بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و سلم و من والاه و بعد:
أحببت أن أنقل إلى إخواني الكريم مقالة لأحد إخواني على منتدى الأصلين تعرض فيه بشيء من الإيجاز إلى تعريف الصوفية و قدمها في تاريخ الأمة و أقوال مؤصليها و السلف الصالح فيها، و ما بعثني على كتابة الموضوع هو أن أحد إخواني استشهد علي في موضوع تصوف أشراف الحنابلة و الذي نعد منه النسخة المالكية و الشافعية و الحنفية العظيمة، و قام بسوق كلام لم يخدم الموضوع هناك، و كان المقال لو ثبت عن شيخ الجزائر بعيدا عن النظرة العلمية يجب أن يدقق فيه من خلال ما كان سائدا في تلك الفترة و انتقادات الشيخ من غير فصل و بتر للنص، لأننا هنا في هذا المنتدى و غيره موقعون باسم الدين، و نتكلم في أخطر الأمور، و لعل من يضل من هنا تكتب علينا سيئاته، و من سب أئمة المسلمين وقعت علينا آثام سبه لهم، لأنه وجد أحدنا ينتقص منهم، فيقول أن الأشاعرة مثلا ضلال، فيحكم على النووي من خلال هذه العبارة لما يتضح له أن النووي و ابن حجر كانوا أشاعرة، والله المستعان...
إنني إذ أنقل لكم المقال ها هنا، لا أخفي أن أدعياء الصوفية أفسدوا كثيرا على السبيل و على المتبعين، و لكن هؤلاء لم يشموا قط رائحة التصوف، و ليس التصوف انتسابا، كما ليست السلفية انتسابا، و إنما سلوك و مقام يبلغه الفرد المسلم من خلال إحسانه، فإذا بلغه العبد تخفى من الناس و استحيى من الله و خاف أن يفتتن، فمن أظهر الخوارق ليتبعه الناس فما علم حق الطريق و لا ما يدعو إليه، و أمن على نفسه الفتنة و الشيطان، وقد كان أبو ببكر رضي الله عنه لا يأمن على نفسه مكر الله و لو كانت إحدى قدميه في الجنة...
و أرجو من الأخ الفاضل الذي استشهد من قبل بكلام رائد نهضتنا الشيخ العلامة البشير الإبراهيمي، أن ينظر فيما ننقله له من كلام أعلام هذه الأمة، و ينظر في أحقيتها بالأخذ، إن أعرضنا عن التماس الأعذار للشيخ و تفهم البيئة المحيطة بقوله... والله أعلى و أعلم و هو يهدي للتي هي أقوم...
يقول الأخ الفاضل محمد حسين هويدي :
"في رحاب التصوف الإسلامي"
الحلقة الأولى
مقدمة:
يشعر المرء، وهو يهم بولوج هذا الموضوع الجليل، بهيبة رهيبة، وبإحساس جازم، بأن ادعاء العلم في هذا المجال، نوع من المخاطرة التي لا تؤمن عواقبها، خصوصا إذا لم يكن من أهل هذا الشأن، العارفين بأسراره وخباياه، و إنما أخذ أكثره من مؤلفات أهله، ومن دراسات الباحثين في حقله، والمحققين لتراثه، وما فتح الله به عليه من فهم، يرجو أن يكون موافقا للصواب على أن هذا الحديث إنما هو حديث محبة وشوق، بمعناهما القريب، أكثر مما هو حديث ذوق بمعناه البعيد،والقوم يقولون:"على قدر المحبة يكون الشوق" مع ما في ذلك من جراءة، أتمنى أن يشفعها لي حسن القصد وسلامة الطوية، وإنما الأعمال بالنيات ...
ثم إن هذا البحث لم يضيق المجال، ولم يلزم صاحبه بما لا يلزم، حتى يتسنى له أن يتحدث في رحاب فسيحة، في علم لأصحابه فيه مصطلحات دقيقة، ولغة غريبة لا يفهمها في كثير من الأحيان إلا خاصة الخاصة الكلام "القليل منه أولى من الكثير والإيماء والتلويح، أبلغ في الإفصاح والتصريح "
إن هذا الحديث عام وليس خاصا،و هو في الوقت نفسه، محكوم بما اختارته أمتنا في هذا الجناح الغربي من العالم الإسلامي، من ثوابت دينية راسخة، أوجزها كل الإيجاز الفقيه المالكي الإمام ابن عاشر رحمه الله في قوله :
في عقد الأشعري وفقه مالك * * * وفي طريقة الجنيد السالك
وبعد فلا شك أن التصوف تجربة ذاتية وروحية بالدرجة الأولى، ومن ثم فهي تختلف من جماعة لأخرى، ومن شخص لآخر، الى حد القول بأنه من الصعب وضع تعريف دقيق للتصوف، بل إن معنى التصوف، يلتمس في سلوك الصوفية، لا في منطقهم ...
أما أصل استعمال الكلمة فذهب المستشرق الفرنسي الشهير لويس- ماسينيون الى أن كلمة "صوفي" كانت في أول أمرها مقصورة على الكوفة" و يرجع استخدام مصطلح التصوف لأول مرة في الإسلام،الى النصف الأخير من القرن الثاني للهجرة وقد لقب به كل من:
* جابر بن حيان {ت 197ه}
* وأبي هاشم البغدادي المعروف بأبي هاشم الزاهد{ت105ه} وقد روي عن سفيان الثوري أنه قال : لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء"
- وعبدك الصوفي4) وهو من القائلين بأن الإمامة بالتعيين وكان لا يأكل اللحم وتوفي ببغداد حوالي عام 210ه
والملاحظ أن هؤلاء الثلاثة كلهم محسوبون على الشيعة، فهل يعني هذا أن التصوف خرج من عباءة التشيع؟ أم أن خصوم التصوف من أهل السنة قالوا ذلك حطا منه واستهجانا ؟ كما جعلوا منبته الكوفة التي نشأت منها حسب زعمهم الأهواء والبدع
وفي المقابل يوجد ما يفيد أن اللفظ كان متداولا في البصرة أيضا،كقول الحسن البصري رحمه الله : "رأيت صوفيا في الطواف فأعطيته شيئا فلم يأخذه وقال : معي أربعة دوانيق فيكفيني ما معي "
ويقول ابن تيمية :"إن أول ما ظهرت الصوفية من البصرة،وأول من بنى دويرة الصوفية، بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد من أصحاب الحسن، وكان في البصرة، من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار الأخرى، ولهذا كان يقال :"فقه كوفي وعبادة بصرية"
وعبد الواحد هذا،هو أبو عبيدة القاص البصري العابد، ذكره الشوكاني في قطر الولي وقال إنه أصابه الفالج فسأل ربه أن يطلق أعضاءه وقت الوضوء فكان وقت الوضوء تطلق له أعضاؤه ثم تعود بعد- وهذا من الكرامات كما سياتي- وقد فسر معنى الصوفية:بأنهم القائمون بعقولهم على همومهم والعاكفون عليها بقلوبهم "
يقول الشيخ زروق في القاعدة الرابعة من قواعده:"لا تصوف إلا بفقه إذلا تعرف أحكام الله الظاهرة إلا منه ولا فقه إلا بتصوف إذ لا عمل إلا بصدق وتوجه ولا هما إلا بإيمان إذ لا يصح واحد منهما بدونه فلزم الجميع لتلازمها كتلازم الأرواح للأجساد إذ لا وجود لها إلا فيها كما لا كمال له إلا بها فافهم .
ومنه قول مالك رحمه الله وهو بيت القصيد :"من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق " وهذا الكلام صحيح في معناه، دقيق في مبناه، لكن الذي يستوقف الباحث هو مدى صحة نسبته إلى الإمام مالك الذي عاش ما بين 93 و 179ه أي في وقت مبكر من تاريخ التصوف ؟ إذ لو ثبت ذلك لاتخذ البحث مسارا آخر لأن هذا الكلام لا ينطبق على الأوليات و البدايات التي عرفها القرن الثاني وإنما على الكمالات والنهايات التي تمت في القرن الخامس وما بعده ...
و مثل ذلك ما ينسب الى الإمام الشافعي :
فقيها وصوفيا فكن ليس واحدا* * * فإني وحق الله إياك أنصح
فذلك قاس،لم يذق قلبه تقى * * *وهذا جهول، كيف ذو الجهل يصلح؟
و في معنى التصوف يقول أبو يعقوب التادلي في التشوف : " وسميت هذا الكتاب بالتشوف الى رجال التصوف وإن كان مشتملا على أضراب من أفاضل العلماء والفقهاء والعباد والزهاد والورعين وغير ذلك من ضروب أهل الفضل فإن اسم الصوفي يصدق على جميعهم بوضع هذا الاسم عند المحققين، فإن كثيرا من الناس لم يحصلوا حقيقة اشتقاقه، والذي يعول عليه أن الصوفي هو المنقطع بهمته الى الله تعالى المتصرف في طاعته ..."
إن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ لا فضيلة فوقها فقيل لهم الصحابة ولأما أدرك أهل العصر الثاني سمي من صحب الصحابة التابعين ولرأوا ذلك أشرف سمة لهم ثم قيل لمن بعدهم أتباع التابعين ثم اختلفت الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم عناية بأمر الدين الزهاد والعباد ثم ظهرت البدع وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ادعوا أن فيهم زهادا وعبادا فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مع الله تعالى والحافظون قلبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة"
يقول ابن خلدون :"هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية { ... } فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس الى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة {...} فلهذا اختص هؤلاء بهذا النوع من العلم الذي ليس لواحد غيرهم من أهل الشريعة الكلام فيه وصار علم الشريعة على صنفين...
كثر الكلام في أصل كلمة "تصوف" وتناقضت الاختيارات وتعددت الآراء والتفاسير لمعناها إلى أقوال أذكر منها في هذه العجالة :
1-أنها مأخوذة من "صوفيا " اليونانية وتعني الحكمة
2-أنها نسبة الى قبيلة "صوفة" التي كانت منقطعة لخدمة الكعبة
3-أنها نسبة الى أهل الصفة و"الصفة" مكان بآخر المسجد النبوي بالمدينة المنورة
قال الشيخ زروق :"إنه منقول من الصفة لأن صاحبه تابع لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف حيث قال تعالى {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي...} وهذا هو الأصل الذي يرجع إليه كل قول فيه والله أعلم
4-أنها منسوبة الى لبس الصوف الخشن الذي تعود الصوفية لبسه منذ القدم
قال الكلاباذي {ت380ه}:"أما من نسبهم الى الصفة والصوف فإنه عبر عن ظاهر أحوالهم، وذلك أنهم قوم قد تركوا الدنيا، فخرجوا عن الأوطان، وهجروا الأخدان،وساحوا في البلاد، وأجاعوا الأكباد، وأعروا الأجساد، لم يأخذوا من الدنيا إلا ما لا يجوز تركه، من ستر عورة وسد جوعة ..."
قال الإمام القشيري:"فأما قول من قال إنه من الصوف وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص فذلك وجه ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف "
قال ابن خلدون معقبا على ذلك:" قلت : والأظهر إن قيل بالاشتقاق أنه من الصوف، وهم في الغالب مختصين بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس فاخر الثياب الى لبس الصوف"
5-من الصف : قال القشيري :"و قول من قال إن مشتق من الصف، فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم، من حيث المحاضرة من الله تعالى، فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة الى الصف، ثم إن هذه الطائفة أشهر من يحتاج في تعيينهم إلى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق "
6-أنها نسبة الى الصفاء والمصافاة
قال أبو نعيم في الحلية ,"فأما التصوف فاشتقاقه عند أهل الإشارات والمنبئين عنه بالعبارات من الصفاء والوفاء واشتقاقه من حيث الحقائق التي أوجبت اللغة فإنه تفعل من أحد أربعة أشياء،فذكرها وعللها وهي الصوفانة وهي بقلة وصوفة قبيلة كانت في الدهرالأول تجيزالحاج وتخدم الكعبة وصوفة القفا وهي الشعرات النابتة في متأخره والصوف المعروف في ظهور الضأن
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا * * *فيه وظنوه مشتقا من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى * * * صفا فصوفي حتى لقب الصوفي
قال أبو بكر الكلاباذي{ت380ه} بعد تقديم ما قيل عن التصوف من حيث الاشتقاق :"فقد اجتمعت هذه الأوصاف كلها ومعاني هذه الأسماء كلها في أسامي القوم وألقابهم وصحت هذه العبارات وقربت هذه المآخذ ... وجميع المعاني كلها من التخلي عن الدنيا وعزوف النفس عنها وترك الأوطان ولزوم الأسفار ومنع النفوس حظوظها وصفاء المعاملات وصفوة الأسرار وانشراح الصدور وصفة السباق "
7-"من "الصفة" إذ جملته اتصاف بالمحامد وترك الأوصاف المذمومة "
وهناك من قال إنه لا ينبغي مطالبة الصوفية بمجاراة القياس أو الاشتقاق :
فإنهم أجل من أن تفتقر * * * أقوالهم الى قياس مشتهر
أو اشتقاق إذ لهم قانون * * * ساروا به وسره مكنون
فلفظهم أقفاله لا تفتح * * * إلا بذوق أو بكشف يمنح
"إسناد الشيء لأصله والقيام فيه بدليله الخاص به يدفع قول المنكر بحقيقته لأن ظهور الحق في الحقيقة يمنع من ثبوت معارضتها فأصل التصوف مقام الإحسان الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" لأن معاني صدق التوجه لهذا الأصل راجعة وعليه دائرة إذ لفظه دال على طلب المراقبة الملزومة به . فكان الحض عليها حضا على عينه كما دار الفقه على مقام الإسلام والأصول على مقام الإيمان.
فالتصوف أحد أجزاء الدين الذي علمه عليه السلام جبريل ليعلمه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فافهم "
قال الإمام النووي معلقا على مرتبة الإحسان :" هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به فقال صلى الله عليه وسلم اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان"
وهذا المقام هو أحد أركان الدين الثلاثة المبينة في حديث جبريل الطويل ولا شك أن الدين يجب اتباعه بجميع أركانه ....
إن مقام الإحسان كما يقول أبو عبد الله الساحلي المالقي {ت754ه} :"جامع نهايات منازل السالكين ومتضمن حقائق العارفين فأوله يعرب عن القبول وغايته توذن بالوصول يفهم ذلك من حديث جبريل في قول النبي {صلى الله عليه وسلم } مخبرا عن الإحسان :"أن تعبد الله كأنك تراه " ولا غاية فوق رؤية الله تعالى ولا تدرك إلا بالقيام بوظائف الدين على أكمل أحوالها وأجمل أمورها ولأحسن أصولها وفروعها ومن رام ذلك بغير هذا فقد خاب سعيه وضل مرماه وحصل في مهواة المكر والمقت ... فأشار {صلى الله عليه ويلم }في إخباره عن الإحسان أولا الى غايته التي لا نهاية لها ثم عطف بالإشارة الى بدايته بقوله:"فإن لم تكن تراه فإنه يراك يعني المراقبة كأنه يقول عمدة الإحسان المشاهدة وإن لم يقو على ذلك فالمراقبة، فالمقصود من الإحسان ما يرجع الى تصفية الروح من آثار الأوهام ليحصل بذلك على نهاية التوحيد وهذا المقام يعم جميع وظائف سائر المقامات ولا شك أن بداية التوحيد أصل في كمال بداية وظائف الدين ونهايته أصل في كمال نهايتها
فإذا تقرر هذا فاعلم أن الإحسان قائم من ثلاثة منازل: بداية وهي المراقبة وتمكين وهو المشاهدة، ونهاية وهي المعرفة " وكل منزل من هذه المنازل تحته كلام طويل)ويميز الصوفية بين النفس والقلب والروح والعقل تمييزا واضحا " فالنفس عندهم شر محض وهي محل الأخلاق المذمومة وموضع نظر الخلق أما الروح فهي مبدأ الحياة ومحل الأخلاق المحمودة وهي من أمر الله لا يدرك كنهها كما أنها محل المحبة والقلب عندهم هو محل العرفة ومركزها وبمداومة الذكر تشرق فيه العلوم اللدنية أما العقل فيستعمل عندهم للدلالة على العلم الذي ياتي بواسطة الحواس عن طريق الاعتبار وهو أقل مرتبة من القلب
من شعر أبي بكر محمد بن طفيل في الروح والجسد:
يا باكيا فرقة الأحباب عن شحط * * * هلا بكيت فراق الروح للبدن
نور تردد في طين الى أجل * * * فانحاز علوا وخلى الطين للكفن
يا شد ما افترقا من بعد ما اعتلقا *** أظنها هدنة كانت على دخن
إن لم يكن في رضى الله اجتماعهما * * *فيا لها صفقة تمت على غبن
ولا تخفى أهمية التصوف في تزكية النفوس وتطهيرها ورياضتها حتى ترقى الى أعلى مدارج السمو الروحي .
وأول سلم في معراج السالكين الى الله هي التوبة النصوح { يايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا } والإنسان يخطيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" والتوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وخالقه لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط :
- أحدها أن يقلع عن المعصية
- والثاني أن يندم على فعلها
- والثالث أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا
فإن فقد أحد الثلاثة فلا تصح التوبة
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها ...
ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل ولينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه ...
قال الشعراني في مختصر الفتوحات:"وقد توقفت حال الاختصار في مواضع كثيرة منه لم يظهر لي موافقتها لما عليه أهل السنة والجماعة فحذفتها من هذا المختصر "..." حتى قدم علينا الأخ العالم الشريف شمس الدين محمد بن السيد أبي الطيب المدني المتوفى سنة 955 فذاكرته في ذلك فأخرج الي نسخة من الفتوحات