منذ القديم و الإنسان يفكر في مسالة الحرية لأنه ببساطة يريد أن يعيش حرا لكن البعض يرى أن هذه الحرية مجرد وهم ،
فهناك من يرى أن الإنسان مقيد ، أي مجبر في جميع أفعاله و لا يملك حرية الاختيار ، توجهه حتميات داخلية كالعوامل النفسية و البيولوجية و أخرى خارجية كالقواعد الاجتماعية و الإرادة الإلهية (القضاء و القدر) لكن منطق الأطروحة غير سليم و لا يعكس الحقيقة
فكيف نفند هذا الرأي المزعوم ، و نزيل الشك أمام الرافضين لفكرة وجود الحرية ؟
أولا : انقسم المفكرون حول هل الإنسان حر أم مقيد فمنهم من رأى أن الإنسان حر وهنا من رأى أنه ليس حر.
فأنصار الحتمية هم ممن ذهبوا مذهب نفي الحرية مؤكدين ان الحتمية قانون عام يشمل كل الظواهر الكونية, وليست افعال الإنسان سوى حوادث مندرجة ضممن الحوادث الطبيعية, وما الإنسان نفسه سوى شيء من الأشياء خاضع لتأثيرات الحوادث,
ولا يختلف عن هذه الأشياء إلا في شيء واحد كونه ي بتلك الحوادث. وقد حاولوا تقديم براهين لتأكيد موقفهم هذا هي:
*-الحتمية البيولوجية:
إن الإنسان على مستوى حياته البيولوجية نجده حاملا منذ ولادته لمعطيات مثل الغرائز والإفرازات والغدد, والعوامل الوراثية, وله مزاج ذو خصائص معينة ثابتة, وماطبعه في رأيهم سوى تحدد فطري, وأن الطبع الموروث أعتبره هيمانس ولوسين بأنه هو الذي يحدد ماستكون عليه شخصيتنا وتصرفاتنا اثبت الروسي بافلوف أن سلوك الإنسان آلي إذا توفرت منبهات تحدث حتما الإستجابة وهذه الفكرة وافقه عليها الأمريكي واتسون وهناك من اعتقد أن الإنسان يقع تحت رحمة غدده الصماء وتأثير ها على كامل الشخصية حتى أن وليم جيمس قال" إننا تحت رحمة غددنا الصماء فهي المسؤولة على عواطف المرأة والشابة و انفعالات الشيخ الكبير".
نقد النظرية : إن ألإنسان ليس جسما فقط وسلوكه لا يرجع إلى التغيرات الفيزيولوجية وحدها , ثم إن الإنسان ليس شيئا من أشياء الطبيعة فهو قادر علىالتحكم في طبعه, وقادر على خداع المراقبين لسلوكه وعلى تغيير عاداته ولذلك لا يمكننا التنبؤ بمستقبل سلوكه زد على ذلك الإنسان ليس كائن بيولوجي بحت أي تام بل هو كائن نفسي واجتماعي أيضا.
*الحتمية النفسية:
يرى أنصارها أن الظواهر النفسية مقيدة بالعوامل العضوية والمؤثرات الخاجية وأن الأحوال النفسية مقيدة ببعضها البعض. فهي تجري إذن على نظام واحد محدد بهذه العوامل, وبقانون التداعي وارجعت المة الترابطية السلوك إلى الأفعال المنعكسة وتأثير التنبيهات وارجعته مة التحليل النفسي بقيادة فرويد أن تصرفات الإنسان ناتجة عن دوافع وميول لا شعورية عميقة ومكبوتة في أعماق انفسنا وما شعورنا بالحرية إلا مجرد وهم , ولو استطعنا أن نعرف مايدور في اللاشعور لتمكنا من التنبؤ بكل تصرفاتنا قبل القيام بها.ويرى آدلر ان الشعور بالنقص هو محرك نشاط الانسان مما يجعل الفرد في حالة بحث دائم عن التعويض بالاضافة الى ذلك الطبع ينفي الحرية فصاحب الطبع الانفعالي يغلب عليه المزاج العصبي والانفعال محدود التصورات وعلى المستوى الاجتماعي تعتبر الاحكام التي يطلقها الانسان صدى لثقافة المجتمع.
نقد النظرية : نلاحظ اولا أن الإنسان ليس مجرد كائن تحركه العواطف والغرائز والدوافع بل هو قادر على التحكم في دوافعه وعواطفه كما هو ملاحظ في الواقع.
وحتى وإن افترضنا خضوع الحياة النفسية لقوانين فهذا لا يمنع من التحكم فيها وتنظيمها وفق نتائج مرغوبة ومقصودة فنحن نتحكم في انفعالاتنا كالغضب والقلق... ونستطيع الإختيار بين عدة دوافع وتفضيل بعضها عن البعض الآخر زد على ذلك فإن التسليم بالحتمية النفسية يستوجب رفع المسؤولية الأخلاقية عن الإنسان.
*الحتمية الإجتماعية:
يرى أنصارها أن الإنسان بمجرد خروجه إلى العالم يجد نفسه مرتبطا بأسرة معينة أو مجتمع معين وحضارة وتاريخ محددين للمجتمع ومنهم دور كايم الذي يقول أن الحرية وهم شعوري, وأن كل تصرفات الإنسان تخضع لحتمية قاهرة على أساس أن المجتمع بقوانينه وقيمه ومؤسساته ودينه... هو الذي يتحكم في كل مانقوم به ولقد عبر عنها بقوله الشهير:" حينما نتكلم فإن المجتمع هو الذي يتكلم" .
نقد النظرية :
الواقع يبين أن المجتمع بالرغم من الضغوط العديدة التي يحد بها من حرية الإنسان إلا أنه يترك له مجالات واسعة للإختيار الحر وقد يكون الخضوع للمجتمع بكل طوابعه يكون طواعية لا قهرا كما أن التمرد ورفض القوانين الإجتماعية ليس بالأمر المستحيل فكثير من المجتمعات غيرها أفراد كالعضماء والمعلمين والزعماء , فهؤلاء هم الذين يؤثرون في المجتمعات ويدفعونها إلى التغيير وليس العكس.
*الحتمية الطبيعية:
اعتبر أنصار الحتمية الطبيعية سلوك الإنسان وأفعاله مجرد حوادث مندرجة ضمن سلسلة الحوادث الطبيعية, ولما كانت ظواهر العالم الطبيعي-كما بين العلم-مقيدة تقييدا تؤدي قيه الأسباب نفسها إلى النتائج ذاتها باستمرار كما هو الحال في تمدد الحديد فكلما سخن الحديد تمدد. فإن سلوك الإنسان باعتباره جزءا أو ظاهرة من ظواهر الكون يخضع بدوره لهذه الحتمية أو هذا التقيد .لأن فعل الإنسان في رأيهم ليس سوى تعبيرا عن الباعث الأقوى يقول ليبنز : الإرادة إذ تختار تميل مه أقوى الدواعي أو البواعث اثرا في النفس كما تميل إبرة الميزان إلى الجهة الثقيلة. ويذهب سبينوزا نفس المذهب يث يؤكد أن حرية الإنسان تتجلى في قبوله الحتمية التي يخضع لها الكون ويخضع هو لها باعتباره جزء من الكون
نقد النظرية :
القول بالحرية لا ينفي أبدا مبدأ الحتمية ولا السببية وذلك لأن أولا : مبدأ الحتمية مجرد افتراض أومسلمةمفيدة في غير مجال الإنسان وثانيا: لأن الفعل الحر لا ينفي السببية لأنه هو نفسه معلول بعلة هي الإنسان . زد على ذلك ألإنسان يتميز بخاصية نفسية من عواطف وأحاسيس لا علاقة لها بالعناصر الفيزيائية .
* الحتمية الميتافيزيقية:ويمثلها الجبريون مفكرون ون وعلى رأسهم جهم بن صفوان الذي ينطلق من فكرة أن الإنسان لاقدرة له و لا إرادة له في أفعاله وكل الأفعال ترجع إلى الإرادة الإلهية و القدرة إنما هي لله فقط أما الإنسان فهو كالريشة في مهب الريح.
ونسبة الفعل إلى الإنسان كنسبة الفعل إلى الجماد كقولنا أورق الشجر وسقط الحجر فيقول جهم بن صفوان:"إنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله, وأنه هو الفاعل وإنما تنسب الأفعال إلى الناس على المجاز كما يقال تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه وتعالىإلا أنه خلق له قوة كان بها الفعل وخلق له إرادة واختيارا له متفردا بذلك كما خلق له طولا كان به طويلا ولونا كان به متلونا".
من أدلتهم النقلية :
وهي ما أخذت من القرآن الكريم قول الله عز وجل:" الله خلقكم وما تعملون " وأيضا " اللله خالق كل شيء"
ومن أدلتهم العقلية:
القول بأن الإنسان حر يعني أن الإنسان موجد أفعاله أي أن هناك خالق آخر غير الله أي أن هناك أفعال تجري على غير إرادة الله وهذا شرك .
نقد النظرية :
موقف الجهميين لا ينفي الحرية فحسب بل الشعور بها ويشكل دعوة إلى الخمول وشل الإرادة إذن مالفاءدة من بذل الجهد مادامت النتائج محددة سابقا ثم كيف نفسر الأوامر والنواهي وكيف يستقيم التكليف وماالفائدة من الرسل والرسالات . وكيف يكون الثواب والعقاب على أفعال قد خلقها الله وفرضها مسبقاً .الاختلاف يكمن في المحكم والمتشابه .
فمنطق الذين يرون أن الإنسان مقيد ، أي مجبر في جميع أفعاله و لا يملك حرية الاختيار ، منطق غير سليم و لا يعكس الحقيقة
فهناك عدة أدلة تؤكد أن الإنسان حر طليق يتمتع بحرية الاختيار أهمها ..
الدليل النفسي /يقوم على شهادة الشعور (الإحساس بالمسؤولية) المعتزلة/ تقول ( ان الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل ..، فإذا أراد الحركة تحرك و اذا أراد السكون سكن ..)
ديكارت –descartes أن الحرية خاصية ملازمة للكائنات العاقلة ، يقول ( إن الحرية تدرك بلا برهان ، بل بالتجربة النفسية التي لدينا عنها )
برغسون bergson الحرية حالة نفسية تجري في الأنا العميق ،يقول الحرية احدى ظواهر الشعور
الدليل الأخلاقي / المعتزلة أن الإنسان مكلف و المكلف يختار (حر) قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت ) صدق الله العظيم
كانط kant الواجب الذي يمليه الضمير لدليل على وجود الحرية ( اذا كان يجب عليك فأنت اذن تستطيع)
*الدليل الوجودي سارتر sartreالإنسان حر ، و هذه الحرية تعبر عن صميم وجوده ، يقول ( الشعور بالذات يقتضي الحرية ، و الحرية تقتضي الإمكانية ، لأن الحرية تتضمن الاختيار ، و كل اختيار هو اختيار بين ممكنات)