأن العلم بالظروف تجري معالجته عادة لدى إثبات القصد بارتكاب
ـــــــــــــــــ
(1) انظر المادة 6/أ من الصيغة النهائية لمشروع أركان الجرائم المقدم من اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية
الإبادة الجماعية فأن المحكمة هي التي تقدر على أساس كل حالة على حدى الشرط المناسب للركن المعنوي المتعلق بهذا الظرف".
و قد حددت المادة ذاتها في الفقرة الثالثة منها المقصود بالعلم، فنصت على أن "العلم" هو:"أن يكون الشخص مدركا أنه توجد ظروف أو ستحدث نتائج في المسار العادي للأحداث".(1)
يظهر من النصوص السابقة جميعا أن المحكمة الجنائية الدولية تتمتع بسلطة التقرير في كل قضية على حدى وجوب توافر العلم بوجود الظروف المتعلقة بارتكاب الجريمة، بالإضافة إلى القصد الخاص المشترط توافره في هذه الجريمة وهو نية تدمير الجماعة محل التدمير.
2) العلاقة بين نية الإبادة و حجم الجماعة المستهدفة تدميرها:
أثارت العلاقة بين عبارة نية التدمير و عبارة الكلي أو الجزئي جدلا واسعا و كبيرا وقد بدأ هذا الجدل منذ الأعمال التحضيرية المتعلقة باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها، فإذا كانت عبارة الكلي أو الجزئي قد أضيفت بناءا على اقتراح المندوب النرويجي في اللجنة السادسة التابعة للأمم المتحدة، فان الغرض الأساسي من هذا الاقتراح كان التأكيد على فكرة مؤداها أنه لا يشترط لقيام هذه الجريمة إهلاك أعضاء الجماعة كافة.
فالأعمال التحضيرية الخاصة باتفاقية منع جريمة الإبادة و المعاقبة عليها لا تساعد في تحديد العلاقة بين نية التدمير و حجم الجماعة المستهدف القضاء عليها و إبادتها. فقد فسرت عبارة "التدمير الكلي أو الجزئي" بأنها تعني إهلاك نسبة معتبرة أو مهمة كما أو كيفا أو نوعا يعني اتجاه القصد لإلحاق أذى بأغلبية واسعة من الجماعة المعرضة للإبادة، أو اتجاه القصد الجرمي لإلحاق أذى بالأعضاء الذين يؤدي هلاكهم إلى اختفاء الجماعة أو تدميرها.
كما أقرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بإمكانية قيام جريمة الإبادة عند ارتكابها في منطقة جغرافية محدودة أو ضيقة، مادام الفعل الجرمي أو القصد يتجهان إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة وأركان الجريمة متحققة في هذه الحالة.
وبناءا عليه يمكن القول أن مسألة تحديد حجم التدمير الجزئي الواجب حصوله من الناحية العملية
ـــــــــــــــــــ
(1) :د -محمد خليل مرسي-جريمة الإبادة الجماعية- مقال مأخوذ من موقع الإنترنيت www .arablawinfo.com
وعلاقة حجم هذا التدمير بقيام القصد الخاص في جريمة الإبادة الجماعية ليست هينة، فمازالت بحاجة إلى دقة وتوضيح أكثر من المحاكم الجنائية الدولية.
3) إثبـات نيـة الإبـادة:
من المستقر عليه في الاجتهادات القضائية للمحاكم الجنائية الدولية الخاصة أن نية الإبادة يمكن استخلاصها و إثباتها بكافة طرق الإثبات، فقد تستنبط من وقائع مادية معينة أو من نمط معين من السلوك الهادف لتدمير الجماعة المستهدف القضاء عليها. ومن المعلوم أنه لا يشترط لقيام جريمة الإبادة هلاك الجماعة كليا، و هذا واضح من النص الخاص بتعريف جريمة الإبادة. لذلك فانه لا يشترط لإثبات نية الإبادة أن يكون السلوك الجرمي موجها نحو الجماعة المستهدفة بأكملها وهي مسألة متروكة لتقدير المحكمة في كل حالة على حدى.
فـرع 03: الركــن الـدولـي
يقصد بهذا الركن الدولي هو ارتكاب جريمة الإبادة بناء على خطة مدبرة من الدولة ينفذها المسؤولون الكبار فيها، أوتشجع على تنفيذها من قبل الموظفين أوالأفراد العاديين ضد جماعة يربط بين أفرادها روابط قومية واثنيه أو عرقية أو دينية.
وهذا يعني أنه لايشترط صفة معينة في الجاني ولا يشترط أن يكون المجني عليهم تابعين لدولة أخرى، إذ تقع الجريمة سواء كان المجني عليهم تابعين لدولة أخرى أم تابعين لذات الدولة. كما تقع الجريمة في زمن الحرب أم في زمن السلم وتستمد هذه الجريمة صفتها الدولية من الأمور التالية :
- أن مرتكبها هوصاحب سلطة فعلية قائمة أو من يرتبط بالسلطة الفعلية القائمة .
- موضوعها مصلحة دولية تتمثل في وجوب حماية الإنسان لذاته بغض النظر عن جنسيته أو دينه أوالعنصرالذي ينتسب إليه .
- تجد هذه الجريمة مصدرها في الوثائق والمعاهدات الدولية التي نصت عليها أوجرمتها. (1)
فبناءا على هذه الأركان يمكن لنا أن نستنتج أن جريمة إبادة الجنس البشري يتم تنفيذها بطرق ووسائل مختلفة تتمثل في:
ــــــــــــــــــــــــ
(1) د: عبد الله سليمان سليمان: نفس المرجع السابق.
1) الإبـادة الجسـدية: وهي الاعتداء على الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان كالحياة و السلامة الجسدية وذلك بقتل الجماعات بالغازات السامة أو الأسلحة الكيماوية أو الإعدام أو الدفن و هم أحياء أو القصف بالطائرات أو بأية وسيلة أخرى تزهق الروح.
2) الإبـادة البيولوجية: وتنصب على قطع مصادر الحياة و النمو البشري و ذلك بطرق تعقيم الرجال أو إجهاض النساء.
3) الإبـادة الثقـافية: تقع على المنظومة التفكيرية السلوكية و العقائدية المتمثلة بتحريم اللغة الوطنية و الاعتداء على التقاليد الدينية.غير أن الأسرة الدولية لم تتجه إلى اعتبار هذا النوع من الإبادة جديا و خطيرا و يؤدي إلى الفناء على الرغم أن هذا النوع هو إبادة معنوية تدمر البشر وهو عمل غير مشروع لأن اللغة هي بمثابة هوية الجماعة و لا يجوز حرمان أحد من التحدث بها مطلقا.
المطلب الثاني : بواعث جـريمة الإبـادة
إن جريمة الإبادة الجماعية دائما تحركها بواعث أو دوافع دينية أو عرقية أو قومية أو اثنية، و من أمثلة الصراعات العرقية و الدينية والدينية في آن واحد ماحدث لمسلمي البوسنة والكروات على يد الصرب، خلال حرب البوسنة في يوغسلافيا السابقة، و كذلك ماحدث لعرقية ألبان كوسوفو على يد الصرب، و كذلك ما حدث لعرق الأرمن على يد الأتراك من أفعال إبادة و تطهير عرقي و غيرها، وكذلك المجازر البشرية بين قبيلتي التوتسي و الهوتو في رواندا.
و من أمثلة الصراعات القومية نجد الحرب التي يتعرض لها الأكراد في المثلث الواقع في دول العراق و تركيا وسوريا و إيران لمنع قيام دولتهم المستقلة، كذلك الصراع في إقليم كشمير المتنازع عليه بين دولتي الهند و باكستان، و تناحر القوميات المتعددة في اندونيسيا المسلمة. فحتى جريمة الإبادة الجماعية فلابد أن يكون المجني عليه أو المجني عليهم يخالفون الجاني في القومية أو العرق أو الدين أو المذهب الأثني أو كما يطلق عليه الخلاف العقائدي(1)
ــــــــــــــــــــــ
(1) د :عبد الفتاح بيومي حجازي- المحكمة الجنائية الدولية - ص 386- دار الفكر الجامعي 2004 .
فالأمثلة الدولية التي يمكن سردها في هذا الصدد عديدة ونكتفي بذكر هذا القدر الذي يوضح لنا أن البواعث على ارتكاب جريمة إبادة الجنس البشري قد تكون سياسية أو دينية أو اجتماعية(2) وهو ما سنوضحه في المطالب التالية :
فرع01: البواعث الديـنية
لم تعد البواعث الدينية و اختلاف العقائد الدينية ذات أثر هام في المجتمعات الحديثة، بحيث تدفع نحو استخدام القوة أو الإبادة، و ذلك باستثناء الحركة الصهيونية التي تركزت في إسرائيل و رجال الفكر الشيوعي المتطرف الذي انهار لاحقا في الاتحاد السوفيتي. وهذا عكس ما عليه الحال في الماضي وخاصة في القرون الوسطى كالحروب الصليبية وإبادة المسلمين في إسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر، والانقسام الديني في أوروبا على إثر
ظهور "البروتستانتية" بزعامة "مارتن لوثر " سنة 1483 -1546 وتصارعها مع الكاثوليكية السائدة منذ قرون .
ـــــــــــــــــــــ
(1)Etrusque : هم جماعة من لصوص البحر البواسل و لا يعرف لهم أصل أو منبت و الراجح أنهم كانوا يستوطنون غرب آسيا الصغرى.
(2) د: محمد سليم محمد غزوي : نفس المرجع السابق.
- فقد كانت الإبادة في الماضي تتوقف على معيار القوة، فالجماعات الأقوى عددا وعدة كانت تحاول أن تقضي على الجماعات المناوئة لها كما فعلت قبائل Etrusque(1) في القرن الثامن قبل الميلاد المقيمين على الضفة اليمنى لنهر " التيبر " مع سكان روما القديمة " اللاتين " المقيمين على الضفة اليسرى من النهر في سهل "لايتوم " وقد أغاروا عليهم واستولوا على المدينة القديمة وانقسم الشعب إلى قسمين : الأشراف وهم الغزاة الأتراسكيون، والطبقة العامة وهم السكان الأصليون، وكانت هذه هي النواة الأولى للإمبراطورية الرومانية فيما بعد. وكذلك ما فعله الإمبراطور "دقلديانوس " الوثني الديانة مع الأقلية المسيحية سنة 284 م، فقد كان يرى أن من أسباب ضعف الدولة مناوئة المسيحية الوثنية والحروب الصليبية في القرون الوسطى ، ففي الاجتماع الذي عقده البابا " أوربان الثاني " بمدينة "كلير موهيران " سنة 1095 نادى تلبية لرغبة الملوك بالحرب الصليبية الأولى التي أزهق فيها أرواح الآلاف من المسلمين وكذا الثورة الشيوعية على الملاك وأصحاب الأراضي سنة 1917، وأطلق على هذه الفترة بالحرب الشيوعية حيث صدر في 12/12/1917 قانون العقوبات السوفياتي الجديد بغية حماية النظام الاجتماعي الذي يمثل مصالح مجموع العاملين.- عن الدكتور محمد سليم غزوي- الرجع السابق.
فإبادة الجنس البشري لبواعث دينية قد قلت في العصر الحديث عما كان في الماضي و أصبحت مقصورة على جماعات معينة ؛ الأمر الذي يحتم تدخل هيئة الأمم المتحدة بطريقة فعالة لردع العابثين بالعقائد الدينية مثال ذلك الإبادة الإسرائيلية للعرب في فلسطين كمذبحة دير ياسين ، وقد شملت أيضا المسيحيين لأنها تهدف إلى توطين الإسرائيليين دون غيرهم لتحقيق الهدف في إعادة مملكة إسرائيل وذلك من خلال تصفية الشعب الفلسطيني المسلم والمسيحي لصالح الشعب اليهودي.
ولا يختلف الأمر عما قامت به عصابات "أرغون وشيزن" الصهيونية وعصاباتها "إيلاجا" الكاثوليكية الفلبينية المتعصبة التي قامت بإبادة المسلمين الذين يعيشون في جنوب الفليبين عام 1970.
فلم تكتف هذه العصابات بالقتل الجماعي للآلاف من المسلمين الذين تحاصرهم في المساجد والمدارس ، بل اتبعت أيضا أسلوب التمثيل والتشويه بالجثث وبث الرعب والفزع في صفوف المسلمين وذلك لدفعهم على الهجرة من مناطق تجمعاتهم وتفريغ الجنوب الفلبيني، وقد تحقق هذا الهدف بفرار سكان القرى وهجرها تماما وأحلت عصابات " إيلاجا" محل المهاجرين أسرا أخرى نقلتهم من الشمال الفليبيني.(1)
ومن الصراعات الدينية كذلك، المذهب الشيوعي الذي كان يرى أن العقائد الدينية تحول بينها وبين الأهداف الاقتصادية و الاجتماعية.
فرع02: البواعث السياسية والاجتماعية
إلى جانب البواعث الدينية فان البواعث العرقية و القومية و الأثنية و غيرها قد تكون سببا
في جريمة الإبادة الجماعية وذلك حسب ما ورد في المادة الثانية فقرة أولى من اتفاقية
ــــــــــــــــــــ
(1) د: محمد سليم غزوي : نفس المرجع السابق . مما يجدر ذكره في هذا الخصوص أن بعض الزعماء المسلمين في الفليبين الذي يواجهون عمليات الإبادة قد جاءوا إلى البلدان العربية لعرض مأساة المسلمين هناك منهم " ساليلدا بنداتون" الذي حمل صورا لوجوه انتزعت منها الأحشاء و القلوب كدليل قاطع على عمليات الإبادة على المسلمين في الفليبين.وقد نشرت جريدة الأهرام المصرية بعضا من هذه الصور في الصفحة السابعة منها يوم 29/02/1972 عن الدكتور:محمد سليم غزوي
منع جريمة إبادة الجنس البشري و أن المرجعية على الإبادة ترجع إلى الصفة الوطنية .(1)
والواقع أن كلمة الوطنية national الواردة في المادة الذكورة أعلاه من اتفاقية منع الإبادة، و يقابلها كلمة "القومية" الواردة في نص المادة السادسة من نظام المحكمة الجنائية الدولية، يدخل في مضمونها الباعث السياسي، ومع ذلك أثناء مناقشة مشروع الاتفاقية عارضت الكتلة الشرقية وبدرجة خاصة الاتحاد السوفياتي إدراج الباعث السياسي، وهدد مندوبها بأن النص على الباعث السياسي سيؤدي إلى رفض التوقيع عليها، الأمر الذي اضطر أعضاء اللجنة إلى استبعاد هذه العبارة من الاتفاقية. ونصت على توافر جريمة الإبادة إذا ارتكبت بسبب الأحقاد الجنسية، وكان ذلك على إثر المفاهيم التي تروجها ألمانيا من أن الجنس الآري وهو أصل الألمان من أرقى الأجناس البشرية ولذا يجب أن يسيطر على الأجناس الأخرى كافة.
كما يمكن اعتبار أن التمييز العنصري من البواعث التي تندرج تحت المعيار السياسي أو الاجتماعي لجريمة الإبادة كمشكلة الملونين في جنوب إفريقيا والزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية .
ففي دولة جنوب إفريقيا "قبل إلغاء التمييز العنصري" فان سياسة الأبارتهايد ويقصد بها الفصل العنصري، كانت تفرض قيودا صارمة على حرية الحركة و الحقوق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية لغير البيض، كما أن غالبية الأرض بما في ذلك المناطق الغنية بالمعادن تخصص للأقلية البيض بينما يعيش الأفريقيون في المعازل.(2)
فقد كان يجرى تصنيف كل فرد حسب جنسه و يقيد في سجلات السكان حسب التصنيف الآتي: البيض، البانتو و يقصد بهم الوطنيون أي السكان الأفارقة الأصليون، الأسيويون و هم الذين ينحدرون من أصل أسيوي و الملونين و يرجعون إلى أصل مختلط.
وعلى أساس هذا التقسيم تتحدد حقوق كل فرد و حريته و التزاماته في جنوب إفريقيا، إذ أنه يقرر سبل الحياة لكل منهم و نوع التعليم الذي يمكن أن يتلقوه و الحقوق السياسية لكل منهم، وبوجه عام ما يكون لهم من الحرية في العمل و التحرك.
ـــــــــــــــــ
(1) و (2) د :محمد سليم محمد غزوي -المرجع السابق -ص34 و 36 على التوالي.
و قد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات وضحت فيها بأن سياسة الفصل العنصري هي جريمة ضد الإنسانية، و كان لهذه القرارات أثر مباشر في إلغاء هذه السياسة في جنوب إفريقيا، وقيام دولة جنوب إفريقيا الحالية التي يحكمها الأغلبية السوداء و بالتالي زوال النظام العنصري فيها.
الفصل الثاني: تـدوين جـريمة إبادة الجنس الـبشري والمعاقبة عليها و أهم
التطبيقات الدولية في مجال محاكماتها
إن الحرب العالمية الثانية كانت مسرحا لأبشع سلسلة من الجرائم المرتكبة ضد الجنس البشري وذلك لإشباع نزعة إجرامية جامحة، فانتهكت حقوق الإنسان ، واستعمل في تنفيذ هذه الجرائم مختلف الوسائل الوحشية من قتل بالجملة رميا بالرصاص أو الغاز الخانق أو عن طريق المجاعة إلى الحرمان من العناية الطبية إلى العمليات و التجارب العلمية على البشر و حمل السكان المدنيين على ترك وطنهم للعمل في مجهود الحرب الألمانية. و ترتب عن هذه الأفعال المقترفة بمعرفة النازية الألمانية ، أن استاء الضمير العالمي، الذي نادى بضرورة معاقبة مرتكبي هذه الأفعال، و لذلك أنشئت المحاكم الدولية العسكرية في طوكيو و نورمبرغ لمعاقبة القادة الألمان المتهمين بارتكاب هذه الجرائم. و قد كانت أحكام هذه المحاكم والمبادئ التي أرستها سببا في إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للاتفاقية الدولية لمنع و عقاب إبادة الجنس البشري منعا للعودة لمثل هذه الأعمال البشعة، وذلك في 9 ديسمبر 1948 حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لمنع وعقاب إبادة الجنس البشري. وعليه سوف نخصص هذا الفصل لدراسة اتفاقية منع الإبادة من حيث محتواها و دواعيها و عقوبتها و تطبيقاتها الدولية من خلال المباحث التالية:
ــــــــــــــــــ
(1) د: عبد الفتاح بيومي حجازي -ص315 و 316- المحكمة الجنائية الدولية -دار الفكر الجامعي -2004.
المبحث الأول :اتفـاقية مـنع إبـادة الجـنس الـبشري
إن جوهر جريمة إبادة الجنس البشري ينحصر في إنكار حق البقاء لمجموعات بشرية بأجمعها نظرا لما ينطوي عليه من مجافاة للضمير العام ومن إصابة الإنسانية كلها بأضرار بالغة سواء من الناحية الثقافية أو غيرها من النواحي التي قد تساهم بها هذه المجموعات،فضلا عن مجافاته الأخلاق و مبادئ الأمم المتحدة. (1)
ولذلك كانت ردة فعل المجتمع العالمي ضد هذه الجريمة قوية مما جعل الأمم المتحدة بإقرار اتفاقية منع إبادة الجنس البشري،و سندرس هذه الاتفاقية دراسة مفصلة من حيث محتواها و دواعيها واستعراض مختلف المواقف الدولية بشأنها من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: تـدوينها، محـتواها ودواعـيها
فرع 01: تـدويـنها
كما ذكرنا سابقا أنه لفتت الأعمال النازية أنظار العالم أجمع إلى ما في هذه الجرائم من وحشية وفضاعة يجاوزان كل وصف، لذا تقدمت وفود كوبا والهند وبنما إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1946 باقتراح يهدف إلى توجيه نظر المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجريمة إبادة الجنس البشري ودعوة هذا المجلس إلى دراسة عملية مستفيضة, وتقديم تقارير عما إذا كان ممكنا اعتبار هذه الجريمة جريمة دولية(2)، وإعطاء قرار الجمعية العامة رقم 96 سنة 1946 فعالية أكثر عن طريق وضع اتفاقية، ولا سيما أن الأمم المتحدة قد أقرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي من أبرز مبادئه: حق الحياة. ثم قامت الجمعية العامة بإحالة المشروع يتضمن ثلاث مسائل وهي:
أ- تعريف جريمة إبادة الجنس البشري.
ب- تعداد الجرائم وجميع الأعمال التي تدخل في هذا التعريف.
ج- وضع نصوص منع وعقاب جريمة إبادة الجنس البشري.
ـــــــــــــــ
( ) د: محمد سليم محمد غزوي-نفس المرجع السابق- ص8 و ما بعدها.
( ) د : محي الدين عوض : دراسات في القانون الدولي الجنائي- ص 85 –دار الفكر العربي- القاهرة.
وقبولا لهذا الاقتراح طلبت الجمعية العامة من اللجنة القانونية التوسع في مدلول الإبادة، حيث تتناول فضلا عن الاستئصال المادي والمعنوي بالوسائل العنيفة أعمال الاستئصال الثقافي، وأن تشمل الاتفاقية كافة الشعوب.
وقد أحالت اللجنة المشروع إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي شكل لجنة خاصة عهد إليها وضع نصوص نهائية في مشروع اتفاقية جريمة إبادة الجنس البشري.(1)
وقد واجهت اللجنة مسائل أساسية قبل إعداد الاتفاقية مثل: تعريف الجريمة، هل يصاغ عاما شاملا أم تحدد أركان هذه الجريمة وعناصرها؟ وما هي الفئات التي تمتد إليها حماية الاتفاقية ؟ وهل تدخل فيها الجماعات السياسية أم تقتصر على الجماعات الدينية والعرقية ؟ وهل المقصود بالاستئصال المادي هوإزهاق الأرواح و إخضاع حياتهم لظروف معيشية تؤول إلى الإبادة الثقافية والدينية واللغة ؟و هل تعني القتل الجماعي فقط أم تحويل السكان ؟.
ونتيجة الجدل تم الاتفاق بشكل جماعي على بعض النقاط كوجوب تحديد الأفعال المتكونة منها جريمة الإبادة وذلك بشيء من التفصيل. وأمام إشارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاضطهاد الواقع على الأحزاب السياسية وحقوق الإنسان في الدول الاشتراكية، عارض الاتحاد السوفيتي إضافة الجماعات السياسية وهدد مع حلفائه بعدم التوقيع على الاتفاقية، لأنه في حالة النص على الجماعات السياسية ينزع منها الصفة الدولية ولا يؤمن لها الحماية القانونية .
وقد طرح الوفد المصري الاستئصال المعنوي للجنس البشري في بعض صوره كهدم المعابد والجوامع والمتاحف الخاصة، وكان الدافع للوفد هو حوادث فلسطين وما شرعت به الصهيونية مستهدفة القضاء كلية على اللغة العربية والمميزات المبسوطة على الأراضي الفلسطينية.
ولقد ساند الوفد الفرنسي هذه الأطروحات عندما طرح نموذجا ثالثا للإبادة وهو الاستئصال الثقافي كالتدابير المتخذة للقضاء على ثقافة شعب، متأثرين بما حدث لشعب الألزاس واللورين.
لكن موقف بريطانيا المحايد لوجهة نظر الحركة الصهيونية في فلسطين وكذلك الاتحاد السوفيتي لدوافع متناقضة عرقلت هذا المشروع ولم يؤخذ به، وذلك بموافقة 31 صوت وامتناع 08 دول
ـــــــــــــــــ
(1): تتألف اللجنة من: الو.م.أ ، الاتحاد السوفيتي ، لبنان ، الصين ، فرنسا ، بولندا ، فنزويلا.
عن التصويت استبعدت الجماعات السياسية والثقافية، واعتبرت المسؤولية تقع على الفرد وإحالة جرائم الإبادة إلى القضاء الدولي وأن تطبق الاتفاقية على الأراضي الخاضعة للاحتلال الحربي(1).
فرع 02: محـتواها
تحتوي الاتفاقية على 19 مادة وهي كالتالي :
المـواد 1 ، 2 ، 3 : تعطي طروحا عامة على الطبيعة القانونية لجريمة الإبادة وتعرف الأعمال المجرمة وكذا درجة تحقيقها.
المـــادة 01 : تنص على اعتبار الإبادة الجماعية سواء ارتكبت في زمن السلم أو أثناء الحرب جريمة دولية تتعهد الأطراف المتعاقدة بمنعها والمعاقبة عليها .
المـــادة 02 : تنص على أن الأفعال التي تعتبر جرائم إبادة وبالتالي جرائم دولية يعاقب على اقترافها. و أنه لا اعتداد للصفة الرسمية أو العسكرية في الإعفاء من العقوبة لمن ارتكب هذه الجريمة، و لا يوجد مبرر لحصانة الأشخاص المرتكبين للجريمة.
المـــادة 03: بينت على أن ارتكاب تلك الأفعال أو الاتفاق على ارتكابها أو التحريض أو الشروع أو الاشتراك فيها يعد جريمة معاقب عليها.
المـــادة 04 : تنص على مقترفي الجرائم سواء أكان مرتكبيها من الحكام المسؤولين أو من الموظفين أو من الأفراد العاديين .
المـواد 05 و 06 : تنصان على وضع على كاهل الأطراف المتعاقدة اتخاذ إجراءات تشريعية ضرورية من أجل ضمان تطبيق الاتفاقية وخاصة وضع عقوبات لمقترفي جريمة الإبادة. وذلك حتى تتم محاصرة الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجريمة جنائيا على النطاق الدولي الوطني. ولقد اختلفت خطة التشريعات الوطنية فمنها ما نص على تجريم إبادة الجنس البشري في قانون العقوبات، من ذلك قانون العقوبات الفرنسي الجديد في المادة 211 منه ،و كذلك كان مسلك المشرع الألماني إذ نص على هذه الجريمة في المادة 200 من قانون العقوبات الألماني.
ـــــــــــــــــ
(1) د : محي الدين عوض : نفس المرجع السابق.
وهناك من يكتفي بالنصوص العامة في قانون العقوبات و التي تجرم الأفعال التي نصت عليها الاتفاقية، من ذلك المشرع المصري الذي يعاقب على أفعال القتل و الجرح بصفة عامة. و قد تفرد بعض التشريعات الوطنية قانونا خاصا لتجريم إبادة الجنس،مثال ذلك ايطاليا و بلجيكا.(1)
المــــادة 05 : تنص على أن يتعهد الأطراف المتعاقدين على الاتفاقية كل طبقا لدستوره بأن يتخذوا التدابير التشريعية اللازمة لنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وذلك بالنص على عقوبات جنائية ناجعة في تشريعاتهم تنزل على مقترفي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة سواء أكانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفراد .
المـــادة 06 : تنص على أن تتم محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب أفعال الإبادة الجماعية أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها أو محكمة جزائية تكون ذات اختصاص من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها .
المـــادة 07 : تنص على أن جريمة الإبادة لا تعد جريمة سياسية، حتى لا يفلت الجاني حين يطلب تسليمه لاتهامه بارتكاب مثل هذه الجرائم، لذلك المشرع نفى عن هذه الجريمة صفة الجريمة السياسية حتى تجبر الدولة على تسليمه متى طلب منها ذلك.وعليه فالإبعاد والتسليم يتم وفقا للاتفاقيات السارية المفعول ، وعلى كل الأطراف المتعاقدة التعاون مع أجهزة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة للوقاية وقمع مثل هذه الأفعال وتتدخل محكمة العدل الدولية لتسوية الخلافات الناشئة في موضوع تفسير وتطبيق الاتفاقية .أما بقية المواد فهي إدارية إجرائية .
التـعليق علـى مـواد الاتفـاقـية:
يتبين لنا بعد تحليلنا لأهم نصوص اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها أنها أكدت بوضوح اعتبار الإبادة الجماعية جريمة من جرائم القانون الدولي يعاقب على اقترافها. ومنذ صدور هذه الاتفاقية وتأكيدها التام على اعتبار الإبادة الجماعية جريمة دولية في نظر القانون الدولي العام ، جاءت كل المشاريع المتعلقة بهذا الصدد خاصة المتعلقة منها بالمسؤولية الدولية معتبرة بأن جرائم الإبادة جرائم دولية غير مشروعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
د: عبد الفتاح بيومي حجازي -المرجع السابق -ص 24 (1)
كما يتضح لنا من خلال مواد الاتفاقية أنها لا تشير إلى الجماعات السياسية عند تعريف جريمة إبادة الجنس البشري التي استبعدت تجنبا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول. و لم تؤمن الحماية لكل الجماعات الوطنية بما فيها الجماعات السياسية و الاجتماعية و الثقافية حيث كانت هدفا للإبادة بسبب طابعها السياسي.
فهذه الاتفاقية لا تحمي سوى المجموعات الأثنية و الدينية، لأنه نادرا ما نجد في العالم دول متجانسة تجانسا اثنيا كاملا. وهكذا يكون تعريف جريمة الإبادة قد تم وفقا لصياغة عامة مبنية على التوفيق بين مختلف الاتجاهات و ليس استنادا إلى منطلق أو نظرية كما أنها لا تخلو من غموض في الصياغة و المحتوى.(1)
فـرع 03 : دواعـي اتفـاقية مـنع إبـادة الجنـس البشـري
من أجل القضاء على الفوارق الاجتماعية والسياسية والعنصرية بين الشعوب وحب إشاعة روح التضامن الذي يربط بين الشعوب وما يصطحبه من شعور بالعدل، وهذا هو السبب والدافع إلى تقنين اتفاقية منع جرائم الإبادة وقد تمحورت على العوامل الدولية التالية :
1) حماية حقوق الإنسان:
تولد إحساس مشترك لدى أعضاء الجماعة الدولية بضرورة الخروج من حالة الفوضى والدمار التي هددت المجتمع واستهدفت مثله العليا كالرفاهية والأمن والسلام، والتي تستهدف الإنسان بصفته محور وغاية القانون الدولي. وقد اعتبرت أعمال الاعتداء الجسيم على الأفراد والجماعات جسمانيا ونفسيا من الأعمال المكونة لجريمة إبادة الإنسان التي أشارت إليها محاكمات نورمبورغ. وبالتالي فما ارتكبته القوات العسكرية النازية في الأقاليم المحتلة في العالم هي جريمة تقع على الإنسانية جمعاء. (2)
ولم يعد القانون ينظر إلى الإنسان كعقار أو منقول بل يعد الوحدة الأساسية التي يرتكز عليها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) العشاوي عبد العزيز -جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني- رسالة دكتوراه في القانون الدولي لسنة 1990 1991. جامعة الجزائر.
(2) العشاوي عبد العزيز- نفس المرجع السابق.
أي نظام قانوني وقد تكرس ذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما كرسه من مواد مكملة لاتفاقية جريمة الإبادة.(1 )
وبهذا أصبح الفرد إنسان في العالم له حقوق أساسية يجب حمايتها من كل انتهاك وبذلك نشأ نظام قانوني أساسه الدفاع عن الفرد بحكم انتمائه إلى جماعة، عرق، جنس، ديانة .
كما أصبح الإنسان هو المقصود الأول بالقاعدة القانونية الدولية وينبغي الحفاظ على سلامته وحياته، وهذا ما يحد من حرية الدول في معاملة الشعوب الخاضعة لها وعليها الالتزام بالوثائق القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان.
02) الحماية الدولية لحقوق الأقليات :
إن من واجب المجتمع الدولي حماية السلامة الجنسية البشرية لكل الأفراد والجماعات ضد الأفعال التي تنتهك وتهدد حياتهم أو توقع عليهم التمييز العنصري و التي تشكل جريمة دولية.
حيث أن القانون الدولي لم يعد قانون الدول فحسب بل هو قانون للجماعات والهيئات الدولية والأفراد المكونين شعوب الدول المختلفة والذين يقر لهم حق الحماية الدولية.
وقد أثيرت مشكلة الأقليات التي تتعرض للتمييز عندما تم إحالتها على محكمة العدل الدولية و التي حددت بدورها مفهوم المساواة في المعاهدات الثنائية الخاصة بالأقليات .
ولذلك يستوجب منح الأقلية مساواة حقيقية في المعاملة مع الأغلبية، والغرض السياسي من معاهدات الأقليات هو التمتع القانوني والفعلي لهذه الأقليات وتأمين حريتهم وكرامتهم والمساواة في المعاملة بينهم وبين غالبية السكان. (2 )
المطلب الثاني: موقف لجنة القانون الدولي والمحكمة الجنائية الدولية من اتفاقية منع الإبادة
بذلت لجنة القانون الدولي و المحكمة الجنائية الدولية جهودا كبيرة لاستخلاص الإطار العام للقواعد التي تحمي المصالح الأساسية للمجتمع من مشروع اتفاقية منع الإبادة الذي أريد أن يكون صكا دوليا ذو محتوى واسع.
فرع01: موقف لجنة القانون الدولي
لقد انقسمت المواقف في شأن الاتفاقية ووجد هناك اتجاهين الأول معارض و الثاني مجدد.
ــــــــــــــــــ
(1) : لجنة القانون الدولي سنة 1984 ص156.
(2) : العشاوي عبد العزيز –نفس المرجع السابق.
أولا: الاتجاه المعارض : يذهب هذا الاتجاه إلى استخدام لغة تمهيدية يفهم منها عدم الالتزام مستقبلا بهذه الاتفاقية وهو ما يفرغ القانون من محتواه العملي، وبالتالي سيكون القانون الدولي الجنائي محدود الأثر والقيمة إذا لم يكن تطبيقه وفرضه على نحو موضوعي وخال من التحيز، و إذا لم يحظى بتأييد عموم المجتمع الدولي حتى يقترن بوسائل تنفيذ مناسبة وأن توضع له قوة تنفيذية.(1) ويؤكد هذا الاتجاه أنه من الواجب القيام بدراسة دقيقة للأفعال المشكلة إخلالا جسيما بالقانون الدولي من خلال استعراض الصكوك الدولية واختيار الأكثر منها خطورة، وقد سبق وأن أبرمت اتفاقية لمنع الإبادة التي ينبغي إدراجها في هذا المشروع ، فما هو الداعي إذن لتخصيص مكان منفصل لها ؟ سيما أنها وردت بشكل عشوائي في المادة 11 من مشروع الجريمة المخلة بالأمن و السلم الدوليين والتي تستند إلى جريمة الإبادة في إعادة تكرار المواد المنصوص عليها سابقا.(2)
ثانيا: الاتجاه المجدد: يرى معظم أعضاء لجنة القانون الدولي أخذا بالتطور التدريجي للقانون الدولي في الاعتبار، وضع مشاريع بشأن المواضيع الواجب تطويرها خاصة، لأن هناك دول أعضاء جديدة في الأمم المتحدة تمكنها بالقيام بدور فعال في وضع القانون الدولي وذلك بتوجيه أعمال التقنيين نحو مواقف أكثر استجابة لطموحات الدول الحديثة الاستقلال .
ويرى هذا الاتجاه ضرورة التوفيق بين القانون الدولي وبين حقائق المجتمع الدولي المتغيرة و تفسير قواعد القانون الدولي لتقريب القاعدة القانونية من حقائق الحياة.
و لجريمة الإبادة قابلية التحديث ما يمكنها من تبني أحداث وتحولات عميقة في القانون الدولي. فمفهومها لسنة 1948 لم يعد مطابقا لمضمونها الحالي المتسع، مما أحدث انفصال بين التعريف النظري والمضمون الحقيقي.
ــــــــــــــــــ
(1) :لجنة القانون الدولي سنة 1964 ص44 و47
(2) : لجنة القانون الدولي سنة 1986 ص152
ثالثا: المـواقف داخـل اللـجنة المـكلفة بالصـياغة: شهدت اللجنة خلافات حول المفردات والتفسير، فهناك فريق يرى أن تعريف الجماعات العنصرية أو العرقية يدل على نفس الشيء، حيث تم الاكتفاء بلفظة عرقية على أساس المرونة وترك المجال للتشريعات الوطنية تحدد ذلك.
السؤال المطروح: لماذا تم حجب أو استثناء الجماعات السياسية ؟
كانت الأصوات في لجنة دراسة الاتفاقية أربعة ضد إدراج مصطلح الجماعات السياسية مقابل ثلاث أصوات مؤيدة لإدراجها، مبررين ذلك بأن الجماعات السياسية تتصف بعدم الدوام والثبات وهي حجة طرحتها دول العالم الثالث أكثر، وهذه الجماعات تختلف عن الجماعات العرقية والعنصرية والدينية لأن هذه الجماعات الأخيرة، الأشخاص يولدون وهم على هذه الحال ولا تتغير صفاتهم لفترات طويلة مقارنة مع الجماعات السياسية .
كما أن إدراج الجماعات السياسية قد يضر بمستقبل الاتفاقية لخوف الكثير من الدول من أن تساق إلى المثول أمام محكمة دولية لمواجهة اتهامات قد توقع ضدها .وتجد الجماعات السياسية سبلا للاستفادة من الاتفاقية و إضعاف محاولات الدول القضاء عليها، وقد كانت الدول الأوربية تحبذ إدراج ذلك في الاتفاقية.
لكن نرى أنه لو أضيفت عبارة الجماعات السياسية لتوسعت الحماية لتشمل مختلف الجماعات، وبالتالي كل الشعوب. فالإبادة التي ترجع لأسباب دينية هي وثيقة الصلة بالإبادة الموجهة لجماعات وطنية وقومية، لأن الجماعات الدينية تعد من قبيل الجماعات الوطنية أو من ضمنها، لذا فأن الشعوب سواء كانت في الجماعات السياسية أو الدينية أو القومية والوطنية فهي تتعرض للإبادة (1)
فرع 02: مـوقف المـحكمة الجـنائية الـدولية
المحكمة الجنائية الدولية هي جهاز قضائي دولي مستقل، أنشئ بموجب اتفاقية دولية تم اعتمادها في 27 يوليو 1998 ودخلت حيز التنفيذ في 11 أفريل 2002. وهذه المحكمة الجنائية الدولية جاءت لتسد فراغا كبيرا على الصعيد الدولي لأنه في كل مرة كانت تشكل محاكم خاصة
كمحكمة يوغسلافيا و رواندا للعقاب على واقعة محددة ثم تزول هذه المحكمة ، وهذا مادفع إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
ـــــــــــــــــــ
(1) : العشاوي عبد العزيز – نفس المرجع السابق.
وتختص هذه المحكمة بمحاكمة مجرمي الحرب و الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الإبادة. حيث تنص المادة الخامسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على مايلي:"اختصاص المحكمة محدود في الجرائم الكبرى التي تخص المجتمع الدولي:جرائم القتل الجماعي،جرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب".
فجريمة إبادة الجنس البشري تعد جريمة دولية تمثل خطورة على الأسرة الدولية حتى ولو وقعت في داخل الدولة نفسها من سلطات ذات الدولة، فلا يشترط أن تقع هذه الجريمة من جناة في دولة أخرى على مواطني ذات الدولة.
وهي من الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية حيث عرفتها المادة السادسة من نظام المحكمة جريمة الإبادة بأنها: " ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بقصد إهلاكها كليا أو جزئيا" ، وقد ورد تعريفها متطابقا مع نص اتفاقية منع إبادة الجنس البشري سنة1948، لكن مع وجود بعض الاختلافات نبرزها فيما يلي:
• استخدم نظام روما الأساسي كلمة "إهلاك" بدلا من كلمة " تدمير" الواردة في الاتفاقية. ويتبين أن الإهلاك ينطوي على إفناء لكل الجماعة و بالتالي يتجاوز غرض التعريف الذي ينص على أن التدمير حسب نص الاتفاقية يمكن أن يكون جزئيا. كما أن النص الوارد بالإنجليزية استخدم كلمة to destroy » " و التي نجدها في القاموس تحتمل معنيين التدمير و الإهلاك.
• نلاحظ كذلك أن نظام روما لم يستخدم حرف الجر "من" التبعيضية، كما هو الحال في نص الاتفاقية، ويبدو أن استخدام "من" جاء لتأكيد أنه ليس من الضرورة قتل أعضاء الجماعة كافة، وفي تقديري ذلك لا ينتج خلافا في النصين، طالما أن التدمير كان يحتمل أن يكون جزئيا.
• كما استخدمت الاتفاقية كلمة "عنصرية" بينما استخدم نظام روما كلمة "عرقية".
ــــــــــــــــــــ
(1) : د:- عبد الفتاح بيومي حجازي- نفس المرجع السابق -ص 30.
• كذلك استخدمت الاتفاقية كلمة "روحي" وفي المقابل استخدم نظام روما الأساسي كلمة "عقلي"، وهذه الكلمة الأخيرة أضيق نطاقا لأن المرء يمكن أن يكون صحيحا عقليا و مضطرب نفسيا. كما أن فعلا إجراميا معينا قد لا يؤدي إلى أذى عقلي و إنما يخلق شعورا بالأهانة أو الامتناع عن إتيان فعل كالممارسة الجنسية الشرعية إذا تعرض لاعتداء أو عنف جنسي.(1)
المبـحث الثـاني: عقوبة جـريمة الإبــادة و التطـبـيـقـات الدوليـة في محاكماتها
ظهرت المسؤولية الدولية اتجاه الأفراد عن الجرائم المرتكبة في القانون الدولي في جرائم النازية بعد الحرب العالمية الثانية، و برزت بشكل أكثر وضوحا الجرائم الناتجة عن الأفعال الإجرامية بحق الأفراد و التي تمس و تهدد الجنس البشري و تمس المصالح الأساسية للمجتمع الدولي و ترتقي إلى مستوى الجريمة الدولية. وقد تم تكريس المسؤولية الجنائية الدولية للفرد منذ محاكمات نورمبرغ، و هو ماسنتطرق إليه في المطالب التالية:
المـطلـب الأول: عـقـوبة جـريمـة إبادة الجنس البشري
قد أولى القانون الدولي اهتماما خاصا بجرائم الإبادة الجماعية التي روعت البشرية في الفترة الأخيرة، و طبقا للاتفاقية الدولية المؤرخة في 09 ديسمبر 1948 التي وضعت الأسس و النصوص التي تعاقب مرتكبي هذا الفعل الإجرامي فان جريمة الإبادة الجماعية ذات صلة وثيقة بالسلم و الأمن الدوليين ، فلم يعد هذين المفهومين الآخرين مقتصرين على أمن الدول فقط بل أنه امتد ليشمل أمن البشر.
فعمليات الإبادة الجماعية للشعوب تعد جرائم دولية طبقا للقوانين و الاتفاقيات الدولية التي أشارت إلى أن المسؤولية الناجمة عن ارتكاب مثل هذه الجرائم هي مسؤولية جنائية(2) يجب على المجتمع الدولي أن يقرها و يحملها لكل من يرتكبها.
ــــــــــــــــــــ
(1) : المحامي عز الدين عثمان -مقالة بعنوان: تاريخ وتطور مصطلح الأبادة الجماعية -مأخوذة من الأنترنيت موقع:www.google.fr
(2)
وتسوي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية من حيث المسؤولية الجنائية سواء وقعت الجريمة
تامة أو اقتصرت على الشروع وسواء كان مرتكبها فاعلا أصليا أومساهما فيها مساهمة تبعية
وأيا كانت الصور التي تتخذها هذه المساهمة من تحريض أو اتفاق أو مساعدة .
ولقد نصت المادة الثالثة من الاتفاقية المذكورة أعلاه " على أنه يعاقب على الأفعال التالية:
أ- الإبادة الجماعية.
ب - التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية
ج- التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية
د - محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية
هـ - الاشتراك في الإبادة الجماعية
فطبقا لهذا النص يسأل عن جريمة الإبادة مسؤولية دولية كاملة كل من :
• من يحقق بنشاطه الإجرامي كل أركان الجريمة التامة. وهي التي مرت بكافة مراحل الجريمة ابتدءا من التفكير والتصميم واتخاذ كافة العمليات التحضيرية حتى القيام بارتكاب الفعل الجرمي وتحقيق النتيجة وهي الإبادة .
وكما قد يكون الفعل الجرمي قياما بعمل فإنه يمكن أن يكون امتناعا عن عمل أيضا يوجبه القانون ويشكل عدم القيام به جريمة إبادة .
• من يتوقف بنشاطه عند مرحلة الشروع وهي الجريمة التي استنفذ فيها الجاني كل أدوات الجريمة التامة إلا أنها تقع لسبب لادخل لإرادة الجاني فيه .
• من يصدر عنه أي فعل من أفعال المساهمة التبعية في جريمة الإبادة حتى ولولم تقع بالفعل، أو لم يتحقق الشروع أو المحاولة في ارتكابها. كما يعاقب على التآمر أي الاتفاق وهو اتحاد إرادتين أو أكثر على ارتكاب جريمة إبادة جماعية .
• من يقوم بالتحريض ويقصد به دفع الجاني إلى ارتكاب الجريمة عن طريق خلق فكرة لدى فاعلها وتدعيمها كي تتحول إلى تصميم على ارتكاب الجريمة. والمحرض هو الفاعل المعنوي، واعتبرت المادة 03 من الاتفاقية أن مجرد التحريض العلني والمباشر على ارتكاب جريمة الإبادة يعاقب فاعلها ولو لم ترتكب الجريمة موضوع التحريض .
• كل من يشارك في جريمة إبادة الجنس البشري فيعاقب على ذلك ، وصور الاشتراك منصوص عليها في المادة 48 من قانون العقوبات وأشارت إلى أنواع الاشتراك وهي
المساعدة ، التحريض والاتفاق ). وما يلاحظ أن الاتفاقية خالفت القانون الداخلي واعتبرت التحريض والاتفاق جريمتين مستقلتين وليس اشتراكا في الجريمة.
والاشتراك يتمثل في تقديم العون المادي لمرتكب الجريمة بشرط أن تقع هذه الجريمة بناءا على المساعدة المقدمة. لذلك كان يكفي النص على الاشتراك في الإبادة فقط دون التحريض والاتفاق لأنهما يدخلان ضمن أفعال المساهمة التبعية.
وقد نصت المادة الخامسة من اتفاقية منع الإبادة على ضرورة التزام الدول أطراف الاتفاقية باتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لتطبيق أحكام هذه الاتفاقية، و بصفة خاصة أن ينص في تشريعاتها على العقوبات الجنائية الكفيلة بمعاقبة كل من يرتكب جريمة الإبادة أو أي من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة من ذات الاتفاقية.
كما نصت المادة السادسة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية على محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المنصوص عليها في المادة الثالثة من الاتفاقية أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكبت الفعل على أرضها أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص. لكن مايؤخذ على هذه الاتفاقية أنها لم تنص على كيفية متابعة مرتكبي هذه الجرائم، و لم تنص على عقوبات معينة تلتزم الدول بالأخذ بها في سبيل مكافحة تلك الجريمة، إذ أن الدول لها الحرية في اختيار أنسب التشريعات و العقوبات التي تتراءى لها في ذلك.
أما في نظام المحكمة الجنائية الدولية وحسب نص المادة 21 منه فتطبق على جريمة إبادة الجنس البشري التي هي ضمن اختصاصها ما هو منصوص عليه في نظامها الأساسي، بوصف أن قانونها له الأولوية في التطبيق، ثم تطبق لاحقا وعند الحاجة مصادر القانون الدولي الأخرى حسب ترتيبها في نص المادة 21 من نظام المحكمة و تتنوع هذه المصادر القوانين الوطنية التي تجرم أفعال الإبادة الجماعية، و يمكن تطبيقها على الجريمة،شرط عدم التعارض مع نظام المحكمة الجنائية الدولية.
وفيما يتعلق بالاختصاص القضائي لهذه الجريمة فقد نصت المادة السادسة من الاتفاقية الدولية لمنع و عقاب إبادة الأجناس على اختصاص القضاء الوطني بالعقاب على تلك الجريمة.وقبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية كان القضاء الوطني هو صاحب الاختصاص في نظر وتقدير المسؤولية الدولية للفرد مرتكب الجريمة الدولية للإبادة الجماعية و العقاب على ذلك، و القانون الدولي في هذه الحالة يرخص للدولة بمساءلة و عقاب الفرد مرتكب هذه الجريمة الدولية تاركا لهذه الدول تقدير العقوبة التي تقررها في هذا الشأن. (1)
لكن تخويل محاكم الدولة التي يقع على إقليمها هذه الجريمة للقيام بإجراءات المحاكمة العقاب هو إجراء عديم الجدوى، ذلك أنه من الصعب أن تتوقع من الحكومة التي تأخذ سياسة الإبادة الجماعية منهجا لها. لذا من الأفضل محاكمتهم أمام محكمة جنائية مخولة لذلك.
لكن نظام المحكمة الجنائية الدولية نص أساسا على اختصاصه بالجرائم الثلاث وهي: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.ومع ذلك فهي تمارس اختصاصاتها مع القضاء الوطني للدول الأعضاء حسب نص المادتين 1 و 16 من نظام المحكمة.والقضاء الجنائي الوطني له الأولوية على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
و يؤخذ على هذه الاتفاقية الدولية¬¬¬ ـ لمنع إبادة الجنس البشري ـ أنها وان كانت تمثل خطوة ايجابية للحد من الإجراءات التعسفية التي كانت تقوم بها بعض الدول ضد الإنسانية و ضد الأقليات المقيمة على أرضها، فالدول الكبرى لازالت تنتهك أحكام هذه الاتفاقية و لاتكترث لدروس الماضي ـ سيما ماحدث في ألمانيا النازيةـ ذلك أن الإخلال بأحكام هذه الاتفاقية الدولية من الدول الكبرى المؤثرة في العالم اقتصاديا و سياسيا و عسكريا،أمر يؤثر في السلم و الأمن الدوليين. (2)
ولعل ذلك يرجع إلى ما لاحظه جانب من الفقه الجنائي من أن الاتفاقية الدولية و إن كانت قد
بينت خصائص جريمة الإبادة و طبيعة المسؤولية عنها، إلا أنها لم تحدد الجزاء الذي يجب
ـــــــــــــــــــــــ
(1): د محمد منصور الصاوي-أحكام القانون الدولي في مجال مكافحة الجرائم الدولية و ابادة الأجناس- ص 245،247
(2): د :عبد الفتاح حجازي -المرجع السابق- ص93
تطبيقه على الدول التي تخل بالتزاماتها الدولية، وتركت ذلك للمحكمة المختصة بنظر النزاع، ومع ذلك فلم يثبت اتخاذ إجراء ما ضد الدول التي ثبت أنها انتهكت أحكام هذه الاتفاقية الأمر الذي قد يشكك في فاعلية الأمم المتحدة ذاته. (1)o
وقد تدارك نظام المحكمة الجنائية الدولية هذه الثغرات، و ذلك عن طريق النص صراحة على الجزاءات و التدابير التي تقع على مرتكب الجريمة الدولية التي تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة في المواد 77 إلى 80. فضلا عما نص عليه صراحة في نظام هذه المحكمة من أن تطبيق العقوبات الجنائية على الأفراد المسؤولين عن هذه الجرائم لا يخل بمسؤولية الدول حسب القانون الدولي، فقد نصت المادة 25 فقرة 4 من أنه " لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي".(2)
المـطلب الثـاني : التطـبيقات الـدوليـة فـي محاكمات جـرائم إبادة الجنس البشري
جريمة الإبادة البشرية من أهم الجرائم الدولية التي كثرت مفاهيمها وأصبح من الصعب الفصل بين حالات التدمير والقتل العشوائي. وهناك من الأشخاص الذين كانوا في مواقع عسكرية أو سياسية رفيعة ارتكبوا جرائم إبادة واعتقدوا بأنهم بمأمن من العقاب وأن يد العدالة لن تطالهم لكن القانون الدولي المعاصر جلبهم إلى المحاكم الدولية طبقا لما يسمى بالمسؤولية الجنائية وفرض العقوبة الجزائية على مقترفي الجرائم الدولية، وذلك بغض النظر عن النوعية الوظيفية الممارسة من مقترفي هذه الجرائم وقد تبلورت هذه الفكرة في الواقع العملي إلا غداة الحرب العالمية الثانية حيث ثم إنشاء محكمتي نورمبورغ وطوكيو.
وإزاء الجرائم البشعة التي وقعت في كل من يوغسلافيا و رواندا أنشئت المحكمتان الخاصتان بيوغسلافيا ورواندا(3). وهو ما سنتطرق إليه في الفروع التالية:
ــــــــــــــــــــــ
(1): د محمد سليم محمد غزوي المرجع السابق ص 65.
(2):د عبد الفتاح حجازي المرجع السابق ص 68.
(3):القاضية سكاكني باية- العدالة الجنائية الدولية و دورها في حماية حقوق الإنسان- ص 41-دار هومة- طبعة 01.
فـرع 01¬: محـاكمة نورمـبورغ وطوكيو
أولا: محـاكمة نورمـبورغ: لم يوضع أي نظام لضبط جريمة الإبادة إلا غداة الحرب العالمية الثانية، ففي 8 آب 1945 اتفقت الدول المتضررة على إنشاء محكمة نورمبورغ لمعاقبة القادة النازيين وهم كبار مجرمي حرب العالمية الثانية.
وقد نصت المادة السادسة فقرة ج من ميثاق المحكمة العسكرية الدولية لنورمبورغ على أن :"أفعال القتل وإفناء الأشخاص والاسترقاق والإقصاء عن البلد وكل عمل لا إنساني مرتكب ضد أي شعب مدني قبل الحرب وأثنائها وكذلك الإضطهادات المبنية على أسباب سياسية أو عرقية أو دينية سواء كانت تلك الأفعال أو الإضطهادات مخالفة للقانون الداخلي للدولة المنفذة فيها أم لا ، متى كانت هذه الأفعال والإضطهادات مرتكبة تبعا لجريمة ضد السلام أو جريمة حرب أو كانت ذات صلة بها "
ونستنتج من هذه المادة أنها قد تكتسي أهمية بالغة إلى حد الآن، وخاصة في غياب قانون عقوبات دولي يضبط تعريفا لهذه الجرائم ويحدد عناصرها. إلا أن المادة المذكورة أعلاه قد اقتصرت على تعداد الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية ،ووردت هذه الأفعال بعبارات مبهمة دون توضيح، ولم تعرف ما معنى الاستئصال الذي يعني فرض ظروف معيشة قاسية بنية القضاء على مجموعة معينة، وهذا ما يمكن أن يندرج في إطار جريمة إبادة الجنس البشري الاتفاقية المبرمة في 09/12/1948(1).
وقد وجهت لمحاكمات نورمبورغ انتقادات كونها محاكمة المنتصر للمهزوم وعدم توافق الحياد لدى قضائها لأنها لا تتضمن قضاة ينتمون إلى دول محايدة تتكون من ممثلي الدول الأربعة المنتصرة على ألمانيا.(2)
ولكن على الرغم من ذلك فهي تمثل التجسيد الحي لفكرة القضاء الدولي الجنائي ، لأنه لأول مرة في التاريخ يتم محاكمة ومعاقبة مجرمي الحرب على الجرائم الوحشية وأعمال الإبادة
والقتل والتخريب واحتلال الأراضي. وقد تمت المحاكمة ونفذت العقوبات على المتهمين
ــــــــــــــــــــ
(1) د: عبد القادر البقيرات -مفهوم الجرائم ضد الإنسانية على ضوء القانون الدولي الجنائي- ص 28 و29 .
(2): الدول التي تتألف منهم محكمة نورمبورغ العسكرية الدولية هي : بريطانيا ، و م أ ، فرنسا ،الإتحاد السوفيتي.
المحكوم عليها دون اعتبار لمراكزهم أو صفتهم الرسمية.ولاتعد محكمة نورمبورغ محكمة دائمة وإنما مؤقتة، وقد زالت ولايتها في 01/10/1946 وهو تاريخ الحكم الذي أصدرت فيه أحكامها على المتهمين كما أدانت ثلاث منظمات باعتبارها منظمات إجرامية وهي : 1) جهاز حماية الحزب النازي. 2) الجتسابو "الشرطة السرية" 3)هيئة زعماء حزب النازي.
ثانيا: محـاكمة طوكـيو: على إثر إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي في 06 و 09 أوت 1945 استسلمت اليابان، وعلى إثر توقيعها على وثيقة الاستسلام بتاريخ 02/09/1945 أصدر "ماك آرثر" القائد الأعلى الأمريكي لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى إعلانا خاصا بإنشاء محكمة عسكرية دولية في طوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب (1) وتوقيع الجزاء عليهم .
ومحكمة طوكيو لم تختلف في فحواها وأهدافها عن محكمة نورمبورغ لاسيما بخصوص تعريف الجرائم التي يجب معاقبتها وهي: جرائم ضد السلام وضد الإنسانية. وقد تضمنت لائحة الاتهام على قيام المتهمين بإعداد خطة احتلال مبنية على تحقيق برنامج دمار وقتل شامل حتى للسجناء وتنفيذ تجارب علمية على البشر.
وبالرغم من وجود اختلاف بين اليابان والصين حول الحقيقة التاريخية لما حدث أثناء الحرب، لكن هناك حدثين ذو دلالات معبرة عن طبيعة الأعمال التي ارتكبها المتهمين أمام المحكمة وهما:
الحدث الأول: هو مذابح Nankin في ديسمبر1937 حيث دخل الجيش الياباني العاصمة الصينية و قتل أزيد من 300000شخص واغتصاب وقتل 20000 امرأة.
الحدث الثاني:هو التجارب الطبية التي أجريت على الأسرى الصينيين و الأمريكيين و قد بدأت المحكمة أعمالها في 03/05/1946 وأصدرت أحكامها في 04/11/1948. (2)
وكتعقيب على محكمتي نورمبورغ وطوكيو نجد أنه رغم وجود اختلاف بينهما إلا أن لهما إيجابيتهما وهي إرساء قواعد القانون الدولي الجنائي إلى الواقع العملي وإقامة عدالة جنائية
ــــــــــــــــ
(1) د: عبد القادر القهوجي : القانون الدولي الجنائي ص 250 إلى256-منشورات حلب الحقوقية-بيروت-طبعة 2001.
(2) د: عبد القادر القهوجي : نفس المرجع السابق.
دولية انبثق منها فرض مبدأ المسؤولية الفردية(1) عن الجرائم الدولية الكبرى التي تخص المجتمع الدولي وهي : جرائم القتل الجماعي، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب .
فكانت هذه المحاكم العسكرية الدولية قد شكلت الخطوات الأولى لبناء عدالة جزائية دولية.
فـرع 02: المحـاكمة الجـنائية الـدولية الخاصة بيـوغوسـلافيا سابقا و رواندا
أولا: المحاكمة الجنائية الدولية بيوغسلافيا سابقا
إن ما ارتكب على أرض يوغسلافيا سابقا في بداية التسعينات وما شاهدته من مذابح وتهجير سكاني وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان المبنية على اعتبارات عرقية ودينية خاصة اتجاه مسلمي البوسنة والهرسك و كذا كل أشكال العنف الجنسي، و الاغتصاب الذي غايته هو القضاء على عرق معين، و قد وصلت إلى حد قتل النساء الحوامل لكي لا يولد ذلك الطفل المنتمي إلى عرق غير مرغوب فيه. وذلك ما حمل مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة بإصدار القرار رقم 827 الصادر في 25/05/1993 القاضي بتشكيل محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا السابقة. لتقوم بمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات خطيرة في هذه الدولة.
أما بالنسبة لاختصاصات المحكمة فقد اقتصرت على أربعة أنواع من الجرائم وهي:
• الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المبرمة عام 1949
• مخالفة قوانين وأعراف الحرب
• الإبادة الجماعية
• الجرائم ضد الإنسانية
ومن خلال هذا يتبين أنه قد تم تكريس جريمة إبادة الجنس البشري في النظام الأساسي للمحكمة اليوغسلافية سابقا، حيث عرفت المادتين الرابعة والخامسة من نفس النظام:" بأن الجرائم الخاصة بجريمة إبادة الجنس البشري هو كل عمل يقوم به شخص أو أشخاص بغرض التخريب
وتقوم به جماعة وطنية أو عرقية أو عنصرية أو دينية ، ويعاقب كل من يقوم بالإبادة أو ينوي
القيام بها أو الاشتراك في الإبادة".(2)
ـــــــــــــــــــ
(1): سكاكني باية -نفس الرجع السابق.
(2): راجع المادتين 4 و 5 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
كما تمسكت المحكمة بتطبيق المواد2، 3، 5 المتعلقة بخرق اتفاقيات جنيف 1949 مع البروتوكولين الإضافيين الأول و الثاني لعام 1977 المتعلقين بقوانين و أعراف الحرب.
و قد رفعت جمهورية البوسنة قضية أمام المحكمة الدولية تتهم فيها يوغسلافيا السابقة بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في حق المسلمين، ومطالبتها بإقرار مسؤولية دولة يوغسلافيا وبالتالي إلزامها بدفع التعويضات المناسبة حيال ذلك.
فأصدرت محكمة العدل الدولية حكمها القاضي بتبرئة جمهورية صربيا من تهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية خلال حرب البوسنة والهرسك في التسعينيات ، على اعتبار أنه لا توجد أدلة كافية لإثبات نية إبادة المسلمين هناك. وعليه لا يمكن تحميل صربيا المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة.
لكنها اعتبرت أنها انتهكت قواعد القانون الدولي لعدم تحركها بهدف تفادي وقوع مجزرة سريبرينتشا والتي وصفتها بالإبادة الجماعية. وأنها لم تف بالتزامها في إطار القانون الدولي لمنع حدوث جريمة الإبادة الجماعية.ويعد هذا الحكم تاريخي في مجال إقرار مسؤولية الدول عن ارتكاب جرائم الإبادة من قبل محكمة العدل الدولية.
كما أنه يكتسب إقرار قواعد المسؤولية الدولية عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أهمية خاصة في ظل مجتمع دولي يصبو إلى إرساء تلك القواعد في إطار العلاقات الدولية إزاء ما تقوم به الأنظمة المستبدة من ارتكاب مثل هذه الجريمة التي وصفت بأنها جريمة الجرائم.(1)
لكن محكمة العدل الدولية رفضت الطلب البوسني بإقرار مسؤولية دول صربيا عن الاشتراك في جريمة الإبادة الجماعية في مدينة سريبرينيتشا على الرغم مما قررته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة وأيضا محكمة العدل الدولية من وصف هذه الجريمة بأنها جريمة إبادة جماعية.
وقررت المحكمة بأنه لإقرار مسؤولية الدولة عن الانتهاكات المرتكبة من قبل أشخاص أو
كما قررت المحكمة بأن الجانب البوسني لم يقدم للمحكمة أدلة كافية تثبت بجلاء وجود تعليمات
مباشرة من دولة يوغسلافيا الاتحادية إلى الكيان الصربي في البوسنة وجيشه بارتكاب جريمة
ــــــــــــــــــ
(1) د: أيمن سلامة:المسؤولية الدولية عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. دار العلوم للنشر.القاهرة 2006.
الإبادة في مدينة سريبرينيتشا. وأنه لا يوجد دليل يدل على دور القيادة السياسية الصربية في التحضير أو التخطيط أو في تنفيذ الجريمة، وبذلك برأت محكمة العدل الدولية صربيا من المسؤولية عن الاشتراك في جريمة الإبادة في جمهورية البوسنة و الهرسك على أساس أن جريمة الإبادة يجب أن ترتكب بنية الإبادة.
وتعد هذه القضية أول قضية تعرض على عدالة المحكمة للنظر في اتهام دولة بارتكاب جريمة الإبادة وذلك منذ صدور اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية عام 1948.
وبهذا تكون محكمة العدل الدولية قد جعلت إمكانية تحميل المسؤولية للدول لا للأفراد وأن إسناد المسؤولية الجنائية الدولية للأفراد متروك للقضاء الجنائي الدولي وهو في هذه الحالة للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا. وقد وجهت هذه الأخيرة العديد من الاتهامات بشأن الجرائم المرتكبة في جمهورية البوسنة والهرسك وغالبيتها صدرت ضد أشخاص من صرب البوسنة لارتكابهم جرائم ضد مسلمي البوسنة.(1)
أما بالنسبة للأوضاع البشعة والمجازر الرهيبة المرتكبة من طرف الصرب في كوسوفو من أجل تطهيرها عرقيا و إفراغ إقليم كوسوفو من سكانه الذين هم من أصل ألباني، فتمكنت المحكمة من العثور على أدلة قاطعة تثبت اعتداء صربيا على البوسنة والهرسك وجهت هذه الأخيرة في 27/05/1999 تهمتي إبادة الجنس البشري وكذا جرائم ضد الإنسانية سمحت بمتابعة الرئيس الصربي "سلوفودان ميلوزفيتش".
ثانيا: المـحكمة الجنـائية الـدولـية لـروانـدا
أنشئت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بقرار من مجلس الأمن رقم 955 بتاريخ 08/11/1994 الخاص بمعاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وإبادة الجنس البشري. حيث أراد المتطرفون
الهوتو إجبار أقلية التوتسي على مغادرة مدنهم وقراهم.(1) وقد حدثت مذابح جماعية بشعة
برواندا، وكان القتل يتم على مستوى ونطاق مدمرين.
وفي 02/09/1998 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أول حكم إدانة للإبادة الجماعية
ــــــــــــ
(1): سكاكني باية- نفس المرجع السابق.
(2): د: عبد القادر البقيرات : مفهوم الجرائم ضد الإنسانية- الطبعة الأولى 1-2004 .
في العالم وقد تمت إدانة (جون بول أكاسيو ) لتورطه في ارتكاب أعمال إبادة جماعية والإشراف عليها عندما كان يتقلد منصب بلدة تابا الرواندية .
وتعد هذه الإدانة "بجريمة الإبادة الجماعية" الأولى من نوعها في محكمة دولية، والمرة الأولى التي تعتبر فيها أعمال العنف شكلا من إشكال الإبادة الجماعية.
ولقد استندت المحكمة الجنائية الدولية في قضية Akayesu إلى أنه بالنظر للعدد الكبير من المذابح المرتكبة ضد جماعة التوتسي وبالنظر إلى الضحايا الذي جرى اختيارهم وتحديدهم بصورة عمديه ومنظمة، وعلى أساس انتمائهم إلى جماعات أخرى تم إقصائها واستبعادها من حياة المجتمع ووجوده، فالمحكمة قد استدلت على وجود قصد خاص لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.
ومن خلال متابعة الوضع في رواندا أصدرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بتاريخ 12/12/1996 قرار حول حقوق الإنسان في رواندا أشارت فيه إلى ارتكاب أعمال إبادة جماعية، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. الأمر الذي يعني ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة لضمان محاكمة مرتكبي هذه الجرائم.
وقررت اللجنة إدانة أعمال الإبادة الجماعية المرتكبة في رواندا مع ضرورة معاقبة مرتكبيها بصفة شخصية.
لقد أصدرت المحكمة الدولية الجنائية لرواندا أول حكمها في سبتمبر سنة 1998، الحكم الأول كان بتاريخ 02/09/1998 ضد "جون بول أكاسيو" بتهمة ارتكابه أعمال عنف جنسية وتعذيب و تقتيل مما يمكن وصفه بجريمة الإبادة، و تقررت مسؤوليته أيضا باعتباره محرضا مباشرا على ارتكاب هذه الجرائم و حكم عليه بالسجن المؤبد.
و صدر الحكم الثاني بتاريخ 04/09/1998 ضد "جون كبندا" و حكم عليه بالسجن المؤبد عن ارتكابه جرائم إبادة جماعية و تحريض مباشر و الاشتراك في جرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل و الاعتداءات الجسدية و البدنية و النفسية على أبناء قبيلة التوتسي وجرائم قتل و إبعاد المدنيين بدافع عرقي.(1)
ـــــــــــــــــــ
(1) د: عبد القادر البقيرات - نفس المرجع السابق .
الخــاتمــة
انتهى عرض البحث عن جريمة إبادة الجنس البشري، و إن كانت دراسة موجزة. و أن أهم ما يمكن أن نخلص إليه كنتائج للبحث يمكن حصرها فيما يلي:
• ساهمت المحاكم الجنائية الدولية الخاصة بإضاءة المكونات المختلفة لجريمة الإبادة الجماعية و بتطوير مفهوم هذه الجريمة و إلى تفكيك مفهوم جريمة الإبادة الجماعية في ضوء الممارسة الدولية المعاصرة من أجل الكشف عن الدلالات الحديثة لكل ركن من أركان هذه الجريمة.
• من المسائل التي ميزت الممارسة الدولية المعاصرة عدم توسيع دائرة العقاب عن هذه الجريمة ليشمل الأشخاص الذين لم يكن يتوافر لديهم سوى العلم بخطة الإبادة و يستثنى من ذلك الأشخاص الذين توافرت بحقهم عناصر المساهمة الجرمية. ويبدو أنه من المستحسن في هذا المجال جعل العلم كمرحلة أولى لاستنباط توافر نية الإبادة، فإذا تعذر إثبات وجود هذه النية يكون المتهم مسؤولا جزائيا عن مساهمته الجرمية في جريمة الإبادة.
• جريمة الإبادة أصبحت كأشد صورة من صور انتهاكات الحقوق الأساسية ذات الصلة بالسلم و الأمن الدوليين، ولم يعد مفهوم السلم و الأمن الدولي يقتصر على أمن الدول فقط ،بل انه امتد ليشمل أمن البشر. وغدت حماية الأشخاص في مواجهة جرائم الإبادة الجماعية خاصة، وفي مواجهة الجرائم الدولية عامة جزءا من النظام العام الدولي، مع وجود التزامات دولية مقررة لصالح الجماعة الدولية ذاتها.
• يمثل تكريس المسؤولية الجزائية الدولية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تطورا جذريا في بنية النظام القانوني الدولي فهو يصب في خانة النزعات و الاتجاهات الحديثة الداعية إلى فكرة الجماعة الدولية لأن القانون الدولي لا يمكن تطبيقه تطبيقا مجديا و فعالا إلا في ظل مجتمع دولي جنائي فعال نظريا و قضائيا ، و لهذا فان منع جريمة الإبادة لا تكون ذات قيمة إلا في ظل تنظيم قانوني متكامل يشكل الإنسان الوحدة الأساسية التي يرتكز عليها أي نظام دولي.
• إن النظام القانوني العادل لابد أن يضمن الحقوق الجديرة بالحماية وهي: حق تقرير المصير حق سلامة الإقليم، وحق الاستقلال السياسي و الاقتصادي و الثقافي فهذه الحقوق هي الأسس الجوهرية التي يمكن الارتكاز عليها لتعزيز و حماية حقوق الإنسان.
• إن التنمية الاقتصادية يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع التنمية الثقافية، وكل تحسين في الرفاهية المادية يساعد على التقدم في الثقافة. كما أن النشاط الثقافي يحفز و يطور الحياة الاقتصادية.
• وللحفاظ على هوية الشعب الوطنية و الثقافية لابد من توفير حقه في ممارسة التعليم و الثقافة و الحفاظ على التقاليد الوطنية. وأن فرض ثقافة جماعة أو مستوطنين على شعب آخر أمر مناف لغايات و أهداف الأمم المتحدة، فلكل ثقافة كرامة و قيمة يجب احترامها، ومن حق كل شعب العمل على تنمية ثقافته الوطنية و القومية في إطار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فحرمان الشعب من تنمية قدراته و تطورها يمنعه من الارتقاء بمستواه الاقتصادي و الثقافي و السياسي، هو ما يشكل جرائم إبادة من واجب أجهزة الأمم المتحدة و المجتمع الدولي العمل على منعها.
• وبعد إقرار اتفاقية منع الإبادة الجماعية و دخولها حيز التنفيذ منذ عام 1951، لكن نفاذها هذا لم يمنع التجاوزات التي حدثت في أكثر من بلد في العالم، فأعمال الإبادة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وقعت ولازالت تقع حتى اليوم، و كذا المجازر المرتكبة ضد الشعب العراقي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ورغم أن إنشاء نظام المحكمة الجنائية الدولية و نفاذها ودخولها حيز التنفيذ اعتبارا من أول يوليو 2002 ، قد حاول هذا النظام أن يتفادى نقاط ضعف هامة وجدت في اتفاقية منع إبادة الجنس البشري، و هو عدم وجود محكمة جنائية دولية دائمة لمحاكمة المجرمين المتهمين بالإبادة الجماعية -لذلك وجدت المحكمة الجنائية الدولية بصفة دائمة لمحاكمة مرتكب هذه الجريمة- لكن هذه المحكمة الدولية تواجه تحديات خطيرة أهمها الأنظمة السياسية التي لازالت ترتكب هذه الجريمة و لم تنظم إلى اتفاقية روما في شأن المحكمة الجنائية الدولية.
• فالحقيقة أن جريمة إبادة الجنس البشري تتطلب تعاونا دوليا للقضاء عليها، وبدون ذلك لن تستأصل شأفة هذه الجريمة من الوقوع رغم وجود المواثيق الدولية و استقرار قواعد القانون الدولي العام المكتوبة و العرفية . والدليل على ذلك أن السنوات الأخيرة من القرن العشرين و بداية القرن الحالي قد حملت تجاوزات تتعلق بهذه الجريمة مما لا يتصورها عاقل، رغم المواثيق الدولية التي تحظر و تمنع إبادة الجنس البشري إلا أن هذه المواثيق لم يكتب لها التطبيق الأمثل حتى الآن.
قـائـمة المـراجـع
الـكتـب العربية:
1) دكتور محمد سليم محمد غزوي: جريمة إبادة الجنس البشري- مؤسسة شباب الجامعة للطباعة و النشر- الإسكندرية- طبعة 1982
2) دكتور عبد القادر القهوجي: القانون الدولي الجنائي"-من منشورات الحلب الحقوقية-بيروت- طبعة أولى 2001.
3) دكتور محمد محي الدين عوض:دراسات في القانون الدولي الجنائي-دار الفكر العربي- القاهرة- طبعة 1965.
4) دكتور السيد أبو عطية:الجزاءات الدولية بين النظرية والتطبيق-مؤسسة الثقافة الجامعية- طبعة 2001.
5) دكتور عبد القادرالبقيرات: مفهوم الجرائم ضد الإنسانية طبعة أولى 2004.
6) دكتور عبد الله سليمان سليمان: المقدمات الأساسية في القانون الدولي الجنائي-ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر-1992.
7) القاضية سكاكني باية: العدالة الجنائية الدولية و دورها في حماية حقوق الإنسان –دار هومة-طبعة أولى.
8) دكتور أيمن سلامة: المسؤولية الدولية عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية-دارالنشر للعلوم- القاهرة 2006.
9) دكتور محمود شريف بسيوني: العرف الدولي في لقانون الدولي الإنساني-دار الفكر العربي-القاهرة.
10) دكتور عبد الفتاح بيومي حجازي-المحكمة الجنائية الدولية-دار الفكر الجامعي-الإسكندرية-2004
11) دكتور عبد الفتاح بيومي حجازي-قواعد أساسية في نظام محكمة الجزاء الدولية-دار الفكر الجامعي –الإسكندرية-طبعة أولى 2006.
12) عبد الوهاب حومد- الأجرام الدولي-مطبوعات جامعة الكويت-طبعة أولى-1978
الكـتب بالفـرنسية:
1) PR ; Raphaël Lemkin « le crime de génocide »-RIDP-1946-no 1O .
الرسـائـل:
العشاوي عبد العزيز- جرائم إبادة الشعب الفلسطيني- رسالة دكتوراه في القانون الدولي سنة 1990-1991-جامعة الجزائر
الملـحقـات:
• لجنة القانون الدولي
• قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة
• مصادر رسمية من الانترنيت من الموقع:www .arablawinfo.com
مقدمة .................................................. ..........................1
الفصل الأول: ماهية جريمة الإبادة........................................... ................5
المبحث الأول: مفهوم جريمة الإبادة........................................... ..............5
المطلب الأول: تعريف جريمة إبادة الجنس البشري..........................................5
المطلب الثاني: خصائص جريمة إبادة الجنس البشري.......................................7
المبحث الثاني: أركان جريمة إبادة الجنس البشري و بواعثها.............................. 10
الـمطلب الأول: أركان جريمة إبادة الجنس البشري........................................10
المـطلب الثاني: بواعث جريمة إبادة الجنس البشري......................................17
الـفصل الثاني: تدوين جريمة منع إبادة الجنس البشري و المعاقبة عليها والتطبيقات الدولية في مجال محاكماتها......................................... .................................21
المبحث الأول:اتفاقية جريمة منع إبادة الجنس البشري.....................................22
المطلب الأول: تدوينها، محتواها و دواعيها........................................... .....22
المطلب الثاني: موقف لجنة القانون الدولي و المحكمة الجنائية الدولية منها.................27
المبحث الثاني: عقوبة جريمة الإبادة و التطبيقات الدولية في محاكماتها....................27
المطلب الأول: عقوبة جريمة إبادة الجنس البشري.........................................28
المطلب الثاني: التطبيقات الدولية في محاكمات جرائم الإبادة البشرية.......................35
الخاتمة........................................... ........................................42
اتفاقية منع إبادة الجنس البشري والعقاب عليها
الأطراف المتعاقدة : حيث أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في قرارها رقم 96
( الدورة الأولى ) بتاريخ 11 ديسمبر 1946 أن إبادة الجنس البشري جريمة في نظر القانون الدولي كما أنها تتعارض مع أغراض ومقاصد الأمم المتحدة وان العالم المتمدين ينكرها . وحيث أن إبادة الجنس البشرى قد كبدت الإنسانية في مختلف العصور خسائر فادحة . وحيث انه لتحرير الإنسانية من هذا الشر الوبيل لا بد من تعاون كافة الدول ، فقد اتفقت على ما يأتي :
المادة 1- تؤكد الأطراف المتعاقدة أن الأفعال التي ترمي إلى إبادة الجنس البشري سواء ارتكبت في زمن السلم أو في زمن الحرب تعد جريمة في نظر القانون الدولي وتتعهد باتخاذ التدابير لمنع ارتكابها والعقاب عليها .
المادة 2- يقصد بإبادة الجنس البشري في هذه الاتفاقية ، أي فعل من الأفعال الآتية التي يرتكب بقصد القضاء جزئيا أو كليا على جماعة بشرية بالنظر إلى صفاتها الوطنية أو عنصرية أو الجنسية أو الدينية . 1. قتل أعضاء هذه الجماعة . 2. الاعتداء الجسيم على أفراد هذه الجماعة جسمانيا أو نفسيا . 3. إخضاع الجماعة عمدا إلى ظروف معيشية من شانها القضاء عليها ماديا كليا أو جزئيا . 4. اتخاذ وسائل من شانها إعاقة التناسل داخل هذه الجماعة . 5. نقل الصغار قسرا من جماعة إلى جماعة أخرى .
المادة 3- يعاقب على الأفعال الآتية : 1. إبادة الجنس . 2. الاتفاق بقصد ارتكاب جريمة إبادة الجنس . 3. التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة إبادة الجنس . 4. الشروع في ارتكاب جريمة إبادة الجنس . 5. الاشتراك في جريمة إبادة الجنس .
المادة 4- يعاقب كل من يرتكب جريمة إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة سواء أكان الجاني من الحكام أو من الموظفين أو من الأفراد .
المادة 5- تتعهد الأطراف المتعاقدة بان تتخذ وفقا لأوضاع الدستورية الخاصة بكل منها التدابير التشريعية اللازمة لتحقيق تطبيق أحكام هذه الاتفاقية وبصفة خاصة النص في تشريعاتها على العقوبات الجنائية الكفيلة بمعاقبة كل من يرتكب جريمة إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة .
المادة 6- يحال الأشخاص المتهمون بارتكاب جريمة إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة إلى المحاكم المختصة في الدولة التي ارتكب الفعل في إقليمها أو إلى محكمة جنائية دولية تكون مختصة بنظره وذلك بالنسبة للأطراف المتعاقدة التي تقبل مثل هذا الاختصاص .
المادة 7- لا تعتبر جريمة إبادة الجنس والأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة من الجرائم السياسية من حيث تسليم المجرمين . وتتعهد الأطراف المتعاقدة في هذه الحالة بإجراء التسليم وفقا لتشريعاتها وللمعاهدات المعقودة في هذا الشأن .
المادة 8- لكل طرف متعاقد أن يرفع الأمر إلى الهيئات المختصة التابعة للأمم المتحدة لكي تتخذ وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ما يلزم من تدابير ملائمة للوقاية من أعمال إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة أو العقاب عليها .
المادة 9- كل نزاع ينشا بين الأطراف المتعاقدة في شان تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية بما في ذلك المنازعات الخاصة بمسؤولية الدولة عن أعمال إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة يحال إلى محكمة العدل الدولية وذلك بناء على طلب الدولة المعنية .
المادة 10- حررت هذه الاتفاقية باللغات الانجليزية والصينية والاسبانية والفرنسية والروسية على ان تعتبر كل منها لغة معتمدة وعلى أن يكون تاريخ هذه الاتفاقية هو التاسع من ديسمبر 1948 .
المادة 11- تعرض هذه الاتفاقية للتوقيع عليها من جانب كل دولة عضو الأمم المتحدة أو أية دولة غير عضو تدعوها الجمعية العامة للتوقيع وذلك حتى 31 ديسمبر 1949 . يصدق على هذه الاتفاقية وتودع وثائق التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة ويجوز لكل عضو في الأمم المتحدة أو أية دولة غير عضو فيها تسلمت الدعوة سالفة الذكر أن تنضم إلى هذه الاتفاقية اعتبارا من أول يناير سنة 1950 على أن تودع وثائق انضمامها لدى الأمين العام للأمم
المتحدة .
المادة 12- يجوز لكل دولة متعاقدة في أي وقت تشاء أن تبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بسريان أحكام هذه اتفاقية على كل أو بعض الأقاليم التي تتولى إدارة شئونها الخارجية .
المادة 13- يحرر الأمين العام للأمم المتحدة في اليوم الذي يتم فيه إيداع العشرين الأول من وثائق التصديق أو الانضمام محضرا بذلك ويتولى إرسال صورة من هذا المحضر إلى كل من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والى الدول غير الأعضاء المنصوص عليها في المادة الحادية عشرة . يعمل بهذه الاتفاقية اعتبارا من اليوم التسعين التالي لتاريخ إيداع الوثيقة العشرين من وثائق التصديق أو الانضمام وكل تصديق أو انضمام يتم بعد ذلك التاريخ الأخير يعتبر نافذا المفعول بعد مضي تسعين يوما من تاريخ إيداع وثيقة التصديق أو الانضمام .
المادة 14- يعمل بهذه الاتفاقية لمدة عشر سنوات اعتبارا من تاريخ نفاذها وتستمر نافذة بعد ذلك لمدة خمس سنوات وهكذا بالنسبة للأطراف المتعاقدة التي لا تبدي رغبتها في نقضها خلال ستة أشهر على الأقل قبل انتهاء هذه المدة . يتم نقض هذه الاتفاقية بأخطار كتابي يوجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة .
المادة 15- إذا ترتب على نقض هذه الاتفاقية من جانب الدول الأطراف فيها نقص عددهم عن ستة عشرة دولة أوقف العمل بها اعتبارا من التاريخ الذي ينتج فيه أثار آخر نقض لهذه الاتفاقية.
المادة 16- يجوز لأي طرف من أطراف هذه الاتفاقية في أي وقت يشاء أن يطلب إعادة النظر فيها وذلك بطلب كتابي للامين العام وللجمعية العامة أن تفصل عند الاقتضاء في التدابير الواجب اتخاذها في هذا الصدد .
المادة 17- يتولى الأمين العام إبلاغ جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وكذلك الدول غير أعضاء المشار إليها في المادة الحادية عشرة بما يأتي : أ . التوقيعات والتصديق والانضمام المبلغ إليه طبقا لنص المادة الحادية عشرة . ب. التبليغات المخطر بها طبقا لنص المادة الثانية عشرة . ج. التاريخ الذي تصبح فيه هذه الاتفاقية نافذة وفقا لأحكام المادة الثالثة عشرة . د. إخطارات نقض هذه الاتفاقية طبقا لنص المادة الرابعة عشرة . هـ. إلغاء الاتفاقية طبقا لأحكام المادة الخامسة عشرة . و. التبليغات الموجهة إليه طبقا لأحكام المادة السادسة عشرة .
المادة 18- يودع أصل هذه الاتفاقية بمحفوظات الأمم المتحدة على أن ترسل منها صورة طبق الأصل مصدق عليها إلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والى الدول غير الأعضاء المشار إليها في المادة الحادية عشرة .
المادة 19- على الأمين العام للأمم المتحدة تسجيل هذه الاتفاقية من تاريخ نفاذها .