مخاوف - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مخاوف

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-02, 12:04   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
sollo44
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية sollo44
 

 

 
إحصائية العضو










Icon24 مخاوف

وسط الزحام و حركة الناس الدءوبة ، سار العجوزان ببطء و ثقل يحكيان قصة عمرها أكثر من ثمانين سنة ،و كانت المحال تعرض سلعا جديدة و راقية و الخضارون ينادون بأثمان تغري بالشراء ، و في الجهة المقابلة تطايرت رائحة الخبز الشهي من مخبزة الحاج العربي ، الشرطة تحاول أن تنظم حركة المرور ، و الجرائد تباع من نافذة صغيرة في كشك " النوار" ، هذه هي الحياة التي أحبها ، حياة حركية بعيدة عن الرتابة السمجة ، و هذا الميدان الفسيح الأرجاء إنه مقصدي هذا اليوم ، فيه توجد كل الإدارات التي سأستخرج منها الوثائق المهمة لإثبات هويتي ، حسن لنلق نظرة على عناوين الجرائد ، مازالت تلك العناوين الضخمة متصدرة للأحداث ، و الحقيقة الثابتة تتأرجح بين أخبار الوفيات و تدبيرة الطبخ و عروض الزفاف ،عبر الزجاج تنفذ إلى الآذان أصوات غريبة متداخلة ، أبواق السيارات و همس المارة فوق الرصيف ، و نقرات الأقدام الرشيقة كأنها إيقاع إغريقي قديم و أمواج الناس المتداخلة في اتجاهات متشاكسة يزدادون كثرة بعد كل دقيقة ، و كأنهم يسيرون في جنازة فقيد اسمه العمل !!
ترى فيما يفكر ذلك الشاب ؟؟ زمان من العمر يضيع و أي عمر ؟ زهرة العمر و شبابه … تلتهمه المخاوف بشكل غير راحم ، و تتناهبه الأفكار المريبة و الوساوس . ثم يسأل نفسه إن كان في الغد القريب حين يصبح شيخا مسنا مترهلا أيواجه الندم ؟ أم سيجلس مرتاحا فيلحن و يغني طربا على ما قدمه من إنجازات خلال حياته …..يضعف البصر و السمع و تهن الأقدام ، الشارع الذي قطعته مرارا و تكرار في شبابك لن تعود اليوم لك قدرة في قطعه . و كذلك طريق المدرسة و الجامع و الحانوت ، كل هذه الطرق ستطول رغم أنها كانت قصيرة من قبل . و القلب النابض ، القلب المتوهج المشتعل . ستتذكر ذات زمن كيف اهتز من مرابعه طلبا للحب ، كيف اكتوى بقطرات حارقة من نداء الشوق المرير . كيف كان يصنع الأحلام الوردية و يدفعها تباعا لسوق المغامرات اليافعة ….خلجات و احمرار في الوجنتين ، حرج أول لقاء ، و قسوة الفراق ما أمقتها . النظرات الوديعة المتلهفة لجواب الرضى و القبول …… ثم يعود كابوس الفراق القاسي من جديد . بالله عليك لا تقل لي بأن الفراق هين يسير . تذكر كم جربته في حياتك قبل أن تزكمني بجواب . و الحياة ستستمر حتما في خرجاتها غير المفهومة فتضرب يدا بيد و تقول آخر الأمر : ما أتعسني !!
يواصل العجوزان سيرهما ، يتعثر الشيخ ببلاطة ناتئة فيقع على الأرض … قبل وقعه على الأرض تذكر أول عثرة له مماثلة ، تفاداها بسرعة و رشاقة لأنه كان صغيرا قويا . و عثرة اليوم أسقطته … تندبه العجوز بصوت مبحوح لا يسمع . صوت المساكين و المهضومين . يتحلق فجأة بعض المارة و هم يتهامسون :
- يا إلاهي إنه "عمي السعيد " !!
و تمتد إليه الأيادي المسعفة الهلعة بسرعة فيسند على حائط قديم كتب عليه " ممنوع التبول هنا " … يشعر بأن القذارة تتبعه حتى آخر العمر ، و لكن الدم المندفع من فمه جراء السقطة يمنعه قسرا من الاحتجاج .و يشير بيده أنه بخير حتى يطمئن الجميع و رغم الألم كان وجهه يبتسم !!
****************************************
ما أشد الصخب من حوله ، و ما أشد صراخ زوجته إذ يزداد رغم ما به من بحة و وهن ،..
- ماذا حدث يا خالتي " وهيبة " ؟
- لقد تعثر و وقع في غفلة مني .
- فليطلب أحدكم الحماية المدنية .
- هل سيموت زوجي ؟
- لا تقلقي يا خالة . سيكون بخير و لكن للإجراءات ضرورة .
بروحي أفديك يا قرة العين ، بدمي بقلبي يا شريك الحياة ، بالله عليك لا تمت و لا تدع في قلبي ألف سؤال ،لا تمت فتقتلني بعدك الحسرة و النكد . قل لي بأنك بخير . و بأنه دم خفيف سرعان ما يجف ماسحا لحظات الخوف عن وجهي ووجهك ......سأبتهل إلى الله بكل ضراعة أن تعيش من أجلي و إلا فالموت بعدك أرحم .
و في غمرة القلق يصيح واحد من الحاضرين :
- ها هي سيارة الحماية المدنية قادمة .
- و ها هي الشرطة تخلي أمامها الطريق
وصلت السيارة و نزل منها على الفور رجلان في زي الحماية المدنية ،أسندا الشيخ على الأكتاف و سارا به نحو السيارة ، تتمسك به العجوز بكل ما لديها من قوة و تقول :
- إنه بخير ، لا تأخذوه فتأخذوا روحي !!
فيجيبها المسعف في حنان :
- سننقله للمشفى حتى يكف هذا الدم عن النزيف .
و رغم إلحاح المسعفين إلا أنها كانت تزداد إصرار بأنه بخير.
تكلم معها المسعف بهدوء حتى أقنعها ، لا أعرف ما قال لها و لكن جسدي اقشعر من حسن معاملته لها و راحت الأعين الذاهلة ترقب الشيخ و هو ينقل للمشفى .
أما أنا فشعرت بإحساس غريب و حدثت نفسي بأشياء كثيرة









 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
مخاوف


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:43

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc