مقدمة :
يرتبط النشاط الاقتصادي في حركته بمدى اتساع دائرة التبادل بنين مختلف الأنشطة الاقتصادية ،و مدى توافر الظروف المساعدة على انتظام عمليتي الادخار والاستثمار ، ومن المعروف أنه يمكن للمدخرات والاستثمارات أن تأخذ مكانها في أي اقتصاد.
عند وجود وحدات تنتج أكثر مما تستهلك، ووحدات تستهلك أكثر مما تنتج فالوحدات التي تنتج أكثر هي الوحدات القادرة على الادخار ، أما الوحدات التي تستهلك أكثر هي الوحدات المستهلكة.
ويتمثل دور البنوك التجارية في الاقتصاد المعاصر ، في أنها الحلقة التي تيسر على الوحدات الإنتاجية المحتاجة الحصول على وسائل الدفع وتيسر على الوحدات التي تملك فائضا باستثماره ، ويتم ذلك عن طريق عمليتي الإيداع والاقتراض ، ويقوم النشاط الأساسي للبنوك على فكرة الاتجار بالأموال المتاحة عن طريق منح الائتمان حيث يقوم بالحصول على الأموال عن طريق الودائع أو الاقتراض ومن ثم إعادة إقراضها بفوائد أعلى مما يدفعه عليها ، ولكن هناك أعمال أخرى ذات أهمية اقتصادية تقدمها البنوك ، تعتبر ضرورة اجتماعية يحتاجها الناس يوميا ، لهذا فمن الضروري بحث المواطن الربوية في الأعمال التي يزاولها البنك التجاري ، حتى يتسنى لنا وضع قوانين ونظم مغايرة تتماشى وتعاليم الشريعة الإسلامية وتكون أساسا لنظام البنوك الإسلامية.
وفي هذا البحث المتآلف من خمسة فصول سوف تتناول البنوك ومختلف الأعمال التي تزاولها ونخصص الفصل الثاني المتكون من مبحثين للمعاملات المالية والتجارية والإسلام وفي مبحث ثاني الأعمال البنكية من الوجهة الشرعية أما في الفصل الثالث فسوف نتناول تجارة البنوك الإسلامية في العالم العربي و الإسلامي من حيث نشأتها وخصائصها، وفي الفصل الرابع ندرج البدائل الشرعية التي تزاولها البنوك الإسلامية ونتناولها بالدراسة والنقد .
وفي الفصل الأخير سوف نحاول المقارنة بين نظم البنوك الإسلامية والقانون الجزائري.
نسأل الله التوفيق.
الفصل الأول التعريف بالبنوك دورها في التداول و الإدخار و الاستثمار و النشاط الاقتصادي
المبحث الأول : أعمال الخدمات البنكية والمصرفية
تمثل الخدمات البنكية الجانب الأكبر من الجهد الذي تبذله البنوك التجارية، تعتمد عليها جميع العمليات الأخرى المتمثلة في خدمة العملاء وإرضائهم، والمقصود بالخدمات البنكية تلك العمليات التي ليس من طبيعتها تقديم قروض أو تسهيلات بنكية وتنقسم الخدمات المصرفية إلى :
ا) عمليات مشتقة من طبيعة وظيفة البنك:
وهي قبول الودائع المختلفة.
ب) عمليات مترتبة على قيام البنك بالعمليات المشتقة من طبيعة وظيفته وهي تحصيل الشيكات والسفاتج والحوالات بالإضافة إلى عمليات حفظ الأوراق التجارية وتأجير الخزائن الخاصة.
وفي ما يلي نتناول هذا المبحث من مطلبين:
المطلب الأول : الودائع المصرفية النقدية
يقصد بالوديعة المصرفية النقدية ، النقود التي يعهد بها الأفراد أو الهيئات إلى البنك ، على أن يتعهد البنك بردها لدى الطلب وبالشرط المتفق عليه وتنقسم الودائع النقدية إلى فئتين :
أولا _الحسابات الجارية :
وهي ودائع يستعملها المودعون كأداة لتسوية التزاماتهم عن طريق استعمال الشيكات أو أوامر النقل المصرفي من حوالات أو غيرها ويحق للمودع استردادها في أي وقت ، ويعرف الحساب الجاري بأنه عقد بين البنك والمودع تتحول فيه الحقوق النقدية الناشئة بينهما إلى عناصر حسابية تنتهي إلى رصيد دائن يكون وحده مستحق الآداء.
ثانيا_الودائع لأجل:
وهي الودائع التي لا يلتزم البنك بردها إلا عند حلول أجل معين ولا يجوز للمودع طلب استردادها قبل هذا الأجل.
هذا النالثاني:حسابات الدائنة ، يفتحه المودعون عادة ، لأنهم ليسوا في حاجة إلى ودائعهم في الوقت القريب وهي في الغالب مبالغ كبيرة نسبيا ولا يجوز سحبها إلا بعد مدة متفق عليها ، لا تقل على ثلاثة اشهر ولا تزيد عن السنة والغرض من إيداعها بالبنك مجرد الكسب المتمثل في الفائدة التي يتقاضاها المودع.
المطلب الثاني : الخدمات المصرفية
تباشر البنوك لصالح عملائها خدمات أخرى غير الودائع، وأهم هذه الخدمات هي عمليات التحصيل و الوفاء وتقديم المعلومات والخدمات الخاصة بالأوراق المالية.
1-التحصيل والوفاء:
يقوم البنك بتقديم خدماته بتحصيل الشيكات والسفاتج والسندات الاذنية لحساب عملائه بشرط استيفائها للشروط النظامية وتظهيرها للبنك الذي يقوم باستفتاء قيمتها واتخاذ الإجراءات في سبيل تحصيل القيمة لصالح العميل ، كما يقوم بعد الحصول على إذن من عميله بد فع قيمة الورقة التجارية المستحقة عليه عند تقديمها من طرف المستفيد وخصم قيمتها من حساب عميله.
2-تقديم المعلومات
التطور الذي وصلت إليه الصناعة البنكية في العصر الحاضر ،جعلها في مركز يسمح لها بأن تقوم بالخدمة الاستشارية وتقديم المعلومات المفيدة لعملائها ، عند اتخاذهم القرارات المالية الهامة ، فالخدمات البنكية الاستشارية لرجال الأعمال والمؤسسات الصناعية والتجارية أخذت في الازدياد والتوسع واصبح دور البنك لا يقتصر على الإقراض بتوفير المال وإنما القيام بالإرشاد والتوجيه.
المبحث الثاني : أعمال القروض والتسهيلات البنكية
لم يعد للقرض البنكي ذلك المفهوم التقليدي الذي يعني أن يقترض العميل مبلغا ماليا من البنك ويقوم بتسديده على دفعات بعد احتساب ثمن الفائدة ، بل أدى تطور الصناعة البنكية إلى تنوع أشكال القروض والتسهيلات الائتمانية ، حسب ظروف العميل ومقتضيات المعاملات التجارية بين المؤسسات الصناعية والتجارية الحديثة ولم يعد القرض المباشر قائما إلا بالنسبة للقروض الاستهلاكية التي يلجأ إليها الناس عامة لاقتناء بعض حاجاتهم المنزلية.
وفيما يلي نتناول بعض هذه التسهيلات
المطلب الأول : الحسابات الجارية المدينة
الحساب الجاري المدين هو نوع من أنواع القروض ، يكون في شكل حساب جاري يفتح باسم العميل ، ويسمح له بموجبه أن يسحب من هذا الحساب بحدود مبلغ معين (سقف)، دفعة واحدة أو على عدة دفعات ، كما يجوز للعميل أن يودع أي مبالغ في هذا الحساب دون أن يعتبر هذا الإيداع بمثابة سداد للدين أو للمبلغ المستعمل من الحساب ويختلف الحساب الجاري المدين عن القرض في عدة أمور.
1/الحساب الجاري المدين يعطى الحق للعميل في استعمال الحساب دفعة واحدة أو على دفعات حسب حاجاته أما القرض فيسلم للعميل بمجرد إقراره من البنك.
2/الفائدة في الحساب الجاري المدين تحسب على المبالغ المستعملة من الحساب وليس على المبلغ المقرر وعلى المدة التي بقي فيها الرصيد المدين قائما ، أما القرض فتحسب الفائدة على المبلغ كله ضمن المدة المتفق عليها.
3/ إن دفع أي مبلغ من أصل القرض يعتبر سداد له ، لا يجوز إعادة طلبه ، أما الدفعات في الحساب الجاري المدين فلها صفة الإيداع لا التسديد وهي تؤدي إلى تخفيض الرصيد المدين ، مما ينتج عنه زيادة المبلغ الموضوع تحت تصرف العميل للسحب.
4/بأخذ الحساب الجاري المدين شكل حساب بخلاف القرض الذي يمكن استلامه دفعة واحدة وليس ضروريا أن يسجل في حساب العميل.
المطلب الثاني : خصم الأوراق التجارية
يعتبر خصم الأوراق التجارية (السفاتج بشكل خاص )من أبرز التسهيلات التي تقدمها البنوك لعملائها، فلم يعد المنتج مضطرا للدفع النقدي العاجل من أجل شراء المواد اللازمة لإنتاجه ، بل اصبح بإمكانه تحرير سفتجة مستحقة الوفاء لدى الاطلاع أو لأجل معين ، ومن مزايا الأوراق التجارية أنها أداة ائتمان ووسيلة للدفع المؤجل بالإضافة إلى قابليتها للتظهير.
يقوم البنك بشراء الورقة التجارية من حاملها الأخير على أساس قيمتها الحالية قبل موعد استحقاقها ، بإنقاص القيمة الواردة فيها بنسبة مئوية معينة والتي تمثل فائدة مبلغ الورقة من تاريخ شرائها إلى تاريخ استحقاقها ثم يقوم بتحصيل قيمتها من المدين في موعد الاستحقاق .
المطلب الثالث : الكفالة المصرفية وخطابات الضمان
يعرف خطابات الضمان بأنه تعهد يصدر من البنك بناءا على طلب من عميلة ويسمى " الآمر " بدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من المصرف خلال مدة معينة ، يتضح أنه أطراف خطاب الضمان ثلاثة :
1-البنك الكفيل أو الذي اصدر التعهد بدفع مبلغ معين نيابة عن عملية ، إذا ما أخل هذا الأخير بشروط التعاقد أو الغرض المقصود من خطاب الضمان خلال مدة الضمان.
2-المكفول وهو العميل الذي يقوم البنك بضمانه بموجب الخطاب الصادر عنه في حدود المبلغ والفترة المحددة به.
3-الجهة المستفيدة : وهي الجهة التي صدر خطاب الضمان لصالحها ، صاحبة المشروع أو الجهة التي لها حقوق مالية في ذمته العميل .
من هنا يتضح أن خطابات الضمان هي قروض غير مباشرة حيث أن البنك لا يضع مبالغ مالية تحت تصرف العميل وإنما يلتزم التزام عرضي قد يتحقق ويصبح التزام فعلي كما أنه قد لا يتحقق ولمواجهة هده المخاطرة تعمد البنوك إلى طلب ضمانات من العميل مقابل هذه التسهيلات بالإضافة إلى قيامها بخصم مبلغ من قيمة الضمان نقدا يمثل نسبة معينة من قيمة الكفالة.