شلشلة الأعشى ،وسلسلة مسلم ،وقلقلة المتنبي ،وبلبلة الثعالبي
يقول الواحدي في شرح ديوان المتنبي:
سمعت الشيخ أبا منصور الثعالبي رحمه الله يقول: قال لي أبو نصر بن المرزبان: ثلاثة من رؤساء الشعراء شلشل أحدهم ،وسلسلَ الثاني ،وقلقلَ الثالث
أما الذي شلشل فالأعشى وهو من رؤساء شعراء الجاهلية قال:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبُعنيشاوٍ مشلٌّ شلول شلشلٌ شولُ
وأما الذي سلسل فمسلم بن الوليد وهو من رؤساء المحدثين وهو الذي قال:
سلَّت وسلت ثم سلَّ سليلُهافأتى سليلُ سليلها مسلولا
وأما الذي قلقل فهو المتنبي وهو من رؤساء العصريين وهو الذي يقول:
فقلقلتُ بالهمّ الَّذي قلقلَ الحشاقلاقلَ عيسٍ كلُّهـنّ قلاقـلُ
فبلبلْ أنت أيضا فقلت له أخشى أن أكون رابع الشعراء أعني قول من قال:
الشعراء فاعلمن أربعة:
فشاعرٌ يجري ولا يجرى معهْ
وشاعرٌ ينشدُ وسطَ المعمعةْ
وشاعرٌ من حقه أن تسمعه
وشاعرٌ من حقه أن تصفعه
فقال: بل لا تكون رابع الشعراء. قال: ثم قلت بعد حينٍ من الدهر:
وإذا البلابل أفصحت بلغاتهافانفِ البلابلَ باحتساءِ بلابل
دمتم بخير
هذه الأبيات - على جلالة أصحابها - معيبة
وإليكم تلك المجموعة من النصوص
يتيمة الدهر للثعالبي
تكرير اللفظ في البيت الواحد من غير تحسين
كقوله:
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل
وقوله في هذه القصيدة:
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيس كلهن قلاقل
قال الصاحب: وما زال الناس يستبشعون قول مسلم:
سلت وسلت ثم سل سليلها ... فأتى سليل سليلها مسلولا
حتى جاء هذا المبدع فقال:
وأفجع من فقدنا من وجدنا ... قبيل الفقد مفقود المثال
وأظن المصيبة في الراثي أعظم منها في المرثي.
سر الفصاحة ابن سنان الخفاجي
فأما قول أبي الطيب:
لك الخير غير رام من غيرك الغنى ... وغيري بغير اللاذقية لاحق
فلا خفاء بقبحه للتكرار وكذلك قوله:
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل
لأنه ذكر الجهل خمس مرات وكرر بي فلم يبق من ألفاظ البيت ما لم يعده إلا اليسير. وأما قوله أيضاً:
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيش كلهن قلاقل
غثاثة عيشى أن تغث كرامتي ... وليس بغث أن تغث المآكل
فقد اتفق له أن كرر في البيت الأول لفظة مكررة الحروف فجمع القبح بأسره في صيغة اللفظة نفسها ثم في إعادتها وتكرارها واتبع ذلك بغثاثة في البيت الثاني وتكرار تغث فلست تجد ما تزيد على هذين البيتين في القبح ولم يزل الناس على وجه الدهر منكرين قول امرئ القيس بن حجر:
ألا إنني بال على جمل بال ... يقود بنا بال ويتبعنا بال
وهو لعمري قبيح وإن كان بيت هذا الفن الذي لا غاية وراءه في القبح قول مسلم بن الوليد الأنصاري:
سلت وسلت ثم سل سليلها ... فأتى سليل سليلها مسلولا
ولولا أن هذا البيت مروي لمسلم وموجود في ديوانه لكنت أقطع على أن قائله أبعد الناس ذهناً وأقلهم فهماً وممن لا يعد في عقلاء العامة فضلاً عن عقلاء الخاصة، ولكنى أخال خطرة من الوسواس أو شعبة من البرسام عرضت له وقت نظم هذا البيت فليته لما عاد إلى صحة مزاجه وسلامة طباعه جحده فلم يعترف به ونفاه فلم ينسبه إليه وما أضيف هذا وأمثاله إلا إلى عوز الكمال في الخلقة وعموم النقص لهذه الفطرة
نضرة الإغريض في نصرة القريض
كما قال مسلم بنُ الوليدِ في صفةِ الخمْرِ:
سُلَّتْ وسُلّتْ ثم سُلَّ سَليلُها ... فأتى سَليلُ سَليلِها مسْلولا
يريدُ أنّها سُلّتْ من كرمِها عِنَباً، ثم سُلّتْ من عِنَبِها خمراً، ثم سُلّتِ الخمرُ من دنِّها. وقيلَ بل أراد رقَّتَها وأنها قد صارتْ مسلولةً من السِّلِّ الذي هو العِلّة. وليس على قُبْحِ هذا البيت زيادة. وقد كان الأصمعيّ يستَبْشِعُ قولَ الشاعر:
فما للنّوَى، جَدَّ النّوى، قَطعَ النّوى ... كذاك النّوى قطّاعةٌ لوِصالِ
ويقول: لو سلّط الله على هذا البيت شاةً لأكلتْ نواهُ، وأراحتِ الناسَ منه .
الصناعتين لأبي الهلال
وقد جاء في أشعار المتقدمين من هذا الجنس نبذ يسير منه قول امرئ القيس:
وسنّ كسَّنيقٍ سناءَ وسنَّماً ... ذعرت بمدلاج الهجير نهوضِ
ولم يعرف الأصمعي وأبو عمرو معنى هذا البيت، وقال الأعشى:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبُعني ... شاوٍ مشلٌّ شلول شلشلٌ شولُ
تبعه مسلم بن الوليد، فقال:
سلّتْ وسلتْ ثم سلَّ سليُلها ... فأتى سليلُ سليلها مسلولا
وقال أبو الغمر يصف السحاب:
نسجته الجنوبُ وهي صناعٌ ... فترّقى كأنه حبشيُّ
وقرى كلَّ قريةٍ كان يق ... ريها قرىً لا يجف منه قريُّ
وهذا مستهجن لا يجوز لمتأخر أن يجعله حجة في إتيان مثله، لأن هذا وأمثاله شاذ معيب، والعيب من كل أحد معيب، وإنما الاقتداء في الصواب لا في الخطأ.
وقد قال بعض المتأخرين ما هو أقبح من جميع ما مر في قوله وليس من التجنيس:
ولا الضِّعف حتى يتبعَ الضّعف ضعفهُ ... ولا ضعفَ ضعفِ الضِّعفِ بل مثله ألفُ
وقوله:
فقلقلتُ بالهمّ الَّذي قلقلَ الحشا ... قلاقلَ عيسٍ كلُّهنّ قلاقلُ
البديع في نقد الشعر لأسامة بن منقذ
وكما قال الأعشى في قصيدته التي أولها: ودع هريرة إن الركب مرتحل وهي في غاية الفصاحة:
وقدْ غدوت إلى الحاناتِ يتبعني ... شاوٍ مشلّ شلولٌ شلشلٌ شولُ
سئل الأصمعي عن هذا البيت فقال: لا أعرف معناه.
ومنه قول مسلم في الخمر:
سلتْ وسلتْ ثم سلَّ سليلها ... فغدا سليلُ سليلها مسلولا
وتبعه أبو تمام في مثل هذا فقال يصف مطراً:
وقرى كلَّ قريةٍ كان يق ... ريها قرىً لا يجف منه قريُّ
جمع الغثانة والرثاثة والثقل والركاكة.
وقال أبو الطيب المتنبي:
وقلقلَ بالوجد الذي قلقلَ الحشا ... قلاقلَ همٍّ كلهنَّ قلاقلُ
فقال بعض البلغاء: إن الأعشى شلشل، وإن مسلماً سلسل، وإن المتنبي قلقل.
ولقد أحسن من قال:
إن حشو الكلام من لكنة ال ... مرء، وإيجازه من الإحسان
دمتم بخير