![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() من كتاب " من كل سورة فائدة " للشيخ المؤلف البارع عبد المالك رمضاني -حفظه الله - سورةُ الفاتحة اشتمالهُا على شفاءِ القلوبِ و شفاءِ الأبدانِ قال الله تعالى : ﴿بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (1) ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ (2) ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (3) مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ و إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَ لاَ ٱلضَّآلينَ (7) ﴾ خلقَ اللهُ الإنسان ضعيفاً لتقوى صلته بالقويّ المتين سبحانه ، فيطلبُه عند الضّعف ، و يستعين به عند العجز ، و يستبينُ به الطّريقَ عند التّيهِ ، بل يذكره في رخائه كما يذكره في شدّته و حاجته ، وكان من ضعف الإنسان انزعاجُ قلبه واضطرابُه و وحشتُه ، فجعل الله في ذكره سبحانه الطُّمأنينة و السّكينة و راحة النّفس ، كما قال : ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ ﴾ ( الرّعد : 28 ) ، والقرآن من ذكر الله ، قال الله عزّ و جلّ : ﴿ وَ هَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ ( الأنبياء : 50 ) ، بل هو أصل الذّكر ، ولذلك ذكره الله معرّفا بالألف و اللام في قوله : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ( الحجر : 9 ) . و لمّا كان ذكر الله شفاءً للقلوب ، ولمّا كان القرآن أصلَ الذّكر و أفضلَه ، جعل الله عزّ وجلّ القرآن كلّه شفاءً للمؤمنين ، فقال : ﴿ وَ نُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِينَ وَ لاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ﴾ ( الإسراء 82 ) ( مِن ) هنا للجنس و ليست للتّبعيض ، قاله ابن الجوزي في " منتخب قرّة العيون النّواظر في الوجوه والنّظائر " عند كلامه على كلمة ( مِن ) ، و قال ابن القيّم في " زاد المعاد " ( 4/177 ): " و من المعلوم أنّ بعض الكلام له خوّاص و منافع مجرّبة ، فما الظنّ بكلام ربّ العالمين الذي فضلُه على كلّ كلام كفضل الله على خلقه ، الذي هو الشفاء التّامُّ و العصمة النّافعة و النّور الهادي و الرّحمةُ العامَّة ، الذي لو أُنزل على جبل لتصدّع من عظمته و جلالته ، قال تعالى : ﴿ وَنُنَزلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِينَ وَ لاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ﴾ ( الإسراء : 82 ) ، و ( مِن ) ههنا لبيان الجنس لا للتّبعيض ، هذا أصحّ القولين " ؛ لأنّ القرآن كلَّه شفاءٌ ، بدليل قول الله عزّ وجلّ : ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ ﴾ ( فصلت : 44 ) ، و قوله :﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ من رَّبكُمْ وَ شِفَآءٌ لمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَ هُدًى وَرَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( يونس : 57 ) . أنواع الأمراض : قال ابن القيّم في " زاد المعاد " ( 4/5-7 ) : " المرض نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن . و مرض القلوب نوعان : مرض شبهة و شكّ ، ومرض شهوة وغيّ ، وكلاهما في القرآن ، قال تعالى في مرض الشبهة :﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً ﴾ ( البقرة : 10 ) ، وقال تعالى :﴿ وَ لِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَ ٱلْكَافِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً ﴾ ( المدّثّر : 31 ) ، و قال تعالى في حقّ من دُعي إلى تحكيم القرآن والسّنّة فأبى و أعرض :﴿ وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ منْهُمْ مُّعْرِضُونَ (4 ![]() و أمّا مرضُ الشهوات ، فقال تعالى : ﴿ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ منَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ ( الأحزاب : 32 ) ... فأمّا طبُّ القلوب فمسلَّمٌ إلى الرّسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلاّ من جهتهم و على أيديهم ؛ فإنّ صلاحَ القلوب أن تكون عارفةً بربّها و فاطرها ، وبأسمائه و صفاته و أفعاله و أحكامه ، و أن تكون مُؤْثِرَةً لمرضاته و محابِّه ، متجنّبة لمناهيه و مساخطه ، و لا صحّة لها و لا حياة البتَّةَ إلاّ بذلك ، و لا سبيل إلى تلقّيه إلاّ من جهة الرّسل ، و ما يُظنُّ من حصول صحّة القلب بدون اتّباعهم فغلطٌ ممّن يظنُّ ذلك ، و إنّما ذلك حياةُ نفسه البهيمية الشّهوانيّة و صحّتُها و قوّتها ، و حياة قلبه و صحّته و قوّته عن ذلك بمعزلٍ ، و من لم يميّز بين هذا و هذا فليَبْكِ على حياة قلبه ؛ فإنّه من الأموات ، وعلى نوره ؛ فإنّه منغمس في بحار الظّلمات " . شفاءُ سورةِ الفاتحة للقلوب : بعد أن عرفنا أنّ الله عزّ وجلّ جعل الشّفاء في كتابه الكريم كلّه ، فليُعلم أنّ الله عزّ وجلّ خصّ سورًا و آياتٍ من كتابه بزيادةٍ في خاصّيّة الشّفاء و التأثير ، منها سورة الفاتحة ، فقد ذكر الله فيها المنعمَ عليهم أصحابَ الصراط المستقيم الذين عرفوا الحقّ وعملوا به ، و قابلهم بمن انحرف عن ذلك ، وهم أمّتان : اليهودُ الذين عرفوا الحقّ و تركوا العمل به بسبب مرض الشهوات خاصّةً ،و إن كانوا لا يسلَمون من الشّبهات، و النّصارى الذين ضلّوا عن معرفة الحقّ بسبب الشّبهات خاصّةً ، و إن كانوا لا يسلَمون من الشّهوات ، قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين " ( 1/52-55 ) : " فأمّا اشتمالها على شفاء القلوب ، فإنّها اشتملت عليه أتمّ اشتمال ؛ فإنّ مدارَ اعتلال القلوب و أسقامها على أصلين ، فسادُ العلم ، و فسادُ القصد ، و يترتّب عليهما داءان قاتلان و هما الضّلالُ و الغضبُ ، فالضّلال نتيجة فساد العلم ، و الغضب نتيجة فساد القصد ، و هذان المرضان هما مِلاك أمراض القلوب جميعها ، فهداية الصّراط المستقيم تتضمّن الشّفاء من الضّلال ، و لذلك كان سؤالُ هذه الهداية أفرضَ دعاءٍ على كلّ عبد و أوجبَه عليه كلّ يوم و ليلة في كلّ صلاة ؛ لشدّة ضرورته و فاقته إلى الهداية المطلوبة ، و لا يقوم غير هذا السّؤال مقامَه ... " . و قال في " زاد المعاد " ( 4/178 ) : " و بالجملة فما تضمّنتهُ الفاتحة من إخلاص العبودية و الثناء على الله ، و تفويض الأمر كلّه إليه و الاستعانة به و التّوكّل عليه ، و سؤالِه مجامعَ النّعم كلّها ، وهي الهداية التي تجلب النّعمَ و تدفعُ النّقمَ ، من أعظم الأدوية الشّافية الكافية ، و قد قيل إنّ موضع الرّقية منها :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ، و لا ريب أنّ هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدّواء ؛ فإنّ فيهما من عمومِ التّفويضِ و التوكّلِ و الالتجاءِ و الاستعانةِ و الافتقارِ و الطّلبِ " . ثم أجمل هذا في كلمة جامعة نافعة ، فبيّن أنّ هذه الآية اشتملت على : " الجمع بين أعلى الغايات و هي عبادة الرّبّ وحده ، و أشرف الوسائل و هي الاستعانةُ به على عبادته ... " ، و قد فصّل رحمه الله في الموضع السّابق من كتابه " مدارج السالكين " فقال : " و لا شفاء من هذا المرض إلا بدواء ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ . . . فإذا ركَّبَها الطّبيبُ اللطيف العالم بالمرض و استعملها المريض حصل بها الشّفاء التّامّ ، وما نقص من الشّفاء فهو لفوات جزء من أجزائها أو اثنين أو أكثر ، ثمّ إنَّ القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما العبدُ تراميا به إلى التّلف و لا بدّ ، و هما الرّياءُ و الكبرُ ، فدواء الرّياء ب ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ ، ودواء الكبرِ ب ﴿ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ، وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ تدفع الرّياء ،﴿ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ تدفع الكبرياء ، فإذا عوفي من مرض الرياء ب ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ ، ومن مرض الكبرياء و العجب ب ﴿ و إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ، ومن مرض الضّلال و الجهل ب ﴿ ٱهْدِنَا ٱلصرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾ ، عُوفي من أمراضه و أسقامه و رفَلَ في أثواب العافية و تمّت عليه النّعمة ، و كان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم و هم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحقّ و عدلوا عنه ، و الضّالّين و هم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحقّ و لم يعرفوه ، و حُقّ لسورة تشتمل على هذين الشّفائين أن يسشفى بها من كلّ مرض ، و لهذا لمَّا اشتملت على هذا الشفاء الذي هو أعظم الشفائين كان حصول الشفاء الأدنى بها أولى ، كما سنبيّنه ، فلا شيء أشفى للقلوب التي عقلت عن الله و كلامه ، و فهمت عنه فهمًا خاصّا اختصّها به من معاني هذه السورة " . شفاءُ سورةِ الفاتحة للأبدانِ : جرى كثيرٌ من المتأثّرين بالتمدّن المُقلّين من مطالعة كتب السّلف على إنكار معالجة البدن بالقرآن و الأذكار المسنونة ؛ توهمًّا أنّ ذلك ضربٌ من الخرافة ، و أنّ فيه تشجيعًا على الخمول و الرّكون إلى الكهنة و أشكالهم من الانتهازيين ، و نظرًا لقلّة عنايتهم بالسنّة و جُرأتهم على الشّريعة باستعمال عقولهم في كلّ شيءٍ ظنّوا أنّ الأمراض الحسّيّة لا تُداوى إلا بالأدوية الحسّيّة ، وقد تكلّم ابن القيّم على الاستشفاء الحسّي بالفاتحة ، فذكر حكمه و دليله بما لا مردّ له فقال في " مدارج السّالكين " ( 1/55 ) : " و أمّا تضمُّنها لشفاء الأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنّة وما شهدت به قواعدُ الطّبّ و دلّت عليه التّجربة ، فأمّا ما دلّت عليه السنّة ، ففي الصّحيح (1) من حديث أبي المتوكّل النّاجي عن أبي سعيدٍ الخدريّ " أنّ ناسًا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم مرّوا بحيٍّ من العرب ، فلم يَقرُوهم و لم يُضيّفوهم ، فلُدغ سيّد الحيّ ، فأتوهم فقالوا : هل عندكم من رقيةٍ أو هل فيكم من راقٍ ؟ فقالوا : نعم ! و لكنّكم لم تَقرُونا ، فلا نفعلُ حتى تجعلوا لنا جُعلا ، فجعلوا لهم على ذلك قطيعًا من الغنم ، فجعل رجلٌ منّا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب ، فقام كأن لم يكن به قَلَبةٌ (2) ، فقلنا : لا تعجلوا حتى نأتيَ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ، فأتيناه فذكرنا له ذلك ، فقال : ما يُدريك أنّها رُقيةٌ ؟ ! كلوا و اضربوا لي معكم بسهمٍ " ، فقد تضمّن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللّديغ بقراءة الفاتحة عليه ، فأغنَته عن الدّواء ، وربّما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدّواء ، هذا مع كون المحلّ غيرَ قابلٍ ؛ إمّا لكون هؤلاء الحيّ غير مسلمين أو أهل بخلٍ و لؤمٍ ، فكيف إذا كان المحلُّ قابلا ؟! " . فهذا صريحٌ في التّداوي بالقرآن لداء حسّيٍّ بحتٍ ، ألا و هو لدغة العقرب ، كما أن التّجارب شهدت بصدقه ، قال ابن القيّم أيضا ( 1/ 57 - 58 ) : " و أمّا شهادة التّجارب بذلك ، فهي أكثر من أن تُذكر ، و ذلك في كلّ زمان ، و قد جرّبتُ أنا ذلك في نفسي و في غيري أمورًا عجيبةً ، ولا سيّما مدّة المقام بمكّةَ ، فإنّه كان يَعرِض لي آلامٌ مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني ، و ذلك في أثناء الطّواف و غيره ، فأبادر إلى قراءة الفاتحة و أمسح بها على محلّ الألم ، فكأنّه حصاة تسقط ! جرّبت ذلك مرارًا عديدةً " . ___________________________ (1) : أخرجه البخاري ( 2276 ) و مسلم ( 2201 ) . (2) : قال ابنُ حجرٍ في " الفتح " ( 10/210 ) : " ما به قلبة : بفتح اللام بعدها موحّدة ، أي ما به ألم يقلّب لأجله على الفراش ، وقيل : أصله من القُلاب بضمّ القاف ، وهو داءٌ يأخذ البعير فيمسك على قلبه فيموت من يومه " .
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() مشكووووووووووووووورة |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() جزاك الله كل الخير و جعله في ميزان حسناتك |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() جزاك الله كل الخير و جعله في ميزان حسناتك |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() بارك الله فيك وجزاك كل خير |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() بارك الله فيك ويسّر لنا فهم القران |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() بارك الله فيك اخي |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() وفيكم بارك الله وسدد خطاكم |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() بارك الله فيك وشكرا لك على الأمانة العلمية |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() بارك الله فيك أخي
أعانك الله على المضي في هذا الموضوع ومبارك لك الإسم الجديد |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() وفيكما بارك الله |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]() سورةُ البَقَرَة مناسبةُ مطلعِها لخاتمَتِها قال الله تعالى في مطلعها : ﴿ الۤمۤ . ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَرَيْبَ فِيهِ هُدًى للْمُتَّقِينَ ﴾ ( البقرة : 1-2 ) ، و قال في خاتمتها حاكيًا دعاءَ المؤمنين : ﴿ أَنتَ مَوْلاَنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ ( البقرة : 286 ) . مطلعُ سورةِ البقرة حديثٌ عن المتّقين ، و خاتمتُها حديثٌ عن النّصر المبين ، و بين التّقوى و النّصر كما بين السّبب و المسبَّب ؛ لأنّ المتّقين هم أهل النّصر ، فكأنّه قيل : بتقوى الله تنصروا أيّها المؤمنون !و لهذا الحكمِ نظائرُ كثيرةٌ في كتاب الله ، منها قوله تعالى : ﴿ وَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَ ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِين َ﴾ ( البقرة : 194 ) ، و قوله : ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّ ٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ ( النّحل : 128 ) ، و قوله : ﴿ وَ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ ( الجاثية : 19 ) ، و قوله : ﴿ وَ نَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَ كَانُواْ يتَّقُونَ ﴾ ( فصّلت 18 ) ، و قوله : ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ( هود : 49 ) ، و قوله : ﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَ ٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ ٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ( الأعراف : 128 ) ، و قوله : ﴿ وَ ٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾ (طه : 132 ) ، كلُّ هذه الآيات تنصُّ صراحةً على أنّ النّصرَ مقرونٌ بالتّقوى ، مع ذلك يأتي المتعجّلون مُغمَضي الأعين عنها باحثينَ عن النّصر في غير سبيلها ، و هم يعلمون أنّه لا يجوز التّحاكمُ لغير الله في كلّ صغيرةٍ و كبيرةٍ ، كما لا يجوز إلغاء ما شرَطَه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه و سلّم ، فكيف إذا اجتمعت هذه النّصوص كلّها عند من حبّب الله إليهم طاعته و طاعة رسوله صلّى الله عليه و سلّم و ملأ قلوبهم اليقينُ بأنّ الله يعلمُ و هم لايعلمون ؟! كم من عاجزٍ عن تربية النّاس على التّقوى مستعجلٍ بالحديث الطّويل و العريض عن الجهادِ و النّصرِ ، كانت نهايتُه هي نهايةُ من قيل فيه : من استعجل الشّيءَ قبل أوانه ، عُوقب بحرمانه . ثمّ فصّل اللهُ الكلام عن التّقوى فيما بين المطلَع والمنتهى من سورة البقرة ؛ فقد اشتملت على جميع الأحكام الشّرعيّة الّتي بها تُنالُ درجةُ التّقوى : من المعتقدِ السّليمِ ، و أركان الإسلام الخمسةِ ، و أحكام المعاملات من أخلاقٍ و بيوعٍ و أحكامِ نكاحٍ و جهادٍ في سبيل الله و غيرها ، و قد جمعها الله في آيةٍ واحدةٍ جامعةٍ منها و نصّ في آخرها على أنّها صفاتُ المتّقين ، فقال : ﴿ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَنْ تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَ ٱلْمَغْرِبِ وَ لَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَ ٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ وَ ٱلْكِتَابِ وَ ٱلنَّبِيينَ وَ آتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَ ٱلْيَتَامَىٰ وَ ٱلْمَسَاكِينَ وَ ٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَ ٱلسَّآئِلِينَ وَ فِي ٱلرِّقَابِ وَ أَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَ آتَى ٱلزَّكَاةَ وَ ٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَ ٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ و ٱلضَّرَّاءِ وَ حِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوآ وَ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾ (البقرة : 177 ) ، و إذا تدبّرتَ كلّ مقطعٍ من مقاطع السّورة وجدت الله يختمه غالباً بالتّنويه بالتّقوى ، و قد ينوّه بها على رأسه ، و قد يجمع بين ذلك كما هو الشّأنُ في أكثرها ، فأوّل آية فيها – بل في المصحفِ كلّه على ترتيبه – أمر الله فيها بالتّوحيد نجدُ الله ختمها بالتّقوى ، فقال : ﴿ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة : 21 ) ، و قد وصف في بداية السّورة المتّقين بإقامِ الصّلاة و إيتاءِ الزّكاة ، كما قال : ﴿ هُدًى للْمُتَّقِينَ . ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَ ممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ (البقرة : 2-3 ) ، و ختم آيات الصّيام بالتّقوى فقال : ﴿ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ ( البقرة : 187 ) ، و ختم آياتِ الحجّ بها فقالَ : ﴿ وَ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ ( البقرة : 203 ) ، و ختم آيات القصاصِ بها فقال :﴿ وَ لَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ يا أُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ( البقرة :179 ) ، و ختم آية الأهلّة بها فقال : ﴿ وَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ( البقرة : 189 ) ، و ختم آيةَ الجهاد بها فقال : ﴿ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ ( البقرة : 194 ) ، و ختم آياتِ الطّلاق بها فقال : ﴿ وَ لِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ ( البقرة : 241 ) ، وختم آياتِ الرّبا بها فقال : ﴿ وَ ٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ (البقرة : 281 ) ، و ختم آية الدَّيْن بها فقال : ﴿ وَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَ يُعَلمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُل شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ ( البقرة : 282 ) و كذا الآيةَ التي بعدها . هذا ، و قد قصَّ الله علينا في السّورة قصصاً كثيراً بيّن فيه أثرَ التّقصير في تقوى الله في حرمانِ النّصر ، كما هو شأنُ بني إسرائيل الّذين أخذت قصّتُهم حيّزاً كبيراً من هذه السّورة ، فكان ممّا قصّه الله علينا في هذه السّورة أنّه كَبتَ عدوَّهم و يسّر لهم العودةَ إلى قريتهم بعد التّيهِ ، فقال : ﴿ وَ إِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَ قُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِين ﴾ ( البقرة : 58 ) ، أي أمرَهم مقابلَ ذلك بدخول القرية سجّداً لله شكراً له سبحانه ، و بأن يقولوا حِطّة : أي احطُطْ عنّا خطايانا ، و في هذا إصلاحٌ للفعل و للقول ، قال ابنُ كثيرٍ رحمه الله في " تفسيره " : " و حاصل الأمرأنّهم أُمِروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل و القول ، و أن يعترفوا بذنوبهم و يستغفروا منها و الشّكر على النّعمةِ عندها ، و المبادرة إلى ذلك من المحبوب عند الله تعالى ، كما قال تعالى : ﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَ ٱلْفَتْحُ . وَ رَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبكَ وَ ٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا ﴾ ( النّصر : 1-3 ) ، فسّره بعض الصّحابة بكثرة الذّكر و الاستغفار عند الفتح و النّصر ، و فسّرهُ ابن عبّاسٍ بأنّه نُعي إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أجله فيها و أقرّه على ذلك عمرُ رضي الله عنه ، و لا منافاةَ بين أن يكون قد أُمِر بذلك عند ذلك و نُعي إليه روحه الكريمة أيضا ، ولهذا كان عليه الصّلاة والسّلام يظهر عليه الخضوع جدّا عند النّصر ، كما روي أنّه كان يوم الفتح – فتح مكّة – داخلاً إليها من الثنّية العُليا و إنّه خاضعٌ لربّه حتّى إنّ عُثْنُونَه لَيَمَسُّ مَوركَ رَحْلِه شكرا لله على ذلك (1) ، ثمّ لمّا دخل البلد اغتسل و صلّى ثمانيَ ركعاتٍ و ذلك ضُحىً (2) ، فقال بعضُهم : هذه صلاةُ الضّحى ، و قال آخرون : بل هي صلاةُ الفتح ، فاستحبّوا للإمام و للأمير إذا فتح بلداً أن يصلّيَ فيه ثمانيَ ركعات عند أوّل دخوله كما فعل سعدُ بن أبي وقّاصٍّ رضي الله عنه لمّا دخل إيوانَ كسرى صلّى فيه ثمانيَ ركعاتٍ " ، و يريدُ أنّ الله أمر عند النِّعم بالتّسبيح ، و أوّل ما يدخل فيه الصّلاة ؛ لأنّ الصّلاة يطلق عليها التّسبيح كما نقله المفسّرون عن بعض السّلف أنّه فسّر به قولَه تعالى : ﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ ﴾ ( الصّافات : 143 ) ، و في السنّة قولُ الرّسول صلّى الله عليه و سلّم : " إ نّه ستكون عليكم أمراءٌ يؤخّرون الصّلاة عن ميقاتها و يخنقونها إلى شَرََق الموتى فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك فصلّوا الصّلاة لميقاتها و اجعلوا صلاتكم معهم سُبحةً " رواه مسلم ، و الغرض من هذا أنّه كما أُمِر بنو إسرائيل هنا بالسّجود ، أُمِر النّبيُّ صلّى الله عليه و سلّم في سورة النّصر بالتّسبيح الّذي منه الصّلاة ، وكما أُمر بنو إسرائيل هنا بسؤال حطّ الخطايا ، أُمر النّبيُّ صلّى الله عليه و سلّم في سورة النّصر بالاستغفار ، و المناسبة واحدةٌ و هي فتحُ البلاد من يد العدوّ و التّمكّنُ من دخولها ، و هذا من عجيب النّظائر التي اهتدى إليها ابن كثيرٍ رحمه الله ، و المقصودُ أنّ بني إسرائيل أُمروا بالشّكر بالفعل و القول ، لكن بدّلوا الفعل بغير الفعل ، و القول بغير القول ، كما نبّه عليه أيضا ابنُ حجرٍ في " الفتح" ( 8/304 ) و المباركفوري في " تحفة الأحوذي " ( 7/234 ) ، فأمّا الفعل فبدلا من أن يدخلوا ساجدين دخلوا زاحفين على مؤخّرتهم ، و أمّا القول فبدلا من أن يسألوا ربّهم أن يحطّ عنهم خطاياهم فقد قالوا باستهزاء : حِنطة ، روى البخاريّ و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " قيل لبني إسرائيل : ﴿ وَ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَ قُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ﴾ ، فبدّلوا فدخلوا يزحفون على أَسْتاهِهِم و قالوا : حبّةٌ في شعرةٍ !! "، قال الله تعالى : ﴿ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ ( البقرة : 59 ) . و الحاصل أنّ الله أخبرنا في هذه السّورة – سورةِ البقرة – أنّه أَمَر بني إسرائيلَ بتقواه فقال : ﴿ وَ إِيَّايَ فَٱتَّقُونِ ﴾ ( البقرة : 41 ) ، و كان من ذلك الشّكر بالقول و الفعل فخالفوا فجَنَوا الخذلانَ و العذابَ ، كما قصّ الله علينا قصّةَ طالوت و جالوت لما فيها من عبرةٍ لكلّ من استعجل النّصر ولم يكن من أهل التّقوى ، لأنّهم طلبوا القتال فنهاهُم نبيُّهم عنه بسبب ضَعفهم ، فلما أصرُّوا على ذلك أراهم الله من أنفسهم المخالفةَ للأوامر و عدمَ الثّباتِ عند اللّقاء إلاّ لفئةٍ قليلةٍ منهم و هم المؤمنونَ المتّقونَ ،كما قال سبحانه : ﴿ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً منْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَ جُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَمْ مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَ ٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ ﴾ ( البقرة : 249 ) ، و لمّا كان موضوعُ الطّلاق مما تشحُّ فيه النّفوس و تنزعُ إلى الانتقام والاعتداء فإنّ الحديث عن الّتقوى قد تخلّله خمس مرّاتٍ . و المعنى الّذي من أجله بسطتُ الكلامَ على هذه السّورة الكريمة بيانُ أنّها حين ابتُدئت بذكر أوصاف المتّقين و خُتمت بالدّعاء بالنّصر أنّ المستحقّين للنّصر هم أهل التّقوى ، و تخلّل ذلك كلّه تفصيلٌ أحوال المتّقين و تعريفٌ بطريقهم لتُسلكَ على بصيرةٍ ، و لعلّه من أجل هذا بدأ الله السّورة بالتّنويه بكتابه ، فقال : ﴿ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى للْمُتَّقِينَ ﴾ ؛ لأنّه حوى بيانَ أسبابِ التّقوى ، لا سيما و أنّ الله إنّما يرفع المؤمنين على غيرهم به ،كما روى مسلمٌ عن عامرِ بنِ واثلةَ " أنّ نافعَ بنَ عبد الحارثِ لقيَ عمرَ بعُسْفانَ ، وكان عمرُ يستعمله على مكّةَ ، فقال : من استعملتَ على أهل الوادي ؟ فقال : ابنَ أبزى ، قال : و من ابنُ أبزى ؟ قال : مولىً من موالينا ، قال : فاستخلفتَ عليهم مولىً ؟! قال : إنّه قارئٌ لكتاب الله عزّ وجلّ ، و إنّه عالمٌ بالفرائض ، قال عمرُ : أما إنّ نبيَّكُم صلّى الله عليه وسلّم قد قال : إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً و يضعُ به آخرينَ " . و لعلّه من أجل هذا أشار الله إلى كتابه هنا بلفظ الإشارة الدّالِ على البُعدِ ، و هو : ﴿ ذلك ﴾ ، قال أبو السّعود في " تفسيره " ( 1/24 ) : " و معنى البعد ما ذُكر من الإشعار بعلوّ شأنه ، والمعنى ذلك الكتاب العجيب الشّأن البالغُ أقصى مراتبِ الكمال " ، و لمّا كان أهلُ القرآن إنّما رَفَعَهم الله بتقواهم جاء التّنصيصُ على رفعتهم على غيرهم بذلك في السّورة نفسها ، فقال : ﴿ زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَ يَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ ( البقرة : 212 ) ، و في المبحثِ الذي يلي هذا بيانُ الطّريقةِ الّتي يُنصر بها الكتاب الكريم لنيل التّأييد و النّصر من الله تعالى . _________________________________ (1) : ضعّفه الشّيخُ الألبانيّ في تعليقه على " فقه السّيرة " ( ص 412 ) و الشّيخُ مقبلٌ الوادعيّ في تعليقه على " تفسير ابن كثير " ( 1/187 ) . (2) : متّفقٌ عليه . |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]() مُجَاهدةُ مُخالِفِي القُرآن على تَنْزِيله و علَى تَأْوِيلهِ أريدُ أن أُنبّهَ في هذه السّورة على بعض الفوائدِ المتعلّقة بكتابِ الله عزّ و جلّ : الفائدةُ الأولى : نوَّهَ الله بشأنِ كتابهِ في هذه السّورة مرّاتٍ عديدة ، و بيَّن ما فيه من هداية للبشريّة و إسعادٍ لحياتهم في الحال ، و ما يؤول إليه أمرُهم في الآخرة من كرامةٍ و حُسنِ مآل ، و من ذلك أنّ الله افتتح السّورة بذكر كتابه المُنزَّل ، فقال : ﴿ الۤمۤ . ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى للْمُتَّقِينَ ﴾ ( البقرة : 1-2 ) ، و أعاد ذكره مرّةً ثانيةً في وسط السّورة ، فقال : ﴿ قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ و َمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا و َمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ و َإِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ ٱلأَسْبَاطِ و َمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَ عِيسَىٰ وَ مَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ منْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ ( البقرة : 136 ) ، و أعاد ذكره مرّةً ثالثةً ، فقال : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقّ ﴾ ( البقرة : 176 ) ، و غيرها من الآيات . الفائدةُ الثّانيةُ : يُلاحَظُ في هذه السّورة أنّه كثيرًا ما يُقرَن الحديثُ عن كتاب الله بالحديث عن الاختلافِ فيه ، و أنّ ذلك ينتج الشِّقاقَ بين النّاس ، من ذلك ما جاء في الموضع الأوّل ، فقد ذكر الله انقسامَ النّاس في الإيمان بكتابه إلى ثلاثةِ أقسامٍ : القسمُ الأوّلُ : هم أهل الهدى المفلحونَ ، الّذين التزموا بالكتاب ظاهراً و باطناً ، قال الله فيهم : ﴿ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى من رَّبهِمْ وَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ ( البقرة : 5 ) . القسمُ الثّاني : هم أهلُ الكفر ، الّذين نبذوا الكتاب ظاهراً و باطناً ، قال الله فيهم : ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ ( البقرة : 6 ) . القسمُ الثّالث : هم أهل النّفاق ، الّذين التزموا بالكتاب ظاهراً و كفروا به باطناً ، و هم الّذين يتظاهرون مع أهل الإيمان بالإيمان و قُلُوبهم مع أهلِ الكفران ، قال الله فيهم : ﴿ وَ مِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَ مَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾ ( البقرة : 8 ) ، و انظر " الرّحلة إلى إفريقيا " للعلاّمة محمّد الأمين الشّنقيطيّ رحمه الله ص ( 18-19 ) . و أمّا الموضعُ الثّاني ، فقد حذّرَ الله من الاختلاف في الإيمان بكلامه المُنزّل ، و بيّن أنّ الشِّقَاقَ هو نتيجتُه الأولى ، فقال : ﴿ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَ إِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ ( البقرة : 137 ) . و أكّده في الموضع الثّالث ، فقال : ﴿ وَ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ ( البقرة : 176 ) . و اعلم أن الشّقاق المقرونَ بكلام الله في هذه الآيات يحصلُ لسبَبَين مَذْمُوميْنِ : الأوّلُ : اختلافٌ في تنزيله ، كالّذي وقع من المِلَلِ ، و هو الكفر الصِّرفُ ؛ لأنّه يتمثّلُ في الإيمان ببعض الحقّ المنزّل و الكفر بالبعض الآخر ، و لم ينْجُ من هذا الكفر إلا هذه الملّةُ الإسلاميّةُ ؛ فإنّ اليهودَ آمنوا بكتابهم و كفروا بما أُنزل على محمّدٍ صلّى الله عليه و سلّم ، و النّصارى آمنوا بكتابهم و كفروا بما أُنزل على محمّدٍ صلّى الله عليه و سلّم ، و أمّا أمّةُ محمّدٍ صلّى الله عليه و سلّم فإنّهم – مع إيمانهم بما أُنزل على محمّد صلّى الله عليه و سلّم – قد آمنوا بالكتاب المنزّل على موسى صلّى الله عليه و سلّم و الكتاب المنزّل على عيسى صلّى الله عليه و سلّم ، و لعلّه من أجل هذا افتُتِحت السّورةُ بضرورة الإيمان بالكلّ ، قال الله عزّ وجلّ في مطلَع هذه السّورة : ﴿ و ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ ( البقرة : 4 ) ، كما خُتِمت به ، حيث قال الله عزّ وجلّ في آخرها : ﴿ آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبهِ وَ ٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَ مَلاۤئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ من رُّسُلِهِ ﴾ ( البقرة : 285 ) ، فجمعَ الكتب ؛ لأنّ الواجبَ الإيمانُ بجميع الحقّ المنزّل الّذي لم تَنَلْهُ يدُ التّحريف ، و أمّا الإيمان ببعضٍ دون بعضٍ فهو الاختلافُ المذمومُ ، كما قال تعالى في السّورة نفسها : ﴿ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيينَ مُبَشرِينَ وَ مُنذِرِينَ وَ أَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَ مَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقّ بِإِذْنِهِ وَ ٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ ( البقرة : 213 ) ، فقد بيّن الله ههنا أنّ الّذين آمنوا ببعض ما أَنزل و كفروا ببعضٍ هم المتَسَبِّبون في افتراقِ البشريّة ، و هؤلاء هم أهل الكتاب ، و لذلك دعاهم إلى الاتّحاد على الحقّ فأبَوْا إلاّ كُفوراً ، كما قال : ﴿ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ ﴾ الآية ( آل عمران : 64 ) ، و قد روى عبدُ الرّزّاق ( 15946 ) بسندٍ صحيحٍ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال : " من كفر بحرف من القرآن ، فقد كفر به أَجْمَعْ " . و الثّاني : اختلافٌ في تأويله ، و هذا الّذي حصل للفرق المسلمة الّتي خرجت عن جماعة المسلمين ببدعةٍ ما ، و كلّ من انحرف عن الصّدر الأوّل انحرف بسبب تأويل كلام الله على غير مراد الله . و إذا كانت مجاهدةُ من كفر بالقرآن المنزّل معلومةً ، فليُعلم أنّ مجاهدةَ المبتدعة على تأويل القرآن مطلوبةٌ لحفظ وِحْدة هذه الأمّة ، و قد جاءت الرّوايةُ بذلك ، قال أبو سعيدٍ الخدريّ : " كنّا جلوساً ننتظرُ رسولَ الله صلّى الله عليه و سلّم ، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه ، قال : فقمنا معه ، فانقطعت نَعْلُه ، فتخلّف عليها عليٌّ يخصفها ، فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم و مضينا معه ، ثمّ قام ينتظره و قمنا معه ، فقال : إنّ منكم من يُقاتِلُ على تأويل هذا القرآن كما قاتلتُ على تنزيله ، فاستَشْرَفْنا و فينا أبو بكرٍ و عمرُ ، فقال : لا ! و لكنّه خاصفُ النّعل ، فجئنا نبشّره ، قال : و كأنّه قد سمعه " رواه أحمد ( 3/82 ) و ابن حبّان ( 6937 ) و الحاكم ( 3/122-123 ) ، و صحّحه هو و الذّهبيّ ، و انظره في " السّلسلة الصّحيحة " للألبانيّ ( 2487 ) ، و هذا في قتال أهل البدع و الأهواء ؛ فإنّ الله أكرم عليًّا رضي الله عنه بقتال أوّل فِرْقَةٍ خرجت عن جماعة المسلمين بسبب سوء تأويلها لكتاب الله ، و هي فرقة الخوارج ، و شرحه ابنُ حبّان في " صحيحه " بأن بوّب له بعده بقوله : " ذكرُ وصفِ القوم الّذين قاتلهم عليٌّ رضي الله عنه على تأويل القرآن " ، ثمّ ذكرَ قتالَه الخوارج ، و لذلك قال يوسفُ المَلْطِيّ في " المُعتصر من المُختصر " ( 1/221 ) عقبَ هذا الحديث : " و مما حقّق الوعدَ ما كان من قتال عليٍّ للخوارج " . و الخلاصةُ أن الله قرََنَ بين التّنويه بكتابه و بين التّحذير من الفُرقة و الشّقاق ؛ لأنّ ذلك يقع عند الاختلاف في الإيمان بكلامه ، حتّى ينكرَ المخالفُ الحقّ الّذي عند غيره ، كما قال الله عزّ وجلّ : ﴿ وَ قَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَ قَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ ( البقرة : 113 ) ، كما يقع عند الاختلاف في تأويل كلام الله ، قال ابنُ تيمية في " تفسير آيات أَشْكَلت " ( 2/704 ) : " فإنّ الأمّة اضطربت في هذا اضطراباً عظيماً و تفرّقوا و اختلفوا بالأهواء و الظّنون بعد مُضيّ القرون الثّلاثة ، لمّا حدثت فيهم الجهميّة المشتقّة من الصّابئة " ، ثمّ ساق بعض الآيات السّابقة ، و قال متحدّثاً عن القرآن : " و الاختلافُ فيه نوعان : اختلافٌ في تنزيله ، و اختلافٌ في تأويله ، و المختلفون الّذين ذمّهم الله هم المختلفون في الحقّ ، بأن ينكرَ هؤلاء الحقّ الّذي مع أولئك و بالعكس ؛ فإنّ الواجبَ الإيمان بجميع الحقّ المنزّل ، فأمّا من آمن بذلك و كفر به غيرُه ، فهو اختلافٌ يُذمُّ فيه أحدُ الصِّنفينِ : كما قال تعالى : ﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾( البقرة : 253 ) ، إلى قوله : ﴿و َلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَّن كَفَرَ ﴾ ( البقرة : 253 ) ، و الاختلاف في تنزيله أعظمُ ؛ فإنّه الّذي قصدناه هنا ، فنقول : الاختلاف في تنزيله هو بين المؤمنين و الكافرين ؛ فإنّ المؤمنين يؤمنون بما أَنْزَل ، و الكافرون كفروا بالكتاب و بما أَرسلَ الله به رسُلَه ، فسوف يعلمون ، فالمؤمنون بجنس الرّسل و الكتب من المسلمين و اليهود و النّصارى و الصّابئين يؤمنون بذلك ، و الكافرون بجنس الكتب و الرّسل من المشركين و المجوس و الصّابئين يكفرون بذلك " ، ثمّ ذكربعض آيات البقرة المذكورة آنفاً ، و قال : " و قال في السّورة الّتي تليها : ﴿ الۤمۤ . ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ . نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدقّاً لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَ ٱلإِنْجِيلَ . مِن قَبْلُ هُدًى للنَّاسِ وَ أَنْزَلَ ٱلْفُرْقَانَ ﴾ ( آل عمران : 1-4 ) ، و ذكر في أثناء السّورة الإيمان بما أنزلَه (1) ، و كذلك في آخرها : ﴿ رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبكُمْ فَآمَنَّا ﴾ ( آل عمران : 193 ) ، إلى قوله : ﴿وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ ﴾ الآية ( آل عمران : 199 ) ، و لهذا عَظُمَ تقريرُ هذا الأصل في القرآن ، فتارةً يفتَتِحُ به السّوَرَ ..." . و المقصودُ من هذا بيانُ عِظَمُ شأن الكتاب الكريم في وحدة الأمّة و هدايتها ، و التّحذيرُ من غَضِّ الطَّرْفِ عن اجتماع عَقْد القلوب على ما كان عليه السّلف الأوّل ، و أنّ الّذين انتَدَبوا أنفسهم لتبليغ النّاس معنى ما أنزل الله في القرآن صافياً نقيًّا من تفاسير أهل البدع هم في جهادٍ عظيمٍ ، كما حصلت هذه الكرامة لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقد أكرمه الله بمجاهدة الخوارج على تأويل القرآن ، كما جاهد المشركين من قبلُ على تنزيله ، و لذلك قال شيخُ البخاريّ و مسلم : يحي بن يحي رحمه الله : " الذَّبُّ عن السّنّة أفضل من الجهاد في سبيل الله ، قال محمّدُ بنُ يحي الذُّهلي : قلتُ ليحي : الرّجلُ ينفق ماله و يتعب نفسه و يجاهد ، فهذا أفضل منه ؟!! قال : نعم ، بكثير ! " رواه الهروي في " ذمّ الكلام " ( 1089 ) . و إنّك لتتصفّحُ المكتبةَ الإسلاميّة من أوّل ما بدأ علماءُ هذه الأمّة في التّأليف ، فيَبْهَرُك العدد الهائل من الكتب الّتي ألّفها الصّدر الأوّل في الرّد على أهل البدع ، و هذه الرّدود تمثّل جهادَ الأمّة على تأويل الكتاب الكريم ، و لولا جهادُهم ذلك ما وَصَلَنا هذا الدّين إلا مُحرّفاً ، و ربّما بلغ تحريفُه إلى حدٍّ لا يُفرَّق فيه بينه و بين أيّ دين وثنيّ كما حصل لأهل الكتاب ، و لكنَّ الله كتب بفضله حفظَ هذا الدّين ، و اختار لهذا الحفظ رجالاً انتدبهم لهذه الوظيفة العظيمة ؛ لمّا علم طهارة قلوبهم الّتي لم تتدنّس بفكرة مجاملة أهل البدع ، أو محاولة جمع الكلمة و لو على التّأويل المنكَر لمعاني كلام الله ، و المسلمُ الموفّقُ يتّسعُ صدره للجهادَيْنِ ، و لا يترك جهاد أهل البدع من أجل وجود كفّار معاندين لدين الله ، كما هو معروفٌ من أصول بعض النّاس المشتغلين بالدّعوة ، أولئك الّذين ضاقت صدورهم بمجاهدة أهل البدع المشوِّهين لجمال الشّريعة و المكدِّرين لصَفْوِها و المتسبّبين في شقّ صفّها ، فقالوا : نعمل فيما اتّفقنا عليه ، و يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ، فاجتمعوا بالحاقدين على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، و بالمعتدين على حقّ الله في أن يُفرد بالألوهيّة ، و بالمنتقصين اللهَ في أسمائه و صفاته ، و بالمستهزئين بسنّة رسولِ الله صلّى الله عليه و سلّم ، و بغيرهم من المنحرفين عن شريعة ربّ العالمين إلى بدعةٍ من البدع ، ولم تتحرّك لهم شعرةٌ غَيْرَةً على دين الله عزّ وجلّ ، و الله المستعان . __________________ (1) : يريد قوله تعالى : ﴿ رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتْ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ ﴾ ( آل عمران : 53 ) . |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]()
|
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
متجدد.., صورة, فائدة |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc