بسم الله الرحمن الرحيم- ربي اشرحلي صدري واحللعقدة من لساني يفقه قولي--نقدم هذا لبحث المفصل حول منهج الاشاعرة في العقيدة للعضوة النشيطة =ناديةمجدوبي وم خلالها الى استاذها الفاضل للتدبر والتامل لعلى وعسى والى البحث:• الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعــد:
فقد اطلعت على ما نشرته مجلة المجتمع في الأعداد من رقم [627/632] والمقابلة السابقة لها، وكذلك المقالتين المتضادتين في العدد [646] مما كتبه الشيخان الفوزان والصابوني عن مذهب الأشاعرة .
وإذا كان من حق أي قارئ مسلم أن يهتم بالموضوع وأن يدلي برأيه إن كان لديه جديد، فكيف بمن هو متخصص في هذا الموضوع؟
فـالأشاعرة جزء من موضوع رسالتي للدكتوراه "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي " إذ هي أكبر فرق المرجئة الغلاة.
ولن أستعجل نتائج بحثي، ولكن حسبي أن أدَّعِي دعوى وأطرحها للمناقشة، وأقبل بكل سرور من يدلي بوجهة نظره فيها.
فمن واقع إسلامي وتخصصي رأيت أن أقول كلمة؛ عسى الله أن ينفع بها، ويعلم الله أنني لو لم أشعر أن قولها واجب ضروري لما سطرتها، ولكن الموضوع أكبر من أن يسكت عليه أو يجامل فيه.
• ملاحظات على كلام الشيخين الصابوني والفوزان
ولي على كلام الشيخين ملاحظات:
1- أما الصابوني فلا يؤسفني أن أقول: إن ما كتبه عن عقيدة السلف والأشاعرة يفتقر إلى أساسيات بدائية لكل باحث في العقيدة، كما أن أسلوبه بعيد كثيراً عن المنهج العلمي الموثق وعن الأسلوب المتعقل الرصين.
وقد استبشرت بالبيان الأخير خيراً، وحسبته بيان رجوع وبراءة، فإذا هو بيان إصرار وتوكيد.
ونظراً لكونه ليس إلا جزءاً من تيار بدعي يراد له اكتساح الأمة، ونظراً لتعرضه لقضايا بالغة الخطورة تحتاج إلى بحث مستفيض لا تسعه المقالات الصحفية، فسوف أرجئ الكلام عنه إلى حين يتيسر لي بإذن الله إخراج الرد في الصورة التي أراها.
وليكن معلوماً أن هذا الرد الموعود ليس مقصوداً به الصابوني ولا غيره من الأشخاص، فالمسألة أكبر من ذلك وأخطر، إنها مسألة مذهب بدعي له وجوده الواقعي الضخم في الفكر الإسلامي حيث تمتلئ به كثير من كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة والبلاغة والأصول فضلاً عن كتب العقائد والفكر، كما أن له جامعاته الكبرى ومعاهده المنتشرة في أكثر بلاد الإسلام من الفلبين إلى السنغال .
وقد ظهرت في الآونة الأخيرة محاولات ضخمة متواصلة لترميمه وتحديثه، تشرف عليها هيئات رسمية كبرى ويغذوها المستشرقون بما ينبشون من تراثه ويخرجون من مخطوطاته.
ولهذا وجب على كل قادر أن يبين لأمته الحق وينصح لها مهما لقي، فإن مما كان يبايع عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه النصح لكل مسلم وأن يقولوا الحق لا تأخذهم فيه لومة لائم.
2- أما فضيلة الشيخ الفوزان فقد أحسن إلى المجتمع وقرائها بتلك المقالة القيمة، فقد عرض فيها على قصرها حقائق أصولية مركزة في أسلوب علمي رصين.
وله العذر كل العذر إذا لم يستوف الرد على الصابوني وبيان التناقضات التي هي سمة من سمات المنهج الأشعري نفسه؛ لأن الموضوع أكبر من أن تحيط به مقالة صحفية.
ولهذا رأيت من واجبي أن أضيف إلى ما كتبه فضيلته مستدركاً ما لا يجوز تأجيله إلى ظهور الرد المتكامل:
أولاً: فات فضيلته أن يرُدَّ على الصابوني فيما عزاه إلى شَيْخ الإِسْلامِ مكرراً إياه من قوله: {{ الأشعرية أنصار أصول الدين، والعلماء أنصار فروع الدين}}.
ولعل الشيخ وثق في نقل الصابوني ، مع أن الصابوني على ما أرجح أول من يعلم بطلان نسبة هذا الكلام لـشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية ، ولغة العبارة نفسها ليست من أسلوب شَيْخ الإِسْلامِ ، والغريب حقاً أنه أعاد هذا العزو في بيانه الأخير بالعدد [646] مؤكداً إصراره على التمويه والتدليس.
وأنا أطلب من كل قارئ أن يراجع النص في [ج 4 ص 16] من مجموع الفتاوى ، ليجد بنفسه قبل تلك العبارة نفسها كلمة "قال" فالكلام محكي منقول وقائله هو المذكور في أول الكلام آخر سطر من [ص 15] حيث يقول شَيْخ الإِسْلامِ :
'وكذلك رأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد فتوى طويلة.. قال فيها:.." إلى أن يقول: [قال: وأما لعن العلماء الأئمة الأشعرية فمن لعنهم عزر وعادت اللعنة عليه... والعلماء أنصار فروع الدين والأشعرية أنصار أصول الدين." قال: وأما دخولهم النار..]]الخ'
وفي آخر هذه الفتوى نفسها يقول شَيْخ الإِسْلامِ [ص 158/159]: 'وأيضاً فيقال لهؤلاء الجهمية الكلابية كصاحب هذا الكلام أبي محمد وأمثاله كيف تدعون طريقة السلف وغاية ما عند السلف أن يكونوا متابعين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟' إلى أن يقول: 'وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين الحق في باب التوحيد'[1] .
وبهذا يتضح قطعاً:
أ- أن العبارة المذكورة ليست من قول شَيْخ الإِسْلامِ بل قائلها أشعري يمدح مذهبه. [2]
ب- أن شَيْخ الإِسْلامِ نسب هذا القائل ومذهبه إلى الجهمية الكلابية واتِّباع طريقة الملاحدة ، وأنكر عليهم ادعاء طريقة السلف ، وهذا ينفي ما حاول الصابوني تدليسه في مقالاته الست تماماً.
• ذكر بعض مؤلفات شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في الرد على الأشاعرة
وبالمناسبة أذكر بعض ما يحضرني من الكتب التي ألفها شَيْخ الإِسْلامِ في الرد على الأشاعرة نصاً غير التي رد عليهم فيها مع غيرهم:
1- درء تعارض العقل والنقل : وهو كله رد عليهم بالأصالة كما نص في مقدمته، حيث استفتحه بذكر قانونهم الكلي الآتي في [ص 18].
2- بيان تلبيس الجهمية : المسمى نقض التأسيس : رد فيه على إمامهم الثاني " الفخر الرازي ". صاحب تأسيس التقديس أو أساس التقديس .
3- التسعينية : وهي التي كتبها في الأشهر الأخيرة من حياته رحمه الله جواباً عن محاكمة الأشاعرة له [3] .
4- شرح العقيدة الأصفهانية : وهي شرح لعقيدة الشمس الأصفهاني التي جرى فيها على بعض أصول الأشاعرة .
5- الفتوى الحموية : وهي معروفة.
6- الرسالة المدنية : وهي في الجزء السادس من مجموع الفتاوى ، وطبعت مفردة بـمصر .
7- النبوات : وهو نقض لكلام الباقلاني خاصة، والأشاعرة عامة في النبوات.
8- الإيمان : وهو نقد للأشاعرة في الإيمان، وذكر بقية المرجئة تبعاً.
9- القاعدة المراكشية : وهي كالبيان لمذهب الإمام مالك وأئمة المالكية في العقيدة، ضد المتأخرين من مالكية المغاربة المائلين إلى مذهب الأشعري ، وهي في الجزء الخامس من مجموع الفتاوى وطبعت محققة.
10- المناظرة في العقيدة الواسطية : ألفها في محاكمة الأشاعرة له بسبب الواسطية وهي في الجزء الثالث من مجموع الفتاوى .
11- الاستقامة : كتبه نقضاً لكتاب القشيري الصوفي الأشعري، وبَيَّن فيه أن عقيدة أئمة السلوك المعتبرين هي مذهب السلف ، وأن بداية الانحراف في العقيدة عند المنتسبين للتصوف في الجملة إنما جاءت متأخرة في أوائل القرن الخامس حين انتشر مذهب الأشعري .
ولتلميذه ابن القيم رحمه الله في الرد على الأشاعرة كتب منها :
1- الصواعق المرسلة : ناقش فيه أصولهم ومنها موقفهم من النصوص.
2- شفاء العليل : معظمه عنهم.
3- العقيدة النونية : معظمها عنهم.
4- اجتماع الجيوش الإسلامية : كله رد على مذهبهم خصوصاً في نفي العلو.
هذا ولم يصدر من شَيْخ الإِسْلامِ مدح مطلق للأشاعرة أبداً، وإنما غاية مدحه لهم كما في [ج 12] من الفتاوى أن يصفهم بأنهم أقرب من غيرهم، وأن مذهبهم مركب من الوحي والفلسفة، أو يمدح المشتغلين منهم بالحديث، لا لكونهم أشاعرة ولكن لاشتغالهم بالسنة مع سؤال المغفرة لهم فيما وافقوا فيه متكلمي مذهبهم.
لكن هذا أقل بكثير من المواضع التي صرح فيها بتبديعهم وتضليلهم وفساد منهجهم فهي أكثر من أن تحصر.
كما أنه حدد -رحمه الله- متى يعد المنتسب إلى الأشعري من أهل السنة فقال:
'أما من قال منهم بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك؛ فهذا يعَدُّ من أهل السنة ، لكن مجرد الانتساب إلى الأشعري ؛ لا سيما وأنه بذلك يوهم حسناً لكل من انتسب هذه النسبة، وينفتح بذلك أبواب شر'[4] أي أن من كان على عقيدة السلف منهم لا ينبغي له الانتساب للأشعري لأنه بدعة ومذمة.
• تكفير الأشاعرة لأهل السنة
ثانياً: أحسن الشيخ في مطالبة الصابوني بأي دليل صحيح على مسألة تكفير الأشاعرة ، ويضاف إلى كلام فضيلته:
إن الحاصل فعلاً هو العكس، فـالأشاعرة هم الذين كفروا وما يزالون يكفرون أتباع السلف ؛ بل كفروا كل من قال إن الله تعالى موصوف بالعلو -كما سيأتي هنا- وحسبك تكفيرهم واضطهادهم لـشَيْخ الإِسْلامِ وهو ما لم يفعله أهل السنة بعالم أشعري قط.
وقد سطر -رحمه الله- بعض جورهم عليه في أول التسعينية وصرح به كل من كتب عن سيرته.
ولولا الإطالة لأوردت بعض ما تصرح به كتب عقيدتهم من اتهامه بالزندقة والكفر والضلال.
ومن الأمثلة المعاصرة كتب الكوثري ومقالاته، وكتاب براءة الأشعريين وكتاب ابن تيمية ليس سلفياً ، وبعض ما في كتاب أركان الإيمان . [5]
.
فيا عجباً لهؤلاء القوم يكفرونه ثم يدعون أنهم وإياه على مذهب واحد ويشملهم جميعاً اسم "السنة والجماعة"!!
• المراد باصطلاح أهل السنة والجماعة
ثالثاً: كان بودي أن يُفصِّل الشيخ معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه، وهي التي يدندن حولها الصابوني ، وأنا أوجزه جداً فأقول: إن مصطلح أهل السنة والجماعة يطلق ويراد به معنيان:
[أ] المعنى الأعم: وهو ما يقابل الشيعة ، فيقال: المنتسبون للإسلام قسمان: أهل السنة والشيعة ، مثلما عَنْوَنَ شَيْخ الإِسْلامِ كتابه في الرد على الرافضي "منهاج السنة "، وفيه بيَّن هذين المعنيين، [6] . وصرح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة [هي] من أهل السنة بالمعنى [الأعم].
وهذا المعنى يدخل فيه كل من سوى الشيعة كـالأشاعرة ، لاسيما والأشاعرة فيما يتعلق بموضوع الصحابة والخلفاء متفقون مع أهل السنة ، وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة كما سيأتي.
[ب] المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء وهو الأكثر استعمالاً وعليه كتب الجرح والتعديل، فإذا قالوا عن الرجل: إنه صاحب سنة أو كان سنياً أو من أهل السنة ونحوها، فالمراد أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كـالخوارج والمعتزلة والشيعة ، وليس صاحب كلام وهوى.
وهذا المعنى لا يدخل فيه الأشاعرة أبداً؛ بل هم خارجون عنه وقد نص الإمام أحمد وابن المديني على أن من خاض في شيء من علم الكلام لا يعتبر من أهل السنة وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة السنة فحسب بل التلقي والاستمداد منها، [7] . فمن تلقى من السنة فهو من أهلها وإن أخطأ، ومن تلقى من غيرها فقد أخطأ وإن وافقها في النتيجة.
والأشاعرة -كما سترى- تلقوا واستمدوا من غير السنة ولم يوافقوها في النتائج، فكيف يكونون من أهلها!!
وإذا كانت كتب الأشاعرة تتبرأ من "الحشوية والمجسمة والنابتة والمشبهة " وغير ذلك مما يلقبون به أهل السنة والجماعة ، فكيف يكونون وهم سواء!!
• -------------- يتبع ان شاء الله ---------------------------