السلام عليكم
المكي والمدني في القرآن الكريم
آراء العلماء في المكي والمدني :
يقسم القرآن الكريم في عرف علماء التفسير إلى مكي ومدني ، فبعض آياته مكية وبعضها مدنية ، وتوجد آراء عديدة في تفسير هذين المصطلحين ، وأهمها :
الرأي الأول : ويعتمد على الأساس الزماني واعتبار هجــرة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حداً زمنياً فاصلاً بين مرحلتين ، فكل آية نزلت قبل الهجرة تعد مكية ، وكل آية نزلت بعد الهجرة تعد مدنية .
الرأي الثاني : ويعتمد على الأساس المكاني للتمييز بين المكي والمدني ، فكل آية نزلت في مكة سميت مكية ، وكل آية نزلت في المدينة سميت مدنية .
الرأي الثالث : ويعتمد على أساس المخاطبين ، فكل ما وقع خطاباً لأهل مكة فهو مكي ، وكل ما وقع خطاباً لأهل المدينة فهو مدني .
والرأي الأول هو الرأي الأكثر صحة وقبولاً ؛ لأنه يشمل جميع آيات القرآن الكريم ، فلا توجد هناك آية إلا وهي نازلة إما قبل الهجرة المباركة أو بعدها .
ولا يمكن قبول الرأي الثاني ؛ لأن هناك بعض الآيات القرآنية لم تنزل لا في مكة ولا في المدينة .
ولا يمكن الاعتماد على الرأي الثالث أيضاً ؛ لأن الخطاب القرآني خطاب عام لا يختص بجماعة دون أخرى ، بل يشمل جميع الناس .
طريقة معرفة المكي والمدني :
بدأ المفسرون عند محاولة التمييز بين المكي والمدني بالاعتماد على الروايات والنصوص التاريخية التي تؤرخ السورة أو الآية وتشير إلى نزولها قبل الهجرة أو بعدها ، وعن طريق تلك الروايات أو النصوص التي تتبعها المفسرون استطاعوا أن يعرفوا عدداً كبيراً من السور أو الآيات المكية والمدنية ويميزوا بينها .
وبعد أن توفرت لهم المعرفة بذلك اتجه كثير من المفسرين الذين درسوا المكي والمدني إلى دراسة مقارنة لتلك الآيات والسور المكية والمدنية التي اكتشفوا تاريخها عن طريق النصوص ، وخرجوا من دراستهم المقارنة باكتشاف خصائص عامة في السور والآيات المكية والمدنية ، فجعلوا من تلك الخصائص مقاييس يقيسون بها سائر الآيات والسور التي لم يعرف توقيتها في الروايات والنصوص ، فما كان يتفق مع الخصائص العامة للقسم المكي حكموا بأنه مكي ، وما كان أقرب إلى الخصائص العامة للقسم المدني حكموا بأنه مدني .
ويجوز الاعتماد على هذه المقاييس إذا أدت إلى العلم ، ولا يجوز الأخذ بها لمجرد الظن ؛ إذ من الممكن أن تنزل سورة مدنية وهي تحمل بعض خصائص الأسلوب الشائع في القسم المكي ، كما في سورة ( النصر ) ؛ لأن الظن يغلب حينذاك على أن السورة مكية لقصرها وإيجازها مع إنها مدنية .
الخصائص الشائعة في أغلب القسم المكي :
1ـ الدعوة إلى أصول العقيدة كالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وتصوير مشاهد الحساب وأهل الجنة وأهل النار .
2ـ الدعوة إلى التمسك بالأخلاق الكريمة وأفعال الخير .
3ـ قصر الآيات والسور وإيجـازها .
4ـ مجادلة المشركين وإبطال عقائدهم وتسفيه أحلامهم .
5ـ كثرة القسم بالله تعالى والقرآن الكريم واليوم الآخر .
6ـ كثرة استعمال عبــارة ( يا أيها الناس ) وقلة استعمال عبــارة ( يا أيها الذين آمنوا ) .
7ـ كثرة قصص الأنبيـاء والمرسلين والأمم وخاصة قصــة النبي آدم ( عليه السلام ) وإبليس ( لعنه الله ) .
الخصائص الشائعة في أغلب القسم المدني :
1ـ طول الآيات والسـور وإطنابها .
2ـ مجادلة أهل الكتـاب في عقائدهم .
3ـ التحدث عن المنافقين وكشف مواقفهم وأحوالهم .
4ـ كثرة ذكر الجهـاد والإذن به وتفصيل أحكامه .
5ـ تفصيل أحكام الحدود والفرائض والحقوق والإرث والقوانين السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
6ـ تفصيل الأدلـة والبراهين على الحقائق الدينية .
فوائد معرفة المكي والمدني :
من فوائد معرفة المكي والمدني تمييز الناسخ والمنسوخ ، فمثلاً إذا وردت آيتان من القرآن الكريم في موضوع واحد وكان الحكم في إحدى هاتين الآيتين مخالفاً للحكم في غيرها ، ثم عُـرف أن إحداهما مكية والأخرى مدنية فإننا نحكم بأن المدنية منها ناسخة للمكية نظراً لتأخر نزول المدني عن المكي .
ومن فوائده معرفة تاريخ التشريع وتدرجه الحكيم ، وذلك يترتب عليه الإيمان بعظمة القرآن الكريم وإعجازه في تربية الشعوب والأفراد وتغييرها تدريجياً .
ومن فوائده أيضاً الثقة بهذا القرآن الكريم ووصوله إلينا سالماً من التغيير والتحريف ؛ لأنه يدل على اهتمام المسلمين به كل الاهتمام حتى ليعرفون ويتناقلون ما نزل منه قبل الهجرة وما نزل بعدها .