قبل أيّام طالعتنا بعض الصحف المحلّية عن خبر فظيع مفاده أن مؤذنا بأحد المساجد في الجزائر أذن لصلاة الظّهر على السّاعة العاشرة صباحا، بعد أن تحرّش بأخته في البيت و هو تحت وطأة الخمر !
و قبل الأمس اطّلعت على خبر آخر يشدّد فيه وزير الشؤون الدّينيّة على أن الأفكار السلفية لم تعد تهدد المساجد
و الذي يمكن التّساؤل عنه من خلال هذين الخبرين هو : ما هو الدّور الحقيقي الذي تلعبه وزارة الشؤون الدّينيّة في المجتمع الجزائري ؟
و هل هي قادرة فعلا على تأطير الكفاءات الدّعويّة التي تتّسم بالقدرة على حماية الهويّة الدينية الجزائريّة من كلّ أشكال الانحراف، و خلق مرجعيّة موضوعيّة تكون مرجع الجزائريين في مختلف القضايا الدّينيّة ؟
نحاول من خلال هذا الموضوع مناقشة هذه الأفكار، و تقييم الأداء الفعلي للمساجد عبر مختلف أرجاء الوطن الحبيب
اسمحوا لي في البداية أن أتطرّق للمسجد الذي أصلّي فيه، بالحيّ الذي أقطنه
فهذا المسجد كبير و عامر بالمصلّين، و الإمام الذي يأمّ المسجد موظّفا هناك منذ سنوات طويلة، قبل ذلك كان أبوه - رحمه الله - هو إمام ذلك المسجد
كما أنّ المؤذّن و القيّم ينتميان إلى نفس عائلة الإمام !
طبعا لن أتطرّق هنا إلى شخص الإمام و أحواله الخاصّة، فكلّ شخص له ربّ سيحاسبه على أعماله ، لكن ما يهمّني في هذا المقام هو تقييم أدائه في المسجد
و هنا الكارثة الكبرى حيث تحوّل هذا المسجد إلى ملكيّة خاصّة لهذا الإمام يفعل فيه ما يشاء دون رقيب أو حسيب، فاللّجنة الدّينية للمسجد هو الذي انتقاها فهي مساندة له متستّرة على أفعاله، و هو معروف بتساهله في الحضور، فهو كثير الغياب، و كثيرا ما ينيب عنه شخصا من عائلته لخلافته في الإمامة لكي يذهب لتجارته !
كما أن مستواه العلمي محدود جدّا، فالدّروس التي يعدّها لا تستهدف إلاّ المصلّين كبار السنّ، و الأمّيين ، رغم أنّ المسجد مكتظّا بمختلف طبقات النّاس، فدروسه صارت مملّة من كثرة ما ردّدها، و دعوني أقوم ببعض الإحصائيّات هنا
1- لا أبالغ إذا قلت أن 30 % من دروسه و خطبه تتعلّق بالمال و صندوق الزّكاة ، على مدار السّنة، و أما باقي الخطب فهي بحسب المواسم و الأعياد و الأيام الوطنيّة، فلكلّ مناسبة موضوع جاهز للاستهلاك، مع انتهاء الصّلاحيّة !!! حيث تلك المواضيع التي يقرؤها بالورقة قد قرأها طوال سنواته المديدة في هذا المسجد
و في كلّ سنة تتكرر نفس الخطب حتّى حفظها المصلّون عن ظهر قلب!
2- الأحاديث التي يستشهد بها الإمام و يبني عليها دروسه، في الغالب لا تخرج عمّا هو موجود في كتاب ( الأربعون النّوويّة )، كأنّ السنّة كلّها محصورة في هذا المتن !
3- أمّا الآيات التي يصلّي بها الإمام فهي معدودة على الأصابع، يردّدها على مدار العام في جلّ الصّلوات الجهريّة
4- في صلاة التّراويح حقق هذا الإمام الرّقم القياسي في الخروج مبكرا من الصلاة، و خصوصا بعد أن هدّد وزير الشؤون الدّينية بعقوبة من يطيل في الصلاة !
5- أمّا عن منهجية الإمام فيا لها من قصّة مثيرة، فهو من الشّعب و إلى الشّعب، يريد المصلّون الكلام عن كرة القدم، فهو يدعو للمنتخب من على المنابر ! ، و عندما يتعارض وقت العشاء مع مباراة مهمّة فهو يؤدّيها مثل البرق !
و أمّا عند حدوث خطب جلل في هذه الأمّة، هو دائما يتّحدث بلغة الخشب ليحاول ترضية جميع الأطراف، و عادته في التعليق على أحداث الأمة هو الاكتفاء بالدّعاء
6- أما الحلقات الفقهية و العلمية، فلا وجود لها في قاموسه، بل يكتفي ببعض الدروس في المناسبات كرمضان ، ليتكلم عن كيف يصوم المسلم، أو عند الحج لكي يقدم بعض الإرشادات للحجّاج، و إذا ما تكرّم و قام بحلقة فقهيّة فهي لن تتجاوز الكلام العام عن أحكام الطهارة و الصلاة
7-أما تعامله مع طلبة العلم أو بالأحرى من تبقى منهم في المسجد ( لأن غالبهم هجروا مسجده لمساجد أخرى بالرّغم من أنهم من أبناء الحي ) فهو دائما يحاول الابتعاد عنهم لكي لا يثير أي ضجّة معهم، كما أنه حاول استقطاب بعضهم بالسماح لهم بالتقدم للصلاة أحيانا، أو بعقد حلقة في تحفيظ القرآن و تجويده، لكنّه رفض إعادة فتح مكتبة المسجد، مع أنها تحتوي على العديد من الكتب الدينية المفيدة، و ذلك لأنه رأى أن فتح المكتبة قد يسبب له الاحتكاك و وجع الرأس مع بعض اللي يحوسوا يفهموا بزّاف !!!
___________________________________________
على العموم أنا أطلت في وصف حال المسجد، و كيفية تسييره من قبل الإمام، و أنا على يقين أنّ هناك تجارب أخرى يمكن أن تضيفوها ي هذا المجال، لأن المسجد الذي حدّثتكم عنه يعتبر بصراحة من أفضل المساجد في حينا و الأحياء المجاورة !
و هناك مساجد بلغت من الفوضى و الاهمال و سوء التسيير حدّ أن بعض المصلين تركوا الصلاة فيها نهائيا و اكتفوا بأجر الصلاة الفرديّة هربا من ذلك الوضع المزري.
هذا الذي كتبته مقدّمة فقط للدّخول في موضوعنا الأصلي، و هو وزارة الشؤون الدينية و كيف تدير الأمور، و هذا سيكون في الجزء الثاني بحول الله