![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() صاحب الموضوع أمين إسلام
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم، الذي دلَّ الأمة على الخير وسلك بها الطريق الأمَمَ الأقوم. أما بعد فإن المعلمين هم حُماةُ الثُّغور، ومربو الأجيال، وسُقَاةُ الغرس، وعُمَّارُ المدارس، المستحقون لأجر الجهاد، وشكر العباد، والثواب من الله يوم المعاد. ثم إن الحديث عن المعلمين ذو شجون؛ فلهم هموم وشؤون، ولهم آمال وآلام، وعليهم واجبات وتبعات. ثم أما بعد: فأحببت أن أشارك إخواني المعلمين بهذه الحلقات التي سأنزلها تباعا - إن شاء الله- في محاولة مني لتغيير ما يمكن تغييره من حال معلمينا في مواضيعهم التي يخوضون ، ومجالاتهم التي حولها يدندنون . وللإشارة فإن هذه الحلقات منقولة من كتاب بعنوان : مع المعلمين فهي تدور مع المعلمين في شجونهم وشؤونهم، وفي أدبهم في أنفسهم، ومع زملائهم وطلابهم، إلى غير ذلك مما يدور في فلكهم. فيا معاشر المعلمين سلامٌ من الله عليكم، وتحيات مباركاتٌ تُزجى إليكم، وثناء عليكم يَأْرَج كالمسك من محبٍّ لكم. ثم إن هذه الحلقات مهداة إليكم فعسى أن تنال رضاكم، وتجد قبولاً عندكم. فإلى تلك الصفحات، والله المستعان وعليه التكلان. 1_ استحضار فضل العلم والتعليم: فللعلم شأن جلل، وفضل عظيم، ومكانة سامقة، فيحسن بالمعلمين أن يستحضروا هذا المعنى، ويضعوه نصب أعينهم وفي سويداء قلوبهم؛ فما يقدمونه في سبيل العلم يعلي ذكرهم، ويزكي علومهم، ويعود بالنفع عليهم وعلى أمتهم. ولهذا فلا غرو أن تتظاهر آثار الشرع، وأقوال السلف، وكلمات الحكماء في بيان فضل العلم ونشره بين الناس. قال الله تعالى: [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ] (المجادلة: 10). قال ابن عباس _رضي الله عنهما_: =العلماء فوق المؤمنين مائة درجة، ما بين الدرجتين مائة عام قال وهب ابن منبه رحمه الله: = يتشعب من العلم الشرفُ وإن كان صاحبه دَنِيَّاً، والعز وإن كان صاحبه مهيناً، والقرب وإن كان قصيَّاً، والغنى وإن كان فقيراً، والمهابة وإن كان وضيعاً. وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله في وصيته لولديه: =والعلم لا يفضي بصاحبه إلا إلى السعادة، ولا يقصر عن درجة الرفعة والكرامة، قليله ينفع، وكثيره يعلي ويرفع، كنز يزكو على كل حال، ويكثر مع الإنفاق، ولا يغصبه غاصب، ولا يُخاف عليه سارق ولا محارب؛ فاجتهدا في تحصيله، واستعذبا التعب في حفظه والسهر في درسه، والنصب الطويل في جمعه، وواظبا على تقييده وروايته، ثم انتقلا إلى فهمه ودرايته. وقال ابن حزم رحمه الله: =لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك، وأن العلماء يجلونك ، لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضله في الدنيا والآخرة؟. ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء، ويغبط نظراءه من الجهال لكان ذلك سباً إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة؟. وعن سفيان الثوري والشافعي _رضي الله عنهما_: =ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم قال ابن جماعة رحمه الله بعد أن ساق جملة من الآثار عن السلف في فضل العلم: =وقد ظهر بما ذكرنا أن الاشتغال بالعلم لله أفضل من نوال العبادات البدنية من صلاة، وصيام، وتسبيح، ودعاء، ونحو ذلك؛ لأن نفعَ العلم يعم صاحبه والناسَ، والنوافل البدنية مقصورةٌ على صاحبها، ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات؛ فهي تفتقر إليه، وتتوقف عليه، لا يتوقف هو عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء _عليهم الصلاة والتسليم_ وليس ذلك للمتعبدين، ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، وغيرُهُ من النوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن في بقاء العلم إحياءَ الشريعة، وحفظ معالم الملة. هذا شيء من فضل العلم، أما فضل نشر العلم وبثه بين الناس فيكفي في ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : =إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم قال ابن جماعة رحمه الله في هذا الحديث: = وأنا أقول: إذا نظرت وجدت المعاني الثلاثة موجودة في معلم العلم؛ أما الصدقة فإقراؤه إياه العلم وإفادته إياه؛ ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في المصلي وحده: =من يتصدق على هذا. أي بالصلاة معه؛ لتحصل فضيلة الجماعة، ومعلم العلم يحصل للطالب المنتفع به فضيلة العلم التي هي أفضل من صلاة في جماعة، وينال بها شرف الدنيا والآخرة. وأما العلم المُنْتَفع به فظاهر؛ لأنه كان سبباً لإيصاله ذلك العلم إلى كل من انتفع به. وأما الدعاء الصالح له فالمعتاد المستقر على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة من الدعاء لمشايخهم وأئمتهم. وبعض أهل العلم يدعون لكل من يذكر عنه شيء من العلم، وربما قرأ بعضهم الحديث بسنده، فيدعو لجميع رجال السند؛ فسبحان من اختص من شاء من عباده بما شاء من جزيل عطائه. قال الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله : =فالمعلم مأجور على نفس تعليمه، سواء أفهم المتعلم أو لم يفهم؛ فإذا فهم ما علمه، وانتفع به بنفسه أو نفع به غيره _ كان الأجر جارياً للمعلم ما دام النفع متسلسلاً متصلاً. وهذه تجارة بمثلها يتنافس المتنافسون؛ فعلى المعلم أن يسعى سعياً شديداً في إيجاد هذه التجارة؛ فهي من عمله وآثار عمله. قال _تعالى_: [إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ] (يس: 12). فـ[مَا قَدَّمُوا] ما باشروا عمله، و [آثَارَهُمْ]: ما ترتب على أعمالهم من المصالح والمنافع أو ضدها في حياتهم وبعد مماتهم. قال ابن جماعة رحمه الله : = واعلم أن الطالب الصالح أعودُ على العالِم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، وأقرب أهله إليه. ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يُلْقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومِنْ بعدهم. ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينفع الله بعلمه وهديه لكفاه ذلك الطالب عند الله _تعالى_؛ فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر. فأكرم بالتعليم من مهنة، وأعظم به من شرف ومهمة. أعَلِمْتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولا( هذا وسيأتي مزيد بيان لفضل العلم والتعليم ضمناً في الحلقات التالية.
آخر تعديل حميدي البشير 2010-05-09 في 22:43.
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() 2- استشعار المسؤولية:
فمسؤولية التعليم عظيمة، والأمانة الملقاة على عواتق أهله كبيرة؛ فما طريق المعلمين بلاحبةٍ، ولا مهمتهم بيسيرة؛ فلقد تحملوا الأمانة وهي ثقيلة، واستحقوا الإرث وهو ذو تبعات، وينتظر منهم ما ينتظره المدلج في الظلام من تباشير الصبح؛ فإن الأمة ترجو أن يبنى بهم جيل قوي الأسر، شديد العزائم، سديد الآراء، متين العلم، متماسك الأجزاء. ولا يقال هذا الكلام؛ تهويلاً، وإنما يقال؛ ترويضا؛ فمن وطن نفسه على المكروه هانت عليه الشدائد، ووجد كل شيء باسما جميلاً محبوباً. ومن تخيل الراحة، وحكم أخيلتها في نفسه، ثم كذبته الآمال _كان بين عذابين، أمضَّهما كذب المخيلَة. قال ابن حزم رحمه الله : وطن نفسك على ما تكره يَقِلَّ هَمُّك إذا أتاك، ويعظمَ سرورُك ويتضاعف إذا آتاك ما تحب مما لم تكن قدَّرْتَه. فيا معاشر المعلمين، إنكم عاملون فمسؤولون عن أعمالكم، فمجزيون عنها من الله، ومن الأمة، ومن التاريخ، ومن الجيل الذي تقومون عليه كيلاً بكيل، ووزناً بوزن؛ فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ولكم من الله فضل جزيل، ومن التاريخ والأمة ثناء جميل. وإن قصرتم فقد أسأتم لأنفسكم ولأمتكم، وإن لما يبوء به المقصرون من الندامة والمرارة ما يحلو معه بخع النفوس، وإتلاف المهج. وتلك هي الحالة التي نعيذ أنفسنا _ معاشر المعلمين _ بالله من تسبيب أسبابها، وتقريب وسائلها . كيف وقد نهى ديننا الحنيف عن التقصير في الواجبات، ونعى التفريط في الحقوق، وبين آثاره وعواقبه، وحض على الأعمال في مواقيتها، وقبح الكسل، والتواكل، والإضاعة، فشرع لنا بذلك كل شرائع الحزم والقوة وضبط الوقت والنفس مالم يشرعه قانون، ولم تأت به عقلية. وما أخَذَنا بذلك إلا ليأخذ بِحُجَزِنا عن التَّهَوّي في الكسل والبطالة، ويقينا تَجَرُّعَ مرارة الندم، وحرارة الحسرة. قال الله _ تعالى _: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا] (النساء: 58). وقال _ عز وجل _: [إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً] (الأحزاب: 72). وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه فيا معاشر المعلمين، إنكم رعاة ومسؤولون عن رعيتكم، وإنكم بناة وإن الباني لمسؤول عما يقع في البناء من زيغ أو انحراف. وإذا كان في الأنابيب حيف وقع الطيش في صدور الصِّعَاد فالتعليم هو التكوين الأول للناشئة، وعلى أساسها يبنى مستقبلهم في الحياة؛ فإن كان هذا التكوين صالحاً كانوا صالحين لأمتهم ولأنفسهم، وإن كان مختلاً ناقصاً زائغاً بنيت حياة الجيل كله على فساد، وساءت آثاره في الأمة وكانت الأمية أصلح لها، وأسلم عاقبة. قال الحكيم العربي: إذا ما الجرح رمَّ على فساد تَبَيَّن فيه تفريط الطبيب وقال شوقي: وإذا المعلم ساء لحظَ بصيرةٍ جاءت على يده البصائرُ حُولا( ) إن تبعة ذلك تلقى على المعلمين الكرام؛ فلينظروا أي موقف أوقفتهم الأقدار فيه، وليشدوا الحيازيم لأداء الأمانة على وجهها، وليعلموا أنهم إنما يبنون للأمة من كل جيل ساقاً حتى يعلو البناء ويشمخ، وإن البناء لا يعلو قوياً، صحيحاً، متماسك الأجزاء، متعاصياً على الهزات والزلازل _ إلا إذا كان الأساس قوياً متيناً، متمكناً ركيناً.( ) إذا كان الأمر كذلك فإنه لا يحسن بنا _ معاشر المعلمين _ أن نتنصل عن المسؤولية، أو أن نلقي بالتبعات على غيرنا، فنلقي بها على البيت، وفساد الزمان، وقلة المعين وما إلى ذلك .. بل نقوم بما هو فرض علينا، ونؤدي الأمانة المنوطة بنا على أكمل وجه وأتمه. قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله في وصيته للمعلمين: (إنكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالك، رعاياها أطفال الأمة؛ فسُوْسُوهُمْ بالرفق والإحسان، وتَدَرَّجوا بهم من مرحلة كاملة في التربية إلى مرحلةٍ أكملَ منها. إنهم أمانة الله عندكم، وودائع الأمة بين أيديكم، سلمتهم إليكم أطفالاً؛ لتردوها إليها رجالاً، وقدمتهم إليكم هياكل؛ لتنفخوا فيها الروح، وألفاظاً؛ لتعمروها بالمعاني، وأوعية؛ لتملأوها بالفضيلة و المعرفة ) ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الصدد أن مسؤولية التربية والتعليم لا تقتصر على معلمي الشريعة أو اللغة أو ما يدور في فلكهما. بل هي عامة، ومناطة بكل معلم ومرب؛ فالعلم النافع الذي دل عليه الكتاب والسنة هو كل علم أثمر الثمار النافعة، وأوصل إلى المطالب العالية، فكل ما زكى الأعمال، ورقى الأرواح وهدى إلى السبيل _ فهو من العلم النافع، لا فرق في ذلك بين ما تعلق بالدنيا أو بالآخرة؛ فشرف الدين لازم لشرف الدنيا، وسعادة المعاش مقترنة بسعادة المعاد. والشريعة بكمالها وشمولها أمرت بتعلم جميع العلوم النافعة من العلم بالتوحيد وأصول الدين، ومن علوم الفقه والأحكام، ومن العلوم العربية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والحربية، والطبية، إلى غير ذلك من العلوم التي يكون بها قوام الأمة، وصلاح الأفراد و المجتمعات. 3_ لزوم التقوى بكل حال: فالتقوى هي العدة في الشدائد، والعون في الملمات، وهي مهبط الرَّوْح والطمأنينة، ومتنزل الصبر والسكينة، وهي مِرقاة العز، ومعراج السمو إلى السماء، وهي التي تُثبِّتُ الأقدام في المزالق، وتربط على القلوب في الفتن. فما أحوجك أخي المعلم إلى تقوى الله _عز وجل_ وما أجدرك بدوام مراقبة ربك في سرك وعلانيتك، وفي أقوالك وأعمالك؛ فإنك أمين على ما أودعك الله من العلوم، وما منحك من الحواس والفهوم. ومن لزوم التقوى طهارةُ الباطن من الأخلاق الرديئة، والمحافظةُ على شعائر الإسلام كإقامة الصلاة في المساجد، وإفشاء السلام للخواص والعوام، وما يستتبع ذلك مما سيرد ذكره في ما سيأتي _إن شاء الله تعالى_.( ) 4_ الإقبال على القرآن وقراءته بتدبر وتعقل: فالقرآن هو الذي ربى الأمة وأدبها، فزكى منها النفوس، وصفى القرائح، وأذكى الفِطَن، وجلا المواهب، وأرهف العزائم، وأعلى الهمم، وصقل الملكات، وقوَّى الإرادات، ومكَّن للخير في النفوس، وغرس الإيمان في الأفئدة، وملأ القلوب بالرحمة، وحفز الأيدي للعمل النافع، والأرجل للسعي المثمر، ثم ساق هذه القوى على ما في الأرض من شر وباطل وفساد فَطهرها منه تطهيراً، وعمرها بالحق والإصلاح تعميراً. والقرآن هو الذي جلا العقول على النور الإلهي فأصبحت كشافة عن الحقائق العليا، وطهر النفوس من أدران السقوط والإسفاف إلى الدنايا فأصبحت نزاعة إلى المعالي، مُقْدِمَةً على العظائم؛ فلم يزل بها هذا القرآن حتى أخرج من رعاة النَّعم رعاة الأمم، وأخرج من خمول الأمية أعلامَ العلمِ والحكمة. وبهذه الروح القرآنية اندفعت تلك النفوسُ بأصحابها تفتح الآذانَ قبل البلدان، وتمتلك بالعدل والإحسانِ الأرواحَ قبل الأشباح. فحقيق علينا _معاشر المعلمين_ أن نقبل على كتاب ربنا _جل وعلا_ قراءةً، وتدبراً، وفهماً، وعقلاً، واهتداءً بهديه، وتخلقاً بأخلاقه؛ لنحظى بأجلِّ الخيرة، ونظفر بحميد العاقبة. ........ يتبع .......... |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() 4- الإقبال على القرآن وقراءته بتدبر وتعقل:
فالقرآن هو الذي ربى الأمة وأدبها، فزكى منها النفوس، وصفى القرائح، وأذكى الفِطَن، وجلا المواهب، وأرهف العزائم، وأعلى الهمم، وصقل الملكات، وقوَّى الإرادات، ومكَّن للخير في النفوس، وغرس الإيمان في الأفئدة، وملأ القلوب بالرحمة، وحفز الأيدي للعمل النافع، والأرجل للسعي المثمر، ثم ساق هذه القوى على ما في الأرض من شر وباطل وفساد فَطهرها منه تطهيراً، وعمرها بالحق والإصلاح تعميراً. والقرآن هو الذي جلا العقول على النور الإلهي فأصبحت كشافة عن الحقائق العليا، وطهر النفوس من أدران السقوط والإسفاف إلى الدنايا فأصبحت نزاعة إلى المعالي، مُقْدِمَةً على العظائم؛ فلم يزل بها هذا القرآن حتى أخرج من رعاة النَّعم رعاة الأمم، وأخرج من خمول الأمية أعلامَ العلمِ والحكمة. وبهذه الروح القرآنية اندفعت تلك النفوسُ بأصحابها تفتح الآذانَ قبل البلدان، وتمتلك بالعدل والإحسانِ الأرواحَ قبل الأشباح. فحقيق علينا _معاشر المعلمين_ أن نقبل على كتاب ربنا _جل وعلا_ قراءةً، وتدبراً، وفهماً، وعقلاً، واهتداءً بهديه، وتخلقاً بأخلاقه؛ لنحظى بأجلِّ الخيرة، ونظفر بحميد العاقبة. 5_ ملازمة ذكر الله _عز وجل_: فبذكر الله تطمئن القلوب، وتزكو النفوس، وتزول الهموم والغموم. قال _تعالى_: [أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ] (الرعد: 28). ثم إن ذكر الله يهون الصعاب، ويزيد في القوة، قال ابن القيم رحمه الله في معرض حديثه عن فضائل الذكر: إن الذكر يعطي الذاكرة قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه. وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه، وكلامه، وإقدامه أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر.وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً زيادة على ذلك فإن ملازمة الذكر يعد من أجل الأعمال إن لم يكن أجلها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره أن ملازمة ذكر الله دائماً هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة وأفضل الذكر بعد القرآن تلك الكلمات الأربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وكذلك لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فهذه الكلمة لها تأثير عجيب في ثبات القلب، ومعاناة الأشغال، وركوب الأهوال 6_ وقل ربي زدني علماً: فلا تستنكف من التعلم، ولا تقنع بما لديك من العلم، فالعلم أساس ترفع عليه قواعد السعادة، ولا تنفتح كنوزه إلا بتدقيق النظر ممن تصدى للإفادة والاستفادة. فيا أيها المعلم المبارك أعيذك بالله من صنيع بعض المعلمين؛ فما أن ينال الشهادة التي تؤهله للتعليم إلا وينبذ العلم وراءه ظهرياً، إما اشتغالاً عن العلم، أو زهداً به، أو ظناً منه أنه قد استولى بالشهادة على الأمد، وأدرك بها الغاية القصوى من العلم. وما هي إلا مدة ثم ينسى كثيراً مما تلقاه من العلم أيام الطلب، وإذا تمادى به الأمر كاد أن يعدَّ من جملة العوام. فما ذلك المسلك بسديد ولا رشيد؛ فلم يقض حق العلم، بل لم يدر ما شرف العلم ذلك الذي يطلبه لينال به رزقاً، أو ينافس به قريناً، حتى إذا أدرك وظيفة، أو أنس من نفسه الفوز على القرين أمسك عنانه ثانية، وتنحى عن الطلب جانباً. وإنما ترفع الأوطان رأسها، وتبرز في مظاهر عزتها بهمم أولئك الذين يقبلون على العلم بجد وثبات، ولا ينقطعون عنه إلا أن ينقطعوا عن الحياة، لا تحول بينهم وبين نفائس العلوم وعورةُ المسلك، ولا طول مسافة الطريق، بعزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفي غليله إلا أن يغترفوا من العلوم بأكواب طافحة. فالاشتغال بالعلم، والتزود منه يثبته، ويزيده، ويفتح أبوابه. ولو لم يأت من ذلك كله إلا أن الاشتغال بالعلم يقطع عن الرذائل، ويوصل إلى الفضائل. قال ابن حزم رحمه الله : لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أن يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية، ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم، وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس لكان ذلك أعظمَ داعٍ إليه، فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره؟ قال سعيد بن جبير رحمه الله: لا يزال الرجل عالماً ما تَعَلَّم، فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون كيف لا وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعلَّم والمزكَّى من الله _عز وجل_ يأمره الله أن يقول: [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً] (طه: 114). قال الإمام الشافعي رحمه الله: إذا هجع النُّوَّام أسبلت عبرتي وَرَدَّدْتُ بيتاً وهو من ألطف الشعر أليس من الخسران أن ليالياً تَمُرُّ بلا علمٍ وتحسب من عمري( ) قال أبو إسحاق الإلبيري رحمه الله في فضل العلم والمواظبة على طلبه: أبا بكرٍ دعوتُك لو أَجَبْتَا إلى ما فيه حَظُّك إنْ عقلتا إلى علم تكون به إِماماً مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا وتجلو ما بعينك من عَشَاها وتهديك السبيلَ إذا ضللتا وتحمل منه في ناديك تاجاً ويكسوك الجمالَ إذا اغْتَرَبْتَا ينالك نَفْعُهُ ما دمت حَيَّاً ويبقى ذُخْرُه لك إن ذهبتا هو العَضْبُ المُهَنَّدُ ليس ينبو تصيب به مقاتل من ضربتا وكنز لا تخاف عليه لِصَّاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا فلو قد ذقت من حلواه طعماً لآثرت التعلم واجتهدتا ولم يشغلك عنه هوىً مطاعٌ ولا دنيا بزخرفها فُتنتا ولا ألهاك عنه أنيقُ روضٍ ولا خِدْرٌ بِرَبْرَبِهِ كَلِفتا فَقُوتُ الروح أرواحُ المعاني وليس بأن طعمت وأن شربتا فواظبْه وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله أخذتا ..... يتبع .... |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() 7_ الإخلاصَ الإخلاصَ:
فالإخلاص يرفع شأن الأعمال حتى تكون مراقي للفلاح، والإخلاص هو الذي يحمل على مواصلة عمل الخير، وهو الذي يجعل في عزم الرجل متانة، ويربط على قلبه إلى أن يبلغ الغاية. وكثير من العقبات لا يساعدك على العمل لتذليلها إلاّ الإخلاص. ولولا الإخلاص يضعه الله في قلوب زاكيات لحرم الناس من خيرات كثيرة تقف دونها عقبات. ومدار الإخلاص على أن يكون الباعث على العمل أولاً امتثال أمر الله، وابتغاء وجهه _عز وجل_. ولا حرج على من يطمح بعد ذلك إلى شيء آخر كالفوز بنعيم الآخرة، والنجاة من أليم عذابها. بل لا يذهب بالإخلاص بعد ابتغاء وجه الله أن يخطر ببال الإنسان أن للعمل الصالح آثاراً طيبة في هذه الحياة الدنيا، كطمأنينة النفس، وأمنها من المخاوف، وصيانتها من مواقف الهون، إلى غير ذلك من الخيرات التي تعقب العمل الصالح، ويزداد بها إقبال النفوس على الطاعات قوة إلى قوة. والذي يرفع الشخص إلى أقصى درجات الفضل إنما هو الإخلاص الذي يجعله الإنسان حليف سيرته، فلا يقدم على عمل إلا وهو مستمسك بعروته الوثقى، ولا تبالغُ إذا قلت: إن النفس التي تتحرر من رق الأهواء ولا تسير إلا على ما يمليه عليها الإخلاص هي النفس المطمئنة بالإيمان، المؤدبة بحكمة الدين ومواعظه الحسنة؛ فذلك الإخلاص هو الذي يسمو سلطانهُ على كل سلطان، ويبلغ أن يكون مبدأً راسخاً تصدر عنه الأعمال بانتظام. ثم إن العمل المثمر هو الذي ينبني على عقيدة؛ لئلا يتناقض، وما تدفعه إرادة؛ لئلا يتراجع، وما يحثه جهاد؛ لئلا يقف، وما يصحبه تجرد؛ لئلا يتهم، وما ينتشر؛ لئلا يضيق فيضيع، وما تكون غايته الخير؛ لئلا يكون فساداً في الأرض. وذلك إنما يكون بالإخلاص؛ فإن للإخلاص تأثيراً عظيماً في هذا الشأن؛ فمن تَعَكَّسَتْ عليه أمورُه، وتضايقت عليه مقاصده فليعلم أن بذنبه أصيب، وبقلة إخلاصه عوقب. فإذا كان الإخلاص بهذه المثابة، وإذا كان له تلك المآثر فحقيق علينا _معاشر المعلمين_ أن نضعه نصب أعيننا، وأن نجاهد أنفسنا على التحلي به، وأن نربي من تحت أيدينا عليه؛ لكي يتخرجوا رجالاً يقوم كل منهم بالعمل الذي يتولاه بحزم وإتقان. وإن مما يعين على التحلي بالإخلاص أن تعلم أخي المعلم أن الإخلاص يثمر لك أن تتمتع بما يتمتع به غيرك من مزايا مادية، وإجازات وترقيات، وتزيد عليهم أن تتذوق عملك، وتعشق مهمتك، وتقبل عليها بكل ارتياح وسرور، وأن جميع ساعاتك التي تقضيها في إعداد دروسك، وفي ذهابك إلى المدرسة وإيابك منها مدخرة لك عند الله_عز وجل_. أما الآخرة _وهي المقصود الأعظم، والمطلب الأسمى _فهناك أي ثواب ستناله، وأي أجر ينتظرك؟ هذه أمور علمها عند ربي في كتاب لا يظل ربي ولا ينسى، والله يضاعف لمن يشاء. 8_ القدوة القدوة: فالمعلم كبير في عيون طلابه، والطلاب مولعون بمحاكاته والاقتداء به؛ لذلك كان لزاماً على المعلمين أن يتصفوا بما يدعو إليه العلمُ من الأخلاق والأعمال؛ فهم أحق الناس بذلك وأهلُه؛ لما تميزوا به من العلوم التي لم تحصل لغيرهم، ولأنهم قدوة للناس. فإذا كانوا كذلك أثَّروا على طلابهم، وانطبع من تحت أيديهم على أخلاق متينة، وعزائم قوية، ودين صحيح. وإن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلاً، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان بنفسه صالحاً؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين. ولقد كان السلف الصالح _رضي الله عنهم_ يستعينون بالعمل على العلم؛ لأن العلم إذا عُمِل به نما، واستقر، وكثرت بركته. وإذا ترك العمل به ذهبت بركته، وربما صار وبالاً على صاحبه؛ فروح العلم، وحياته، وقوامه إنما هو بالقيام به عملاً، وتخلقاً، وتعليماً، ونصحاً؛ فالشرف للعلم لا يثبت إلا إذا أنبت المحامد، وجلب السعادة، وأثمر عملاً نافعاً. ومما يحقق ذلك قوله _تعالى_: [مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً] (الجمعة: 5). فانظر كيف ذم الله الذين درسوا التوراة، وأتوا عليها تلاوةً، ثم أحجموا عن العمل بموجبها _في أسلوب بليغ؛ فضرب في وصفهم مَثَلَ الحمار يحمل الأسفار؛ من حيث خلوهم عن المزية، وعدم استحقاقهم للحاق بزمرة العلماء؛ إذ لا ميزة بين من يحمل كتب الحكمة على غاربه وبين من يضعها داخل صدره أو دماغه إذا صدَّ وجهه عن العمل بها. وتنسحب هذه المذمة على كل من حفظ علماً طاشت به أهواؤه عن اقتفائه بصورة من العمل تطابقه. قال الإلبيري رحمه الله في العلم: وإن أوتيت فيه طويلَ باعٍ وقال الناس إنك قد سبقت فلا تأمنْ سؤالَ الله عنه بتوبيخٍ علمت فهل عملتا فرأسُ العلم تقوى الله حقًّا وليس بأن يقال: لقد رأستا إذا ما لم يُفِدْك العلم خيراً فخيرٌ منه أنْ لَوْ قَدْ جهلتا وإن ألقاك فَهْمُكَ في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمت قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله في وصيته للمعلمين: =ثم احرصوا على أن ما تلقونه لتلامذتكم من الأقوال منطبقاً على ما يرونه ويشهدونه منكم من الأعمال؛ فإن الناشئ الصغير مرهفُ الحس، طُلَعَةٌ إلى مثل هذه الدقائق التي تغفلون عنها، ولا ينالها اهتمامكم، وإنه قوي الإدراك للمعايب والكمالات؛ فإذا زينتم له الصدق فكونوا صادقين، وإذا حسَّنتم له الصبر فكونوا من الصابرين.واعلموا أن كل نقشٍ تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير أن يكون منقوشاً في نفوسكم فهو زائل، وأن كل صبغ تنفضونه على أرواحهم من قبل أن يكون متغلغلاً في أرواحكم فهو لا محالة ناصل حائل، وأن كل سحر تنفثونه؛ لاستنزالهم غير الصدق فهو باطل.ألا إن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة وقال في موطن آخر: وأعيذكم بالله يا أبنائي أن تجعلوا اعتمادكم في تربية الصغار للرجولة على البرامج والكتب؛ فإن النظم الآلية لا تبني عالماً، ولا تكوُّن أمة، ولا تجدد حياة.وإنما هي ضوابط وأعلام ترشد إلى الغاية، وتعين على الوصول إليها من طريق قاصد، وعلى نهج سويٍّ. أما العمدة الحقيقية في الوصول إلى الغاية من التربية فهي ما يفيض من نفوسكم على نفوس تلاميذكم الناشئين من أخلاق طاهرة قويمة يحتذونكم فيها، ويقتبسونها منكم، وما تبثونه في أرواحهم من قوة عزم، وفي أفكارهم من إصابة وتسديد، وفي نزعاتهم من إصلاح وتقويم، وفي ألسنتهم من إفصاح وإبانة.وكل هذا مما لا تغني فيه البرامج غناء وقال رحمه الله : كونوا لتلاميذكم قدوة صالحة في الأعمال، والأحوال، والأقوال، لا يرون منكم إلا الصالح من الأعمال والأحوال، ولا يسمعون منكم إلا الصادق من الأقوال. وإن الكذب في الأحوال أضر على صاحبه وعلى الأمة من الكذب في الأقوال؛ فالأقوال الكاذبة قد يُحترز منها، أما الأحوال الكاذبة فلا يمكن منها الاحتراز وبعد هذا قد تقول _أيها المعلم الكريم_: أنَّى لي أن أكون قدوةً وأنا مقصر في نفسي؟ وكيف وأنا أعاني من بعض النقائص ونفسي تميل بطبعها إلى بعض الأخلاق المرذولة؟ وكيف أنصح للطلاب وأنا لم أُكمِّلْ نفسي بعد؟ ألا أخشى أن أدخل في وعيد الله بقوله _عز وجل_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] (الصف: 2_3). أليس الحكيم العربي يقول: يا أيها الرجلُ المعلم غيرَه هلا لنفسك كان ذا التعليمُ تصف الدواء وأنت أولى بالدوا وتعالج المرضى وأنت سقيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى بالقول منك ويُقبل التعليم والجواب عن ذلك أن يقال لك: ليس من شرط القدوةِ العصمةُ؛ فالعصمة إنما هي للأنبياء _عليهم السلام_ فيما يبلغون به عن ربهم. ولا يضيرك تقصيرك ما دمت مخلصاً في نصحك، حريصاً على تكميل نفسك وغيرك؛ فالسعي في التكميل كمال، ومن الذي يخلو من النقائص؟ فأي الرجال المهذب؟ ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه ولو ترك الناس النصح بحجة التقصير لما بقي ناصح على وجه الأرض، ولو كان من شرط القدرة العصمة لما بقي للناس قدوة بعد الأنبياء عليهم السلام. إذا لم يعِظْ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد قال ابن حزم رحمه الله : فَرْضٌ على الناس تَعَلُّمُ الخير والعمل به؛ فمن جمع الأمرين فقد استوفى الفضيلتين معاً، ومن عَلِمَهُ ولم يعمل به فقد أحسن في التعليم وأساء في ترك العمل به، فخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً وقال: ولو لم يَنْهَ عن الشر إلا من ليس فيه منه شيء، ولا أمر بالخير إلا من استوعبه _لما نهى أحدٌ عن شر، ولا أمر بخير بعد النبي " وحسبك بمن أدَّى رأيه إلى هذا فساداً، وسوءَ طبعٍ، وذمَّ حال وقال : وقد صح عن الحسن أنه سمع إنساناً يقول: لا يجب أن ينهى عن الشر إلا من لا يفعله. فقال الحسن: ودَّ إبليس لو ظفر منا بهذه؛ حتى لا ينهى أحد عن منكر، ولا يأمر بمعروف ثم إن ميل الإنسان بطبعه إلى بعض النقائص لا ينافي التقوى إذا كان لا يغشى تلك النقائص، وكان يجاهد نفسه على بغضها. قال ابن حزم رحمه الله : لا عيب على من مال بطبعه إلى بعض القبائح ولو أنه أشد العيوب، وأعظم الرذائل ما لم يظهره بقول أو فعل.بل يكاد يكون أحمد ممن أعانه طبعه على الفضائل.ولا تكون مغالبة الطبع الفاسد إلا عن قوة عقل فاضل ومع ذلك فكلما اقتربت من الكمال، وحرصت على التخلص من النقائص _عظم الاقتداء بك، وزاد الانتفاع بحكمتك؛ فلا يعني ما سبق أن تبقى على عيوبك دون سعي لعلاجها، ودون مجاهدة للترقي في مدارج الكمال. ..... يتبع ........... |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() 9- البعد عن مواطن الرّيب: يقولون لي: فيك انقباضٌ وإنما ** رأوا رجلاً عن موقف الذلِّ أحجماحري بالمعلم أن يعز نفسه، وأن يصون علمه، وأن يجانب مواطن الرّيب، وأن يرتفع عن مواطن المهانة، فلا يغشى مجالس السفل، ولا يرتادَ منتدياتِ الخنا والزور، ولا يسير إلا على وفق ما تمليه عليه المروءة والحكمة. قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله في وصاياه للمعلمين: " وأوصيكم باتقاء مواطن الشبه، واجتناب مصارع الفضيلة، وبإجرار الألسنة عن مراتع الغيبة والنميمة، وفطمها عن مراضع اللغو واللجاج؛ فهي مفتاح باب الشر، وثقاب نار العداوة والبغضاء" وقال: "إن العامة التي ائتمنتكم على أبنائها تنظر إلى أعمالكم بالمرآة المكبرة؛ فالصغيرة من أعمالكم كبيرة، والخافتة من أقوالكم تسمعها جهيرة؛ فاحذروا ثم احذروا" ولئن كانت عزة النفس جميلة رائعة من كل أحد فَلَهِيَ من أهل العلم أجمل وأروع. ولئن كانت مرغوبةً مطلوبةً من كل أحد فلهي من أهل العلم أولى وأحرى. فأكرم بمن رفعه العلمُ، فرفع العلمَ، وأجدر بذي العلم أن يكون ذا نفس زكية، وساحة طاهرة نقية؛ حتى لا يكون الخلل حائلاً بينه وبين هداية الناس. ورحم الله القاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني إذ يقول في عزة أهل العلم: أرى الناس من داناهم هان عندهم** ومن أكْرَمَتْهُ عزةُ النفسِ أُكْرِما ولم أقضِ حقَّ العلمِ إن كان كلما ** بدا طمعٌ صَيَّرْتُهُ لي سلَّما وما كلُّ برقٍ لاح يستفزني **ولا كلُّ مَنْ لا قيت أرضاه منعما إذا قيل: هذا منهلٌ قلت قد أَرى** ولكنَّ نفسَ الحرِّ تحتمل الظما أُنَهْنِهُهَا عن بعض ما لا يشينها **مخافةَ أقوالِ العِدا فيمَ أولما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي** لِأخْدِمَ مَنْ لا قيتُ لكن لأُخْدما أأشقى به غرساً وأجنيه ذلةً؟** ولو عظَّموه في النفوس لَعَظَّما ولكنْ أهانوه فهانوا ودنسوا ** محياه بالأطماع حتى تَجَهَّما 10_ ولزملائك عليك حقا: فمن حق زملائك عليك أن تَقْدُرهم حق قدرهم، وأن تنصح لهم، وتحب لهم ما تحبه لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك. قال عليه الصلاة والسلام: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}) ومن حقهم أن تزيد في الإجلال والتقدير من يكبرك في السن والعلم، خصوصاً ممن لهم فضل عليك في تعليمك وتوجيهك؛ فلهؤلاء حق خاص، وقيامك بهذا الحق دليل على نبلك وكرم أخلاقك. ومن حقهم عليك أن ترفع من أقدارهم، وألا تذكرهم إلا بخير، وأن تحسن العشرة إذا اجتمعت بهم، وأن تحفظ العهد والغيب إذا فارقتهم. ومن حقهم أن تدعو لهم، وأن تحرص على مناصحتهم، وعلى ستر عيوبهم، وأن يكون صدرك سليماً لهم. ومن حقهم أن تقبل نصيحتهم، وأن تحسن الظن بهم، وأن تحمل كلامهم على أحسن المحامل، وأن تقيل عثراتهم إذا أخطأوا، وأن لا تعجل بمعاتبتهم إذا زلوا. ولا تسرع بِمَعْتَبَةٍ إليه ** فقد يهــــفو وَنِيَّتُهُ سليـــمهْ ومن حقهم أن تبادرهم بالسلام، وأن ترد عليهم إذا حيوك بمثلها أو بأحسن منها. ومن حقهم أن تحترم تخصصاتهم وعلومهم، وألا تتدخل في شؤونهم الخاصة التي يكرهون أن يطلع عليها أحد غيرهم. ومن حقهم ألا تنتقد أحداً منهم أمام الطلاب لا تصريحاً ولا تلميحاً؛ لأن انتقادهم أمام الطلاب مدعاة لزهد الطلاب بكم جميعاً. بل اللائق بك أن تذكرهم بخير أمام الطلاب، وألا تسمح لأحد من الطلاب أن ينال من أحد من زملائك؛ فذلك أهيب لكم، وأرفع لقدركم. ومن حقهم أن تحرص على جمع كلمتهم كما سيأتي. وإن رأيت من أحد زملائك نشاطاً فشجِّعْه، ونافسه في الخير. وإن رأيت كسلاً وخمولاً فخذ بيده، واحرص على نصحه، ولا تجاره في صنيعه. 11_التعاون على البر والتقوى: فمن أعظم ما يجب على المعلمين أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتواصوا بالحق وبالصبر. فحري بالمعلم أن يتعاون مع مسؤوليه، فيحسن علاقته بهم، ويقوم بما يسند إليه على أكمل وجه وأتمه، وأن يحرص على مناصحتهم فيما يراه خللاً، ويبدي رأيه فيما يرى أنه أفضل مما هو معمول به، مع مراعاة ألا ينصح أو يقترح على شرط القبول، فيكبر في نفسه ألا يؤخذ برأيه. ومن التعاون أن يتعاون مع الموجهين والمشرفين، وأن يستمع لملاحظاتهم وإرشاداتهم. ولا يمنع ذلك من مناقشتهم حول بعض الأمور في هدوء وسكينة بعيداً عن الملاحاة والمماراة. ومن التعاون في هذا الصدد أن يتعاون مع الطلاب _كما سيأتي_ ومع أولياء أمورهم في سبيل السعي في رفعة الطلاب. ومن التعاون أن يقوم بحق الزملاء كما مضى، وأن يحرص على جمع الكلمة كما سيأتي. 12_ الحرص على جمع الكلمة وإصلاح ذات البين: فمما يجب على المعلمين أن يجمعوا أمرهم، وأن يحرصوا كل الحرص على إصلاح ذات بينهم؛ جمعاً للكلمة، وإيثاراً للمصلحة العامة. فلا يحسن بهم_ وهم القدوة_ أن يعتدَّ واحدهم برأيه، وأن ينأى بجانبه عمن يخالفه. وإلا أصبح التعليم وقاعاته ميداناً للمهاترات، والخلافات، وصار أهل العلم سُبَّةً لمن أراد الشماتة، حينها يفشلون وتذهب ريحهم. وربما كان السبب في ذلك أموراً تافهة لا تستحق أن يُخْتَلَف من أجلها، وقد تكون مجرد أوهام لا حقيقة لها. ثم إن كان هناك من داع للخصومة فلتكن خصومة شريفة دعا إليها سبب معقول، وتبودلت فيها الحجج والبراهين من غير مهاترة أو مسابة، وقامت على الوسائل المكشوفة الظاهرة لا الخفية الدنيئة، وخرج كل خصم من الخصومة شريفاً لم تدنسه الخصومة؛ فهي كالصراع بين فارس نبيل وآخر مثله، لا بد لحربها من سبب قوي؛ فإذا تحاربا خضعا لأدب الحرب، وترفعا عن الصغائر والسفاسف وأساليب الخداع والمراوغة، ثم إذا انتهى الصراع انتهت الخصومة. ثم إن حصل خلاف بين المعلمين فيجب أن يُسعى بالصلح، وعلى المتخاصمين أن يفرحوا بالصلح، وأن يستجيبوا لِدَاعيه؛ فالاجتماع رحمة ورفعة، والفرقة عذاب وحِطَّة. قال أبو الوليد الباجي رحمه الله في وصيته لولديه: " واعلما أني قد رأيت جماعة ليس لهم أقدار ولا أحوال، أقام أحوالهم، ورفع أقدارَهم اتفاقُهم وتعاضدُهم. وقد رأيت جماعة كانت أقدارهم سامية، وأحوالهم نامية، مَحَقَ أحوالَهم، ووضع أقدارَهم اختلافُهم؛ فاحذرا أن تكونا منهم" وقال الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله : "ومن أهم ما يتعين على أهل العلم _معلمين أو متعلمين_ السعيُ في جمع كلمتهم، وتأليف القلوب على ذلك، وحسم أسباب الشر والعداوة والبغضاء بينهم، وأن يجعلوا هذا الأمر نصب أعينهم، يسعون له بكل طريق؛ لأن المطلوب واحد، والقصد واحد، والمصلحة مشتركة، فيحققون هذا الأمر بمحبة كل مَنْ كان مِنْ أهل العلم، ومَنْ له قدم فيه واشتغال أو نصح. ولا يَدَعون الأغراض الضارة تملكهم وتمنعهم من هذا المقصود الجليل، فيحب بعضهم بعضاً، ويذب بعضهم عن بعض، ويبذلون النصح لمن رأوه منحرفاً عن الآخرة، ويبرهنون على أن النزاع في الأمور الجزئية التي تدعو إلى ضد المحبة والائتلاف لا تقدم على الأمور الكلية التي فيها جمع الكلمة" هذا وإن مما يعين على اجتماع الكلمة ما يلي: أ_ أن تسود روح التضحية بين المعلمين: فالتضحية من أنبل الأخلاق وأروعها، وهي من أعظم ما يكسب القوة والترابط، والأمة المضحية تأكل غير المضحية بيسر وسهولة؛ لأن الأمة المضحية كتلة واحدة متماسكة، وغير المضحية أفراد متفككة، وشهوات متعددة، تتحارب أجزاؤها، ويأكل النزاع والشهوات والأنانية قواها. ولا تكون التضحية حتى يتعود القلب لذة العطاء كما يتعود لذة الأخذ. فالتضحية أفق واسع تنعم فيه النفس بجمال السعة، وبعد المدى. والأنانية أفق ضيِّق تألم فيه النفس، بضيق المكان، وتنقبض من كثرة السدود والحدود ب_ إفشاء السلام: فهو مجلبة للمودة، ومدعاة للمحبة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: {لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن مما يُصَفِّي لك ودَّ أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس" جـ _ الشورى: فالشورى تنمي المعارف، وتقوي الأواصر بين المتشاورين؛ لأنهم إذا تشاوروا شعروا بأن أمرهم واحد، ومصلحتهم مشتركة، وإذا شعروا بذلك قويت المحبة، وزالت العداوة. ثم إن استشارتك لأخيك توحي إليه بمودتك له، وثقتك به، وذلك من أسباب الألفة. قال _تعالى_ في وصف المؤمنين: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] (الشورى: 38). وأمر _عز وجل_ نبيه أن يشاور أصحابه، مع وفور عقله، وسداد رأيه. قال _تعالى_: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ] (آل عمران: 159). ولهذا كان النبي " كثير المشاورة لأصحابه. د_ الدعاء: وذلك بسؤال الله بصدق أن يجمع القلوب على التقوى. هـ _ أن ندرك أن الاختلاف في الرأي لا يوجب اختلاف القلوب: كما قيل: وكما قيل: |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() 13- حسن الخلق: وحسن الخلق يتمثل في بذل الجميل، وكف القبيح، وأن يكون الإنسان سهل العريكة، ليِّن الجانب، طلْق الوجه، قليل النفور، طيب الكلمة.وجماع حسن الخلق أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. وقد جمع الله _عز وجل_ ذلك في آية واحدة، وهي قوله _تعالى_: [خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ] (الأعراف: 199). ولئن كان حسن الخلق جميلاً من كل أحد فهو من المعلم أجمل وأجمل؛ فحري بالمعلم أن يتحلى بمكارم الأخلاق، وجدير به ألا يغفل ذلك من حسابه. قال الزيات رحمه الله:" ولعمري ما يؤتى المعلم إلا من إغفاله هذه الجهة؛ فالادعاء، والتظاهر، والكبرياء، والتفاخر، والبذاءة، والتنادر، والكذب، والتحيز، والكسل، والتدليس آفات العلم، وبلايا المعلم. وما استعبد النفس الشابة الحرة كالخلق الكريم، ولا يَسَّر تعليمها وتقويمها كالقدوة الحسنة، ناهيك بما يتبع ذلك من جمال الأحدوثة، واستفاضة الذكر وهما يزيدان في قدرة المعلم واعتباره، ويغنيان الطلاب الجدد عن اختباره" هذا وإن من أجمل الأخلاق وأولاها خلق الحلم، فهو من أشرفها وأحقها بذوي الألباب، لما فيه من سلامة العرض، وراحة الجسد، واجتلاب الحمد. وحد الحلم ضبط النفس عند هيجان الغضب، وليس من شرطه ألا يغضب الحليم. وإنما إذا ثار به الغضب عند هجوم دواعيه كف سورته بحزمه، وأطفأ ثائرته بحلمه. هذا وسيأتي مزيد بيان لحسن الخلق فيما يأتي من فقرات بإذن الله تعالى. 14_ التواضع: فالتواضع من أجمل الأخلاق وأرفعها، وهو _في حقيقته_ خفض الجناح، وبذل الاحترام والعطف، والتقدير لمن يستحقه. والتواضع خلق يرفع من قدر صاحبه، ويكسبه رضا أهل الفضل ومودتهم، كما أنه يبعث صاحبه على الاستفادة من كل أحد، وينأى به عن الكبر والتعالي، والاستنكاف من قبول الحق والأخذ به. فإذا اتصف المعلم بالتواضع علا قدره، وتناهى فضله، وكمل سؤدده. قال ابن المبارك رحمه الله : "الغنى في النفس، والكرم في التقوى، والشرف في التواضع" وكان يقال: "ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة" ثم إن التواضع مع المعلمين يغري الطلاب باكتساب الفضائل؛ من جهة أنهم يعجبون بمعلميهم إذا رأوهم متواضعين، فيقودهم ذلك إلى محبتهم، والاقتداء بهم. كذلك فإن المتواضع يرفع من أقدار الناس، وينزلهم منازلهم، ويشعر النوابغ بقيمتهم واستعداداتهم؛ كي يكونوا من أهل الشرف والمروءات. * ومن صور التواضع التي يجمل بالمعلم أن يرعاها ما يلي: أ_ إلقاء السلام على طلابه: فذلك مما يشعرهم بقيمتهم، وبتواضع معلميهم لهم. ب_ الإصغاء للطالب عند المناقشة: وذلك بحسن الاستماع إليه، وإجابته عما سأل في رفق، وتلقي ما يبديه من الفهم بإنصاف، فإن أخطأ نبهه لوجه الخطأ، وإن قال صواباً تقبله منه بارتياحٍ، وارتياحُ المعلم لآثار نجابة الطلاب مما يزيدهم جِدَّاً في الطلب، ويشعرهم باستعدادهم لأن يكونوا من النوابغ. وإنما ينبغ الطالب متى سطع في نفسه مثل هذا الشعور. جـ _ ألا يحتقر الفائدة من طلابه: قال ابن جماعة رحمه الله في الأدب الحادي عشر من آداب العالم: "ألا يستنكف أن يستفيد مما لا يعلمه ممن هو دونه منصباً، أو نسباً، أو سناً.بل يكون حريصاً على الفائدة حيث كانت، والحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها" قال: "وكان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم" قال الحميدي _وهو تلميذ الشافعي_: "صحبت الشافعي من مكة إلى مصر، فكنت أستفيد منه المسائل، وكان يستفيد مني الحديث" قال أحمد بن حنبل: "قال الشافعي: أنتم أعلم بالحديث مني؛ فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى آخذ به" د_ ألا يزدري أحداً من الطلاب: حتى الكسالى منهم، بل يحسن به أن ينزل إليهم، وأن يأخذ بأيديهم؛ كي يرفعوا من شأنهم؛ فما يدريه لعل في ثياب ذلك المُحْتَقَرِ أسداً هصوراً. ومما ينبغي التنبيه عليه أن التواضع _كما أنه تنزه عن الكبر_ لا يعني التذلل ولا الضعة، فالكبر مذموم، والضعة والتذلل داخلان في المذموم، أما التواضع فكان بين ذلك قواماً. فالضعة ترجع إلى أن يغمط الإنسان نفسه حقها، ويضعها في مواضع أدنى مما تستحق أن يضعها. والمتواضع من يعرف قدره، ولا يأبى أن يرسل نفسه في وجوه الخير، وما يقتضيه حسن المعاشرة. وإذا كان من يحتفظ بالعزة، ولا يصرف وجهه عن التواضع هو الرجل الذي يرجى لنفع الأمة، ويستطيع أن يخوض في كل مجتمع ضافي الكرامة، أنيس الملتقى، شديد الثقة بنفسه _كان حقاً على من يتولى تربية الناشئ أن يتفقده في كل طور، حتى إذا رأى فيه خمولاً، وقلة احتراس من مواقع المهانة أيقظ فيه الشعور بالعزة، والطموح إلى المقامات العلا. وإذا رأى فيه كبراً عاتياً، وتيهاً مسرفاً خفَّفَ من غلوائه، وساسه بالحكمة، حتى يتعلم أن المجد المؤثل لا يقوم إلا على دعائم العزة والتواضع. 15_ السخاء: فالسخاء بذل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من نحو العلم والمال والجاه وغيرها من صور السخاء. وبما أن السخاء يقوم على الرحمة، وحب الخير للناس ونحو ذلك كان متصلاً بفضائل أخرى تعد من مقومات المروءة؛ فالسخي في أغلب أحواله يأخذ بالعفو، ويتحلى بالحلم، ويجري في معاملاته على الإنصاف، فيؤدي حقوق الناس من تلقاء نفسه. ولتجدن السخي بحق متواضعاً، لا يطيش به كبر، ولا تستخفه الخيلاء. ولتجدنَّه أقرب الناس إلى الشجاعة، وعزة النفس، وإنما يخسر الإنسان ذلك بشدة حرصه على متاع الحياة الدنيا. قال أبو الطيب المتنبي: فأحسن وجه في الورى وجهُ مُحسنٍ *** وأيمن كفٍّ فيهم كف منعم قال عمرو بن الأهتم: ذريني فإن الشح يا أم هيثم *** لصالح أخلاق الرجال سروق فإذا اتصف المرء بالسخاء زكت نفسه، ولانت عريكته، وقاده سخاؤه إلى أن يترقى في المكارم، وأن يتطهر من المساوئ والمعايب؛ فالسخي قريب من كل خير وبر. فمما يجمل بالمعلم أن يتصف به من وجوه السخاء ما يلي: أ_ السخاء بالعلم: وهو من أعلى مراتب السخاء، وهو أفضل من السخاء بالمال؛ لأن العلم أشرف من المال. والناس في السخاء بالعلم مراتب متفاوتة، وقد اقتضت حكمة الله وتقديره النافذ ألا ينفع به بخيلاً. ومن السخاء بالعلم أن تستقصي للسائل جواباً شافياً؛ فلا يكون جوابك بقدر ما تدفع به الضرورة. ومن السخاء بالعلم أن لا تقتصر على مسألة السائل، بل تذكر له نظائرها، ومتعلقاتها، ومآخذها بحيث تكفيه وتشفيه. ومن السخاء بالعلم أن تطرحه لطلابك طرحاً، وألا تبخل عليهم بما تستطيع بذله لهم من العلم؛ فإن العلم يزيد بكثرة إنفاقه وبذله، والبخيل به ألأم من البخيل بالمال. قال الإلبيري رحمه الله في العلم: يزيد بكثرة الإنفاق منه *** وينقص إن به كفَّاً شددتا وقال ابن حزم رحمه الله: "الباخل بالعلم ألأم من الباخل بالمال؛ لأن الباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده، والباخل بالعلم بخل بما لا يَفْنى على النفقة، ولا يفارقه مع البذل"ب_ السخاء بالنصح: قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله: "ومن آداب العالم والمتعلم النصح، وبث العلوم النافعة بحسب الإمكان، حتى لو تعلم مسألة واحدة ثم بثها كان من بركة علمه، ولأن ثمرات العلم أن يأخذه الناس عنك؛ فمن شح بعلمه مات علمه بموته، وربما نسيه وهو حي، كما أن من بث علمه كان حياة ثانية، وحفظاً لما عَلِمه، وجازاه الله من جنس عمله" جـ _ السخاء بالمال: فيسخو المعلم بماله في نحو الهدية، وإكرام المجدين، ورفد الضعفاء من الطلاب خصوصاً إذا كان المعلم موسراً، أو كان ما يجود به لا يضره. د_ السخاء بالوقت، وبالجاه: وذلك في سبيل نفع الطلاب أو الزملاء فيما ينوبهم وفيما يعود بالنفع عليهم. هـ_ السخاء في قضاء الحوائج وتفريج الكربات، وتخفيف الآلام. و_ السخاء بالعرض: وذلك بأن يسخو بعرضه لمن نال منه، فذلك مما يحسن بالمعلم؛ لأنه قد لا يسلم من قدح الطلاب، أو أولياء أمورهم؛ فحري به أن يسخو عليهم بذلك فيبيحهم، ويتصدق عليهم بعرضه. وفي هذا السخاء من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه. ز_ السخاء بالصبر والاحتمال والإغضاء: وهذه مرتبة شريفة من مراتب السخاء؛ وهي أنفع لصاحبها من الجود بالمال، وأعزُّ له، وأنصر، وأملك لنفسه، وأشرف لها، ولا يقدر عليها إلا النفوس الكبار، وسيأتي مزيد بيان لهذا عند الحديث عن رحابة الصدر، وقوة الاحتمال. ح_ السخاء بالبشر والتبسم، والبشاشة والبسطة، ومقابلة الناس بالطلاقة: فذلك فوق السخاء بالصبر، والاحتمال، والعفو، وهو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وهو أثقل ما يوضع في الميزان، وفيه من المنافع والمسارِّ وأنواع المصالح ما فيه. وسيأتي مزيد بيان له _إن شاء الله_. هذه بعض صور السخاء؛ فما أحرانا _معاشر المعلمين_ أن نأخذ أنفسنا بالسخاء في كافة صوره، وألا ننتظر المقابل لما نقدمه ونسخو به. قال الرافعي رحمه الله : "إن السعادة الإنسانية الصحيحة في العطاء دون الأخذ، وإن الزائفة هي الأخذ دون العطاء، وذلك آخر ما انتهت إليه فلسفة الأخلاق" وكما يحسن بنا أن نأخذ أنفسنا بالسخاء فإنه حقيق علينا أن نربي نشأنا على هذا الخلق، وأن نلقنهم أن السخاء مرقاة السيادة والفلاح. كما كان فرضاً علينا أن ننذرهم سوء المنقلب الذي ينقلب إليه البخلاء والمبذرون. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() 16_ التنزه عن الحسد: قال الماوردي رحمه الله: " واعلم أن المروءة أن يكون الإنسان معتدل الحال في مراعاة لباسه من غير إكثار أو اطراح؛ فإن اطراح مراعاتها، وترك تفقُّدها مهانة وذلة، وكثرة مراعاتها، وصرف الهمة إلى العناية لها دناءة ونقص.فمن جميل أخلاق المعلمين أن يتنزهوا عن الحسد، وأن يؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؛ لأن الحسد اعتراض على حكمة الله، وشح بالخير على عباد الله. فأعيذك بالله _أيها المعلم المبارك_ من الحسد؛ لأن الحاسد لا تعلو به رتبة، ولا يهدأ له بال؛ فهو دنيء مهين النفس، ولأنه بحسده اشتغل بما لا يعنيه، فأضاع ما يعنيه، وما يعود عليه بالخير والنفع، فتراه يزري بفلان، وينتقص فلاناً؛ محاولاً بذلك تهديم أقدارهم، والنهوض على أكتافهم، وغاب عنه أن الرافع الخافض هو الله _عز وجل_. فمما يدل على نزاهة النفس وطهارة الطوية أن يترفع المرء عن الحسد، وأن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، فيفتح المجالات أمامهم، ويعطيهم فرصة للإبداع والحديث ونحو ذلك بعيداً عن الأثرة وحب التفرد بالخير. ومما يجمل به في هذا الصدد أن يفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم، فذلك مما يدل على رسوخ القدم في الفضيلة. وبدلاً من الحسد خيراً للحاسد أن يرتقي بنفسه، وأن يسعى للسير في المعالي سعيه. قال ابن المقفع: "ليكن ما تصرف به الأذى عن نفسك ألا تكون حسوداً؛ فإن الحسد خلق لئيم، ومن لؤمه أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والمعارف، والخلطاء؛ فليكن ما تعامل به الحسد أن تعلم أن خير ما تكون حين تكون مع من هو خير منك، وأنَّ غُنْماً حسناً لك أن يكون عشيرك وخليطك أفضل منك في العلم فتقتبس من علمه، وأفضل منك في القوة فيدفع عنك بقوته، وأفضل منك في المال فتفيد من ماله، وأفضل منك في الجاه فتصيب حاجتك بجاهه، وأفضل منك في الدين فتزداد صلاحاً بصلاحه " 17_ الاعتدال في الملبس: فالمعلم قدوة، ومثال يُحتذى _كما مر_ آنفاً _ومما يحسن به أن يعتدل في ملبسه؛ لأن الملبس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديدٌ له، وهل اللباس إلا وسيلة من وسائل التعبير عن الذات؟ فكن حذراً في لباسك؛ لأنه يُعبِّر لغيرك عن تقويمك في الانتماء، والتكوين والذوق. ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل الباطن. والناس يُصَنِّفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي الناظر تصنيف اللابس من الرصانة، والتَّعَقُّل، أو التمشيخ والرهبنة، أو التصابي وحب الظهور؛ فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالاً لقائل، ولا لمزاً للامز فالإسلام_ وإن عني بتزكية الأرواح، وترقيتها في مراقي الفلاح_ لم يبخس الحواس حقها، بل قضى للأجسام لبانتها من الزينة والتجمل بالقسطاس المستقيم. فالتجمل والعناية بالمظهر_ في حد ذاته_ أمر حسن؛ فالله _عز وجل_ جميل يحب الجمال، ويحب أن يُرى أثر نعمته على عبده. وإنما المحذور هو المبالغة في التجمل، وصرف الهمة للتأنُّق، واشتداد الكلف بحسن البزة والمظهر؛ فهذا الصنيع يقطع عن الاهتمام بإصلاح النفس، ويومئ إلى نقص متأصل. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إياكم لبستين: لبسةً مشهورة، ولبسة محقورة " وقال بعض الحكماء: " البس من الثياب ما لا يزدريك فيه العظماء، ولا يعيبك الحكماء " وقيل: أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت**والبس لباساً يشتهيه الناس وربما توهم من خلا من فضل، وعري من تمييز أن ذلك هو المروءة الكاملة، والسيرة الفاضلة؛ لما يرى من تَمَيُّزه عن الأكثرين، وخروجه عن جملة العوام المسترذلين. وخفي عليه أنه إذا تعدى طوره، وتجاوز قدره كان أقبح لذكره، وأبعث على ذمه " قال المتنبي: لا يعجبن مضيماً حسنُ بزته**وهل يروق دفيناً جودةُ الكفن وأما الخروج عن المعتاد، والتطلع إلى ما هو أنفس وأغلى _فمرفوض كما مر. قال المعري: وإن كان في لبس الفتى شرف له**فما السيف إلا غمدُه والحمائل هذا وقد عُلم بالتَّتَبُّع والاستقراء أن كل عرف خالف الشرع فإنه ناقص مختل. وهذه قاعدة مُطَّرِدة لا تنتقض. 18_ الاعتدال في المزاح: فالطلاب ينتابهم الكسل، ويغلب عليهم السآمة والملل؛ فإذا لَطَّف المعلم حرارة الدرس، وكسر حدة الجد بشيء من المزاح كان ذلك باعثاً على النشاط، مجدداً للهمة. ولكن يراعي في ذلك ما يلي: أ_ ألا يكون المزاح كثيراً: لأن كثرة المزاح تسقط الهيبة، وتُخلُّ بالمروءة، وتجرئ الأنذال. قال ابن جماعة رحمه الله في أدب المعلم: " ويتقي المزاح، وكثرةَ الضحك؛ فإنه يقلل الهيبة، ويسقط الحشمة كما قيل: من مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عُرِف به " وقال أحد الشعراء: فإياك إياك المزاحَ فإنه يُجَرِّي** عليك الطفل والدَّنِس النذلا ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ** ويورثه من بعد عزته ذلا فلا يسمح للطلاب أن يَسِفُّوا بالمزاح، أو أن يتجاوزوا حدود الأدب. لا تَمزَحَنْ وإذامزحت فلا يكن**مزحاً تضاف به إلى سوء الأدب واحذر ممازحةً تعود عداوةً ** إن المزاح على مقدمة الغضب فقد يمازح المعلم طالباً لا يتحمل المزاح، كأنْ يكون شديد الحياء، أو ذا نفس متوترة قلقة، أو نحو ذلك فإذا مازحه المعلم نفر من الدرس، وثقل على الحاضرين، وثقلوا عليه. د_ ألا يمازح السفهاء: لأنه قد يسمع منهم ما لا يرضيه كما سيأتي بعد قليل عند الحديث عن مجاراة السفهاء. هـ _تجنب الإحراج: فلا يوقع نفسه في حرج، ولا يوقع الطلاب في حرج؛ بحيث يكون المزاح في أمور واضحة لا يترتب عليها ما يوقع الحرج. و_ ألا يسمح بالفوضى تعم القسم. ز_ ألا يكون المزاح على حساب وقت الدرس. وبالجملة فالمزاح في الكلام كالملح في الطعام؛ إن عدم أو زاد عن الحد فهو مذموم. أفِدْ طبعَك المكدودَ بالجدِّ راحةً ** يَجِمَّ وعَلِّلْهُ بشيء من المزح ولكن إذا أعطيته المزح فليكن **بمقدارما تعطي الطعام من الملح 19_ محاسبة النفس: فمما يجب علينا _معاشر المعلمين_ أن نقف مع أنفسنا، وأن ننقد ذواتنا؛ سعياً في الكمال، وحرصاً على النهوض بما أنيط بنا من أعمال؛ إذ لا يليق بنا أن نزكي أنفسنا بالأقوال دون الأفعال، ونُبَرِّأها من العيوب والنقائص؛ لأن هذا عين الجهل، وآية الغفلة؛ فالإصلاح لا يتأتى بتجاهل العيوب، ولا بإلقاء الستار عليها؛ فنحن في تحمل الأمانة أمام رب العالمين يعلم ما نخفي من النيات، وما نعلن من الأعمال، وأمام تاريخ لا يغادر سيئة ولا حسنة إلا أحصاها؛ فلنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، ولنجعل من ضمائرنا علينا رقيباً. هذا ومما يعين على محاسبة النفس وتلافي العيوب ما يلي: أ_ الإقرار بالنقص: قال ابن حزم رحمه الله : " لو علم الناقص نقصه لكان كاملاً " وقال: " لا يخلو مخلوق من عيب، فالسعيد من قلَّت عيوبه ودقَّت " ب_ أن نعرف عيوبنا: فمعرفة الداء تعين على وصف الدواء، قال ابن المقفع: " من أشد عيوب الإنسان خفاءُ عيوبه عليه؛ فإن من خفي عليه عيبُه خفيت عليه محاسن غيره. ومن خفي عليه عيبُ نفسه، ومحاسنُ غيره فلن يقلع عن عيبه الذي لا يعرف، ولن ينال محاسن غيره التي لا يبصر أبداً " وقال محمود الوراق رحمه الله : أتم الناس أعرفُهم بنقصه ** وأقمعهم لشهوته وحرصه جـ _ أن نسعى في الخلاص من العيوب: فلا يكفي مجرد معرفة العيوب، بل لا بد من السعي في الخلاص منها. قال _تعالى_: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى] (الأعلى: 14). وقال: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا] (الشمس: 9). قال ابن حزم رحمه الله : " العاقل من مَيَّزَ عيوب نفسه، فغالبها، وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وتمييزه، وضعف فكرته؛ وإما لأنه يُقَدِّر أن عيوبه خصال، وهذا أشد عيب في الأرض" د_ حسن التعاهد للنفس: قال ابن المقفع: " ليحسن تعاهدُك نَفْسَك بما تكون به للخير أهلاً؛ فإنك إن فعلت ذلك أتاك الخير يطلبك كما يطلب الماء السيل إلى الحدورة " وقال ابن حزم رحمه الله : " إهمال ساعة يفسد رياضة سنة " هـ _ ألا نجعل إساءة الأمس مسوغةً لإساءة اليوم، ولا إساءة فلان من الناس مسوغة لإساءتنا: قال ابن حزم رحمه الله : " لم أرَ لإبليس أصْيَدَ، ولا أقبح، ولا أحمق من كلمتين ألقاها على ألسنة دعاته، إحداهما: اعتذار من أساء بأن فلاناً أساء قبله. والثانية: استسهال الإنسان أن يسيء اليوم؛ لأنه قد أساء أمس، أو أن يسيء في وجه ما؛ لأنه قد أساء في غيره. فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهلتين للشر، ومُدْخِلَتين له في حد ما يعرف، ويحمل، ولا ينكر" و_ الاطلاع على الجديد والمفيد فيما يخدم التربية والتعليم: فذلك مما ينمي المهارة، ويعين على الارتقاء بالمستوى. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() 21_ المحافظة على الوقت:
فالوقت هو عمر الإنسان، ومِنْ أَجَلِّ ما يصان عن الإضاعة والإهمال، والحكيم الخبير مَنْ يحافظ على وقته، فلا يتخذه وعاء لأبخس الأشياء، وأسخف الكلام، بل يَقْصُرُه على المساعي الحميدة التي ترضي الله، وتنفع الناس؛ فكل ساعة من ساعات عمرك قابلة لأن تضع فيها حجراً يزداد به صرح مجدك ارتفاعاً، ويقطع بها قومك في السعادة باعاً أو ذراعاً. فإن كنت حريصاً على أن يكون لك المجد الأسمى، ولقومك السعادة العظمى فَدَع الراحة جانباً، واجعل بينك وبين اللهو حاجباً. وإذا رجعنا البصر في تاريخ النوابغ الذين رفعوا للحكمة لواءً وجدناهم يبخلون بأوقاتهم أن يصرفوا شيئاً منها في غير درس، أو بحث، أو تحرير. قال ابن عقيل: " إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة _أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره " وقال: " إني أقْصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفَّ الكعك وتَحَسِّيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ؛ توفراً على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيها " ولهذا خلف آثاراً عظيمة؛ فله كتاب الفنون، الذي قيل عنه: إنه بلغ ثمانمائة مجلدة. فإذا كان الوقت بهذه المكانة فأجدر بالمعلم أن يحافظ عليه أشد المحافظة، وألا ينفق ساعات عمره إلا بما يعود عليه وعلى طلابه بالنفع، وأن يحذر غاية الحذر من إضاعة الوقت بما لا ينفع فضلاً عما يضر. ومما يحسن تنبيه المعلمين عليه في هذا الشأن أن يتجنبوا ما يلي: أ_ التأخر عن الدرس بلا مسوغ: فذلك ينتج عنه الإخلال بالأمانة، وترك الطلاب فوضى بلا رقيب ولا حسيب. كما ينتج عنه إضاعة الدرس، وحرمان الطلاب من الفائدة. ب_ الغياب بلا عذر: فلا يجوز أن يغيب بلا عذر؛ لأن في ذلك تفريطاً وإخلالاً، جـ _شغل الدرس بما لا ينفع: وذلك كأن يتشعب المعلم في أحاديث لا طائل تحتها، ولا فائدة ترجى من ورائها. د_ قلة الاستفادة من الاجتماعات: فالمعلمون كثيراً ما يجتمعون، ويلتقي بعضهم ببعض، واللائق بهم أن يكون اجتماعهم غنيمة يتعلم فيها بعضهم من بعض، ويتطارحون المسائل العلمية النافعة، ويتحدثون عن مشكلات الطلاب وحلولها، ومحاولة الارتقاء بالطلاب إلى الأكمل والأمثل، أو ما شاكل ذلك مما ينبغي لهم أن يأخذوا به؛ فهذا هو اللائق بهم، والمؤمل فيهم؛ إذ لا يليق بهم أن تضيع أوقاتهم سدى، فضلاً عن أن تضيع بالقيل والقال، والاشتغال بالناس؛ فذلك مما يَذْهَبُ ببهجة العلم ونوره. بل يجمل بهم أن يترفعوا عن الاسترسال في أمور الحياة العامة، كالإغراق في الحديث عن النساء - أو الرجال - ، وأخبار المتزوجين، أو الحديث عن الأطعمة، وألوانها ، والكرة ومشاكلها ، والسياسة ودهاليزها ، والأجرة ووقت دخولها - الجيب - رغم أنها داخلة لامحالة بل ومصروفة بلا هوادة . قال الأحنف بن قيس: " جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام؛ إني أبغض الرجل يكون وصَّافاً لفرجه وبطنه " وقال الشيخ محمد الخضر حسين: " وإنه ليعظم في عينك الرجل بادئ الرأي، حتى تحسبه واحداً من رجال الأمة؛ فما يروعك إلا وقد أخذ يسوق إليك حديث الأطعمة، ويُشَخِّص لك هيئاتها يحللها تحليلاً كيماوياً، ثم يطبخها بلسانه مرة أخرى. وإن لِفِقْهِ النفس أثراً عظيماً في تعديل المخاطبات وتحسين العادات " هـ _ تأجيل الأعمال عن وقتها الحاضر: إما هروباً منها، أو تكاسلاً في أدائها، فهذا لا يحسن بالمعلم؛ فالعمل الذي يؤجل قلَّ أن يُعْمل، وإذا عُمِل فقلَّ أن يُعْمل بإتقان كما لو كان في وقته، وإذا عمل في غير وقته ولو بإتقان أثَّر _في الغالب_ على أعمال أخرى. فينبغي للمعلم أن يحزم أمره، وأن يؤدي عمله بكل جد، وأن يغتنم كل فرصة ولو قلَّت؛ ليعمل بها ما تيسر ولو كان قليلاً؛ فذلك مما يبعث نشاطه، ويريحه من تراكم الأعمال. قال ابن المقفع: " إذا تراكمت عليك الأعمال فلا تلتمس الرَّوْح بالروغان منها؛ فإنه لا راحة لك إلا في إصدارها. وإن الصبر عليها هو الذي يخففها عنك، والضجر هو الذي يراكمها عليك" وقال ابن حزم: " لا تحقر شيئاً من عمل غدٍ أن تحققه بأن تعجله اليوم وإن قلَّ؛ فإن قليل الأعمال يجتمع كثيرها، وربما أعجز أمرها عند ذلك فيبطل الكل" |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
للاخ, آمين, حلقات, رائعة, سلام |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc