خمس (5) مقالات فلسفية للنظلم القديم - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الثانوي > قسم التعليم الثانوي العام > أرشيف منتديات التعليم الثانوي > منتدى تحضير بكالوريا نظام قديم

منتدى تحضير بكالوريا نظام قديم ملتقى التلاميذ الأحرار، دروس ، حوليات و دورات سابقة، لجميع المواد و الشعب...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

خمس (5) مقالات فلسفية للنظلم القديم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-04-25, 17:06   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
khelifa8
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية khelifa8
 

 

 
إحصائية العضو










B10 خمس (5) مقالات فلسفية للنظام القديم

الموضوع الاول« إن الثقافة في مفهومها الواسع هي سعة الاطلاع وما ينشأ عنها لدى الشخص من مهارات وفطنة في بعض الجوانب » . فهل تجد هذا المفهوم معبراً
عن حقيقة الثقافة ؟ باكالوريا 1998
الطريقة : ضبط التعريفات .

* ان الثقافة من الكلمات المتداولة والمستعملة بكثرة بين افراد النوع الانساني ، إنطلاقا من إعتباره كائنا مثقفاً . ولكن رغم هذا الشيوع ، فإن الناس يستعملونها بمفاهيم متعددة ومعانٍ مختلفة ، وهذا التعدد والالتباس يحتمل الغموض والابهام ؛ فماهو المفهوم الصحيح للثقافة والمعبرة عن حقيقيتها ؟
1- لإدراك مفهوم الثقافة ينبغي الاشارة – اولا – الى المفهوم العامي المتداول بين الناس ، إذ يعتقد الانسان العادي ان الثقافة تعني كثرة المعارف وشموليتها وتنوعها ، فالمثقف هو ذلك الفرد الواسع الاطلاع ، المتنوع المعارف ، القادر على الادلاء برأيه في مواضيع متعددة ، والذي يستطيع تجاوز مختلف المشكلات التي تـواجهه .. وعليه فالثقافة – بهـذا المعنى – تعني سعة الاطلاع .
ولكن الذي يتأمل هذا المفهوم ، يدرك بأنه مفهوم ذاتي يختلف بإختلاف ثقافة كل واحد من الناس ، وبالتالي يتحدد مفهوم الثقافة وفقا لثقافة كل فرد ، فيعتبر الفرد الواحد مثقفا عند هذا ، وغير مثقفٍ عند ذاك ، ومن ثـمّ تتعدد المفاهيم . وعليه فالمفهوم العامي الشائع للثقافة ناتج عن تصورات ذاتية ولا يعبر عن حقيقتها . مما يجدر بنا البحث عن مفهوم الثقافة الصحيح بغض النظر عن اختلاف تصورات الناس .
2- ومعلوم ان للثقافة مظاهر متعددة يتفق الناس على ادراكها ، ومن ثـمّ يمكن تصورها تصورا موضوعيا بعد الوقوف عليها ، فيمكن استخلاص مفهوم الثقافة من خلال السلوك الجماعي الذي يصدر عن افراد المجتمع الواحد ، من حيث انهم يتلقون من المجتمع نفس النماذج والانماط السلوكية والفكرية والمعرفية والعقائدية والعادات ... التي تتوارثها الاجيال ، ولعلّ هذا ما جعل عالم الاجتماع الانثروبولوجي الانجليزي "" إدوراد تايلور 1832 – 1917 " يقدم تعريفا علميا للثقافة فيقول : « الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفنون والقانون والاخلاق والعادات ، وكل المقدسات والقدرات الاخرى التي يكتسبها الفرد من المجتمع بوصفه عضوا فيه » . وهذا يعني ان الثقافة منتوج اجتماعي بالدرجة الاولى ، فيطبع الافراد بطابع خاص . كما يمكن القول ان هذا التصور للثقافة يتمحور فيما ابدعه الانسان واضافه .
ومما لا شكّ فيه ، ان المفهوم العلمي أكثر دقة من المفهوم العامي الساذج المتداول بين عامة الناس ، ولكن ذلك لا يجعلنا نعتقد انه هو المفهوم الصحيح الذي يعبر عن حقيقة الثقافة ، لأنه مفهوم لا يعرف جوهر الثقافة كنشاط وفاعلية ، وانما يكتفي فقط بوصف مظاهرها الخارجية الموضوعية .
3- وهذا ما يجعلنا نبحث عن المفهوم الفلسفي للثقافة ، والذي لا يتمثل في مظاهرها من منجزات ، بقدر ماهي قدرة متجددة على انجاز مثل هذه المظاهر الموضوعية من قانون ، اخلاق ، معارف ... فالثقافة اذن فاعلية ذهنية وقدرة عقلية مصقولة بالتطلع المعرفي والتهذيب الاخلاقي ، الذي يشحذ كل طاقات الانسان ويوجهها نحو تحقيق قيم عليا . في مجتمع متميز بخصائص أصيلة نابعة من ابداعات ابنائه من جهة ، ومتفتح على ابداعات المجتمعات الاخرى مـن جهة ثانية . فالثقافة اذن بمعناها الحقيقي هي كل ما انتجه الانسان وابدعه من انماط سلوكية ونظم فكرية ، تتنتقل من جيل الى جيل بالتربية .
وهكذا يتضح ان تعريف الثقافة بأنها سعة الاطلاع ، وما ينشأ لديها عنها لدى الشخص من مهارات وفطنة في بعض الجوانب ، لا يعتبر مفهوما صحيحاً للثقافة ومعبراً عن حقيقتها . ومع هذا الاختلاف في تحديد مدلولها ، الا ان الثقافة تبقى تلعب دورا اساسيا في بناء الانسان والمجتمعات .



الموضوع الثاني:« اذا كانت الطبيعة ما وجده الانسان ، فإن الثقافة هي ما أوجده » ما رأيك ؟
الطريقة : مقارنة .

إن المقابلة بين الطبيعة من حيث هي استعدادات فطرية وجدها الانسان ، وبين الثقافة من حيث هي معطيات مكتسبة أوجدها ، تدفع الى الاعتقاد بأنهما منفصلان تماما ؛ فماهي حقيقة العلاقة بين ماهو طبيعي فطري وماهو ثقافي مكتسب ؟
1 إن الطبيعة والثقافة تمثل كليهما البيئة التي يستقر فيها الإنسان ، و المحيط الذي ينتمي إليه ، فلا يمكن إطلاقا تصور إنسان الا في وسط طبيعي وآخر ثقافي ، أما وجوده خارجهما فليس الا مسألة نظرية وليدة الخيال .
ومن جهة أخرى ، تمد الثقافة والطبيعة كلاهما الانسان بوسائل التكيف والقدرة على التلاؤم ؛ فالمنجزات الثقافية هي أدوات لإكمال ماهـو ناقص أو مقاومة ما يهدد بقاء الانسان ، والطبيعة تزوّد الانسان بوسائل تكيف نشوئية طبيعية كالقدرة العقلية وخاصتي التلذذ و التألم لإختبار المنافع و المضار . فالانسان إذن مدين للطبيعة بـوجوده ، وللثقافة والهيئة الاجتماعية ببقائه .
هذا ، وتؤثر كل من الطبيعة والثقافة على شخصية الانسان ، فالملاحظة البسيطة تكشف عن تنوع سلوكات الافراد وملامحهم الفيزيولوجية بل وقدراتهم العقلية ، وذلك لتباين الوسط الطبيعي الذي يحيط بهم واختلاف الثقافة التي ينتمون اليها . ومن جهة ثانية ، فالانسان يولد اصلا حاملا لاستعدادات فطرية ، لتتحكم الطبيعة الخارجية في تحديد ملامحه بعد ذلك ، فالمناخ والموقع الجغرافي والغذاء امور تتحكم في لونه وشكله وابعاد جسمه ، فتقوم الثقافة – بمختلف مظاهرها – بالتحكم في تلك الجوانب فتطبعها بطابع خاص .
2- ولكن اذا كانت الثقافة بالمفهوم العلمي تشمل كل ما اكتسبه الانسان من البيئة الاجتماعية ، فإنها بذلك مخالفة تمام الاختلاف لما هو طبيعي ، سواء تعلق الامر بالطبيعة الخارجية التي لم تمتد يد الانسان إليها ، أو الطبيعة الانسانية التي تمثل ما يحمله الوليد البشري معه منذ الولادة . وعليه فالطبيعة تمثل كل ما يتقبله الانسان ويخضع له دون اختيار منه ، فلا مجال لإرادته في تغيير طبعه او تعديل آليات الهضم او الابصار ، بينما مظاهر الثقافة تمثل مجال الابداع والتطوير والتغير ، فما من ثقافة تظل جامدة ساكنة ، وما من مجتمع الا ويتطلع افراده الى ابداع اساليب جديدة تسمح باشباع حاجياتهم وتحقيق التكيف مع المواقف الجديدة .
ليس ذلك فحسب ، بل ان ماهو طبيعي عام وشامل ، وذلك واضح في تتابع ظواهر الطبيعة في شكل علل ومعلولات ، وترابطها ترابطا سببيا تؤدي فيه نفس العلة الى نفس النتيجة دائما ، والامر ذاته في الطبيعة البشرية ، فمهما تمايز الافراد واختلفوا فهناك وحدة تختفي وراء هذا الاختلاف الظاهر ، لأن الحاجة الى الاكل والنوم والهواء وآليات الهضم والتنفس .. واحدة . وفي المقابل ، تتصف الثقافة بالتنوع في الزمان والمكان ، فاذا كان الانسان اينما وجد يطلب الاكل والنوم ، فان الوسائل الثقافية المتبعة في تلبية تلك الحاجات تختلف مـن مجتمع لأخر ، بل وتتباين داخل المجتمع الواحد من جيل الى جيل ، ومثل ذلك يقال على اللباس والمسكن واللغة والعادات وغيرها من مظاهر الثقافة المتعددة .
3- ورغم ذلك ، الا ان الوسط الطبيعي يتحكم في التنوع الثقافي ذاته ، فاذا كان شكل البناء ومادته ونوع اللباس والغذاء عند الاسكيمو يختلف عما هو عليه الحـال في المناطق الاستوائية ، فان المناخ والموقع الجغرافي – كعـوامل طبيعية – هي التي تفرض ذلك الاختلاف . وهو امر يتعدى مظاهر الثقافة المادية الى المعنوية منها ، فحتى القوانين والتشريعات تعكس – في كل ثقافة – تحكم العامل الطبيعي ، كالاختلاف بين المجتمعات في تحديد سن البلوغ لتحكم المناخ ودرجة الحرارة في نضج الفرد .
وبالاضافة الى ذلك ، فالطبيعة تمثل الارضية التي تقوم عليها الحياة الثقافية والمادة الخام لإبداع مظاهرها ، فلولا القدرات العقلية – وهي في الاصل استعدادات طبيعية – التي يمتاز بها الانسان عن غيره لما كانت له ثقافة ، ولإجل ذلك لا يصنع ضعاف العقول ثقافة . كما لا يمكن ان ننكر ان بعض المهارات الثقافية كالرقص والتزحلق والرياضة ليست الا تنظيما لحركات المشي الطبيعية ، ولو انعدمت هذه زالت تلك .
هذا ، والاستعدادات الطبيعية لا تنمو ولا تتطور الا حينما يعيش الفرد في وسط مجتمع ويتفاعل مع ثقافته ، فما يحمله الفرد من ذكاء وقدرات وطباع يبقى مجرد بذرة لا تؤدي الى ابداع ولا تكوّن شخصية حقيقية بمعزل عن الهيئة الاجتماعية ، وهو امر يجد تأكيدا له في حالة الفتاة " كمالا " التي اكتشفت عام 1920 بغابات الهند ، ولم يكن في احوالها ما يدل على مظاهر السلوك البشري ، لأنها في عزلتها عن المجتمع فقدت كل ماهو ثقافي من مشي على قدمين ولغة وتفكير وسلوك مهّذب .
وهكذا يتضح ان الاختلاف بين ماهو ثقافي وماهو طبيعي لا يبرر اطلاقا القول بانفصالهما التام ، إذ الواقع ان في الانسان يتشابك ماهو فطري بما هو مكتسب ، الى درجة يتعذر معها وضع خط فاصل بينهما ، وعليه يجوز القول ان العلاقة بين الطبيعة والثقافة هي علاقة تداخل ، حيث لاوجود لطبيعة خالصة ، وكذلك لا وجود لثقافة غير متداخلة مع الطبيعة .


الموضوع الثالث:الى أي مدى يتحكم الطبع في تحديد خصائص الشخصية ؟ استقصاء


* تعتبر الشخصية من المواضيع النفسية التي إهتم بدراستها علماء النفس والفلاسفة قديما وحديثاً ، فتناولوا بالبحث الكثير من جوانبها ، بدءاً من تحديد مفهومها وبيان عوامل تكوينها ومقوماتها الاساسية ، فأعتُبر الطبع واحداً من أبرز هذه المقومات تأثيرا في بنائها ؛ فكيف تؤثر الخصائص الطبعية في رسم معالم الشخصية ؟ وماهي حدود هذا التأثير ؟
1- من عوامل تكوين الشخصية العامل الفطري ، والذي يمثل الطبع أهم جانب فيه . والطبع هو مجموع الاستعدادات الفطرية التي تكوّن الهيكل الذهني لفرد ما ، فهو تلك الصفات الثابتة والموروثة . ويتميز هذا الطبع بكونه ثابت لا يمكن تغييره او ازالته ، وهو يخرج عن نطاق كل ماهو مكتسب ، مما يعني ان الطبع لا يمثل الفرد كله ، بل هو حصيلة صفات وراثية تولد معه ، وهو دائم حيث أن للفرد الطبع ذاته من الميلاد الى الوفاة ، لكن يمكن تهذيبه عن طريق التربية .
وبالتالي فعلاقة الطبع بالشخصية هي علاقة سببية عضوية ، فالطبع سبب والشخصية نتيجة له ، مما يوضح مدى تأثيره في بناء خصائص الشخصية .
2- ويبرز أثر الطبع في رسـم ملامح الشخصية في تأثيره في الحياة الانفعالية للفرد ، من حيث قوة الانفعالات اوضعفها ، ثباتها او تذبذبها ، تناسبها او عدم تناسبها مع مثيراتها ، ودرجة تأثر الفرد بالمواقف التي تثير الانفعال : هل هو تأثر سطحي أم عميق ؟ فيقال بسبب ذلك فلان حاد المزاج سريع الاثارة ، او بليد بطيئ الاستثارة ..
كما يؤثر الطبع في الحياة الفعالية للفرد ، ويتجلى ذلك في تأثير الغدد بكل انواعها على السلوك والوظائف التكيفية ، فتبدو الغدة الدرقية أهم هذه الغدد إذ يتوقف تكامل الشخصية – الى حد كبير – على حسن أداء هذه الغدة لوظيفتها ؛ حيث يترتب على نقصان إفرازها الكسل والخمول وكثرة النسيان وضعف القدرة على التركيز ، كما يفقد الفرد القدرة على الحسم في المشكلات التي تواجهه ، كما لها تأثير على السلوك فيصبح الشخص شديد الحساسية ( مثل الحساسية للبرد على مستوى اليدين والقدمين ) ، وإذا نقص افرازها الى حداً أكبر فقد يؤدي ذلك الى التبلد والغباء ، اما اذا زاد إفرازها فان ذلك قد يؤدي الى الجنون . وهناك غدد أخرى تفرز هرمونات مختلفة ، لكل منها تأثير على أحد جوانب الشخصية أو السلوك بشكل عام مثل الغدة النخامية والصنوبرية والتناسلية .
هذا ، ويؤثر الطبع في ردود افعال الفرد ، فقد يكـون للفرد رد فعل سريع ولا يملك القدرة على تأجيله ( ترجيع قريب او اولي ) ، او العكس ، قد يكون رد فعل بطئ ويستطيع تأجيله ( ترجيع بعيد او ثانوي ) .
وأخيرا يوثر الطبع في ثبات الهوية الفردية ، فيشعر الفرد بأنه هو هو ، رغم ما يحلق الجانب النفسي والجسمي والاجتماعي من تغير وتبدل طيلة مراحل الحياة . كما ان تصنيف الشخصية الى نمـاذج مختلفة منذ القديم إرتكز على هذه الصفات الثابتة .
3- ومن خلال ذلك ، يظهر ان للطبع دور بارز في تحيد معالم الشخصية باعتباره معطى فطري وراثي ، فالفرد لا يستطيع ان يكوّن شخصيته الا في حدود هذه الصفات الثابتة ، ولعل ذلك ما جعل " لوسيين " يشبه الطبع بالالة الراقنة والشخصية بالرسالة المكتوبة ، ولن تستطيع ان تكتب نصاً عربياً اذا كانت حروف الالة الراقنة لاتينية .
الا ان ذلك لا يعني ان تأثيره مطلق او ان الشخصية هي الطبع فقط ، بحيث لا يمكن تجاهل أثر البيئة الطبيعية والاجتماعية في تكوين شخصية الفرد ، فلقد ثبت – بما لا مجال فيه للشك – ان الانسان إبن بيئته ، وذلك واضح في تأثير البيئة الطبيعة في بناء شخصية الافراد في جوانب كثيرة ، ثم تتدخل البيئة الاجتماعية فتطبع تلك الجوانب بطابع خاص .
* وهكذا يتضح ، أن تأثير الطبع في الشخصية أمر طبيعي لا يمكن إنكاره ، الا انه تأثيره نسبي يختلف من فرد الى آخر ، ولا يمكنه ان يشكل الشخصية بكاملها بمعزل عن البيئة الطبيعية والاجتماعية ، ورغم ان تأثيره نسبي الا ان ذلك لا ينفي كون الطبع مقوما اساسيا من مقومات الشخصية .


الموضوع الرابع:هل لمناهج البحث عند مفكري الاسلام قيمة عليمة ؟ استقصاء

* لقد اصطدم منطق " أرسطو " القائم على عقلانيته والمعبر عن تصوره الميتافيزيقي ، بوضع فكري جديد في الحضارة الاسلامية ، فالوضع المعرفي مختلف ، وظهرت علوم جديدة لم يُسبق اليها المسلمون كالحديث والفقه. وقد تبين لمفكري الاسلام أن منطق " ارسطو " لا يصلح لأبحاثهم لمخالفته روح الاسلام لغة وعقيدة ، فسطروا لأنفسهم مناهج إتبعوها في مباحثهم ، والتساؤل هنا : ماهي القيمة المعرفية لمناهج البحث عند مفكري الاسلام ؟
1- إن مناهج البحث عند مفكري الاسلام تختلف اختلافا بيّناً عن منطق " ارسطو " ، فإذا كان هذا الاخير يعتمد على الاستنتاج الصوري ، الذي ينتقل فيه الفكر من مقدمات كلية الى نتائج جزئية دون مراعاة تطابقها مع الواقع ، و دون الكشف عن معارف جديدة ، فإن منهج علماء الحديث يَعْمَدٌ الى استقراء حال الرواة وتطبيق الجرح والتعديل ، للنظر في مدى تحقق شروط الرواية فيهم ، واللجوء الى المقارنة بين الاحاديث من حيث السند .
وهو المنهج ذاته – تقريبا – الذي اعتمده مؤرخو الاسلام ، حيث الاعتماد على جمع الاخبار ومقارنتها ، والاستناد الى مآخذ متعددة وعلوم مساعدة ، بغية التحقق من صدق الخبر التاريخي أو كذبه ، والنظر الى مطابقته للواقعة الاجتماعية من عدمها .
اما علماء الاصول فعمدوا الى وضع علم اصول الفقه ، من حيث هو مجموع القواعد الكلية التي يتم بواسطتها استنباط الاحكام الشرعية من الكتاب والسنة ، وعلى هديها تلحق الفروع بالاصول والجزئيات بالكليات المنصوص عليها في الأدلة التفصيلية .
بينما في علوم الطبيعة ، فلقد تحقق علماء الاسلام ان الاسلوب النظري لا يؤدي الى نتيجة او تقدم في فهم الظواهر الطبيعية ، فكان شعارهم في بحوثهم المنج التجريبي ، وهو منهج قائم على ملاحظة الظاهرة في الطبيعة ، ثم استنتاج فرضيات للتفسير ، ثم امتحان تلك الفرضيات عن طريق التجريب .
2- وبالفعل ، تلك هي مناهج البحث عند مفكري الاسلام التي لم يدعُ اليها فحسب ، وانما طبقوها في ابحاثهم المختلفة ، ويتجلى ذلك بوضوح في صحيحي " بخاري " و " مسلم " وما وضعاه من شروط لقبول الحديث ، ومثلما يظهر في دعوة " الشافعي " الى استنباط الاحكام الشرعية وفق قواعد اصول الفقه ، والا فــ« من ترك تلك القواعد الى منطق " ارسطو " لم يدرك غرض الفقه » ، وذلك لأن القياس الارسطي يعطي الاولوية للعقل الذي لا يجوز تحكيمه في الامور الشرعية ، بل هو تابع للشرع ، فيلحق الجزئيات بالكليات على سبيل الاستقراء . والامر ذاته لمنهج البحث في التاريخ ، الذي تتضمن فصوله مقدمة " ابن خلدون " . اما عند التجريبين فنجد إلحاحاً في الدعوة الى تطبيق المنهج التجريبي ، سواء من طرف " جابر بن حيان " في الكيمياء الذي يرى انه « من كان دربا – أي مجربا – كان عالما حقا » ، أو " الرازي " و " ابن سينا " في الطب ، أو " ابن الهيثم " في البصريات . ولم يكن الامر مجرد دعوة نظرية ؛ فلقد اجرى بن حيان الكثير من العمليات الكميائية المخبرية كالتكليس والتقطير والترشيح .. وحضّر عددا من المواد الكيميائية لازلت – الى اليوم – تحتفظ باسمها العربي في معظم اللغات الاوربية .
3- وهكذا ، فإن لمناهج البحث التي ابدعها مفكرو الاسلام قيمة كبرى ، فبواسطة المحدثين تـمّ حفظ الحديث وتنقيته مما لحقه من تزييف وتحريف ، وتحقق بذلك صيانة المصدر الثاني من مصادر التشريع في الاسلام . وهي الغاية ذاتها اتي حققها علم اصول الفقه ، الذي يحاول علماء اوربا مماثلته تحت اسم " اصول القوانين " . اما منهج المؤرخين فهو ذته المنهج الاستردادي عند علماء اوربا ، وبواسطته اثبت " ابن خلدون " امكانية دراسة احدى ابعاد الظاهرة الانسانية – وهي الظاهرة التاريخية – دراة علمية . وبواسطة منهج علماء الطبيعة انتقلت العلوم من مجرد اراء ساذجة الى علوم متقدمة ، الامر الذي جعل " روس بول " يقول : « إن ابن الهيثم اقام البرهان على نظريات في علم الفيزياء .. مما ادى الى تقدم هذا العلم واصبح على ماهو عليه الآن » ، ويقول بول كراوس : « إن جابر بن حيان نظّم الكمياء وبناها على اسس علمية دقيقة . »
* وهكذا يتضح ، أن لمناهج البحث عند مفكري الاسلام قيمة علمية كبرى ، فمن جهة تجاوزا فيها منطق ارسطو الصوري ، ومن جهة ثانية سبقوا بها علماء المنهج التجريبي المحدثين في اوربا امثال " ف . بيكون " و " د . هيوم " و " ج . س. مل " . يقول " فلورين كاجوري " : « كان علماء العرب المسلمين هم اول من دافع عن المنهج التجريبي .. وهم اول من ادرك فائدته واهميته بالنسبة للعلوم الطبيعية » . ويقول المستشرق الالماني " آلبرت ديتريش " : « كان المسلمون سباقين الى التجربة ، إذ وضعوا اسسها ، ثم تلقتها اوربا عنهم وبلغت بها الى المقام التي هي عليه الآن . »


الموضوع الخامس:هل يمكن تفسير الظواهر الحية تفسيرا غائيا ؟ الطريقة : جدلية

طرح المشكلة : إن موضوع البيولوجيا هو الظواهر الحية ، التي تقوم بمجموعة من الوظائف تؤديها مجموعة من الاعضاء . وماهو ملاحظ ذلك التوافق الموجود بين تركيب العضو والوظيفة التي يقوم بها ، وهو ما جعل البعض يعتقد ان وظيفة العضو الحي هي الغاية التي جاء من أجلها ، مما يفترض الاخذ بالتفسير الغائي في البيولوجيا ، لكن هل التفسير الغائي كافٍ لفهم الظواهر الحية ؟ وهل هو تفسير مشروع من وجهة نظر الروح العلمية ؟
محاولة حل المشكلة :
1-أ- الاطروحة : يرى البعض ، انه لا يمكن فهم وتفسير الظواهر البيولوجية وتركيب الاعضاء الحية الا بمعرفة الغايات التي جاءت من أجلها ، حيث ان كل عضو وكل جهاز انما جاء من أجل غاية معينة هي الوظيفة التي يؤديها . مما يعني التسليم بأن الوظيفة اسبق من العضو ؛ فالعين خلقت للابصار والاذن للسمع ، والجهاز التنفسي خلق من اجل مد الجسم بطاقة الاحتراق ، والجهاز الهضمي من اجل تحويل المادة الغذائية الى احماض امينية .. وكل ذلك من اجل غاية اعظم هي المحافظة على توازن الجسم الحي .
1-ب- الحجة : وما يثبت ذلك ، ما تبدو عليه الاعضاء من تركيب محكم ينجسم مع الوظائف التي تقوم بها ، واذا اختل العضو تعطلت الوظيفة ولا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها ، كما يتجلى في اختصاص بعض الاعضاء ببعض الوظائف وعمل هذه الاعضاء ، بحيث يتحقق من عملها انتظام داخلي في العضوية كلها .
1-جـ- النقد : لكن التفسير بالغايات هو في حقيقة جواب عن السؤال (( لماذ ؟)) وهو سؤال فلسفي ، مما يعني ان التفسير الغائي يقحم اعتبارات فلسفية ميتافيزيقية لا علاقة للعلم بها ، وهذا يتناقض مع الروح العلمية التي تتطلب التفسير الوضعي الذي يفسر الظاهرة بظاهرة اخرى معلومة ، ويتناقض ثانيا مع هدف العلم الذي ينطلق من المعلوم لكشف المجهول وليس العكس .
2-أ- نقيض الاطروحة : وبخلاف ذلك ، يرى انصار الالية ان التفسير الغائي ليس مشروعا من الناحية العلمية ، حيث لا يمكن فهم الظواهر الحية الا اذا فسرناه بما هو معلوم ، أي بردها الى قوانين الفيزياء والكمياء ، واعتبار الظاهرة الحية ظاهرة جامدة تعمل بصورة آلية وتخضع لمبدا الحتمية .
وهذا يعني ان العضو اسبق من الوظيفة ، فالطائر يطير لأن له جناحان والانسان يبصر لأن له عينان .. وان التوافق بين العضو والوظيفة تــمّ " صدفة " ، فالعضو مر بمراحل من التطور ولم صادف الوظيفة التي يقوم بها توقف عن التطور .
2-ب- الحجة : وما يؤكد ذلك ، أنه من الناحية الكميائية أن المادة الحية تعتمد على نفس العناصر التي تتكون منها المادة الجامدة ، فالاكسجين يدخل في تركيب الجسم بنسبة 70% والكربون بنسبة 18% والهيدروجين بنسبة 10% وكذا الازوت والكالسيوم والفسفور بنسب متفاوتة .. ومادام الامر كذلك يمكن تفسيرها بنفس القوانين التي نفسر بها المادة الجامدة .
ثم ان عمليتي التنفس والهضم ليسا الا تفاعلين كيميائيين لا يختفلفان عن التفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل المختبر.
ومن الناحية الفيزيائية ، يمكن تطبيق قوانين الفيزياء على الظواهر الحية ، من ذلك مثلا قوانين الميكانيك بالنسبة الى القلب ، فهذا الاخير لا يختلف في عمله اثناء الدورة الدموية الصغرى والكبرى عن محرك السيارة .
كما ينطبق مبدا الحتمية على الظواهر الحية بنفس الصورة الصارمة التي ينطبق بها على المادة الجامدة ، من ذلك مثلا انتظام الحرارة في الجسم الذي يتم آليا مهما اختلفت الظروف المناخية ، فعندما تنخفض الحرارة في المحيط الخارجي يفرز الجسم شحنة من مادة الادرينالين في الدم فتنشط عملية التأكسد وترتفع حرارة العضوية ، ويحدث العكس بصفة آلية عندما ترتفع حرارة المحيط الخارجي . كما نجد الارتباط الآلي بين مختلف الوظائف ، ففي الهضم مثلا نجد سلسلة من الوظائف تبدا بوظيفة الاسنان ثم وظيفة اللعاب ثم وظيفة الانريمات او خمائر الهضم الى ان تتحول المادة الغذائية الى سائل .
2-جـ- النقد : في الحقيقة ليس صحيحا ان المادة الحية مماثلة للمادة الجامدة من حيث التركيب كما يزعم الآليون ، فمن بين 92 عنصرا تتكون منها المادة الحية تختلف عن المادة الجامدة في 14 عنصرا ، ولو كانتا متماثلتان لأمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الحية بنفس السهولة التي تم تطبيقه على المادة الجامدة ، لكن ذلك تصادفته صعوبات وعوائق تكشف عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية .
كما نجد في موقف الاليين تناقضا ، ففي الوقت الذي يدعون فيه الى استبعاد التفسير الغائي باعتباره يتناقض مع روح العلم ، نجدهم يفسرون التوافق بين تركيب العضو ووظيفته بـ " الصدفة " ، والتفسير بالصدفة لا يقبله العلم ويرفضه العقل ، لأن الصدفة – كما قال بوانكاري – مقياس جهلنا .
3- التركيب : ان التفسير الغائي تفرضه طبيعة الكائن الحي ، ذلك لأن الظواهر الحية يسود اجزائها نوع من التكامل يظهر في صورة فكرة موجهة او غاية محددة ، وهي في ذات الوقت يمكن ان تنطبق عليها قوانين الفيزياء والكمياء على غرار المادة الجامدة ، لذلك فالتفسير الغائي والالي كيهما ضروريان لفهم النشاط الحيوي .
حل المشكلة : وهكذا يتضح ، أن التفسير الغائي مشروعا متى بقي الباحث في اطار الظواهر الملاحَظَة ، ولم يتجاوز الى طلب اسبابها الميتافيزيقية .









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
للنظلم, مقالات, القديم, فلسفية


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:38

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc