الورقة الأولى..
عندما ترحل عني..
لا!
لا تطعني شموخ الوداع بتفاهة الإيضاح .
لا تشرحي لماذا كان علينا أن نفترق.
فأنا أدرك أنه ما كان ينبغي لنا أن نلتقي .
إذن ، كانت نزهتنا القصيرة بين النجوم زمردة سرقناها من خزائن الزمن الحديدية بدون حق.
وإذن ، كان جنوننا اللذيذ انفلاتا مؤقتا من سلاسل الحكمة والاتزان .
وإذن ، كان الانفجار المتدفق شعرا وعطرا وكروما وشلالات حرير نزوة عابرة عاد بعدها البركان الصامت القديم إلى وقاره الصامت القديم .
أريد أن أقول.
إن ما كان ، على قصره ، يظل دائماً جزأ من خارطة الزمن ، زمني و زمنك وزمن الأشياء التي أحببناها وأحبتنا.
الأشياء؟
صخور البحر ، القارب العتيق ، الغروب ، الشجيرات وشريط الموسيقى الذي يجهش
"عندما ترحل عني".
تذكرين؟!
أما أنا فعندما أعود إلى الكثبان والوديان فسأحمل في صدري ربيعاً صغيراً متنقلاً تختزنه نظرة من نظراتك الكستنائية .
أما العطر .. أما العطر فقد التحم بخلايا الذاكرة واختفى بين الكريات البيضاء والحمراء.
لا تتكلمي!
اذهبي إلى الشاطئ واجلسي على الصخور وتأملي الغروب يلف الشجيرات والقارب العتيق ودعي شريط الموسيقى يحقق كل تنبؤاته الدامعة!
عندما ترحل عني..
الورقة الثانية ..
المكان..
لست أدري ما الذي جاء بك إلى هذا المكان حيث تقطف الورود وتمضغ،
وتدوس الأصابع الغجرية على براءة الفل، وتسحق الأقدام الثقيلة ذكريات الربيع..
ولكنني أعرف أنك الآن وردة مقطوفة .
زهرة فلٍ فقدت براءتها..ذكرى ربيع سحقته الأقدام الثقيلة .
ألمح في عينيك قرونا من الحزن الأسود العميق تشبه الكحل الأسود العميق الذي يحاصر عينيك ليخفي شماتة الغضون.
وألمح في شفتيكِ لوعة لا تستطيع أن تعبر عن نفسها لأنها نسيت منذ سنين كيف بدأت.
وعلى يديك آثار من الأظفار التي تتغذى بقطرات الدم الصغيرة.
ومع ذلك فأنت تنظرين إليّ وكأنني أحمل معي بشرى الخلاص.
لا! أيتها الفلة التي فقدت براءتها.
إن بضاعتي كلمات اجترها و تجترني حتى شاحنت من التكرار وأصيبت بالحزن.
وكيف لكلمات كهذه أن تبشر بالخلاص ؟
أما أنتِ فقد أصبحت دون أن تدركي أسيرة هذا المكان وجاريته و قهرمانته.
أدمنتِ الأيدي التي تقطف . والأصابع التي تدوس. والأقدام التي تسحق.
أدمنتِ حتى لم يعد بإمكانك أن تتعاملي مع إنسان لا يقطف ولا يدوس ولا يسحق.
ستبقين هنا. تغنين وتضحكين وترقصين. ويرمي لك المكان فتات الخبز والقليل من الفضة الصدئة.
حتى يكتشف المكان أنه لم يعد فيك ما يصلح للقطف أو المضغ أو السحق .
وعندها تنتقلين من قبضته إلى قبضة الكهولة الجليدية بلا كلمة وداع.
فما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟!
الورقة الثالثة....
من بيادر جبران....
أنت كريم حقاً..
عندما تعطي ..
ثن تشيح بوجهك..
حتى لا ترى..
حياء الذي يتلقى العطية..
* * *
أن أكون أصغر إنسان..
وأملك أحلاماً..
والرغبة في تحقيقها..
أروع من أكون ..
أعظم إنسان..
بدون أحلام ..
بدون رغبات..
* * *
عندما كنت أنت ..
كلمة صامتة على شفاه الحياة المرتعشة..
كنت أنا أيضاً هناك..
ثم نطقت الحياة..
وعبرنا السنين..
تنبض بذكريات الأمس..
وبالحنين إلى الغد..
فقد كان الأمس ..
الموت الذي قهرناه..
والغد..
الميلاد الذي تبعناه..
للأوراق بقية.....