-- باب في زكاة الفطر :
من الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان حفظه الله
زكاة الفطر من رمضان المبارك تسمى بذلك ؛ لأن الفطر سببها ،
فإضافتها إليه من إضافة الشيء إلى سببه .
والدليل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع .
قال الله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال بعض السلف :
" المراد بالتزكي هنا إخراج زكاة الفطر " .
وتدخل في عموم قوله تعالى : وَآتُوا الزَّكَاةَ
وفي " الصحيحين " وغيرهما : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
زكاة الفطر صاعا من بر أو صاعا من شعير ، على العبد والحر ،
والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين .
وقد حكى غير واحد من العلماء إجماع المسلمين على وجوبها .
والحكمة في مشروعيتها أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث ،
وطعمة للمساكين ، وشكر لله تعالى على إتمام فريضة الصيام .
وتجب زكاة الفطر على كل مسلم ، ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا
حرا كان أو عبدا ، لحديث ابن عمر الذي ذكرنا قريبا ، ففيه
أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على العبد والحر
والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وفرض بمعنى ألزم
وأوجب .
كما أن في الحديث أيضا بيان مقدار ما يخرج عن كل شخص ،
وجنس ما يخرج ، فمقدارها صاع ، وهو أربعة أمداد ، وجنس
ما يخرج هو من غالب قوت البلد ، برا كان ، أو شعيرا ، أو تمرا ،
أو زبيبا ، أو أقطا ... أو غير هذه الأصناف مما اعتاد الناس أكله
في البلد ، وغلب استعمالهم له ، كالأرز والذرة ، وما يقتاته الناس
في كل بلد بحسبه .
كما بين صلى الله عليه وسلم به وقت إخراجها ، وهو أنه أمر بها
أن تؤدى قبل صلاة العيد ، فيبدأ وقت الإخراج الأفضل بغروب الشمس
ليلة العيد ، ويجوز تقديم إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ،
فقد روى البخاري رحمه الله أن الصحابة كانوا يعطون قبل الفطر
بيوم أو يومين ، فكان إجماعا منهم .
وإخراجها يوم العيد قبل الصلاة أفضل ، فإن فاته هذا الوقت ،
فأخر إخراجها عن صلاة العيد ، وجب عليه إخراجها قضاء ؛
لحديث ابن عباس : من أداها قبل الصلاة ؛ فهي زكاة مقبولة ،
ومن أداها بعد الصلاة ، فهي صدقة من الصدقات ويكون آثما بتأخير
إخراجه عن الوقت المحدد ؛ لمخالفته أمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
ويخرج المسلم زكاة الفطر عن نفسه وعمن يمونهم - أي :
ينفق عليهم - من الزوجات والأقارب ؛ لعموم قول النبي صلى الله
عليه وسلم : أدوا الفطرة عمن تمولون .
ويستحب إخراجها عن الحمل ، لفعل عثمان رضي الله عنه .
ومن لزم غيره إخراج الفطرة عنه ، فأخرج هو عن نفسه
بدون إذن من تلزمه ، أجزأت ؛ لأنها وجبت عليه ابتداء ،
والغير متحمل لها غير أصيل ، وإن أخرج شخص عن شخص
لا تلزمه نفقته بإذنه ، أجزأت ، وبدون إذنه لا تجزئ .
ولمن وجب عليه إخراج الفطرة عن غيره أن يخرج فطرة
ذلك الغير مع فطرته في المكان الذي هو فيه ، ولو كان المخرج
عنه في مكان آخر .
ونحب أن ننقل لك كلاما لابن القيم في جنس المخرج في زكاة الفطر
قال رحمه الله لما ذكر الأنواع الخمسة الواردة في الحديث :
وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة ، فأما أهل بلد أو محلة قوتهم
غير ذلك ، فإنما عليهم صاع من قوتهم ، فإن كان قوتهم من غير
الحبوب كاللبن واللحم والسمك ، أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا
ما كان ، هذا قول جمهور العلماء ، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره
إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتات
أهل بلدهم ، وعلى هذا فيجزئ الدقيق ، وإن لم يصح فيه الحديث ،
وأما إخراج الخبز أو الطعام ، فإنه وإن كان أنفع للمساكين ،
لقلة المؤونة والكلفة فيه ، فقد يكون الحب أنفع لهم لطول بقائه "
انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " يخرج من قوت بلده مثل الأرز
وغيره ، ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث -
وهو رواية عن أحمد وقول أكثر العلماء ، وهو أصح الأقوال ،
فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء ،
انتهى .
وأما إخراج القيمة عن زكاة الفطر ، بأن يدفع بدلها دراهم ،
فهو خلاف السنة ، فلا يجزئ ؛ لأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه إخراج القيمة في زكاة الفطر .
قال الإمام أحمد : لا يعطي القيمة . قيل له : قوم يقولون :
إن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة ، قال : يدعون قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون : قال فلان ، وقد قال
ابن عمر : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا ...
الحديث .
ولا بد أن تصل صدقة الفطر إلى مستحقها في الموعد المحدد
لإخراجها ، أو تصل إلى وكيله الذي عمده في قبضها نيابة عنه ،
فإن لم يجد الدافع من أراد دفعها إليه ، ولم يجد له وكيلا في الموعد
المحدد ، وجب دفعها إلى آخر .
وهنا يغلط بعض الناس ، بحيث يودع زكاة الفطر عند شخص
لم يوكله المستحق ، وهذا لا يعتبر إخراجا صحيحا لزكاة الفطر ،
فيجب التنبيه عليه .
-- زكاة الفطر فرض على كل مسلم :
السؤال :
ما حكم صدقة الفطر ، وهل يلزم فيها النصاب ؟
وهل الأنواع التي تخرج محددة ؟ وإن كانت كذلك فما هي ؟
وهل تلزم الرجل عن أهل بيته بما فيهم الزوجة والخادم ؟
الجواب :
زكاة الفطر فرض على كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر
أو عبد ؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
(( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر
أو صاعاً من شعير ، على الذكر والأنثى والصغير والكبير والحر
والعبد من المسلمين . وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة )) [1] .
متفق على صحته . وليس لها نصاب بل يجب على المسلم إخراجها
عن نفسه وأهل بيته من أولاده وزوجاته ومماليكه إذا فضلت
عن قوته وقوتهم يومه وليلته . أما الخادم المستأجر فزكاته على نفسه
إلا أن يتبرع بها المستأجر أو تشترط عليه ، أما الخادم المملوك
فزكاته على سيده ، كما تقدم في الحديث . والواجب إخراجها
من قوت البلد ، سواء كان تمراً أو شعيراً أو براً أو ذرة أو غير ذلك ،
في أصح قولي العلماء ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يشترط في ذلك نوعاً معيناً ، ولأنها مواساة ، وليس على المسلم
أن يواسي من غير قوته .
-----------------------------------------------------------------
[1] رواه البخاري في ( الزكاة ) باب فرض صدقة الفطر برقم 1503
المصدر :
نشر في كتاب ( تحفة الإخوان ) لسماحته ص 154 ،
وفي كتاب ( مجموعة فتاوى سماحة الشيخ ) ، وفي جريدة
( الندوة ) العدد 12210 بتاريخ 8/9/1419هـ - مجموع فتاوى
و مقالات متنوعة الجزء الرابع عشر.