المدخل لدراسة حقوق الانسان - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المدخل لدراسة حقوق الانسان

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-11-06, 18:48   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18 المدخل لدراسة حقوق الانسان

المدخل لدراسة حقوق الإنسان


بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من امرنا رشدا
صدق الله العظيم
الآية 10 سورة الكهف


مقدمه عامه

تعد حقوق الانسان حجر الزاويه في اقامة المجتمع المتحضر الحر , واحترام حقوق الانسان ورعايتها هو عماد الحكم العادل في المجتمعات الحديثه والسبيل الوحيد لخلق العالم , الحر الآمن والمستقر .
وفي جنبات هذا المؤلف حاولنا استعراض موضوع حقوق الانسان والقينا الضوء على هذا الموضوع الذي طالما شغل رجال القانون و السياسه , واستاثر باهتمام المختصين بهذا المجال من العلاقات الانسانيه لما في تعزيز احترام هذه الحقوق من نتائج منشوده يتجلى فيها خير الحاكم والرعيه , مما حداهم الى بذل الجهد الفكري المتواصل للتثقيف في مجال هذه الحقوق وضمان تطبيقها .
واذا كانت البحوث والدراسات التي تناولت هذا الموضوع قد ركزت في اغلبها على الجانبين القانوني والسياسي , فان الجانب التاريخي يبقى بحاجه الى مزيد من البحث , ومتابعة الدراسه والاستقصاء , خاصه في مجتمعاتنا العربيه التى تشيع فيها فكره مفادها ان مبادئ حقوق الانسان انما هي نتاج للعقل الغربي وتتناسى موروثها الحضاري بهذا الخصوص .
ان هذا المؤلف "المدخل لدراسة حقوق الانسان " يشكل محاوله منا لبيان الجذور التاريخيه لحقوق الانسان وتطور مفاهيمها الذي ترافق مع التطور البشري ونظال الشعوب الطويل من اجل الحريه والكرامه وصولا الى الوقت الحاضر الذي اصبحت فيه مناره تشع بنور الفضيله والقيم الانسانيه الساميه وتتباهى بتبنيها الدول المتقدمه .
هذا المؤلف موجه الى مجموعه متنوعه من القراء الا ان الشريحه الاكثر استهدافا هي شريحة الطلبه الجامعيين باعتبارهم الاقدر على مواصلة الطريق في سبيل اشاعة هذه المبادئ والتثقيف بشانها وتعزيز احترامها .
فقد اضحت هذه الحقوق اليوم المعيار الرئيس للحكم العادل ومقياس شرعية السلطه وممارستها, فلم يعد بالامكان ان يتعامل الحكام مع مواطنيهم بعيدا عن المعايير الدوليه لحقوق الانسان.
ان احترام هذه الحقوق اليوم يعد التزاما دوليا على عاتق الدوله امام الاسره الدوليه ومقياسا لشرعية الحكم فيها , وفي هذا السبيل من الضروري الوفاء بالالتزامات المتعلقه باحترام الدول هذه الحقوق والتثقيف بها واشاعتها , كتلك الالتزامات الناشئه من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه , واتفاقية حقوق الطفل , واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز العنصري ضد المرأه , واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز العنصري ,واتفاقية مناهضة التمييز في التعليم .
وقد اقتضت هذه الدراسه ان نقسم البحث الى ستة فصول بذلنا وسعنا ان تكون موازنه بين الدساتير العالميه والعربيه المختلفه كما لم نغفل اخر الاتفاقيات والمقررات الدوليه , وفق التفصيل الاتي :

الفصل الاول : الجذور التاريخيه الاولى لحقوق الانيان
الفصل الثاني : حقوق الانسان في الاسلام
الفصل الثالث : تطور حقوق الانسان
الفصل الرابع : اشكال وصور حقوق الانسان والترابط بينها
الفصل الخامس: الحمايه الداخليه لحقوق الانسان
الفصل السادس : الحمايه الدوليه لحقوق الانسان



الفصل الأول

الجذور التاريخية الأولى لحقوق الانسان

ان المسيرة الفلسفية والقانونية لحقوق الإنسان لم تبدأ في غفلة من التاريخ فهناك أصول وأسس سابقة بنت عليها الحضارة الحديثة مفاهيمها عن حقوق الإنسان، ومن ثم فان القيمة التاريخية لمضامين الحقوق لا تقل أهمية عن القيمة الموضوعية فالأولى تبرز أهمية الثانية بشكل مضاعف والتطرق لموضوع حقوق الإنسان من الناحية التاريخية ومحاولة التماس الأصول التاريخية لهذه المسيرة أمر له أهميته بهدف رسم صورة لعملية التغيير التي حدثت في الأفكار الإنسانية التي ترتب عليها الدعوة إلى حركة وطنية ودولية لحقوق الإنسان لمعرفة إمكانية ضمان تطبيق هذه الحقوق بصورة عملية.
ان هذا الفصل يهدف إلى محاولة الإجابة عن سؤال مهم، وهو هل يوجد شيء نطلق عليه حقوق الإنسان بصورة فعلية في الأزمنة القديمة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي الأدوات أو الآلية التي وفرها النظام القانوني في العصور القديمة لحفظ تلك الحقوق ؟ وإذا لم يكن هناك شيء اسمه حقوق الإنسان قديماً فما هي الأسباب ؟

المبحث الأول
حقوق الإنسان في الحضارات القديمة

لا يمكن القول بوجود لحظة محددة بدأت عندها الأصول الأولى لفكرة حقوق الإنسان، ولكن في أغلب الظن فان هذه الأصول قد بدأت مع بداية تكوين حياة مشتركة لمجموعات البشر، ومن ثم فان هذه الفكرة ولو بصورتها البدائية هي فكرة قديمة قدم الحياة البشرية ذاتها وتمثل المدينة بأوجه الحياة المختلفة فيها والتي شكلت بدايات ظهور الدول في تاريخ العالم البدايات الأجدر بالبحث من خلالها عن تفاصيل محددة لفكرة حقوق الإنسان فمدينة لا رأي فيها الا لرجل واحد ليست مدينة كما انه لا يكفي لكي نعيش حياتنا ان يتحول الصراع إلى مناقشات منطقية إلا حيث تقدر قيمة الاختلاف في الرأي وتتاح المعارضة فالمدينة كمكان يعيش فيه البشر هي مستقر ومرتع تشجع فيه الحروب العقلية لا الحروب البدنية.
عليه فان البدايات لفكرة حقوق الإنسان ضمن إطار الدولة تبدأ مع ظهور المدينة.

المطلب الأول
حقوق الإنسان في حضارة وادي الرافدين
ان للعدل باعتباره المثل الأعلى للسلوك الإنساني وللحكم واقامة السلطة التي يتمتع بها الملوك والأمراء وزعماء الجماعات البشرية المختلفة تاريخاً قديماً اكثر عمقاً من الفكر اليوناني، فهو لا ينطلق من جمهورية افلاطون إذ انه عرف بصورة واضحة في شرائع وقوانين بلاد ما بين النهرين، وإذا كان لقضية الخوف التي يعاني منها الإنسان منذ ان وجد على سطح الأرض عاملاً هاماً في دفعه مع الآخرين من بني جنسه إلى البحث عن مركز ثابت للاجتماع والاستقرار الأمر الذي ترتب عليه بمعونة عوامل أخرى إلى ظهور تنظيمات مختلفة للإنسان على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية جرى تنظيمها عن طريق القوانين والشرائع التي ظهرت على مر العصور، فمن الوجهة السياسية يلاحظ أن القوة السياسية كانت دائماً في يد مجلس شيوخ المدينة أو القرية وفي معظم المجتمعات فأصول قواعد السلوك والحكومة والقانون والعدل كانت موجودة في مجلس شيوخ القرية ويبدو ان هذه الوسيلة البدائية من أدوات الحكم كانت من مميزات المجتمعات القروية في كل العصور، ولقد بلغ من خطورة شأن هذه المنظمة انها تركت طابعها على كل القصص الدينية ونشاط الأداة الحكومية في مدن بلاد ما بين النهرين اذ انه إلى ما بعد ذلك بآلاف السنين كان لا يزال في بابل مجلس للآلهة على نمط القرية العتيق، وهكذا فانه مع تطور المدينة أصبح في المجتمع طبقة مميزة تسيطر على الطبقات الأخرى وعندها أدعى الملوك والزعماء أنهم يستمدون سلطانهم من مصادر الاهية حيث أصبحوا حلقة الوصل بين السماء والأرض، وبذلك امتزجت السلطتان الدينية والزمنية كما كان الأمر في الحضارات القديمة كلها، وهذه حقيقة تشمل حضارات بلاد ما بين النهرين والحضارات الأخرى كالمصرية القديمة والصينية والهندية واليابانية(13).
ان هذه الأوضاع الجديدة منحت الحاكم صلاحية الانفراد بالسلطة واسترقاق الآخرين حيث امتد الأمر ليشمل طبقات بأكملها داخل مجتمعه، وعليه فانه لم يكن هناك حق إنساني إلا في حدود ما يقره الحاكم فقط، ويمكن بالاستناد إلى ذلك تفسير ظاهرة الحرب والسبي والقتل والتدمير اذ أن كل ملك من الملوك كان يطمح إلى المزيد من القوة المادية والمعنوية والتي لا يتم الحصول عليها إلا بمقابلة الآخرين أو قتلهم والاستيلاء على أموالهم، وهذا الوضع العام أدى إلى وجود أقلية حاكمة ومسلحة على حساب الكثرة التي غالباً ما تحرم من حقوقها الإنسانية، فإذا كان ظهور الملك الحربي قد حقق الأمن لنظامه الملكي ولحاشيته وعسكره فانه من جهة أخرى قد فرض نظاماً قاسياً على رعيته، وبقدر تعلق الأمر ببلاد ما بين النهرين يشير أحد الكتاب إلى أن (الإرهاب كان هو السمة العامة للمجتمع، وقد بلغت أعمال الوحشية ذروتها في شخص آشور بانيبال ملك آشور، وتضاعفت مظاهر القسوة هذه ووصلت الذروة في عهد متأخر كعهد حمورابي حيث كانت نصوص القانون الذي اشتهر به يحتوي على قائمة من الذنوب لا حصر لها، وكثير منها طفيف، لكنها كانت تستوجب العقاب بالموت، أو بالتشويه عملاً بالنص الحرفي لمبدأ العين بالعين والسن بالسن(14).
وربما كان لهذا الشكل من أشكال الإرهاب أسبابه المتعددة ومنها قسوة الطبيعة. ففي بلاد ما بين النهرين للطبيعة قسوة مميزة تمثلت في فيضان الأنهار المفاجئ والمدمر لمحاصيل الفلاحين بينما يمثل النيل سهولة الحياة وسلاستها فالفلاح المصري يعرف أوقات الفيضان، الأمر الذي يقود إلى استغلال المحاصيل الزراعية على أكمل وجه وهو ما يقود بدوره إلى حياة الأمن والاستقرار، ويمكن تفسير القسوة الإنسانية كنتيجة لقسوة الطبيعة في بلاد ما بين النهرين ونقيض ذلك في بلاد النيل من خلال الضغط والإرهاب الذي أدى إلى وحدة الأقاليم في المنطقة الأولى بينما أقيمت وحدة الأقاليم في وادي النيل على المنفعة العامة التي تجنى من مياه النيل.

وقد ازدادت الحياة قسوة عندما جاء رجل ووضع قدمه على قطعة أرض وقال هذه ملكي مما ترتب عليه تقسيم الناس إلى أغنياء وفقراء، ومع ذلك فان التقسيم الحقيقي للملكية لم يبدأ إلا عندما بدأ الحكام يوزعون هباتهم للمقربين منهم ولم تظهر حقوق الملكية بتفاصيل قانونية إلا في الألف الثاني قبل الميلاد وهو ما جاءت به شريعة حمورابي التي عالجت تفاصيل الملكية وحق نقلها، وهنا يمكن ملاحظة حقيقة أساسية، وهي أن معظم الحضارات القديمة قد قامت بشكل أو بآخر على أكتاف الرقيق، وبالمثل فانه يمكن القول أن الثروات الطائلة التي يجمعها أفراد مهيمنون لا تتم إلا عن طريق الاسترقاق والقسوة التي تخلو من الشعور بالإنسانية تجاه الآخرين، ومن ثم فإن الفترة الأولى التي شهدت عصر ما قبل التاريخ والحضارات القديمة لم تتعرض لقضية حقوق الإنسان بمعناها الحقيقي من حيث حقه في تقرير المصير وحقه في الوجود حتى أن القوانين التي وضعها حمورابي لا تؤدي إلا لأن يكون الناس جميعاً بلا عيون وبلا أسنان وبلا أطراف وفي نهاية الأمر فلا نجد في ظل هذه القوانين داخل المجتمع الإنساني سوى عقاب يتبعه عقاب وليس حقوقاً تليها حقوق.
عليه فان الحقوق التي أقرتها الشرائع القديمة لم تكن حقوقاً جماعية بالمعنى المعروف في الوقت الحاضر بل كانت حقوقاً فردية يتمتع بها الحاكم، ومن ثم فان تناقض الوعي وصراع الذات والموضوع لم تؤدي إلى تطور الوعي في الحضارات القديمة ولذا انعدمت الحرية فيها حيث لم يكن هناك سوى شخص واحد حر هو الحاكم(15) .
أن ما تقدم من أفكار يمثل وجهة نظر واحدة عن حقوق الإنسان وأصولها في المجتمعات القديمة على وجه العموم، وفي حضارة ما بين النهرين على وجه الخصوص، ومن ثم فانه يحق لنا ان نتساءل فيما إذا كانت الصورة قاتمة إلى هذا الحد؟ فمن الضروري أن نلاحظ أن البدايات الحقيقية للتشريع والقانون إنما ظهرت في بلاد ما بين النهرين التي تكونت فيها أولى التجمعات البشرية المشكلة للأشكال الأولى للدولة بكل ما تعنيه من تنظيم سياسي واقتصادي واجتماعي.
عليه فان هناك وجه آخر فازدهار القوانين في بلاد ما بين النهرين أمر مؤكد بالمقارنة مع المدنيات الأخرى التي زامنت الحضارة العراقية القديمة، والحقيقة هي أن تطور القانون لا ينفصل عن تطور الفكر بشكل عام وهو بدوره يمثل انعكاساً للمديات المتقدمة في جوانب الحياة المادية، فالقانون في الأساس، منطلق لتنظيم العلاقات، وتثبيت حقوق وواجبات طرفي العلاقة في أشكال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ومن بين أوجه العلاقات تلك التي تقوم بين الناس، فرادى وجماعات في جانب، وبين الحاكم أو من يمثله من سلطات وإدارات وهيئات من جانب آخر، ولأن الملك في نظرة العراقيين القدماء شخص لا يختلف كثيرا ً عن بقية الناس، أوكلت الآلهة إليه مهمة حكم البشر وادارة شؤونهم، فهي من واجباته، مثلما له حقوق على الناس، لذلك برزت الحاجة الماسة إلى تعيين الحقوق والواجبات لطرفي العلاقة الرئيسيين الملك من جانب والمجتمع من جانب آخر.
وعلى الرغم من أن هذا التصور للعلاقة لم يصل إلينا مدوناً بشكل مباشر ولكننا نستشفه من أقوال الملوك وبعض النصوص الدينية، فالملك مكلف بنصرة المظلومين والاقتصاص من الظالمين وهو الراعي العادل، ولكنه لم يمثل صورة الحكم الإلهي (فإذا لم يحرص على تطبيق العدالة، فسيغير الإله ايا قدره) بمعنى أن مصير الملك كصاحب سلطان منوط بموقفه من العدالة وعمله على تطبيقها، لأنها إرادة الآلهة. وجانب من هذه الحقيقة تشير إليها قوانين حمورابي إذ نقرأ على لسان هذا الملك (انتدبني آنذاك آنو وانليل، أنا حمورابي الأمير الكريم عابد الالهة، لأنشر العدل في البلاد واقضي على الشر والغش وامنع القوي من اضطهاد الضعيف).
وبقدر تعلق الأمر بالجوانب الخاصة بحقوق الإنسان يلاحظ على القوانين العراقية القديمة إقرارها ببعض العقوبات الصارمة أو اعتمادها على بعض المبادئ الساذجة والتي لا تتوافق مع أعراف البشر المتمدنين في العصر الراهن، ومن أمثلة ذلك تعميم المسؤولية أو استنتاج البينة عن طريق الامتحان، وما إلى ذلك، ولكن إذا ما تذكرنا اننا نستعرض أعمالاً قانونية يقرب عمرها من أربعة آلاف عام، سنقبل بالضرورة بعض المآخذ التي تسجل على جوانب من القوانين، غير متناسين أن القوانين العراقية القديمة تشكل التجربة الأولى في تاريخ البشر، وانها بالمقارنة مع الكثير من الأعمال القانونية اللاحقة، تمثل الأساس الصحيح والسليم لتجربة الإنسان القانونية(16).
ومن النصوص القانونية التي جاءت بها شريعة حمورابي والتي لا تنسجم مع أسس حقوق الإنسان النص الذي يعالج حالة أي مواطن يتهم مواطناً آخر بجريمة يعاقب عليها بالإعدام ثم لم تثبت عليه فانه يعدم عوضاً عنه، كما تضمنت هذه المدونة النص على حق المحارب الذي يؤسر في ديار الأعداء في أن يسترد زوجته إذا عاد إلى بلده، حتى لو كانت قد تزوجت أثناء أسره برجل آخر، وهي تحتم على زوجة الأسير ان تلزم داره مادام فيها ما تقيم به أودها وإذا ما تزوجت رجل فانه يلقى بها في النهر، ومع ذلك فان هناك نصوصاً عبرت عن احترام بعض الأسس التي تعد من حقوق الإنسان حتى في العصر الحديث، فقد اعتبرت الدولة مسؤولة عن تقصيرها في حماية الأشخاص والممتلكات، ولهذا السبب، فانه إذا قتل مواطن ولم يتيسر معرفة قاتله تعاونت المدينة وحاكمها على دفع الدية إلى أهله، وإذا سرق مواطن ولم يتيسر القبض على سارقه واسترجاع المسروقات عوضته مدينته وحاكمها عما سرق منه.
فضلاً عما تقدم من أحكام تبرز ملامح أخرى لحقوق الإنسان يمكن الإشارة إليها كالإصلاحات المنسوبة إلى حاكم مدينة لجش أوروكوجينا التي تتمحور إصلاحاته على معالجة الوضع الضرائبي وشؤونه بصورة أساسية ومع ذلك فقد أكدت هذه الإصلاحات على بعض المبادئ المهمة كفكرة الحرية في حدود القانون وان المناصب الوظيفية العالية في الحكومة والإدارة لا تعفي صاحبها من الحدود القانونية، وهذا كله بهدف توفير أساس قانوني لمعاقبة الموظفين وجامعي الضرائب ممن خرقوا التقاليد وتجاوزوا على حقوق المواطنين وممتلكاتهم(17)، ومما تجدر الإشارة إليه ان إصلاحات اوروكوجينا هي الوثيقة الأولى في تاريخ البشرية التي وردت فيها كلمة الحرية(18).
القانون الآخر هو قانون اورنمو الذي يعد من اقدم القوانين المدونة في تاريخ البشرية وقد اعتمد مبدأ التعويض في العقوبات على خلاف المبدأ الذي يعتمده قانون حمورابي وهو القصاص.
وفي إطار عمل الأجهزة القضائية يمكن الإشارة إلى جريمة قتل اخبر القتلة الزوجة بمقتل زوجها فلما عرضت القضية على مجمع المواطنين في مدينة (نفر) صدر الحكم بان العقوبة ينبغي ان لا تشمل سوى القتلة والفاعلين وقد ترجمت تلك الوثيقة وعرضت على عميد كلية الحقوق بجامعة بنسلفانيا وعضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1930 – 1940 لبيان رأيه فيها فأجاب بان القضاة المعاصرين يتفقون مع القضاة السومريين القدامى في هذا الحكم، لأن تلك الزوجة لا يمكن أن تعد شريكة في الجريمة بموجب أحكام قوانيننا فان من ينبغي أن يعد شريكاً في الجرم ليس من علم بارتكاب الجريمة فقط، بل يجب أن يكون قد أوى المجرم القاتل أو أسعفه أو زين له أو ساعده.
ووثيقة أخرى تدل على العدالة القضائية اذ يستدل في تلك الوثيقة على أن المحاكم السومرية لم يكن يحق لها أن تصدر حكماً على شخص يرفع أمره إليها ما لم يكن حاضراً المحاكمة أو بلغ بالحضور فلم يحضر(19).
بناءً على ما تقدم فان الأصول القديمة لفكرة حقوق الإنسان يمكن أن تلاحظ بصورتها البدائية مع ظهور التشريعات العراقية القديمة والإصلاحات المالية والاجتماعية التي شهدها العراق القديم فلا يمكن الحديث عن الحقوق والواجبات ضمن المجتمع إلا في ظل القانون أو الأعراف المطبقة من جانب البشر، وقد عبر العراقيون القدماء بشكل أو بآخر عن فهم لهذه الحاجة الإنسانية فشرعوا القوانين التي كفلت لكل الأطراف حقوقها ضمن الهيكل الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع البشري في ذلك الوقت، وإذا كانت المجتمعات القديمة الأخرى قد سنت بدورها قوانين خاصة بها وطبقت أعرافاً اجتماعية في علاقات أطرافها فانه مما لا شك فيه أن هاجس العدالة كان مسيطراً على المجتمع العراقي القديم بشكل متميز عن بقية المجتمعات القديمة، ومن ثم فان الأصول البدائية والأفكار الأولية لجوانب من مفهوم حقوق الإنسان كان معروفاً في المجتمعات العراقية القديمة وهو ما عبرت عنه القوانين التي طبقت في ذلك الزمان بشكل أو بآخر.
كذلك يتعرض الأستاذ جاكوبسن في بحثه الموسوم (الديمقراطية في بلاد ما بين النهرين) والدكتور عامر سليمان في كتابه الموسوم بالقانون في العراق القديم إلى جانب مهم يتعلق بالبحث المتقدم اذ يشير الكاتب الأخير إلى أن التناقض بين الحكم الديكتاتوري المطلق الذي تميزت به ممالك العراق القديمة في الآلف الثاني قبل الميلاد، وبين وجود بعض المظاهر الديمقراطية فيها حمل العلامة جاكوبسن على دراسة الأساطير الدينية، والملاحم والقصص السومرية والأكدية للتعرف على الحال الذي كان عليه العراق القديم في الألف الثالث قبل الميلاد وما قبل هذا التاريخ، وقد انتهى هذان الكاتبان وغيرهما إلى أن الحكم في بلاد ما بين النهرين يستحق أن يوصف بالديمقراطية البدائية، فقد كانت آلهة أولئك السكان القدماء مقيدة بقرارات مجلسها وكان لذلك المجلس صلاحيات دينية وعقابية معينة لتحديد الآجال ومحاكمة الإنسان على ارتكابه ما يغضب الآلهة، وانتخاب أحد الآلهة ليكون رئيساً، ومنحه السلطة المطلقة في حالة الطوارئ والظروف الاستثنائية وإسباغ الصفة الملكية على إنسان ليحكم باسم الآلهة على الأرض، وخلع تلك الصفة عنه، كما أكد هؤلاء على أن الغاية من تخويل السلطة الملكية لإنسان على الأرض هي بهدف حماية الحقوق الأزلية التي خلق الكون بموجبها، وهذه حقائق تحكم الآلهة والبشر، أما السبيل إلى ذلك فنشر العدالة وإصدار القوانين ومراقبة حسن تطبيقها فان صدق كل ذلك فان أولئك القدماء هم أول من رسم مخططاً بدائياً للديمقراطية والعدالة وفلسفة القانون، وأول من ذهب إلى وحدة القانون العادل في السماء وعلى الأرض بين الآلهة وبين البشر(20).

ضمانات تحقيق العدالة
أما ضمانات تحقيق العدالة في حضارة وادي الرافدين فيمكن ردها إلى مبدأ خضوع الحكام لسيادة القانون، والقانون، والقضاء. فمبدأ خضوع الحاكم لسيادة القانون كان ولا يزال يعد من المبادئ الأساسية لتحقيق العدالة وهو من أهم الأهداف التي تسعى الدول إلى تحقيقها في الوقت الحاضر إذ تتحقق فكرة المساواة في جانب منها يتحقق المبدأ المذكور، وهو يعني خضوع السلطة إلى جانب الأفراد إلى حكم القانون الصادر عن الدولة والدولة التي يخضع فيها الأفراد والحاكم لحكم القانون يطلق عليها تسمية الدولة القانونية على أن خضوع الحاكم يكون بالاستناد إلى التقييد الذاتي، ومن ثم فان هذا الخضوع من جانب الحاكم للقانون يختلف عن خضوع الأفراد له، ويبدو أن هذا المبدأ كان معمولاً به بشكل أو بآخر في العراق القديم فإذا كان الملوك هم الذين يصدرون القوانين وإذا كانت أوامرهم وكلماتهم هي القانون فان خضوع سلطانهم كان مقيداً بقواعد العدالة فالقواعد الدينية والعرفية والقانونية كلها شكلت قيوداً على سلطة الحاكم، فالتزام الملك بضمان وتحقيق العدالة كان يعد من أبرز الأمور التي تقود إلى ازدهار مملكته وهناك نص من أدب الحكمة تضمن النصائح الموجهة إلى الحاكم إذ تلزمهم بتحقيق العدل بين المواطنين ويعود تأريخه إلى العصر الآشوري الأخير (911-612 ق.م) إذ جاء فيه (أن الملك إذا لم ينشر العدالة …. وإذا لم يستمع إلى نصح مستشاريه، فان حياته ستكون قصيرة وان رعيته ستثور عليه وان مملكته ستتهاوى).
ويبدو أن الحكام قد طبقوا شيئاً أو أشياء مما تغنوا به من أفكار عن العدالة ففي زمن حمورابي أرسل بعض الأفراد رسائل يشكون من تجاوز بعض الموظفين على حقولهم وأموالهم دون وجه حق فأرسل حمورابي إلى حاكم المدينة يخبره أنه أخذ من المدعي أرضه التي يمتلكها منذ ثلاث سنوات، كما سأله عن سبب أخذه للمحصول من الرجل وأمره بقراءة لوح التعليمات وإرجاع الحقل وغلتها طبقاً لهذه التعليمات. كما توجد وثيقة هامة أخرى إذ تشير سابقة حدثت قبل 3400 عام في مدينة نوزي (Nuzi) القديمة وهي تبعد حوالي عشرة أميال عن مدينة كركوك الحالية إلى مبدأ سيادة القانون من جهة التطبيق فقد سيق حاكم هذه المدينة المدعو (كوشي – حارب) إلى المحكمة لمحاكمته عن التهم التي وجهت إليه بأخذ الرشوة والغش وهتك العرض، وقد استمع القضاة وهم ثلاثة إلى دفاع الحاكم المتهم الذي كانت الأدلة ضده، إذ حضر مجموعة من الشهود وكان من بينهم أحد أعوانه فلم يجرأ الحاكم على نفي تلك التهم وأدين بهذه الجرائم ونال العقوبة القانونية عليها(21).
أما القانون بوصفه من ضمانات تحقيق العدالة في العراق القديم فهو يعد الوسيلة الأكثر ثباتاً في تحقيق هذا الهدف إذ انها كانت أشبه بتقارير ملكية موجهة إلى الآلهة، وتتضمن القضايا التي فصلت فيها المحاكم التابعة للملك والدولة واتخذت بخصوصها قرارات عادلة لتثبيت عدالة الملك واستقامته أمام الآلهة. ودراسة جانب من القوانين العراقية القديمة يظهر الهاجس الذي ظل مسيطراً على المشرع في بلاد ما بين النهرين وحلمه بتحقيق العدالة فعلى سبيل المثال أخذت القوانين في وادي الرافدين بمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق الفردي، وهو مبدأ يستند إلى اعتبارات العدالة كما نصت المادة 137 في شريعة حمورابي على أن ضرورة التزام الزوج الذي يطلق زوجته التي أنجبت له أولاداً، أن يتنازل لها عن نصف ثروته لكي تقوم بتربية أولادها كما نصت المادتين 168 و 169 على عدم جواز حرمان الوارث ورثته من التركة، ولا إنقاص نصيب أي منهم ما لم يرتكب الوارث خطأ جسيماً، وتقدير الخطأ الذي يسمح للوارث حرمان ورثته من التركة يخضع لرقابة القضاء فلا يجوز للمورث حرمان ورثته من التركة إلا بعد صدور قرار قضائي وأن يكون ذلك الخطأ قد حدث منه للمرة الثانية(22).

كما ثبت قانون اشنونا المبدأ الذي يقضي بالتعويض عن الضرر الذي يلحقه الجاني بالمجني عليه بما يتناسب مع جسامة الضرر إذ نصت المادة (45) من القانون المذكور على أنه (إذا قطع رجل إصبع رجل آخر فانه يؤدي غرامة ثلثي المنا من الفضة) كما نصت المادة (47) على أنه (اذا كسر قدمه فانه يدفع غرامة نصف مناً من الفضة).
ومن الأحكام التي سعت إلى ايجاد نوع من الحقوق القائمة على التضامن الاجتماعي ما جاءت به شريعة حمورابي التي تجعل المدينة وحاكمها الجهة المسؤولة عن تعويض الضرر الذي يتعرض له الأفراد بسبب ارتكاب جريمة سرقة ضدهم، وعدم تمكن السلطات المختصة من التوصل إلى معرفة الفاعل، وإذا كان الأمر يتعلق بجريمة قتل ولم يتم التعرف على الفاعل فعلى المدينة دفع دية إلى أقرباء القتيل.

يتبع >

__________________








 


 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:45

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc