...ويضرب العنف الجزائر - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات إنشغالات الأسرة التربوية > منتدى الانشغالات الادارية والنصوص التشريعية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

...ويضرب العنف الجزائر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-10-27, 22:33   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
matrixano02
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










M001 ...ويضرب العنف الجزائر




...وضرب العنف الجزائر

يبدو العنف الذي تغرق فيه الجزائر لأصحاب النيات الطيبة وكأنه نزعة متأصلة في شخصيتها الوطنية. غير أن هذا المفهوم العائد الى مبدأ الحتمية الثقافية ينم عن بديهية خادعة تتميز بها الأفكار المبسطة. فما يجب التذكير به هو أن العنف ليس محصوراً بأي مجتمع، فهو في صميم البشرية جمعاء والسؤال الذي يطرح نفسه يجب أن يكون حول الظروف التي تؤدي الى تفجره وفرضه على الساحة الاجتماعية، كما حول الأشكال التي يتخذها والتي تبدو من نوع الموروث الثقافي الخاص بكل مجتمع على حدة.
في القرون الوسطى وجدت المسيحية وسيلتها في المحارق التطهيرية، وكان قتل الملوك يتم بفسخ الاطراف بواسطة أربعة أحصنة. أما في العالم الاسلامي فقد كانت المرأة الزانية تُرجم حتى الموت. وخلال حرب الاستقلال (الجزائرية) كان المسلم "الخائن" جماعته يخصى أحياناً ويجدع أنفه قبل أن يذبح. هذا عدا العنف العسكري حيث كانت تحرق المشاتي دون الاهتمام بمن يحترق داخلها.
فاذا كانت الأشكال التي يتخذها العنف تندرج في السياقات الثقافية الطويلة الأمد، فإن ما يهم هو الظروف التي جعلتها تفرض نفسها بشكل لافت. فلنفهم هذا العنف يجب إدراجه في الاطار التاريخي. فلندرسه، هنا، من زاوية خاصة تتمثل في العلاقة بين الحكام والمحكومين في الجزائر مكتفين بالمرحلة التي أعقبت زوال الاستعمار.
كان الجزائريون، قبل احتكاكهم بنموذج الدولة الأمة في شكله الفرنسي، قد تأقلموا، في إطار انتمائهم الى العالم الاسلامي، مع دولة من النمط القبلي أو الطوائفي، قائم على لامركزية معقدة تسمح بالتعايش بين سلطة مركزية وبعض بؤر السلطة (الطوائف والقبائل والجماعات) التي تحكم نفسها بنفسها. وتلك هي المبادئ التي استوحاها النظام العثماني الذي دام حكمه فيها ثلاثة قرون. ويرى ألبرت حوراني، الذي وضع ترسيمة لهذا الوضع [2] ، أن مجال أعمال الدولة كان محدوداً، إذ لم تكن تتجاوز المدن والساحل وبعض الأودية والسهول التي يمكن الوصول اليها. فقد كان في امكان الجماعات التي لا ترغب في الالتزام بدفع الضرائب أن تنكفئ الى بعض المناطق التي تعصى على الدولة متفادية بذلك أي اضطهاد. كما ان الكثير من دوائر الحياة الاجتماعية تفلتت من سلطة الحكام الذين كان اهتمامهم بفرض الأمن في المناطق الخاضعة لهم أكثر منه بإحداث تغيير في المجتمع.
هكذا يتبين لنا، ما كانت عليه حقوق الرعايا في دولة القوة المطلقة هذه حيث السلطة لا تعترف بالفرد كونه فرداً، ولا يتمتع، هو، بأي استقلالية إزاءها. وحدها الحقوق المكتسبة كانت تفرض نفسها عبر تقاطع مواقف السلطة الاجتماعية. ونظرياً كان الدين يحد من استبدادية مخلتف الممسكين بالسلطة، كما أنه شكّل سلاحاً للمعارضة في زمن أزمات الدفاع عن الوجود أو الاعتراض على القوانين الضرائبية.
وعشية الاحتلال الفرنسي مرت سلطة الاتراك العثمانيين في محنة قاسية. ففي بكوية أوران جرت عمليات عرّضت أمن المسافرين للخطر وقد قُمعت بشدة. وعصفت بعض حركات التمرد، التي أثارتها الجماعات الدينية، بجماعة منطقة القبائل الصغيرة في الشرق، وبسكرة وشلف في الغرب، حتى أنه في العام 1830 كان هناك 200 قبيلة من أصل 516 على مجمل الأراضي الجزائرية قد انقطعت علاقاتها بالسلطات.
ولأن الدولة كانت من خارج المجتمع فإنها لم تعد تملك الوسائل التي تسمح لها بمواجهة الاجتياح الفرنسي. ولأن القانون الجزائي كان من صلاحيات الدولة فقد اتخذ طابعاً سياسياً الى أقصى حد، وكان قانون الاعدام من اختصاص "الدايات" أو "البكوات"، ما عدا في الجزائر العاصمة. وفي غياب أي علاقة تبادلية بين الحكام والرعايا، وهي من المواصفات الأساسية للنظام، كتب لهذا المجتمع أن يعيش في ألفة مع العنف والتعسف مما أدى الى تردي قيمة الانسان.
وقد اتخذ العنف الذي دشنه الاستعمار مظهرين. فمن جانب المستعمر قام على الاجتياح العسكري مع ميزة خاصة انه لم يخضع لمبدأ الشرف العسكري ولقوانين الحرب كما يتبين من الشهادات التي دوّنها ضباط فرنسيون وخصوصاً من مراسلات المارشال سانت-أرنو، وقد شكلت نماذج مختارة من اصناف القتل والمجازر الجماعية والنهب. كما أن العنف كان هنا أيضاً اقتصادياً وسياسياً [3] .
أما من جانب الجماعات الجزائرية فإن ردة الفعل، وإن كان الاضطهاد يبررها، اتخذت أشكالاً مستقاة من تقاليد مختلفة عن تلك المعهودة في أوروبا. وبطريقة ما فإن هذا النضال أعطي طابعاً ميتولوجياً أحاط بشخصيات مثل الأمير عبد القادر (1808-1883)، الذي قُدّم على أنه رمز للأمة الجزائرية الموحدة والواعية ذاتها في مواجهة فرنسا، في حين ان الواقع يحيل تاريخياً على تعددية الجماعات وتنوع أشكال ردودها. ففي الشرق مثلاً كان أحمد باي يدعي بأن سلطته امتداد شرعي للسلطة العثمانية معبّراً عن احتقاره لعبد القادر، الأمير الذي أعلنته جماعته سلطاناً، فاذا به يحارب في آنٍ واحد من جانب خصومه الفرنسيين ومن أبناء طائفته المتعلقين قبل كل شيء بالدفاع عن خصوصياتهم والمتمردين على كل سلطة خارجية.
ومع استقرار الاستعمار وقيام مؤسساته، تجسد الانقسام بين الحيز المديني من جهة والحيز الريفي وأقاليم الجنوب من جهة أخرى.
وما استجد في المدن ارتكز على تشكل قطاع اقتصادي حديث وعلى تنوع المجموعات الاجتماعية التي انتجها. ففي أوائل القرن العشرين، وخصوصاً بعد انتهاء أعمال المقاومة المسلحة في الأرياف نشأت فيها حركات متنوعة عبّرت عن مطالبها بلغة سياسية، إما من خلال المطالبة بالمساواة في المواطنية مع الأوروبيين وإما من خلال العمل على بلورة هوية وطنية قومية جزائرية.
أما في الأرياف فقامت العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر بكل بساطة على العنف. فقد كانت النظرة الى المستعمر على أنه مغتصب تواجه الجماهير الريفية بتضامن الجماعة التي لم تعبّر عن ذاتها باللغة السياسية بقدر ما عبّرت بلغة الدين. ولقد فسر الصراع على أنه مواجهة بين المسلمين و"الكفار" الذين اتهموا بأنهم مسؤولون عن التعسف وعن إعدام الوجهاء والموظفين. وفي اي حال لم تقم مقاومة ريفية منظمة كما في المدن قبل أيار/مايو عام 1945، بل مواجهات متفرقة بين الجماعات العائلية والابوية (البطركية) حول المراعي وتوزيع المياه الخ.
ومن الخطأ الاستنتاج من هذا الفرق بين المدينة والريف، وفي شكل أعم بين الساحل والداخل، بأنه كان هناك نوعان من الجزائريين، حتى وإن بدا أن رفض كل تلاقح ثقافي وكره الأجانب كانا أشد في أوساط الريفيين. فالحركة الوطنية في المدن وحتى في اوساط العناصر التي سلكت طريق العقلانية والعلم والوضعية، لم تقطع أبداً مع التقليديين والطائفيين، كما لو أنهم وجدوا فيهم شرعية أصيلة، فقد كان هناك احساس بأن القطيعة هي من نوع قتل الأمومة، وعاشت النخب حالة من انفصام الشخصية وهذا ما سيكون له دوره في حرب الاستقلال.
فماذا يمكن أن يقال في عنف تلك الحقبة؟ لقد اختلف العنف قليلاً في المدن عنه في أماكن أخرى مثل جنوب فرنسا مثلاً. كان عبارة عن جرائم تخضع للقانون الجزائي حتى وإن لم يغب عنها أبداً البعد السياسي. لكن الأمر اختلف في الأرياف حيث لم يكن للعنف من سبب سوى موازين القوى بدون أي اعتماد للحق والقانون. فالذي فرض نفسه هو علاقة خضوع أو مواجهة مع قوى بوليسية وعسكرية مدعومة من بعض وجهاء المستعمرين والموظفين (القادة والنواطير وحرس الغابات)، والذين تحولوا في ما بعد هدفاً في حرب الاستقلال. وقد جاءت ردود الفعل على التعسف والمظالم عبر أعمال اللصوصية الاجتماعية على أيدي أناس من أمثال قدور بن زلمات وغرين في منطقة الأوراس، وعمري في منطقة القبائل وكلهم عوملوا كأبطال أهديت اليهم أناشيد عديدة في الغناء الشعبي.
انفجرت حرب الاستقلال في مرحلة كانت الحركة الوطنية تمر بأزمة مع بروز مجموعة متطرفة همشت النخب السياسية من مختلف النزعات واخضعتها. وقد ولّد هذا الوضع فراغاً وحالة من الفوضى برزت على أثرها رابطة متحدرة من سكان الأرياف تحفزها مثالية طائفية ومتحفظة إن لم تكن عدائية إزاء الفكرة القائلة بأن الأوروبيين غير المسلمين أو السكان المحليين من اليهود يمكن أن يكونوا جزائريين. وتطورت هذه الحركة وفق اثنين من المقتضيات المتناقضة، أحدهما طائفي والآخر قومي بيروقراطي، وتسبب فكرهم هذا بالكثير من المآسي، ونادراً ما انتصرت فكرة المواطنية التي حركت أقلية من الفاعليات، على فرائض الدين.
ولدى محاولة فهم مميزات أعمال التعبئة خلال حرب الاستقلال وموقف الزعماء الذين قادوها على الأرض يجب ألا تفوتنا المبادئ التي حكمت الطائفة الاسلامية في موضوع الجهاد والتي منها:
- إن الشهادة تعني التضحية بالذات وبالممتلكات.
- المشاركة في الجهاد واجب الزامي.
- يجب ملاحقة المتخاذلين كما يجب جباية الزكاة الشرعية من الناس الميسورين وبالقوة إذا استدعى الأمر ذلك.
- يجب محاربة جميع العصاة ومصادرة أملاكهم.
- المسلمون الذين يحاربون في صفوف الفرنسيين هم مرتدون ويجب تصفيتهم، لكن يعفى عن زوجاتهم وأولادهم.
والى هذه المبادئ الخمسة يضاف مبدأ آخر ذكّر به المقاتلين في 7 حزيرن/يونيو عام 1955 الشيخ بشير الابرهيمي وفيه أنه يحظَّر التعذيب وقطع الأعضاء وقتل النساء والعجزة والأولاد كما إحراق المحاصيل أو قتل الحيوانات الداجنة.
وكان من شأن كوادر جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية، وكلتاهما منشقة عن الحركة من أجل الحريات الديموقراطية والتي زادت معارضتهما الدموية من العنف المتولد من الحرب [4] ، أن طبقت هذه المبادئ في شكل عام في علاقاتها مع السكان وذلك بغية تعزيز ولاء الأفراد وتماسك المجتمع، غير أن هذه المبادئ لم تكن تروق لبعض الزعماء.
وعلى الأرض كان هناك الكثير من حالات التنكر للمبادئ الدينية، لكن المناخ العام وعلم الاناسة وحدهما قادران على تفسير بعض الممارسات مثل الذبح وجدع الأنف والخصي. فلدى رواية جرائم الأوروبيين كانت الصحافة الاستعمارية ترتاح لنقل هذه الطقوس الوحشية المتأصلة في التقاليد العريقة الى الرأي العام الفرنسي متكتمة في الوقت نفسه عن فظائع لا حد لها في حرب إعادة الاجتياح البربرية. فتقويم إرث الثورة الجزائرية ونقده يجب ان يتما باسم السعي الى الحرية وليس فقط باسم الدفاع عن الماضي الاستعماري أو باسم محاربة الاسلاميين.
فاذا أردنا أن نجعل العنف محور تفكيرنا لا يمكننا النظر في السياسي وتجاهل طبيعة المعتقدات المتحكمة بالعلاقات الاجتماعية، ولأن هذا العمل كان ولا يزال من المحرّمات رأينا أخيراً عودة بعض الأعمال التي تبدو من خيالات الماضي. فالجزائريون في حاجة الى التساؤل حول أنفسهم، فالسياسة الوطنية قادتهم على الأرجح في اتجاه نظام استبدادي وهم لم يعرفوا مع الاستعمار الا ديموقراطية فئوية (حق الاقتراع لدافعي الضرائب) وتزوير الانتخابات.
وعلى كل حال، يبدو من باب التهور تناسي خيارات الفاعليات الاجتماعية وخصوصاً مؤسسي جبهة التحرير الوطنية الذين كان في إمكانهم، وبالرغم من الظروف الاجتماعية غير الملائمة، أن يتخلصوا من بعض الارتهانات، الا أنهم لم يفعلوا ذلك وفضّلوا وضع حد لمنافسة سياسية مفتوحة لمصلحة تجمع وطني استبدادي (وليس كما يحلو للبعض دائماً أن يسمّيه الحزب الواحد على غرار التجربة السوفياتية). لقد اختاروا استبعاد كل منظمة مدنية عن الثورة وذلك لمصلحة المراكز العسكرية حيث تكاثر قادة غير مهتمين بالأفكار ومستعدون للانتقال من خيار الى آخر ومن موقع الى آخر ولا يعنيهم في النهاية الا ترسيخ سلطاتهم.
كل ذلك كان من شأنه أن يقضي قضاء تاما على الانجازات التي تحققت قبل العام 1962 وبعده على طريق إقامة مجتمع حديث. فخلال حرب الاستقلال شهد المجتمع خسارة هائلة في مكوّناته الاجتماعية وموارده البشرية وخصوصاً في أوساط أهل الريف. فالعاملون في سياسة الجزائر وجدوا أنفسهم إما في المعسكرات وإما في السجون وإما في المنفى، مضطرين الى إخلاء الساحة لأناس لا تجربة لديهم. وتضاف الى ذلك لائحة الضحايا التي سقطت في الصراعات الأهلية بين جبهة التحرير الوطنية والحركة الوطنية الجزائرية، وضحايا أعمال التطهير كما الاستبعاد في أزمة التحول الى حكم الحزب الواحد في العامين 1962-1963، والتي طاولت زعماء اضطلعوا بقيادة الحرب.
وقد ادى ذلك الى حالة إفقار رهيبة في الثقافة السياسية، ومع ذلك أمكن التخلص من الاستعمار. وكان هناك أجماع على الرغبة في إتمام الاستقلال بتأمين الأسس الاقتصادية والاجتماعية له. لكن كيف يمكن التوصل الى ذلك من دون المس بالبنى المولدة للاستبداد؟ كان هناك مشروعان كبيران داخل جبهة التحرير الوطنية. فالطرف اليساري فيها دعا الى بناء الحداثة من أسفل بواسطة الادارة الذاتية وحتى عبر تشكيل نموذج عمالي تلعب فيه النقابات دوراً أساسياً. أما خيار العسكريين الذي مثّله هواري بومدين فقال بتحديث سلطوي من فوق، تنفذه النخب الحاكمة، وكلا الطرفين كان يؤيد العلمنة والمساواة بين الجنسين.
والمشروع الثاني، مشروع بومدين هو الذي انتصر في العام 1965. فرجحت في الدولة كفة الجيش الذي، عبر شرطته السياسية، بسط أجهزته في الادارة والاقتصاد لتصبح هذه المخابرات بامتياز أداة اختيار النخب. وإذا بالاصوليين، الذين تحفظوا من قبل عن الرئيس الأول للبلاد، أحمد بن بللا، مع أنه سمح بتعليم القرآن في المدارس، يحتلون موقعاً مهماً في مجالي التعليم والثقافة، وفي ما خص العلمنة راهن بومدين على تطور الذهنيات عبر التطور الاقتصادي.
لكن خصخصة الدولة أفسدت تأميم الاقتصاد، وإذا بالزبانية وتوظيف الأقارب يعرضان مشاريع "التصنيعيين" للفشل. ففي المجتمعات الوطنية، بحسب ما يؤكد جان لوكا، من شأن وجود "عائلات تراقب أجهزة الدولة وتزرع فيها زبانيتها أن ينمّي شبكات أرباب عمل عمودية هدفها تأمين المكاسب المادية" [5] .
وبعد وفاة هواري بومدين(1978) ضعفت القدرات على إعادة توزيع الثروة مما أجبر الطغمة الحاكمة من جبهة التحرير الوطني على إعادة النظر في النموذج. وبالتأكيد كان بومدين قد استفاد من عشر سنين هادئة بعد إجهاضه محاولة الانقلاب التي قام بها طاهر الزبيري(1967). وهذا الاستقرار لم ينعم به النظام بالاكراه وحسب، حتى وإن تكاثرت خلاله أعمال القمع والاغتيالات السياسية، لقد نتج قبل كل شيء من التفاهم القائم على تلبية المطالب الاجتماعية (الأجور والتعليم والعناية الصحية المجانية الخ) التي أراد الغاءها الرئيس الشاذلي بن جديد (1979-1992).
وجاء الانخفاض الشديد في أسعار النفط ليفضح هشاشة النظام الاقتصادي، فولّى زمن المواطن الخاضع والمحمي على أنه من "زبانية" الدولة. وبات العنف هو الأفق المفتوح للاحتجاج سواء في الشوارع أو في الأدغال. فقامت الاضرابات والاضطرابات في المدن والعصابات الاسلامية مع مصطفى بوعيالي ليليها انفجار الوضع في منطقة القبائل في تشرين الأول/أكتوبر عام 1988. وسواء أكانت هذه الأحداث عفوية أم من تنظيم بعض السحرة الصغار الذين أرادوا التخلص من معارضة جبهة التحرير الوطنية للاصلاحات، فإنها زعزعت أسس الدولة وأعادت مجدداً الجيش الى الساحة السياسية ليصبح، منذ العام 1988 والى أيامنا هذه، أحد الفاعلين الوحيدين في اللعبة السياسية مع الاسلاميين وحركة القبائل القومية.
وكيف يمكن تفسير عودة العنف مذاك، حيث بعض "المقاومين" يستعيدون الأساليب الوحشية وحيث القمع العسكري يحيي أعمال التعذيب والمجازر على طريقة الجيش الاستعماري السابق؟ هنا تكمن مشكلة نظام يتميز بفقدان الديموقراطية ويتميز اكثر بفقدان أي إعداد للانسان المواطن. ففي نظر الجزائريين أن السلطة لم تعد تتمتع بأي شرعية وليس عندها أي مشروع سوى الاحتفاظ بالثروة والامتيازات القائمة. أما الحياة اليومية للشعب القلق فإنها تتأرجح بين الانصياع وتفجر حالات العنف المجاني.
ولهذا أسبابه، فالنظام الاجتماعي يتميز بغياب أعمال الوساطة المتجذرة والمستقرة وذلك بالرغم من تعدد الأحزاب. فالبطالة الكثيفة وتفاقم الفرز الاجتماعي وتعمق المظالم وتراجع الطبقات الوسطى كلها لا تشكل بالطبع عامل استقرار. أما الأوساط العمالية والحركات النسائية فتعبّر عن نفسها أكثر فأكثر من خلال الحركات الطائفية.
لكن "تحرير" النظام السياسي والانتخابات الديموقراطية الشكلية لا يمكنها والحالة هذه الا أن تغذي استراتيجيا التمسك بالسلطة أو بأشكال جديدة من حماية المصالح. فالجزائر تحتاج للعودة الى النظام والأمن كي تواجه التحدي السياسي والاجتماعي المستقبلي. والطريق الفضلى لتحقيق السلام هي في وضع ميثاق يؤسس لديموقراطية تعددية، ويدعى للمشاركة في إعداد هذا الميثاق العسكريون، الى جانب الاسلاميين وإن كانوا على نقيض الحداثة المرتجاة.
وهناك الكثير من الآراء التي ترى في هذا الرهان مجازفة، لكن ذلك سيكون في مصلحة علمنة المجتمع. وأياً يكن فإنه الثمن المطلوب لارساء الديموقراطية، لأن هذه الديموقراطية لا يمكن أن تفرض نفسها وتنشر قيمها في أوساط الشعب الجزائري ما دامت تحت رحمة جيش يلجأ الى العنف دفاعاً عن ديموقراطية هو نفسه يرفضها في الواقع.


المؤرخ الجزائري: محمد حربي









 


رد مع اقتباس
قديم 2010-10-27, 23:28   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
توفيق09
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية توفيق09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع جدير بالمطالعة
لكن العنوان مثير للغاية










رد مع اقتباس
قديم 2010-10-28, 16:29   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عرعار بوعكاز
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

محمد ىحربي المجاهد و المؤرخ الجزائري المعروف استدعي لتقلد منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة قبل آيت احمد و بوضياف لكنه رفض .










رد مع اقتباس
قديم 2010-10-28, 22:26   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
matrixano02
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










M001

تواصل وذكريات مع محمد حربي: الجزائر من طرد الاستعمار إلى حضنه “الدافىء”!

عادل سمارة- باريس

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2087 )

التقيته للمرة الأولى في باريس نفسها عام 1977، وليس بمحض الصدفة طبعاً، بحضور أمينة والعفيف وإيلان وكاترين وغيرهم/ن. كان من بين من لجأوا سياسياً من الجزائر “المستقلة” إلى فرنسا المفترض أن الشعب الجزائري دفع أكثر من مليون شهيد للتحرر من استعمارها الاستيطاني الأبيض. هل هي المفارقة المدهشة، أن يحتمي الثوريون في نهاية المطاف بالبلد العدو نفسه، اللجوء بعد إدماء فك الوحش إلى الوحش نفسه. كان ذلك اللقاء حين زرت فرنسا للمرة الأولى لحضور مؤتمر عن الاقتصاد في العالم الثالث. قضيت في باريس بضعة ايام، ومن ثم ذهبت إلى الريف لأقضي بقية الشهر مع الفلاحين، لم أكن أنطق (أو أهدر كما يقول المغاربة) الفرنسية، ولا الآن.

كنت أرغب في لقائه ولقاء سمير امين، لكن الأخير لم يكن في فرنسا في الأيام القليلة التي قضيتها هذه المرة. رتب لنا اللقاء، الرفيق الطاهر المعز الذي صاغ لي برنامجاً اكتشفت رغم غروري بطاقتي، أنني قد أُرهقت حقاُ لكنه الإرهاق الممتع. التقينا في مقهى يحمل اسم باريس بحضور اصدقاء قدامى وجدد من المغرب العربي. لم يتغير الرجل كثيراً، رغم أنه يتجاوز منتصف العقد السابع، فهو من قادة الثورة الجزائرية. وبقدر ما يبدو عليه الألم مما حل بالجزائر والوطن العربي، كان يبدو عليَّ التعب أنا ايضاً من رحلة طويلة، ومن تزامن الرحلة مع برنامج محاضرات عليَّ تقديمها.

ليست هذه مقابلة صحفية، وأنا لست، ولم أحب المقابلات الصحفية. ما قصدته بالمقابلة هو قراءة عقل معذب بعد زمن طويل من العذاب السياسي على الأقل، عذاب في حضن غربة لم تنته حتى رغم تغير الظروف وتمكنه من زيارة الجزائر (الجزاير كما يلفظون)، والعودة إلى “الوطن الأم” فرنسا. فكما اقتلع الاستعمار من الجزائر، اقتلع المناضلون منها أيضاً. هل يستوي الذي ناضلوا والذين قَتَلوا!

بعد الاستقلال والعمل في الدولة الجديدة، أُدخل الزنازين، مثل تلك الكثرة من المناضلين، والذين ربما كان بشير حاج علي أفضل من كنب عن حالهم: “العسف او التعذيب في الجزائر”، وملخصه أن المحققين الفرنسيين الذين عذبوا مناضلي جبهة التحرير هم أنفسهم عذبوا المناضلين بعد انقلاب بومدين! كيف لا فكمبرادور الجلاوزة يستورد القمع مجهزاً بأدواته. والكمبرادور من أكثر المصطلحات فهما هنا في مدينة الأضواء والعتمة معاً، حيث تراث الماوية لم ينطفىء رغم القمع الراسمالي الملفع بما لا يخر منه الماء. لا بل أنك لتشعر باحتمال الاختطاف وليس الاعتقال!

بعد أن عمل في السوربون وخاصة في تدريس التعاونيات، انتهى كمؤرخ إذ حاول تقديم ذلك عبر شرح حياته، فمنحني الجزء الأول من “عمره” الصادر عام 2001 في باريس بالفرنسية و2004 في الجزائر بالعربية: “حياة تحدٍ وصمود، مذكرات سياسية 1945-1962″، إلى أن يصدر الجزء الثاني. وكتابه الثاني: ” الثورة الجزائرية سنوات المخاض”

مثل كل العرب، داهمني بالسؤال عن فلسطين، وكنت أرغب أن أفهم عن الجزاير! كيف الأوضاع وكيف تعيش الناس، وهل ستتصالح فتح وحماس…الخ.

والحكمة من هذه المداهمة التي عاجلني بها مختلف العرب الذين رأيتهم في أميركا وفرنسا، هي أن القضية الفلسطينية هي القضية المحورية في الوطن العربي، ما زالت على حالها، وما زال مقرون بها الوفاء القديم. وهذا سؤال أتوجه به إلينا نحن الفلسطينيين، كيف يمكن أن نحافظ على هذه المحورية، كي لا تقتلها الدولة القطرية، وخاصة القطرية الفلسطينية، التسوية بلا مواربة؟ ليس هذا وحسب، حتى الفرنسيين المتضامنين معنا، وغير الفرنسيين في فرنسا، من الأقوام الأخرى، يتحدثون ويسألون بحرارة القلِق. وهذا أوصلني إلى الاستنتاج أن فريق التسوية كأنما يقوم بتنفير العرب من حيث شعورهم بالواجب، والمتضامنين الذين يتمتعون برومانسية المشاركة في عمل ما في موقع ما ضد العولمة والحرب والعنصرية.

كان لا بد لي أن أدير الحديث بالاتجاه الآخر، فالقلق المصيري يلح عليّ ببعده العربي كذلك. أدرنا الحديث عن انقلاب بومدين ضد بن بيللا، وكيف كان ذلك بأن تمكن جيش التحرير كمؤسسة عسكرية من ابتلاع المناضلين الذين كانوا داخل المدن والقرى خلال المقاومة، وكيف تمت رشوة قيادات معينة لتبتعد عن السلطة، ولتتبلور لاحقاً في شرائح طبقية جديدة في الوضع والموقف.

يبدو لي أن مؤسسة العسكر في الجزائر تشابهت إلى حد ما مع مؤسسة العسكر قي تركيا، بمعنى أنها المؤسسة الأقوى والمتحكمة، والأكثر تنظيما، فما بالك بالتسليح. يعيد هذا إلى الذهن كتاب أنور عبد الملك: “مصر مجتمع يحكمه العسكريون”.

والجيش حين تسلم بومدين السلطة اصبح هو الدولة/السلطة، سلطة الدولة التي وجدت من مصلحتها “القطرية” أن تطل على المحيط، وليس على المتوسط فقط! وهذا ما يفسر، إلى جانب توفر الحديد، في الصحراء الغربية (البوليساريو) دعم الجزائر للبوليساريو في مواجهة المغرب، كي تصبح دولة مستقلة! هنا يتبدى الجذر القطري، بمعنى، لو كانت السلطة الجزائرية معنية بما هو ابعد من قطري، لوصل الشعب الجزائري إلى المحيط عبر علاقات ما فوق قطرية، بدل أن يصل المحيط بدماء ابناء الشعبين.

إذن، هي الثورة الوطنية التي دوخت الاستعمار، لكنها وصلت دائخة إلى السلطة، فدوختها شرائح طبقية، اهمها الكمبرادور الذي بدل بناء التسيير الذاتي، لجأ إلى تصفية القطاع العام.

لكن تصفية القطاع العام كان أشبه بتصقية ذلك في الاتحاد السوفييتي اي تقاسم السلطة نفسها جثمان هذا القطاع الذي هو شغل الشعب، الطبقات الشعبية تحديداً، فكان الوليد السفاح هو الفساد.

لقد تمتع الكمبرادور بمن فيه قيادات الجيش ورجال السلطة بثروة البلد، إلى درجة تم معها تكفير الشعب بنضالات جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي ضاعت بين الجيش والشرائح الطبقية البرجوازية المتعددة، والتي كانت تولد في كل حين طبعة أخرى، أو تتزيى بلباس لكل حفلة رقص. وانتهى الأمر إلى وجود جيش وسلطة، وغياب الحزب.

قتح هذا باتجاه قرار الشعب انتخاب بديل، ربما ليس لفرط إعجاب الشعب بالإسلاميين، بل لأنه لا يريد التغيير فقط، بل معاقبة الذين فتكوا بالمجد والاقتصاد، جهد الناس.

وكانت المؤسسة العسكرية بالمرصاد ليقوم بالردة ضد نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر، وكان الرد على الجيش من قبل الإسلاميين المتحالفين مع القبايل. وكانت المذبحة المجانية في الجزائر والتي يختلف عليها كل الناس. وكان الدور الأميركي ولاحقا الفرنسي. وفي النهاية غنمت اميركا نفط الجزائر، وتفكك الإسلاميون أيدي سبا، ووصل السيد الغربي، المستعمِر المستدعى إلى درجة الترجي، إلى حالة البحث عن نموذج وطني ليحكم الجزائر!

هل هذه اللغة مفهومة؟ مسيرة دامية لطرد الاستعمار الفرنسي المركَّب الاستيطاني/وغير الاستيطاني، وانتقال المناضلين إلى مواقع وتشكيل بنى طبقية فاسدة ومتخارجة، ومذبحة مجانية، واستدعاء الاستعمار ثانية ليس ليستغل ويتحكم بالاقتصاد بل حتى ليبحث عن “قوى وطنية” لتحكم!

ماذا عن القوى السياسية؟ هذا شأن أكثر غرابة، فكما هو في الوطن العربي، في الجزائر، تنشط الأحزاب بموجب اتفاق ضمني مع المخابرات، وبالتالي تظل أحزاباً لا مزعجة، مما يجعل همها الوصول لمقاعد برلمانية تقوي مواقع قادتها في الأحزاب نفسها. فاية صفقة؟

يقودنا هذا لإنهاء هذه القصة القصيرة التي أفهمتنا أن هناك مشتركاً عربياً داكناً يؤكد وجوب النضال على الصعيد العربي الشامل نضالاً موحداً:

■ إن الدولة القطرية هي المؤسسة النقيضة للمشروع القومي بدءاً من إصلاح ظروف المعيشة وصولاً إلى التغيير على الأرض.

■ تتنافس في الوطن العربي قوتان،الكمبرادور والإسلام السياسي، وعليه، يميل المجتمع إلى الإسلام السياسي مقابل الكمبرادور الذي يجسد التبعية ويعد بها اكثر.

■ تتحكم المخابرات والجيش بمختلف مناحي الحياة بما فيها نشاطات الأحزاب.

■ تتحدد السياسة القطرية طبقا لسيناريوهات البيت الأبيض.

هذا هو المشترك السالب العربي في هذه الحقبة. ولمن اراد فليبحث عن المشترك الحقيقي: وجوب تفكيك مفاصل الدولة القطرية.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
...ويضرب, الجزائر, العنف


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:46

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc