* مدرسة الشّهيد : بوعبد الله مسعود – بلدية جوّاب ولاية المدية
يوم الـمعـلم
كان ذلك اليوم جميلا بشمسه الدافئة ، و نسماته الرقيقة التي كانت تعبث بكل شيء خفيف حولها ، إنه يوم الخامس من أكتوبر حينما خرجت آمنة من منزلها متجهة نحو الجامعة ،وهي تفكر في هذه السنة التي ستكمل فيها دراستها الجامعية لتدخل عالما جديدا لا تعرف عنه شيئا سوى ذكريات علها تساعدها في المستقبل إنه عالم التدريس.
و بخطوات سريعة تنم عن نشاط و جدية شقت آمنة طريقها و هاهي ذي تصل إلى الجامعة لتلتقي بصديقـتها سلـــــــوى و تتبادلان التحايا.
جلست الطالبتان في ركن من أركان الجامعة بعيدا عن ضوضاء الطلبة وصخب المارة و الصمت يخيم على المكان، كانت كل واحدة منهما تحدق بعيدا في الأفق.
و بعد مرور وقت من صمت طويل نطقت آمنة قائلة : أتدرين يا سلوى أن هذا اليوم يوم يمجد المعلم ويعلن بصوت عالي عن المكانة السامية التي وهبها الله عز و جل له كيف لا وهو الذي أصر أن ينشر نور العلم في كل مكان و عبر كل زمان؟
ردت عليها سلوى قائلة :هو ذلك ما كان يشغل فكري منذ الصباح تذكرت اليوم يا آمنة أنه لا يفصلنا عن التخرج سوى أشهر قليلة لنصبح معلمتين فهل تتخيلين ذلك الموقف حينما تصبحين معلمة تدخلين القاعة فيبتدرك التلاميذ بالتحية ،ومع لحظة اللقاء الأولى يختلج نفسك شعور لا تجدين له وصفا انه الشعور بالمسؤولية؟
لازلت أذكر يا صديقتي مرحلة مرت من حياتي منذ زمن ولازالت ذاكرتي تحتفظ بشخص لم ألتق به منذ فارقناه .
كانت تلك المرحلة يوم أن كنا صغارا لا ندرك شيئا في الحياة ولكن من أول يوم ولجنا فيه باب المدرسة إلى أن خرجنا منها لم نشعر إلا و بنور العلم يسطع وهاجا في صدورنا ليمحو ظلمة الجهل من أرواحنا .
و كان ذلك الشخص معلمنا المعلم الذي كنا نكبر و يكبر معنا حتى صار بالنسبة لنا واحدا من أفراد عائلتنا حتى أننا كنا نقضي معه أكثر أوقاتنا.
كان لنا أبا ثانيا يمنحنا مع كل معلومة الحب و الحنان ، يعطف علينا أحيانا، و أحيانا أخرى كنا لا نرى في عينيه سوى القسوة ،كان يقسو غير أن قسوته كان يستلهمها من خوفه علينا و من حرصه الشديد على نجاحنا.
لم تغب عن بالي تلك الفرحة التي كنا نحسها بداخله عندما يختبرنا و نحرز علامات جيدة و في ذات الوقت كنا نلمح شيئا يشبه السخط على كل من أخفق منا في الإجابة.
لم يتوان معلمنا يوما عن أداء واجبه ولم يشك همه لنا يوما غير أننا لم نكن نبالي بما كان يشعر به لا لشيء إلا لأننا كنا صغارا ،ولكني اليوم أعترف بالجميل و أرسل أسمى عبارات الشكر و التبجيل لهذا الرجل الذي حمل المشعل، وعزم بكل جد وكد أن يكمل رسالة الأنبياء عبر الزمان و عبر المكان.