لك ذلك حنونة سمر
غزلان قليلا لجو الصالون,فلاحظت أن أول من قبلت عند دخولها كانت يوما صديقة حميمة,لكن نظرتها لها كانت متغيرة , لكنها لم تكن أول مرة ترمقها بنظرة كهذه ,فارغة و غريبة,لكنها تعرف لم !و تعرف منذ متى كذلك,فالقصة هي أنهما يوما ما أيام الثانوية حين كانت كل واحدة تفضي للثانية أسرارها,قصص الحب و الفتيان,فقالت غزلان.أن هناك شابا يسكن في حيهم ينتظرها كل يوم أمام مدخل الثانوية,و لا يأتي إلا و بيديه قطع الشوكولا و الحلوى و العلكة,كانت صديقتها ترتدي الحجاب آنذاك, و من عائلة جد محافظة و متدينة بل متزمتة,لا تؤمن بنجاح المرأة ,و عندما تقدم لأخيها شاب لخطبتها, ما كان منه إلا القول(الله يسخر) ألا و هو الموافقة التامة التي لا رجعة فيها,ما أثار دهشة غزلان أن صديقتها لم تجد في الأمر أي نوع من السيطرة عليها أو قمع لرأيها,كأنها حمل وديع يستسلم للسكين ! لكن بيت القصيد أن الشابين صاحب الحلوى و الذي خطب صديقتها لم يكن سوى واحدا !!! محمد الذي يحضر الحلوى لغزلان هو الذي خطب صديقتها ,ما يثير الضحك أنها كم مرة أكلت من تلك الحلوى !!!
يا لسخرية القدر و تزوجت منه,و كانت غزلان أكثر من ساعدها في التحضير للعرس بربط الشراشف و جمع الملابس و كيها,و كل العادات الجزائرية التي لا يمكن للعروس أن تفلت منها ,لكن بعد الزفاف عدلت غزلان عن زيارتها تفاديا لإحداث مشاكل,,
ابتسمت لها في المرآة المقابلة ثم أبعدت نظرها عنها, لتعود إلى الغريمة الولهانة بعيونها ,فقط لأنها تشبه عيون أخيها. قالت آمال بكل جدية (نقعد دايما نهدر معاه حتى مورا العرس) و هي تصر على ذلك بشدة ,كانت مئات العبارات تدور بخلد غزلان ,لكنها لم ترد أن تقطع سيل كلام آمال كما لم ترد أن تخسر ثقتها بها و لا أن تبعد السكينة التي طبعت كلامها,فحتما هي تعلم خطورة أن تبقى على علاقة به و هي متزوجة,اكتفت بسماع قصصها و مغامراتها معه,و رغم أن الجرأة كانت تطبع ما تسرده,بل بعض التجاوزات الخطيرة,إلا أن قصتهما كانت جميلة و بنفس القدر مأساوية و محزنة.
ظلت آمال تطلق تنهيدات عميقة و مؤلمة كلما لفظت اسمه و الأسى يعتصر قلبها كلما تذكرت أياما ولت.و ظلت غزلان تقول عبارات قد تخفف عنها قليلا
_الله يجيب الخير,نوي الخير تلاقي الخير,بلاك هاد الزواج فيه خيرية...
_واش نقولك آ ختي ,راها مخلطة علي,بصح درك طفرت.
_لا تقولي فات الأوان كأنك مقدمة على الانتحار,قولي الله يسخر لي
كانت أصوات مجففات الشعر تصم الآذان و تجعل النسوة يتكلمن بصوت مرتفع,و رائحة الشعر المصفف يحترق تحت الحرارة تكاد تخنقهن مختلطة مع الشمع المزيل للشعر,و رائحة الكريمات, غزلان في كل تلك الجلبة تقول في نفسهاَ(كم هو غريب أمرنا نحن النساء عندما يتعلق الأمر بالجمال..) فجأة نادتها صاحبة المحل,لتسألها ماذا تريد أن تفعل من اجلها أو بالأحرى بها,فبصفتها قريبتها أرادت أن تقدم دورها عن الأخريات قليلا
_أي مناسبة ستحضرون.........لكي أعرف كيف سأزينك؟
,لكنها أجابت بابتسامة شكر _ل اشكرا لا شيء أتيت لرؤية صديقتي .
و أشارت لها فوجدتها مبتسمة لها و بعيونها امتنان عميق لنعتها بصديقتها ,فقالت آمال لصاحبة المحل ممازحة
_ألديك مانع؟ فضحكن مع بعضهن و ردت صاحبة المحل _ما كانش مشكل.
لم تعرف غزلان أي شعور يجب أن تحس به تجاه آمال,أن تفرح لعرسها أم تحزن لحزنها,أم تشفق عليها,أم تؤنبها ؟؟ ؟ كان أمرها محيرا بقدر سحر جمالها, فكل ما كانت تعرفه عنها غزلان سابقا قد تبخر و حلت محله مشاعر جديدة ,فقد عرف عنها أنها فتاة لا يستهان بها لا يفوتها شيء ,حتى أن غزلان تذكر أنها أتت يوما للحي الجامعي لتفصل بين أختها و قريبة لهما كانتا على خلاف,فانتهى الأمر بأنها خدشت قريبتهما خدشا مرعبا بوجهها ترك أثرا طويلا بشعا لأسابيع,وليس هذا فقط بل أنها تملصت من مجلس التأديب و لم تحصل على أي نوع من العقاب,و رغم أن الضحية أثارت شوشرة حول الأمر و ضخمته إلا أنها لم تنل سوى العقاب و التهديد بالفصل كذلك !! كانت هذه الحادثة إحدى الانطباعات التي قد كانت ل غزلان عنها .لكن نظرتها المكسورة اليوم كانت غير تلك الشخصية تماما,فهي اليوم أشبه بقطة ضائعة.
تكلمتا قرابة الساعتين,لم تحس فيهما غزلان بالوقت لولا العرق الذي كساها و كاد يقودها للجنون,لم تنظر للساعة طول الوقت الذي مكثت فيه بالصالون إلا و أمها ترن على جوالها,فعرفت أنها قد نسيت نفسها و نهضت من الكرسي لتغادر لكنها أرادت أن تمر أولا لتلقي التحية على أهل البيت, فدخلت من الباب الخلفي الذي يربط الصالون بالمنزل كانت أم صاحبات الصالون خالتي مباركة من النساء اللواتي بقين من الزمان المبارك,ببساطة حديثها,و خجلها من المواقف العادية , و مراعاتها لكلام الناس تظهر كم تغيرنا و كم تخلينا عن أصالتنا من زمن البركة إلى زمن السرعة,سلمت عليهم و عند خروجها كانت صديقتها الجديدة أو المؤقتة كما سيحكم عليهما القدر قد انتهت من شذب حواجبها ,فلم تعبأ غزلان بنفسها إلا و هي تأخذها بالأحضان مودعة مواسية و قالت بصوت مبحوح
_تبانلي ما نزيدش نشوفك قاع.
_علاش ! حرام عليك كي نجي لدارنا نشوفك,تبغي تجي عندي لداري مرحبا بيك على راسي و عيني.
و أحكمت يديها حولها كأن تستشف منها ما يربطها بحبيبها, كانت غزلان تقدر ما تحمله من ألم ,تدرك ما تريده منها أيضا, و عندما أنزلت كل واحدة يديها عن الأخرى و التقت نظراتهما كانت عيون آمال مغرو رقة بالدموع.