من هم الأشاعرة ؟ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

من هم الأشاعرة ؟

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-01-29, 18:37   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي من هم الأشاعرة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم

اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى
مصطلح الأشاعرة

[align=right]

لفظ الأشاعرة يطلق على من سلك مسلك الإمام أبي الحسن الأشعري في الاعتقاد، لا تقليداً بل اهتداءً، فمثل الإمام أبي الحسن - رحمه الله تعالى - كمن عقد على طريق السلف لواءً ليهتدي به من يراه، فالانتساب إليه بمنزلة الانتساب إلى الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - رضوان الله عليهم - في الفروع الفقهية، إذ مع كونهم مختلفين في طرق الاستنباط واستخراج الأحكام، إلا أنهم متفقون على المصادر التي يصدرون عنها والموارد التي يردونها، وكذلك الإمام أبو الحسن الأشعري في أبواب أصول الدين، إنما هو آخذ من القرآن الكريم والسنة الشريفة، وسائر على طريق السلف، والانتساب إليه إنما هو من حيث كونه أضاء تلك الطريق ونصب عليها نطاقاً وشهرها في الأمة بعد أن حاول طمسها أصحاب البدع والأهواء.

قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى (الطبقات 3/ 365):

(اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأياً ولم ينشء مذهباً، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله ‘، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقاً وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعرياً) اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى مبيناً أن هذه الطريقة عليها جل الأمة:

(وقد ذكر شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن عقيدته - يعني الأشعري - اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري) اهـ.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى وهو من الطبقة الثالثة من أتباع الإمام الأشعري (تبيين كذب المفتري 103، الطبقات الكبرى للتاج السبكي 3/397):

(.. إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله فلم يحدث في دين الله حَدَثاً، ولم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا وجاء به الشرع في الأصول صحيح في العقول، بخلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء، فكان في بيانه تقوية ما لم يدلَّ عليه من أهل السنة والجماعة، ونصرة أقاويل من مضى من الأئمة كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين، ومن نحا نحوهما من الحجاز وغيرها من سائر البلاد، وكأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث، والليث بن سعد وغيره وأبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع رضي الله عنهم أجمعين) اهـ.

وقال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى (تبيين كذب المفتري ص 359):

(.. ولسنا نُسَلِّم أن أبا الحسن اخترع مذهباً خامساً، وإنما أقام من مذاهب أهل السنة ما صار عند المبتدعة دارساً، وأوضح من أقوال من تقدمه من الأربعة وغيرهم ما غدا ملتبساً، وجدد من معالم الشريعة ما أصبح بتكذيب من اعتدى منطمساً، ولسنا ننتسب بمذهبنا في التوحيد إليه على معنى أنا نقلده فيه ونعتمد عليه، ولكنا نوافقه على ما صار إليه من التوحيد لقيام الأدلة على صحته لا لمجرد التقليد، وإنما ينتسب منا من انتسب إلى مذهبه ليتميز عن المبتدعة الذين لا يقولون به من أصناف المعتزلة والجهمية والكرامية والمشبهة والسالمية، وغيرهم من سائر طوائف المبتدعة وأصحاب المقالات الفاسدة المخترعة، لأن الأشعري هو الذي انتدب للرد عليهم حتى قمعهم وأظهر لمن لا يعرف البدع بدعهم، ولسنا نرى الأئمة الأربعة الذين عنيتم في أصول الدين مختلفين، بل نراهم في القول بتوحيد الله وتنزيهه في ذاته مؤتلفين، وعلى نفي التشبيه عن القديم سبحانه وتعالى مجتمعين، والأشعري – رحمه الله – في الأصول على منهاجهم أجمعين، فما على من انتسب إليه على هذا الوجه جناح، ولا يرجى لمن تبرأ من عقيدته الصحيحة فلاح، فإن عددتم القول بالتنزيه وترك التشبيه تمشعراً فالموحدون بأسرهم أشعرية، ولا يضر عصابة انتمت إلى موحد مجردُ التشنيع عليها بما هي منه بَرِيِّة) اهـ.



فانظر - رحمك الله - كيف جعل الانتساب إلى الإمام الأشعري تميزاً عن أهل البدع والأهواء، وأنه ومن انتسب إليه على ما كان عليه السلف الصالح من الأربعة وغيرهم.

وقال أيضاً رحمه الله تعالى (المصدر السابق 397):

(وهم - يعني الأشاعرة - المتمسكون بالكتاب والسنة، التاركون للأسباب الجالبة للفتنة، الصابرون على دينهم عند الابتلاء والمحنة، الظاهرون على عدوهم مع اطراح الانتصار والإحنة، لا يتركون التمسك بالقرآن والحجج الأثرية، ولا يسلكون في المعقولات مسالك المعطلة القدرية، لكنهم يجمعون في مسائل الأصول بين الأدلة السمعية وبراهيـن العقـول، ويتجنبون إفراط المعتزلة ويتنكبون طرق المعطلة، ويَطَّرِحون تفريط المجسمة المشبهة، ويفضحون بالبراهين عقائد الفرق المموهة، وينكرون مذاهب الجهمية وينفرون عن الكرامية والسالمية، ويبطلون مقـالات القدرية ويرذلون شُبَهَ الجبرية... فمذهبهم أوسط المذاهب، ومشربهم أعذب المشارب، ومنصبهم أكرم المناصب، ورتبتهم أعظم المراتب فلا يؤثر فيهم قدح قـادح، ولا يظهر فيهم جرح جارح) اهـ.

وقال الإمام المرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى (إتحاف السادة المتقين 2/7):

(وليعلم أنّ كلاًّ من الإمامين أبي الحسن وأبي منصور - رضي الله عنهما - وجزاهما عن الإسلام خيراً لم يبدعا من عندهما رأياً ولم يشتقا مذهباً إنما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كانت عليه أصحاب رسول الله ‘ ... وناظَرَ كلٌّ منهما ذوي البدع والضلالات حتى انقطعوا وولوا منهزمين) اهـ.

هـؤلاء هم الأشاعرة أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري، فمن هو هذا الإمام الفذ الذي انتسبوا إليه؟





ترجمة الإمام أبى الحسن الأشعرى



هو الإمام الحبر، التقي البر، ناصر السنة، وعلم الدين، وشعار المسلمين، علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله ‘ ـ أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري ـ رضي الله عنه.

شيخ طريقة أهل السنة والجماعة وإمام المتكلمين، ولد رحمه الله سنة ستين ومئتين، وتبع أول أمره مذهب الجبّائي المعتزلي، واستمر على الاعتزال أربعين سنة أو قريبا من ذلك، وبرع فيه حتى صار للمعتزلة إمـاماً، وعلى خصومهم حسـاماً، فلما أراد الله نصر دينه، وتأييـد سنة نبيه ‘ بصره ببطلان مذهب الاعتزال فكانت تعرض له إشكالات على عقائد المعتزلة، فيسأل عنها أستاذِيه فلا يجد عندهم أجوبة شافية، وهكذا إلى أن أراه الله تعالى وجه الحق،فخـرج إلى الجامع وصعد المنبر وصاح بأعلى صوته: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله تعالى لا يرى في الآخرة بالأبصار، وأن العباد يخلقون أفعالهم، وهاأنا تائب من الاعتزال معتقد الرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم، معاشر الناس إنما تغيبت عنكم هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة، ولم يترجح عندي شيء على شيء، فاستهديت الله تعالى فهداني إلى اعتقاد ما أودعته كتبي هذه، ولقد انخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به، ودفـع للناس الكتب التي ألفها على مذاهب أهل الحق، وطريقة الجماعة من الفقهاء والمحدثين.

قال العلماء: إن أهل البدع قبل الإمام أبي الحسن قد رفعوا رؤوسهم فلما ظهر عليهم رحمه الله حجزهم في أقماع السمسم.

وقد أخذ عنه رحمه الله خلق كثير من أعلام الأمة مثل الإمام أبي الحسن الباهلي البصري رحمه الله تعالى، والإمام أبي عبد الله بن مجاهد البصري رحمه الله تعالى، والإمام أبي محمد الطبري المعروف بالعراقي رحمه الله تعالى، والإمام أبي بكر القفال الشاشي رحمه الله تعالى، والإمام أبي سهل الصعلوكي النيسابوري رحمه الله تعالى وغيرهم.

وأخذ عن أصحابه أعلام وأئمة في الإسلام، مثل الإمام القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله تعالى، والإمام أبي الطيب بن أبي سهل الصعلوكي رحمه الله تعالى، والإمام أبي علي الدقاق رحمه الله تعالى، والإمام الحاكم النيسابوري رحمه الله تعالى، والإمام أبي بكر بن فورك رحمه الله تعالى والحافظ أبي نعيم الأصبهاني رحمه الله تعالى، وغيرهم ممن تتزين بذكرهم المنابر، وتتعطر بسيرهم الدفاتر وكلهم خلّف تلامذة هم إلى اليوم أعلام الدنيا ونجوم الهدى.

وعلى الجملة فقد انتهض لنصرة مذهبه أهل السنة والجماعة في جميع الأرض، وبلغ مذهبه ما بلغ الليل والنهار، لِمَا كان عليه من اقتفاءٍ لآثار السلف رضوان الله عليهم، ورفعٍ للواء السنة.

ترك من المؤلفات شيئا كثيرا، قيل إنه بلغت مؤلفاته أكثر من مئتين كتاب ([1])

توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وكل أهل السنة باكون عليه، متوجعون لفقده، وكل أهل البدعة مرتاحون منه. رحمه الله ورضي عنه ([2]).


* * * * *


--------------------------------------------------------------------------------

(1) انظر طبقات الشافعية لتاج الدين السبكي 3/360 .

(2) اقتبسنا ترجمته رحمه الله تعالى من تبيين كذب المفتري، وطبقات الشافعية للسبكي ، ومفتاح السعادة .
[/align]

يتبع ان شاء الله ، ومن أراد التعليق بعد نهاية الكتاب من فضلكم شكرا









 


قديم 2008-01-29, 18:44   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي من هم الأشاعرة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
تابع :
اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى

[align=right]هل مات الإمام على عقيدة غير العقيدة التي كان عليها بعد توبته من الإعتزال ؟

يرى البعض أن الإمام أبا الحسن الأشعري رحمه الله تعالى قد مرّ في حياته بثلاث مراحل:

الأولى: مرحلة الاعتزال التي دامت إلى ما يقرب من سن الأربعين.

والثانية: مرحلة اتباعه لعبدالله بن سعيد بن كلاّب.

والثالثة: مرحلة رجوعه إلى عقيدة السلف وأهل السنة.

ويبنون على هذه الدعوى أن الأشاعرة اتبعوا الإمام الأشعري في مرحلته الثانية فقط وهي التي كان فيها متبعاً لعبدالله بن سعيد! إذ عندهم أن عبدالله بن سعيد بن كلاّب ليس من أهل السنة، وأن الأشاعرة متبعون له لا للإمام أبي الحسن لأن الإمام رجع عن عقيدة ابن كلاّب في مرحلته الثالثة، وألّف على عقيدة السلف كتابه الإبانة وبعض كتبه الأخرى.

هذا تقرير هذه الدعوى، وقبل الشروع في إثبات بطلانها تاريخياً وعلمياً نفصّل ما ورد فيها من قضايا، ثم نشرع في تفنيدها، لقد تضمنت هذه الدعوى ثلاث قضايا:

· الأولى: الإمام الأشعري مر بثلاث مراحل في حياته، الاعتزال ثم اتباعه لابن كلاّب ثم أخيراً رجوعه إلى منهج السنة والجماعة، وهذه هي القضية الرئيسية، وهي تتضمن القضيتين التاليتين.

· الثانية: عبد الله بن سعيد بن كلاّب ليس على منهج أهل السنة والجماعة.

· الثالثة: كتاب الإبانة يمثل المرحلة الأخيرة من حياة الإمام الأشعري([1]), وهي مرحلة العودة إلى طريق السلف الصالح.

وللرد على القضية الأولى: وهي مرور الإمام بثلاث مراحل أو ثلاث حالات في حياته نقول:

إن الإمام الأشعري رحمه الله تعالى عَلَمٌ من أعلام المسلمين يشار إليه بالبنان، وتعقد على كلماته الخناصر، فهو ليس بنكرة من الناس، ولا برجل مجهول يخفى على الناس أمره لا سيما في قضية مثل هذه التي نحن بصددها، فلو كان الأمر كما جاء في الدعوى، وأنه مر بثلاث مراحل في حياته فلا بد أن يكون المؤرخون قد ذكروا هذا وبينوه، ولكان ـ حتماً ـ قد اشتهر عنه وانتشر كما ذاع وانتشر أمر رجوعه عن الاعتزال إذ لم يَبْقَ أحد ممن ترجم له إلا وذكر قصة صعوده المنبر وتبرِّيه من الاعتزال، فهل ذكر أحد من المؤرخين شيئاً عن رجوع الإمام عن منهج عبدالله بن سعيد بن كلاّب؟.

عند الرجوع إلى كتب التاريخ لا نجد أي إشارة إلى هذا لا من قريب ولا من بعيد، بل نجد المؤرخين كلهم مطبقين على أن الإمام أبا الحسن بعد هجره للاعتزال والمعتزلة رجع إلى مذهب السلف الصالح، وصنف على طريقتهم كتبه اللاحقة الإبانة وغيرها من الكتب التي صنفها في نصرة مذهب أهل الحق.

قال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى (تبيين كذب المفتري ص127):

(انتقل الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه من مذاهب المعتزلة إلى نصرة مذاهب أهل السنة والجماعة بالحجج العقلية، وصنَّف في ذلك الكتب..) اهـ.

وقال عنه ابن خلكان (وفيات الأعيان 3/284):

(هو صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنة... وكان أبو الحسن أولاً معتزلياً ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة) اهـ.

وفي سير أعلام النبلاء (15/89) قال عنه الذهبي:

(وبلغنا أن أبا الحسن تاب وصعد منبر البصرة، وقال: إني كنت أقول بخلق القرآن... وإني تائب معتقد الردّ على المعتزلة) اهـ.

وعند العلامة ابن خلدون رحمه الله (المقدمة ص853):

(إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري وناظر بعض مشيختهم ـ أي المعتزلة ـ في مسائل الصلاح والأصلح، فرفض طريقتهم وكان على رأي عبدالله بن سعيد بن كلاّب وأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي من أتباع السلف وعلى طريقة السنة) اهـ.

فأثبت أن الإمام بعد رجوعه عن الاعتزال كان على رأي عبدالله بن كلاّب والقلانسي والمحاسبي وهؤلاء كلهم على طريقة السلف والسنة.

وهكذا كل كتب التاريخ التي ترجمت للإمام أبي الحسن، مثل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وطبقات الشافعية للسبكي وشذرات الذهب لابن العماد والكامل لابن الأثير وتبيين كذب المفتري لابن عساكروترتيب المدارك للقاضي عياض وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة وطبقات الشافعية للأسنوي والديباج المذهب لابن فرحون ومرآة الجنان لليافعي وغيرها، كلها مطبقة على أن الإمام أبا الحسن بعد توبته من الاعتزال رجع إلى مذهب السلف والسنة.

أضف إلى ذلك، أن رجوع الإمام المزعومَ هذا لو ثبت عنه لكان أولى الناس بمعرفته ونقله هم أصحابه وتلامذته، لأن أولى الناس بمعرفة الرجل هم خاصته وأصحابه وأتباعه الملازمون له، فهؤلاء هم أقرب الناس إليه وأعرفهم بأحواله وأقواله وآرائه، لا سيما في قضية مهمة مثل هذه القضية التي تتوفر الدواعي على نقلها، وتتحفز الأسماع على تلقفها، خاصة من إمام كبير مثل الإمام أبي الحسن، وعند الرجوع إلى أقوال أصحابه وأصحاب أصحابه أيضاً لا نجد أي إشارة تفيد ذلك، بل نجدهم متفقين على أن الإمام كان بعد هجره للاعتزال على منهج السلف والسنة الذي كان عليه المحاسبي وابن كلاب والقلانسي والكرابيسي وغيرهم، فهذه مؤلفات ناصر مذهب الأشعري القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله تعالى كالإنصاف والتمهيد وغيرها، ومؤلفات ابن فورك ومؤلفات أبي بكر القفال الشاشي وأبي إسحق الشيرازي وأبي بكر البيهقي وغيرهم من أصحاب الإمام وأصحاب أصحابه وتلاميذهم ليس فيها أي ذكر أو إشارة لهذا الأمر الذي هو من الأهمية بمكان، فهل يعقل أن يرجع الإمام عن مذهبه ويهجره ثم لا يكون لهذه الحادثة المهمة أي ذكر عند أحد من أصحابه وتلاميذه وهو من هو جلالة وقدراً؟! أم تُراه قد رجع عن ذلك سرّاً وهو الذي حين قرر هجر مذهب المعتزلة اعتلى منبر المعتزلة نفسَه ليعلن ذلك على الملأ؟!

كلا، ليس الأمر كما جاء في هذه الدعوى، بل الحق الذي لا مرية فيه هو أن الإمام لم يمرّ في حياته إلا بمرحلتين، الاعتزال ثم الرجوع إلى طريق السلف، وليس لمن يقول بخلاف هذا الأمر من دليل ولا شبهة دليل.

ومن يقول بهذه الدعوى يعتمد في قوله هذا على أسلوب الإمام في تأليف كتاب الإبانة وبعض الرسائل الأخرى، فقد اتبع الإمام فيها طريق التفويض الذي هو طريق جمهور السلف، فبنوا على هذا الأسلوب مخالفة الإمام الأشعري لآراء ابن كُلاّب الذي يتهمونه بأنه لم يكن على طريق السلف.

تُرى هل ما في الإبانة التي هي على طريق جمهور السلف، وهي من أواخـر كتب الإمام أو هـي آخرها([2]), ما يناقض ما كان عليه عبدالله بن سعيد بن كلاّب؟ أو بتعبير آخر، هل كان ابن كلاّب على خلاف طريق السلف الذي ألَّف الإمام الأشعري الإبانة عليه؟

وهذا يجرُّنا إلى القضية الثانية.

الرد على القضية الثانية:

هل كان عبدالله بن سعيد بن كلاّب منحرفاً عن طريق السنة والسلف؟

نسلم أولاً أن الإمام الأشعري بعد تركه للاعتزال كان على طريق عبدالله بن سعيد بن كلاب، وهذا أمر يوافقنا عليه أصحاب الدعوى، ولكنهم يخالفوننا في أن طريق ابن كلاب وطريق السلف هما في حقيقة الأمر طريق واحد، لأن ابن كلاب كان من أئمة أهل السنة والجماعة السائرين على طريق السلف الصالح.

قال التاج السبكي في الطبقات (الطبقات 2 /300):

(وابن كلاّب على كل حال من أهل السنة.... ورأيت الإمام ضياء الدين الخطيب والد الإمام فخر الدين الرازي قد ذكر عبدالله بن سعيد في آخر كتابه "غاية المرام في علم الكلام " فقال: ومن متكلمي أهل السنة في أيام المأمون عبدالله بن سعيد التميمي الذي دمّر المعتزلة في مجلس المأمون وفضحهم ببيانه) اهـ.

وقال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى (تبيين كذب المفتري ص405):

(قرأت بخطِّ علي بن بقاء الورّاق المحدث المصري رسالة كتب بها أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني الفقيه المالكي- وكان مقدَّم أصحاب مالك رحمه الله بالمغرب في زمانه- إلى علي بن أحمد بن إسماعيل البغدادي المعتزلي جواباً عن رسالة كتب بها إلى المالكيين من أهل القيروان يظهر نصيحتهم بما يدخلهم به في أقاويل أهل الاعتزال، فذكر الرسالة بطولها في جزءٍ وهي معروفة، فمن جملة جواب ابن أبي زيد له أن قال: ونسبتَ ابن كلاّب إلى البدعة، ثم لم تحكِ عنه قولاً يعرف أنه بدعة فيوسم بهذا الاسم، وما علمنا من نسب إلى ابن كلاّب البدعة، والذي بلغنا أنه يتقلّد السنة ويتولّى الردَّ على الجهمية وغيرهم من أهل البدع يعني عبدالله بن سعيد بن كلاّب) اهـ.

وهذه شهادة عظيمة من الإمام ابن أبي زيد رحمه الله لابن كلاب أنه يتقلَّد السنة ويردُّ على المبتدعة، وأنه لم يعلم من نسب إليه البدعة.

وعلّق العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في هامش الصفحة معرِّفاً بابن كلاب قال (المصدر السابق): (.. كان إمام متكلمة السنة في عهد أحمد، وممن يرافق الحارث بن أسد، ويشنع عليه بعض الضعفاء في أصول الدين..) ثم بيّن المسائل التي يشنع عليه بسببها وأن كلامه فيها ليس ببعيد عن الشرع والعقل.

وقال ابن قاضي شهبة (طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1 / 78):

(كان من كبار المتكلمين ومن أهل السنة، وبطريقته وطريقة الحارث المحاسبي اقتدى أبو الحسن الأشعري) اهـ.

وقال عنه جمال الدين الأسنوي (طبقات الشافعية للأسنوي 2 /178):

(كان من كبار المتكلمين ومن أهل السنة... ذكره العبادي في طبقة أبي بكر الصيرفي، قال: إنه من أصحابنا المتكلمين) اهـ.

وقال الإمام الحافظ الذهبي (سير أعلام النبلاء 11 /175):

(والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة، بل هو في مناظريهم) اهـ.

علّق الشيخ شعيب الأرنؤوط على هذا الكلام قائلاً: (كان إمام أهل السنة في عصره، وإليه مرجعها، وقد وصفه إمام الحرمين في كتابه " الإرشاد " بأنه من أصحابنا) اهـ.

ولقد مر معنا قول العلامة ابن خلدون (المقدمة ص 853):

(إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري.... وكان على رأي عبدالله بن سعيد بن كلاّب وأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي من أتباع السلف وعلى طريقة السنة) اهـ.

فوصفه بأنه من أتباع السلف، وأن الإمام الأشعري كان على رأيه ورأي القلانسي والمحاسبي وهؤلاء من أتباع السلف وعلى طريق السنة.

وقال العلامة كمال الدين البياضي رحمه الله تعالى (إشارات المرام من عبارات الإمام ص23):

(لأن الماتريدي مفصّل لمذهب الإمام ـ يعني أبا حنيفة ـ وأصحابِه المظهرين قبل الأشعري لمذهب أهل السنة، فلم يخلُ زمان من القائمين بنصرة الدين وإظهاره.. وقد سبقه ـ يعني الأشعري ـ أيضاً في ذلك ـ يعني في نصرة مذهب أهل السنة ـ الإمام أبو محمد عبدالله بن سعيد القطان..) اهـ.

أي أن الإمام ابن كلاب كان قبل الإمام أبي الحسن في نصرة الدين وإظهار السنة.

وقال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان 3 /291) في ترجمته، بعد أن نقل قول ابن النديم: إنـه ـ يعني ابن كلاب ـ من الحشوية.

قال الحافظ " يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل للآيات والأحاديث المتعلقة بالصفات، ويقال لهم المفوضة) اهـ.

وقال الإمام الشهرستاني رحمه الله تعالى (الملل والنحل ص81):

(حتى انتهى الزمان إلى عبدالله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف، إلا أنهم باشروا علم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية، وصنَّف بعضهم ودرَّس بعضٌ، حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح، فتخاصما وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيَّد مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهباً لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية) اهـ.

بل نزيد على ما مرَّ ونقول: ليس الإمام الأشعري وحده الذي كان على طريق الإمام ابن كلاب، كلا، بل كان على نفس المعتقد أئمة كبار مثل الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (الفتح 1/293):[/align]

يتبع










آخر تعديل نادية مجدوبي 2008-01-29 في 20:17.
قديم 2008-01-29, 18:46   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي من هم الأشاعرة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم .

تابع :
[align=right](البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيـد وأمثالهـما، وأما المسائـل الكلامية فأكثرها من الكرابيـسي وابن كُـلاَّب ونحـوهما) اهـ.

هذه نصوص واضحة بينة في أن الإمام عبدالله بن سعيد بن كلاب كان على طريق السلف والسنة.

القرآن كلام الله غير مخلوق، واللفظ به مخلوق:

فإذا كان الأمر كذلك كما بيّن هؤلاء الأئمة، فما السبب في اتهام عبدالله بن سعيد بن كلاب بمخالفة طريق السلف؟

يقول ابن عبدالبر في بيان شيء من ذلك أثناء ترجمة الإمام الكرابيسي (الانتقاء ص165):

(وكانت بينه ـ يعني الكرابيسي ـ وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة، فلمّا خالفه في القرآن عادت تلك الصداقة عداوة، فكان كلُّ واحد منهما يطعن على صاحبه، وذلك أن أحمد كان يقول: من قال القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال القرآن كلام الله ولا يقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع. وكان الكرابيسي وعبدالله بن كلاّب وأبو ثور وداود بن علي وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له وذلك مخلوق وإنه حكاية عن كلام الله... وهجرت الحنبلية أصحاب أحمد بن حنبل حسيناً الكرابيسي وبدّعوه وطعنوا عليه وعلى كل من قال بقوله في ذلك) اهـ.

هذا هو سبب الطعن والتشنيع على عبدالله بن كلاّب ووصْـفِه بأنه لم يكن على طريق السنة والسلف، إلا أن هذا القول الذي بُـدّع بسببه لا يقتضي وصفه بالبدعة أو أنه على غير طريق السلف، لا سيما أن مسألة اللفظ بالقرآن كان يقول بها ثلة من أكابر أمة الإسلام مثل الذين ذكرهم ابن عبدالبر، وممن كان يقول بذلك أيضاً الإمام البخاري والإمام مسلم والحارث المحاسبي ومحمد بن نصر المـروزي وغيرهم، وما الفتنة التي حدثت بين البخاري وشيخه الذهلي إلا بسبب هذه المسألة، نعني مسألة اللفظ، ولقد صنّف الإمام البخاري في هذه المسألـة كتابـه " خلق أفعال العباد " لإثبات رأيه فيها والردّ على مخالفيه.

أما الإمام مسلم فقد كان يظهر القول باللفظ ولا يكتمه. (انظر سير أعلام النبلاء 12 /453 وما بعدها، 12/572).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في ترجمة الكرابيسي (طبقات الفقهاء الشافعيين 1/133):

(وأن أحمد بن حنبل كان تكلم فيه بسبب مسألة اللفظ، وكان هو أيضاً يتكلم في أحمد، فتجنَّب الناس الأخذ عنه لهذا السبب. قلت: الذي رأيت عنه أنه قال كلام الله غير مخلوق من كل الجهات إلا أن لفظي بالقرآن مخلوق، ومن لم يقلْ [ أي يعتقد ]: إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر. وهذا هو المنقول عن البخاري وداود بن على الظاهري، وكان الإمام أحمد يسدُّ في هذا البابَ لأجل حسم مادة القول بخلق القرآن) اهـ.

وممن كان يقول باللفظ أيضاً الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى، وهي من المسائل التي نقم عليه بسببها بعض متعصبة الحنابلة، قال الحافظ ابن كثير رحمـه الله تعالى (المصدر السابق 1/226):

(كان قد وقع بينه - الطبري - وبين الحنابلة أظنه بسبب مسألة اللفظ، واتهم بالتشيع، وطلبوا عقد مناظرة بينهم وبينه، فجاء ابن جرير لذلك ولم يجئ منهم أحد، وقد بالغ الحنابلة في هذه المسألة وتعصبوا لها كثيراً، واعتقدوا أن القول بها يفضي إلى القول بخلق القرآن، وليس كما زعموا، فإن الحق لا يحتاط له بالباطل، والله أعلم) اهـ. (وانظر في محنة ابن جرير مع الحنابلة البداية والنهاية 11/145، الكامل لابن الأثير 7/8، السير 14/272 ـ 277، الوافي بالوفيات 2/284).

نعم، فإن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وهو صفة من صفات ذاته العلية، إلا أنه لا يصحُّ أن يحتاط لهذا الحق بالباطل الذي هو إنكار حدوث وخلق ما قام بالمخلوق، ثم التشنيع على من يقول بذلك!

على أية حال الحق في هذه القضية مع الكرابيسي وابن كلاّب والبخاري ومسلم وأبي ثور وداود والمحاسبي والطبري وغيرهم ممن كان على طريقهم، أما الإمام أحمد رضي الله عنه - ومن قال بقوله - فكلامه محمول على سدّ باب الذريعة لكي لا يتوسل بالقول باللفظ إلى القول بخلق القـرآن.

قال الإمام الذهبي (السير 12/82، وانظر أيضاً السير 11/510):

(ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرره في مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق، لكن أباه الإمام أحمد لئلا يُتذرع به إلى القول بخلق القرآن فسدّ الباب) اهـ.

وقال أيضاً (ميزان الاعتدال 1/544): (وكان يقول ـ يعني الكرابيسي ـ القرآن كلام الله غير مخلوق، ولفظي به مخلوق، فإن عنى التلفظ فهذا جيد، فإن أفعالنا مخلوقة، وإن قصد الملفوظ بأنه مخلوق فهذا الذي أنكره أحمد والسلف وعدّوه تجهماً) اهـ.

ولا ريب أن مراد الكرابيسي وابن كلاّب والبخاري ومسلم وأبي ثور وداود ومن كان على قولهم لاريب أن مرادهم هو الأول، وعلى الجملة فإن القضية أهون من أن يُبـدَّع من أجلها.



وقال أيضا (السير 11/510) بعد أن نقل قول الحافظ أبي بكر الأعين: مشايخ خراسان ثلاثة: قتيبة، وعلي بن حجر، ومحمد بن مهران الرازي، ورجالها أربعة: عبدالله بن عبدالرحمن السمرقندي ومحمد بن إسماعيل البخاري قبل أن يظهر منه ما ظهر... الخ

قال الذهبي معلّقاً عليه: (والذي ظهر من محمد - يعني البخاري - أمرٌ خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن وتسمّى مسألة أفعال التالين، فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله المنزل غير مخلوق وبهذا ندين الله) اهـ.

ولا يلزم من هجر الإمام أحمد لهؤلاء الأئمة أن يكونوا على غير طريق السلف، لا سيما أن الحق معهم فيما ذهبوا إليه كما قرَّرَه الإمام الذهبي.

وقال أيضا ( سير أعلام النبلاء 11/290 ):

( فقد كان هذا الإمام [ يعني أحمد ] لا يرى الخوض في هذا البحث خوفا من أن يُتذرّع به إلى القول بخلق القرآن، والكف عن هذا أولى. آمنا بالله تعالى وبملائكته وبكتبه ورسله وأقداره والبعث والعرض على الله يوم الدين. ولو بسط هذا السطر وحُرِّرَ وقُرِّرَ بأدلته لجاء في خمس مجلدات، بل ذلك موجود مشروح لمن رامه. والقرآن فيه شفاء ورحمة للمؤمنين. ومعلوم أن التلفظ شيء من كسب القارئ غير الملفوظ، والقراءة غير الشيء المقروء، والتلاوة وحسنها وتجويدها غير المتلو، وصوت القارئ من كسبه فهو يُحدث [ يعني يفعل، وليس الإحداث المرادف للخلق كما تقول المعتزلة ] التلفظ والصوت والحركة والنطق، وإخراج الكلمات من أدواته المخلوقة، ولم يحدث كلمات القرآن ولا ترتيبه ولا تأليفه ولا معانيه ).

ثم روى عن الحاكم بسنده إلى فوران صاحب أحمد أنه قال :

سألني الأثرم وأبو عبدالله المعيطي أن أطلب من أبي عبدالله [ يعني أحمد ] خلوة، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرقون بين اللفظ والمحكي. فسألته ، فقال : القرآن كيف تُصُرِّفَ في أقواله وأفعاله فغير مخلوق، فأما أفعالنا فمخلوقة. قلت [ القائل فوران ]: فاللفظية تعدُّهم يا أبا عبدالله في جملة الجهمية ؟ فقال : لا . الجهمية الذين قالوا: القرآن مخلوق اهـ.

وفي الأسماء والصفات للبيهقي ص266 عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول: ( من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو كافر ) علق الحافظ البيهقي قائلا : ( قلت : هذا تقييد حفظه عنه ابنه عبدالله وهو قوله: يريد به القرآن. فقد غفل عنه غيره ممن حكى عنه في اللفظ خلاف ما حكينا حتى نسب إليه ما تبرأ منه فيما ذكرنا ) اهـ.

وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى ( خلق أفعال العباد ص 43 ) :

( فأما ما احتج به الفريقان لمذهب أحمد ويدعيه كل لنفسه فليس بثابت كثير من أخبارهم، وربما لم يفهموا دقة مذهبه، بل المعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله غير مخلوق وما سواه مخلوق، وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن الأشياء الغامضة، وتجنبوا أهل الكلام والخوض والتنازع إلا فيما جاء به العلم وبيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ا.هـ

وإننا متيقنون بأنهم رحمهم الله تعالى لم يقولوا هذا القول دون أن تدعو لذلك حاجة، كلا، وحاشاهم أن يتكلموا بشيء سكت عنه الصحابة والتابعون، لكنهم لمَّا رأوا الناس تقحموا هذا الباب، وخاضوا في هذا الأمر، وحملوه على غير وجهه، اضطروا إلى الكلام فيه تبياناً للحق، وكفّاً للناس عن ذلك.

قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى (في تعليقه على تبيين كذب المفتري هامش(2) من الصفحة / 406):

(أما كلام أحمد في ابن كلاب وصاحبه [ يعني الحارث المحاسبي ] فلكراهته الخوض في الكلام وتورُّعِه منه، ولكن الحق أن الخوض فيه عند الحاجة متعيِّنٌ على خلاف ما يرتئيه أحمد) اهـ.

الخلاصة أن الأمر خفيف كما وصفه الحافظ الذهبي، وأن هذه المسألة مما اختلفت فيها أقوال الأئمة، وهم متفقون جميعاً على أن القرآن الذي هو صفة الرحمن وكلامه تعالى غيرمخلوق.

بهذا يتبين أن الإمام ابن كلاّب لم يكن وحده في هذا الأمر الذي ذهب إليه، بل كان على رأيه كبار أئمة الدين، وبهذا يُعلم أيضاً أنه لم يبتدع أو يخالف منهج السلف والسنة، بل هو من أكابر أهل السنة والجماعة السائرين على خطى السلف الصالح كما مرّ من أقوال العلماء فيه.

فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين جاء القول بأن الإمام الأشعري قد ترك طريقته وآراءه؟!

وهذا السؤال يجرنا إلى الحديث عن القضية الثالثة.


--------------------------------------------------------------------------------

([1]) نحن نقول هذا من باب التسليم الجدلي، وإلا فإن الذي رجحه المحققون من الباحثين أن كتاب اللمع ألَّفه الإمام الأشعري بعد الإبانة. انظرمقدمة كتاب اللمع للأستاذ حمودة غرابة.

وانظر قول العلامة الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل (ص123 )، وفي تعليقه على تبيين كذب المفتري (ص392)، والمقدمة التي وضعنها الدكتورة فوقية حسين على كتاب الإبانة ص79-80 وما بعدها.

([2]) انظر الهامش ص18.[/align]يتبع










قديم 2008-01-29, 18:52   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي كتاب الابانة

بسم الله الرحمن الرحيم
تابع للكتاب :

اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى
الردّ على القضية الثالثة:

[align=right]كتاب الإبانة هو دليل ومعتمد من يقول بمرور الإمام الأشعري بثلاث مراحل في حياته، والذي لا ريب فيه أن الإمام قد سلك في هذا الكتاب وفي غيره من الرسائل التي نسبت له أسلوباً مختلفاً في التأليف، فهو في الغالب قد سلك مسلك جمهور السلف في المتشابهات، نعني بذلك أنه قد أخذ بطريق التفويض، ففهم البعض من ذلك أن الإمام قد رجع عن طريق ابن كلاب الذي كان عليه إلى طريق السلف!

ونحن قد أثبتنا في الحديث حول القضية الثانية أن ابن كلاب لم يكن مخالفاً للسلف بل هو منهم وعلى طريقهم وسالكٌ لمسلك التفويض كما مر من قول الحافظ ابن حجر في الرد على ابن النديم حين وصف ابن كلاب بأنه من الحشوية، قال: ( يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل ... ويقال لهم المفوضة ) ا.هـ ( لسان الميزان 3/291)، وهذا كافٍ في الردِّ لمن تأمل وأنصف.

لكننا نزيد على ذلك ونقول:

إن كتاب الإبانة الذي هو معتمد أصحاب هذه الدعوى، وهو الدليل عندهم على رجوع الإمام عن طريق ابن كلاب، نقول: إن هذا الكتاب بذاته ينقض دعوى رجوع الإمام عن هذا الطريق، لأنه مؤلَّف على طريقة ابن كلاّب وعلى منهجه، فكيف يرجع عن طريق ابن كلاب ثم يؤلف آخر كتبه على طريقته؟!

قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان 3/291) ( وعلى طريقته ـ يعني ابن كلاّب ـ مشى الأشعري في كتاب الإبانة) اهـ.

وهذا يزيدنا يقيناً على يقين بأن الإمام ابن كلاب كان على طريق السلف الصالح ومن أئمتهم، لأن الإبانة التي ألَّفها الإمام الأشعري في آخر حياته على منهج السلف هي مؤلَّفة على طريقة الإمام ابن كلاب، وهذا يقتضي قطعاً أن طريق السلف وطريق ابن كلاب هما في حقيقة الأمر طريق واحد وهو ما كان عليه الإمام الأشعري بعد رجوعه عن الاعتزال.

أي أن الإمام لم يمرَّ بثلاث مراحل في حياته، بل هما مرحلتان فقط، مرحلة الاعتزال ثم أعقبتها مرحلة العودة إلى طريق السلف التي كان عليها ابن كلاب والمحاسبي والقلانسي والكرابيسي والبخاري ومسلم وأبو ثور والطبري وغيرهم، وهي المرحلة التي ألَّف الإمام فيها كتاب الإبانة.

ويُروى أن الإمام الأشعري عندما ألَّف الإبانة رفضها بعض حنابلة([1]) بغداد تعصّبـاً ولـم يقبلـوها منـه (انظرسيرأعلام النبلاء 15/90، طبقات الحنابلة 2/18، الوافـي بالوفيات 12/146) وهـذا يؤيد ما مرَّ من أن الإبانة مؤلَّفة على طريقة ابن كلاب الذي هجره بعض الحنابلة فيمن هجروه من الأئمة لأجل مسألة اللفظ وأخذهم بعلم الكلام للرد على المخالفين من المعتزلة وغيرهم.

وهذا الذي ذكرناه عن كتاب الإبانة، إنما أردنا به الإبانة التي صنّفها الإمام، وليست الإبانة المتداولة والمطبوعة اليوم، وذلك لما حدث على هذا الكتاب من التحريف والنقص والزيادة.

قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في مقدمة كتاب " تبيين كذب المفتري ":

(والنسخة المطبوعة في الهند من الإبانة نسخة مصحفة محرفة تلاعبت بها الأيدي الأثيمة، فيجب إعادة طبعها من أصل موثوق)’اهـ.

وقال أيضاً (مقدمته على كتاب إشارات المرام من عبارات الإمام للعلامة البياضي):

(ومن العزيز جدّاً الظفر بأصلٍ صحيح من مؤلفاته على كثرتها البالغة، وطبْعُ كتاب الإبانة لم يكن من أصل وثيق، وفي المقالات المنشورة باسمه وقفة) اهـ.( وانظر أيضاً تعليقه على السيف الصقيل ص155-196 ).

وهذا أيضاً ما ذهب إليه الدكتورعبد الرحمن بدوي مؤيداً للعلامة الكوثري (مذاهب الإسلاميين 1/516) قال:

(وقد لاحظ الشيخ الكوثري بحق أن النسخة المطبوعة في الهند.. تلاعبت بها الأيدي الأثيمة..) اهـ.

كما لاحظ ذلك غيرهم من الدارسين (انظر مذاهب الإسلاميين 1/517 وما بعدها).

وللشيخ وهبي غاوجي حفظه الله رسالة في هذا الموضوع بعنوان " نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعه إلى الإمام أبي الحسن " أتى فيها بأدلة موضوعية تدل على أن قسماً كبيراً مما في الإبانة المتداولة اليوم بين الناس لا يصح نسبته للإمام الأشعري.



وقد طبع كتاب الإبانة طبعة قوبلت على أربع نسخ خطية بتحقيق الدكتورة فوقية حسين، وهي طبعة وإن كانت أحسن حالاً من المطبوعة قبلُ إلا أنها لم تخلُ من التحريف والنقص والزيادة أيضاً، وهذا لعله يصحح ما ذهب إليه العلامة الكوثري رحمه الله تعالى حين قال (ومن العزيز جدّاً الظفر بأصلٍ صحيح من مؤلفاته على كثرتها البالغة).

وقد نقل الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في كتاب تبيين كذب المفتري فصلين من الإبانة، وعند مقارنة الإبانة المطبوعة المتداولة مع طبعة الدكتورة فوقية مع الفصلين المنقولين عند ابن عساكر يتبين بوضوح قدر ذلك التحريف الذي جرى على هذا الكتاب.

وهذه بعض الأمثلة على ذلك:

* جاء في الإبانة المطبوعة ص16 ما نصُّه (وأنكروا أن يكون له عينـان مـع قولـه تجري بأعيننا..) ا.هـ. هكذا بالتثنية!

* وعند ابن عساكر ص157 (وأنكروا أن يكون له عين...) بإفراد لفظ العين.

* وجاء في المطبوعة ص18 (وأن له عينين بلا كيف..)

* وفي طبعة الدكتورة فوقية ص22 (وأن له سبحانه عينين بلا كيف) هكذا، كلاهما بالتثنية!

* وعند ابن عساكر ص158 (وأن له عيناً بلا كيف..) بإفراد لفظ العين.

والإفراد هو الموافق للكتاب والسنة وأقوال السلف، وهذا نصٌّ واضح في التلاعب بنسخ الكتاب، ولفظ العينين لم يردْ في القرآن ولا في السنة، ومن ثنَّى فقد قاس الله تعالى على المحسوس المشاهد من الخلق، تعالى الله وتقدس عن ذلك.

قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي في هامش ص313 : (لم ترد صيغة التثنية في الكتاب ولا في السنة، وما يروى عن أبي الحسن الأشعري من ذلك فمدسوس في كتبه بالنظر إلى نقل الكافة عنه) ثم قال: (قال ابن حزم: لا يجوز لأحد أن يصف الله عز وجل بأن له عينين لأن النص لم يـأت بـذلك) اهـ.

وقال ابن عقيل معلقاً على حديث الدجال (دفع شبه التشبيه ص263):

(يحسب بعض الجهلة أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما نفى العور عن الله عز وجل أثبت من دليل الخطاب أنه ذو عينين، وهذا بعيد من الفهم، إنما نفى العور من حيث نفي النقائص..) اهـ.

وقال ابن الجوزي في الرد على من أثبت لله تعالى عينين (دفع شبه التشبيه ص114):

(قلت: وهذا ابتداع لا دليل لهم عليه، وإنما أثبتوا عينين من دليل الخطاب في قوله عليه الصلاة والسلام: " وإن الله ليس بأعور " وإنما أراد نفي النقص عنه تعالى) اهـ.

ومن أمثلة التحريف فيه أيضاً القدح بالإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه:

فقد جاء في الإبانة المطبوعة ص57 (وذكر هارون بن إسحاق الهمداني عن أبي نعيم عن سليمان بن عيسى القاري عن سفيان الثوري، قال: قال لي حماد بن أبي سليمان: بلِّغ أبا حنيفة المشرك أنِّي منه بريء. قال سليمان: ثم قال سفيان: لأنه كان يقول القرآن مخلوق.

وذكر سفيان بن وكيع قال عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال أخبرني أبي قال: الكلام الذي استتاب فيه ابن أبي ليلى أبا حنيفة هو قوله: القرآن مخلوق. قال: فتاب منه وطاف به في الخلق. قال أبي: فقلت له كيف صرت إلى هذا؟ قال: خفت أن يقوم عليّ، فأعطيته التقيّـة.

وذكر هارون بن إسحاق قال سمعت إسماعيل بن أبي الحكم يذكر عن عمر بن عبيد الطنافسي أن حمّاداً ـ يعني ابن أبي سليمان ـ بعث إلى أبي حنيفة: إني بريء مما تقول، إلا أن تتوب. وكان عنده ابن أبي عقبة، قال، فقال: أخبرني جارك أن أبا حنيفة دعاه إلى ما استتيب منه بعد ما استتيب.

وذكر عن أبي يوسف قال: ناظرت أبا حنيفة شهرين حتى رجع عن خلق القرآن) اهـ.[/align]يتبع










قديم 2008-01-29, 18:54   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي كتاب الابانة

بسم الله الرحمن الرحيم

[align=right]
ترى هل نحن بحاجة إلى إثبات كذب مثل هذه الأخبار وأنها مدسوسة في كتاب الإمام الأشعري، أم أنه يكفي عزوها إلى الإبانة المطبوعة لكي يُعلم تحريفها وتلاعـب الأيـدي فيها؟!

وفي طبعة الدكتورة فوقية ص90-91 جاء بعد الخبر الأول بعد قول سفيان: لأنه يقول القرآن مخلوق. ما نصُّه: (وحاشى الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه من هذا القول بل هو زور وباطل فإن أبا حنيفة من أفضل أهل السنة) اهـ.

وجاء فيها بعد قول ابن أبي عقبة: أخبرني جارك أن أبا حنيفة دعاه لما استتيب منه بعد ما استتيب. ما نصُّه: (وهذا كذب محض على أبي حنيفة رضي الله عنه) اهـ.

قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على كتاب الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة، في هامش ص49، ما نصُّه (ومن غريب التحريف ما دُسَّ في بعض نسخ الإبانة للأشعري كما دُسَّ فيها أشياء أخر من أن حمّاد بن أبي سليمان قال " بلِّغ أبا حنيفة المشرك أني بريء من دينه " وكان يقول بخلق القرآن. فإن لفظ حمّاد " بلّغ أبا فلان " لا أبا حنيفة! كما في أول خلق الأفعال للبخاري، وجعل من لا يخاف الله لفظ " أبا حنيـفة " فـي موضـع " أبا فلان " والله أعلم من هو أبو فلان هذا، وما هي المسألة..) اهـ.

وفي كتاب الاعتقاد للبيهقي ( ص 112 ) :

( روّينا عن محمد بن سعيد بن سابق أنه قال : سألت أبا يوسف فقلت : أكان أبو حنيفة يقول القرآن مخلوق؟ فقال : معاذ الله، ولا أنا أقوله. فقلت : أكان يرى رأي جهم؟ فقال : معاذ الله، ولا أنا أقوله. رواته ثقات ) اهـ.

وقال الشيخ وهبي غاوجي حفظه الله (نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعه... ص20):

(ولا بأس أن نقول: لو كان الإمام الأشعري رحمه الله تعالى نسب حقاً إلى الإمام ـ يعني أبا حنيفة ـ القول بخلق القرآن لما كان للإمام الأشعري تلك المكانة العالية عند الحنفية أتباع الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى. فلا تلتفت أيها القارئ إلى تلك النقول المبتورة مبتدأً والباطلة سنداً، وأحسن الظن بالإمام الأشعري كما تحسن الظن بإمام الأئمة الفقهاء وسائر الأئمة رضوان الله تعالى عليهم. وتذكر أنه أُدخِل الكثيرُ من الأباطيل على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، رُكّبت لها أسانيد باطلة، لكلمات باطلة. كذلك ولا تنس أنه حُشِر في كتب كثير من العلماء كلماتٌ وعبارات وحذف منها كلمـات وعبارات حتى في حيـاة أصحابها) اهـ.

ومن هذه الأمثلة أيضاً ما جاء في الطبعة المتداولة عند ذكر الاستواء ص69 (إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له نقول: إن الله عز وجل مستوٍ على عرشه كما قال : ( الرحمن على العرش استوى )

وفي طبعة الدكتورة فوقية ص105 (.. نقول إن الله عز وجل استوى على عرشه استواءً يليق به من غير حلول ولا استقرار..)

فالعبارة الأخيرة محذوفة من الطبعة المتداولة!!

وفي ص73 من الإبانة المتداولة (فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستوٍ على عرشـه، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض، فدل على أن الله تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه) اهـ.

وفي طبعة الدكتورة فوقية ص113 (فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه استواءً منزهاً عن الحلول والاتحاد) اهـ.

إلى غير ذلك من عشرات الأمثلة الدالَّة دلالة قاطعة على تحريف الكتاب، والقاضية بعدم جواز اعتبار معظمه ممثلاً لعقيدة الإمام الأشعري إلا في ما وافق قول الكافة من أهل العلم والنقل عنه.

فإذا ثبت ـ كما مرَّ معنا ـ تاريخيّاً أن الإمام بعد رجوعه عن الاعتزال كان على منهج السلف وأهل السنة، وإذا ثبت أيضاً أن الإمام ابن كلاب كان من أئمة السلف وعلى نهـج السنة، وإذا ثبت أيضاً أن كتاب الإبانة الذي بنيت عليه هذه الدعوى من أساسها هو في حقيقة الأمر مؤلف على طريقة ابن كلاب التي هي ذاتها طريقة السلف، إذا ثبت ذلك ثبت بناءً عليه أن الإمام لم يمرَّ بثلاث مراحل في حياته، وإنما هما مرحلتان مرحلة الاعتزال في بداية حياته ثم مرحلة عودته ورجوعه إلى طريق السلف.

ولا نعلم لمن يقول بهذه الدعوى دليلاً على ما ذهب إليه إلا الاعتماد على أسلوب الإبانة وبعض الرسائل الأخرى والطريقة التي كتبت عليها، لأن الإمام قد سلك في الإبانة طريق التفويض، وهي طريقة جمهور السلف، وهي في حقيقتها لا تنافي بينها وبين طريق التأويل بشرطه، والأشاعرة يعتقدون كل ما في الإبانة ـ نعني الإبانة الصحيحة التي كتبها الإمام وليست الإبانة المحرفة ـ ويعقدون عليه خناصرهم، إذ كلٌّ من التفويض والتأويل حق لا اعتراض عليه، وكلا الطريقين مأثور عن الصحابة والسلف كما سيأتي بيانه، وكلا الطريقين متفقان على التنزيه بعد إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، وكلاهما متفقان على استبعاد الظاهر وما يعهده الخلق من عالمهم.

قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى (التبيين ص388):

(بل هم ـ يعني الأشاعرة ـ يعتقدون ما فيها ـ أي الإبانة ـ أسدّ اعتقاد، ويعتمدون عليها أشدّ اعتماد، فإنهم بحمد الله ليسوا معتزلة ولا نفاة لصفات الله معطلة، لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات، وبما وصفه به نبيّه صلى الله عليه وسلم في صحيح الروايات، وينزهونه عن سمات النقص والآفات) اهـ.

وهذا الذي قاله الحافظ ابن عساكر منطبق على كتاب الإبانة الذي ألفه الإمام، أما ما يوجد اليوم في أيدي الناس منها فلا ثقة به ولا يصح أن يمثل ـ في الغالب ـ اعتقاد الإمام أو الأشاعرة كما أثبتنا ذلك، إلا فيما وافق قول الكافة.

وقال أيضاً رحمه الله تعالى (تبيين كذب المفتري ص389):

(ولم يزل كتاب الإبانة مُستصوباً عند أهل الديانة، وسمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشار البوشنجي المعروف بالخسروجـردي الفقيه الزاهد يحكي عن بعض شيوخه أن الإمام أبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني النيسابوري ما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا وبيده كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري، ويظهر الإعجاب به، ويقول: ماذا الذي يُنكر على من هذا الكتاب شرح مذهبه([2]). فهذا قول الإمام أبي عثمان وهو من أعيان أهل الأثر بخراسان.) اهـ.

فانظر إلى قدر كتاب الإبانة وصاحبه عند أعلام الأمة، فهذا شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني رحمه الله تعالى وهو من هو جلالة وعلماً وزهداً([3]) يثني هذا الثناء العاطر على الإمام أبي الحسن وكتابه الإبانة، ومنه تعلم أن شيخ الإسلام أبا عثمان الصابوني أيضاً كان على طريق الإمام الأشعري، كيف لا وقد تولّى تربيته وتهذيبه الإمام أبو الطيب سهل بن أبي سهل الصعلوكي، وهو ـ أبو الطيب ـ من طبقة أصحاب أصحاب الإمام الأشعري، أي من الطبقة الثانية، وكان يحضر مجالس أبي عثمان أئمةُ الوقت كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني والأستاذ الإمام أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة، وهؤلاء من أعلام أمة الإسلام من السادة الأشاعرة، وثناؤهم عليه وثناؤه عليهم يدلّ على أنهم على طريق واحد رحمهم الله تعالى ورضي عنهم. (انظر ترجمة شيخ الإسلام الصابوني في تاريخ مدينة دمشق 9/3، سير أعلام النبلاء 18/40، الطبقات الكبرى للتاج السبكي 4/271).

بعد كل ما مرَّ، وبعد كل هذه الأدلة، هل يصح وفقاً للمنهج العلمي للبحث أن تهمل جميع هذه البراهين التاريخية والعقلية والعلمية، ثم يؤخذ بكلام استنباطي لا يرقى إلى مستوى الظن، وليس له ما يؤيده من النقل والعقل؟!

ولو بالغنا واعتبرنا ما اعتمدت عليه هذه الدعوى دليلاً لما أمكن الأخذ به علمياً لأن الدليــل متى ما تطرق إليه الاحتمال كساه ثوب الإجمال وسقط به الاستدلال، كما هو مقرر في علم الأصول، هذا إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال مجرد تطرق، فكيف يكون الحال إذا قارب هذا الاحتمال حدَّ اليقين كما مرَّ من أدلـة تحريف الإبانة؟!

بيد أننا سنبالغ في الافتراض ونقول: هَبْ - جدلاً - أن كتاب الإبانة المتداول غير محرَّفٍ، وأنه ثابت النسبة إلى الإمام الأشعري، وأنه قد رجع فعلاً عن ما كان يعتقده من التـنـزيـه

فهل يلزم الأمة أن تتابعه في هذا الأمر؟!

إن من يعتقد ذلك يسيء الظن بعقول أكثر من عشرة قرون من العلماء والأئمة، وينسبهم إلى التقليد الأعمى في العقائد، ويغيب عنه أن الأمة نُسِبت إلى الإمام الأشعري من حيث كونه وقف حاملاً لواء السنة على طريق السلف في وجه أصحاب البدع والأهواء، لا لأنهم قلّدوه في ما ذهب إليه، فمتى ما رجع عن اعتقاده رجعوا ! كلا.

فهم في الحقيقة منتسبون إلى رسول الله ‘ والسلف الصالح، وما الإمام الأشعري رحمه الله وغيره من أئمة أهل السنة إلا أدلاّء على الطريق ، ومن يروج لمثل هذه الدعاوى يريد أن يقول بلسان حال هذه الدعوى وأمثالها أن هذا الذي رجع عنه هؤلاء الأكابر لو كان حقاًّ ما رجعوا عنه! فالحق عنده يعرف بمن قال به وتبناه وليس بما اعتضد به من أدلة وبراهين! وهل أُتِيَ من أتِيَ إلا من قبل هذا الأمر الذي هو تعظيم الكبراء إلى الحدِّ الذي أعمى أعينهم عن الأخطاء، فاتبعوهم مقلدين لهم في أخطائهم معتقدين أنها هي الحق الذي لا يأتيه الباطل ولا يتطرق إليه.



ولله درُّ الإمام ابن الجوزي ما أصدق عبارته فقد أصاب المحزّ وطبّق المفصل حيث قال (صيد الخاطر ص187):

(قد قال أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: من ضيق علم الرجل أن يقلد في دينه الرجال. فلا ينبغي أن تسمع من مُعَظَّمٍ في النفوس شيئاً في الأصول فتقلده فيه، ولو سمعت عن أحدهم ما لا يوافق الأصول الصحيحة، فقل: هذا من الراوي، لأنه قد ثبت عن ذلك الإمام أنه لا يقول بشيء من رأيه. فلو قدَّرنا صحته عنه فإنه لا يُقَلَّد في الأصول، ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما. فهذا أصلٌ يجب البناء عليه، فلا يهولنَّك ذكرُ معظَّمٍ في النفوس) اهـ.

لقد أطنبنا في مناقشة هذه القضية، وما كنا لنفعل ذلك لولا أن تمسك بها البعض واعتبرها أمراً مسلَّماً ثم ذهب يبني عليها ويؤسس، فاقتضى الأمر التفصيل، وإلا فإن القضية أهون من ذلك بكثير، إذ كان يكفينا مؤنة النقاش القول المأثور (البينة على من ادعى) ولا بينة ثمَّ ولا قرينة.

ومهما عظُمَ قدرُ القائل بهذه الدعوى فإنه لن يغير من شأن الحقيقة شيئاً، لأن أي دعوى إنما هي تبعٌ للبراهين والأدلة التي تثبتها فتكون حقيقة أو تنفيها فتكون خطأً ووهماً يجب الرجوع عنه، وكلٌّ يؤخذ منه ويردُّ عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، والحق أحق وأثمن ما يطلبه المسلم.


وإذ علمت هذا ـ وفقنا الله تعالى وإياك ـ فَدعْ عنك من قال إذ الحق لا يعرف بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله، وعليك بما قيل إن كان حقاً، وإلاّ فالرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل.

* * * * *
--------------------------------------------------------------------------------

([1]) قيدنا هذا الرفض بأنه من بعض الحنابلة، لأنه لم تزل طائفة كبيرة من الحنابلة يوالون الإمام الأشعري ويحبونه وينتسبون إليه، قال الحافظ ابن عساكـر في " التبيين " ص389 أثناء ردّه على الأهوازي الذي استشهد بالقصة من أجل إثبات رفض الحنابلة للإمام الأشعري ولكتابه الإبانة، ما نصّه: (فلو كان الأمر كما قال لنقلوه عن أشياخهم وأظهروه، ولم أزل أسمع ممن يوثق به أنه ـ الإمام ـ كان صديقاً للتميميين سلف أبي محمد رزق الله بن عبدالوهاب ابن عبدالعزيز بن الحارث، وكانوا له مكرمين، وقد ظهر أثر بركة تلك الصحبة على أعقابهم، حتى نسب إلى مذهبه أبو الخطاب الكلوذاني من أصحابهم، وهذا تلميذ أبي الخطاب أحمد الحربي يخبر بصحة ما ذكرته وينبي، وكذلك كان بينهم وبين صاحبه أبي عبدالله بن مجاهد وصاحب صاحبه أبي بكر بن الطيب ـ الباقلاني ـ من المواصلة والمؤاكلة ما يدلّ على الاختلاق من الأهوازي..) اهـ. وانظر أيضاً ص163 من نفس الكتاب.

(2) وهذا المذهب هو ما كان عليه ابن كلاب لأن الإبانة مؤلفة على طريقته، وعليه. يمكن أن نعتبر ثناء شيخ الإسلام الصابوني هذا على الإبانة وأبي الحسن ثناءً على ابن كلاب - ضمناً – لينضم إلى أقوال الأئمة السابقة في الثناء عليه وتزكيته.

([3]) قال عنه التاج السبكي: الملقب بشيخ الإسلام، لقبه أهل السنة في بلاد خراسان، فلا يعنون عند إطلاقهم هذه اللفظة غيرَه
[/align]
تابع










قديم 2008-01-29, 20:27   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي دعوى باطلة .

بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى
دعوى رجوع بعض الأئمة عن عقيدة الأشاعرة:

[align=right]قريب من هذا الذي نسب إلى إمام أهل السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى، ما ينسب إلى بعض الأئمة كالإمام الجويني والغزالي والرازي رحمهم الله تعالى أنهم رجعوا عن معتقد الأشاعرة وتبرءوا منه!

ومن يروج لهذه الدعوى يريد أن يقول: إن هذا المعتقد الذي رجع عنه هؤلاء العلماء لو كان حقاًّ ما تركوه ولا هجروه!!

فنقول:

إما أن يكون اعتقاد الأشاعرة هذا الذي ينسب إلى هؤلاء الأئمة الرجوع عنه حقًّا في ذاتـه أو باطلاً.

فإن كان حقّاً فماذا يضيره أو يضير من تمسك به حتى لو تبرأ منه هؤلاء الأئمة على فرض صحة ذلك عنهم؟! أم أنه صار حقّاً حين قالوا به، فلما تركوه انقلب الحق إلى باطل؟!

وإن كان ما رجعوا عنه باطلاً فواهاً ثم واهاً على أمة الإسلام وقد تبنّت طيلة هذه القرون الماضية باطلاً، ثم لم يكتشف بطلانه إلا ثلاثة أو أربعة منهم!!

كلا ليس الأمر هكذا، فعلماء الإسلام ليسوا حفنة من مقلدة العوام تغدو بهم كلمة وتروح بهم أخرى دون تبصر ولا برهان، لكنهم لما رأوا هذين الإمامين الجليلين أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي رحمهما الله قد انتصبا دليلين على طريق السلف الصالح ينافحان عن معتقداتهم ويذبان عن الكتاب والسنة هرعوا لنصرتهم وانتهضوا لتأييدهم ونشر طريقتهم في إثبات عقيدة السلف الصالح، لهذا، ولهذا فقط نُسبوا إلى هذين الإمامين، وليس ـ كما يظـن البعض ـ لأنهم يقلدونهما فيما ذهبا إليه، فلو افترضنا صحة رجوع هؤلاء الأئمة عن معتقد الأشاعرة، بل لو افترضنا رجوع عشرات غيرهم عن الأشعرية ما كان هذا سيغير من الحقيقة التي أطبقت عليها الأمة شيئاً، غاية ما يقال حينها أن هؤلاء الأئمة قد أخطأوا في ذلك.

على أن هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى لم يرجعوا عن اعتقاد الأشاعرة ولا تبرءوا منه، كيف وهو الامتداد الطبيعي لما كان عليه السلف، وإنما رجعوا عن طريق التأويل في ظواهر المتشابه الذي كانوا يقولون به قبلُ إلى طريق التفويض الذي هو طريق جمهور السلف الصالح بعد تنزيه الله تعالى عما توهمه هذه الظواهر من سمات المخلوق، وكلا الطريقين التفويض والتأويل بشرطه ثابت عن سلف الأمة ـ كما سيأتي بيانه وإثباته من قبل العلماء ـ وكلا المسلكين صحيح لا غبار عليه عند أهل الحق، أما الذي يأباه العقل والنقل فهو نسبة حقائق هذه الظواهر اللغوية لله تعالى، وحمل هذه الظواهر على ما يعهده الخلق مـن عوالمهم، وهذا قطعاً لم يقل به أحد من هؤلاء الأئمة الذين ينسب إليهم الرجوع عن معتقد الأشاعرة، بل على العكس من ذلك، فنصوصهم وأقوالهم واضحة وصريحة في الردّ على من يقول ذلك، بل ومن هذه الكتب التي ينسب إليهم الرجوع فيها!

فهذا الإمام الجويني الذي ينسبون له الرجوع عن معتقد الأشاعرة في رسالته النظامية، يصرح في نفس هذه الرسالة بإطباق أهل الحق على تنزيه الله تعالى عن ظواهر نصوص المتشابه بقوله (النظامية ص32): (.. وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها وإجراؤها على موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منها..) اهـ.

أضف إلى ذلك أن الرسالة النظامية صنّفها الإمام الجويني رحمه الله للوزير نظام الملك، ولهذا سمّاها بالنظامية نسبة إليه، ولا يخفى أن الوزير نظام الملك أشعري المعتقد، قال عنه الحافظ الذهبي بعد أن أثنى عليه ثناءً عاطراً (السير 19/96): (وكان شافعيّاً أشعريّاً) اهـ.

تُرى هل سيهدي الإمام للوزير نظام الملك كتاباً في نقض اعتقاده؟!

ثم نقول: ليس في الرسالة النظامية ما يناقض اعتقاد الأشاعرة في شيء، والذي ذكره الإمام الجويني من ترجيح التفويض على التأويل هو أحد مسلكي الأشاعرة مع نصوص المتشابه، وهو ثابت أيضاً عن أئمة من السلف الصالح كما نقله العلماء عنهم كما سيأتي، قال الإمام ابن السبكي رحمه الله تعالى (الطبقات 5/191): (ثم أقول: للأشاعرة قولان مشهوران في إثبات الصفـات، هل تمرُّ على ظاهرها مع اعتقاد التنزيه، أو تؤوَّل؟ والقول بالإمرار مع اعتقاد التنزيه هو المعزوُّ إلى السلف، وهو اختيار الإمام ـ يعني الجويني ـ في الرسالة النظامية وفي مواضع من كلامه، فرجوعه معناه الرجوع عن التأويل إلى التفويض، ولا إنكار في ذلك ولا في مقابله ـ يعني التأويل ـ فإنها مسألة اجتهادية، أعني مسألة التأويل والتفويض مع اعتقاد التنزيه، إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإمرار على الظاهر والاعتقاد أنه المراد وأنه لا يستحيل على الباري..) اهـ.

ومن يطالع النظامية يعلم موافقتها لاعتقاد أهل السنة الأشاعرة، فمن أمثلة ذلك تنزيه الإمام الجويني لله تعالى عن الجهة والمكان والحيز والحرف والصوت وظواهر المتشابه، وتشديده على القائلين بحوادث لا أول لها في الماضي، إلى غير ذلك من المسائل التي تدل دلالة قاطعة على تمسك الإمام باعتقاد السادة الأشاعرة.

وكذلك الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، فكتابه (إلجام العوام) الذي ينسب إليه الرجوع فيه هو في حقيقة الأمر تأصيل لمسلك السادة الأشاعرة من حيث تنزيه الله تعالى عن سمات الحوادث مثل الجهة والمكان والحروف والأصوات وظواهر المتشابه، بل هو قائل بالتأويل في مواضع من الكتاب وذلك في شرح الوظيفة الخامسة من الوظائف السبع التي يجب على العوام مراعاتها عند سماع شيء من نصوص المتشابه، وذلك من الصفحة (71 )إلى الصفحة (81 )، وهو بحق كلام نفيس، وإنّا لنحض القارئ على مطالعة كتاب (إلجام العوام) والرجوع إليه، فهو كتاب قلّ نظيره في بابه، قد ذكر فيه حجة الإسلام رحمه الله تعالى من الفوائد ما لا مزيد عليه.

ومن يطالع الكتاب يعلم أن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى لم يترك مذهب الأشاعرة ولا رجع عنه، وإنما رجَّح مسلك التفويض على مسلك التأويل، وهو ترجيح منه ليس على إطلاقه، كما أنه لا يفهم منه تضليل للقائلين بالتأويل، حاشاه، وهو الذي يعلم أن كلا المسلكين صحيح، وإن كان الأرجح عنده والأفضل ـ عند عدم الحاجة ـ هو مسلك التفويض الذي هو مسلك جمهور السلف، بل هو الأرجح والأفضل عند جميع الأشاعرة، وهو ما نراه ونقول به، فالوقوف حيث وقف السلف الصالح بعد تنزيه الله تعالى عمّا توهمه هذه الظواهر هو الأولى بالاتباع، وهذا كما ذكرنا عند عدم الحاجة، أما إذا خاض الناس في المتشابهات فلا بد حينئذ من البيان، ومن أساليب البيان التأويل، والإمام الغزالي رحمه الله لم يأت في كتاب الإلجام بشيء مخالف لما في كتبه الأخرى.

على أنه يلزم من ينسب إلى هؤلاء الأئمة ترك ما كانوا عليه والرجوع إلى منهج السلف أن يقرَّ بأن مذهب السلف هو تنزيه الله تعالى عن ظواهر هذه النصوص لأنهم نصّوا على ذلك في هذه الكتب التي ينسب إليهم الرجوع إلى منهج السلف فيها، ونحن لا ننكر رجوع هؤلاء الأئمة إلى مذهب جمهور السلف الذي هو التفويض مع التنزيه عن ظواهر هذه النصوص إذا صح النقل عنهم، كلا، وإنما الذي ننكره وترفضه نصوص هؤلاء الأئمة وغيرهم هو الزعم بأن هذا المسلك ينافي ما عليه معتقد الأشاعرة، وهذا أمر تبطله كتب هؤلاء الأئمة وجميع السادة الأشاعرة والمنقول عنهم وهم أعلام هذه الأمة في كل فن من فنون الشريعة.

وكذلك ما ينقل عن الإمام الرازي لا يخرج عمّا ذكرنا سابقاً، بل إن الإمام لآخر لحظة في حياته يوصي بكتبه التي صنفها قبلُ، فجاء في وصيته التي أملاها على أحد تلاميذه وهو على فراش الموت كما في (طبقات الأطباء ص469): (.. وأما الكتب العلمية التي صنّفتها أواستكثرت من إيراد السؤالات على المتقدمين فيها، فمن نظر في شيء منها فإن طابت له تلك السؤالات فليذكرني في صالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام، وإلا فليحذف القول السيئ فإني ما أردت إلا تكثير البحث وتشحيذ الخاطر..) اهـ.

وما ينقل عنه مثل قوله (مجموع فتاوى ابن تيمية 4/72): (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات ( الرحمن على العرش استوى ) ، ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، واقرأ في النفي ( ليس كمثله شئ ) ، ( ولا يحيطون به علما ) ، ( هل تعلم له سميا ) ..ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي..) اهـ .

فهذا إذا صحَّ عنه فلا يفيد تركه لمعتقد الأشاعرة لا تصريحاً ولا تلميحاً، غاية ما هنالك أنه رحمه الله تعالى يرى أن أقرب الطرق في إثبات صفة الرب جلّ وعزّ طريق القرآن، وهذا حق لا ريب فيه لا يخالفه إلا زائغ. والإدعاء بأنه رجع عن معتقد الأشاعرة تقويل للإمام ما لم يقله وتحميل للكلام ما لا يحتمل هذا إذا سلمنا صحة هذه الأقوال عن الإمام.

بهذا يتضح أن أقدار أئمة الإسلام أكبرُ وأجلُّ من أن تنقاد في مسائل أصول الدين إلى أحد ـ غير رسول الله عليه الصلاة والسلام ـ تقليداً بلا تبصر أواهتداء، حتى وإن كان إمام أهل السنة والجماعة أبا الحسن الأشعري، فإن اتباع الأمة له رحمه الله اهتداءً لا تقليداً، لذا فإن أي محاولة للتشكيك في معتقد الأشاعرة بادعاء رجوع الإمام أبي الحسن أو رجوع أحد من الأئمة لن تجدي نفعاً ولن تغير من الحق الذي أطبقت عليه الأمة بعلمائها ودهمائها شيئاً، فإن غاية ما يقال في أي دعوى من هذا القبيل إذا صحت عن أحد من العلماء هو أنه أخطأ فيما ذهب إليه، ولا يقلد في ذلك، وكلٌّ يؤخذ منه ويُردُّ عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.

[/align]










قديم 2008-01-29, 20:33   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي أهل السنة والجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى
[align=right]أهل السنة والجماعة مصطلح ظهر للدلالة على من كان على منهج السلف الصالح من التمسك بالقرآن والسنن والآثار المروية عن رسول الله ‘ وعن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، ليتميز عن مذاهب المبتدعة وأهل الأهواء.

وإذا أطلق هذا المصطلح في كتب العلماء فالمقصود به الأشاعرة والماتريدية وأصحاب الحديث؛ لأنهم هم الذين على ما كان عليه رسول الله ‘، لم يبدلوا ولم يغيروا كما فعل غيرهم من أهل الزيغ والابتداع.

ولقد وصف رسول الله ‘ الفرقة النـاجية بأنهم السواد الأعظم من الأمة، وهذا الوصف منطبق على الأشاعرة والماتريدية وأصحاب الحديث، إذ هم غالب أمة الإسلام، والمنفي عنهم الاجتماع على الضلالة بنص الحديث المشهور (لا تجتمع أمتـي علـى الضلالة) ([1]).

قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى (إتحاف السادة المتقين 2/6):

(اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك، أو في لِميّة([2]) ما هنالك، وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف:

الأولى: أهل الحديث ومعتمد مباديهم الأدلة السمعية، أعني الكتاب والسنة والإجماع.

الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية، وهم الأشعرية والحنفية، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي...

الثالثة: أهل الوجدان والكشف، وهم الصوفية، ومباديهم مبادئ أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية) اهـ.

وقال الإمام عضد الدين الإيجي - رحمه الله تعالى - في بيان الفرقة الناجية، بعد أن عدد فرق الهالكين (المواقف ص 430):

(وأما الفرقة الناجية المستثناة الذين قال النبي ـ ‘ ـ فيهم "هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي" فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خالٍ من بدع هؤلاء) اهـ.

وقال الإمام الجلال الدواني رحمه الله تعالى (شرح العقائد العضدية 1/ 34):

(الفرقة الناجية، وهم الأشاعرة أي التابعون في الأصـول للشيخ أبي الحسـن... فـإن قلت: كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة؟ وكل فرقة تزعم أنها ناجية؟ قلت سياق الحـديث مشعر بأنهم – يعني الفرقة الناجية – المعتقدون بما روي عن النبـي ‘ وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم متمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المنقولة عنه ‘ وعن أصحابه، ولا يتجاوزون عن ظواهرها إلا لضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة) اهـ.

والاقتصار على الأشاعرة في نصوص الأئمة إنما ذلك لكونهم أغلب أهل السنة، فلا يفهم منه إخراج غيرهم من طوائف أهل السنة من الفرقة الناجية، فمن لم يكن منهم متبعاً للإمام الأشعري فهو موافق له.

وقال العارف بالله الإمام ابن عجيبة([3]) رحمه الله تعالى (تفسير الفاتحة الكبير، المسمى بـ " البحر المديد " ص607): (أما أهل السنة فهم الأشاعرة ومن تبعهم في اعتقادهم الصحيح، كما هو مقرر في كتب أهل السنة)’اهـ.

قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى (طبقات الشافعية 3 / 365):

(قال الشيخ الإمام - يعني والده التقي السبكي - فيما يحكيه لنا: ولقد وقفت لبعض المعتزلة على كتاب سماه طبقات المعتزلة، وافتتح بذكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ظناً منه أنه - برأه الله منهم - على عقيدتهم. قال: وهذا نهاية في التعصب، فإنما ينسب إلى المرء من مشى على منواله. قلت أنا للشيخ الإمام: ولو تم هذا لهم لكان للأشاعرة أن يعدوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في جملتهم، لأنهم عن عقيدتهما وعقيدة غيرهما من الصحابة فيما يدعون يناضلون، وإياها ينصرون، وعلى حماها يحومون. فتبسم، وقال: أتباع المرء من دان بمذهبه وقال بقوله على سبيل المتابعة والاقتفاء الذي هو أخص من الموافقة، فبين المتابعة والموافقة بون عظيم) اهـ.

وقال الإمام عبدالقاهر البغدادي رحمه الله (الفرق بين الفرق ص 19):

(.. فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث دون من يشتري لهو الحديث، وفقهاء هذين الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم ومتكلمو أهل الحديث منهم، كلهم متفقون على مقالة واحدة... وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم الفرقة الناجية... فمن قال بهذه الجهة التي ذكرناها ولم يخلط إيمانه بشيء من بدع.... سائر أهل الأهواء فهو من جملة الفرقة الناجية - إن ختم الله له بها - ودخل في هذه الجملة جمهور الأمة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي والثوري وأهل الظاهر....) اهـ.

وقال أيضاً (أصول الدين ص309) بعد أن عدَّدَ أئمة أهل السنة والجماعة في علم الكلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن قال:

(.. ثم بعدهم شيخ النظر وإمام الآفاق في الجدل والتحقيق أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي صار شجاً في حلوق القدرية..... وقد ملأت الدنيا كتبه، وما رزق أحد من المتكلمين من التبع ما قد رزق، لأن جميع أهل الحديث وكل من لم يتمعزل من أهل الرأي على مذهبه) اهـ.

وقال الإمام الزاهد القدوة أبو عمرو الداني([4]) رحمه الله تعالى (الرسالة الوافية في معتقد أهل السنة والجماعة ص117): (اعلموا أيدكم الله بتوفيقه وأمدكم بعونه وتسديده، أن قول أهـل السنـة والجماعة من المسلمين المتقدمين والمتأخرين من أصحاب الحديث والفقهاء والمتكلمين..)

ثم شرع ببيان اعتقاد أهل السنة، وقوله (الفقهـاء والمتكلمين) يعني بهم الأشاعرة والماتريدية، ورسالته زاخرة بأدلة التقديس رحمه الله، وتأثره بشيخه وأستاذه شيخ أهل السنة القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله تعالى وبطريقة الإمام الأشعري واضح لا يخفى على من طالع كتبه، بل إن بعض الألفاظ والعبارات هي هي التي استخدمها الإمام الأشعري في بعض كتبه.

وقال حجة المتكلمين الإمام أبو المظفر الإسفراييني - رحمه الله تعالى- (التبصـير في الدين ص 111) بعد أن شرح عقيدة أهل السنة: (وأن تعلم أنّ كل من تدين بهذا الدين الذي وصفناه من اعتقاد الفرقة الناجية فهو على الحق وعلى الصراط المستقيم فمن بدّعه فهو مبتدع ومن ضلله فهو ضال ومن كفره فهو كافر) اهـ.

فانظر يا رعاك الله كيف هي خطورة الأمر، لتعلم استهتار الذين يقعون في أعراض الأشاعرة ويثلبونهم ويضللون عقائدهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى (طبقات الشافعية 3/ 376): (وأبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة، وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه، ومذهبه مذهب أهل الحق) اهـ.

وناهيك بأبي إسحاق الشيرازي علماً وفقهاً وديانة وورعاً وتقدماً في الدين.

وسئل الإمام ابن حجر الهيتمي – رحمه الله تعالى – عن الإمام أبي الحسن الأشعري والباقلاني وابن فورك وإمام الحرمين والباجي وغيرهم ممن أخذ بمذهب الأشعري، فأجاب:

(هم أئمة الدين وفحول علماء المسلمين، فيجب الاقتداء بهم لقيامهم بنصرة الشريعة وإيضاح المشكلات وردّ شبه أهل الزيغ وبيان ما يجب من الاعتقادات والديانات، لعلمهم بالله وما يجب له وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه........ والواجب الاعتراف بفضل أولئك الأئمة المذكورين في السؤال وسابقتهم وأنهم من جملة المرادين بقوله ‘ " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " فلا يعتقد ضلالتهم إلا أحمق جاهل أو مبتدع زائغ عن الحق، ولا يسبهم إلا فاسق، فينبغي تبصير الجاهل وتأديب الفاسق واستتابة المبتدع) اهـ. (الفتاوى الحديثية ص 205).

وقال العلامة السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى (لوامع الأنوار البهية 1 / 73): أهل السنة والجماعة ثلاث فرق:

· الأثرية، وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه.

· والأشعرية، وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله.

· والماتريدية، وإمامهم أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى) اهـ.

وقال الإمام المرتضى الزبيدي - رحمه الله تعالى - (إتحاف السادة المتقين 2 / 6): (إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية) اهـ.

وقال أيضاً في موضع آخر (2 / 86):

(والمراد بأهل السنة هم الفرق الأربعة، المحدثون والصوفية([5]) والأشاعرة والماتريدية) اهـ.

ومما يستشهد به في هذا الباب رسالة أبي جعفر الطحاوي - رحمه الله - في العقيدة، المسماة بالعقيدة الطحاوية، التي أجمل فيها اعتقاد السلف رضوان الله عليهم، وهي مما أطبقت الأمة عليه وتلقته بالقبول، وما تضمنته هذه العقيدة هو ما يعتقده الأشاعرة، سوى مسائل يسيرة لا تستلزم تضليلاً ولا تفسيقاً.

وقال الإمام العلامة أحمد الدردير - رحمه الله تعالى - في شرحه على منظومته في العقائد المسماة بـ " خريدة التوحيد " (ص 194):

(واتبع سبيل الناسكين العلماء) ثم شرح عبارته فقال (جمع عالم وهو العارف بالأحكام الشرعية التي عليها مدار صحة الدين اعتقادية كانت أو عملية والمراد بهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان وسبيلهم منحصر في اعتقاد وعلم وعمل على طبق([6]) العلم، وافترق من جاء بعدهم من أئمة الأمة الذين يجب اتباعهم على ثلاث فرق، فرقة نصبت نفسـها لبيـان الأحكام الشرعية العملية وهم الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين، ولكن لم يستقر من المذاهب المرضية سوى مذاهب الأئمة الأربعة، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال ببيان العقائد التي كان عليها السلف وهم الأشعري والماتريدي ومن تبعهما، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال بالعمل والمجـاهدات على طبق ما ذهب إليه الفرقتان المتقدمتان وهم الإمام أبو القاسم الجنيد ومن تبعه، فهؤلاء الفرق الثلاثة هم خواص الأمة المحمدية ومن عداهم من جميع الفرق على ضلال وإن كان البعض منهم يحكم له بالإسلام فالناجي من كان في عقيدته على طبق ما بينه أهل السنة) اهـ.

وقال الإمام العلامة عبد الله بن علوي الحداد رحمه الله تعالى (نيل المرام شرح عقيدة الإسلام للإمام الحداد الصفحة 8):[/align]يتبع بحول الله










قديم 2008-01-29, 20:36   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي أهل السنة والجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم .
تابع :
[align=right](اعلم أن مذهب الأشاعرة في الاعتقاد هو ما كان عليه جماهير أمة الإسلام علماؤها ودهماؤها، إذ المنتسبون إليهم والسالكون طريقهم كانوا أئمة أهل العلوم قاطبة على مرّ الأيام والسنين، وهم أئمة علم التوحيد والكلام والتفسير والقراءة والفقه وأصوله والحديث وفنونه والتصوف واللغة والتاريخ) اهـ.



وقال أيضاً رضي الله عنه (رسالة المعاونة والمظاهرة والمؤازرة ص/67 ـ 68):

(وعليك بتحسين معتقدك وإصلاحه وتقويمه على منهاج الفرقة الناجية، وهي المعروفة من بين سائر الفرق الإسلامية بأهل السنة والجماعة، وهم المتمسكون بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنت إذا نظرت بفهم مستقيم عن قلب سليـم فـي نصوص الكتاب والسنة المتضمنة لعلوم الإيمان، وطالعت سير السلف الصالح من الصحابة والتابعين علمتَ وتحققتَ أن الحق مع الفرقة الموسومة بالأشعرية، نسبة إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله، فقد رتب قواعد عقيدة أهل الحق وحرَّرَ أدلتها، وهي العقيدة التي أجمع عليها الصحابة ومن بعدهم من خيار التابعين، وهي عقيدة أهل الحق من أهل كل زمان ومكان، وهي عقيدة جملة أهل التصوف كما حكى ذلك أبو القاسم القشيري في أول رسالته، وهي بحمد الله عقيدتنا.. وعقيدة أسلافنا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.. والماتريدية كالأشعرية في جميع ما تقدم) اهـ.

وقال العـلامة ابن الشطي الحنبلي - رحمه الله تعالى - في شرحـه على العقيـدة السفارينية (تبصير القانع في الجمع بين شرحي ابن شطي وابن مانع على العقيدة السفارينية، الصفحة / 73):

(قال بعض العلماء هم - يعني الفرقة الناجية - أهل الحديث يعني الأثرية والأشعرية والماتريدية) ثم قال بعد ذلك بأسطر:

(فائدة: أهل السنة والجماعة ثلاث فرق، الأثرية وإمامهم الإمام أحمد رضي الله عنه.

والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى.

والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى) اهـ.

وقال علامة الكويت الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان - رحمه الله تعالى - تعليقا على تقسيم السفاريني لأهل السنة إلى ثلاث فرق:

(فإذا قلت: لفظ الحديـث يقتضـي عدم التعْدِيَة([7]) حيث قـال فيه ‘ " ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهي ما كان على ما أنا عليه وأصحابي " فالجواب: أن الثلاث فرق هي فرقة واحدة لأنهم كلهم أهل الحديث، فإن الأشاعرة والماتريدية لم يردوا الأحاديث ولا أهملوها، فإمّا فوضوها وإمّا أوّلوها، وكل منهـم أهـل حديث، وحينئذ فالثلاث فرقة واحدة، لاقتفائهم الأخبار وانتحالهم الآثار، بخلاف باقي الفرق فإنهم حكّموا العقول وخالفوا المنقول فهم أهل بدعة وضلالة ومخالفة وجهالة والله تعالى أعلم) اهـ. (تبصير القائع ص / 73).

وقال الشيخ العلامة الحنبلي محمد بن علي بن سلوم رحمه الله تعالى في شرحه على العقيدة السفارينية مثل ذلك. (شرح الدرة المضية، الصفحة / 58).

وقال العلامة المواهبي الحنبلي رحمه الله تعالى (العين والأثر ص/53):

(طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة، وحنابلة، وماتريدية، بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية وجميع كتب الحنابلة) اهـ.

وقال المحدث محمد بن درويش الحوت البيروتي - رحمه الله تعالى - (رسائل في بيان عقائد أهل السنة والجماعة، الصفحة / 77):

(فائدة: المالكية والشافعية أشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، والحنفية ماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي، وهما إماما أهل السنة والجماعة، والحنابلة أثرية) اهـ.

وقال الإمام العلامة كمال الدين البياضي - رحمه الله تعالى - (إشارات المرام من عبارات الإمام، الصفحة 52):

(إن الفرقة الناجية هم الجماعة الكثيرة المتمسكون بمحكمات الكتاب والسنة في العقائد، فإنه المنطبق لما عليه الرسول ‘ ولما عليه الصحابة لا يتجاوزون عن ظاهرها إلا لضرورة مخالفة قطعي من الدليل النقلي والعقلي، فإن حجج الله تتعاضد ولا تتضاد) اهـ.

ومن نظر بعين المعقول وتجرد للوصول إلى الحق علم يقيناً أنه ليس أحد من الطوائف ينطبق عليه هذا الوصف إلا الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، فهم الذي ملئوا الزمان والمكان، وطبقوا الأرض شهرة وانتشاراً.

قال الإمام عبد القاهر البغدادي - رحمه الله تعالى - (الفرق بين الفرق، 247):

(إن النبي ‘ لمّا ذكر افتراق أمته بعده ثلاثاً وسبعين فرقة وأخبر أن فرقة واحدة منها ناجية، سئل عن الفرقة الناجية وعن صفتها، فأشار إلى الذين هم على ما عليه هو وأصحابه، ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضي الله عنهم غيرَ أهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة ومتكلمي الصفاتية)ثم أخذ رحمه الله يبين وجـوه عدم نجـاة بـاقي الفِرَق وضروب انحرافاتهم عن منهج الرسول ‘ وأصحابه، ثم قال:

(وبان من هذا أن المقتدين بالصحابة من يعمل بما قد صحّ بالرواية الصحيحة في أحكامهم وسيرهم، وذلك سنّة أهل السنة دون ذوي البدعة، وصح بصحة ما ذكرناه تحقيق نجاتهم لحكم النبي ‘ بنجاة المقتدين بأصحابه، والحمد لله على ذلك) اهـ.

وقال الإمام ابن حجر الهيتمي - رحمه الله تعالى - (الزواجر عن اقتراف الكبائر 82):

(المـراد بالسنة ما عليه إماما أهل السنة والجمـاعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي..) اهـ.

وقال العلامة طاش كبري زاده - رحمه الله تعالى - (مفتاح السعادة 2 / 33):

(ثم اعلم أن رئيس أهل السنة والجماعة في علم الكلام - يعني العقائد - رجلان، أحدهما حنفي والآخر شافعي([8])، أما الحنفي فهو أبو منصور محمد بن محمود الماتريدي، إمام الهدى...

وأما الآخر الشافعي فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة إمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسلمين، أبو الحسن الأشعري البصري.. حامي جناب الشرع الشريـف من الحديـث المفترى، الذي قـام في نصرة ملـة الإسـلام فنصرها نصراً مؤزراً) اهـ.

وعلى الجملة، فإن أقوال علماء الإسلام متفقة على أن الأشاعرة ومن وافقهم في الاعتقاد من طوائف أهل الحق هم الفرقة الناجية، وهم المعنيون بقوله ‘ " ما أنا عليه وأصحابي " وهم الوسط بين الفرق المبتدعة، فقد جانبوا أهل الزيغ وابتعدوا عنهم غاية البعد بحيث من رام بعداً عن الضلالة أكثر من بعدهم وقع فيها أو مال إليها.

* * * * *
--------------------------------------------------------------------------------

([1]) قال الحافظ السخاوي بعد أن عدّد طرق الحديث وأسانيده: (وبالجملة فهو حديث مشهور المتن، ذو أسانيد كثير وشواهد متعددة في المرفوع وغيره) المقاصد الحسنة حديث رقم 1288.

([2]) أصل هذه الكلمة من قولهم (لِمَ)، والمعنى: أي وإن اختلفوا في سبب ذلك وعلته.

(1) أبو العباس أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني الفاسي، العلامة المحقق الفهامة البارع المدقق الصوفي الجامع بين الشريعة والحقيقة، وفاته رحمه الله تعالى سنة 1224هـ. (شجرة النور الزكية ص400، وانظر ترجمته في فهرس الفهارس 2/854).

([4]) الإمام أبو عمرو الداني أعرف من أن يعرّف، هو الذي يقـول فيه الإمـام الذهبي رحمه الله: الإمام الحافظ المجوّد المقرئ الحاذق عالم الأندلس. وقال أيضاً: إلى أبي عمرو المنتهى في تحرير علم القراءات وعلم المصاحف، مع البراعة في علم الحديث والتفسير والنحو وغير ذلك. ويعرف قديماً بابن الصيرفي، قال عنه ابن بشكوال: كان أحد الأئمة في علم القرآن رواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه.. وله معرفة بالحديث وطرقه وأسماء رجاله ونقلته.. جيّد الضبط من أهل الذكاء والحفظ والتفنن في العلم ديّناً فاضلاً ورعاً سنّيّاً اهـ، توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وأربعين وأربع مئة ودفن بمقبرة دانية. سير أعلام النبلاء 18/77، الصلة 2/405، الديباج المذهب 2/84.

([5]) المراد بالصوفية من كان على نهج الحق أمثال الجنيد ومعروف الكرخي وبشر الحافي وإبراهيم ابن أدهم وغيرهم من الدَّالِّين على الله ومن جاء بعدهم وسلك مسلكهم باتباع الكتاب والسنة.

([6]) أي: وعمل مطابق للعلم.

([7]) أي أن لفظ الحديث يقتضي قصر النجاة على فرقة واحدة وعدم تعديته إلى ثلاث فرق.

([8]) ينازع المالكية في الإمام أبي الحسن ويذكرونه ضمن طبقاتهم، والراجح أنه شافعي، أما المالكي فهو الإمام أبو بكر بن الباقلاني شيخ الأشاعرة. انظر طبقات الشافعية الكبرى 3/352.[/align]يتبع










قديم 2008-01-29, 20:40   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي شهادة بعض العلماء المعاصرين

بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى
[align=right]لقد أطنبنا بذكر أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين التي تفيد قصر مصطلح أهل السنة والجماعة على الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، وإليك الآن طائفة من نصوص الأعـلام المعاصرين ممن سلك مسلك أهل السنة وأشاد بفضلهم:

قال الشيخ الداعية حسن أيوب - حفظه الله تعالى - (تبسيط العقائد الإسلامية 299):

(أهل السنة هم أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريق السلف الصالح في فهم العقائد، وقد جعلوا القرآن الكريم المنهل العذب الذي يلجأون إليه في تعرف عقائدهم فكانوا يفهمون من الآيات القرآنية مسائل العقائد، وما أشبه عليهم منه حاولوا فهمه بما توحيه أساليب اللغة ولا تنكره العقول، فإن تعذر عليهم توقفوا وفوضوا، وقد سمي أتباع أبي الحسن الأشعري بالأشاعرة، وأبي منصور الماتريدي بالماتريدية) اهـ.

وقال الأستاذ الداعية سعيد حوى - رحمه الله تعالى - (جولات في الفقهين الكبير والأكبر ص / 22):

(إن للمسلمين خلال العصور أئمتهم في الاعتقاد وأئمتهم في الفقه وأئمتهم في التصوف والسلوك إلى الله عز وجل، فأئمتهم في الاعتقاد كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي... وهؤلاء وأمثالهم كلٌّ في اختصاصه حيث ثبت النقل عنهم قدَّمَ أصفى فهمٍ للكتاب والسنة، ومن ثم أجمعت الأمة على اعتماد أقوالهم وقبولها في خضم اتجاهات لا تعد ولا تحصى من الاتجاهات الباطلة الزائفة، منها الذي مات ومنها الذي لازال حياً) اهـ.

والشيخ سعيد حوى - رحمه الله تعالى - هنا وفي معظم ما كتب إنما ينقل خلاصة رأي الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى، وهو موافق لما عليه السلف والخلف من تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به سبحانه.

وقال الشيخ سعيد - رحمه الله تعالى - أيضاً (المصدر السابق ص/8):

(وكما وجد في الفقه مؤلفون وكتب، وكما وجد في الفقه أئمة أجمعت الأمة على قبولهم، فكذلك في باب العقائد وجد أئمة أجمعت الأمة على إمامتهم في هذا الشأن كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي) اهـ.

وممن أشاد بفضل الأشاعرة من المعاصرين الشيخ الداعية الأستاذ أبو الحسن الندوي (رجال الفكر والدعوة في الإسلام، ص / 137) فقال - رحمه الله تعالى - منوهاً بذكرهم:

(خضع لعلمهم ونفوذهم العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه... وبفضلهم انتقلت قيادة العالم الإسلامي الفكرية وتوجيهه من المعتزلة إلى أهل السنة) اهـ.

وقال أيضا (ص / 133):

(وقد سار الأشعري في طريقه مجاهداً مناضلاً منتجاً.... لا يعبأ بما يقال فيه مؤمناً بأنه هو الطريق الذي ينفع الدين في عصره ويرد إلى الشريعة مهابتها وكرامتها ويحرس للناشئة دينها وعقيدتها، حتى استطاع بعمله المتواصل وشخصيته القوية وعقله الكبير وإخلاصه النادر أن يرد سيل الاعتزال والتفلسف الجارف الذي كان يتهدد الدين، ويثبّت كثيراً من الذين تزلزلت أقدامهم واضطربت عقولهم وعقائدهم، وأن يوجد في أهل السنة ثقة جديدة بعقيدتهم) اهـ.

وقال الشيخ وهبي سليمان غاوجي - حفظه الله تعالى - (أركان الإيمان ص / 7):

(وقد كان أول من كتب في أصول الدين ورد شبهات أهل الزيغ في الاعتقاد الإمام الأعظم أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بطريقي النقل أو العقل، وتتابع الكاتبون في أصول الدين إلى أن استقرت قواعدها على يدي الإمامين العظيمين أبي منصور الماتريدي وأبي الحسن الأشعري رحمهما الله تعالى) اهـ.

هذا هو شأن الأشاعرة وقدرهم عند المتقدمين والمتأخرين، وهذه هي مكانتهم في التاريخ، فلا ينكر فضلهم وجهادهم إلا مكابر، ومهما بالغ البعض بالانتقاص منهم، وجَحَدَ فضلهم بلسانه، فإنه لا محالة مضطرٌّ إلى علومهم، إذ ما من متعلم أو معلم إلا وهو عالة على ما أثمرته وأنتجته قرائحهم، وسطرته أيديهم، وهل يستغني عالم أو طالب علم عن كتاب فتح الباري - مثلاً - للإمام الحافظ ابن حجر، أو شرح صحيح مسلم للإمام النووي رحمه الله تعالى؟!

بهذه النصوص التي نقلناها عن العلماء والأئمة المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين أصبح جلياّ من المقصود بأهل السنة والجماعة، ومن هي الفرقة الناجية المعنية بالنصوص الشرعية والمخصوصة بالهداية والنجاة، فكيف يسوغ لمنصف بعد كل ذلك إخراج الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة؟!


[/align]

يتبع










قديم 2008-01-29, 20:47   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي المتشابه عند السلف و الخلف

بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى
المتشابه عند السلف والخلف

[align=right]يصرّ البعض على تضليل الأشاعرة والماتريدية لأن جمهورهم أجاز التأويل بشروطه في نصوص المتشابه التي تتعلق بصفات الله تعالى، وينسى هؤلاء أن جُلَّ الأمة على مذهب التأويل وأن جماعات من السلف قالوا به.

قال الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى - مبيناً المذاهب في المتشابه (البرهان في علوم القرآن 2 / 207):

(... والثالث أنها مؤولة، وأولـوها على ما يليق به، والأول – يعني مذهب الأخذ بالظاهر – باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة... وممن نقل عنه التأويل علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم) اهـ.

وقال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – عن مذهب التأويل:

(مذهـب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف، وهو محكي عن مالك والأوزاعي) اهـ. (شرح صحيح مسلم 6 / 3

مفهوم المتشابه

قال تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هـن أم الكتاب وأخر متشابهات)

المتشابه في الأصل كل ما لا يهتدي إليه الإنسان، والمراد به هنا ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة المشهورة من النصوص التي يوهم ظاهرها مشابهة الله تعالى لخلقه.

قال الراغب الأصفهاني - رحمه الله تعالى - (مفردات القرآن مادة " شبه "):

(والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف يوم القيامة، فإن تلك الصفات لا تتصور لنـا، إذ كـان لا يحصل في نفوسـنا صورة مـا لا نحسه، أو لم يكن من جنس ما نحسه) اهـ.

ومثـال المتشابه من القرآن قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى) وقوله عز وجل: ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله سبحانه: ( فإنك بأعيننا ) ، ( ولتصنع على عينى ) ، ( لما خلقت بيدىّ ) ومثـاله من السنة قوله ‘: (ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل...) وقوله ‘: (ضحك الله الليلة من فعالكما) (إن الله خلق آدم على صورته) ونحو ذلك مما يوهم ظاهره مشابهة الله تعالى لخلقه.

وحكم المتشابه من هذه النصوص هو الإيمان به على الوجه الذي أراد الله تعالى، والقطع بأن له معنىً عظيماً شريفاً عند الله تعالى، بعد أن ننزه الله تعالى عن الظاهر المستحيل في حقه سبحانه.

هذا هو القدر المشترك بين العلماء في حكمهم على المتشابه، ثم اختلفوا في ما وراء ذلك، ومنشأ الاختلاف جاء من فهمهم لآية المتشابهات واختلافهم في محل الوقوف في قوله تعالى: ( وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون فى العلم ) قال جمهـور السلف إن الوقـوف في الآيـة على لفـظ الجلالـة لازم، وعليه، قوله تعـالى ( والراسخون ) الواو فيه استئنافية والجملة بعده مستأنفة، وبناء على ذلك يكون المعنى أنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله تعالى، ويفوّض العلم بتأويله إليه سبحانه إذ هو تعالى أعلم بمراده، ولا نشتغل بتأويل شيء من ذلك، هذا بعد قطعهم بأن الظاهر المستحيل في حق الله تعالى غير مراد له سبحانه ولا لرسوله ‘.

أما الخلف فقالوا إن الواو في قوله تعالى ( والراسخون ) عاطفة وما بعدها معطوف على لفظ الجلالة، وعليه يكون معنى الآية، أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه.

وعلى أية حال فإن كلاّ ًمن الفريقين لا يضلل الآخر، كيف وقد نُقِلَ كلٌّ من المذهبين عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم.

ولقد أجمل حجة الإسلام الغزالي - رحمه الله تعالى - ما يجب على المسلم عند سماعه لهذه النصوص بقوله (إلجام العوام عن علم الكلام ص/4 من الطبعة الأزهرية للتراث سنة 1418هـ):

(اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف، أعني مذهب الصحابة والتابعين. وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه، فأقول:

حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور، التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الإمساك ثم الكف ثم التسليم لأهل المعرفة.

أما التقديس: فأعني به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها.

وأما التصديق: فهو الإيمان بما قاله ‘، وأن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده.

وأما الاعتراف بالعجز: فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست على قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.

وأما السكوت: فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه، ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر.

وأما الإمساك: فأن لا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى، والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة.

وأما الكف: فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه.

وأما التسليم لأهلـه: فأن لا يعتقد أن ذلـك إن خفي عليـه لعجـزه فقد خفي على رسول الله ‘ أو على الأنبياء أو على الصديقين والأولياء.

فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام، لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شي منها) اهـ.

وقال الشيخ العلامة محمود خطاب السبكي - رحمه الله تعالى - (إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات ص/ 167):

(المراد به - يعني المتشابه - هنا كل ما ورد في الكتاب أو السنة الصحيحة موهماً مماثلته تعالى للحوادث في شيء ما،وقامت الدلائل القاطعة على امتناع ظاهره في حق الله تعالى، ولذا أجمع السلف والخلف على تأويله تأويلاً إجمالياً بصرف اللفظ عن ظاهره المحال على الله تعالى، لقيام الأدلة القاطعة على أنه تعالى ليس كمثله شيء، ثم إن السلف لا يعينون المعنى المراد من ذلك النص بل يفوضون علمه إلى الله تعـالى بناء على أن الوقف على قوله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله ) والخلف يؤولونه تأويلاً تفصيلياً بتعيين المعنى المراد منه لاضطرارهم إلى ذلك ردّاً على المبتدعين الذين كثروا في زمانهم، بناء على أن الوقف على قوله تعالى ( والراسخون فى العلم ) اهـ.

وقال الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى - (تعريف عام بدين الإسلام ص/84):

(بيّن الله في القرآن أن فيه آيات محكمات واضحة المعنى، صريحة اللفظ، وآيات وردت متشابهات، ولا يَضِحُ ـ الفعل المضارع من (وضح) ـ المعنى المراد منها تماماً، وإن على المؤمن ألا يطيل الغوص في معناها، ولا يتتبعها فيجمعها ليفتن الناس بالبحث فيها، ومن المتشابه آيات الصفات)

وعلّق - رحمه الله - على هذا في الهامش قائلاً: (ومن جمعها كلها وألقاها إلى التلاميذ فقد جانب طريقة السلف، لا سيما إذا ضمّ إليها أحاديث الآحاد المروية في مثلها، والتي لا تعتبر دليلاً قطعياً في أمور العقائد) اهـ.

ثم بين - رحمه الله تعالى - موقف المسلمين منها فقال:

(المسلمون الأولون وهم سلف هذه الأمة وخيرها وأفضلها لم يتكلموا فيها، ولم يخوضوا في شرحها، بل آمنوا بها كما جاءت من عند الله على مراد الله، فلما انتشر علم الكلام، وأوردت الشبه على عقائد الإسلام، وظهرت طبقة جديدة من العلماء انبرت لِرَدِّ هذه الشبه، تكلم هؤلاء العلماء في آيات الصفات، وفهموها على طريقة العرب في مجاوزة المعنى الأصلي للكلمة إذا لم يمكن فهمها به إلى معنى آخر، وهذا ما يسمى المجاز أو التأويل، وقيل في هذا: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أحكم، وكلهم متفقون على أن هذه الآيات نزلت من عند الله، من أنكر شيئاً منها كفر، وأن من عطلها تماماً فجعلها لفظاً بلا معنى كفر، ومن فهمها بالمعنى البشري وطبقه على الله فجعل الخالق كالمخلوق كفر، والمسلك خطر، والمفازة مهلكة، والنجاة منها باجتناب الخوض فيها) اهـ.

ولقد أجاد رحمه الله تعالى وأحسن، فالمسلك خطر جدّاً، والنجاة باجتناب الخوض جملة، وليس من الحكمة في شيء إلقاء مثل هذه النصوص على العامة وتعريضهم بهـذا الصنيع للفتنة، وقد تواردت الأخبار في النهي عن ذلك، منها ما خرّجه مسلم في مقدمة الصحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)، وعند البخاري في " كتاب العلـم " باب (من خصَّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا) عـن عليّ موقوفــاً (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟).

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - (الفتح 1/272) في شرحه للحديث:

(فيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة... وضابط ذلك أن يكون الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب) اهـ.[/align]يتبع ان شاء الله










قديم 2008-01-29, 20:50   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي المتشابه عند السلف و الخلف

بسم الله الرحمن الرحيم
تابع

[align=right]ولقد نهى الإمام مالك أن يُحَدَّث بما قد يلتبس على الناس كما نقل عنه الإمام ابن أبي زيد رحمه الله تعالى (النوادر والزيادات 14/ 553) (ولا ينبغي لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ولا يشبهه كذلك بشيء، وليقل: له - تعالى - يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف به نفسه. تقف عند ما في الكتاب، لأن الله سبحانه لا مثل له ولا شبيه له ولا نظير له، ولا يروي أحدٌ مثلَ هذه الأحاديث، مثلُ " إن الله خلق آدم على صورته " ونحوُ ذلك مـن الأحاديث. وأعظمَ مالكٌ أن يتحدث أحدٌ بمثل هذه الأحاديث أو يُردِّدَها).

(وانظر أيضاً في هذا البيان والتحصيل 18/504، والسيـر 8/104، الموافـقات 4/549، فتح الباري 1/272).

هذه نصوص واضحة في النهي عن التحديث بالمتشابهات، منها تعلم مجازفة من يخوض في هذه النصوص، ويلقيها على الناس على أنها مما لا يجوز الجهل به، بل ويزيد على هذا بحملها على ما يعهده الناس من هذه الظواهر، ويضلل من يصرفها عن ظاهرها المحال، الذي هو قطعاً ليس مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ما فهمه أصحابه رضوان الله تعالى عليهم من خطابه الشريف!!



* * * * *



قال الأستاذ الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى (كبرى اليقينيات الكونية ص/137) موضحاً شأن هذه المتشابهات:

(يُشْـكِل ـ بحسب الظاهر ـ آيات في كتاب الله، وأحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفيد بظاهر ألفاظها وتعابيرها ثبوت بعض النقائص أو النقائض التي نفيناها عن ذات الله جلّ جلاله، كالجهة والجسمية والجوارح والأعضاء والتحيز في المكان. كقوله سبحانه وتعالى ( وجاء ربك والملك صفّا صفّا ) ، وقوله ( يد الله فوق أيديهم ) ، وقولـه ( .. بل يداه مبسوطتان كيف يشاء ) وقوله ( الرحمن على العرش استوى ) وكقوله عليه الصلاة والسلام " إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن "، وقوله " إن الله خلق آدم على صورته ".

إن هذه النصوص القرآنية من نوع المتشابه الذي ذكر الله عزّ وجلّ أن في كتابه آيات منه، والمقصود بالمتشابه كل نصّ تجاذبته الاحتمالات حول المعنى المراد منه، وأوهم بظاهره ما قامت الأدلة على نفيه.

غير أن هنالك آيات تتعلق بصفات الله تعالى أيضاً، ولكنها محكمات أي قاطعة في دلالتها لا تحتمل إلا معناها الواضح الصريح، كقوله جلّ جلاله ( ليس كمثله شئ ) ، وقوله ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) وقد أوضح الله في كتابه بصريح العبارة ضرورة اتباع المؤمن للنصوص المحكمة في كتابه، وبناء عقيدته في الله بموجبها، ووضع النصوص المتشابهة من ورائها من حيث فهمها والوقوف على المعنى المراد منها...) ثم قال:

(وبناء على ذلك فقد اتفق المسلمون كلهم على تنزيه الله تعالى عمّا يقتضيه ظاهر تلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية من الصفات المنافية لكمال الله وألوهيته... وبعد أن اتفقوا على ذلك ـ وهذا القدر الذي يجب أن يعتقده المسلم ـ اختلفوا في موقفهم من النصوص المتشابهة إلى مذهبين: أولهما تمسك به السلف المتقدمون، وثانيهما جنح إليه مَن بعدهم مِنَ المتأخرين) اهـ.

وعلى الجملة، فإنه لم يؤثر عن علماء الأمة في المتشابه إلا هذان المذهبان المعتبران فقط، مذهب التفويض، وهو مذهب أكثر السلف، ومذهب التأويل، وهو مذهب الخلف وجماعات من السلف، ولا عبرة بمن قال بالأخذ بظاهر نصوص المتشابه، لمناقضته للمنقول وبداهة العقول.

قال الإمـام النووي - رحمه الله تعالى - أثنـاء شرحـه لحديـث مـن أحاديـث الصفـات (شرح مسلم 6 / 36):

(هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان، ومختصرهما أن أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين، أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق، والثاني: مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها) اهـ.

فاقتصر رحمه الله تعالى على ذكر هذين المذهبين، ونص على أن مذهب التأويل منقول أيضاً عن السلف رضوان الله تعالى عليهم، وهذا ليعلم من ينحى على الأشاعرة والماتريدية باللوائم ويصفهم بالابتداع لكونهم سوّغوا مسلك التأويل بشروطه أنه على السلف يعيب وإياهم ينتقص.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في مثل هـذه النصـوص (فتح الباري 13 / 466): (إما تفويض وإما تأويل) اهـ.

وقال أيضاً أثناء رده على أبي إسماعيل الهروي حين اعترض على من أوّل أحاديث النزول، وذكر - أي الهروي - عدة أحاديث في الصعود زاعماً أنها لا تقبل التأويل، فردّ عليه الحافظ بعد أن وصفه بالمبالغة في الإثبات ونقـل طعـن البعض عليه بسبب ذلك، قال الحافظ (الفتح 13 / 476): (فهذه الطرق كلها ضعيفة، وعلى تقدير ثبوتها لا يقبل قوله " إنها لا تقبل التأويل " فإن مُحصِّلها ذكرُ الصعود بعد النزول، فكما قَبِلَ النزولُ التأويلَ لا يُمنع قبولُ الصعودِ التأويلَ، والتسليم أسلم) اهـ.

فانظر إلى قوله رحمه الله (والتسليم أسلم) يتبين لك كونهم - رحمهم الله تعالى - ما طرقوا سبيل التأويل إلا مضطرين ملجئين، ولولا ذلك لوقفوا حيث وقف السلف رضوان الله على الجميع.



وقال الإمام الكرماني - رحمه الله تعالى - في حديث من أحاديث الصفات (الفتح 13 / 13):

(حكم هذا حكم سائر المتشابهات، إما التفويض وإما التأويل)’اهـ.

وقال أيضاً عن حديث آخر (13 / 441):

(هذا الحديث من المتشابهات فإما مفوض وإما مؤول) اهـ.

وقـال الإمـام بدر الديـن بـن جمـاعة عنـد قولـه تعـالى (ثم استوى على العــرش) (إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لابن جماعة، طبع دار السلام القاهرة ص/103):

(... واتفق السلف وأهل التأويل على أن ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد، كالقعود والاعتدال... فسكت السلف عنه - يعني تعيين المراد - وأوله المتأولون) اهـ.

وقـال الإمـام أبو عبد الله الأبي في شرحه على صحيح مسلم عند كلامه على حديث النزول (2 / 385):

(... ومذهب أهل الحق في جميع ذلك أن يصرف اللفظ عن ظاهره المحال، ثم بعد الصرف هل الأولى التأويل أو عدمه، بأن يؤمن باللفظ على ما يليق، ويكل علم حقيقة ذلك إلى الله سبحانه وتعالى... ثم الأظهر من قول أهل الحق التأويل) اهـ.

وقال الإمام العلامة ملا علي القاري - رحمه الله تعالى - بعد أن نقل قول الإمام النووي المارّ معنا قريباً (مرقاة المفاتيح 2 / 136):

(وبكلامه وبكلام الشيخ الرباني أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من أئمتنا وغيرهم يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر كالمجيء والصورة والشخص والرجل والقدم واليد والوجه والغضب والرحمة والاستواء على العرش والكون في السماء وغير ذلك عما يفهمه ظاهرها، لما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان تستلزم أشياء يحكم بكفرها بالإجماع، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره.

وإنما اختلفوا هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أن نؤوله بشيء آخر، وهو مذهب أكثر أهل السلف وفيه تأويل إجمالي، أو مع تأويله بشيء آخر وهو مذهب أكثر أهل الخلف، وهو تأويل تفصيلي، ولم يريدوا بذلك مخـالفة السلف الصالح - معاذ الله أن يظن بهم ذلك - وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك، لكثرة المجسمة والجهمية وغيرها من فرق الضلال، واستيلائهم على عقول العامة، فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم، ومن ثم اعتذر كثير منهم وقالوا: لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك) اهـ.

وقال الإمام الزركشي – رحمه الله تعالى – (البرهان في علوم القرآن 2/ 207):

(اختلف الناس في الوارد منها - يريد المتشابهات - في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق:

أحدها: لا مدخل للتأويـل فيها، بل تجرى على ظاهرها، ولا نؤول شيئاً منها، وهم المشبهة.

والثاني: أن لها تأويلاً ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه والتعطيل ونقول لا يعلمه إلا الله، وهو قول السلف.

والثالث: أنها مؤولة، وأولوها على ما يليق به. والأول باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة... وممن نقل عنه التأويل علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم) اهـ.

وقال العلامة محمد زكريا الكاندهلوي رحمه الله تعالى عند شرحه لحديث النزول من الموطأ (أوجز المسالك 4/334): (فالعلماء في ذلك على قسمين: الأول المفوّضة... والقسم الثاني: المؤوّلة) اهـ.

بهذا يكون الصبح قد استبان لذي عينين، وثبت أن التفويض والتأويل هما المذهبان الصحيحان في المتشابه من نصوص الصفات. بقي أن نبين سبب ورود مثل هذه الألفاظ في الكتاب والسنة مع كونها مثاراختلاف ومزلة قدم، فنقول: لا يبعد أن يكون ورود مثل هذه الألفاظ اختباراً وابتلاءً للناس، ليتبين من يلتزم الحد ويقف حيث أُمِر، ومن يتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وتضليل الخلق، قال تعالى : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتِّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم يقولون كلٌّ من عند ربنا ، وما يتذكر إلا أولوا الألباب )

قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى (إلجام العوام ص/49):

(إن قال قائل ما الذي دعا رسول الله ‘ إلى إطلاق هذه الألفاظ الموهمة مع الاستغناء عنها، أكان لا يدري أنه يوهم التشبيه ويغلّط الخلق ويسوقهم إلى اعتقاد الباطل في ذات الله تعالى وصفاته، وحاشا منصب النبوة أن يخفى عليه ذلك، أو عرف ولكن لم يبالِ بجهل الجهال وضلالة الضلاّل، وهذا أبعد وأشنع لأنه بُـعِـَث شـارحاً لا مـبهماً ملـبّساً ملغزاً، وهذا إشكال له وقع في القلوب حتى جرّ بعض الخلق إلى سوء الاعتقاد فيه، فقالوا: لو كان نبِيّاً لعرف الله ولو عرفه لما وصفه بما يستحيل عليه في ذاته وصفاته، ومالت طائفة أخرى إلى اعتقاد الظواهر، وقالوا لو لم يكن حقاً - أي هذه الظواهر المُحالة - لما ذكره كذلك مطلقاً، ولعدل عنها إلى غيرها أو قرنها بما يزيل الإيهام عنها في سبيل حلّ هذا الإشكال العظيم.

فالجواب: أن هذا الإشكال مُنْحَلٌّ عند أهل البصيرة، وبيانه أن هذه الكلمات ما جمعها رسول الله دفعةً واحدة وما ذكرها، وإنما جمعها المشبهة، وقد بيّنا أن لجمعها من التأثير في الإيهام والتلبيس على الأفهام ما ليس لآحادها المفرّقة، وإنما هي كلمات لهج بها في جميع عمره ‘ في أوقات متباعدة، وإذا اقتصر منها على ما في القرآن والأخبار المتواترة رجعت إلى كلمات يسيرة معدودة، وإن أضيفت إليها الأخبار الصحيحة فهي أيضاً قليلة، وإنما كثرت الروايات الشاذة الضعيفة التي لايجوز التعويل عليها، ثم ما تواتر منها إن صح نقلها عن العدول فهي آحاد كلمات وما ذكر‘ كلمة منها إلا مع قرائن وإشارات يزول معها إيهام التشيبه، وقد أدركها الحاضرون المشاهدون، فإذا نُقلت الألفاظ مجردة عن تلك القرائن ظهر الإيهام، وأعظم القرائن في زوال الإيهام المعرفة السابقة بتقديس الله تعالى عن قبول هذه الظواهر، ومن سبقت معرفته بذلك كانت تلك المعرفة ذخيرة له راسخة في نفسه مقارنة لكل ما يسمع، فينمحق معه الإيهام انمحاقاً لا يشك فيه، ويعرف هذا بأمثلة:

الأول: أنه ‘ سمى الكعبة بيت الله تعالى، وإطلاق هذا يوهم عند الصبيان وعند من تقرب درجتهم منهم أن الكعبة وطنه ومثواه لكن العوام الذين اعتقدوا أنه في السماء وأن استقراره على العرش ينمحق في حقهم هذا الإيهام على وجه لايشكون فيه، فلو قيل لهم: ما الذي دعا رسول الله ‘ إلى إطلاق هذا اللفظ الموهم المخيل إلى السامع أن الكعبة مسكنه؟ لبادروا بأجمعهم وقالوا: هذا إنما يوهم في حق الصبيان والحمقى أما من تكرر على سمعه أن الله مستقر على عرشه فلا يشك عند سماع هذا اللفظ أنه ليس المراد به أن البيت مسكنه ومأواه، بل يعلم على البديهة أن المراد بهذه الإضافة تشريف البيت أو معنىً سواه غير ما وُضع له لفظ البيت المضاف إلى ربه وساكنه. أليس كان اعتقاده أنه على العرش قرينة أفادته علماً قطعياً بأنه ما أريد بكون الكعبة بيته أنه مأواه، وأن هذا إنما يوهم في حق من لا يسبق إلى هذه العقيدة، فكذلك رسول الله ‘ خاطب بهذه الألفاظ جماعة سبقوا إلى علم التقديس ونفي التشبيه وأنه منزّه عن الجسمية وعوارضها، وكان ذلك قرينة قطعية مزيلة للإيهام لا يبقى معه شك، وإن جاز أن يبقى لبعضهم تردد في تأويله وتعيين المراد به من جملة ما يحتمله اللفظ ويليق بجلال الله تعالى) اهـ.

ثم أخذ الإمام الغزالي رحمه الله يزيل كل توهم في هذه القضية ببيانه المحكم وعبارته الفصيحة، فليراجع فهو غاية في الأهمية.

وبهذا يعلم أن من قال بظواهر هذه النصوص قد خالف السلف والخلف، وأتى بقول مبتدع ليس له نصيب من الحق، إذ ليس في هذه المسألة إلا التفويض أو التأويل، كما يعلم أيضـاً بأن التأويل ليس بدعة في الدين كما يروجه البعض - جهلاً - على العامة، بل هو مذهب حق ثابت عن سلف الأمة، وجارٍ على سنن لغة العرب.

فلماذا كل هذا التهويل في أمر لا يستلزم ذلك، لا سيما والحق فيه مـع الأشاعـرة والماتريدية؟!

ولماذا كل هذا الإصرار على تفريق الأمة والفتِّ في عضدها وخَضْدِ شوكتِها؟! وكأن الأمة لا يكفيها ما تئنُّ تحت وطأته من مصائب ومحن؟!!
[/align]يتبع ان شاء الله










قديم 2008-01-29, 20:55   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي الخلاف في العقيدة

بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى
الخلاف في العقيدة

[align=right]

هل كل خلاف في العقيدة سواء كان في الأصول أو في الفروع يترتب عليه الكفر أو الضلالة، والبدعة والفسق؟

وهل وقع بين الصحابة وعلماء السلف الطيب خلاف في العقائد؟

وهل وقع بينهم رضي الله عنهم على إثر ذلك الخلاف تضليل لبعضهم أو تفسيق؟

عند الإجابة على هذه الأسئلة يتضح خطأ الذين يجازفون بتضليل الأشاعرة والماتريدية وعلماء الأمة وأعلامها وكل من خالفهم بغير علم ولا روية.

وكان الأجدر بهم - وحال الأمة من التفكك والتشرذم يدمى له قلب كل غيور - أن يُحمل الخلاف إذا وجد على محامل حسنة تتفق مع صدر ديننا الرحب، ويُلتمس العذر قدر المستطاع كي لا يزيدوا في فرقة الأمة وتشتتها، ويعينوا عليها أعداءها، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.

ولبيان قضية الخلاف في العقيدة نقول:

إن العقيدة تنقسم إلى أصول وفروع، والأصول تنقسم كذلك إلى أصول الدين وأصول مذهب أهل السنة والجماعة، أما أصول الدين، مثل: وجود الله تعالى ووحدانيته وبقاؤه وقدمه، وحدوث العالم، وهو كل ما سوى الله تعالى من الموجودات، وصدق الرسل والأنبياء، ونحو ذلك من القضايا، فحكم المخالف فيها الخروج من الملة بلا خلاف لكونها أعمدة الدين وأسسه التي ينبني عليها، ومثال المخالفين فيها أصحاب الديانات والنحل الأخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية والبوذية..إلخ

نقل الإمام النووي - رحمه الله تعالى - عن الإمام المتولي قوله (روضة الطالبين 10 / 64):

(من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع، ككونه عالماً قادراً، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع، كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال، كان كافراً، وكذا من جحد جواز بعثة الرسل، أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، أو كذبه، أو جحد آية من القرآن مجمعاً عليها، أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه، أو سبَّ نبياً أو استخف به، أو استحل محرماً بالإجماع، كالخمر والزنى واللواط، أو حرم حلالاً بالإجماع، أو نفى وجوب مجمع على وجوبه، كركعة من الصلوات الخمس، أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع، كصلاة سادسة وصوم شوال، أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة، أو ادعى النبوة بعد نبينا ‘، أو صدق مدّعياً لها، أو عظم صنماً بالسجود له، أو تقرب إليه بالذبح باسمه فكل هذا كفر) اهـ.

وهنا قضية هامة وخطرة لابد من التعريج عليها قبل الانتقال إلى الخلاف في أصول أهل السنة والجماعة بشيء من البسط حسب ما يقتضيه المقام، وهي قول الإمام المتولي (أو أثبت له الاتصال أو الانفصال) فجعل إثبات الاتصال والانفصال لله تعالى من الأمور المكفرة ووافقه على ذلك الإمام النووي، وسيأتي معنا أقوال العلماء التي تنزه الله تعالى عن الاتصال والانفصال والمكان والحيز والجهة وكل ما لا يليق به من صفات المخلوقين.

والاتصال والانفصال هو الدخول والخروج الذي ينزه أهل السنة الله تعالى عن الاتصاف بأحدهما.

هذه القضية من الأهمية والخطورة بمكان، ولولا عدم الفهم لها فهماً صحيحاً من قبل هؤلاء الذين ينكرون على الأشاعرة لأجلها ما أدرجناها هنا لدقتها، بيد أننا سنحاول أن لا ندخل في تفاصيلها وسنكتفي بالبيان الإجمالي وبنقل أقوال العلماء المحذرة من وصف الله تعالى بأي شيء من ذلك، ومن أراد الاستزادة والتفصيل فليراجع المسألة في مظانها من كتب العقائد.

كثيرا ما نقرأ أو نسمع من البعض التصريح بوصف الله تعالى بأنه (بائن من خلقه بذاته!!) وهذا القول هو ما حذر العلماء منه، لأن البينونة بالذات هي الانفصال الذي حكم العلماء بحرمة وصف الله تعالى به كما مر من قول المتولي وإقرار النووي رحمهما الله، وكما سيأتي من نصوص غيرهما من العلماء، فهذا القول - وهو قولهم بائن بذاته – فضلا عن كونه قولاً ممتنعاً عقلاً فهو أيضاً قولٌ مبتدع لم يرد في كتاب ولا سنة ولا على لسان أحد من الصحابة أو التابعين.

وإليك أقوال العلماء في إنكار لفظة (بذاته):

قال الحافظ الذهبي أثناء ترجمة ابن الزاغوني (سير أعلام النبلاء19/607):

(قد ذكرنا أن لفظة بذاته لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعـلــم) اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني عند شرحه لحديث "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة..." الحديث، قالوفيه - أي الحديث - الرد على من زعم أنه على العرش بذاته) اهـ.

وقال الحافظ الذهبي في كتاب (العلو / ص263) بعد أن نقل قول يحيى بن عمار: (بل نقول هو بذاته على العرش وعلمه محيط بكل شيء) قال الذهبي (قولك "بذاته"من كيسك) اهـ.

وقال أيضاً في ترجمة الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي (سير أعلام النبلاء 20/86):

(قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك،إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب شيء من البدعة. اللهم احفظ علينا إيماننا) اهـ.

وافتراض الذهبي لصحة المعنى محمول على ما ذكره صاحب الترجمة من المعاني الصحيحة للفظة (بذاته) لا على المعنى الظاهر المتبادرإلى الذهن منها.

وقال الإمام بدر الدين بن جماعة رحمه الله تعالى في كتابه (إيضاح الدليل ص/107):

(فمن جعل الاستواء في حقه تعالى ما يفهم من صفات المحدثين وقال: استـوى بذاته، أو قال: استوى حقيقة فقد ابتدع بهذه الزيادة التي لم تثبت في السنة ولا عن أحد من الأئمة المقتدى بهم) اهـ.

وقال الحافظ الذهبي في (العلو/ ص 256):

(وقد نقموا عليه ـ يعني ابن أبي زيد القيرواني ـ في قوله بذاته. فليته تركها) اهـ.

هذا مع اليقين بأن الإمام ابن أبي زيد القيرواني لم يُرِدْ بهذه اللفظة - إذا صحَّت عنه([1]) - المعنى الذي يريده البعض من ذكرها، كما هو بيّن وجليّ من أقوال شراح رسالته، وهو أشعري محب للإمام أبي الحسن كما هو واضح من جوابه لمن لامه في حُبِّه، قال: (ما الأشعري إلا رجل مشهور بالردِّ على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية متمسك بالسنن) اهـ، وقد ذكره التاج السبكي ضمن الطبقة الثانية من الأشاعرة الذين فات الحافظ ابن عساكر ذكرهم في كتابه " التبيين " (تبيين كذب المفتري ص/123، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 368، 372).

وقال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله (الاستذكار 8 /153):

(وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة: إنه - تعالى - ينزل بذاته! وهذا قول مهجور، لأنه تعالى ذِكْرُه ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات.) اهـ.

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى (السير 20/331، في ترجمة كوتاه):

(وكذا قوله ( وجاء ربك ) ونحوه، فنقول: جاء، وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة، والله أعلم) اهـ.

وبهذا يتضح أن لفظة بذاته غير ثابتة عن سلف الأمة الطيب ويأباها العقل والنقل. فأي حجة أقوى من هذه الحجة ونصوص الأئمة لا تحتمل معها أي معنى آخر، ونحن إذ نثبت هذا لا نحتم على مخالفينا اتباع ما نقول، كلاَّ، وإنما حسبنا أن يكفُّوا عن إساءتهم لعلماء الأمة وأئمة الهدى الذين لا يفتأون يُجرِّحونهم ويقعون في أعراضهم!! قـال أبـو الحسيـن ابن المنـادي - رحمـه الله - كمــا نقله ابن الجـوزي مـن خطّه (دفع شبه التشبيه 192):

(ولسنا نختلف أن الجبار لا يعلوه شيء من خلقه بحال، وأنه لا يحلّ بالأشياء بنفسه، ولا يزول عنها، لأنه لو حل بها لكان منها، ولو زال عنها لنأى عنها..) اهـ.

وقول ابن المنادي (وأنه لا يحلّ بالأشياء بنفسه ولا يزول عنها) هو عين ما يعنيه العلماء بقولهم: إن الله تعالى لا يوصف بالاتصال والانفصال والدخول والخروج.

وابن المنـادي هو الإمام أحمد بن جعفر المقرئ الحافظ كما وصفه الذهبي(السير 15 / 361)قال: (قال عنه الدانيّ: مقرئ جليل غاية في الإتقان، فصيح اللسان، عالم بالآثار، نهاية في علم العربية، صاحب سنة ثقة مأمون.) اهـ.

قال العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى (المقدمة ص/868):

(يقع كثيراً في كلام أهل العقائد من علماء الحديث والفقه أن الله تعالى مباين لمخلوقاته، ويقع للمتكلمين أنه لا مباين ولا متصل، ويقع للفلاسفة أنه لا داخل العالم ولا خارجه... فلنبينْ تفصيل هذه المذاهب ونشرحْ حقيقة كلِّ واحد منها حتى تتضح معانيها، فنقول: إن المباينة تقال لمعنيين أحدهما: المباينة في الحيز والجهة، ويقابلها [أي المباينة بهذا المعنى] الاتصال، وتُشعِر هذه المقابلة على هذه التقيدَ بالمكان إمّا صريحاً وهو تجسيم، أو لزوماً وهو تشبيه من قبيل القول بالجهة، وقد نقل مثله عن بعض علماء السلف من التصريح بهذه المباينة، فيحتمل غير هذا المعنى، ومن أجل ذلك أنكر المتكلمون هذه المباينة، وقالوا: لا يقال في البارئ أنه مباينٌ مخلوقاتَه ولا متصل بها، لأن ذلك إنما يكون للمتحيزات، وما يقال من أن المحلَّ لا يخلو عن الاتصاف بالمعنى وضدّه [أي نقيضه] فهو مشروط بصحة الاتصاف أولاً، وأمّا مع امتناعه فلا، بل يجوز الخلوُّ عن المعنى وضدِّه كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا كاتب ولا أمّي، وصحة الاتصاف بهـذه المباينـة [أي المباينة في الحيز والجهة] مشروط بالحصول في الجهة، على ما تقرر من مدلولها، والبارئ منزه عن ذلك، ذكره ابن التلمساني في شرح اللمع لإمام الحرمين، وقال: " ولا يقال في البارئ مباين للعالم ولا متصل به، ولا داخل فيه ولا خارج عنه. ".....

وأما المعنى الآخر للمباينة فهو المغايرة والمخالفة، فيقال: البارئ مباين لمخلوقاته في ذاته وهويته ووجوده وصفاته، ويقابله الاتحاد والامتزاج والاختلاط، وهذه المباينة هي مذهب أهل الحق كلهم من جمهور السلف وعلماء الشرائع والمتكلمين والمتصوفة الأقدمين كأهـل الرسالـة [أي من جاء ذكرهم في رسالة القشيري] ومن نحا منحاهم) اهـ.

وقال ابن الجوزي- رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه ص 130):

(فإن التجاور والتباين من لوازم المتحيز في المتحيزات، وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم المتحيز، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز... وكذا ينبغي أن يقال: ليس بداخل العالم وليس بخارج منه، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات وهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام.... وكلام هؤلاء كله مبني على الحس، وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط) اهـ.



ولقد فرعوا على القول بأن الله تعالى بائن بذاته من خلقه ـ وهي بينونة حسية ـ وعلى إثبات الحد له سبحانه وتعالى، فرعوا على ذلك القول بالجهة لله تعالى أي أنه تعالى بجهة الفوق حساً ويشار إليه بالإشارة الحسية، ونسبوا لله تعالى المكان.



وهذه أقوال الأئمة الثقات بنفي الجهة عن الله تعالى وتنزيهه عن المكان:

* تنزيه الإمام مالك لله تعالى عن الجهة والمكان والعلو والنزول الحسي:

ذكر الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير الإسكندري المالكي في كتابه" المنتقى في شرف المصطفى "لما تكلم على الجهة وقرر نفيها قال:

(ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله " لا تفضلوني على يونس بن متى " فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه، رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفـضـل، ولَمَا نهى عن ذلك) اهـ.

ثم أخذ الإمام ناصر الدين يبين أن الفضل بالمكانة لا بالمكان لأن العرش في الرفيق الأعلى فهو أفضل من السفلى. (إتحاف السادة المتقين 2/ 105).

وقال الإمام مالك رضي الله عنه في تأويله للنزول في الحديث (ينزل أمره كل سحر، فأما هو عز وجل فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل، سبحانه لا إله إلا هو) اهـ. (التمهيد 7 / 143، شرح صحيح مسلم للنووي 6/ 37، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 81) قال الإمام ابن عبد البر بعد نقله لقول مالك: (وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة) ثم قال بعد أن ذكر قول الذين يقولون: ينزل بذاته. قال رحمه الله تعالى: (ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأن هذا كيفية، وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً وقد جل الله وتعالى عن ذلك).



* قول الإمام الطبري في نفي العلو الحسي:

قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله عز وجل ( وه القاهر فوق عباده ) (7 / 103) قال (فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه) فجعل - رحمه الله - فوقية الله على عباده فوقية القهر، وعباده دونه أي تحته من هذه الحيثية.

وقال أيضاً مؤولاً علو الله تعالى على عرشه ونافياً للاستقرار والتحيز (1 / 192): (علا عليه علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال) اهـ.





* قول القاضي عياض في صرف ألفاظ المتشابه عن ظاهرها ونقله اتفاق الأمة على ذلك:

قال - رحمه الله تعالى - (إكمال المعلم 2/465، شرح صحيح مسلم للنووي 5 / 24):

(لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السمـاء كقوله تعالى ( ءَأَمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم) اهـ.



* قول الإمام النووي:

قال ـ رحمه الله تعالى ـ (روضة الطالبين 10 / 85):

(ولو قال – يعني الكافر – لا إله إلا ساكن السماء، لم يكن مؤمناً، وكذا لو قال لا إله إلا الله ساكن السماء، لأن السكون محال على الله) اهـ.

وقال أيضاً ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح حديث الجارية (شرح مسلم 5 / 24):

(هذا حديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان، أحدهما الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات.

والثاني: تأويله بما يليق. فمن قال بهذا قال: كأن المراد امتحان الجارية هل هي موحدة تُقرّ بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء، كما إذا صلّى المصلّي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلّين، أو هي من عبدة الأوثـان التي بين أيديهم، فلما قـالت: في السمـاء عُلم أنها موحـدة وليست عابـدة للأوثان) اهـ. [/align]
يتبع










قديم 2008-01-29, 20:57   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي الخلاف في العقيدة

بسم الله الرحمن الرحيم
تابع

[align=right]* قول الحافظ ابن حجر العسقلاني:

قال - رحمه الله تعالى - (الفتح 6 / 158): (ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو، لأن وصفه بالعلو، من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس) اهـ.

وقال - أيضاً - معلقاً على حديث "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ":

(وفيه رد على من زعم أنه - تعالى - على العرش بذاته) اهـ (الفتح 1 /508).

وقال أيضاً منزهاً لله تعالى عن الجهة والمكان عند كلامه على حديث " لا شخص أغير من الله " (الفتح 13 / 413):

(وكأن لفظ الشخص أطلق مبالغة في إثبات إيمان من يتعذر على فهمه موجود لا يشبه شيئاً من الموجـودات، لئلا يفضي به إلى النفي والتعطيـل، وهو نحو قولـه ‘ للجارية " أين الله " قالت: " في السماء "، فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في التعطيل لقصور فهمها عمّا ينبغي له من تنزيهـه مما يقتضـي التشبيـه تعـالى الله عن ذلك علوّا كبيراً) اهـ.

وقال أيضاً ناقلاً قول ابن بطال مؤيداً له (الفتح 13/397):

(والله منزه عن الحلول في المواضع، لأن الحلول عرض يفنى، وهو حادث، والحادث لا يليق بالله.) اهـ.

وقال في شرحه لحديث النزول (الفتح 3 / 37):

(استدل به من أثبت الجهة وقال: هي جهة العلوّ، وأنكر ذلك الجمهور، لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك. وقد اختلف في معنى النزول على أقوال:

فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة، تعالى الله عن قولهم.

ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة...

ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمّادين والأوزاعي والليث وغيرهم.

ومنهم من أوّله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب... ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب وبين ما يكون بعيداً مهجوراً، فأوّل في بعض وفوّض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد)’اهـ.



* قول الإمام ابن الجوزي:

قال - رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه. ص / 136):

(اعلم أن كل من يَتصور وجود الحق سبحانه وجوداً مكانياً طَلَبَ له جهة، كما أن من تخيل أن وجوده وجود زماني طلب له مدة في تقدمه على العالم بأزمنة، وكلا التخيلين باطل.

وقد ثبت أن جميع الجهات تتساوى بالإضافة إلى القائل بالجهة، فاختصاصه ببعضها ليس بواجب لذاته، بل هو جائز فيحتاج إلى مخصص يخصصه ويكون الاختصاص بذلك المعنى زائداً على ذاته وما تطرق الجواز إليه استحال قدمه، لأن القديم هو الواجب الوجود من جميع الجهات، ثم إن كل من هو في جهة يكون مقدّراً محدوداً وهو يتعالى عن ذلك، وإنما الجهات للجواهر والأجسام لأنها أجرام تحتاج إلى جهة، والجهة ليست في جهة، وإذا ثبت بطلان الجهة ثبت بطلان المكان، ويوضحه أن المكان يحيط بمن فيه والخالق لا يحويه شيء ولا تحدث له صفة) اهـ.

وقوله رحمه الله تعالى (والجهة ليست في جهة) أراد أن يردّ فيه زعم الزاعم: لا يُتَعقَّل موجود ليس في جهة. توصّلاً بهذا إلى إثبات الجهة لله تعالى، إذ الجهة موجودة عند هذا الزاعم وهي ليست في جهة من نفسها، إذ لو كانت كذلك لتسلسل الأمر إلى غير نهاية، وهذا باطل، فثبت أن الجهة موجودة بلا جهة، وبه ينتقض زعمهم: لا يُتَعقَّل موجود ليس في جهة من الجهات.

وقال القاضي أبو يعلى (دفع شبه التشبيه 137):

(إن الله عزّ وجلّ لا يوصف بالمكان) اهـ.

قال الإمام ابن الجوزي بعد نقله لقول أبي يعلى الفراء (دفع شبه التشبيه 138):

(فإن قيل: نفي الجهات يحيل وجوده. قلنا: إن كان الموجود يقبل الاتصال والانفصال فقد صدقت، فأمّا إذا لم يقبلهما فليس خلوّه من طرف النقيض بمحال.

فإن قيل: أنتم تلزموننا أن نقرّ بما لا يدخل تحت الفهم. قلنا: إن أردت بالفهم التخيل والتصور فإن الخالق لا يدخل تحت ذلك، إذ ليس يحس ولا يدخل تحت ذلك إلا جسم له لون وقدر، فإن الخيال قد أنس بالمبصرات فهو لا يتوهم شيئاً إلا على وفق ما رآه لأن الوهم من نتائج الحس، وإن أردت أنه لا يعلم بالعقل فقد دللنا أنه ثابت بالعقل، لأن العقل مضطر إلى التصديق بموجب الدليل.

واعلم أنك لمّا لم تجد إلا حسّاً أو عرضاً وعلمت تنزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك، فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزاً أو متحركاً أو منتقلاً.

ولمّا كان مثل هذا الكلام لا يفهمه العامّي قلنا: لا تسمعوه ما لا يفهمه ودعوا اعتقاده لا تحركوه، ويقال إن الله تعالى استوى على عرشه كما يليق به) اهـ.

وهذا واضح في أن الأصل في النصوص المتشابهة التفويض ما لم تدْعُ حاجة إلى التأويل، وهو ما كان عليه جمهور السلف الصالح كما سيأتي من أقوال العلماء التي تفيد ذلك، وأنهم ـ نعني السلف ـ لو وُجد في أزمانهم ما حدث بعد ذلك لجهروا بالتأويل، كيف وقد ثبت التأويل عن جماعات منهم؟!



* قول الإمام القشيري:

قال الإمام القشيري - رحمه الله تعالى - (إتحاف السادة المتقين 2 / 108): (فالرب موصـوف بالعلو وفوقيـة الرتبة والعظمة منزه عن الكون في المكـان وعن المحاذاة) اهـ.



* قول قاضي القضاة ابن المنير:

نقل الحـافظ ابن حجر عن ابن المنيـر مؤيّداً له في تنزيـه الله تعــالى عن المكان والجهة (فتح الباري 13 / 429):

(قال ابن المنير... قوله " رب العرش "... نبّه [يعني البخاري] على بطلان قول من أثبت الجهة أخذاً من قوله " ذي المعارج " ففَـهِمَ - أي مثبت الجهة - أن العلوّ الفوقي مضاف إلى الله تعالى، فبين المصنف [يعني البخاري] أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش كل منهما مخلوق مربوب محدث، وقد كان الله قبل ذلك وغيره، فحدثت هذه الأمكنة، وقدمه - تعالى - يحيل وصفه بالتحيز فيها والله أعلم) اهـ.

وبهذا تتفق كلمة البخاري وابن المنير والحافظ ابن حجر رحمهم الله تعالى في هذا النص على تنزيه الله تعالى عن المكان والجهة، وهذا قول جميع المنزهين.



* قول الإمام البيضاوي:

وقال الإمام البيضاوي - رحمه الله تعالى - (فتح الباري 3 / 37):

(ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجـلال التي تقتضي الغضب والانتقـام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة) اهـ.



* قول الإمام القرطبي:

وقال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى ( وهو القاهر فوق عباده ) (6 / 399): (ومعنى فوق عباده، فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم، أي أنهم تحت تسخيره لا فوقية مكان) اهـ.



نخلص من هذا إلى أن القول بأن الله تعالى ساكن في السماء، أو أنه على العرش بذاته أو ينزل بذاته أو استوى على العرش بذاته أو على الحقيقة، أو أنه تعالى بائن من خلقه بذاته، كل ذلك وصف لله بما يستحيل في حقه تعالى عقلاً ونقلاً، فهذه نصوص واضحة قاطعة بتنزيه الله تعالى عن المكان والجهة والحيز والاتصال والانفصال والدخول والخروج، وقاضية على من أثبت شيئاً من ذلك لله تعالى بالتشبيه.

ولا يفهم من قول أهل الحق: إن الله تعالى لا يوصف بأنه داخل العالم ولا بأنه خارج العالم. بأنهم يصفونه تعالى بالعدم، معاذ الله، كلا، وإنما مرادهم أن إطلاق هذا اللفظ على الله تعالى لا يجوز وهو منزه عنه، هذا مع إثباتهم أن الله تعالى ليس حالاًّ في العالم وليس شيء من العالم حالاًّ فيه تعالى، أما الدخول والخروج والاتصال والانفصال فلا يجوز أن يضاف شيء منها إلى الله تعالى لأنها من صفات الأجسام.

أما ما جاء في الكتاب والسنة من الألفاظ التي ظاهرها إثبات الجهة والمكان لله تعالى فهي ـ قطعاً وباتفاق علماء السلف والخلف ـ مصروفة عن ظاهرها وحقائقها كما مرّ من أقوال العلماء، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك كما نقل الإمام النووي عن القاضي عياض قوله المار قريباً.

وهذا الذي ذكرناه في هذه القضية الهامة إنما كان موضعه - في الأصل - كتب أهل الاختصاص ومجالس العلم التي يُفهم فيها مدلولات الألفاظ، ولكن ما الحيلة وقد أصبح مثل هذا الكلام الخطر والمسلك الوعر ندرة المجالس وحديث العامة في كل مكان، فتجد من لا يعرف نواقض الوضوء وأركان الصلاة وأحكام العبادات يرفع عقيرته بالكلام عن أعظم قضية في الإسلام بلا خوف أو وجل نعني بذلك صفات الله تعالى، وما هذا إلا بسبب ترديد مثل هذه النصوص المتشابهة التي نهى العلماء عن التحدث بها كما مرَّ من قول الإمام مالك وكما قال الإمام ابن رشد معقِّباً على قول مالكٍ ومبيناً لسبب نهيِهِ عن ذلك، قال: (وإنما نهى مالك... مخافة أن يُتحدث بها، فيكثر التحدث بها، وتشيع في الناس فيسمعها الجهال الذين لا يعرفون تأويلها فيسبق إلى ظنونهم التشبيه بها) اهـ.

فاضطررنا إلى ذكره هنا تبياناً للحق، وتنبيهاً على ما وقع بين الناس من فهم غير صحيح لهذه القضية.

عود على بدء، قد بينا الخلاف في أصول الديانات وحكم المخالف في شيء منها، بقي أن نذكر الخلاف في أصول أهل السنة والجماعة، وهذه الأصول لا يحكم على المخالف فيها بالتكفير بيد أن الخلاف فيها غير يسير بل جد خطير.

ومثال هذه الأصول ثبوت عذاب القبرونعيمه والصراط والميزان، والكف عن صحابة رسول الله ‘ والترضي عليهم، والقدر، وعدم تكفير أهل المعاصي من الموحدين، وغير ذلك من المسائل والقضايا التي اتفقت عليها كلمة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم. وحكم المخالف في شيء من ذلك الفسق والضلال والخروج عن دائرة أهل السنة والجماعة، وما كان عليه رسول الله ‘ وأصحابه. أعاذنا الله من الفتن.

أما الفروع العقدية وهي ما سوى هذين القسمين مثل جزئيات العقيدة ونمثل لها هنا بما حدث بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من اختلاف في رؤية النبي ‘ ربه ليلة عرج به إلى السماء، فأثبتها بعضهم كابن عباس، ونفاها البعض كأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنهم أجمعين، وكتعذيب الميت ببكاء أهله عليه، فأثبته بعضهم ونفاه آخرون. وغير ذلك من المسائل الجزئية الغيبية، ويلحق بهذا النوع من الاختلاف المشروع الذي حدث بين سلف الأمة الطيب الاختلاف في تفويض المتشابهات وتأويلها، فقد نقل العلماء عن السلف أن جمهورهم كان على مذهب التفويض وعن جماعات منهم أنهم أخذوا بالتأويل من هؤلاء ـ نعني الذين قالوا بالتأويل ـ سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصحابة وأكابر التابعين وتابعيهم.

وعلى الجملة فإن الخلاف في هذا النوع من القضايا لا يترتب عليه شيء قطعاً، إذ لم ينقل عن الصحابة أو السلف عموماً أنهم ضللوا بعضهم بعضاً بسبب شيء من ذلك خصوصاً وأن اختلافهم في مثل هذه القضايا مستفيض مشهور.

وما حدث بين طوائف أهل السنة من اختلاف في بعض المسائل ملحق بهذا النوع من الاختلاف، نحو ما حدث بين الأشاعرة والماتريدية، فكله لا يستلزم تضليلاً ولا تبديعاً.



قال الحافظ بن عساكر - رحمه الله تعالى - (تبين كذب المفترى ص / 409):

(الأصحاب مع اختلافهم في بعض المسائل كلهم أجمعون، على ترك تكفير بعضهم بعضاً مجمعون، بخلاف من عداهم من سائر الطوائف وجميع الفرق، فإنهم حين اختلفت بهم مستشنعات الأهواء والطرق كفر بعضهم بعضاً، ورأى تبرِّيه ممن خالفه فرضاً) اهـ.

وقال الإمام تاج الدين السبكي - رحمه الله تعالى - (طبقات الشافعية 3 / 378):

(تفحصت كتب الحنفية فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث عشر مسألة، منها معنوي ست مسائل، والباقي لفظي، وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم فيها تكفيراً ولا تبديعاً صرح بذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي وغيره من أئمتنا وأئمتهم وهو غني عن التصريح لظهوره)’اهـ.

وقال العلامة ملا علي القاري - رحمه الله تعالى - (مرقاة المفاتيح 1/ 206):

(وما وقع من الخلاف بين والماتريدية والأشعرية في مسائل فهي ترجع إلى الفروع في الحقيقة، فإنها ظنيات فلم تكن من الاعتقادات المبنية على اليقينيات، بل قال بعض المحققين إن الخُلْفَ بينهما في الكل لفظي) اهـ.

بهذا يتبين خطأ الذين يسارعون في تضليل مخالفيهم وتبديعهم معممين لأحكامهم وغير مراعين لنوع القضايا التي يقع فيها الخلاف، لا سيما المسائل التي نقل عن السلف الطيب خلاف فيها دون إنكار من بعضهم على بعض.

ويتبين أيضاً مجازفة أولئك الذين يضللون الأشاعرة والماتريدية جهلاً ودون روية، متجاهلين كل النصوص المنقولة عن علماء الأمة بالتنويه بفضلهم، ومتجاهلين أيضا كون قضية التفويض والتأويل التي يضللونهم بسببها منقولة عن الصحابة والسلف الطيب، وأنها من نوع المسائل التي لا يترتب عليها ضلال أو بدعة.

* * * * *
--------------------------------------------------------------------------------

([1]) قال العلامة الكوثري رحمه الله في تعليقه على تبيين كذب المفتري في هامش ص/123 (يطبق شراح رسالته على أن هذه اللفظة إما مدسوسة أو من قبيل الاحتراس بالرفع أي: المجيد بذاته لا بالخدم والخول).
[/align]يتبع بحول الله










قديم 2008-01-29, 21:01   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
نادية مجدوبي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي التفويض والتأويل

بسم الله الرحمن الرحيم
تابع :
اسم الكتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم
المؤلف: حمد السنان و فوزى العنجرى
التفويض والتأويل
[align=right]
التفويض: مأخوذ من قولهم فوض إليه الأمر. أي ردّه إليه.

والمعنى الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فهو شرعاً: ردُّ العلم بهذه المتشابهات إلى الله تعالى وعدم الخوض في معناها وذلك بعد تنزيه الله تعالى عن ظواهرها غير المرادة للشارع.

والتأويل: أصله من الأَوْلِ وهو الرجوع.

وهو شرعاً: صرف اللفظ عن الظاهر بقرينة تقتضي ذلك.

وهذان المذهبان كما أسلفنا هما المذهبان المعتبران المأثوران عن أهل السنة والجماعة في أبواب المتشابه، ولا اعتبار لمن جنح إلى التعطيل أو التشبيه من المذاهب الأخرى التي رفضتها الأمة ولفظتها.


انحصار الحق في التفويض والتأويل:

هذه النصوص المتشابهة في الصفات إما أن تُثبت أو تُنفى، ونفيها تعطيل ظاهر، لأنه نفيٌ لما أثبت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإثبات إما أن يكون معه حمل الكلام على ظاهره وحقيقته التي يعهدها البشر، أو يصرف الكلام معه عن هذا الظاهر وهذه الحقيقة، والأول نعني حملَ الكلام على الظاهر والحقيقة يفضي قطعاً إلى التشبيه، لأن حقائق وظواهر هذه الألفاظ أجسام وكيفيات مخلوقة، والله تعالى منزه عنها.

ولا يقال: نحملها على الظاهر ونفوض العلم بالكيفية إلى الله تعالى.

لأن هذا القول تناقض صريح أوقعت فيه الغفلة، إذ ليس من ظاهر ولا حقيـقة هنـا إلا الجسم، وهذا لا يصح قطعاً وصف الله تعالى به.

بقي القسم الأخير الذي هو صرف الكلام عن الحقيقة والظاهر، ثم بعد صرفه عن الظاهر إما أن يُتوقفَ عن التماس معنى له ويوكلَ العلمُ به إلى الله تعالى، وهذا هو التفويض الذي عليه جماهير السلف الصالح، أو يلتمسَ له معنى لائقٌ بالله تعالى حسب مناحي الكلام عند العرب وما تسيغه لغتهم، وهذا هو التأويل الذي عليه خلف الأمة وجماعات من سلفها الصالح.

بهذين المذهبين تنحصر القسمة الصحيحة في هذه القضية.

لهذا نرى العلماء ينصّون عندما يعرض لهم شيء من هذه المتشابهات على أنه (إما تفويض وإما تأويل) إذ ليس بعدهما إلا التشبيه أو التعطيل.

قال الإمام الأبّي رحمه الله تعالى (شرح صحيح مسلم للأبي 7 / 190) أثناء شرحه لحديث " إن الله يمسك السموات على أصبع ":

(والحديث من أحاديث الصفات فيصرف الكلام عن ظاهره المحال الموهم للجارحة، ويكون فيه المذهبان المتقدمان، إما الإمساك عن التأويل والإيمان به على ما يليق، ويصرف علمه إلى الله تعالى، أو يتأول) اهـ.

وقال الإمام العلامة بدر الدين بن جماعة (إيضاح الدليل ص/103):

(واتفق السلف وأهل التأويل على أن ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد... واختلفوا في تعيين ما يليق بجلاله من المعاني المحتملة... فسكت السلف عنه، وأوله المتأولون) اهـ.

وقال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في حديث النزول (دفع شبه التشبيه 194):

(روى حديث النزول عشرون صحابياً، وقد تقدم أنه يستحيل على الله عز وجل الحركة والنقلة والتغير، فيبقى الناس رجلين: أحدهما، المتأول بمعنى أنه يقرب برحمته... والثاني، الساكت عن الكلام في ذلك مع اعتقاد التنزيه) اهـ.

وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في شرحه على صحيح مسلم (5 / 24) أثناء الكلام على حديث الجارية، ما نصه:

(هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان، أحدهما، الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني، تأويله بما يليق)’اهـ.

وقـال أيضـاً أثنـاء الكلام على حديث إمساك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع (17 / 129) ما نصه: (هذا من أحاديث الصفات، وقد سبق فيها المذهبان، التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها ومع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد) اهـ.

ونقل الحافظ ابن حجر قول ابن دقيق العيد مؤيداً له وموافقاً عليه في حديث " لا شخص أغير من الله " (الفتح 13 / 411): (قال ابن دقيق العيد: المنزهون لله إما ساكت عن التأويل، وإما مؤول) اهـ.

وعلى الجملة فإن أقوال العلماء في حصر الحق في هذين المذهبين لا تحصى كثرة، وبما نقلناه من نصوصهم مقنع



* * * * *



مذهب جمهور السلف التفويض



قال الإمام التـرمذي - رحمه الله - (سنن الترمذي 4 / 492) مثبتاً للسلف الصالح مذهب التفويض:

(والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه) اهـ.

وقوله (يؤمن بها) إثبات لها، وبه يفارقون أصحاب التعطيل، وقوله (ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف) تفويض لله تعالى في معانيها، وقوله (ولا يقال كيف) أي بلا استفسار عن معانيها، أو تعيين المراد بها، وبه يفارقون أصحاب التشبيه.

وروى الخلال بسند صحيح عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال في مثل هذه النصوص: (نؤمن بها ونصدق ولا كيف ولا معنى) اهـ.

وروى الإمـام الحـافظ البيهقي رحمه الله تعالى بسنده عن الإمام والأوزاعي ـ رحمه الله (الاعتقاد ص / 93) قال:

(كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه) اهـ.

والنصوص في هذا المعنى عن السلف كثيرة جدّاً كلها يفيد إيمانهم بها وإمرارها وعدم الخوض في تفسير معناها.

ولقد نقـل الحـافظ ابن حجر (الفتح 6 / 48) عن الحافظ ابن الجوزي معنى قولهم: أمـروهـا كمـا جاءت. قال:

(قال ابن الجوزي: أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ـ يشير إلى حديث يضحك الله إلى رجلين ـ ويمرونه كما جاء، وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار عدم العلم بالمراد([1]) منه مع اعتقاد التنزيه)’اهـ.

قال الإمام عدي بن مسافر([2]) رحمه الله تعالى (اعتقاد أهل السنة والجماعة ص / 26):

(وتقرير مذهب السلف كما جاء من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا حمل على الظاهر) اهـ.

ونقل الحافظ ابن حجر عن الإمام ابن المنير (الفتح 13 / 190) قوله:

(لأهل الكلام في هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال... والثالث إمرارها على ما جاءت مفوضاً معناها إلى الله تعالى، وقال الشيخ السهروردي في كتاب العقيدة له: أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل، إذ لولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى. قال الطيبي: هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح) اهـ.

وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - (المجموع 1 / 25):

(اختلفوا في آيات الصفات وأخبارها هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ فقال قائلون تتأول على ما يليق بها، وهذا أشهر المذهبين للمتكلمين، وقال آخرون: لا تتأول بل يمسك عن الكلام في معناها ويوكل علمها إلى الله تعالى ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى وانتفاء صفات الحوادث عنه، فيقال مثلاً: نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به، مع أنا نعتقد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن الحلول وسمات الحدوث، وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم وهي أسلم) اهـ.

قال الإمام الجلال السيوطي - رحمه الله تعالى - (الإتقان في علوم القرآن 2 / 10):

(من المتشابه آيات الصفات... وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نفسرها مع تنزيهنا له - تعالى - عن حقيقتها) اهـ.

هذه نصوص صريحة في إثبات التفويض للسلف الصالح لا سبيل إلى إنكارها أو حملها على معاني أخرى لا تتفق وجلالة أقدارهم وتنزيههم للباري سبحانه، كمن ينسب لهم إثبات الحقائق الظاهرة المتعارف عليها بين البشر وتفويض كيفياتها لله تعالى، فيقول إنهم يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضـون الكيف، وقائل هذا لا يدري ما يقول، وقد جره إلى هذا الفهم عبـارة (بلا كيف) التي كثيراً ما ترد على ألسنة السلف عند الكلام على النصوص المتشابهة، ففهم منها أنهم يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضون الكيف، وهذا فهم باطل، بل هي عبارةٌ المقصودُ منها زجرُ السائل عن البحث والتقصِّي، لا إثبات المعنى الحقيقي وتفويض الكيف!!

فإن أي لفظ يدلُّ في حقيقته على شيء من الجسمانيات والكيفيات متى ما جُهِل معناه كان السؤال عن المراد منه بكلمة (كيف)، وفي حديث فضل عيادة المريض الذي أخرجه مسلم ما يدل على هذا، وذلك حين يقول الله تعالى لعبده (مرضت فلم تعدني.. استطعمتك فلم تطعمني.. استسقيتك فلم تسقني..) كل ذلك والعبد يقول: (رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!.. رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!.. رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟!) فهو لم يفهم المعنى المراد من اللفظ بعد أن استحالت حقيقته في عقله، فسأل بـ (كيف؟) عن المعنى المراد، لا أنه أثبت حقيقة المرض والاستطعام والاستسقاء لله تعالى لكنه لم يعلم كيفياتها!!

فعندما يقال في جواب السائل (بلا كيف) يفهم منه أنه (بلا معنى) لأن لفظ الـ (كيف) هنا مستفهم به عن المعنى، وبنفيه ينتـفي المعنى المستفهم عنه به، فهو من قبيل نفي الملزوم عن طريق نفي اللازم، فالكيف لازم للمعنى الظاهر، وبنفيه نفيٌ للمعنى الظاهر، وذلك كمن يقول لك: إن هذا العدد ليس بزوج. فتفهم منه أنه ليس اثنين ولا أربعة ولا ستة... الخ لأن الزوجية لازم غير قابل للانفكاك عن الاثنين والأربعة والستة.. الخ.

من هنا يتبين مراد السلف بقولهم (بلا كيف)، ومنه تعلم أن من ينسب للسلف إثبات المعاني الحقيقية لهذه الألفاظ والتفويض في كيفياتها ينسب لهم التشبيه من حيث لا يدري.



تنبيه



هل كان السلف يدركون أي معنى لهذه النصوص المتشابهة؟ أم أنها بالنسبة لهم كالحروف التي في أوائل السور؟

وإذا كانوا يدركون لها معنى، كيف يُوفَّق بين إدراكهم هذا وبين ما مرَّ من تفسير الإمرار بأنه عدم العلم بالمراد؟

يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تعارض بين إدراك معاني هذا النصوص وبين إمرارها الذي هو عدم العلم بالمراد منها، وفي الحقيقة ليس ثمة أي تعارض بين الأمرين، فالمقصود بعدم العلم بالمراد الذي فُسِّر به الإمرار هو عدم العلم بالمراد تفصيلاً وعلى سبيل القطع والتحديد، وهذا لا يقتضي عدم علمهم بالمراد إجمالاً.

مثال على هذا قوله تعالى ( بل يداه مبسوطتان ) يفهم منه على سبيل الإجمال معنى الكرم والجود المطلق والعطاء الذي لا ينقطع اللائق بصفة الرب تعالى، أما لفظ اليدين المضاف لله تعالى في الآية فبعد استبعاد المعنى الظاهر المتبادر من إطلاقه وهو الحقيقة اللغوية التي وضع اللفظ ليدلَّ عليها بين المخلوقين وهي الجارحة، نقول بعد استبعاد هذه الحقيقة احتمل اللفظ عدة معانٍ مجازية، ولهذا الاحتمال توقف جمهور السلف عن التعيين والقطع بأحدها، وهذا هو معنى عدم علمهم بالمراد لا أنهم لا يفهمون لهذه النصوص أي معنى، تعالى الله أن يخاطب الناس بما لا يُفهم.

هذا هو اللائق بمقامات السلف في العلم، إذ لا يعقل أنهم كانوا يسمعون مثلاً قول الله تعالـى ( يد الله فوق أيديهم ) أو ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) أو ( الرحمن على العرش استوى ) أو ( ثم استوى إلى السماء ) أو ( يوم يكشف عن ساق ) ، أو قول رسول الله ‘ (يضحك ربنا) أو (ينزل ربنا) أو (يعجب ربنا) الخ، ثم لا يفهمون من كل ذلك أي معنى، كما هو الحال مع الحروف التي في فواتح السور، كلا، فإن هذه الألفاظ لها في لغة العرب معانٍ مجازيةٌ معروفةٌ ومشهورةٌ لا شك أن السلف فهموها إجمالاً، ولكنهم لفرط تقواهم وخشيتهم لله تعالى وتهيبهم لذلك المقام الأقدس ثم لعدم الاضطرار إلى التعيين لأحد المعاني لخلو عصرهم من المبطلين الذين يحملون كلام الله تعالى وكلام رسوله ‘ على وجوه فاسدة لا تحتملها لغة العرب وتتنافى مع التقديس والتنزيه، لهذا ولذاك أحجموا عن التعيين والتصريح، واكتفوا بهذا الفهم الإجمالي لها، وصرح بها الخلف بعدهم لطروِّ ما اقتضى ذلك وحتّمه عليهم.



قـال الشيـخ العلامـة العزامـي القضـاعي (فرقان القرآن مطبوع في ذيل الأسماء والصفات للبيهقي ص / 104):

(وقال تعالى: ( الله نور السموات والأرض ) هل فهم أحد من السلف أنه هو ذلك النور الفائض على الحيطان والجدران المنتشر في الجو؟ جل مقام العلماء بالله وكتابه أن يفهموا هذا المعنى الظـاهر العامي. قال حبر الأمة ابن عباس فيما رواه عنه الطبري بالسند الصحيح: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض. وروى نحوه عن أنس بن مالك. وروى عن مجاهد أن معناه المدبر. ورجح الإمامُ الأوّلَ وزيف ما عداه … تعالى الله عن صفات الأجسام وسمات الحدوث. وهكذا لو استقريت أقوال السلف من مظانها لرأيت الكثير الطيب من بيان المعاني اللائقة بالله تعالى على سبيل التعيين، فمن نقل عدم التعيين مطلقاً عن السلف فما دقق البحث ولا اتسع اطلاعه) اهـ.



وقال أيضاً مُوضّحاً هذا المعنى:

(تنبيه مهم: إذا سمعت في عبارات بعض السلف " إننا نؤمن بأن له - تعالى - وجها لا كالوجوه ويداً لا كالأيدي " فلا تظن أنهم أرادوا أن ذاته العلية منقسمة إلى أجزاء وأبعاض، فجزءٌ منها يدٌ وجزءٌ منها وجهٌ غير أنه لا يشابه الأيدي والوجوه التي للخلق!! حاشاهم من ذلك، وما هذا إلا التشبيه بعينه، وإنما أرادوا بذلك أن لفظ الوجه واليد قد استعمل في معنى من المعاني، وصفة من الصفات التي تليق بالذات العلية كالعظمة والقدرة، غير أنهم يتورعون عن تعيين تلك الصفة تهيباً من التهجم على ذلك المقام الأقدس) اهـ.

وجاء في كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة - رحمه الله - (1 / 237) ما نصه:

(فهل يتصور أن الذين يبايعون النبي ‘ تحت الشجرة عندما يتلون قوله تعالى ( إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما ) يفهمون أن اليد هنـا يد ليست كيد المخلوقات – يعني يدا حقيقية كما يقول أصحاب الظاهر ولكنها ليست كيد المخلوقات – ولا يفهمون أن المراد سلطان الله تعالى وقدرته، بدليل ما فيها من تهديد لمن ينكث بأن مغبة النكث تعود عليه. ولذلك نحن نرجح منهاج الماتريدي ومنهاج ابن الجوزي ومنهاج الغزالي، ونرى أن الصحابة كانوا يفسرون بالمجاز إن تعذر إطلاق الحقيقة، كما يفسرون بالحقيقة في ذاتها) اهـ.

يؤيد هذا ما نقل عن جماعات منهم من التصريح بذكر هذه المعاني المجازية مثل سيدنا ابن عباس وابن مسعود وعلي رضي الله عنهم والحسن البصري ومالك والأوزاعي وقتادة والثوري ومجاهد وعكرمة رحمهم الله وغيرهم ممن تزخر بنصوصهم كتب التفسير والحديث وغيرها.

وسيأتي معنا باب خاص في تأويلات السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم.
* * * * *
--------------------------------------------------------------------------------

([1]) سنبين بعد قليل معنى عدم العلم بالمراد، إذ ليس المقصود أنهم لا يفهمون للكلام أي معنى، كلا، وإلا لأصبح الكلام مثل الحروف المقطعة في أوائل السور، وهذا يجعل كلامه تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام بلا فائدة، وهو محال من الله تعالى وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام.

([2]) هو أبو محمد عدي بن مسافر الشامي الهكّاري الشيخ الإمام الصالح القدوة زاهد وقته، ساح سنين كثيرة، وصحب المشايخ وجاهد أنواعاً من المجاهدات، ثم سكن بعض جبال الموصل في موضع ليس فيه أنيس، ثم آنس اللهُ تلك المواضع به، وعمرها ببركاته. توفي رحمه الله تعالى سنة سبع وخمسين وخمسمائة.(السير 20/342، وفيات الأعيان 3/254).[/align]

حتى لا أطيل هاهو ذا الرابط : ومن أراد التعليق أهلا وسهلا لكن بالبرهان والدليل ان شاء الله والله ولي التوفيق، اللهم أنصر السنة وأهل السنة وأقهر أعداء السنة يا رب العالمين

https://www.almostaneer.com/book_index.aspx?id=61
والسلام عليكم : ونحن نقرأ الكتب باشارة من شيوخنا حفظهم الله آمين










آخر تعديل نادية مجدوبي 2008-01-29 في 21:16.
قديم 2008-01-29, 22:16   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ...
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
السؤال: هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ البعض من الدعاة يقولون بأنه لا ينبغي
أن نعلم الناس مسائل توحيد الأسماء والصفات لأنها من المتشابه ولكن إذا
حصل إشكال لهم في أي شئٍ منها أي من الصفات بينا لهم ذلك فما رأي فضيلتكم
بارك الله فيكم وفي علمكم؟

الجواب

الشيخ: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أقول إن الناس في هذا الباب أي في باب أسماء الله
وصفاته وهل يلزم أن نبينها للناس أو لا يلزم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام طرفان ووسط
فطرفٌ يقول مثلما قال هذا السائل عن شخصٍ آخر أنه يقول لا تبينوا أسماء الله وصفاته
لأنها من المتشابه ولكن إذا سألوا فأجيبوهم
وقسمٌ آخر طرفٌ آخر يقول بينوا للناس
أسماء الله وصفاته ثم ما يتفرع على هذه الأسماء والصفات من الإشكالات أوردوه عليهم
أو تعمقوا في جانب الإثبات واذكروا كل شيء حتى إن بعضهم يقول مثلاً كم أصابع الله
كيف استوى على العرش هل لله أذن وما أشبه ذلك من الأمور التي يجب الإعراض عنها
لأنها لم تذكر في الكتاب ولا في السنة ولو كان ذكرها مما تتوقف عليه العقيدة الصحيحة
لكان الله يبينها لعباده إما في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم

والقسم الثالث وسط يقول علموا الناس ما يحتاجون إليه في هذا الباب دون أن تتعمقوا
وتتكلفوا ما لستم مكلفين به
وهذا القول هو الصحيح هو الراجح أن نعلم الناس
ما يحتاجون إليه إلى معرفته في هذا الباب وأن لا نتكلف علم ما ليس لنا به علم بل نعرض
عنه فمثلاً إذا شاع في الناس مذهبٌ يخالف مذهب السلف فلا بد أن نبين للناس مذهب
السلف في هذا الباب
لو شاع في الناس أن اليدين اللتين أثبتهما الله لنفسه هما النعم
يجب علينا أن نبين إن هذا خطأ وأن اليدين صفتان لله عز وجل أثبتهما الله لنفسه وبين
جل وعلا أن يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله
يبسط يده ليتوب المسيء بالنهار ويبسط يده بالنهار ليتوب المسيء بالليل وأخبر أن يد الله
ملأى سحا الليل والنهار وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض
ما في يمينه وأجمع سلف الأمة على أنهما يدان حقيقيتان ثابتتان لله على وجهٍ يليق به
لكن لا تماثلان أيدي المخلوقين حتى يزول عن الناس الاعتقاد الذي ليس بصحيح
وهو أنهما النعمتان هذا لا بد منه لكن إذا كنا في قومٍ لم يطرأ على بالهم هذا الشيء
ولو دخلنا معهم في مسائل تفصيلية لحصل لهم ارتداد أو لدخلوا في أمورٍ يتنطعون فيها
فهنا نأخذ بما جاء عن السلف وخاصةً عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال إنك لن تحدث
حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة وقال عليٌ رضي الله عنه حدث الناس
بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله أما التعمق في الصفات وطلب ما لا يمكن
العلم به فإن هذا من التكلف والبدعة ولهذا لما قال رجلٌ للإمام مالك يا أبا عبد الله الرحمن
على العرش استوى كيف استوى وكان هذا سؤالاً عظيماً وقع موقعه في الإمام مالك
رحمه الله فأطرق برأسه وجعل يتصبب عرقاً ثم رفع رأسه وقال يا هذا الاستواء غير مجهول
والكيف غير معلوم والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة يريد بذلك رحمه الله أن الاستواء
غير مجهول معروف استوى على كذا يعني علا عليه قال الله تعالى (فإذا استويت أن
ومن معك على الفلك)
يعني علوت عليه وركبت فيه وقال تعالى (وجعل لكم من الفلك
والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهروه ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه)
يعني
إذا علوتم عليه راكبين فاستوى على العرش يعني علا عليه علواً يليق بجلالته وعظمته
هذا معنى قوله الاستواء غير مجهول الكيف غير معقول لم يقل رحمه الله الكيف غير
موجود بل قال الكيف غير معقول يعني هناك كيفية استوى الله عليها لكن لا ندري عقولنا
لا تدرك ذلك وشرعنا لم يأتِ بها الكتاب والسنة ليس فيهما كيفية استواء الله على العرش
وعقولنا لا تدرك هذا فانتفى عنها الدليلان العقلي والسمعي فوجب السكوت فإذا سئلنا
كيف استوى قلنا الله أعلم الإيمان به واجب أي بالاستواء واجبٌ على ما أراده الله عز وجل
والسؤال عنه بدعة هذا محل الشاهد من كلامنا هذا السؤال عن الكيفية بدعة لماذا
لأن الصحابة وهم أحرص منا على معرفة الله وأحرص منا على العلم وإذا سألوا.
سألوا من هو أعلم منا بالإجابة لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يقولوا يا رسول الله
كيف استوى مع أنهم يسألون عن أشياء أدق من هذا لكنهم يعرفون رضي الله عنهم
أن مثل هذه الأمور لا يمكن العلم بها لذلك لم يسألوا وإلا فهم يسألون عما هو أدق كما
سنبين إن شاء الله أيضاً السؤال عنه بدعة من سمات أهل البدع لأن أهل البدع هم الذين
يحرجون أهل السنة في ذكر الكيفية يقولون كيف استوى كيف ينزل إلى السماء الدنيا
يحرجونهم ليقولوا استوى على الكيفية الفلانية أو ينكروا الاستواء أو يقولوا نزل على الكيفية
الفلانية أو ينكروا النزول فهو من سمات أهل البدع السؤال عن كيفية الصفات من سمات
أهل البدع ثم إن السؤال عن الكيفية كيفية الصفات من التنطع في دين الله وقد قال النبي
عليه الصلاة والسلام هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون أومن بما جاءت
به النصوص من أمور الغيب ولا تسأل عما وراء ما ذكر لك لأنك لن تصل إلى شيء
وإذا سألت عما لم يذكر لك من أمور الغيب ربما تكون من الذين يسألون عن أشياء لا حاجة
لهم بها بل أنت منهم وربما تقع في متاهات تعجز عن التخلص منها وقولنا إن الصحابة
رضي الله عنهم يسألون عما دون ذلك استدل له بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ذكر أن الدجال يخرج ويمكث في الأرض أربعين يوماً اليوم الأول كسنة كاملة يعني اثني
عشرة شهراً واليوم الثاني كشهر واليوم الثالث كأسبوع وبقية أيامه كأيامنا فالصحابة
رضي الله عنهم لما قال يوم كسنة قالوا يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاةٌ
واحدة قال لا اقدروا له قدره
فتجدهم أنهم سألوا عن هذا لأنهم مكلفون بالصلوات الخمس
في أوقاتها المعلومة وهذا اليوم سيكون طويلاً سيكون اثني عشر شهراً هل تكفي فيه
خمس صلوات لذلك سألوا فإذا كانوا لم يسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق
بصفات الله فإنه خير سلفٍ لنا نقتدي بهم ولا نسأل عن كيفية صفات الله ولا نسأل أيضاً عمن
لم يبلغنا علمه من هذه الصفات ولا من غيرها من أمور الغيب كل أمور الغيب الأدب فيها
أن يقتصر الإنسان فيها على ما بلغه وأن يسكت عما لم يبلغه لأنه لو كان في بيانه خيرٌ
لبينه الله ورسوله وأما قول السائل لا تخبروا العوام بها لأنها من المتشابه فنقول له يا أخي
ماذا تريد بالمتشابه إذا كانت صفات الله عز وجل وكانت نصوصه الواردة فيها من المتشابه
فماذا يبقى بيناً آيات الصفات من أبين الآيات أحاديث الصفات من أبين الأحاديث وليس فيها
ولله الحمد شك كلها معناها معلوم كلها معناها مفهوم بمقتضى اللسان العربي المبين
الذي نزل به القرآن وكيف ينزل الله علينا شيئاً يتعلق بأسمائه وصفاته ونحن نجهله ولا يمكننا
الوصول إليه هذا مستحيل فنقول إن آيات الصفات وأحاديثها من المعلوم وليست من المتشابه
فهل يشتبه على أحد قول الله تبارك وتعالى (الله الذي خلق السماوات والأرض) فلا يدري
ما معنى خلق هل يشتبه على أحد قول الله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
أن معناها نفي المماثلة وإثبات السمع والبصر آيات الصفات وأحاديثها ليست من المتشابه
نعم إن أراد القائل بقوله ليست من المتشابه يعني من الذي يشتبه علينا إدراك كيفيته وحقيقته
فهذا صحيح نحن لا نعلم كيفية ما وصف الله به نفسه وكنهه لكن معناه واضح لولا أن ولولا
أن معناه واضح ما استطعنا أن ندعو الله بأسمائه وقد قال الله تعالى (ولله الأسماء الحسنى
فادعوه بها)
فالمهم أن هذه الكلمة التي أطلقها بعض العلماء على آيات الصفات وأحاديثه
وقال إنها من المتشابه نقول له إن أردت أنها من المتشابه معنىً فلا وإن أردت أنها
من المتشابه حقيقةً وكنهاً وأننا لا ندرك كيفيتها ولا حقيقة كنهها فهذا حق وليس بغريبٍ
أن نعلم معنى الشيء ولا ندرك حقيقته وكيفيته نحن نعلم معنى الروح التي بين جنبينا
والتي إذا انسلت من الجسد مات الإنسان نعم نعلم هذا لكن هل ندرك حقيقتها وكيفيتها
لا أبداً نحن نعلم ما ذكر الله عن الجنة بأن فيها من كل فاكهةٍ زوجان ونخلاً ورماناً وما أشبه
ذلك ولكن هل نحن ندرك حقيقة ذلك وكنهه لا لأن الله يقول (فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم
من قرة أعين جزاءٌ بما كانوا يعملون)
ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي
(أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر)
والمهم التنبيه على هذه العبارة المتداولة في كلمة المتشابه بالنسبة لأسماء الله وصفاته
حيث يتوصل بها أهل التعطيل إلى أن نسلك مسلكاً سيئاً في ذلك بحيث نفوض العلم بمعنى
أسماء الله وصفاته كما زعم بعض المتأخرين أن مذهب السلف هو التفويض أي تفويض القول
بأسماء الله وصفاته إلى الله وألا نتكلم بشيءٍ من معناه وهذا القول بالتفويض على هذا الوجه
قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إنه من شر أقوال أهل البدع والإلحاد
أما تفويض الحقيقة والكنه فهذا شيء لا بد منه ولا يضرنا إذا كنا نعلم المعنى
ولكن لا نعلم الكنه والحقيقة الذي عليه هذا المسمى والموصوف.










 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:40

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc