جزء آخر عن التسرب
«لا بد من وقفة سريعة لمواجهة خطر هذه المشكلة التي تسن لها بعض الدول أقسى التشريعات ففي بريطانيا مثلا يعاقب ولي أمر المتسرب دراسيا بالحرمان من الحضانة أحيانا وبالغرامة المالية أحيانا أخرى وقد تصل إلى السجن في بعض الأحيان وحتى نستطيع أن نحل هذه المشكلة فلا بد أن نقف على الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة».
وزارة التربية والتعليم تلك الوزارة التي يضع الوطن ثقته بها؛ لتمده برجال الغد الذين يعول عليهم في بناء الحضارة وتشييد الأمجاد، إنها تربي وتعلم وتشحذ الهمم، وتفجر الطاقات، ولأنها مصدر كل ذلك يرى الناظر إليها خلية نحل من الجد والمثابرة فالكل بها يعمل بجد هذا يطورالمناهج لتواكب التقدم العلمي، وذاك يعيد بناء التقويم، وهذا يعني بالتنمية المهنية للمعلم، والكل حريص على ألا تفوته شاردة ولا واردة إلا عمد إليها وطورها أو أعاد بناءها فأخرجها في أحسن صورة، ومع كل هذا الجهد إلا أن الواقع التربوي تعكر صفوه مشاكل تطفو على السطح ومنها ما يسمى بالتسرب الدراسي، نحاول في هذه السطور أن نلقي الضوء عليه، وأن نفكر بصوت مسموع لوضع تصور مقترح لحل هذه المشكلة.
من خلال اطلاعي في هذا الموضوع لم تقع في يدي دراسة بحثية حاولت دراسة هذه المشكلة في السلطنة – عدا دراسة قديمة جرت عام 1985 أي منذ خمسة وعشرين عاما بعنوان تسرب الطلبة في المرحلة الإعدادية في سلطنة عمان لكل من ثويبة البرواني وسعيد جميل سليمان - ومنذ ذلك الوقت وحتى وقتنا الحالي لا توجد دراسة بحثت في هذه الظاهرة - ولعل المانع خير - ولكن هذه المشكلة درست باستفاضة في دول أخرى عربية وغير عربية ولعل ذلك يرجع إلى الهاجس الذي تشعر به هذه الدول إزاء هذه الظاهرة التي يصفها البعض بالقنبلة الموقوتة والتي تكاد تنفجر مؤثرة على كل ما حولها، والتسرب ظاهرة عالمية لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات ولكنها تختلف في درجة حدتها وتفاقمها من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى.
وقبل أن ندخل في تفاصيل المشكلة لا بد لنا من تعريف التسرب الدراسي الذي تختلف الدول في تعريفه بسبب اختلاف المرحلة التعليمية الإلزامية في كل بلد ولذا نسوق هنا تعريفا لمنظمة اليونسيف للتسرب الدراسي فقد عرفته (بعدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعلم بالمدرسة أو تركها دون اكمال المرحلة التعليمية التي يدرس بها بنجاح، سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة لعوامل أخرى، وكذلك عدم المواظبة على الدوام لعام أو أكثر).
ويمكن لنا أن نستشف من هذا التعريف أشكال التسرب فهناك التسرب الجزئي أو ما قد نسميه الانقطاع الجزئي عن الدراسة وهذا الانقطاع يأخذ أشكالا عدة فالبعض يرى أن التأخر عن الطابور الصباحي هو نوع من أنواع التسرب، كما أن التغيب عن المدرسة مدة قد تصل إلى عام دراسي أو فصل دراسي تعد نوعا من أنواع التسرب، ويرى البعض أن تكرار الغياب يعد أيضا نوعا من أنواع التسرب، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك فعد الشرود الذهني داخل الحصة تسربا ذهنيا، وانقطاع التلميذ عن المدرسة ثم العودة إليها يعني أن هناك مشكلة وأنه تم التغلب عليها فعاد إلى المدرسة.
لكن النوع الثاني من التسرب وهو التسرب الكلي أو الانقطاع التام عن الدراسة هو الذي يعنينا هنا لأن هذا يعني أن الدفعة التي التحقت بالتعليم في عام من الأعوام خرجت بعدد أقل مما دخلت به ما يعني وجود فاقد تعليمي وهدر تربوي.
وحتى نستطيع أن نقدر حجم المشكلة فإننا سننظر إليها من زاويتين:
الزاوية الأولى تأثير التسرب الدراسي على الفرد المتسرب وهي كالتالي:
1- إن الطالب المتسرب هو شبه أمي وغالبا ما يعود للأمية فهو لا يقرأ ولا يهتم كثيرا بالعلم فيعود للأمية ليواجه عالما من التطور العلمي.
2- يعجز الطالب المتسرب عن الحصول على عمل نظرا لأنه لا يحمل شهادة علمية تحميه في عالم متعلم متطور فيجد نفسه في النهاية عالة على أهله ومجتمعه وحتى أصدقائه.
3- مع الجهل والبطالة التي يعاني منها الطالب المتسرب سيجد نفسه شيئا فشيئا يعاني من الأمراض النفسية والجسدية.
4- يشعر الطالب المتسرب بالحنق والغضب على المجتمع وعلى من حوله ليحملهم نتائج فشله في الحياة.
5- وجوده في جو من القلق والغضب قد يخرج به عن ساحات الدين والأخلاق المتوارثة فيقدم على ما لا يحمد عقباه.
6- يشعر الطالب المتسرب بالتشاؤم ويرتاب في من حوله مما يدفعه للعزلة والانطواء خوفا من أمور كثيرة.
هذه بعض الأمور التي قد تصل إليها حالة الطالب المتسرب.
أما الزاوية الثانية فهي تأثير التسرب على المجتمع وهي كالتالي:
1- يعني التسرب أن فئة من أفراد المجتمع ستتجه إلى الأمية بينما تواصل الفئة الأخرى طريقها في العلم لنجد في النهاية أن المجتمع مكون من فئتين يصعب أن تجتمع أفكارهما مما يعني مجتمع غير متجانس.
2- ستنتشر البطالة في المجتمع، ومعروف ما للبطالة من دور في إضعاف البنية الاقتصادية والإنتاجية للمجتمع والفرد.
3- سيرتفع حجم الاتكالية والاعتماد على الغير في توفير مستلزمات الحياة.
4- سيزيد من حجم المشكلات الاجتماعية كانحراف الأحداث والجنوح كالسرقة والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم.
5- سينصرف اهتمام المجتمع عن التعمير والبناء إلى الإصلاح، وبناء المستشفيات، والسجون.
وإذا كانت هذه هي الآثار التي يحدثها التسرب في أي مجتمع فلا بد من وقفة سريعة لمواجهة خطر هذه المشكلة التي تسن لها بعض الدول أقسى التشريعات ففي بريطانيا مثلا يعاقب ولي أمر المتسرب دراسيا بالحرمان من الحضانة أحيانا وبالغرامة المالية أحيانا أخرى وقد تصل إلى السجن في بعض الأحيان وحتى نستطيع أن نحل هذه المشكلة فلابد أن نقف على الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة.