جلستْ كعادتها بجانبي دون سلام .. راحت تقلب دفاتري المشتة فوق الطاولة ... :" – أين كنت ؟ " .. سألتها بعفوية تامة .. لم تجبني وظلت تقلب الأوراق .. : " – هل تبحثين عن شيء معين ؟ " .. فلم تعرني اهتماما .. وظلت تقلب الأوراق في عنف وهي تردد " أين هي ؟ " حائرة هي كعادتها ، ومضطربة دائما ، وقلما تتذكر تصرفاتها الجنونية لحظة انفعالها .. أنظر إليها ولا أحاول استفزازها .. فالمكان مكتظ بالناس ، ولا أريد مشاكل .. يكفيني تصرفها الأسبوع الماضي ، والذي قبله ، وقبله .. تصرفات كثيرة وساذجة لا أريد تذكرها ، لأنها تؤلمني كلما تذكرتها .. تقلب الصفحات طويلا .. حولت نظرها إلي في سرعة عجيبة .. نظرت إليها :" هل تريد مشاكل ؟ ! أنا لست مستعدا للشجار معها الآن ، وفي هذا المكان المكتظ بالناس ؟ " .. تنظر وأنظر .. " أرجو أن تأجل الشجار إلى وقت لاحق ، كما تؤجل مواعيد لقاءاتنا دائما ؟" .. وإن كنت أعلم أنها لاتستطيع تأجيل الشجار ، فقد أضحى عُرفا في تقاليدها ، ما مر يوم إلاّ وتشاجرت مع أحدهم .. حتى وإن لم تجد فإنها تتشاجر مع نفسها وهي ترتدي ثيابها ، أو تعد القهوة .. عصبية المزاج والطبع .. سكنت قليلا ووضعت وجهها بين كفيها .. تنهدت طويلا ، نظرت إلي .. الآن أحس أنها تعي تصرفاتها ، كم هي فاتنة عندما تكون صافية .. أحاول أن أسألها ولكني متردد .. لم تستقر حالتها بَعْدُ ، فالأمواج لا تزال حديثة السكون ، وأيٌّ ريح آتية سوف تُعيد هياجها .. طرقت معها مواضيع متعددة ، حتى أبعد المسافة بين هدوئها وسؤالي المُلح عن الذي تبحث عنه .. أخيرا سألتها .. " – عمّ كنت تبحثين في دفاتري ؟ " سكتت قليلا .. ندمْتُ على سؤالي ، كنت أتوقع أن العاصفة قائمة لا محالة ، فسؤالي أربكها مجددا ، ولكن وبعفويتها المعهودة وسذاجتها ذاتها .."- لست أدري ..؟ " ثم فجأة عادت إلى حالتها الأولى .."- نعم تذكرت .. أين هي ؟ " ، " – من؟ " ، " – الفتاة التي تجلس معك ؟ أين خبأتها ؟ " ، " – ولكنني كنت وحدي لدى دخولك .. ألا تذكرين ؟ " ، " – أنا لا أذكر شيئا ، سوى أنني شعرت أنك برفقة إحداهن ، فجئت لأقضي عليها وعليك ؟ " .. حينها فقط ندمت على خطبتي إياها .. وأدركت أنها مريضة بالوهم أيضا .